مشاهدة النسخة كاملة : ماحكم اناشيد طيور الجنة


جمانة2
26-12-2010, 12:56 AM
اولا السلام عليكم
ثانيا قبل ان اقول الحكم اريد الاجابة على هذه الاسئلة
1-ماحكم شرب العسل؟

اكيد حلاال

2_ما حكم شرب الخمر؟

اكيد حرام

3_اذا وجدنا كوبا نصفه خمر ونصفه عسل هل يكون الشرب حرام؟

وهذا ايضا الشرب منه حرام

لان الحرام اذا اختلط بالحلاال افسده


هكذا يكون الامر فى اناشيد طيور الجنة
وغيرها من القنوات تجد الاناشيد كلماتها
طيبة ولكنها مختلطة بالمعازف والمعازف
حرام هكذا قال لنا رسول الله
ليكونن من امتى اقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف

وبالتاكيد عندما نسمع الانشودة
لانستطيع ان نسمعها بدون الموسيقى
لانها مختلطة بها وفى هذه الحالة
ناثم عندما نسمع هذه الاناشيد
لان فيه موسيقى
بالله عليكم ادعولى ان اكون من اهل الفردوس الاعلى وانتظر الردود

جمانة2
26-12-2010, 05:09 PM
:o:o:o مش ممكن لحد دلوقتى محدش عبرنى بكلمة :o:o:o

:(:(:(:(

Specialist hossam
26-12-2010, 11:27 PM
جزاكم الله خيرا
وربنا يجعلنا واياكم من اهل الفردوس الاعلى

Specialist hossam
26-12-2010, 11:56 PM
يا الله ......

حتى أغانى الأطفال بقت حرام



الكلام واضح : الموسيقى والمعازف حرااااااااااااااام:)

لو عندك راى تانى

هات الادلة من الكتاب والسنة

جمانة2
27-12-2010, 01:47 AM
جزاكم الله خيرا
وربنا يجعلنا واياكم من اهل الفردوس الاعلى

وجزاك خيرا منه اسعدنى مرورك

جمانة2
27-12-2010, 01:58 AM
[quote=هانى الشرقاوى;2951036]يا الله ......

حتى أغانى الأطفال بقت حرام[/quote


لقد قرات لك من قبل كلمات تقول فيها (دائما هناك خطا فى التعميم)
رغم انى لا اتفق فى كلمة دائما لانى اذا قلت كل المنافقين سيدخلون
النار فهنا لم اخطىء رغم اننى عممت
ولكن هذا لا يهم المهم انك هنا عممت وقلت حتى اغانى الاطفال
حرام رغم ان كلامى كان واضحا وهو الغناء الذى به معازف سواء
للاطفال او للكبار ولم اقل ان غناء الاطفال كله حرام
والان انظر للحديث ستجد انك من الذين
يستحلون المعازف بحجة انها اناشيد اطفال

وربنا يهديك ويهدى المسلمين اجمعين

فارس المحبة
27-12-2010, 06:26 AM
جزاكى الله خيـــــــــــــــــــــــــــــــــر

أزهار الخريف
27-12-2010, 07:01 AM
جزاكى الله خيـــــــــــــــــــــــــــــــــر

صوت الامة
27-12-2010, 01:04 PM
مفيش فايدة!
اظاهر اننا كل شوية نتكلم فى المواضيع دى
وفى الاخر بتقلب لجدال وبيبقا اخرتها ارشف المحذوف والمثير للجدل
يا جماعة خلاصة الموضوع
اصل الاناشيد والاغانى فى الكلمات وليس الموسيقى
ولكن هناك فرق بين نشيد واغنية اظن كلامى واضح
فيها اية اما اعمل نشيد يحثنا على الجهاد نشيد يحثنا على الرجوع للاسلام نشيد يحثنا قوية الايمان
ولكن بايقاع ما المشكلة فيها
انا قرات وبحثت فى الموضوع اكثر من مرة وكل مرة بيحصل فيها مشاكل بسبب الموضوع دة
وانا الان الاقية بيتكرر قدامى
يا جماعة هذا محل خلاف بين العلماء منهم من حرمة ومنهم من حللة
وعندى جميع الادلة الى انتو عيزنها فى تحليل الاناشيد من كبار المفتين
ولكن السؤال هنا؟
ما الحكمة من هذا الموضوع وخصوصا بان قناة طيور الجنة ماشاء الله اناشيدها فى منتهخى الجمال
وتحث الاطفال على الطاعة والكلميات الجميلة
دة مش بدل ميسمعو الاغانى المنتشرة بصورة غير عادية والمناظر القبيحة التى يرونها على شاشات التلفاز
ايهما افضل تعليمهم كلمات طيبة وصور رائعة على طيور الجنة فى ذكر لله وكلمات فيها طاعة
ام تعليمهم ااغانى من المنتشرة هذة الايام؟؟


ثم انتم تثيرون موضوعات العلم بها لا ينفع والجهل بها لا يضر
الاولى ان نتحث فيما ينفع الشباب لدفع الضرر او جلب المصلحة

جمانة2
27-12-2010, 03:24 PM
لما يكون الرسول حرم الموسيقى
يبقى مش محتاجة علماء نسالهم فيها
الحديث واضح وبعدين مقولتش على
طيور الجنة انها وحشة بالعكس دى
جميلة جداا للاطفال بس فيها موسيقى
والموسيقى حرام سماعها حتى لو
فى اناشيد اطفال ومقلتش برده ان
الاطفال هياخدوا ذنب
لان دى انا سيد جميلة رائعة وجميل
جدا ان الاطفال تسمعها بدل الاغانى
التانية يعنى كدة كدة مضطرين نسمعلهم
لكن مش معنى كدة ان الموسيقى
اللى فيها حلاال
وبعدين انا بقول الحكم الدينى
مش قصدة ابدا اسبب
جدل
واللى شايف ان الكلام اللى انا كتباه غلط
يحتفظ برايه لنفسه عشان
ميكونش فى جدال وفى
النهاية اقول ودة مش كلامى من حرم المعازف
هو رسول الله
ومش كل اللى يلبس
عمة هنفضلوا عالرسول

مستر / طاهر أبو خزيم
27-12-2010, 03:57 PM
جزاك الله خيرا اختنا الفاضله انا مدرس انجليزى لكن تعليمى كله ازهر وبدرّس فى الأزهر واريد ان اقول من خلال قراءتى فى الكتب الدينية واطلاعى على مختلف اقوال العلماء والفقهاء فقد علمت بأن الغناء وجميع الآت اللهو والطرب والمعازف حرام سواء استخدمناها للأطفال ام للكبار لأن الحكم واضح وعام للكبير والصغير والرجل والمرأة وبعدين الأطفال دول هما مش اطفال مسلمين ويجب ان نغرس فيهم اصول وامور الدين من الصغر ام نتركهم بحجة انهم اطفال ولا نعرف ان نقومهم بعد ان يكبروا هذا على حد علمى وجزاكم الله خيرا

جمانة2
27-12-2010, 05:15 PM
جزاك الله خيرا اختنا الفاضله انا مدرس انجليزى لكن تعليمى كله ازهر وبدرّس فى الأزهر واريد ان اقول من خلال قراءتى فى الكتب الدينية واطلاعى على مختلف اقوال العلماء والفقهاء فقد علمت بأن الغناء وجميع الآت اللهو والطرب والمعازف حرام سواء استخدمناها للأطفال ام للكبار لأن الحكم واضح وعام للكبير والصغير والرجل والمرأة وبعدين الأطفال دول هما مش اطفال مسلمين ويجب ان نغرس فيهم اصول وامور الدين من الصغر ام نتركهم بحجة انهم اطفال ولا نعرف ان نقومهم بعد ان يكبروا هذا على حد علمى وجزاكم الله خيرا

كلامك صح طبعا وعندك حق فيه بس انا اقصد اقول ان اناشيد طيور الجنة كويسة لان كلامها طيب لكن هما مش قادرين يميزوا ان انا بكلم عن الموسيقى مش الاناشيد ولازم طبعا بما ان الاطفال مسلمين لازم نربيهم على الاسلام لكن فعلا الاطفال احيانا بنضطر
نسيبهم امام طيور الجنة لان بيبقى عندهم فضول شديد لسماع الاغانى تانية واقول مرة اخرى مش معنى ان يكون شىء افضل من شىء ان يكون كدة حلاال
ولكن ربما يكون اقل سوءا

صوت الامة
27-12-2010, 07:31 PM
لما يكون الرسول حرم الموسيقى
يبقى مش محتاجة علماء نسالهم فيها
الحديث واضح وبعدين مقولتش على
طيور الجنة انها وحشة بالعكس دى
جميلة جداا للاطفال بس فيها موسيقى
والموسيقى حرام سماعها حتى لو
فى اناشيد اطفال ومقلتش برده ان
الاطفال هياخدوا ذنب
لان دى انا سيد جميلة رائعة وجميل
جدا ان الاطفال تسمعها بدل الاغانى
التانية يعنى كدة كدة مضطرين نسمعلهم
لكن مش معنى كدة ان الموسيقى
اللى فيها حلاال

مهو للاسف الحديث الى حضرتيك مستشهدة بية هو حديث من المعلقات الامام البخارى رحمة اللهلا من "المسندات المتصلة" وقد ضعفه الكثيرون.
ولو عيذانى حضرتيك اشرحليك الحديث معنديش مانع
اريد من حضرتيك الاستشهاد بحديث صحيح لانة لا يوجد حديث صحيح ورد فى البخارى او مسلم الا اجزام سيدنا عبدالله ابن عباس رضى الله عنة
اريد حديث صحيح يحرم الاناشيد

وبعدين انا بقول الحكم الدينى
مش قصدة ابدا اسبب
جدل
واللى شايف ان الكلام اللى انا كتباه غلط
يحتفظ برايه لنفسه عشان
ميكونش فى جدال وفى
النهاية اقول ودة مش كلامى من حرم المعازف
هو رسول الله
ومش كل اللى يلبس
عمة هنفضلوا عالرسول
اتفق مع حضرتيك
ولكننا نستشهد" بعلماء اجلاء"معترف بيهم
وليس بعمم كما تفضلتى
فالازهر الشريف ليس بعمم
ومفتى الجمهورية ايضا ليس عمم
اليسو من اباحو الاناشيد الهادفة بايقاع التى نتحدث عليها !
ثم من الذى فضل عالم على نبينا العدنان صلى الله علية وسلم من قبل !!

جمانة2
27-12-2010, 08:41 PM
اتفق مع حضرتيك

ولكننا نستشهد" بعلماء اجلاء"معترف بيهم
وليس بعمم كما تفضلتى
فالازهر الشريف ليس بعمم
ومفتى الجمهورية ايضا ليس عمم
اليسو من اباحو الاناشيد الهادفة بايقاع التى نتحدث عليها !

ثم من الذى فضل عالم على نبينا العدنان صلى الله علية وسلم من قبل !!


طيب اعتبرنى مقلتش حاجة بس هتلى دليل
من الرسول لتحليل الموسيقى
وبعدين يعنى ايه علماء المهم كلام الرسول
ولو انت عندك علماء بتستشهد بكلامهم
فانا برضه عندى علماء اجل منهم
وهما العلماء اللى علموا الامة كلها الدين
ولو حضرتك مش مقتنع بكلامى
فلا داعى للجدل
وكل اللى مقتنع بحاجة يخليها لنفسه
لانى عمرى ما هقتنع بكلامك وانت شكلك
مش هتقتنع بكلامى يبقى مفيش داعى
لاى كلام تانى
الجدال دة مش هيجيب الا المشاكل

جمانة2
27-12-2010, 08:49 PM
[quote=جمانة2;2951370]

ليس موسيقى الأطفال وفقط
بل أنا أستحل كل موسيقى راقية
وأرها تهذب من سلوكى النفسى وروحى البشرية
بل أكثر ... هى تدفع بى دائما إلى حالة من الخشوع والتدبر .. غريب هذا ... أليس كذلك ؟؟

أخاف أن يأتى يوما .. وأعلم أن الهواء الذى أستنشقه حرام ... والماء الذى أشربه حرام

ما علينا
لكم ولنا الله
وتحياتى للجميع
وهل الماء والهواء مثل الموسيقى كى اتحدث عن حرمانيته
حتى تشبيهاتك ليست فى موضعها اتمنى ان تاتى المرة
القادمة لتخبرنى اننى اختلقت هذا الحديث من وحى الخيال

Specialist hossam
27-12-2010, 08:51 PM
[quote=جمانة2;2951370]

ليس موسيقى الأطفال وفقط
بل أنا أستحل كل موسيقى راقية
وأرها تهذب من سلوكى النفسى وروحى البشرية
بل أكثر ... هى تدفع بى دائما إلى حالة من الخشوع والتدبر .. غريب هذا ... أليس كذلك ؟؟

أخاف أن يأتى يوما .. وأعلم أن الهواء الذى أستنشقه حرام ... والماء الذى أشربه حرام

ما علينا
لكم ولنا الله
وتحياتى للجميع



غلبتك فطرتك يا هانى

معنى استحل (اى انها حرام وانا استحلها)

فلا اعلم والله من انت لكى تحل ما حرم الله ورسوله


لا حول ولا قوة الا بالله

أبو إسراء A
27-12-2010, 08:55 PM
جزاك الله خيرا أخى الحبيب أبناء عائشة

أبو إسراء A
27-12-2010, 08:57 PM
جزاكٍ الله خيرا أخت جمانة

Specialist hossam
27-12-2010, 09:00 PM
الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده, أما بعد:
فهذا تلخيص ميسر لمحاضرة الشيخ عبد العزيز الطريفي عن الغناء وحكمه, لخصتها لأن الحاجة تدعو لهذا الموضوع, خاصة في مثل هذه الأوقات, مع تفتح كثير من العوام على الفضائيات والصحف, وتلقفهم لكل ما ينشر فيها من فتاوى ومقالات, ليكون طالب العلم على دراية بأدلة القوم واحتجاجاتهم, وقد لخصتها على عجل, وجعلتها على نقاط, وقد نقلت نص كلام الشيخ بلا أدنى تصرف, وعذراً على عدم الإجادة, وشيءٌ أفضل من لاشيء, والله نسأله التوفيق في الدنيا والآخرة,,,
التلخيص:
1- من نظر إلى النصوص من أفعال الصحابة وكذلك أشعار العرب وجد أنهم يطلقون الغناء ويريدون به الشعر والحداء، حتى اشكل ذلك على كثير من المتأخرين، وظنّوا أن ما يطلق من أقوالهم يراد به الغناء باصطلاح المتأخرين، وهذا غاية الجهل وسوء الفهم، فإن هذا لم يكن عندهم مطلقاً. وقد طرأ سوء الفهم عند بعضهم في إطلاقات بعض السلف، وما جاء في النصوص من كلام النبي- صلى الله عليه وسلم- , وكلام الصحابة عند بعض الأئمة من الفقهاء، ولذلك؛ لما ذكر ابن رجب رحمه الله في" ذيل طبقات الحنابلة " عند ترجمته لعبد الرحمن بن نجم الشيرازي المشهور بـ ( ابن الحنبلي) وهو من كبار الفقهاء في مذهب الإمام أحمد، حتى لما قدِم إلى ابن قدامة عليه في العام الذي توفي فيه، قال له ابن قدامة: لقد سررت بمقدمك، فإني خشيت أن أموت فيقع وهَنٌ بالمذهب ويقع الخلافٌ بالأصحاب .
لما استشكل وخلط بين الغِناء والحداء– أي الغناء الذي وقع عند المتأخرين وبين الحداء الذي جاء عن بعض السلف والصحابة وغيرهم – وكتب ابن الحنبلي في ذلك كتاباً عنّف عليه ابن قدامة بقوله: ( وشرع بالاستدلال لمدح الغناء بذكر الحداء، وهذا صنيع من لا يفرق بين الحداء والغناء ولا قول الشعر على أي وجهٍ كان، ومن كان هذا صنيعه فليس أهلاً للفتيا ) .
والذي قال هذا القول هو نفسه الذي قد ذكر في كتابه " المغني " أن الغناء محلُّ خلاف عند العلماء من الأصحاب، فأي غناءٍ أراد ؟
الجواب : أراد الحداء، فإنه قبل وفاته بعامٍ قد شنّع على ابن الحنبلي وذكر اتفاق العلماء على تحريم الغناء .
2- قال الإمام ابن الجوزي: " كان الغناء في زمانهم إنشادَ قصائدَ الزهدِ إلا أنهم كانوا يُلحِّنونها ".
3-قال بعض الفقهاء بحضرة الرشيد لابن جامع: الغناء يفطر الصائم, فقال: ما تقول في بيت عمر بن أبي ربيعة إذ أنشد: أمِن آل نُعْمٍ أنتَ غادٍ فمُبْكِرُ ** غداة غـد أم رائح فـمـهـجـر!

أيفطر الصائم؟
قال: لا. قال: إنما هو أن أمد به صوتي, وأحرك به رأسي.
4-لم يظهر الغناء باستعمال آلات الطرب واللهو إلا في أواخر القرن الثالث.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ( لم يكن في القرون الثلاثة المفضلة؛ لا في الحجاز ولا في الشام ولا في اليمن ولا في مصر ولا في العراق ولا في المغرب ولا في خرسان عند أهل الصلاح ,وأهل الزهادة, وأهل العبادة الاجتماع على مثل المكاء والتصدية، إنما نشأ ذلك في أواخر المائة الثانية ).
5- ما يطلق من أقوال بعض الصحابة وأشعار العرب من ذكر الغناء, فالمراد به الأشعار, وما يسمى في وقتنا بالأناشيد.
وقد نص على هذا التعريف غير واحد من الأئمة؛ من أئمة اللغة وغيرهم؛ كأبي عبيد القاسم بن سلاّم، بل نص عليه الإمام الشافعي.
6- روى الإمام البخاري في " الصحيح " فقال : قال هشام بن عمّار: حدثنا صدقة بن خالد، قال: حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال: حدثنا عطية بن قيس، عن عبد الرحمن بن غَنْمٍ ، قال: حدثني أبو مالك أو أبو عامر، ووالله ما كذبني أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (( لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ)) .
يقول ابن قدامة وغيره: آلة اللهو كالطنبور والمزمار والشبابة آلة للمعصية بالإجماع. وقد أعلّ ابن حزم الأندلسي, وكذلك ابن طاهر ابن القيسراني هذا الحديث وحكما عليه بالضعف، وذلك أنه في حكم المعلّق في " صحيح الإمام البخاري " .
فيقال: أن هذا فيه نظر, ولا يجري على قاعدة ابن حزم بنفسه، وذلك أن ابن حزم قد صرّح في غير ماموضع من كتبه – منها في كتاب " الإحكام " – أن الراوي إذا حّدث عن راوٍ عدلٍ مثله- وكان قد سمعه_ بأي صيغة كانت سواء بالتحديث, أو بإنباء, أو قوله ( عن فلان ) أو قوله ( قال فلان ), أن ذلك محمول على السماع ، وهذا منها .
إضافةً إلى ذلك أن هشام بن عمّار من شيوخ الإمام البخاري المعروفين، وقوله: ( قال ) لا يُردُّ إلا إن كان البخاري من أهل التدليس، وليس كذلك.
وعلى القول بأنه معلّق وأن البخاري لم يسمعه منه، فقد جاء موصولاً عن هشام بن عمّار من طُرقٍ عدّه، رواها نحو عشرة من الرواة عن هشام بن عمّار موصولةً.
فقد رواه أبو ذرّ – راوِيَةُ " صحيح البخاري " – فقال : حدثنا العباس بن فضل، قال : حدثنا الحسين بن إدريس، قال: حدثنا هشام بن عمّار، وساقه بتمامه .
وكذلك رواه الحسن بن سفيان - ومن طريقه: أبو بكر الإسماعيلي في" مستخرجه " - عن هشام بن عمار به .
وكذلك قد رواه الطبراني في " معجمه " من حديث جعفر بن محمد الفريابي ، وموسى بن سهل الجوني عن هشام بن عمّار عن صدقه بن خالد به .
وكذلك قد رواه أبو نعيم في " مستخرجه " من حديث أبي بكر الباغندي وعبدان بن محمد المروزي عن هشام بن عمّار به .
وكذلك قد رواه ابن حبان في " الصحيح " من حديث الحسين بن عبد الله القطان عن هشام بن عمّار به .
وكذلك قد رواه الطبراني في " مسند الشاميين " من حديث محمد بن يزيد بن عبد الصمد عن هشام بن عمار به .
وكلّها أسانيد صحيحة عن هشام بن عمار، وهذا الحديث صحيح بلا ريب.
وأما من أعلّه بـ صدقة بن خالد فيجاب عنه بأنه قد تابعه ( بشر بن بكر ) عند أبي داود في " سننه " عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن عطية بن قيس عن عبد الرحمن بن غَنْمٍ عن أبي مالك أو أبي عامر .
وقد رواه البيهقي والإسماعيلي في " الصحيح " من حديث بشر بن بكر بتمامه, كما رواه الإمام البخاري .
وإن كان أبو داود قد رواه في " سننه " مختصراً ، إلا أنه بتمامه, وتمام سياقه قد جاء عند البيهقي، وعند أبي بكر الإسماعيلي بذكر( المعازف) .
وقد أعلّه ابن حزم أيضاً بالاضطراب في إسناده، وذلك أن الراوي قال : حدثني أبو مالك أو أبو عامر الأشعري .
قال: ولم يضبط اسمه، مما يدل على أنه مجهول، فهو مردود.
ومنهج ابن حزم الأندلسي أنه لا يقبل المجاهيل ممن لم يسمَّ من الصحابة ، وهذا قول مردود، ولا حجّة به، ولا أعلم أحداً من المعتبرين من الأئمة النّقاد من ردَّ مجاهيل الصحابة، بل هم مقبولون قاطبة .
ومازال العلماء قاطبة يحتجّون بمجاهيل الصحابة ، كيف وقد سُمّو وعُرِفُوا ؛ فأبو مالك الأشعري : صحابي مشهور .
والصواب أن الإسناد إليه، وأن الوهم من عطية بن قيس، ولذلك أخرج الحديث الإمام أحمد في " مسنده " وابن أبي شيبة في " مصنفه "، والبخاري في " التاريخ الكبير " من حديث مالك بن أبي مريم عن عبد الرحمن بن غَنْمٍ عن أبي مالك الأشعري عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنه قال : (( ليشربنّ أُناس من أُمتي الخمر يسمونها بغير اسمها، تغدو عليهم القيان وتروح عليهم المعازف)) .
وجزم بذلك الإمام البخاري- رحمه الله- كما في " التاريخ " وقال:( إنما يُعْرف عن أبي مالك الأشعري) أي: من غير شك وهو الصواب.
وعلى كلٍّ فردُّ ابن حزم الأندلسي لهذا الحديث بجهالة الصحابي وعدم الجزم به ليس في محله.
وابن حزم الأندلسي رغم جلالته وفضله وعلمه وحفظه وسعةِ إدراكه؛ إلا أنّه كثير الوهم والغلط في الرواة، ولذلك رد بعض الأحاديث الصحيحة، وحكم بالوضع على بعض الأحاديث في الصحيحين، وله رسالة ذكر فيها حديثين، وجعلهما موضوعَين، وحكم عليهما بالكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وهما في الصحيحين .
وقد نص الأئمة على وهم ابن حزم وغلطه في هذا الباب, كما نص عليه ابن عبد الهادي في كتابة " طبقات علماء الحديث " .
وكذلك قد نص عليه الحافظ ابن حجر رحمه الله في كتابة " التهذيب " وكذلك في " اللسان " وكذلك في " الفتح ".
ولما ترجم الحافظ ابن حجر للإمام الترمذي في كتابه " تهذيب التهذيب " قال:( قال ابن حزم: محمد بن عيسى بن سَورَة الترمذي مجهول).
قال ابن حجر: ( وأما ابن حزم فقد نادى على نفسه بعدم الاطلاع ) .
وقد يقول قائل أنه لم يعرفه ولم يطّلع على شيء من كتبه، ولا على سعة حفظه، فإن ابن حزم قد حكم بالجهالة على أُناسٍ من الأئمة معروفين، كأبي القاسم البغوي ، وإسماعيل بن محمد الصفار، وابي العباس الأصم وغيرهم .
ومن قاعدة ابن حزم الأندلسي- رحمه الله-: أن من لم يعرفه بداهة يحكم عليه بالجهالة، وقد حكم على رواةٍ كُثُرٍ، وقد تتبّعها بعض الأئمة في مصنّف, وهو الحافظ قطب الدين الحلبي ثم المصري من ( المحلى )، ولا أعلم أهو مطبوع أم لا ؟
ومن نظر في كتاب " المحلّى " ونظر إلى من حكم عليه بالجهالة من الرواة المعروفين عرف ذلك، بل حتى من الصحابة، فقد حكم على يعلى بن مرّه أنه مجهول، وهو صحابي معروف.
ولذلك قال الزيلعي رحمه الله- حينما علّق على أوهام بن حزم في ردّه للأحاديث الصحيحة الصريحة عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وحكمه على أحاديث بأنها معلولة وهي ظاهرة الصحة- قال الزيلعي:( ولابن حزم من ذلك مواضع كثيرة جداً من الوهم والغلط في أسماء الرواة ) .
يقول ابن القيم في كتابه "الفروسية" : (تصحيحه للأحاديث المعلولة، وإنكاره لتعليلها نظير إنكاره للمعاني والمناسبات، والأقيسة التي يستوي فيها الأصل والفرع من كل وجه، والرجل يصحح ما أجمع أهل الحديث على ضعفه, وهذا بين في كتبه لمن تأمله) .
وقول ابن القيم هذا ظاهر جلي لكل منصف، عرف كتب ابن حزم، وما أعلّ به ابن حزم الأندلسي هذا الحديث فإنه ليس بمعتبر مطلقاً، مع ظهور الأدلة، ووضوح الإسناد، ونقاوته، فهو كالشمس صحةً عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم-.
7- من أحلّ المعازف والغناء المحرم فقد نص بعض الأئمة على تكفيره. نص بعض أصحاب أبي حنيفة على تكفيره فقالوا: إن سماع الغنى فسوق، والتلذّذ به كفر.
وكذلك القاضي عياض، وكذلك إمام الحنابلة ابن قدامة حكاه عنه ابن الحنبلي، حكم بكفر من أباح الغناء، ومن حكم بكفر مستحل الغناء كذلك البزازي وزين الدين الكرماني من الحنفية.
وقد تعقّب ابن الحنبلي- رحمه الله- كما في " ذيل طبقات الحنابلة " ابن قدامه، وذكر أنه غلوّا.
* وحمل بعضهم الاستحلال في حديث أبي مالك الأشعري- رضي الله عنه- على المبالغة فيه بالسماع حتى يُظن أنه ممن يرى إباحته.
* وحمله بعضهم – وممن نص على هذا شيخ الإسلام ابن تيمية – على أن المراد بالاستحلال: الأخذ بالتأويل وبالشبهات لإباحة الغناء، كمن يقول إن الغناء إنما هو أصوات وألحان, كأصوات الطير وأصوات الريح وأصوات الإنسان، حينما يمشي في الأرض، وكطرق الأبواب والضرب على الحديد، فإنما هي تُجمع ويؤلف بينها لا غير، فهي أصوات من الطبيعة .
8- ومما جاء عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من النص على تحريم الغناء: ما رواه الإمام أحمد في " مسنده " وأبو داود في " سننه " من حديث عبد الكريم الجزري, عن قيس بن حبتر عن عبد الله بن عباس-رضي الله عنهما- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: (( إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْخَمْرَ وَالْمَيْسِرَ وَالْكُوبَةَ)) .
والكوبة: قيل: هي الطبل، وقيل : نوع من أنواع المعازف، وقيل: إنها اسم يطلق على سائر أنواع المعازف .
و إسناده صحيح .
وفي إسناده عبد الكريم الجزري، وقد تابعه علي بن بذيمه عند الإمام أحمد في " مسنده "؛ عن قيس عن عبد الله بن عباس .
وجاء في ذلك: ما رواه أبو عبيد القاسم بن سلاّم والبيهقي أيضاً من حديث حبيب بن الشهيد وهشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة: (( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- نهى عن كسب الزمارة)) .
وإسناده صحيح .
ومن نظر إلى هذه النصوص وجدها صريحة في تحريم المعازف.
9- جاء عن عبد الله بن عمر-رضي الله عنه- كما رواه أبو داود في "سننه" من حديث نافعٍ, عن عبد الله بن عمر: (( أنه سمع مزماراً فوضع أصبعيه في أذنيه، فقال لابنه نافع: أتسمع صوتاً ؟ فقال: لا، فقال: إني كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ففعل ما فعلت )) . وإسناده قد تكلم فيه، وصححه ابن رجب -رحمه الله- في رسالته " السماع".
10- لا يزال العلماء على مرِّ العصور ينقلون إجماع السلف والخلف على تحريم الغناء وآلات اللهو والطرب، فمن نظر إلى العلماء في كل قرن وجد أنهم يتتابعون على نقل الإجماع مقرين له. ولا أعلم قرناً من القرون خلا من عالمٍ ينقل إجماع العلماء على تحريم الغناء والمعازف.
ولذلك قد نقله زكريا بن يحي الساجي في كتابه "اختلاف العلماء" في القرن الثالث إذ جل حياته فيه.ونقله الآجري رحمه الله في القرن الرابع. ونقله أبو الطيب الطبري وابن عبد البر في القرن الخامس. ونقله ابن قدامة وأبو القاسم الدولعي الشامي الشافعي في القرن السادس.
ونقله ابن الصلاح والقرطبي والعز بن عبد السلام في القرن السابع. ونقله شيخ الإسلام ابن تيمية والسبكي وابن رجب وابن القيم وابن مفلح وغيرهم في القرن الثامن. ونقله العراقي والبزازي الحنفي في القرن التاسع. ونقله ابن حجر الهيتمي في القرن العاشر. ونقله الآلوسي وأحمد الطحطاوي في القرن الثالث عشر. ونقله الغماري في القرن الرابع عشر.
ولا يزال العلماء على شتى مذاهبهم؛ من المالكية والحنفية والشافعية والحنابلة مطبقين على تحريم الغناء والمعازف.
ولذلك فمن نظر إلى من حكى الإجماع وجد اختلاف بلدانهم، وتباين مذاهبهم.
فمن المالكية: ابن عبد البر في " التمهيد "، والقرطبي في " تفسيره "، وابن القطان الفاسي في كتابه " الإقناع في مسائل الإجماع ".
ومن الشافعية: جماعة وخلق كثير كابن الصلاح، والعز بن عبد السلام، وابن حجر الهيتمي، والعراقي، والطرطوسي وغيرهم.
ومن الحنابلة": ابن قدامة، وابن رجب، وابن تيمية، وابن القيم، وابن مفلح، وغيرهم.
ومن الحنفية: الفقيه الحنفي محمد البزازي في "المناقب"، وزين الدين الكرماني، وشيخ الحنفية أحمد الطحطاوي في مصر في "حاشيته على مراقي الفلاح".
وكذلك أئمة المذاهب بأنفسهم: قد نصوا على التحريم، وحكى الإجماع من أهل المذاهب على اختلاف بلدانهم.
* فابن عبد البر والقرطبي في الأندلس.
* وابن القطان الفاسي والغماري في المغرب .
* وابن قدامة وابن الحنبلي وابن تيمية والعز بن عبد السلام وابن رجب وابن القيم في الشام .
* وابن حجر الهيثمي والطحطاوي الحنفي في مصر .
* والعراقي والآلوسي في العراق.
* وفي بلاد الترك والبلغار: الفقيه الحنفي محمد البزازي الكردي، في "الفتاوى البزازية" . وغيرهم خلق كثير على اختلاف بلدانهم .
ومن حكى خلافاً في هذه المسألة فقد غلب عليه هواه.
يقول ابن حجر الهيتمي: في كتابه " كف الرعاع " : ( ومن حكى خلافاً في الغناء فإنه قد وهِمَ وغَلِط ، وغلب عليه هواه حتى أصمّه وأعماه ) .
ومن نظر إلى الأئمة الأربعة وجد نصوصهم متضافرة على تحريم الغناء بالنص.
فالإمام مالك: قد روى الإمام أحمد في كتاب " العلل " والخلال في " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " من حديث إسحاق بن عيسى الطبّاع، قال: ( سألت مالكاً عن سماع الغناء ؟ فقال: إنما يفعل ذلك عندنا الفسّاق ) .
وأما الإمام أحمد: فقد نقل عنه ابنه عبد الله في كتابه " المسائل " قال: ( سألت أبي عن الغناء ؟ فقال: ينبت النفاق في القلب، لا يعجبني )، ثم نقل قول الإمام مالك رحمه الله: ( إنما يفعل ذلك عندنا الفسّاق ) .
قال أبو حنيفة رحمه الله: ( وأما الغناء فهو محرّم عند سائر الأديان). ورد شهادة المغنّي الأئمةُ من أتباع مذهبهِ.
وأما الإمام الشافعي- رحمه الله- فقال: الغناء لهوٌ مكروه، ويشبه الباطل والمحال، وقد نص في كتابه " أدب القضاء " وكذلك في كتابه " الأم " على أن المغنّي ترد شهادته.
وأعْجَبُ مِنْ قول من يقول: إن رد الشافعي لشهادة المغني مع قوله" لهو مكروه يشبه الباطل" ليس بصريح في التحريم. وإن قول الإمام مالك: ( إنما يفعل ذلك عندنا الفسّاق ) ليس بصريح في التحريم.
وإن قول الإمام أحمد: ( ينبت النفاق في القلب ) ليس بصريح بالتحريم!! فأي تحريم يثبت في الشرع عنهم حينئذٍ إن لم يكن هذا القول صريحاً بالتحريم ؟؟
وإن كنا نعلم بل نتيقن أن أقوال الأئمة من الأئمة الأربعة وغيرهم ليست نصوصاً من الوحي، وأن كلامهم ليس بحجه، وأنه بحاجة إلى أن يحتج له لا أن يحتج به، ولكن تساق أقوال الأئمة- رحمهم الله- ليُعْلم الإجماع والإطباق، فإن الإجماع معتبر،ولا يكون إلا على نص.
ونقل تكفير من أباح الغناء عن أئمة من ثلاثة مذاهب متبوعة.
قال بعض أصحاب أبي حنيفة : ( سماع الغناء فسق، والتلذذ به كفر)، والتصريح بكفر مستحل الغناء قال به من الحنفية: حافظ الدين الفقيه محمد البزازي في "الفتاوى البزازية"، وزين الدين الكرماني.
قال البزازي في "فتاويه": ولما عُلِمَ أنّ حرمَتَهُ بالإجماع لزم أن يكفّر مُسْتَحِلَّه .
وقال به القاضي عياض المالكي،بل حكى الإجماع على كفر مستحله.
وحكاه ابن الحنبلي، كما نقله ابن رجب- رحمه الله- في كتابه " ذيل طبقات الحنابلة " عن ابن قدامه.
وإن كان هذا القول ليس على الصواب، بل أن فيه تشدداً، وذلك أن الكفر بعيد، وإنما هو هوى وجرمٌ وذنبٌ، وقد عدّه غير واحد من الأئمة من كبائر الذنوب كابن النحّاس في كتابه " تنبيه الغافلين "، وابن حجر الهيتمي في كتابه " الزواجر " عدّوا سماع الغناء من الكبائر .
11- ينقل العلماء أن السماع هو مذهب أهل الحجاز، فأي سماع أرادوا ؟ الجواب : أرادوا السماع الذي قد أطبق عليه الناس الآن في وقتنا عامّة، من المبالغة بسماع الحداء والأناشيد وغيرها.
وقد سُئِل الإمام مالك- رحمه الله- عن الغناء فقال: ( إنما يفعل ذلك عندنا الفسّاق ) .
وسُئِل الإمام الشافعي- رحمه الله–: حيث سأله يونس ، فقال: سألت الشافعي عن السماع الذي أراده أهل المدينة ؟ فقال الشافعي - وهذا نقل نفيس عنه - : ( لا أعلم أحداً من أهل المدينة كره السماع إلا ما كان على الأوصاف، وأما ما كان من إنشاد الشعر والحداء وذكر المرابع، فإنه مباح) ، إذاً المراد بذلك كلّه لا يخرج عن الكلام الملحّن.
ويوهم كثير من النقلة أن المراد بالسماع عند أهل المدينة هو المعازف وآلات الطرب، وهذا جهل شنيع ، فما قال بذلك أحدٌ معتبر.
بل قال ابن حجر الهيتمي في كتابه " كف الرعاع ": ( لم يحفظ عن أحد ولم يرو عن أحد من الصحابة ولا من التابعين ولا من الأئمة المجتهدين من قال بإباحة المعازف) .
وقد لبس – أولُبِّس على - كثير ممن صنّف في إباحة اللهو والغناء حيث أدخلوا عن هوى أو شبهة مسألة المعازف والموسيقى فيها، ولا علاقة لها فيه.
وقد نظرت في المصنفات التي صنّفت في هذا الباب، فرأيت أن من ذكر الموسيقى فيها لا دليل في كتابه كلّه على شيء من ذلك، وأنه يستدل ببعض الألفاظ التي جاء فيها ذِكر الغناء ، وذلك لا يعدو كونه شعراً وحداءً، ومن نظر إلى أشعار العرب وكتب اللغة وجد ذلك ظاهراً.
12- يستدل المجيزون ببعض الأحاديث التي جاءت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ، فمنها ما جاء في الصحيح من حديث عائشة- رضي الله عنها- أنها قالت: دخل عليَّ النبي- صلى الله عليه وسلم- وعندي جاريتان تغنيان بغناءٍ بعاث ، فدخل أبو بكر الصديق- رضي الله عنه- فقال: أمزمار الشيطان عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: (( دعهما)) . مغنيتان تغنيان: المراد بالغناء هو الحداء، وهذا معلوم ولا ريب فيه، ولم يخالف في ذلك أحد من أهل اللغة، وإنما خالف فيه من جَهِل الاصطلاح ممن تأخر.
فيقال أولاً: إن ذلك ليس فيه دليل، فليس ثمّة آلة لهوٍ؛ لا مزمار ولا طبل ولا غيرها .
الأمر الثاني: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان سامعاً، ولم يكن مستمعاً، ومعلوم أن ثمّة فرق بين السماع والاستماع.
فالسماع: هو أن ينفذ إلى سمع الإنسان شيء من غير اختياره ومن غير إنصات.
فإن الله عز وجل قد حرّم الغيبة والنميمة وحرّم الاستماع إليها، والجلوس عند من يخوض في كلام الله عز وجل استهزاءاً، وقد ينفذ إلى مسَامِعِهِ شيء من الحرام ولا يأثم بذلك .
وهذا نظير المُحرم حينما يأتي إليه من رائحة الطيب مما لا يتعمّده شمّاً، ولا يلحق في ملابسه فليس عليه شيء.
ويقول ابن قدامة رحمه الله: ( ومن لا يفرّق بين السماع والاستماع فإن ذلك جاهل، وليس أهلاً للفتيا) .
13- سماع عائشة للمغنيتين اللتين تغنيان عندها بغناء بعاث ليس المراد بذلك المعازف بالإطلاق، وذلك أن عائشة تنكر الزيادة في الإطراب بالقول، فكيف بالمعازف أيضاً ؟ فقد روى البيهقي – كما تقدم – من حديث بكير بن الأشج عن أم علقمة: ( أن عائشة قد خُفِضت بنات أخيها– القاسم بن محمد – فتألمنَ، فقيل: نأتي بمغني يلهيهنَّ، فقالت: ائتوا بفلان، فجيء به فأخذ يغني، فرأته عائشة وهو يهز رأسه وشعره طويل، فقالت: أخرجوه! شيطان شيطان) .
14- وحينما يستدل البعض ببعض المرويات مما جاء عن بعض السلف كعبد الله بن عمر، أو عبد الله بن أبي جعفر بن أبي طالب، أنه كان يستمع الغناء ونحو ذلك، فيقال: ما المراد بالغناء هنا ؟ نص القشيري في رسالته: (أن ما روي عن عبد الله بن عمر وعبد الله بن أبي جعفر بن أبي طالب من جملة سماع الأشعار بالألحان).
ليس المراد بذلك –قطعاً - الغناء المحرم والمعازف.
ولذلك يقول ابن رجب في رسالته في " السماع " (( وقد روي عن بعض السلف من الصحابة وغيرهم ما يوهم عند البعض إباحة الغناء، والمراد بذلك هو الحداء والأشعار)).
وابن قدامة- رحمه الله- قد عنّف على ابن الحنبلي إذ فَهِمَ منه غير ذلك الفهم .
هذا ما تيسر تلخيصه, والله أسأل التوفيق والسداد في الدارين,,,

Specialist hossam
27-12-2010, 09:04 PM
هذا دين يا عباد الله

جنة او نار

لقد اثبتت بالادلة ومن يخالف فليفند لى الادلة بالمشاركة السابقة والا

اطلب الصمت من الجميع
منعا للجدال

فهذا دين فانظروا عن من تأخذون دينكم

صوت الامة
27-12-2010, 09:14 PM
طيب اعتبرنى مقلتش حاجة بس هتلى دليل
من الرسول لتحليل الموسيقى
وبعدين يعنى ايه علماء المهم كلام الرسول
ولو انت عندك علماء بتستشهد بكلامهم
فانا برضه عندى علماء اجل منهم
وهما العلماء اللى علموا الامة كلها الدين
ولو حضرتك مش مقتنع بكلامى
فلا داعى للجدل
وكل اللى مقتنع بحاجة يخليها لنفسه
لانى عمرى ما هقتنع بكلامك وانت شكلك
مش هتقتنع بكلامى يبقى مفيش داعى
لاى كلام تانى
الجدال دة مش هيجيب الا المشاكل
وهتيلى دليل صحيح عن الرسول صلى الله علية وسلم
فى تحريم الموسيقى !
وزى مقلتى ودة الى بنقول فية من الصبح ان هذا الامر فية اختلاف بين العلماء والجميع يستدل بحججة وبراهينة
رغم ان الدين يسر انتم الان تعسروها على الناس
وهو فعلا زى منتى قولتى محدش هيقتنع بكلام حد

عموما اللهم بلغت اللهم فشهد
ولكن فى الاخر اود ان اجيب لحضراتكم اراء العلماء فى ذالك

جمانة2
27-12-2010, 09:16 PM
جزاكم الله خيرا ووفقكم الى صالح الاعمال

صوت الامة
29-12-2010, 11:08 PM
الدكتور يوسف القرضاوى
رئيس هيئة علماء المسلمين
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
سؤال يتردد علي ألسنة كثيرين في مجالات مختلفة وأحيانًا شتي.
سؤال اختلف جمهور المسلمين اليوم في الإجابة عليه، واختلف سلوكهم تبعًا لاختلاف أجوبتهم، فمنهم من يفتح أذنيه لكل نوع من أنواع الغناء، ولكل لون من ألوان الموسيقي مدعيًا أن ذلك حلال طيب من طيبات الحياة التي أباح الله لعباده.

ومنهم من يغلق الراديو أو يغلق أذنيه عند سماع أية أغنية قائلا: إن الغناء مزمار الشيطان، ولهو الحديث ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة وبخاصة إذا كان المغني امرأة، فالمرأة -عندهم- صوتها عورة بغير الغناء، فكيف بالغناء؟ ويستدلون لذلك بآيات وأحاديث وأقوال.
ومن هؤلاء من يرفض أي نوع من أنواع الموسيقي، حتي المصاحبة لمقدمات نشرات الأخبار.

ووقف فريق ثالث مترددًا بين الفريقين؛ ينحاز إلي هؤلاء تارة، وإلي أولئك طورًا، ينتظر القول الفصل والجواب الشافي من علماء الإسلام في هذا الموضوع الخطير، الذي يتعلق بعواطف الناس وحياتهم اليومية، وخصوصًا بعد أن دخلت الإذاعة –المسموعة والمرئية- علي الناس بيوتهم، بجدها وهزلها، وجذبت إليها أسماعهم بأغانيها وموسيقاها طوعًا وكرهًا.

والغناء بآلة -أي مع الموسيقي- وبغير آلة: مسألة ثار فيها الجدل والكلام بين علماء الإسلام منذ العصور الأولي، فاتفقوا في مواضع واختلفوا في أخري.

اتفقوا علي تحريم كل غناء يشتمل علي فحش أو فسق أو تحريض علي معصية، إذ الغناء ليس إلا كلامًا، فحسنه حسن، وقبيحه قبيح، وكل قول يشتمل علي حرام فهو حرام، فما بالك إذا اجتمع له الوزن والنغم والتأثير ؟
واتفقوا علي إباحة ما خلا من ذلك من الغناء الفطري الخالي من الآلات والإثارة، وذلك في مواطن السرور المشروعة، كالعرس وقدوم الغائب، وأيام الأعياد، ونحوها بشرط ألا يكون المغني امرأة في حضرة أجانب منها.
وقد وردت في ذلك نصوص صريحة – سنذكرها فيما بعد.

واختلفوا فيما عدا ذلك اختلافًا بينا: فمنهم من أجاز كل غناء بآلة وبغير آلة، بل اعتبره مستحبًا، ومنهم من منعه بآلة وأجازه بغير آلة، ومنهم من منعه منعًا باتًا بآلة وبغير آلة وعده حرامًا، بل ربما ارتقي به إلي درجة الكبيرة.

ولأهمية الموضوع نري لزامًا علينا أن نفصل فيه بعض التفصيل، ونلقي عليه أضواء كاشفة لجوانبه المختلفة، حتي يتبين المسلم الحلال فيه من الحرام، متبعًا للدليل الناصع، لا مقلدًا قول قائل، وبذلك يكون علي بينة من أمره، وبصيرة من دينه.

الأصل في الأشياء الإباحة: ـ
قرر علماء الإسلام أن الأصل في الأشياء الإباحة لقوله تعالي: (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا) (البقرة: 29)، ولا تحريم إلا بنص صحيح صريح من كتاب الله تعالي، أو سنة رسوله –صلي الله عليه وسلم- أو إجماع ثابت متيقن، فإذا لم يرد نص ولا إجماع. أو ورد نص صريح غير صحيح، أو صحيح غير صريح، بتحريم شيء من الأشياء، لم يؤثر ذلك في حله، وبقي في دائرة العفو الواسعة، قال تعالي: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه). (الأنعام: 119).

وقال رسول الله –صلي الله عليه وسلم-: "ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسي شيئا"، وتلا: (وما كان ربك نسيا) (مريم: 64). رواه الحاكم عن أبي الدرداء وصححه، وأخرجه البزار.
وقال: "إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودًا فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها" أخرجه الداراقطني عن أبي ثعلبة الخشني. وحسنه الحافظ أبو بكر السمعاني في أماليه، والنووي في الأربعين.
وإذا كانت هذه هي القاعدة فما هي النصوص والأدلة التي استند إليها القائلون بتحريم الغناء، وما موقف المجيزين منها.

أدلة المحرمين للغناء ومناقشتها
استدل المحرمون بما روي عن ابن مسعود وابن عباس وبعض التابعين: أنهم حرموا الغناء محتجين بقول الله تعالي: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين). (لقمان: 6) وفسروا لهو الحديث بالغناء.
قال ابن حزم: ولا حجة في هذا لوجوه:
أحدها: أنه لا حجة لأحد دون رسول الله -صلي الله عليه وسلم-.
والثاني: أنه قد خالفهم غيرهم من الصحابة والتابعين.
والثالث: أن نص الآية يبطل احتجاجهم بها؛ لأن الآية فيها: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوًا) وهذه صفة من فعلها كان كافرًا بلا خلاف، إذ اتخذ سبيل الله هزوًا.

ولو أن امرأ اشتري مصحفًا ليضل به عن سبيل الله ويتخذه هزوا لكان كافرًا ! فهذا هو الذي ذم الله تعالي، وما ذم قط عز وجل من اشتري لهو الحديث ليتلهي به ويروح نفسه لا ليضل عن سبيل الله تعالي. فبطل تعلقهم بقول كل من ذكرنا وكذلك من اشتغل عامدًا عن الصلاة بقراءة القرآن أو بقراءة السنن، أو بحديث يتحدث به، أو بنظر في ماله أو بغناء أو بغير ذلك، فهو فاسق عاص لله تعالي، ومن لم يضيع شيئًا من الفرائض اشتغالاً بما ذكرنا فهو محسن. (المحلي لابن حزم (9/60) ط المنيرية). أ هـ.

واستدلوا بقوله تعالي في مدح المؤمنين: (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه) (القصص: 55). والغناء من اللغو فوجب الإعراض عنه.
ويجاب بأن الظاهر من الآية أن اللغو: سفه القول من السب والشتم ونحو ذلك، وبقية الآية تنطق بذلك. قال تعالي: (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين) (القصص: 55)، فهي شبيهة بقوله تعالي في وصف عباد الرحمن: (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا). (الفرقان: 63).
ولو سلمنا أن اللغو في الآية يشمل الغناء لوجدنا الآية تستحب الإعراض عن سماعه وتمدحه، وليس فيها ما يوجب ذلك.
وكلمة اللغو ككلمة الباطل تعني ما لا فائدة فيه، وسماع ما لا فائدة فيه ليس محرمًا ما لم يضيع حقًا أو يشغل عن واجب.

روي عن ابن جريج أنه كان يرخص في السماع فقيل له: أيؤتي به يوم القيامة في جملة حسناتك أو سيئاتك ؟ فقال: لا في الحسنات ولا في السيئات؛ لأنه شبيه باللغو، قال تعالي: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم). (البقرة: 225، والمائدة: 89).
قال الإمام الغزالي: (إذا كان ذكر اسم الله تعالي علي الشيء علي طريق القسم من غير عقد عليه ولا تصميم، والمخالفة فيه، مع أنه لا فائدة فيه، لا يؤاخذ به، فكيف يؤاخذ بالشعر والرقص ؟!). (إحياء علوم الدين. كتاب السماع ص 1147 ط دار الشعب بمصر).
علي أننا نقول: ليس كل غناء لغوا؛ إنه يأخذ حكمه وفق نية صاحبه، فالنية الصالحة تحيل اللهو قربة، والمزح طاعة، والنية الخبيثة تحبط العمل الذي ظاهره العبادة وباطنه الرياء: "إن الله لا ينظر إلي صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلي قلوبكم وأعمالكم". (رواه مسلم من حديث أبي هريرة، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم ظلم المسلم).

وننقل هنا كلمة جيدة قالها ابن حزم في "المحلي" ردًا علي الذين يمنعون الغناء قال: (احتجوا فقالوا: من الحق الغناء أم من غير الحق ؟ ولا سبيل إلي قسم ثالث، وقد قال الله تعالي: (فماذا بعد الحق إلا الضلال) (يونس: 32). فجوابنا وبالله التوفيق: أن رسول الله –صلي الله عليه وسلم- قال: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوي" (متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب، وهو أول حديث في صحيح البخاري). فمن نوي باستماع الغناء عونًا علي معصية الله فهو فاسق وكذلك كل شيء غير الغناء، ومن نوي به ترويح نفسه ليقوي بذلك علي طاعة الله عز وجل، وينشط نفسه بذلك علي البر فهو مطيع محسن، وفعله هذا من الحق. ومن لم ينو طاعة ولا معصية فهو لغو معفو عنه، كخروج الإنسان إلي بستانه، وقعوده علي باب داره متفرجًا، وصبغه ثوبه لازورديًا أو أخضر أو غير ذلك ومد ساقه وقبضها، وسائر أفعاله). (المحلي. 9/60).

جـ- واستدلوا بحديث: "كل لهو يلهو به المؤمن فهو باطل إلا ثلاثة: ملاعبة الرجل أهله، وتأديبه فرسه، ورميه عن قوسه" رواه أصحاب السنن الأربعة، وفيه اضطراب، والغناء خارج عن هذه الثلاثة.
وأجاب المجوزون بضعف الحديث، ولو صح لما كان فيه حجة، فإن قوله: "فهو باطل" لا يدل علي التحريم بل يدل علي عدم الفائدة. فقد ورد عن أبي الدرداء قوله: إني لأستجم نفسي بالشيء من الباطل ليكون أقوي لها علي الحق. علي أن الحصر في الثلاثة غير مراد، فإن التلهي بالنظر إلي الحبشة وهم يرقصون في المسجد النبوي خارج عن تلك الأمور الثلاثة، وقد ثبت في الصحيح. ولا شك أن التفرج في البساتين وسماع أصوات الطيور، وأنواع المداعبات مما يلهو به الرجل، ولا يحرم عليه شيء منها، وإن جاز وصفه بأنه باطل.

واستدلوا بالحديث الذي رواه البخاري -معلقا- عن أبي مالك أو أبي عامر الأشعري -شك من الراوي- عن النبي -عليه السلام- قال: "ليكونن قوم من أمتي يستحلون الحر (الحر: أي الفرج والمعني يستحلون الزني). والحرير والخمر والمعازف". والمعازف: الملاهي، أو آلات العزف.
والحديث وإن كان في صحيح البخاري، إلا أنه من "المعلقات" لا من "المسندات المتصلة" ولذلك رده ابن حزم لانقطاع سنده، ومع التعليق فقد قالوا: إن سنده ومتنه لم يسلما من الاضطراب، فسنده يدور علي (هشام بن عمار) (انظر: الميزان وتهذيب التهذيب). وقد ضعفه الكثيرون.
ورغم ما في ثبوته من الكلام، ففي دلالته كلام آخر؛ إذ هو غير صريح في إفادة حرمة "المعازف" فكلمة "يستحلون" –كما ذكر ابن العربي- لها معنيان: أحدهما: يعتقدون أن ذلك حلال، والثاني: أن يكون مجازًا عن الاسترسال في استعمال تلك الأمور، إذ لو كان المقصود بالاستحلال: المعني الحقيقي، لكان كفرًا.

ولو سلمنا بدلالتها علي الحرمة لكان المعقول أن يستفاد منها تحريم المجموع، لا كل فرد منها، فإن الحديث في الواقع ينعي علي أخلاق طائفة من الناس انغمسوا في الترف والليالي الحمراء وشرب الخمور. فهم بين خمر ونساء، ولهو وغناء، وخز وحرير. ولذا روي ابن ماجة هذا الحديث عن أبي مالك الأشعري بلفظ: "ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يعزف علي رؤوسهم بالمعازف والمغنيات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير"، وكذلك رواه ابن حبان في صحيحه.

هـ- واستدلوا بحديث: "إن الله تعالي حرم القينة (أي الجارية) وبيعها وثمنها وتعليمها".
والجواب عن ذلك:
أولا: أن الحديث ضعيف.
ثانيا: قال الغزالي: المراد بالقينة الجارية التي تغني للرجال في مجلس الشرب، وغناء الأجنبية للفساق ومن يخاف عليهم الفتنة حرام، وهم لا يقصدون بالفتنة إلا ما هو محظور. فأما غناء الجارية لمالكها، فلا يفهم تحريمه من هذا الحديث. بل لغير مالكها سماعها عند عدم الفتنة، بدليل ما روي في الصحيحين من غناء الجاريتين في بيت عائشة رضي الله تعالي عنها. (الإحياء ص 1148) وسيأتي.

ثالثا: كان هؤلاء القيان المغنيات يكون عنصرًا هامًا من نظام الرقيق، الذي جاء الإسلام بتصفيته تدريجيًا، فلم يكن يتفق وهذه الحكمة إقرار بقاء هذه الطبقة في المجتمع الإسلامي، فإذا جاء حديث بالنعي علي امتلاك "القينة" وبيعها، والمنع منه، فذلك لهدم ركن من بناء "نظام الرق" العتيد.
واستدلوا بما روي نافع أن ابن عمر سمع صوت زمارة راع فوضع أصبعيه في أذنيه، وعدل راحلته عن الطريق، وهو يقول: يا نافع، أتسمع ؟ فأقول: نعم، فيمضي، حتي قلت: لا. فرفع يده وعدل راحلته إلي الطريق وقال: "رأيت رسول الله يسمع زمارة راع فصنع مثل هذا" رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة.
والحديث قال عنه أبو داود: حديث منكر.

ولو صح لكان حجة علي المحرمين لا لهم. فلو كان سماع المزمار حرامًا ما أباح النبي -صلي الله عليه وسلم- لابن عمر سماعه، ولو كان عند ابن عمر حرامًا ما أباح لنافع سماعه، ولأمر عليه السلام بمنع وتغيير هذا المنكر، فإقرار النبي -صلي الله عليه وسلم- لابن عمر دليل علي أنه حلال.
وإنما تجنب عليه السلام سماعه كتجنبه أكثر المباح من أمور الدنيا كتجنبه الأكل متكئًا وأن يبيت عنده دينار أو درهم .... إلخ.

واستدلوا أيضًا لما روي: "إن الغناء ينبت النفاق في القلب" ولم يثبت هذا حديثًا عن النبي -صلي الله عليه وسلم-، وإنما ثبت قولاً لبعض الصحابة، فهو رأي لغير معصوم خالفه فيه غيره، فمن الناس من قال -وبخاصة الصوفية- إن الغناء يرقق القلب، ويبعث الحزن والندم علي المعصية، ويهيج الشوق إلي الله تعالي، ولهذا اتخذوه وسيلة لتجديد نفوسهم، وتنشيط عزائمهم، وإثارة أشواقهم، قالوا: وهذا أمر لا يعرف إلا بالذوق والتجربة والممارسة، ومن ذاق عرف، وليس الخبر كالعيان.

علي أن الإمام الغزالي جعل حكم هذه الكلمة بالنسبة للمغني لا للسامع، إذ كان غرض المغني أن يعرض نفسه علي غيره ويروج صوته عليه، ولا يزال ينافق ويتودد إلي الناس ليرغبوا في غنائه. ومع هذا قال الغزالي: وذلك لا يوجب تحريمًا، فإن لبس الثياب الجميلة، وركوب الخيل المهلجة، وسائر أنواع الزينة، والتفاخر بالحرث والأنعام والزرع وغير ذلك، ينبت النفاق في القلب، ولا يطلق القول بتحريم ذلك كله، فليس السبب في ظهور النفاق في القلب المعاصي فقط، بل المباحات التي هي مواقع نظر الخلق أكثر تأثيرًا (الإحياء ص 1151) .

واستدلوا علي تحريم غناء المرأة خاصة، بما شاع عند بعض الناس من أن صوت المرأة عورة. وليس هناك دليل ولا شبه دليل من دين الله علي أن صوت المرأة عورة، وقد كان النساء يسألن رسول الله -صلي الله عليه وسلم- في ملأ من أصحابه وكان الصحابة يذهبون إلي أمهات المؤمنين ويستفتونهن ويفتينهم ويحدثنهم، ولم يقل أحد: إن هذا من عائشة أو غيرها كشف لعورة يجب أن تستر.
فإن قالوا: هذا في الحديث العادي لا في الغناء، قلنا: روي الصحيحان أن النبي سمع غناء الجاريتين ولم ينكر عليهما، وقال لأبي بكر: دعهما. وقد سمع ابن جعفر وغيره من الصحابة والتابعين الجواري يغنين.

والخلاصة: أن النصوص التي استدل بها القائلون بالتحريم إما صحيح غير صريح، أو صريح غير صحيح. ولم يسلم حديث واحد مرفوع إلي رسول الله يصلح دليلاً للتحريم، وكل أحاديثهم ضعفها جماعة من الظاهرية والمالكية والحنابلة والشافعية.
قال القاضي أبو بكر بن العربي في كتاب "الأحكام": لم يصح في التحريم شيء.
وكذا قال الغزالي وابن النحوي في العمدة.
وقال: ابن طاهر: لم يصح منها حرف واحد.
وقال ابن حزم: كل ما رُوي فيها باطل وموضوع.

أدلة المجيزين للغناء:
تلك هي أدلة المحرمين، وقد سقطت واحدًا بعد الآخر، ولم يقف دليل منها علي قدميه، وإذا انتفت أدلة التحريم بقي حكم الغناء علي أصل الإباحة بلا شك، ولو لم يكن معنا نص أو دليل واحد علي ذلك غير سقوط أدلة التحريم. فكيف ومعنا نصوص الإسلام الصحيحة الصريحة، وروحه السمحة، وقواعده العامة، ومبادئه الكلية ؟
وهاك بيانها:

أولا: من حيث النصوص:
استدلوا بعدد من الأحاديث الصحيحة، منها: حديث غناء الجاريتين في بيت النبي -صلي الله عليه وسلم- عند عائشة، وانتهار أبي بكر لهما، وقوله: مزمور الشيطان في بيت النبي -صلي الله عليه وسلم-، وهذا يدل علي أنهما لم تكونا صغيرتين كما زعم بعضهم، فلو صح ذلك لم تستحقا غضب أبي بكر إلي هذا الحد.

والمعول عليه هنا هو رد النبي -صلي الله عليه وسلم- علي أبي بكر -رضي الله عنه- وتعليله: أنه يريد أن يعلم اليهود أن في ديننا فسحة، وأنه بعث بحنيفية سمحة. وهو يدل علي وجوب رعاية تحسين صورة الإسلام لدي الآخرين، وإظهار جانب اليسر والسماحة فيه.
وقد روي البخاري وأحمد عن عائشة أنها زفت امرأة إلي رجل من الأنصار فقال النبي -صلي الله عليه وسلم-: "يا عائشة، ما كان معهم من لهو ؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو".
وروي ابن ماجة عن ابن عباس قال: أنكحت عائشة ذات قرابة لها من الأنصار فجاء رسول الله فقال: "أهديتم الفتاة ؟" قالوا: نعم قال: "أرسلتم معها من يغني ؟" قالت: لا. فقال رسول الله -صلي الله عليه وسلم-: "إن الأنصار قوم فيهم غزل، فلو بعثتم معها من يقول: أتيناكم أتيناكم .. فحيانا وحياكم ؟!

وروي النسائي والحاكم وصححه عن عامر بن سعد قال: دخلت علي قرظة بن كعب وأبي مسعود الأنصاري في عرس، وإذا جوار يغنين. فقلت: أي صاحبي رسول الله أهل بدر يفعل هذا عندكم ؟! فقالا: اجلس إن شئت فاستمع معنا، وإن شئت فاذهب، فإنه قد رخص لنا اللهو عند العرس.
وروي ابن حزم بسنده عن ابن سيرين: أن رجلاً قدم المدينة بجوار فأتي عبد الله بن جعفر فعرضهن عليه، فأمر جارية منهن فغنت، وابن عمر يسمع، فاشتراها ابن جعفر بعد مساومة، ثم جاء الرجل إلي ابن عمر فقال: يا أبا عبد الرحمن، غبنت بسبعمائة درهم ! فأتي ابن عمر إلي عبد الله بن جعفر فقال له: إنه غبن بسبعمائة درهم، فإما أن تعطيها إياه، وإما أن ترد عليه بيعه، فقال: بل نعطيه إياها. قال ابن حزم: فهذا ابن عمر قد سمع الغناء وسعي في بيع المغنية، وهذا إسناد صحيح لا تلك الأسانيد الملفقة الموضوعة.

واستدلوا بقوله تعالي: (وإذا رأوا تجارة أو لهو انفضوا إليها وتركوك قائمًا قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين). (الجمعة: 11).
فقرن اللهو بالتجارة، ولم يذمهما إلا من حيث شغل الصحابة بهما -بمناسبة قدوم القافلة وضرب الدفوف فرحًا بها- عن خطبة النبي -صلي الله عليه وسلم-، وتركه قائمًا.
واستدلوا بما جاء عن عدد من الصحابة -رضي الله عنهم- أنهم باشروا السماع بالفعل أو أقروه. وهم القوم يقتدي بهم فيهتدي.
واستدلوا لما نقله غير واحد من الإجماع علي إباحة السماع، كما سنذكره بعد.

وثانيا: من حيث روح الإسلام وقواعده:
لا شيء في الغناء إلا أنه من طيبات الدنيا التي تستلذها الأنفس، وتستطيبها العقول، وتستحسنها الفطر، وتشتهيها الأسماع، فهو لذة الأذن، كما أن الطعام الهنيء لذة المعدة، والمنظر الجميل لذة العين، والرائحة الذكية لذة الشم ... إلخ، فهل الطيبات أي المستلذات حرام في الإسلام أم حلال ؟
من المعروف أن الله تعالي كان قد حرم علي بني إسرائيل بعض طيبات الدنيا عقوبة لهم علي سوء ما صنعوا، كما قال تعالي: (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرًا. وأخذهم الربا وقد نهو عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل) (النساء: 160، 161). فلما بعث الله محمدًا –صلي الله عليه وسلم- جعل عنوان رسالته في كتب الأولين (الذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم). (الأعراف: 157).

فلم يبق في الإسلام شيء طيب أي تستطيبه الأنفس والعقول السليمة إلا أحله الله، رحمة بهذه الأمة لعموم رسالتها وخلودها. قال تعالي: (يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات). (المائدة: 4).
ولم يبح الله لواحد من الناس أن يحرم علي نفسه أو علي غيره شيئًا من الطيبات مما رزق الله مهما يكن صلاح نيته أو ابتغاء وجه الله فيه، فإن التحليل والتحريم من حق الله وحده، وليس من شأن عباده، قال تعالي: (قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حرامًا وحلالاً قل آلله أذن لكم أم علي الله تفترون) (يونس: 59). وجعل سبحانه تحريم ما أحله من الطيبات كإحلال ما حرم من المنكرات، كلاهما يجلب سخط الله وعذابه، ويردي صاحبه في هاوية الخسران المبين، والضلال البعيد، قال جل شأنه ينعي علي من فعل ذلك من أهل الجاهلية: (قد خسر الذين ***وا أولادهم سفهًا بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء علي الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين). (الأنعام: 140).

ولو تأملنا لوجدنا حب الغناء والطرب للصوت الحسن يكاد يكون غريزة إنسانية وفطرة بشرية، حتي إننا لنشاهد الصبي الرضيع في مهده يسكته الصوت الطيب عن بكائه، وتنصرف نفسه عما يبكيه إلي الإصغاء إليه ولذا تعودت الأمهات والمرضعات والمربيات الغناء للأطفال منذ زمن قديم، بل نقول: إن الطيور والبهائم تتأثر بحسن الصوت والنغمات الموزونة حتي قال الغزالي في الإحياء: (من لم يحركه السماع فهو ناقص مائل عن الاعتدال، بعيد عن الروحانية، زائد في غلظ الطبع وكثافته علي الجمال والطيور وجميع البهائم، إذ الجمل مع بلادة طبعه يتأثر بالحداء تأثرًا يستخف معه الأحمال الثقيلة، ويستقصر -لقوة نشاطه في سماعه- المسافات الطويلة، وينبعث فيه من النشاط ما يسكره ويولهه. فتري الإبل إذا سمعت الحادي تمد أعناقها، وتصغي إليه ناصبة آذانها، وتسرع في سيرها، حتي تتزعزع عليها أحمالها ومحاملها) .

وإذا كان حب الغناء غريزة وفطرة فهل جاء الدين لمحاربة الغرائز والفطر والتنكيل بها ؟ كلا، إنما جاء لتهذيبها والسمو بها، وتوجيهها التوجيه القويم، قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: إن الأنبياء قد بعثوا بتكميل الفطرة وتقريرها لا بتبديلها وتغييرها.
ومصداق ذلك أن رسول الله -صلي الله عليه وسلم- قدم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: "ما هذان اليومان؟" قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية: فقال عليه السلام: "إن الله قد أبدلكم بهما خيرًا منهما: يوم الأضحي ويوم الفطر" رواه أحمد وأبو داود والنسائي.

وقالت عائشة: "لقد رأيت النبي يسترني بردائه، وأنا أنظر إلي الحبشة يلعبون في المسجد، حتي أكون أنا التي أسأمه -أي اللعب- فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة علي اللهو".
وإذا كان الغناء لهوا ولعبًا فليس اللهو واللعب حرامًا، فالإنسان لا صبر له علي الجد المطلق والصرامة الدائمة.

قال النبي -صلي الله عليه وسلم- لحنظلة -حين ظن نفسه قد نافق لمداعبته زوجه وولده وتغير حاله في بيته عن حاله مع رسول الله -صلي الله عليه وسلم-: "يا حنظلة، ساعة وساعة" رواه مسلم.
وقال علي بن أبي طالب: روحوا القلوب ساعة بعد ساعة، فإن القلوب إذا أكرهت عميت.
وقال كرم الله وجهه: إن القلوب تمل كما تمل الأبدان، فابتغوا لها طرائف الحكمة.
وقال أبو الدرداء: إني لأستجم نفسي بالشيء من اللهو ليكون أقوي لها علي الحق.

وقد أجاب الإمام الغزالي عمن قال: إن الغناء لهو ولعب بقوله: (هو كذلك، ولكن الدنيا كلها لهو ولعب ... وجميع المداعبة مع النساء لهو، إلا الحراثة التي هي سبب وجود الولد، وكذلك المزح الذي لا فحش فيه حلال، نقل ذلك عن رسول الله -صلي الله عليه وسلم- وعن الصحابة.
وأي لهو يزيد علي لهو الحبشة والزنوج في لعبهم، فقد ثبت بالنص إباحته. علي أني أقول: اللهو مروح للقلب، ومخفف عنه أعباء الفكر، والقلوب إذا أكرهت عميت، وترويحها إعانة لها علي الجد، فالمواظب علي التفكر مثلاً ينبغي أن يتعطل يوم الجمعة؛ لأن عطلة يوم تساعد علي النشاط في سائر الأيام، والمواظب علي نوافل الصلوات في سائر الأوقات ينبغي أن يتعطل في بعض الأوقات، ولأجله كرهت الصلاة في بعض الأوقات، فالعطلة معونة علي العمل، اللهو معين علي الجد ولا يصبر علي الجد المحض، والحق المر، إلا نفوس الأنبياء عليهم السلام، فاللهو دواء القلب من داء الإعياء، فينبغي أن يكون مباحًا، ولكن لا ينبغي أن يستكثر منه، كما لا يستكثر من الدواء. فإذًا اللهو علي هذه النية يصير قربة، هذا في حق من لا يحرك السماع من قلبه صفة محمودة يطلب تحريكها، بل ليس له إلا اللذة والاستراحة المحضة، فينبغي أن يستحب له ذلك، ليتوصل به إلي المقصود الذي ذكرناه. نعم هذا يدل علي نقصان عن ذروة الكمال، فإن الكامل هو الذي لا يحتاج أن يروح نفسه بغير الحق، ولكن حسنات الأبرار سيئات المقربين، ومن أحاط بعلم علاج القلوب، ووجوه التلطف بها، وسياقتها إلي الحق، علم قطعًا أن ترويحها بأمثال هذه الأمور دواء نافع لا غني عنه) انتهي كلام الغزالي (الإحياء: كتاب السماع ص 1152، 1153)، وهو كلام نفيس يعبر عن روح الإسلام الحقة.
القائلون بإجازة الغناء:
تلك هي الأدلة المبيحة للغناء من نصوص الإسلام وقواعده، فيها الكفاية كل الكفاية ولو لم يقل بموجبها قائل، ولم يذهب إلي ذلك فقيه، فكيف وقد قال بموجبها الكثيرون من صحابة وتابعين وأتباع وفقهاء ؟
وحسبنا أن أهل المدينة -علي ورعهم- والظاهرية- علي حرفيتهم وتمسكهم بظواهر النصوص -والصوفية- علي تشددهم وأخذهم بالعزائم دون الرخص- روي عنهم إباحة الغناء.
قال الإمام لشوكاني في "نيل الأوطار": (ذهب أهل المدينة ومن وافقهم من علماء الظاهر، وجماعة الصوفية، إلي الترخيص في الغناء، ولو مع العود واليراع. وحكي الأستاذ أبو منصور البغدادي الشافعي في مؤلفه في السماع: أن عبد الله بن جعفر كان لا يري بالغناء بأسًا، ويصوغ الألحان لجواريه، ويسمعها منهن على أوتاره. وكان ذلك في زمن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه.
وحكي الأستاذ المذكور مثل ذلك أيضًا عن القاضي شريح، وسعيد بن المسيب، وعطاء بن أبي رباح، والزهري، والشعبي) .

وقال إمام الحرمين في النهاية، وابن أبي الدنيا: (نقل الأثبات من المؤرخين: أن عبد الله بن الزبير كان له جوار عوادات، وأن ابن عمر دخل إليه وإلي جنبه عود، فقال: ما هذا يا صاحب رسول الله ؟! فناوله إياه، فتأمله ابن عمر فقال: هذا ميزان شامي ؟ قال ابن الزبير: يوزن به العقول !) .
وروي الحافظ أبو محمد بن حزم في رسالة في السماع بسنده إلي ابن سيرين قال: (إن رجلاً قدم المدينة بجوار فنزل علي ابن عمر، وفيهن جارية تضرب. فجاء رجل فساومه، فلم يهو فيهن شيئًا. قال: انطلق إلي رجل هو أمثل لك بيعًا من هذا. قال: من هو ؟ قال: عبد الله بن جعفر .. فعرضهن عليه، فأمر جارية منهن، فقال لها: خذي العود، فأخذته، فغنت، فبايعه ثم جاء ابن عمر ... إلخ. القصة) .

وروي صاحب "العقد" العلامة الأديب أبو عمر الأندلسي: أن عبد الله بن عمر دخل علي ابن جعفر فوجد عنده جارية في حجرها عود، ثم قال لابن عمر: هل تري بذلك بأسًا ؟ قال: لا بأس بهذا، وحكي الماوردي عن معاوية وعمرو بن العاص: أنهما سمعًا العود عند ابن جعفر، وروي أبو الفرج الأصبهاني: أن حسان بن ثابت سمع من عزة الميلاء الغناء المزهر بشعر من شعره.
وذكر أبو العباس المبرد نحو ذلك. والمزهر عند أهل اللغة: العود.
وذكر الأدفوي أن عمر بن عبد العزيز كان يسمع جواريه قبل الخلافة. ونقل ابن السمعاني الترخيص عن طاووس، ونقله ابن قتيبة وصاحب الإمتاع عن قاضي المدينة سعد ابن إبراهيم بن عبد الرحمن الزهري من التابعين. ونقله أبو يعلي الخليلي في الإرشاد عن عبد العزيز بن سلمة الماجشون مفتي المدينة.

وحكي الروياني عن القفال أن مذهب مالك بن أنس إباحة الغناء بالمعازف، وحكي الأستاذ أبو منصور الفوراني عن مالك جواز العود، وذكر أبو طالب المكي في قوت القلوب عن شعبة أنه سمع طنبورًا في بيت المنهال بن عمروا المحدث المشهور.
وحكي أبو الفضل بن طاهر في مؤلفه في السماع أنه لا خلاف بين أهل المدينة في إباحة العود.
قال ابن النحوي في العمدة: (وقال ابن طاهر: هو إجماع أهل المدينة. قال ابن طاهر: وإليه ذهبت الظاهرية قاطبة. قال الأدفوي: لم يختلف النقلة في نسبة الضرب إلي إبراهيم بن سعد المتقدم الذكر وهو ممن أخرج له الجماعة كلهم.

وحكي الماوردي إباحة العود عن بعض الشافعية، وحكاه أبو الفضل بن طاهر عن أبي إسحاق الشيرازي، وحكاه الإسنوي في "المهمات" عن الروياني والماوردي، ورواه ابن النحوي عن الأستاذ أبي منصور وحكاه ابن الملقن في العمدة عن ابن طاهر، وحكاه الأدفوي عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام، وحكاه صاحب الإمتاع عن أبي بكر بن العربي، وجزم بالإباحة الأدفوي.

هؤلاء جميعًا قالوا بتحليل السماع مع آلة من الآلات المعروفة -أي آلات الموسيقي- وأما مجرد الغناء من غير آلة فقال الأدفوي في الإمتاع: إن الغزالي في بعض تآليفه الفقهية نقل الاتفاق علي حله، ونقل ابن طاهر إجماع الصحابة والتابعين عليه، ونقل التاج الفزاري وابن قتيبة إجماع أهل الحرمين عليه، ونقل ابن طاهر وابن قتيبة أيضًا إجماع أهل المدينة عليه، وقال الماوردي: لم يزل أهل الحجاز يرخصون فيه في أفضل أيام السنة المأمور فيها بالعبادة والذكر. قال ابن النحوي في العمدة: وقد روي الغناء وسماعه عن جماعة من الصحابة والتابعين، فمن الصحابة عمر -كما رواه ابن عبد البر وغيره- وعثمان- كما نقله الماوردي وصاحب البيان والرافعي -وعبد الرحمن بن عوف- كما رواه ابن أبي شيبة- وأبو عبيدة بن الجراح- كما أخرجه البيهقي- وسعد بن أبي وقاص- كما أخرجه بن قتيبة- وأبو مسعود الأنصاري- كما أخرجه البيهقي- وبلال وعبد الله بن الأرقم وأسامة بن زيد- كما أخرجه البيهقي أيضا- وحمزة كما في الصحيح- وابن عمر- كما أخرجه ابن طاهر- والبراء بن مالك- كما أخرجه أبو نعيم- وعبد الله بن جعفر- كما رواه ابن عبد البر- وعبد الله بن الزبير- كما نقل أبو طالب المكي- وحسان- كما رواه أبو الفرج الأصبهاني- وعبد الله بن عمرو- كما رواه الزبير بن بكار- وقرظة بن كعب- كما رواه ابن قتيبة- وخوات بن جبير ورباح المعترف- كما أخرجه صاحب الأغاني- والمغيرة بن شعبة- كما حكاه أبو طالب المكي- وعمرو بن العاص- كما حكاه الماوردي- وعائشة والربيع- كما في صحيح البخاري وغيره.

وأما التابعون فسعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله بن عمر وابن حسان وخارجة بن زيد وشريح القاضي وسعيد بن جبير وعامر الشعبي وعبد الله بن أبي عتيق وعطاء بن أبي رباح ومحمد بن شهاب الزهري وعمر بن عبد العزيز وسعد بن إبراهيم الزهري.
وأما تابعوهم فخلق لا يحصون منهم الأئمة الأربعة وابن عيينة وجمهور الشافعية) . انتهي كلام ابن النحوي. هذا كله ذكره الشوكاني في نيل الأوطار (جـ 8/264-266) .

قيود وشروط لابد من مراعاتها:
ولا ننسي أن نضيف إلي هذه الفتوي قيودًا لابد من مراعاتها في سماع الغناء.
فقد أشرنا في أول البحث إلي أنه ليس كل غناء مباحًا، فلابد أن يكون موضوعه متفقًا مع أدب الإسلام وتعاليمه.
فالأغنية التي تقول: "الدنيا سيجارة وكاس" مخالفة لتعاليم الإسلام الذي يجعل الخمر رجسًا من عمل الشيطان ويلعن شارب "الكأس" عاصرها وبائعها وحاملها وكل من أعان فيها بعمل. والتدخين أيضًا آفة ليس وراءها إلا ضرر الجسم والنفس والمال.

والأغاني التي تمدح الظلمة والطغاة والفسقة من الحكام الذين ابتليت بهم أمتنا، مخالفة لتعاليم الإسلام، الذي يلعن الظالمين، وكل من يعينهم، بل من يسكت عليهم، فكيف بمن يمجدهم ؟!
والأغنية التي تمجد صاحب العيون الجريئة أو صاحب العيون جريئة أغنية تخالف أدب الإسلام الذي ينادي كتابه: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم … وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن) (النور: 30، 31). ويقول –صلي الله عليه وسلم- يا علي : "لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولي وليست لك الآخرة".

ثم إن طريقة الأداء لها أهميتها، فقد يكون الموضوع لا بأس به ولا غبار عليه، ولكن طريقة المغني أو المغنية في أدائه بالتكسر في القول، وتعمد الإثارة، والقصد إلي إيقاظ الغرائز الهاجعة، وإغراء القلوب المريضة- ينقل الأغنية من دائرة الإباحة إلي دائرة الحرمة أو الشبهة أو الكراهة من مثل ما يذاع علي الناس ويطلبه المستمعون والمستمعات من الأغاني التي تلح علي جانب واحد، هو جانب الغريزة الجنسية وما يتصل بها من الحب والغرام، وإشعالها بكل أساليب الإثارة والتهيج، وخصوصًا لدي الشباب والشابات.

إن القرآن يخاطب نساء النبي فيقول: (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض) . فكيف إذا كان مع الخضوع في القول الوزن والنغم والتطريب والتأثير ؟!
ومن ناحية ثالثة يجب ألا يقترن الغناء بشيء محرم، كشرب الخمر أو التبرج أو الاختلاط الماجن بين الرجال والنساء، بلا قيود ولا حدود، وهذا هو المألوف في مجالس الغناء والطرب من قديم. وهي الصورة المائلة في الأذهان عند ما يذكر الغناء، وبخاصة غناء الجواري والنساء.

وهذا ما يدل عليه الحديث الذي رواه ابن ماجة وغيره: "ليشربن ناس من أمتي الخمر، يسمونها بغير اسمها، يعزف علي رؤوسهم بالمعازف والمغنيات، يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير".
وأود أن أنبه هنا علي قضية مهمة، وهي أن الاستماع إلي الغناء في الأزمنة الماضية كان يقتضي حضور مجلس الغناء، ومخالطة المغنين والمغنيات وحواشيهم، وقلما كانت تسلم هذه المجالس من أشياء ينكرها الشرع، ويكرهها الدين.
أما اليوم فيستطيع المرء أن يستمع إلي الأغاني وهو بعيد عن أهلها ومجالسها، وهذا لا ريب عنصر مخفف في القضية، ويميل بها إلي جانب الإذن والتيسير.

هذا إلي أن الإنسان ليس عاطفة فحسب، والعاطفة ليست حبًا فقط، والحب لا يختص بالمرأة وحدها، والمرأة ليست جسدًا وشهوة لا غير، لهذا يجب أن نقلل من هذا السيل الغامر من الأغاني العاطفية الغرامية وأن يكون لدينا من أغانينا وبرامجنا وحياتنا كلها توزيع عادل، وموازنة مقسطة بين الدين والدنيا وفي الدنيا بين حق الفرد وحقوق المجتمع، وفي الفرد بين عقله وعاطفته، وفي مجال العاطفة بين عواطف الإنسانية كلها من حب وكره وغيره وحماسة وأبوة وأمومة وبنوة وأخوة وصداقة ... إلخ فلكل عاطفة حقها.

أما الغلو والإسراف والمبالغة في إبراز عاطفة خاصة فذلك علي حساب العواطف الأخري، وعلي حساب عقل الفرد وروحه وإرادته، وعلي حساب المجتمع وخصائصه ومقوماته، وعلي حساب الدين ومثله وتوجيهاته.

إن الدين حرم الغلو والإسراف في كل شيء حتي في العبادة فما بالك بالإسراف في اللهو وشغل الوقت به ولو كان مباحًا ؟!
إن هذا دليل علي فراغ العقل والقلب من الواجبات الكبيرة، والأهداف العظيمة، ودليل علي إهدار حقوق كثيرة كان يجب أن تأخذ حظها من وقت الإنسان المحمود وعمره القصير، وما أصدق وأعمق ما قال ابن المقفع: (ما رأيت إسرافًا إلا وبجانبه حق مضيع) وفي الحديث: "لا يكون العاقل ظاعنًا إلا لثلاث: مرمة لمعاش، أو تزود لمعاد، أو لذة في غير محرم"، فلنقسم أوقاتنا بين هذه الثلاثة بالقسط ولنعلم أن الله سائل كل إنسان عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه ؟
وبعد هذا الإيضاح تبقي هناك أشياء يكون كل مستمع فيها فقيه نفسه ومفتيها، فإذا كان الغناء أو نوع خاص منه يستثير غريزته، ويغريه بالفتنة، ويسبح به في شطحات الخيال، ويطغي فيه الجانب الحيواني علي الجانب الروحاني، فعليه أن يتجنبه حينئذ، ويسد الباب الذي تهب منه رياح الفتنة علي قلبه ودينه وخلقه فيستريح ويريح.

تحذير من التساهل في إطلاق التحريم:
ونختم بحثنا هذا بكلمة أخيرة نوجهها إلي السادة العلماء الذين يستخفون بكلمة "حرام" ويطلقون لها العنان في فتواهم إذا أفتوا، وفي بحوثهم إذا كتبوا، عليهم أن يراقبوا الله في قولهم ويعلموا أن هذه الكلمة "حرام" كلمة خطيرة: إنها تعني عقوبة الله علي الفعل وهذا أمر لا يعرف بالتخمين ولا بموافقة المزاج، ولا بالأحاديث الضعيفة، ولا بمجرد النص عليه في كتاب قديم، إنما يعرف من نص ثابت صريح، أو إجماع معتبر صحيح، وإلا فدائرة العفو والإباحة واسعة، ولهم في السلف الصالح أسوة حسنة.

قال الإمام مالك رضي الله عنه: ما شيء أشد علي من أن أسأل عن مسألة من الحلال والحرام؛ لأن هذا هو القطع في حكم الله، ولقد أدركت أهل العلم والفقه ببلدنا، وإن أحدهم إذا سئل عن مسألة كأن الموت أشرف عليه، ورأيت أهل زماننا هذا يشتهون الكلام في الفتيا، ولو وقفوا علي ما يصيرون إليه غدًا لقللوا من هذا، وإن عمر بن الخطاب وعليًا وعامة خيار الصحابة كانت ترد عليهم المسائل -وهم خير القرون الذين بعث فيهم النبي -صلي الله عليه وسلم- فكانوا يجمعون أصحاب النبي -صلي الله عليه وسلم- ويسألون، ثم حينئذ يفتون فيها، وأهل زماننا قد هذا صار فخرهم، فبقدر ذلك يفتح لهم من العلم قال: ولم يكن من أمر الناس ولا من مضي من سلفنا الذين يقتدي بهم، ومعول الإسلام عليهم، أن يقولوا: هذا حلال وهذا حرام، ولكن يقول: أنا أكره كذا وأري كذا، وأما "حلال" و "حرام" فهذا الافتراء علي الله. أما سمعت قول الله تعالي: (قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حرامًا وحلالاً قل آلله أذن لكم أم علي الله تفترون) يونس: 59؛ لأن الحلال ما حلله الله ورسوله والحرام ما حرماه.
ونقل الإمام الشافعي في "الأم" عن الإمام أبي يوسف صاحب أبي حنيفة قال:
(أدركت مشايخنا من أهل العلم يكرهون في الفتيا أن يقولوا: هذا حلال وهذا حرام، إلا ما كان في كتاب الله عز وجل بينا بلا تفسير.

وحدثنا ابن السائب عن ربيع بن خيثم -وكان أفضل التابعين- أنه قال: إياكم أن يقول الرجل: إن الله أحل هذا أو رضيه، فيقول الله له: لم أحل هذا ولم أرضه، ويقول: إن الله حرم هذا فيقول الله: كذبت لم أحرمه ولم أنه عنه ! وحدثنا بعض أصحابنا عن إبراهيم النخعي أنه حدث عن أصحابه أنهم كانوا إذا أفتوا بشيء أو نهوا عنه، قالوا: هذا مكروه، وهذا لا بأس به، فأما أن يقولوا: هذا حلال وهذا حرام فما أعظم هذا) .
هذا ما ذكره القاضي أبو يوسف، ونقله الشافعي، ولم ينكر عليه هذا النقل ولا مضمونه بل أقره، وما كان ليقر مثله إلا إذا اعتقد صحته.
وقال الله تعالي: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا علي الله الكذب إن الذين يفترون علي الله الكذب لا يفلحون). (النحل: 116).
والله أعلم

صوت الامة
29-12-2010, 11:15 PM
دار الإفتاء المصرية:
ما حكم الإسلام في الموسيقى ؟

الموسيقى لفظ يوناني يطلق على فنون العزف على آلات الطرب. وعلم الموسيقى يبحث فيه عن أصول النغم من حيث تأتلف أو تتنافر، وأحوال الأزمنة المتخللة بينها ليعلم كيف يؤلف اللحن. والموسيقي : المنسوب إلى الموسيقى، والموسيقار : من حرفته الموسيقى. والموسيقى في الاصطلاح : علم يعرف منه أحوال النغم والإيقاعات، وكيفية تأليف اللحون، وإيجاد الآلات([1])، وتطلق كذلك على الصوت الخارج من آلات العزف.

ومسألة سماع الموسيقى مسألة خلافية فقهية، ليست من أصول العقيدة، وليست من المعلوم من الدين بالضرورة، ولا ينبغي للمسلمين أن يفسق بعضهم بعضًا، ولا ينكر بعضهم على بعض بسبب تلك المسائل الخلافية، فإنما ينكر المتفق عليه، ولا ينكر المختلف فيه، وطالما أن هناك من الفقهاء من أباح الموسيقى، وهؤلاء ممن يعتد بقولهم ويجوز تقليدهم، فلا يجوز تفريق الأمة بسبب تلك المسائل الخلافية.

خاصة وأنه لم يرد نص في الشرع صحيح صريح في تحريم الموسيقى، وإلا ما ساغ الخلاف بشأنها، وممن أباح الآلات والمعازف الإمام الغزإلى ؛حيث قال : « اللهو معين على الجد، ولا يصبر على الجد المحض، والحق المر، إلا نفوس الأنبياء علىهم السلام؛ فاللهو دواء القلب من داء الإعياء، فينبغي أن يكون مباحًا، ولكن لا ينبغي أن يستكثر منه، كما لا يستكثر من الدواء. فإذًا اللهو على هذه النية يصير قربة، هذا في حق من لا يحرك السماع من قلبه صفة محمودة يطلب تحريكها، بل ليس له إلا اللذة والاستراحة المحضة، فينبغي أن يستحب له ذلك؛ ليتوصل به إلى المقصود الذي ذكرناه. نعم هذا يدل على نقصان عن ذروة الكمال، فإن الكامل هو الذي لا يحتاج أن يروح نفسه بغير الحق، ولكن حسنات الأبرار سيئات المقربين، ومن أحاط بعلم علاج القلوب، ووجوه التلطف بها، وسياقتها إلى الحق، علم قطعًا أن ترويحها بأمثال هذه الأمور دواء نافع لا غنى عنه»([2]).

وقال: « إن الآلة إذا كانت من شعار أهل الشرب، أو الخنين، وهى : المزامير، والأوتار، وطبل الكوبة فهذه ثلاثة أنواع ممنوعة، وما عدا ذلك يبقى على أصل الإباحة كالدف وإن كان فيه الجلاجل، وكالطبل، والشاهين، والضرب بالقضيب، وسائر الآلات»
غير أن بعض أهل العلم يرون في الغناء وسماعه عبرة لمن فهم الإشارة وسمت روحه، ومن هؤلاء العلماء القاضي عياض الشبلي([3]) فقد سئل عن السماع فقال : «ظاهره فتنة، وباطنه عبرة، فمن عرف الإشارة، حل له استماع العبرة »([4]).

وكذلك سلطان العلماء العز بن عبد السلام نُقل عنه أن الغناء بالآلات وبدونها قد يكون سبيلاً لصلاح القلوب فقال : «الطريق في صلاح القلوب يكون بأسباب من خارج، فيكون بالقرآن، وهؤلاء أفضل أهل السماع، ويكون بالوعظ والتذكير، ويكون بالحداء والنشيد، ويكون بالغناء بالآلات، المختلف في سماعها، كالشبابات، فإن كان السامع لهذه الآلات مستحلاًّ سماع ذلك، فهو محسن بسماع ما يحصل له من الأحوال، وتارك للورع لسماعه ما اختلف في جواز سماعه» ([5]).

ونقل القرطبى فى «الجامع لأحكام القرآن» قول القشيرى : «ضرب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم يوم دخل المدينة، فهم أبو بكر بالزجر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ‏«دعهن يا أبا بكر حتى تعلم اليهود أن ديننا فسيح) فكن يضربن ويقلن : نحن بنات النجار، حبذا محمد من جار. ثم قال القرطبى : وقد قيل إن الطبل في النكاح كالدف، وكذلك الآلات المشهرة للنكاح يجوز استعمالها فيه بما يحسن من الكلام ولم يكن فيه رفث»([6]).

‏ونقل الشوكانى فى «نيل الأوطار‏» فى (باب ما جاء في آلة اللهو) أقوال المحرمين والمبيحين ،وأشار إلى أدلة كل من الفريقين، ثم عقب على حديث : «‏كل لهو يلهو به المؤمن فهو باطل إلا ثلاثة : ملاعبة الرجل أهله، وتأديبه فرسه، ورميه عن قوسه»([7]) بقول الغزالى : «قلنا قوله صلى الله عليه وسلم : (فهو باطل) لا يدل على التحريم، بل يدل على عدم الفائدة» ،ثم قال الشوكانى: «وهو جواب صحيح ؛لأن ما لا فائدة فيه من قسم المباح([8])، وساق أدلة أخرى في هذا الصدد ،من بينها حديث‏ من نذرت أن تضرب بالدف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إن رده الله سالمًا من إحدى الغزوات، وقد أذن لها صلى الله عليه وسلم بالوفاء بالنذر والضرب بالدف، فالإذن منه يدل على أن ما فعلته ليس بمعصية في مثل ذلك الموطن، وأشار الشوكانى إلى رسالة له عنوانها «إبطال دعوى الإجماع على تحريم مطلق السماع».‏

وقال ابن حزم : «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (‏إنما الأعمال بالنيات، ولكل امرىء ما نوى)([9]) ،فمن نوى استماع الغناء عونًا على معصية الله تعالى ؛فهو فاسق، وكذلك كل شىء غير الغناء، ومن نوى به ترويح نفسه ليقوى بذلك على طاعة الله عز وجل وينشط نفسه بذلك على البر ؛فهو مطيع محسن وفعله هذا من الحق، ومن لم ينو طاعة ولا معصية فهو لغو معفو عنه، كخروج الإنسان إلى بستانه متنزهًا وقعوده على باب داره متفرجًا»([10]).

ونخلص من كل ما سبق أن الغناء بآلة -أي مع الموسيقي- وبغير آلة: مسألة ثار فيها الجدل والكلام بين علماء الإسلام منذ العصور الأولي، فاتفقوا في مواضع، واختلفوا في أخري.

اتفقوا علي تحريم كل غناء يشتمل على فحش، أو فسق، أو تحريض علي معصية، إذ الغناء ليس إلا كلامًا، فحسنه حسن، وقبيحه قبيح، وكل قول يشتمل علي حرام فهو حرام، فما بالك إذا اجتمع له الوزن والنغم والتأثير ؟

واتفقوا علي إباحة ما خلا من ذلك من الغناء الفطري الخالي من الآلات والإثارة، وذلك في مواطن السرور المشروعة، كالعرس وقدوم الغائب، وأيام الأعياد، ونحوها بشرط ألا يكون المغني امرأة في حضرة أجانب منها.

واختلفوا في الغناء المصحوب بالآلات، وباقي المسائل المذكورة.
ولهذا نرى جواز الغناء، سواء كان مصحوبا بالموسيقى، أو لا، بشرط ألا يدعو إلى معصية أو تتنافى معانيه مع معاني الشرع الشريف، غير أن استدامته والإكثار منه يخرجه من حد الإباحة، إلى حد الكراهة، وربما إلى حد الحرمة، والله تعالى أعلى وأعلم.

جمانة2
29-12-2010, 11:21 PM
اخى الكريم هذا اخر ما اقول لك
عن أبي عبد الله النعـمان بن بشير رضي الله عـنهما قـال: سمعـت رسـول الله صلي الله عـليه وسلم يقول: (إن الحلال بين وإن الحـرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعـلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فـقـد استبرأ لديـنه وعـرضه ومن وقع في الشبهات وقـع في الحرام كـالراعي يـرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجـسد مضغة إذا صلحـت صلح الجسد كله وإذا فـسـدت فـسـد الجسـد كـلـه ألا وهي الـقـلب) اخى الكريم اذا كنت ترى ان
بعض العلماء احلوا المعازف فانا ارى
معظمهم قد قالوا بتحريمه مع الادلة
واذا رايت ان لك حرية الاختيار فيمن
تستمع الى قولهم فانا ايضا اخترت
ان اسير على نهج اهل السلف
الصالح اى الذين يتبعون السنة الصحيحة
فاذا كانت المعازف او غيرها محل خلاف
بين العلماء فالاولى الابتعاد عنها
لانها اصبحت من الامور المشتبهة
علينا
وهذا ايضا امر من الرسول كى لاتوصلنا
الى الحرام
اللهم ارنا الحق حقا وارزقنا اتباعه
وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه

صوت الامة
29-12-2010, 11:25 PM
عنوان الفتوى: حكم الموسيقى والإيقاع

انا اعمل في جانب الإنتاج الفني ولدي شركة انتاج فني واردت ان استفسر عن حكم الموسيقى المصاحبة لأناشيد إسلامية وكذلك الإيقاعات التي هي عبارة عن مجموعة من الدفوف ولكن بأشكال مختلفة .
فنرجو من حضرتكم افادتنا في الموضوع .

الإجابة
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم، على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فالموسيقى غير المرافقة لمحرمات، من اختلاط أو شرب خمرة أو غير ذلك، اختلف الفقهاء فيها على ثلاثة أقوال،
فالأول التحريم سوى الدف والطبل، وهو مذهب جمهور الفقهاء،
والثاني الكراهة،
والثالث الإباحة،
أما إذا رافقها محرم مما تقدم فهي حرام بالاتفاق.
والله تعالى أعلم.
....................
الدكتور احمد الحجى الكردى عضو هيئة الافتاء الكويتى
وخبير الموسوعة الفقهية

Specialist hossam
29-12-2010, 11:26 PM
الدكتور يوسف القرضاوى
رئيس هيئة علماء المسلمين
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
سؤال يتردد علي ألسنة كثيرين في مجالات مختلفة وأحيانًا شتي.
سؤال اختلف جمهور المسلمين اليوم في الإجابة عليه، واختلف سلوكهم تبعًا لاختلاف أجوبتهم، فمنهم من يفتح أذنيه لكل نوع من أنواع الغناء، ولكل لون من ألوان الموسيقي مدعيًا أن ذلك حلال طيب من طيبات الحياة التي أباح الله لعباده.

ومنهم من يغلق الراديو أو يغلق أذنيه عند سماع أية أغنية قائلا: إن الغناء مزمار الشيطان، ولهو الحديث ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة وبخاصة إذا كان المغني امرأة، فالمرأة -عندهم- صوتها عورة بغير الغناء، فكيف بالغناء؟ ويستدلون لذلك بآيات وأحاديث وأقوال.
ومن هؤلاء من يرفض أي نوع من أنواع الموسيقي، حتي المصاحبة لمقدمات نشرات الأخبار.

ووقف فريق ثالث مترددًا بين الفريقين؛ ينحاز إلي هؤلاء تارة، وإلي أولئك طورًا، ينتظر القول الفصل والجواب الشافي من علماء الإسلام في هذا الموضوع الخطير، الذي يتعلق بعواطف الناس وحياتهم اليومية، وخصوصًا بعد أن دخلت الإذاعة –المسموعة والمرئية- علي الناس بيوتهم، بجدها وهزلها، وجذبت إليها أسماعهم بأغانيها وموسيقاها طوعًا وكرهًا.

والغناء بآلة -أي مع الموسيقي- وبغير آلة: مسألة ثار فيها الجدل والكلام بين علماء الإسلام منذ العصور الأولي، فاتفقوا في مواضع واختلفوا في أخري.

اتفقوا علي تحريم كل غناء يشتمل علي فحش أو فسق أو تحريض علي معصية، إذ الغناء ليس إلا كلامًا، فحسنه حسن، وقبيحه قبيح، وكل قول يشتمل علي حرام فهو حرام، فما بالك إذا اجتمع له الوزن والنغم والتأثير ؟
واتفقوا علي إباحة ما خلا من ذلك من الغناء الفطري الخالي من الآلات والإثارة، وذلك في مواطن السرور المشروعة، كالعرس وقدوم الغائب، وأيام الأعياد، ونحوها بشرط ألا يكون المغني امرأة في حضرة أجانب منها.
وقد وردت في ذلك نصوص صريحة – سنذكرها فيما بعد.

واختلفوا فيما عدا ذلك اختلافًا بينا: فمنهم من أجاز كل غناء بآلة وبغير آلة، بل اعتبره مستحبًا، ومنهم من منعه بآلة وأجازه بغير آلة، ومنهم من منعه منعًا باتًا بآلة وبغير آلة وعده حرامًا، بل ربما ارتقي به إلي درجة الكبيرة.

ولأهمية الموضوع نري لزامًا علينا أن نفصل فيه بعض التفصيل، ونلقي عليه أضواء كاشفة لجوانبه المختلفة، حتي يتبين المسلم الحلال فيه من الحرام، متبعًا للدليل الناصع، لا مقلدًا قول قائل، وبذلك يكون علي بينة من أمره، وبصيرة من دينه.

الأصل في الأشياء الإباحة: ـ
قرر علماء الإسلام أن الأصل في الأشياء الإباحة لقوله تعالي: (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا) (البقرة: 29)، ولا تحريم إلا بنص صحيح صريح من كتاب الله تعالي، أو سنة رسوله –صلي الله عليه وسلم- أو إجماع ثابت متيقن، فإذا لم يرد نص ولا إجماع. أو ورد نص صريح غير صحيح، أو صحيح غير صريح، بتحريم شيء من الأشياء، لم يؤثر ذلك في حله، وبقي في دائرة العفو الواسعة، قال تعالي: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه). (الأنعام: 119).

وقال رسول الله –صلي الله عليه وسلم-: "ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسي شيئا"، وتلا: (وما كان ربك نسيا) (مريم: 64). رواه الحاكم عن أبي الدرداء وصححه، وأخرجه البزار.
وقال: "إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودًا فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها" أخرجه الداراقطني عن أبي ثعلبة الخشني. وحسنه الحافظ أبو بكر السمعاني في أماليه، والنووي في الأربعين.
وإذا كانت هذه هي القاعدة فما هي النصوص والأدلة التي استند إليها القائلون بتحريم الغناء، وما موقف المجيزين منها.

أدلة المحرمين للغناء ومناقشتها
استدل المحرمون بما روي عن ابن مسعود وابن عباس وبعض التابعين: أنهم حرموا الغناء محتجين بقول الله تعالي: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين). (لقمان: 6) وفسروا لهو الحديث بالغناء.
قال ابن حزم: ولا حجة في هذا لوجوه:
أحدها: أنه لا حجة لأحد دون رسول الله -صلي الله عليه وسلم-.
والثاني: أنه قد خالفهم غيرهم من الصحابة والتابعين.
والثالث: أن نص الآية يبطل احتجاجهم بها؛ لأن الآية فيها: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوًا) وهذه صفة من فعلها كان كافرًا بلا خلاف، إذ اتخذ سبيل الله هزوًا.

ولو أن امرأ اشتري مصحفًا ليضل به عن سبيل الله ويتخذه هزوا لكان كافرًا ! فهذا هو الذي ذم الله تعالي، وما ذم قط عز وجل من اشتري لهو الحديث ليتلهي به ويروح نفسه لا ليضل عن سبيل الله تعالي. فبطل تعلقهم بقول كل من ذكرنا وكذلك من اشتغل عامدًا عن الصلاة بقراءة القرآن أو بقراءة السنن، أو بحديث يتحدث به، أو بنظر في ماله أو بغناء أو بغير ذلك، فهو فاسق عاص لله تعالي، ومن لم يضيع شيئًا من الفرائض اشتغالاً بما ذكرنا فهو محسن. (المحلي لابن حزم (9/60) ط المنيرية). أ هـ.

واستدلوا بقوله تعالي في مدح المؤمنين: (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه) (القصص: 55). والغناء من اللغو فوجب الإعراض عنه.
ويجاب بأن الظاهر من الآية أن اللغو: سفه القول من السب والشتم ونحو ذلك، وبقية الآية تنطق بذلك. قال تعالي: (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين) (القصص: 55)، فهي شبيهة بقوله تعالي في وصف عباد الرحمن: (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا). (الفرقان: 63).
ولو سلمنا أن اللغو في الآية يشمل الغناء لوجدنا الآية تستحب الإعراض عن سماعه وتمدحه، وليس فيها ما يوجب ذلك.
وكلمة اللغو ككلمة الباطل تعني ما لا فائدة فيه، وسماع ما لا فائدة فيه ليس محرمًا ما لم يضيع حقًا أو يشغل عن واجب.

روي عن ابن جريج أنه كان يرخص في السماع فقيل له: أيؤتي به يوم القيامة في جملة حسناتك أو سيئاتك ؟ فقال: لا في الحسنات ولا في السيئات؛ لأنه شبيه باللغو، قال تعالي: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم). (البقرة: 225، والمائدة: 89).
قال الإمام الغزالي: (إذا كان ذكر اسم الله تعالي علي الشيء علي طريق القسم من غير عقد عليه ولا تصميم، والمخالفة فيه، مع أنه لا فائدة فيه، لا يؤاخذ به، فكيف يؤاخذ بالشعر والرقص ؟!). (إحياء علوم الدين. كتاب السماع ص 1147 ط دار الشعب بمصر).
علي أننا نقول: ليس كل غناء لغوا؛ إنه يأخذ حكمه وفق نية صاحبه، فالنية الصالحة تحيل اللهو قربة، والمزح طاعة، والنية الخبيثة تحبط العمل الذي ظاهره العبادة وباطنه الرياء: "إن الله لا ينظر إلي صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلي قلوبكم وأعمالكم". (رواه مسلم من حديث أبي هريرة، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم ظلم المسلم).

وننقل هنا كلمة جيدة قالها ابن حزم في "المحلي" ردًا علي الذين يمنعون الغناء قال: (احتجوا فقالوا: من الحق الغناء أم من غير الحق ؟ ولا سبيل إلي قسم ثالث، وقد قال الله تعالي: (فماذا بعد الحق إلا الضلال) (يونس: 32). فجوابنا وبالله التوفيق: أن رسول الله –صلي الله عليه وسلم- قال: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوي" (متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب، وهو أول حديث في صحيح البخاري). فمن نوي باستماع الغناء عونًا علي معصية الله فهو فاسق وكذلك كل شيء غير الغناء، ومن نوي به ترويح نفسه ليقوي بذلك علي طاعة الله عز وجل، وينشط نفسه بذلك علي البر فهو مطيع محسن، وفعله هذا من الحق. ومن لم ينو طاعة ولا معصية فهو لغو معفو عنه، كخروج الإنسان إلي بستانه، وقعوده علي باب داره متفرجًا، وصبغه ثوبه لازورديًا أو أخضر أو غير ذلك ومد ساقه وقبضها، وسائر أفعاله). (المحلي. 9/60).

جـ- واستدلوا بحديث: "كل لهو يلهو به المؤمن فهو باطل إلا ثلاثة: ملاعبة الرجل أهله، وتأديبه فرسه، ورميه عن قوسه" رواه أصحاب السنن الأربعة، وفيه اضطراب، والغناء خارج عن هذه الثلاثة.
وأجاب المجوزون بضعف الحديث، ولو صح لما كان فيه حجة، فإن قوله: "فهو باطل" لا يدل علي التحريم بل يدل علي عدم الفائدة. فقد ورد عن أبي الدرداء قوله: إني لأستجم نفسي بالشيء من الباطل ليكون أقوي لها علي الحق. علي أن الحصر في الثلاثة غير مراد، فإن التلهي بالنظر إلي الحبشة وهم يرقصون في المسجد النبوي خارج عن تلك الأمور الثلاثة، وقد ثبت في الصحيح. ولا شك أن التفرج في البساتين وسماع أصوات الطيور، وأنواع المداعبات مما يلهو به الرجل، ولا يحرم عليه شيء منها، وإن جاز وصفه بأنه باطل.

واستدلوا بالحديث الذي رواه البخاري -معلقا- عن أبي مالك أو أبي عامر الأشعري -شك من الراوي- عن النبي -عليه السلام- قال: "ليكونن قوم من أمتي يستحلون الحر (الحر: أي الفرج والمعني يستحلون الزني). والحرير والخمر والمعازف". والمعازف: الملاهي، أو آلات العزف.
والحديث وإن كان في صحيح البخاري، إلا أنه من "المعلقات" لا من "المسندات المتصلة" ولذلك رده ابن حزم لانقطاع سنده، ومع التعليق فقد قالوا: إن سنده ومتنه لم يسلما من الاضطراب، فسنده يدور علي (هشام بن عمار) (انظر: الميزان وتهذيب التهذيب). وقد ضعفه الكثيرون.
ورغم ما في ثبوته من الكلام، ففي دلالته كلام آخر؛ إذ هو غير صريح في إفادة حرمة "المعازف" فكلمة "يستحلون" –كما ذكر ابن العربي- لها معنيان: أحدهما: يعتقدون أن ذلك حلال، والثاني: أن يكون مجازًا عن الاسترسال في استعمال تلك الأمور، إذ لو كان المقصود بالاستحلال: المعني الحقيقي، لكان كفرًا.

ولو سلمنا بدلالتها علي الحرمة لكان المعقول أن يستفاد منها تحريم المجموع، لا كل فرد منها، فإن الحديث في الواقع ينعي علي أخلاق طائفة من الناس انغمسوا في الترف والليالي الحمراء وشرب الخمور. فهم بين خمر ونساء، ولهو وغناء، وخز وحرير. ولذا روي ابن ماجة هذا الحديث عن أبي مالك الأشعري بلفظ: "ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يعزف علي رؤوسهم بالمعازف والمغنيات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير"، وكذلك رواه ابن حبان في صحيحه.

هـ- واستدلوا بحديث: "إن الله تعالي حرم القينة (أي الجارية) وبيعها وثمنها وتعليمها".
والجواب عن ذلك:
أولا: أن الحديث ضعيف.
ثانيا: قال الغزالي: المراد بالقينة الجارية التي تغني للرجال في مجلس الشرب، وغناء الأجنبية للفساق ومن يخاف عليهم الفتنة حرام، وهم لا يقصدون بالفتنة إلا ما هو محظور. فأما غناء الجارية لمالكها، فلا يفهم تحريمه من هذا الحديث. بل لغير مالكها سماعها عند عدم الفتنة، بدليل ما روي في الصحيحين من غناء الجاريتين في بيت عائشة رضي الله تعالي عنها. (الإحياء ص 1148) وسيأتي.

ثالثا: كان هؤلاء القيان المغنيات يكون عنصرًا هامًا من نظام الرقيق، الذي جاء الإسلام بتصفيته تدريجيًا، فلم يكن يتفق وهذه الحكمة إقرار بقاء هذه الطبقة في المجتمع الإسلامي، فإذا جاء حديث بالنعي علي امتلاك "القينة" وبيعها، والمنع منه، فذلك لهدم ركن من بناء "نظام الرق" العتيد.
واستدلوا بما روي نافع أن ابن عمر سمع صوت زمارة راع فوضع أصبعيه في أذنيه، وعدل راحلته عن الطريق، وهو يقول: يا نافع، أتسمع ؟ فأقول: نعم، فيمضي، حتي قلت: لا. فرفع يده وعدل راحلته إلي الطريق وقال: "رأيت رسول الله يسمع زمارة راع فصنع مثل هذا" رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة.
والحديث قال عنه أبو داود: حديث منكر.

ولو صح لكان حجة علي المحرمين لا لهم. فلو كان سماع المزمار حرامًا ما أباح النبي -صلي الله عليه وسلم- لابن عمر سماعه، ولو كان عند ابن عمر حرامًا ما أباح لنافع سماعه، ولأمر عليه السلام بمنع وتغيير هذا المنكر، فإقرار النبي -صلي الله عليه وسلم- لابن عمر دليل علي أنه حلال.
وإنما تجنب عليه السلام سماعه كتجنبه أكثر المباح من أمور الدنيا كتجنبه الأكل متكئًا وأن يبيت عنده دينار أو درهم .... إلخ.

واستدلوا أيضًا لما روي: "إن الغناء ينبت النفاق في القلب" ولم يثبت هذا حديثًا عن النبي -صلي الله عليه وسلم-، وإنما ثبت قولاً لبعض الصحابة، فهو رأي لغير معصوم خالفه فيه غيره، فمن الناس من قال -وبخاصة الصوفية- إن الغناء يرقق القلب، ويبعث الحزن والندم علي المعصية، ويهيج الشوق إلي الله تعالي، ولهذا اتخذوه وسيلة لتجديد نفوسهم، وتنشيط عزائمهم، وإثارة أشواقهم، قالوا: وهذا أمر لا يعرف إلا بالذوق والتجربة والممارسة، ومن ذاق عرف، وليس الخبر كالعيان.

علي أن الإمام الغزالي جعل حكم هذه الكلمة بالنسبة للمغني لا للسامع، إذ كان غرض المغني أن يعرض نفسه علي غيره ويروج صوته عليه، ولا يزال ينافق ويتودد إلي الناس ليرغبوا في غنائه. ومع هذا قال الغزالي: وذلك لا يوجب تحريمًا، فإن لبس الثياب الجميلة، وركوب الخيل المهلجة، وسائر أنواع الزينة، والتفاخر بالحرث والأنعام والزرع وغير ذلك، ينبت النفاق في القلب، ولا يطلق القول بتحريم ذلك كله، فليس السبب في ظهور النفاق في القلب المعاصي فقط، بل المباحات التي هي مواقع نظر الخلق أكثر تأثيرًا (الإحياء ص 1151) .

واستدلوا علي تحريم غناء المرأة خاصة، بما شاع عند بعض الناس من أن صوت المرأة عورة. وليس هناك دليل ولا شبه دليل من دين الله علي أن صوت المرأة عورة، وقد كان النساء يسألن رسول الله -صلي الله عليه وسلم- في ملأ من أصحابه وكان الصحابة يذهبون إلي أمهات المؤمنين ويستفتونهن ويفتينهم ويحدثنهم، ولم يقل أحد: إن هذا من عائشة أو غيرها كشف لعورة يجب أن تستر.
فإن قالوا: هذا في الحديث العادي لا في الغناء، قلنا: روي الصحيحان أن النبي سمع غناء الجاريتين ولم ينكر عليهما، وقال لأبي بكر: دعهما. وقد سمع ابن جعفر وغيره من الصحابة والتابعين الجواري يغنين.

والخلاصة: أن النصوص التي استدل بها القائلون بالتحريم إما صحيح غير صريح، أو صريح غير صحيح. ولم يسلم حديث واحد مرفوع إلي رسول الله يصلح دليلاً للتحريم، وكل أحاديثهم ضعفها جماعة من الظاهرية والمالكية والحنابلة والشافعية.
قال القاضي أبو بكر بن العربي في كتاب "الأحكام": لم يصح في التحريم شيء.
وكذا قال الغزالي وابن النحوي في العمدة.
وقال: ابن طاهر: لم يصح منها حرف واحد.
وقال ابن حزم: كل ما رُوي فيها باطل وموضوع.

أدلة المجيزين للغناء:
تلك هي أدلة المحرمين، وقد سقطت واحدًا بعد الآخر، ولم يقف دليل منها علي قدميه، وإذا انتفت أدلة التحريم بقي حكم الغناء علي أصل الإباحة بلا شك، ولو لم يكن معنا نص أو دليل واحد علي ذلك غير سقوط أدلة التحريم. فكيف ومعنا نصوص الإسلام الصحيحة الصريحة، وروحه السمحة، وقواعده العامة، ومبادئه الكلية ؟
وهاك بيانها:

أولا: من حيث النصوص:
استدلوا بعدد من الأحاديث الصحيحة، منها: حديث غناء الجاريتين في بيت النبي -صلي الله عليه وسلم- عند عائشة، وانتهار أبي بكر لهما، وقوله: مزمور الشيطان في بيت النبي -صلي الله عليه وسلم-، وهذا يدل علي أنهما لم تكونا صغيرتين كما زعم بعضهم، فلو صح ذلك لم تستحقا غضب أبي بكر إلي هذا الحد.

والمعول عليه هنا هو رد النبي -صلي الله عليه وسلم- علي أبي بكر -رضي الله عنه- وتعليله: أنه يريد أن يعلم اليهود أن في ديننا فسحة، وأنه بعث بحنيفية سمحة. وهو يدل علي وجوب رعاية تحسين صورة الإسلام لدي الآخرين، وإظهار جانب اليسر والسماحة فيه.
وقد روي البخاري وأحمد عن عائشة أنها زفت امرأة إلي رجل من الأنصار فقال النبي -صلي الله عليه وسلم-: "يا عائشة، ما كان معهم من لهو ؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو".
وروي ابن ماجة عن ابن عباس قال: أنكحت عائشة ذات قرابة لها من الأنصار فجاء رسول الله فقال: "أهديتم الفتاة ؟" قالوا: نعم قال: "أرسلتم معها من يغني ؟" قالت: لا. فقال رسول الله -صلي الله عليه وسلم-: "إن الأنصار قوم فيهم غزل، فلو بعثتم معها من يقول: أتيناكم أتيناكم .. فحيانا وحياكم ؟!

وروي النسائي والحاكم وصححه عن عامر بن سعد قال: دخلت علي قرظة بن كعب وأبي مسعود الأنصاري في عرس، وإذا جوار يغنين. فقلت: أي صاحبي رسول الله أهل بدر يفعل هذا عندكم ؟! فقالا: اجلس إن شئت فاستمع معنا، وإن شئت فاذهب، فإنه قد رخص لنا اللهو عند العرس.
وروي ابن حزم بسنده عن ابن سيرين: أن رجلاً قدم المدينة بجوار فأتي عبد الله بن جعفر فعرضهن عليه، فأمر جارية منهن فغنت، وابن عمر يسمع، فاشتراها ابن جعفر بعد مساومة، ثم جاء الرجل إلي ابن عمر فقال: يا أبا عبد الرحمن، غبنت بسبعمائة درهم ! فأتي ابن عمر إلي عبد الله بن جعفر فقال له: إنه غبن بسبعمائة درهم، فإما أن تعطيها إياه، وإما أن ترد عليه بيعه، فقال: بل نعطيه إياها. قال ابن حزم: فهذا ابن عمر قد سمع الغناء وسعي في بيع المغنية، وهذا إسناد صحيح لا تلك الأسانيد الملفقة الموضوعة.

واستدلوا بقوله تعالي: (وإذا رأوا تجارة أو لهو انفضوا إليها وتركوك قائمًا قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين). (الجمعة: 11).
فقرن اللهو بالتجارة، ولم يذمهما إلا من حيث شغل الصحابة بهما -بمناسبة قدوم القافلة وضرب الدفوف فرحًا بها- عن خطبة النبي -صلي الله عليه وسلم-، وتركه قائمًا.
واستدلوا بما جاء عن عدد من الصحابة -رضي الله عنهم- أنهم باشروا السماع بالفعل أو أقروه. وهم القوم يقتدي بهم فيهتدي.
واستدلوا لما نقله غير واحد من الإجماع علي إباحة السماع، كما سنذكره بعد.

وثانيا: من حيث روح الإسلام وقواعده:
لا شيء في الغناء إلا أنه من طيبات الدنيا التي تستلذها الأنفس، وتستطيبها العقول، وتستحسنها الفطر، وتشتهيها الأسماع، فهو لذة الأذن، كما أن الطعام الهنيء لذة المعدة، والمنظر الجميل لذة العين، والرائحة الذكية لذة الشم ... إلخ، فهل الطيبات أي المستلذات حرام في الإسلام أم حلال ؟
من المعروف أن الله تعالي كان قد حرم علي بني إسرائيل بعض طيبات الدنيا عقوبة لهم علي سوء ما صنعوا، كما قال تعالي: (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرًا. وأخذهم الربا وقد نهو عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل) (النساء: 160، 161). فلما بعث الله محمدًا –صلي الله عليه وسلم- جعل عنوان رسالته في كتب الأولين (الذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم). (الأعراف: 157).

فلم يبق في الإسلام شيء طيب أي تستطيبه الأنفس والعقول السليمة إلا أحله الله، رحمة بهذه الأمة لعموم رسالتها وخلودها. قال تعالي: (يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات). (المائدة: 4).
ولم يبح الله لواحد من الناس أن يحرم علي نفسه أو علي غيره شيئًا من الطيبات مما رزق الله مهما يكن صلاح نيته أو ابتغاء وجه الله فيه، فإن التحليل والتحريم من حق الله وحده، وليس من شأن عباده، قال تعالي: (قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حرامًا وحلالاً قل آلله أذن لكم أم علي الله تفترون) (يونس: 59). وجعل سبحانه تحريم ما أحله من الطيبات كإحلال ما حرم من المنكرات، كلاهما يجلب سخط الله وعذابه، ويردي صاحبه في هاوية الخسران المبين، والضلال البعيد، قال جل شأنه ينعي علي من فعل ذلك من أهل الجاهلية: (قد خسر الذين ***وا أولادهم سفهًا بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء علي الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين). (الأنعام: 140).

ولو تأملنا لوجدنا حب الغناء والطرب للصوت الحسن يكاد يكون غريزة إنسانية وفطرة بشرية، حتي إننا لنشاهد الصبي الرضيع في مهده يسكته الصوت الطيب عن بكائه، وتنصرف نفسه عما يبكيه إلي الإصغاء إليه ولذا تعودت الأمهات والمرضعات والمربيات الغناء للأطفال منذ زمن قديم، بل نقول: إن الطيور والبهائم تتأثر بحسن الصوت والنغمات الموزونة حتي قال الغزالي في الإحياء: (من لم يحركه السماع فهو ناقص مائل عن الاعتدال، بعيد عن الروحانية، زائد في غلظ الطبع وكثافته علي الجمال والطيور وجميع البهائم، إذ الجمل مع بلادة طبعه يتأثر بالحداء تأثرًا يستخف معه الأحمال الثقيلة، ويستقصر -لقوة نشاطه في سماعه- المسافات الطويلة، وينبعث فيه من النشاط ما يسكره ويولهه. فتري الإبل إذا سمعت الحادي تمد أعناقها، وتصغي إليه ناصبة آذانها، وتسرع في سيرها، حتي تتزعزع عليها أحمالها ومحاملها) .

وإذا كان حب الغناء غريزة وفطرة فهل جاء الدين لمحاربة الغرائز والفطر والتنكيل بها ؟ كلا، إنما جاء لتهذيبها والسمو بها، وتوجيهها التوجيه القويم، قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: إن الأنبياء قد بعثوا بتكميل الفطرة وتقريرها لا بتبديلها وتغييرها.
ومصداق ذلك أن رسول الله -صلي الله عليه وسلم- قدم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: "ما هذان اليومان؟" قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية: فقال عليه السلام: "إن الله قد أبدلكم بهما خيرًا منهما: يوم الأضحي ويوم الفطر" رواه أحمد وأبو داود والنسائي.

وقالت عائشة: "لقد رأيت النبي يسترني بردائه، وأنا أنظر إلي الحبشة يلعبون في المسجد، حتي أكون أنا التي أسأمه -أي اللعب- فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة علي اللهو".
وإذا كان الغناء لهوا ولعبًا فليس اللهو واللعب حرامًا، فالإنسان لا صبر له علي الجد المطلق والصرامة الدائمة.

قال النبي -صلي الله عليه وسلم- لحنظلة -حين ظن نفسه قد نافق لمداعبته زوجه وولده وتغير حاله في بيته عن حاله مع رسول الله -صلي الله عليه وسلم-: "يا حنظلة، ساعة وساعة" رواه مسلم.
وقال علي بن أبي طالب: روحوا القلوب ساعة بعد ساعة، فإن القلوب إذا أكرهت عميت.
وقال كرم الله وجهه: إن القلوب تمل كما تمل الأبدان، فابتغوا لها طرائف الحكمة.
وقال أبو الدرداء: إني لأستجم نفسي بالشيء من اللهو ليكون أقوي لها علي الحق.

وقد أجاب الإمام الغزالي عمن قال: إن الغناء لهو ولعب بقوله: (هو كذلك، ولكن الدنيا كلها لهو ولعب ... وجميع المداعبة مع النساء لهو، إلا الحراثة التي هي سبب وجود الولد، وكذلك المزح الذي لا فحش فيه حلال، نقل ذلك عن رسول الله -صلي الله عليه وسلم- وعن الصحابة.
وأي لهو يزيد علي لهو الحبشة والزنوج في لعبهم، فقد ثبت بالنص إباحته. علي أني أقول: اللهو مروح للقلب، ومخفف عنه أعباء الفكر، والقلوب إذا أكرهت عميت، وترويحها إعانة لها علي الجد، فالمواظب علي التفكر مثلاً ينبغي أن يتعطل يوم الجمعة؛ لأن عطلة يوم تساعد علي النشاط في سائر الأيام، والمواظب علي نوافل الصلوات في سائر الأوقات ينبغي أن يتعطل في بعض الأوقات، ولأجله كرهت الصلاة في بعض الأوقات، فالعطلة معونة علي العمل، اللهو معين علي الجد ولا يصبر علي الجد المحض، والحق المر، إلا نفوس الأنبياء عليهم السلام، فاللهو دواء القلب من داء الإعياء، فينبغي أن يكون مباحًا، ولكن لا ينبغي أن يستكثر منه، كما لا يستكثر من الدواء. فإذًا اللهو علي هذه النية يصير قربة، هذا في حق من لا يحرك السماع من قلبه صفة محمودة يطلب تحريكها، بل ليس له إلا اللذة والاستراحة المحضة، فينبغي أن يستحب له ذلك، ليتوصل به إلي المقصود الذي ذكرناه. نعم هذا يدل علي نقصان عن ذروة الكمال، فإن الكامل هو الذي لا يحتاج أن يروح نفسه بغير الحق، ولكن حسنات الأبرار سيئات المقربين، ومن أحاط بعلم علاج القلوب، ووجوه التلطف بها، وسياقتها إلي الحق، علم قطعًا أن ترويحها بأمثال هذه الأمور دواء نافع لا غني عنه) انتهي كلام الغزالي (الإحياء: كتاب السماع ص 1152، 1153)، وهو كلام نفيس يعبر عن روح الإسلام الحقة.
القائلون بإجازة الغناء:
تلك هي الأدلة المبيحة للغناء من نصوص الإسلام وقواعده، فيها الكفاية كل الكفاية ولو لم يقل بموجبها قائل، ولم يذهب إلي ذلك فقيه، فكيف وقد قال بموجبها الكثيرون من صحابة وتابعين وأتباع وفقهاء ؟
وحسبنا أن أهل المدينة -علي ورعهم- والظاهرية- علي حرفيتهم وتمسكهم بظواهر النصوص -والصوفية- علي تشددهم وأخذهم بالعزائم دون الرخص- روي عنهم إباحة الغناء.
قال الإمام لشوكاني في "نيل الأوطار": (ذهب أهل المدينة ومن وافقهم من علماء الظاهر، وجماعة الصوفية، إلي الترخيص في الغناء، ولو مع العود واليراع. وحكي الأستاذ أبو منصور البغدادي الشافعي في مؤلفه في السماع: أن عبد الله بن جعفر كان لا يري بالغناء بأسًا، ويصوغ الألحان لجواريه، ويسمعها منهن على أوتاره. وكان ذلك في زمن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه.
وحكي الأستاذ المذكور مثل ذلك أيضًا عن القاضي شريح، وسعيد بن المسيب، وعطاء بن أبي رباح، والزهري، والشعبي) .

وقال إمام الحرمين في النهاية، وابن أبي الدنيا: (نقل الأثبات من المؤرخين: أن عبد الله بن الزبير كان له جوار عوادات، وأن ابن عمر دخل إليه وإلي جنبه عود، فقال: ما هذا يا صاحب رسول الله ؟! فناوله إياه، فتأمله ابن عمر فقال: هذا ميزان شامي ؟ قال ابن الزبير: يوزن به العقول !) .
وروي الحافظ أبو محمد بن حزم في رسالة في السماع بسنده إلي ابن سيرين قال: (إن رجلاً قدم المدينة بجوار فنزل علي ابن عمر، وفيهن جارية تضرب. فجاء رجل فساومه، فلم يهو فيهن شيئًا. قال: انطلق إلي رجل هو أمثل لك بيعًا من هذا. قال: من هو ؟ قال: عبد الله بن جعفر .. فعرضهن عليه، فأمر جارية منهن، فقال لها: خذي العود، فأخذته، فغنت، فبايعه ثم جاء ابن عمر ... إلخ. القصة) .

وروي صاحب "العقد" العلامة الأديب أبو عمر الأندلسي: أن عبد الله بن عمر دخل علي ابن جعفر فوجد عنده جارية في حجرها عود، ثم قال لابن عمر: هل تري بذلك بأسًا ؟ قال: لا بأس بهذا، وحكي الماوردي عن معاوية وعمرو بن العاص: أنهما سمعًا العود عند ابن جعفر، وروي أبو الفرج الأصبهاني: أن حسان بن ثابت سمع من عزة الميلاء الغناء المزهر بشعر من شعره.
وذكر أبو العباس المبرد نحو ذلك. والمزهر عند أهل اللغة: العود.
وذكر الأدفوي أن عمر بن عبد العزيز كان يسمع جواريه قبل الخلافة. ونقل ابن السمعاني الترخيص عن طاووس، ونقله ابن قتيبة وصاحب الإمتاع عن قاضي المدينة سعد ابن إبراهيم بن عبد الرحمن الزهري من التابعين. ونقله أبو يعلي الخليلي في الإرشاد عن عبد العزيز بن سلمة الماجشون مفتي المدينة.

وحكي الروياني عن القفال أن مذهب مالك بن أنس إباحة الغناء بالمعازف، وحكي الأستاذ أبو منصور الفوراني عن مالك جواز العود، وذكر أبو طالب المكي في قوت القلوب عن شعبة أنه سمع طنبورًا في بيت المنهال بن عمروا المحدث المشهور.
وحكي أبو الفضل بن طاهر في مؤلفه في السماع أنه لا خلاف بين أهل المدينة في إباحة العود.
قال ابن النحوي في العمدة: (وقال ابن طاهر: هو إجماع أهل المدينة. قال ابن طاهر: وإليه ذهبت الظاهرية قاطبة. قال الأدفوي: لم يختلف النقلة في نسبة الضرب إلي إبراهيم بن سعد المتقدم الذكر وهو ممن أخرج له الجماعة كلهم.

وحكي الماوردي إباحة العود عن بعض الشافعية، وحكاه أبو الفضل بن طاهر عن أبي إسحاق الشيرازي، وحكاه الإسنوي في "المهمات" عن الروياني والماوردي، ورواه ابن النحوي عن الأستاذ أبي منصور وحكاه ابن الملقن في العمدة عن ابن طاهر، وحكاه الأدفوي عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام، وحكاه صاحب الإمتاع عن أبي بكر بن العربي، وجزم بالإباحة الأدفوي.

هؤلاء جميعًا قالوا بتحليل السماع مع آلة من الآلات المعروفة -أي آلات الموسيقي- وأما مجرد الغناء من غير آلة فقال الأدفوي في الإمتاع: إن الغزالي في بعض تآليفه الفقهية نقل الاتفاق علي حله، ونقل ابن طاهر إجماع الصحابة والتابعين عليه، ونقل التاج الفزاري وابن قتيبة إجماع أهل الحرمين عليه، ونقل ابن طاهر وابن قتيبة أيضًا إجماع أهل المدينة عليه، وقال الماوردي: لم يزل أهل الحجاز يرخصون فيه في أفضل أيام السنة المأمور فيها بالعبادة والذكر. قال ابن النحوي في العمدة: وقد روي الغناء وسماعه عن جماعة من الصحابة والتابعين، فمن الصحابة عمر -كما رواه ابن عبد البر وغيره- وعثمان- كما نقله الماوردي وصاحب البيان والرافعي -وعبد الرحمن بن عوف- كما رواه ابن أبي شيبة- وأبو عبيدة بن الجراح- كما أخرجه البيهقي- وسعد بن أبي وقاص- كما أخرجه بن قتيبة- وأبو مسعود الأنصاري- كما أخرجه البيهقي- وبلال وعبد الله بن الأرقم وأسامة بن زيد- كما أخرجه البيهقي أيضا- وحمزة كما في الصحيح- وابن عمر- كما أخرجه ابن طاهر- والبراء بن مالك- كما أخرجه أبو نعيم- وعبد الله بن جعفر- كما رواه ابن عبد البر- وعبد الله بن الزبير- كما نقل أبو طالب المكي- وحسان- كما رواه أبو الفرج الأصبهاني- وعبد الله بن عمرو- كما رواه الزبير بن بكار- وقرظة بن كعب- كما رواه ابن قتيبة- وخوات بن جبير ورباح المعترف- كما أخرجه صاحب الأغاني- والمغيرة بن شعبة- كما حكاه أبو طالب المكي- وعمرو بن العاص- كما حكاه الماوردي- وعائشة والربيع- كما في صحيح البخاري وغيره.

وأما التابعون فسعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله بن عمر وابن حسان وخارجة بن زيد وشريح القاضي وسعيد بن جبير وعامر الشعبي وعبد الله بن أبي عتيق وعطاء بن أبي رباح ومحمد بن شهاب الزهري وعمر بن عبد العزيز وسعد بن إبراهيم الزهري.
وأما تابعوهم فخلق لا يحصون منهم الأئمة الأربعة وابن عيينة وجمهور الشافعية) . انتهي كلام ابن النحوي. هذا كله ذكره الشوكاني في نيل الأوطار (جـ 8/264-266) .

قيود وشروط لابد من مراعاتها:
ولا ننسي أن نضيف إلي هذه الفتوي قيودًا لابد من مراعاتها في سماع الغناء.
فقد أشرنا في أول البحث إلي أنه ليس كل غناء مباحًا، فلابد أن يكون موضوعه متفقًا مع أدب الإسلام وتعاليمه.
فالأغنية التي تقول: "الدنيا سيجارة وكاس" مخالفة لتعاليم الإسلام الذي يجعل الخمر رجسًا من عمل الشيطان ويلعن شارب "الكأس" عاصرها وبائعها وحاملها وكل من أعان فيها بعمل. والتدخين أيضًا آفة ليس وراءها إلا ضرر الجسم والنفس والمال.

والأغاني التي تمدح الظلمة والطغاة والفسقة من الحكام الذين ابتليت بهم أمتنا، مخالفة لتعاليم الإسلام، الذي يلعن الظالمين، وكل من يعينهم، بل من يسكت عليهم، فكيف بمن يمجدهم ؟!
والأغنية التي تمجد صاحب العيون الجريئة أو صاحب العيون جريئة أغنية تخالف أدب الإسلام الذي ينادي كتابه: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم … وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن) (النور: 30، 31). ويقول –صلي الله عليه وسلم- يا علي : "لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولي وليست لك الآخرة".

ثم إن طريقة الأداء لها أهميتها، فقد يكون الموضوع لا بأس به ولا غبار عليه، ولكن طريقة المغني أو المغنية في أدائه بالتكسر في القول، وتعمد الإثارة، والقصد إلي إيقاظ الغرائز الهاجعة، وإغراء القلوب المريضة- ينقل الأغنية من دائرة الإباحة إلي دائرة الحرمة أو الشبهة أو الكراهة من مثل ما يذاع علي الناس ويطلبه المستمعون والمستمعات من الأغاني التي تلح علي جانب واحد، هو جانب الغريزة الجنسية وما يتصل بها من الحب والغرام، وإشعالها بكل أساليب الإثارة والتهيج، وخصوصًا لدي الشباب والشابات.

إن القرآن يخاطب نساء النبي فيقول: (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض) . فكيف إذا كان مع الخضوع في القول الوزن والنغم والتطريب والتأثير ؟!
ومن ناحية ثالثة يجب ألا يقترن الغناء بشيء محرم، كشرب الخمر أو التبرج أو الاختلاط الماجن بين الرجال والنساء، بلا قيود ولا حدود، وهذا هو المألوف في مجالس الغناء والطرب من قديم. وهي الصورة المائلة في الأذهان عند ما يذكر الغناء، وبخاصة غناء الجواري والنساء.

وهذا ما يدل عليه الحديث الذي رواه ابن ماجة وغيره: "ليشربن ناس من أمتي الخمر، يسمونها بغير اسمها، يعزف علي رؤوسهم بالمعازف والمغنيات، يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير".
وأود أن أنبه هنا علي قضية مهمة، وهي أن الاستماع إلي الغناء في الأزمنة الماضية كان يقتضي حضور مجلس الغناء، ومخالطة المغنين والمغنيات وحواشيهم، وقلما كانت تسلم هذه المجالس من أشياء ينكرها الشرع، ويكرهها الدين.
أما اليوم فيستطيع المرء أن يستمع إلي الأغاني وهو بعيد عن أهلها ومجالسها، وهذا لا ريب عنصر مخفف في القضية، ويميل بها إلي جانب الإذن والتيسير.

هذا إلي أن الإنسان ليس عاطفة فحسب، والعاطفة ليست حبًا فقط، والحب لا يختص بالمرأة وحدها، والمرأة ليست جسدًا وشهوة لا غير، لهذا يجب أن نقلل من هذا السيل الغامر من الأغاني العاطفية الغرامية وأن يكون لدينا من أغانينا وبرامجنا وحياتنا كلها توزيع عادل، وموازنة مقسطة بين الدين والدنيا وفي الدنيا بين حق الفرد وحقوق المجتمع، وفي الفرد بين عقله وعاطفته، وفي مجال العاطفة بين عواطف الإنسانية كلها من حب وكره وغيره وحماسة وأبوة وأمومة وبنوة وأخوة وصداقة ... إلخ فلكل عاطفة حقها.

أما الغلو والإسراف والمبالغة في إبراز عاطفة خاصة فذلك علي حساب العواطف الأخري، وعلي حساب عقل الفرد وروحه وإرادته، وعلي حساب المجتمع وخصائصه ومقوماته، وعلي حساب الدين ومثله وتوجيهاته.

إن الدين حرم الغلو والإسراف في كل شيء حتي في العبادة فما بالك بالإسراف في اللهو وشغل الوقت به ولو كان مباحًا ؟!
إن هذا دليل علي فراغ العقل والقلب من الواجبات الكبيرة، والأهداف العظيمة، ودليل علي إهدار حقوق كثيرة كان يجب أن تأخذ حظها من وقت الإنسان المحمود وعمره القصير، وما أصدق وأعمق ما قال ابن المقفع: (ما رأيت إسرافًا إلا وبجانبه حق مضيع) وفي الحديث: "لا يكون العاقل ظاعنًا إلا لثلاث: مرمة لمعاش، أو تزود لمعاد، أو لذة في غير محرم"، فلنقسم أوقاتنا بين هذه الثلاثة بالقسط ولنعلم أن الله سائل كل إنسان عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه ؟
وبعد هذا الإيضاح تبقي هناك أشياء يكون كل مستمع فيها فقيه نفسه ومفتيها، فإذا كان الغناء أو نوع خاص منه يستثير غريزته، ويغريه بالفتنة، ويسبح به في شطحات الخيال، ويطغي فيه الجانب الحيواني علي الجانب الروحاني، فعليه أن يتجنبه حينئذ، ويسد الباب الذي تهب منه رياح الفتنة علي قلبه ودينه وخلقه فيستريح ويريح.

تحذير من التساهل في إطلاق التحريم:
ونختم بحثنا هذا بكلمة أخيرة نوجهها إلي السادة العلماء الذين يستخفون بكلمة "حرام" ويطلقون لها العنان في فتواهم إذا أفتوا، وفي بحوثهم إذا كتبوا، عليهم أن يراقبوا الله في قولهم ويعلموا أن هذه الكلمة "حرام" كلمة خطيرة: إنها تعني عقوبة الله علي الفعل وهذا أمر لا يعرف بالتخمين ولا بموافقة المزاج، ولا بالأحاديث الضعيفة، ولا بمجرد النص عليه في كتاب قديم، إنما يعرف من نص ثابت صريح، أو إجماع معتبر صحيح، وإلا فدائرة العفو والإباحة واسعة، ولهم في السلف الصالح أسوة حسنة.

قال الإمام مالك رضي الله عنه: ما شيء أشد علي من أن أسأل عن مسألة من الحلال والحرام؛ لأن هذا هو القطع في حكم الله، ولقد أدركت أهل العلم والفقه ببلدنا، وإن أحدهم إذا سئل عن مسألة كأن الموت أشرف عليه، ورأيت أهل زماننا هذا يشتهون الكلام في الفتيا، ولو وقفوا علي ما يصيرون إليه غدًا لقللوا من هذا، وإن عمر بن الخطاب وعليًا وعامة خيار الصحابة كانت ترد عليهم المسائل -وهم خير القرون الذين بعث فيهم النبي -صلي الله عليه وسلم- فكانوا يجمعون أصحاب النبي -صلي الله عليه وسلم- ويسألون، ثم حينئذ يفتون فيها، وأهل زماننا قد هذا صار فخرهم، فبقدر ذلك يفتح لهم من العلم قال: ولم يكن من أمر الناس ولا من مضي من سلفنا الذين يقتدي بهم، ومعول الإسلام عليهم، أن يقولوا: هذا حلال وهذا حرام، ولكن يقول: أنا أكره كذا وأري كذا، وأما "حلال" و "حرام" فهذا الافتراء علي الله. أما سمعت قول الله تعالي: (قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حرامًا وحلالاً قل آلله أذن لكم أم علي الله تفترون) يونس: 59؛ لأن الحلال ما حلله الله ورسوله والحرام ما حرماه.
ونقل الإمام الشافعي في "الأم" عن الإمام أبي يوسف صاحب أبي حنيفة قال:
(أدركت مشايخنا من أهل العلم يكرهون في الفتيا أن يقولوا: هذا حلال وهذا حرام، إلا ما كان في كتاب الله عز وجل بينا بلا تفسير.

وحدثنا ابن السائب عن ربيع بن خيثم -وكان أفضل التابعين- أنه قال: إياكم أن يقول الرجل: إن الله أحل هذا أو رضيه، فيقول الله له: لم أحل هذا ولم أرضه، ويقول: إن الله حرم هذا فيقول الله: كذبت لم أحرمه ولم أنه عنه ! وحدثنا بعض أصحابنا عن إبراهيم النخعي أنه حدث عن أصحابه أنهم كانوا إذا أفتوا بشيء أو نهوا عنه، قالوا: هذا مكروه، وهذا لا بأس به، فأما أن يقولوا: هذا حلال وهذا حرام فما أعظم هذا) .
هذا ما ذكره القاضي أبو يوسف، ونقله الشافعي، ولم ينكر عليه هذا النقل ولا مضمونه بل أقره، وما كان ليقر مثله إلا إذا اعتقد صحته.
وقال الله تعالي: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا علي الله الكذب إن الذين يفترون علي الله الكذب لا يفلحون). (النحل: 116).
والله أعلم



اصبح الشيخ القرضاوى مثار للجدال وخصوصا فتاويه التى تثير كثير من الجدل والردود ومنضمن المواضيع التى اثارها فتوى حل الغناء ولكن قبل عرض الفتوى والردعليها

(كل يأخذ منه ويرد)ابدأ بمعنى الغناء ومعنى المعازف(الالات الموسيقيه) فى اللغة
الغناء
القاموس الفقهى
الغناء :كل من رفع صوته ووالاه فصوته عند العرب غناء
لسان العرب
وفى النهاية هو رفع الصوت وموالاته
تاج العروس
الغناء هوكل من رفع صوته ووالاه فصوته عند العرب غناء
لفظ ابن الاثير فى كتابه(النهاية فى غريب الاثر)
وهذا هو معنى الغناء فى اللغة
المعازف
جاء فى تهذيب اللغه
قال الليث :هى الملاعب التى يضرب بها يقولون للواحد عزف وللجميع معازف , رواية عن العرب



2_مرجع لسان العرب لابن منظور
العزف:اللعب بالمعازف , وهى الدفوف وغيرها مما يضرب
3- وقال مجد الدين الفيروز أبادى فى القاموس المحيط
المعازف الملاهى كالعود والطنبور
4-وقال مجد الدين بن الاثير فى (النهايه فى غريب الاثر)
العزف اللعب بالمعازف وهى الدفوف وغيرها مما يضرب)
ومن اهل اللغة نعرف ان الكلام عن الغناءمنفردا يكون غير الكلام عن الغناء مصحوبا بالمعازف
فهذا له حكم وهذا له حكم



يقول الشيخ القرضاوى فى فتوته
ج: مسألة الغناء بآلة (أي مع الموسيقى) وبغير آلة، مسألة ثار فيها الجدل بين فقهاء المسلمين منذ الأعصر الأولى ، فاتفقوا في مواضع، واختلفوا في أخرى .
اتفقوا على تحريم كل غناء يشتمل على فحش أو فسق أو تحريض على معصية، إذ أن الغناء ليس إلا كلامًا فحسنه حسن وقبيحه قبيح. وكل قول يخالف أدب الإسلام فهو حرام ، فما بالك إذا اجتمع له الوزن والنغم وقوة التأثير؟
واتفقوا على إباحة ما خلا من ذلك في مواطن السرور المشروعة كالعرس، وقدوم الغائب وأيام الأعياد، وقد وردت في ذلك نصوص صحيحة صريحة .
واختلفوا فيما عدا ذلك اختلافًا بينًا، فمنهم من أجاز كل غناء بآلة وبغير آلة بل اعتبره مستحبًا، ومنهم من منعه بآلة وأجازه بغير آلة، ومنهم من منعه منعًا باتًا، بل عده حرامًا.
والذي نفتي به ونطمئن إليه من بين تلك الأقوال: إن الغناء -في ذاته- حلال فالأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد نص صحيح بحرمتها، وكل ما ورد في تحريم الغناء فهو إما صريح غير صحيح أو صحيح غير صريح. ومن ذلك الآيتان المذكورتان في السؤال.انتهى



وهنا الشيخ يقول( فى حد ذاته حلال )وهذا ليس موضع الخلاف ولكن موضع الخلاف فى الغناء فى العصر الحالى المصحوب بموسيقى ومعازف
وطبعا لابد نضع خط تحت كلمة غناء حتى نفهم مراد الشيخ فهو يقول الادله( صريح غير صحيح وصحيح غير صريح)
ولكن هذا من وجهة نظرة فقط بل هو ذكر حديث صحيح فى تحريم المعازف ولكن وضع له تفسير غريب وخالف به اصول الفقة كما سيأتى.



وبدأالشيخ فى سرد الادلة والرد عليها ولكن الغريب ان الادله الاساسيه فى تحريم الغناء المصحوب بالموسيقى لم يذكرة تفصيلاوهذه عاده المخالفين كما يقول الشيخ ابو اسحق الحوينى !



ويقول الشيخ القرضاوى
وأما الأحاديث التي استدل بها المحرمون فكلها مثخنة بالجراح، لم يسلم منها حديث دون طعن في ثبوته أو دلالته أو فيهما معًا. قال القاضي أبوبكر بن العربي في كتابه "الأحكام": لم يصح في التحريم شيء، وكذا قال الغزالي وابن النحوي في العمدة، وقال ابن حزم: كل ما روي فيها باطل موضوع.
وإذا سقطت أدلة التحريم بقي الغناء على الإباحة الأصلية، .انتهى



هكذا ولم يذكر حديثا واحد ا منها بل قال كلها مثخنة بالجراح لم يسلم منها حديث .
ومع الاسف حتى كلام القاضى ابوبكر عن الغناء ففيه تدليس شديد والقارئ لكلام الشيخ القرضاوى يظن ان القاضى بن العربى افرد بابا للغناء والموسيقى وجلب كل الاحاديث فى هذا الموضوع ثم لم يجد فيها حديث صحيح وهذا واضح.



ولكن بعد الرجوع الى كتاب (أحكام القران) لابن العربى وهو الكتاب المقصود لم اجد هذة المقولة اصلا(": لم يصح في التحريم شيء)تصوروا.



ولكن ماذا وجدت?أقرا كلام بن العربى
((سورة لقمان فيها خمس آيات الآية الأولى قوله تعالى : ** ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين } .
فيها ثلاث مسائل :
المسألة الاولى :** لهو الحديث } هو الغناء وما اتصل به : فروى الترمذي والطبري وغيرهما عن أبي أمامة الباهلي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ** لا يحل بيع المغنيات ، ولا شراؤهن ، ولا التجارة فيهن ، ولا أثمانهن ؛ وفيهن أنزل الله تعالى : ** ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم } } الآية .
وروى عبد الله بن المبارك عن مالك بن أنس عن محمد بن المنكدر عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ** من جلس إلى قينة يسمع منها صب في أذنيه الآنك يوم القيامة } .
وروى ابن وهب عن مالك بن أنس ، عن محمد بن المنكدر أن الله يقول يوم القيامة : أين الذين كانوا ينزهون أنفسهم وأسماعهم عن اللهو ومزامير الشيطان ؟ أدخلوهم في رياض المسك .
ثم يقول للملائكة : أسمعوهم حمدي وشكري ، وثنائي عليهم ، وأخبروهم أن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون .
ومن رواية مكحول عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ** من مات وعنده جارية مغنية فلا تصلوا عليه } .
الثاني : أنه الباطل .
الثالث : أنه الطبل ؛ قاله الطبري .



المسألة الثانية : في سبب نزولها : وفيه قولان : أحدهما : أنها نزلت في النضر بن الحارث ، كان يجلس بمكة ، فإذا قالت قريش : إن محمدا قال كذا وكذا ضحك منه ،
وحدثهم بأحاديث ملوك الفرس ، ويقول : حديثي هذا أحسن من قرآن محمد .
الثاني : أنها نزلت في رجل من قريش اشترى جارية مغنية ، فشغل الناس بلهوها عن استماع النبي صلى الله عليه وسلم .



المسألة الثالثة : هذه الأحاديث التي أوردناها لا يصح منها شيء بحال ، لعدم ثقة ناقليها إلى من ذكر من الأعيان فيها .
وأصح ما فيه قول من قال : إنه الباطل .
فأما قول الطبري : إنه الطبل فهو على قسمين : طبل حرب ، وطبل لهو ، فأما طبل الحرب فلا حرج فيه ؛ لأنه يقيم النفوس ، ويرهب على العدو .
وأما طبل اللهو فهو كالدف .
وكذلك آلات اللهو المشهرة للنكاح يجوز استعمالها فيه ، لما يحسن من الكلام ، ويسلم من الرفث)) انتهى
طبعا الكلام واضح القاضى فى وادى والشيخ فى وادى اخر
اذن ابن العربى لم يتكلم عن احاديث الغناء والمعازف وانما تكلم عن احاديث خاصة بتفسير ايه
والمعلوم فى اللغة ان الغناء غير المعازف التى هى الات العزف
والتى هى محل الخلاف .



ويقول ابن حزم كل مروى موضوع وباطل
كلام غير منطقى فمن تلك الاحاديث حديث فى البخارى
والحديث فى تحريم المعازف صحيح وهو فى البخارى وسنن ابى داود



كما ان القرضاوي لم يوفق في كلام القاضي بن العربي وان القاضي عندما قال :
لم يصح منها شئ بحال كان يقصد امرا اخر
ولكن القاضى فى موضع اخر قال
وَأَمَّا الْغِنَاءُ فَإِنَّهُ مِنْ اللَّهْوِ الْمُهَيِّجِ لِلْقُلُوبِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ، مِنْهُمْ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ، وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ وَلَا فِي السُّنَّةِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ .
أَمَّا إنَّ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ [ دَلِيلًا عَلَى ] إبَاحَتِهِ ، وَهُوَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ ** أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ حَادِيَتَانِ مِنْ
حَادِيَاتِ الْأَنْصَارِ ، تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتْ الْأَنْصَارُ بِهِ يَوْمَ بُعَاثٍ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَمِزْمَارُ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ ، فَإِنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ } فَلَوْ كَانَ الْغِنَاءُ حَرَامًا مَا كَانَ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ .
وَقَدْ أَنْكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ بِظَاهِرِ الْحَالِ ، فَأَقَرَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفَضْلِ الرُّخْصَةِ وَالرِّفْقِ بِالْخَلِيقَةِ فِي إجْمَامِ الْقُلُوبِ ؛ إذْ لَيْسَ جَمِيعُهَا يَحْمِلُ الْجِدَّ دَائِمًا .
وَتَعْلِيلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ يَدُلُّ عَلَى كَرَاهِيَةِ دَوَامِهِ ، وَرُخْصَتِهِ فِي الْأَسْبَابِ كَالْعِيدِ ، وَالْعُرْسِ ، وَقُدُومِ الْغَائِبِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْمُجْتَمَعَاتِ الَّتِي تُؤَلِّفُ بَيْنَ الْمُفْتَرِقِينَ وَالْمُفْتَرِقَاتِ عَادَةً .
وَكُلُّ حَدِيثٍ يُرْوَى فِي التَّحْرِيمِ أَوْ آيَةٍ تُتْلَى فِيهِ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ سَنَدًا ، بَاطِلٌ مُعْتَقَدًا ، خَبَرًا وَتَأْوِيلًا ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِي الْغِنَاءِ فِي الْعِيدَيْنِ ، وَفِي الْبُكَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ غَيْرِ نَوْحٍ مِنْ حَدِيثِ ثَابِتِ ابْنِ وَدِيعَةَ .انتهى
وهنا ايضا لم يكن الحديث عن المعازف وكلمة رخص لنا تدل على التحريم فى اصل الامر
واما كلام الامام بن حزم عن الغناء
فيقول فى المحلى




ومن طريق البخاري قال هشام بن عمار: نا صدقة ابن خالد نا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر نا عطية بن قيس الكلابي حدثنى عبد الرحمن بن غنم الاشعري [ قال ] ( حدثنى أبو عامر أو أبو مالك الاشعري ووالله ما كذبني أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ليكونن من أمتى قوم ( يستحلون الخز ( والحرير والخمر.والمعازف) وهذا منقطع لم يتصل ما بين البخاري.
وصدقة بن خالد، ولا يصح في هذا الباب شئ أبدا وكل ما فيه فموضوع، ووالله لو أسند جميعه أو واحد منه فاكثر من طريق الثقات إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ترددنا في الاخذ به . انتهى0



هل فى البخارى حديث موضوع ؟ هذا مالم يقله احد.
وهل الحديث منقطع ؟ لقد رد العلماء فى هذا الموضوع وبينوا ان الحديث صحيح
والامام بن حزم اقسم لو صح الحديث لاخذ به والحديث له اسانيد اخرى ليس فيها اى طعن وما كان لمتبعى الامام بن حزم اى يردوها والشيخ القرضاوى نفسه يستدل بحديث البخارى وحديث بن حبان ويقول
((ورغم ما في ثبوته من الكلام، ففي دلالته كلام آخر؛ إذ هو غير صريح في إفادة حرمة "المعازف" فكلمة "يستحلون" –كما ذكر ابن العربي- لها معنيان: أحدهما: يعتقدون أن ذلك حلال، والثاني: أن يكون مجازًا عن الاسترسال في استعمال تلك الأمور، إذ لو كان المقصود بالاستحلال: المعني الحقيقي، لكان كفرًا.



ولو سلمنا بدلالتها علي الحرمة لكان المعقول أن يستفاد منها تحريم المجموع، لا كل فرد منها، فإن الحديث في الواقع ينعي علي أخلاق طائفة من الناس انغمسوا في الترف والليالي الحمراء وشرب الخمور. فهم بين خمر ونساء، ولهو وغناء، وخز وحرير. ولذا روي ابن ماجة هذا الحديث عن أبي مالك الأشعري بلفظ: "ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يعزف علي رؤوسهم بالمعازف والمغنيات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير"، وكذلك رواه ابن حبان في صحيحه. انتهى



الشيخ يقول بثبوت الحديث الحديث فى البخارى وبن حبان ولكن يقول اذا سلمنا بدلالتهما على التحريم لكان من المعقول ان يستفاد منه تحريم المجموع وهذا خلاف قواعد اصول الفقه ورد عليه الشيخ /عبد الله رمضان فى كتابه (الرد على القرضاوى والجديع)



((( القاعدة السابعة))) من القواعد الاصوليه
الجمع بين الاشياء فى الوعيد يدل على تحريم كل منهما بمفردهما (او:لا يجمع بين محرم ومباح فى الوعيد)
اذا جاء نص شرعى يتوعد بالعذاب على مجموع اشياء معينه,فإن هذا يدل على
تحريم كل منهما بمفرده,لانه لا يصح ان يتوعد على مباح ,ولا يصح_فى الوعيد_ان يضم المباح الى المحرم , وذلك لأنه لا يحسن ان يقال :من زنا وشرب
عذبته.ولا يحسن ان يقول الحكيم لغيره :إن زنيت وشربت الماء, عاقبتك ,وذلك
لأن شرب الماءمباح ,بينما الزنا محرم, فلا يجوز ان يتوعد على المباح.
فإذا جاء الوعيد على مجموع شيئين , فإنه يدل على تحريم كل منهما بمفردة
وفيما يلى ننقل لكم فى ذلك تصريحات كبار اهل العلم ,على مر العصور والازمان على اختلاف مذاهبهم وعقائدهم وطبقاتهم وازمانهم_.................
.................................................. .................
1_ قال الإمام ابو بكر الجصاص:(


لَوْلَا أَنَّ تَرْكَ اتِّبَاعِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ فِعْلٌ مَذْمُومٌ - لَمَا قَرَنَهُ إلَى مُشَاقَّةِ الرَّسُولِ ، فَلَمَّا قَرَنَهُ إلَى مُشَاقَّةِ الرَّسُولِ وَأُلْحِقَ الذَّمُّ بِفَاعِلِهِ - دَلَّ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ لَوْلَا أَنَّهُ فِعْلٌ مَذْمُومٌ عَلَى الِانْفِرَادِ لَمَا جَمَعَهُ إلَى مُشَاقَّةِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ .
وَالثَّانِي :
أَنَّهُ ذَمَّهُ عَلَى الْفِعْلَيْنِ جَمِيعًا ، وَلَوْلَا أَنَّ تَرْكَ اتِّبَاعِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ مَعْنًى يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الذَّمَّ لَمَا اسْتَحَقَّ الذَّمَّ إذَا شَاقَّ الرَّسُولَ مَعَهُ .
أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْله تَعَالَى **
وَاَلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ } قَدْ دَلَّ ( عَلَى ) أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَفْعَالِ مَذْمُومٌ عَلَى حِيَالِهِ ، يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْعِقَابَ ، وَإِنْ جَمَعَهَا فِي خِطَابٍ وَاحِدٍ .انتهى
2_ وقال القاضى ابو بكر الدبوسى فى كتابه((تقويم الادلةفى اصول الفقة)):
(فلما جعل مخالفتهم أحد شطرى استيجاب النار_علم انها مثل الشطر الاخر)انتهى.
3_وقال القاضى ابو يعلى الفراء الحنبلى فى كتابه((العدة فى اصول الفقه)):
(اتباع غير سبيل المؤمنين لو لم يكن محرما بانفراد _لم يحرم مع مشاقة الرسول,كسائر المباحات،ألا ترى انه لا يجوزالجمع بين القبيح والمباح فى باب الوعيد؟)انتهى
4_وقال الامام ابو إسحاق الشيرازى الشافعى فى كتابه ((التبصرة_ص 202))
:(لو لم يحرم كل واحد منهما على الانفراد, لما علق الوعيد عليهما على الاجتماع , فلما علق الوعيد عليهما _دل على تحريم كل واحد منهما على الانفراد). انتهى
5_ وقال الامام ابو الوليد الباجى المالكى فى كتابه (( احكام الفصول فى احكام الاصول)):(ما ذكرته دليل على وجوب اتباع سبيل المؤمنين؛ لانه تعالى لما توعد على ترك الامرين جميعا؛ علم انهما واجبان ؛ لانه لا توعّد على ترك الواجب وغير الواجب ,ولذلك لا يجوز ان يقول:من ظلم واحسن عاقبته, ومن سرق وصلى اصليته النار). انتهى
6_ وقال الامام ابو المظفر بن السمعانى الشافعى فى كتابة ( القواطع فى اصول الفقه):
(جمع بين مشاقة الرسول واتباع غير سبيل المؤمنين في الوعيد فلو كان اتباع غير سبيل المؤمنين مباحا لما جمع بينه وبين المحظور في الوعيد إلا ترى أنه لا يحسن أن يقول الحكيم لغيره أن زنيت وشربت الماء عاقبتك ).انتهى
24_وقال العلامه ابن عابدين فى كتابه ((نسمات الاحرار):لا يضم مباح الى حرام فى الوعيد))انتهى

صوت الامة
29-12-2010, 11:31 PM
لموضوع (1280) حكم سماع الموسيقى.
المفتى : فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق.
رمضان 1400 هجرية - 12 أغسطس 1980 م.

المبادئ:

1 - الضرب بالدف وغيره من الآلات مباح باتفاق فى أمور معينة.
2 - سماع الموسيقى وحضور بمجالسها وتعلمها أيا كانت آلاتها من المباحات ما لم تكن محركة للغرائز باعثة على الهوى والغواية والغزل والمجون مقترنة بالخمر والرقص والفسق والفجور، أو اتخذت وسيلة للمحرمات أو أوقعت فى المنكرات أو ألهت عن الواجبات.
سئل : بالكتاب الوارد من مجلة منبر الإسلام المقيد برقم 217 لنسة 1980
باستطلاع الحكم الشرعى فى الموسيقى منفردة معزولة عن أى لون من ألوان الفنون التى تصاحبها عادة بعد أن أثير هذا فى الندوة التى عقدها المجلس فى هذا الشأن واختلف الندويون بين محرم ومبيح.
أجاب : نقل ابن القيسرانى فى كتابه السماع ( س 31 و ص 63 وهو طبع المجلس الأعلى للشئون الإسلامية 1390 هجرية - 1970 م تحقيق الأستاذ أبو الوفا المراغى ) قول الإمام الشافعى الأصل قرآن وسنة، فإن لم يكن فقياس عليهما، وإذا اتصل الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصح الإسناد فيه فهو سنة والإجماع أكبر من خبر المنفرد والحديث على ظاهره، وإذا احتمل الحديث معانى فما أشبه منها ظاهرة أولاها به، فإذا تكافأت الأحاديث فأصحها إسنادا أولادها وليس المنقطع بشىء ما عدا منقطع ابن المسيب وفى هذا الكتاب أيضا ( س 31 و ص 63 وهو طبع المجلس الأعلى للشئون الإسلامية 1390 هجرية - 1970 م تحقيق الأستاذ أبو الوفا المراغى ) وأما القول فى استماع القضيب والأوتار ويقال له التغيير.

ويقال له الطقطقة أيضا فلا فرق بينه وبين الأوتار إذ لم نجد فى إباحته وتحريمه أثرا لا صحيحا ولا سقيما، وإنما استباح المتقدمون استماعه لأنه ما لم يرد الشرع بتحريمه فكان أصله الإباحة.

وأما الأوتار فالقول فيها كالقول فى القضيب، لم يرد الشرع بتحريمها ولا بتحليلها، وكل ما أوردوه فى التحريم فغير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صار هذا مذهبا لأهل المدينة، لا خلاف بينهم فى إباحة استماعه، وكذلك أهل الظاهر بنوا الأمر فيه على مسألة الحظر والإباحة.

وأما القول ( المرجع السباق ص 71 وما بعدها ) فى المزامير والملاهى فقد وردت الأحاديث الصحيحة بجواز استماعها، كما يدل على الإباحة قول الله عز وجل { وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين } الجمعة 11

وبيان هذا من الأثر ما أخرجه مسلم فى باب الجمعة عن جابر بن سمرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما ثم يجلس ثم يقوم فيخطب قائما، فمن نبأك أنه كان يخطب جالسا فقد كذب، فقد والله صليت معه أكثر من ألفى صلاة) وعن جابر بن عبد الله (أنه كان يخطب قائما يوم الجمعة فجاءت عير من الشام، فأنفتل الناس إليها حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلا فأنزلت هذه الآية)، وأخرج الطبرى هذا الحديث عن جابر، وفيه (أنهم كانوا إذا نكحوا تضرب لهم الجوارى بالمزامير فيشتد الناس إليهم ويدعون رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما).
فهذا عتاب الله عز وجل بهذه الآية.

ثم قال ابن القيسرانى ( من 72 من المرجع السابق ) والله عز وجل عطف اللهو على التجارة وحكم المعطوف حكم المعطوف عليه وبالإجماع تحليل التجارة، فثبت أن هذا الحكم مما أقره الشرع على ما كان عليه فى الجاهلية، لأنه غير محتمل أن يكون النبى صلى الله عليه وسلم حرمه ثم يمر به على باب المسجد يوم الجمعة، ثم يعاتب الله عز وجل من ترك رسوله صلى الله عليه وسلم قائما، وخرج ينظر إليه ويستمع ولم ينزل فى تحريمه آية، ولا سن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه سنة، فعلمنا بذلك بقاءه على حاله، ويزيد ذلك بيانا ووضوحا ما روى عن عائشة رضى الله عنها أنها زفت امرأة من الأنصار إلى رجل من الأنصار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أما كان معكن من لهو فإن الأنصار يعجبهم اللهو) وهذا الحديث أورده البخارى ( شرح عمدة القارىء على صحيح البخارى 146/20 هامش المرجع السابق ) فى صحيحه فى كتاب النكاح.

وقد عقد الغزالى فى كتاب إحياء علوم الدين ( ص 1150 ج - 6 لجنة نشر الثقافة الإسلامية 1356 هجرية ) الكتاب الثامن فى السماع وفى خصوص آلات الموسيقى قال إن الآلة إذا كانت من شعار أهل الشرب أو الخنين وهى المزامير والأوتار وطبل الكوبة فهذه ثلاثة أنواع ممنوعة، وما عدا ذلك يبقى على أصل الإباحة كالدف وإن كان فيه الجلاجل وكالطبل والشاهين والضرب بالقضيب وسائل الآلات ونقل القرطبى فى الجامع الأحكام القرآن ( ج - 14 ص 54 ) قول القشيرى ضرب بين يدى النبى صلى الله عليه وسلم يوم دخل المدينة فهم أبو بكر بالزجر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (دعهن يا أبا بكر حتى تعلم اليهود أن ديننا فسيح) فكن يضربن ويقلن نحن بنات النجار حبذا محمد من جار ثم قال القرطبى وقد قيل إن الطبل فى النكاح كالدف والكذلك الآلات المشهرة للنكاح يجوز استعمالها فيه بما يحسن من الكلام ولم يكن رفث ( أحكام القرآن لابن العربى ج - 3 ص 1494)

ونقل الشوكانى فى نيل الأوطار ( ج - 8 ص 104 و 105 ) فى باب ما جاء فى آلة اللهو أقوال المحرمين والمبيحين وأشار إلى أدلة كل من الفريقين، ثم عقب على حديث (كل لهو يلهو به المؤمن فهو باطل إلا ثلاثة ملاعبة الرجل أهله وتأديبه فرسه ورميه عن قوسه) بقول الغزالى قلنا قوله صلى الله عليه وسلم فهو باطل لا يدل على التحريم، بل يدل على عدم الفائدة ثم قال الشوكانى وهو جواب صحيح لأن ما لا فائدة فيه من قسم المباح، وساق أدلة أخرى فى هذا الصدد من بينها حديث ( ج - 8 ص 106 المرجع السابق ) من نذرت أن تضرب بالدف بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ورده الله سالما من إحدى الغزوات وقد أذن لها عليه صلوات الله وسلامه بالوفاء بالنذر والضرب بالدف، فالإذن منه يدل على أن ما فعلته ليس بمعصية فى مثل ذلك الموطن، وأشار الشوكانى إلى رسالة له عنوانها إبطال دعوى الاجماع على تحريم مطلق السماع.
وفى المحلى ( ج - 9 ص 60 ) لابن حزم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إنما الأعمال بالنيات ولكل امرىء ما نوى) فمن نوى استماع الغناء عونا على معصية الله تعالى فهو فاسق، وكذلك كل شىء غير الغناء، ومن نوى به ترويح نفسه ليقوى بذلك على طاعة الله عز وجل وينشط نفسه بذلك على البر فهو مطيع محسن وفعله هذا من الحق، ومن لم ينو طاعة ولا معصية فهو لغو معفو عنه، كخروج الإنسان إلى بستانه متنزها، وقعوده على باب داره متفرجا.
وعقد البخارى فى صحيحه ( ج - 9 ص 171 فى آخر كتاب الاستئذان المطبعة الأميرية سنة 1305 هجرية على هامشه صحيح مسلم ) بابا بعنوان كل لهو باطل إذا شغله عن طاعة الله وعقب فى الرشاد السارى على هذا العنوان بقوله ولو كان مأذونا فيه، كمن اشتغل بصلاة نافلة أو تلاوة أو ذكر أو تفكر فى معانى القرآن حتى خرج وقت المفروضة عمدا.
وفى الفقه الحنفى جاء فى كتاب البدائع ( ج - 6 ص 269 ) للكاسانى فيمن تقبل شهادته ومن لا تقبل وأما الذى يضرب شيئا فى الملاهى فإنه ينظر إن لم يكن مستشنعا كالقضيب والدف ونحوه لا بأس به ولا تسقط عدالته وإن كان مستشنعا كالعود ونحون سقطت عدالته، لأنه لا يحل بوجه من الوجوه.
وفى مجمع الأنهر ( ج - 2 ص 198 ) فى ذات الموضع أو يلعب بالطنبور لكونه من اللهو، والمراد بالطنبور كل لهو يكنون شنيعا بين الناس احترازا عما لم يكن شنيعا كضرب القضيب فإنه لا يمنع قبولها، إلا أن يتفاحش بأن يرقصوا به فيدخل فى حد الكبائر.

وجاء مثل هذا فى كتاب الدر ( ج - 4 ص 398 ) المختار للحصكفى وحاشية رد المحتار لابن عابدين وفى المغنى لابن قدامه ( ج - 10 ص 240 و 242 ) الملاهى على ثلاثة أضرب محرم وهو ضرب الأوتار والنايات والمزامير كلها والعود والطنبور والمعزفة والرباب ونحوها، فمن أدام استماعها ردت شهادته.

وضرب مباح وهو الدف فإن النبى صلى الله عليه وسلم قال (أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدف) أخرجه مسلم، وذكر أصحابنا وأصحاب الشافعى أنه مكروه فى غير النكاح وهو مكروه للرجال على كل حال.

وأما الضرب بالقضيب فمكروه إذا انضم إليه محرم أو مكروه كالتصفيق والغناء والرقص، وإن خلا عن ذلك كله لم يكره، لأنه ليس بآلة طرب ولا يطرب ولا يسمع منفردا بخلاف الملاهى، ومذهب الشافعى فى هذا الفصل كمذهبنا.

وفى لسان العرب اللهو ما لهوت به ولعبت به وشغلك من هوى وطرب ونحوهما، والملاهى آلات اللهو.
وفيه القصب كل نبات ذى أنابيب، والقاصب الزامر، والقصاب الزمار.
وفى المصباح المنير وأصل اللهو الترويح عن النفس بما لا تقتضيه الحكمة، وألهانى الشىء شغلنى.
وفى فتوى للإمام الأكبر ( ص 375 - 385 فتاوى الشيخ شلتوت طبعة 1379 هجرية - 1959 م الادارة الثقافية بالأزهر ) المرحوم الشيخ محمود شلتوت فى تعلم الموسيقى وسماعها ك ان الله خلق الإنسان بغريزة يميل بها إلى المستلذات والطيبات التى يجدها لها أثرا فى نفسه، به يهدأ وبه يرتاح وبه ينسشط وتسكن جوارحه، فتراه ينشرح بالمناظر الجميلة كالخضرة المنسقة والماء الصاف.

Specialist hossam
29-12-2010, 11:33 PM
ردود فضيلة الشيخ صالح الفوزان-حفظه الله- في كتابه القيِّم "الإعلام بنقد كتاب الحلال والحرام في الإسلام" الذي أجاد فيه وأفاد بالرد على مؤلفه -هداه الله-



10- حكم سماع الغناء والموسيقى

بحث المؤلف موضوع الغناء والموسيقى ابتداء من صحيفة ( 218 ) حتى صحيفة ( 221 ) ، وقد جانب الصواب في عدة مسائل :

منها قوله : ( ومن اللهو الذي تستريح إليه النفوس وتطرب له القلوب وتنعم به الآذان الغناء ، وقد أباحه الإسلام ما لم يشتمل على فحش أو خنا أو تحريض على إثم ، ولا بأس أن تصحبه الموسيقى غير المثيرة وأستحبه في المناسبات السارة إشاعة للسرور وترويحا للنفوس ، وذلك كأيام العيد والعرس وقدوم الغائب ، وفي وقت الوليمة والعقيقة ، وعند ولادة المولود ) . اهـ .

والملاحظ على هذه الجملة عدة أمور :

الأمر الأول : وصفه الغناء بأنه تستريح إليه النفوس وتطرب له القلوب وتنعم به الآذان ، وهو يريد بوصفه بهذه الأوصاف تحسينه للناس وترغيبهم في استماعه ، فنقول له : ليس الضابط في إباحة الشيء وحسنه مجرد كونه يحصل به راحة للنفوس وطرب للقلوب دون نظر إلى ما يترتب عليه من المفاسد ، وما يجر إليه من المضار ، وأكثر النفوس تميل إلى الباطل وتستريح إليه ، أفنقول إنه حلال ؟ كلا ، قال العلامة ابن القيم في مدارج السالكين ( 1-491 ) : ، فإن جهة كون الشيء مستلذا للحاسة ملائما لها لا يدل على إباحته ، ولا تحريمه ، ولا كراهته ، ولا استحبابه ، فإن هذه اللذة تكون فيها الأحكام الخمسة : تكون في الحرام ، والواجب ، والمكروه ، والمستحب ، والمباح ، فكيف يستدل بها على الإباحة من يعرف شروط الدليل ومواقع الاستدلال ، وهل هذا إلا بمنزلة من استدل على إباحة الزنا بما يجده فاعله من اللذة ، وإن لذته لا ينكرها من له طبع سليم ، وهل يستدل بوجود اللذة والملاءمة على حل اللذيذ الملائم أحد ، وهل خلت غالب المحرمات من اللذات ، وهل أصوات المعازف التي صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تحريمها وإن في أمته من سيستحلها بأصح إسناد ، وأجمع أهل العلم على تحريم بعضها ، وقال جمهورهم بتحريم جملتها إلا لذيذة تلذ السمع ؟ اهـ .

وقال العلامة ابن الجوزي في كتاب تلبيس إبليس :(( اعلم أن سماع الغناء يجمع شيئين : أحدهما أنه يلهي القلب عن التفكير في عظمة الله سبحانه والقيام بخدمته ، والثاني : أنه يميله إلى اللذات العاجلة التي تدعو إلى استيفائها من جميع الشهوات الحسية ، ومعظمها النكاح ، وليس تمام لذته إلا في المتجددات ، ولا سبيل إلى كثرة المتجددات من الحل ، فلذلك يحث على الزنا ، فبين الغناء والزنا تناسب من جهة أن الغناء لذة الروح ، والزنا أكبر لذات النفس ، ولهذا جاء في الحديث : (الغناء رقية الزنا ) )). اهـ .

الأمر الثاني : مما يلاحظ على المؤلف قوله عن الغناء : ( وقد أباحه الإسلام ما لم يشتمل على فحش أو خنا أو تحريض على إثم ) ، فقد تخيل المؤلف خلو الغناء من هذه المفاسد ، وبنى على هذا التخيل الحكم بإباحته ، ونسب ذلك إلى الإسلام ، وهذا من المجازفة في القول ، ومن القول على الله بلا علم ؛ لأن الواقع خلافه ، فالإسلام ما أباح الغناء ، بل حرمه بأدلة كثيرة من الكتاب والسنة ، منها قوله تعالى : {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} الآيات ، قال العلامة ابن القيم - رحمه الله - : [1] ويكفي تفسير الصحابة والتابعين للهو الحديث بأنه الغناء ، فقد صح ذلك عن ابن عباس وابن مسعود قال أبو الصهباء : سألت ابن مسعود عن قوله تعالى : {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} فقال : والله الذي لا إله غيره هو الغناء يرددها ثلاث مرات . وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما أيضا أنه الغناء ... إلى أن قال ، ولا تعارض بين تفسير لهو الحديث بالغناء وتفسيره بأخبار الأعاجم وملوكهم وملوك الروم ونحو ذلك ، مما كان النضر بن الحارث يحدث به أهل مكة يشغلهم به عن القرآن ، وكلاهما لهو الحديث ، ولهذا قال ابن عباس : لهو الحديث الباطل الغناء ، فمن الصحابة من ذكر هذا ، ومنهم من ذكر الآخر ، ومنهم من جمعهما ، والغناء أشد لهوا وأعظم ضررا من أحاديث الملوك وأخبارهم ، فإنه رقية الزنا ، ومنبت النفاق ، وشرك الشيطان ، وخمرة العقل . وصده عن القرآن أعظم من صد غيره من الكلام الباطل لشدة ميل النفوس إليه ، ورغبتها فيه ، إذا عرف هذا فأهل الغناء ومستمعوه لهم نصيب من هذا الذم بحسب اشتغالهم بالغناء عن القرآن ، وإن لم ينالوا جميعه ، فإن الآيات تضمنت ذم استبدال لهو الحديث بالقرآن ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا ، وإذا يتلى عليه القرآن ولى مستكبرا كأن لم يسمعه كأن في أذنيه وقرا ، وهو الثقل والصمم ، وإذا علم منه شيئا استهزأ به ، فمجموع هذا لا يقع إلا من أعظم الناس كفرا ، وإن وقع بعضه للمغنيين ومستمعيهم فلهم حصة ونصيب من هذا الذم . اهـ . من إغاثة اللهفان ( 1-258-259 ) .

ومن أدلة السنة على تحريم الغناء قوله - صلى الله عليه وسلم - : (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ، ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم لحاجة ، فيقولون ارجع إلينا غدا ، فيبيتهم الله ، ويضع العلم ، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة) رواه البخاري محتجا به . قال ابن القيم : وفي الباب عن سهل بن سعد الساعدي وعمران بن حصين وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن عباس وأبي هريرة وأبي أمامة الباهلي وعائشة أم المؤمنين وعلي بن أبي طالب وأنس بن مالك وعبد الرحمن بن سابط والغازي بن ربيعة ، ثم ساقها - رحمه الله - [في إغاثة اللهفان] فكيف يزعم المؤلف مع هذا كله أن الإسلام أباح الغناء ؟ !

------

[1] - لما ذكر الخبر المرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في تفسير لهو الحديث بالغناء وما في ذلك الخبر من مقال ، قال : ويكفي . . إلخ

ذكر طرف من أقوال العلماء في تحريم الغناء


ونذكر جملة من أقوال علماء الشريعة في حكم الغناء :

ذكر الإمام القرطبي في تفسيره ( 14-55-56 ) عن الإمام مالك أنه قال في الغناء إنما يفعله عندنا الفساق . قال وذكر أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري قال : أما مالك بن أنس فإنه نهى عن الغناء وعن استماعه ، وقال : إذا اشترى جارية ووجدها مغنية كان له ردها بالعيب ، وهو مذهب سائر أهل المدينة إلا إبراهيم بن سعد فإنه حكى عنه زكريا الساجي أنه كان لا يرى به بأسا ... إلى أن قال : قال أبو الطيب الطبري : ، وأما مذهب أبي حنيفة فإنه يكره الغناء مع إباحته شرب النبيذ ، ويجعل سماع الغناء من الذنوب ، وكذلك مذهب سائر أهل الكوفة إبراهيم والشعبي وحماد والثوري وغيرهم لا اختلاف بينهم في ذلك ، وكذلك لا يعرف بين أهل البصرة خلاف في كراهية ذلك ، والمنع منه إلا ما روي عن عبيد الله بن الحسن العنبري أنه كان لا يرى به بأسا . قال : وأما مذهب الشافعي فقال الغناء مكروه ويشبه الباطل ومن استكثر منه فهو سفيه ترد شهادته ، ثم ذكر القرطبي نقلا عن ابن الجوزي : أن الإمام أحمد سئل عن رجل مات وخلف ولدا وجارية مغنية ، فاحتاج الصبي إلى بيعها ، فقال : تباع على أنها ساذجة لا على أنها مغنية ، فقيل له إنها تساوي ثلاثين ألفا ، ولعلها إن بيعت ساذجة تساوي عشرين ألفا ، فقال لا تباع إلا أنها ساذجة . قال أبو الفرج : وإنما قال أحمد هذا ؛ لأن هذه الجارية المغنية لا تغني بقصائد الزهد ، بل الأشعار المطربة المثيرة إلى العشق ، وهذا دليل على أن الغناء محظور ، إذ لو لم يكن محظورا ما جاز تفويت المال على اليتيم ، وصار هذا كقول أبي طلحة للنبي - صلى الله عليه وسلم - عندي خمر ، لأيتام فقال أرقها فلو جاز استصلاحها لما أمر بتضييع مال اليتامى . قال الطبري : فقد أجمع علماء الأمصار على كراهة الغناء والمنع منه ، وإنما فارق الجماعة إبراهيم بن سعد وعبيد الله العنبري ، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (عليك بالسواد الأعظم) (ومن فارق الجماعة مات ميتة جاهلية) .

قلت : ما أباحه إبراهيم بن سعد وعبيد الله العنبري من الغناء ليس هو كالغناء المعهود المثير للنفوس ، والباعث على الشوق والغرام ، الملهب لها من وصف الخد والعينين ورشاقة الشفتين . تقعد المغنية أمام المذياع فتؤدي غناها بصوت رخيم يبعث على الوجد والأنات . يسمع صوتها من بعد ومن قرب ، فحاشا هذين المذكورين أن يبيحا مثل هذا الغناء الذي هو في غاية الانحطاط ، ومنتهى الرذالة .

ثم قال القرطبي : قال أبو الفرج ، وقال القفال من أصحابنا : لا تقبل شهادة المغني والرقاص . قلت : وإذ قد ثبت أن هذا الأمر لا يجوز فأخذ الأجرة عليه لا تجوز ، وقد ادعى أبو عمر بن عبد البر الإجماع على تحريم الأجرة على ذلك ، وقد مضى في الأنعام عند قوله : {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} وحسبك . اهـ كلام القرطبي وما ذكره في سورة الأنعام هو قوله ( 7-3 ) قال أبو عمر بن عبد البر في الكافي : من المكاسب المجمع على تحريمها الربا ومهور البغايا والسحت والرشا وأخذ الأجرة على النياحة والغناء ، وعلى الكهانة ، وادعاء الغيب وأخبار السماء ، وعلى الزمر واللعب الباطل كله . اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في مجموع الفتاوى ( 30-215 ) في أثناء كلام له على ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه مر براع معه زمارة فسد أذنيه .

قال : الوجه السادس أنه قد ذكر ابن المنذر اتفاق العلماء على المنع من إجارة الغناء والنوح فقال : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال النائحة والمغنية كره ذلك الشعبي والنخعي ومالك ، وقال أبو ثور والنعمان ويعقوب ومحمد : لا تجوز الإجارة على شيء من الغناء والنوح وبه نقول .

وقال الإمام ابن القيم في إغاثة اللهفان ( 1-245 ) في ذكر أقوال العلماء في الغناء نقلا عما ذكره أبو بكر الطرطوشي في كتابه ( تحريم السماع ) قال : أما مالك فإنه نهى عن الغناء وعن استماعه ، وقال إذا اشترى جارية فوجدها مغنية كان له أن يردها بالعيب وسئل مالك - رحمه الله - عما يرخص فيه أهل المدينة من الغناء فقال : إنما يفعله عندنا الفساق . قال : ، وأما أبو حنيفة فإنه يكره الغناء ويجعله من الذنوب ، وكذلك مذهب أهل الكوفة سفيان وحماد وإبراهيم والشعبي وغيرهم لا اختلاف بينهم في ذلك ، ولا نعلم خلافا أيضا بين أهل البصرة في المنع منه قال ابن القيم : قلت : مذهب أبي حنيفة في ذلك من أشد المذاهب وقوله فيه أغلظ الأقوال ، وقد صرح أصحابه بتحريم سماع الملاهي كلها كالمزمار والدف حتى الضرب بالقضيب ، وصرحوا بأنه معصية يوجب الفسق ، وترد به الشهادة ، وأبلغ من ذلك أنهم قالوا إن السماع فسق ، والتلذذ به كفر ، هذا لفظهم ، ورووا في ذلك حديثا لا يصح رفعه ، قالوا : ويجب عليه أن يجتهد في أن لا يسمعه إذا مر به أو كان في جواره ، وقال أبو يوسف في دار يسمع منها صوت المعازف والملاهي ادخل عليهم بغير إذنهم ؛ لأن النهي عن المنكر فرض فلو لم يجز الدخول بغير إذن لامتنع الناس من إقامة الفرض ، وأما الشافعي فقال في كتاب أدب القضاء : إن الغناء لهو مكروه يشبه الباطل والمحال ، ومن استكثر منه فهو سفيه ترد شهادته ، وصرح أصحابه العارفون بمذهبه بتحريمه ، وأنكروا على من نسب إليه حله . إلى أن قال ابن القيم ، وأما مذهب الإمام أحمد فقال عبد الله ابنه : سألت أبي عن الغناء فقال الغناء ينبت النفاق في القلب لا يعجبني ، ثم ذكر قول مالك : إنما يفعله عندنا الفساق . اهـ فهذا حكم الغناء ، كما تراه ، وكما يدل على منعه الكتاب والسنة والإجماع إلا من شذ فلا يهولنك ما عليه كثير من الناس اليوم من استباحتهم له وتساهلهم في سماعه ، ونسبة من أنكره إلى الجمود والتحجر ، وصيرورته كالمضغة في الأفواه البذيئة ، فليقولوا ما شاءوا ، فهذا كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - لم نكن ندعهما لقول قائل ، ولا إرضاء أحد من الناس كائنا من كان .

وأما قول المؤلف : ( ولا بأس أن تصحبه الموسيقى غير المثيرة ) فمعناه إباحة شيء من المعازف والمزامير والملاهي التي جاء الحديث الصحيح بتحريمها كلها والوعيد لمن استباحها في قوله - صلى الله عليه وسلم - : (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) الحديث . والمعازف جمع معزفة ويقال معزف بكسر الميم وفتح الزاي فيهما قال الجوهري : المعازف الملاهي والعازف اللاعب بها والمغني ، وقد عزف عزفا . . ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ( 11-576 ) : مذهب الأئمة الأربعة أن آلات اللهو كلها حرام . ثبت في صحيح البخاري وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر أنه سيكون من أمته من يستحل الحر والحرير والخمر والمعازف ، وذكر أنهم يمسخون قردة وخنازير ، والمعازف هي الملاهي ، كما ذكر أهل اللغة جمع معزفة ، وهي الآلة التي يعزف بها أي يصوت بها ، ولم يذكر أحد من أتباع الأئمة في آلات اللهو نزاعا . ا هـ .

وقال ابن القيم في إغاثة اللهفان ( 1-277-278 ) : فصل في بيان تحريم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصريح لآلات اللهو والمعازف وسياق الأحاديث في ذلك : عن عبد الرحمن بن غنم قال حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري رضي الله عنهما أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) هذا حديث صحيح أخرجه البخاري في صحيحه محتجا به وعلقه تعليقا مجزوما به فقال : ( باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه ) إلى أن قال ابن القيم : ووجه الدلالة منه أن المعازف هي آلات اللهو كلها لا خلاف بين أهل اللغة في ذلك ، ولو كانت حلالا لما ذمهم على استحلالها ولما قرن استحلالها باستحلال الخمر والخز ... إلى أن قال : وقال ابن ماجه في سننه حدثنا عبد الله بن سعيد عن معاوية بن صالح عن حاتم بن حريث عن ابن أبي مريم عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها ، يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات ، يخسف الله بهم الأرض ، ويجعل منهم قردة وخنازير )، وهذا إسناد صحيح ، وقد توعد مستحلي المعازف فيه بأن يخسف الله بهم الأرض ويمسخهم قردة وخنازير وإن ، كان الوعيد على جميع هذه الأفعال ، فلكل واحد قسط في الذم والوعيد . ا هـ . فتبين أنه لا يباح شيء من آلات اللهو لا موسيقى ، ولا غيرها . والله أعلم .

وقول المؤلف عن الغناء : إنه استحبه الإسلام في المناسبات إلخ ...

لا ندري من أين أخذ هذا الاستحباب والإطلاق ، وغاية ما في الأمر الرخصة بإنشاد شيء من الشعر للنساء والجواري خاصة في مناسبات معينة . قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في مجموع الفتاوى ( 11-565 ) : ( ولكن رخص النبي - صلى الله عليه وسلم - في أنواع من اللهو في العرس ونحوه ، كما رخص للنساء أن يضربن بالدف في الأعراس والأفراح ، وأما الرجال على عهده فلم يكن أحد منهم يضرب بدف ، ولا يصفق بكف ، بل ثبت عنه في الصحيح أنه قال :( التصفيق للنساء والتسبيح للرجال) ولعن المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء ، ولما كان الغناء والضرب بالدف من عمل النساء كان السلف يسمون من يفعل ذلك من الرجال مخنثا ، ويسمون الرجال المغنين مخانيث ، وهذا مشهور في كلامهم ومن هذا الباب (حديث عائشة رضي الله عنها لما دخل عليها أبوها رضي الله عنه في أيام العيد وعندها جاريتان تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : أبمزمار الشيطان في بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معرضا بوجهه عنهما مقبلا بوجهه الكريم إلى الحائط ، فقال : دعهما يا أبا بكر ، فإن لكل قوم عيدا ، وهذا عيدنا) أهل الإسلام ، ففي هذا الحديث بيان أن هذا لم يكن من عادة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الاجتماع عليه ، ولهذا سماه الصديق مزمار الشيطان والنبي - صلى الله عليه وسلم - أقر الجواري في الأعياد ، كما في الحديث : (ليعلم المشركون أن في ديننا فسحة) ، وكان لـ عائشة لعب تلعب بهن ويجئن صواحباتها من صغار النسوة يلعبن معها . وليس في حديث الجاريتين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استمع إلى ذلك ، والأمر والنهي إنما يتعلق بالاستماع لا بمجرد السماع ، كما في الرؤية ، فإنه إنما يتعلق بقصد الرؤية ، لا بما يحصل منها بغير الاختيار . ا هـ .
الجواب عن الشبه التي تعلق بها المؤلف لإباحة الغناء


ثم نقل المؤلف : عن الغزالي أنه ذكر في كتاب الإحياء أحاديث غناء الجاريتين ولعب الحبشة في مسجده - صلى الله عليه وسلم - وتشجيع النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم بقوله : (دونكم يا بني أرفدة) وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لـ عائشة : تشتهين أن تنظري ووقوفه حتى تمل هي وتسأم ولعبها بالبنات هي مع صواحبها ، ثم قال : فهذه الأحاديث كلها في الصحيحين ، وهي نص صريح في أن الغناء واللعب ليس بحرام ... إلخ ما نقل .

والمؤلف موافق للغزالي في استدلاله بهذه الأحاديث على إباحة الغناء مطلقا ؛ لأنه ساق كلامه مستشهدا به ومقررا له ، ولا يخفى أن هذه الأحاديث لا تدل بوجه من الوجوه على إباحة الغناء ، وإليك بيان ذلك :

أما حديث لعب الحبشة فليس فيه ذكر الغناء أصلا إنما فيه أنهم كانوا يلعبون بحرابهم ودرقهم ، وذلك جائز ، بل قد يكون مستحبا لما فيه من التدريب على استعمال آلات الحرب والتمرن على الجهاد .

قال النووي - رحمه الله - في شرح صحيح مسلم ( 6-184 ) فيه جواز اللعب بالسلاح ونحوه من آلات الحرب في المسجد ويلتحق به ما في معناه من الأسباب المعينة على الجهاد . ا هـ .

وقد ترجم عليه البخاري في صحيحه : ( باب الحراب والدرق يوم العيد )

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري ( 2-304 ) واستدل به على جواز اللعب بالسلاح على طريق التواثب للتدريب على الحرب والتنشيط عليه ، واستنبط منه جواز المثاقفة ، لما فيها من تمرين الأيدي على آلات الحرب . ا هـ .

هذا ما فهمه هؤلاء الأئمة الأجلاء من حديث لعب الحبشة ، وهو الذي دل عليه الحديث لا ما فهمه الغزالي والمؤلف . والله أعلم

وأما حديث غناء الجاريتين فلا دلالة فيه أيضا على إباحة الغناء ؛ لأنه يدل على وقوع إنشاد شيء من الشعر العربي في وصف الحرب من جاريتين صغيرتين في يوم عيد . قال العلامة ابن القيم في مدارج السالكين ( 1-493 ) : وأعجب من هذا استدلالكم على إباحة السماع المركب مما ذكرنا من الهيئة الاجتماعية بغناء بنتين صغيرتين دون البلوغ عند امرأة صبية في يوم عيد وفرح بأبيات من أبيات العرب ، في وصف الشجاعة والحروب ، ومكارم الأخلاق والشيم ، فأين هذا من هذا ؟ والعجب أن هذا الحديث من أكبر الحجج عليهم ، فإن الصديق الأكبر رضي الله عنه سمى ذلك مزمورا من مزامير الشيطان ، وأقره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على هذه التسمية ، ورخص فيه لجويريتين غير مكلفتين ، ولا مفسدة في إنشادهما ، ولا استماعهما ، أفيدل هذا على إباحة ما تعملونه وتعلمونه من السماع المشتمل على ما لا يخفى ؟ فسبحان الله كيف ضلت العقول والأفهام ؟ ا هـ .

وقال ابن الجوزي في كتاب تلبيس إبليس صفحة ( 217 ) : والظاهر من هاتين الجاريتين صغر السن ؛ لأن عائشة كانت صغيرة ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسرب إليها الجواري فيلعبن معها ، ثم ذكر بسنده عن أحمد بن حنبل أنه سئل أي شيء هذا الغناء قال غناء الركب : أتيناكم أتيناكم ، ثم قال ابن الجوزي في صفحة ( 229 ) من الكتاب المذكور : أما حديث عائشة رضي الله عنها ، فقد سبق الكلام عليهما ، وبينا أنهم كانوا ينشدون الشعر ، وسمي بذلك غناء لنوع يثبت في الإنشاد وترجيع ، ومثل ذلك لا يخرج الطباع عن الاعتدال ، وكيف يحتج بذلك في الزمان السليم عند قلوب صافية على هذه الأصوات المطربة الواقعة في زمان كدر عند نفوس قد تملكها الهوى ، ما هذا إلا مغالطة للفهم ، أوليس قد صح في الحديث عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : لو رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أحدث النساء لمنعهن المساجد ، وإنما ينبغي للمفتي أن يزن الأحوال ، كما ينبغي للطبيب أن يزن الزمان والسن والبلد ، ثم يصف على مقدار ذلك ، وأين الغناء بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث من غناء أمرد مستحسن بآلات مستطابة ، وصناعة تجذب إليها النفس ، وغزليات يذكر فيها الغزال والغزالة والخال والخد والقد والاعتدال . فهل يثبت هناك طبع ؟ هيهات ، بل ينزعج شوقا إلى المستلذ ، ولا يدعي أنه لا يجد ذلك إلا كاذب أو خارج عن حد الآدمية ... إلى أن قال : وقد أجاب أبو الطيب الطبري عن هذا الحديث بجواب آخر ، فأخبرنا أبو القاسم الجريري عنه أنه قال : هذا الحديث حجتنا ؛ لأن أبا بكر سمى ذلك مزمور الشيطان ، ولم ينكر النبي - صلى الله عليه وسلم - على أبي بكر قوله إنما منعه من التغليظ في الإنكار لحسن رفعته ، لا سيما في يوم العيد ، وقد كانت عائشة رضي الله عنها صغيرة في ذلك الوقت ، ولم ينقل عنها بعد بلوغها وتحصيلها إلا ذم الغناء ، وقد كان ابن أخيها القاسم بن محمد يذم الغناء ويمنع من سماعه ، وقد أخذ العلم عنها . ا هـ .

وقال النووي في شرحه على صحيح مسلم ( 6-182 ) قال القاضي : إنما كان غناؤهما بما هو من أشعار الحرب والمفاخرة بالشجاعة والظهور والغلبة ، وهذا لا يهيج الجواري على شر ، ولا إنشادهما لذلك من الغناء المختلف فيه إنما هو رفع الصوت بالإنشاد ، ولهذا قالت وليستا بمغنيتين ، أي ليستا ممن يتغنى بعادة المغنيات من التشويق والهوى ، والتعريض بالفواحش ، والتشبيب بأهل الجمال ، وما يحرك النفوس ، ويبعث الهوى والغزل ، كما قيل الغناء فيه الزنا ، وليستا أيضا ممن اشتهر وعرف بإحسان الغناء الذي فيه تمطيط وتكسير وعمل يحرك الساكن ، ويبعث الكامن ، ولا ممن اتخذ ذلك صنعة وكسبا ، والعرب تسمي الإنشاد غناء . ا هـ .

وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري ( 2-442-443 ) : واستدل جماعة من الصوفية بحديث الباب ( يعني حديث غناء الجاريتين ) على إباحة الغناء وسماعه ، بآلة وبغير آلة ، ويكفي في رد ذلك تصريح عائشة في الحديث الذي في الباب بعده بقولها : ( وليستا بمغنيتين ) فنفت عنهما بطريق المعنى ما أثبته لهما اللفظ ؛ لأن الغناء يطلق على رفع الصوت وعلى الترنم الذي تسميه الأعراب النَّصْب بفتح النون وسكون المهملة ، وعلى الحداء ، ولا يسمى فاعله مغنيا ، وإنما يسمى بذلك من ينشد بتمطيط وتكسير وتهييج وتشويق ، بما فيه تعريض بالفواحش أو تصريح ، قال القرطبي : قولها ( ليستا بمغنيتين ) أي ليستا ممن يعرف بالغناء ، كما يعرفه المغنيات المعروفات بذلك ، وهذا منها تحرز من الغناء المعتاد عند المشتهرين به ، وهو الذي يحرك الساكن ويبعث الكامن ... إلى أن قال : وأما التفافه - صلى الله عليه وسلم - بثوبه ففيه إعراض عن ذلك لكون مقامه يقتضي أن يرتفع عن الإصغاء إلى ذلك ، لكن عدم إنكاره دال على تسويغ مثل ذلك على الوجه الذي أقره ، إذ لا يقر على باطل ، والأصل التنزه عن اللعب واللهو ، فيقتصر على ما ورد فيه النص وقتا وكيفية تقليلا لمخالفة الأصل . والله أعلم . ا هـ .

فاتضح من هذه النقول عن هؤلاء الأئمة في معنى هذا الحديث أنه لا يدل بوجه من الوجوه على ما ادعاه الغزالي والمؤلف القرضاوي من إباحة الغناء مطلقا . والله أعلم .

وقول المؤلف : وقد روي عن جماعة من الصحابة والتابعين أنهم استمعوا الغناء ، ولم يروا بسماعه بأسا . هذا دعوى منه ونحن نطالبه بإبراز الأسانيد الصحيحة إلى هؤلاء الصحابة والتابعين بإثبات ما نسبه إليهم [1] وأن هذا الغناء المنسوب إليهم استماعه هو من جنس ما يغني هؤلاء من إلهاب النفوس الباعث على الوجد والغرام ، والمشتمل على أوصاف المحاسن من النساء ، وأنى له ذلك ومجرد الدعوى لا يثبت به حكم .

والدعاوى إذا لم يقيموا بينات --- عليهــا أهلهـا أدعيــاء
----------
[1] ذكر الإمام مسلم في مقدمة صحيحه عن عبد الله بن المبارك أنه قال : الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء
اعتراض المؤلف على أدلة تحريم الغناء والجواب عنه



يلاحظ على المؤلف في هذا الموضوع قوله عن أدلة تحريم الغناء : ( وأما ما ورد فيه من أحاديث نبوية فكلها مثخنة بالجراح لم يسلم منها حديث من طعن عند فقهاء الحديث وعلمائه ) .

ونجيب عن قوله هذا من عدة وجوه :

الوجه الأول : أن نقول إن أدلة تحريم الغناء ليست مقصورة على الأحاديث فقط ، بل هناك أدلة على تحريمه من القرآن الكريم منها قوله تعالى : {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} الآية ، وقد تقدم الكلام عليها . ومنها قوله تعالى : {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} الآية عن مجاهد قال : استزل منهم من استطعت . قال وصوته الغناء والباطل . قال ابن القيم في إغاثة اللهفان : وهذه الإضافة إضافة تخصيص ، كما أن إضافة الخيل والرجل إليه كذلك . فكل متكلم في غير طاعة الله أو مصوت بيراع أو مزمار أو دف حرام أو طبل فذلك صوت الشيطان . وكل ساع في معصية الله على قدميه فهو من رجله ، وكل راكب في معصية الله ، فهو من خيالته ، كذلك قال السلف ، كما ذكر ابن أبي حاتم عن ابن عباس : ( قال رجله كل رجل مشت في معصية الله . ا هـ ) [من إغاثة اللهفان .]

ومنها قوله تعالى : {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} قال عكرمة عن ابن عباس السمود الغناء في لغة حمير يقال اسمدي لنا أي غني ، وقال عكرمة كانوا إذا سمعوا القرآن تغنوا فنزلت هذه الآية ، وقال ابن كثير - رحمه الله - وقوله تعالى : {وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} قال سفيان الثوري عن أبيه عن ابن عباس قال : الغناء - هي يمانية - اسمد لنا : غن لنا وكذا قال عكرمة . ا هـ إلى غير ذلك من الآيات .

الوجه الثاني : أن نقول للمؤلف من هم فقهاء الحديث وعلماؤه الذين طعنوا في الأحاديث الواردة في تحريم الغناء سمهم لنا ، هل هم البخاري ومسلم وأحمد بن حنبل وأبو داود والترمذي والنسائي ويحيى بن معين وأبو زرعة وأبو حاتم وأمثالهم من أئمة الجرح والتعديل ، أم هم ناس غير هؤلاء ممن يبيح الغناء ؟ [1]

الوجه الثالث : أن نقول للمؤلف إن الأحاديث الواردة في تحريم الغناء ليست مثخنة بالجراح ، كما زعمت ، بل منها ما هو في صحيح البخاري الذي هو أصح كتاب بعد كتاب الله . ومنها الحسن ومنها الضعيف ، وهي على كثرتها وتعدد مخارجها حجة ظاهرة وبرهان قاطع على تحريم الغناء والملاهي [2]

----------

[1]قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة : وعلماء الحديث أجل وأعظم تحريا للصدق من كل أحد علم ذلك من علمه ، فما اتفقوا على صحته فهو الحق . وما أجمعوا على تزييفه ، توهينه فهو ساقط ، وما اختلفوا فيه نظر فيه بعدل وإنصاف فهم العمدة . كمالك وشعبة والأوزاعي والليث والسفيانيين والحمادين وابن المبارك ويحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي ووكيع وابن علية والشافعي وعبد الرزاق والفريابي وأبي نعيم والقعنبي والحميدي والذهلي والبخاري وأبي زرعة الرازي وأبي حاتم وأبي داود ومسلم وموسى بن هارون وصالح جزرة والنسائي وابن خزيمة وأبي محمد بن عدي وابن حبان والدارقطني ، وأمثالهم من أهل العلم بالنقل والرجال والجرح والتعديل ا هـ

[2]من كلمة للشيخ عبد العزيز بن باز وفقه الله في الرد على أبي تراب الظاهري . نشرت في مجلة راية الإسلام التي كانت تصدر في الرياض
زعم المؤلف أن العلماء ما حرموا الغناء إلا لاقترانه بمحرمات والجواب عنه



ثم قال المؤلف : وقد اقترن الغناء والموسيقى بالترف ومجالس الخمر والسهر الحرام مما جعل كثيرا من العلماء يحرمونه أو يكرهونه . . إلخ ما قال .

وجوابنا عن ذلك أن نقول : ليس تحريم العلماء للغناء من أجل اقترانه بهذه الأشياء فقط ، بل إن تحريمهم له من أجل الأدلة على تحريمه في نفسه ، ولو لم يقترن بهذه الأشياء التي ذكرتها . فهذا الذي قاله المؤلف ادعاء منه على العلماء أنهم ما حرموه إلا من أجل ذلك ، وهو ادعاء مردود ، ثم قال : ( ومن المتفق عليه أن الغناء يحرم إذا اقترن بمحرمات أخرى كأن يكون في مجلس شراب أو تخالطه خلاعة أو فجور فهذا هو الذي أنذر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهله وسامعيه بالعذاب الشديد حين قال [1] (ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها ، يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات ، يخسف الله بهم الأرض ، ويجعل منهم القردة والخنازير) .

والجواب عن هذه الجملة كالجواب عن الجملة التي قبلها : إن الغناء حرام ، ولو لم يقترن به محرم آخر . ، كما أن شرب الخمر المذكور في الحديث الذي ساقه المؤلف حرام ، ولو لم يكن معه غناء . قال العلامة الشوكاني في نيل الأوطار ( 8-107 ) مجيبا على هذه الدعوى ما نصه : ( ويجاب بأن الاقتران لا يدل على أن المحرم هو الجمع فقط وإلا لزم أن الزنا المصرح به في الحديث - يريد حديث - : (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) لا يحرم إلا عند شراب الخمر واستعمال المعازف ، واللازم باطل بالإجماع ، فالملزوم مثله . وأيضا يلزم مثل قوله تعالى : {إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} أنه لا يحرم عدم الإيمان بالله إلا عند عدم الحض على طعام المسكين ، فإن قيل تحريم مثل هذه الأمور المذكورة في الإلزام قد علم من دليل آخر ، فيجاب بأن تحريم المعازف قد علم من دليل آخر أيضا ، كما سلف . ا هـ

[1] ألم يقل إن الأحاديث الواردة في تحريم الغناء كلها مثخنة بالجراح لم يسلم منه حديث من طعن فما باله هنا يستدل بواحد منها هل شفي هذه من الجراح ؟
عتراضه على تفسير لهو الحديث بالغناء والجواب عنه


ثم قال فضيلة المؤلف : قال بعضهم : ( إن الغناء من لهو الحديث المذكور في قوله تعالى : {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِين} وقال ابن حزم إن الآية ذكرت صفة من فعلها كان كافرا بلا خلاف إذا اتخذ سبيل الله هزوا لكان كافرا ، فهذا هو الذي ذم الله عز وجل . وما ذم سبحانه قط من اشترى لهو الحديث ليتلهى به ويروح به نفسه ، لا ليضل عن سبيل الله )

والجواب عن هذا من وجوه :

الوجه الأول : أن قول المؤلف : ( وقال بعضهم إن الغناء من لهو الحديث ) بهذه الصيغة يفيد التقليل من شأن هذا القول وتضعيفه وتجاهل من قال به من أكابر الصحابة والتابعين ك ابن عباس وابن عمر وابن مسعود ومجاهد والحسن وسعيد بن جبير وقتادة والنخعي ، كما يأتي بيانه ، وهذا خطأ بين .

قال القرطبي في تفسيره : ( ولهو الحديث ) : الغناء في قول ابن مسعود وابن عباس وغيرهما . إلى أن قال : قال ابن عطية وبهذا فسر ابن مسعود وابن عباس وجابر بن عبد الله ومجاهد وذكره أبو الفرج بن الجوزي عن الحسن وسعيد بن جبير وقتادة والنخعي ، ثم قال القرطبي قلت : هذا أعلى ما قيل في هذه الآية وحلف على ذلك ابن مسعود بالله الذي لا إله إلا هو ثلاث مرات أنه الغناء روى سعيد بن جبير عن أبي الصهباء البكري قال : سئل عبد الله بن مسعود عن قوله تعالى { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ } فقال الغناء والله الذي لا إله إلا هو يرددها ثلاث مرات وعن ابن عمر أنه الغناء ، وكذلك قال عكرمة وميمون بن مهران ومكحول . وروى شعبة وسفيان عن الحكم وحماد عن إبراهيم قال : قال عبد الله بن مسعود : الغناء ينبت النفاق في القلب . وقاله مجاهد وزاد أن لهو الحديث في الآية الاستماع إلى الغناء وإلى مثله من الباطل . ، وقال الحسن : ( لهو الحديث ) : المعازف والغناء ، ثم ذكر القرطبي الأقوال الأخرى في تفسير الآية ، ثم قال : قلت : القول الأول أولى ما قيل به في هذا الباب للحديث المرفوع وقول الصحابة والتابعين فيه . ا هـ .

الوجه الثاني : أن نقول وبما تقدم من ذكر من فسر { لَهْوَ الْحَدِيثِ } بالغناء من أجلاء الصحابة والتابعين يحصل الجواب عما نقله المؤلف عن ابن حزم من تفسيره الآية بما يخالف ذلك ، فيقال من هو ابن حزم وما تفسيره بجانب هؤلاء وتفسيرهم حتى يقابله بهم ؟ نقول هذا مع إجلالنا لابن حزم واعترافنا بمكانته العلمية ، لكن لا نتابعه على خطأ ، ولا نقدم قوله على قول من هو أجل منه ، لا سيما من الصحابة والتابعين . قال العلامة ابن القيم : ويكفي تفسير الصحابة والتابعين للهو الحديث بأنه الغناء ، إلى أن قال : قال الحاكم أبو عبد الله في التفسير من كتاب المستدرك : ليعلم طالب هذا العلم أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل هو عند الشيخين حديث مسند ، وقال في موضع آخر من كتابه هو عندنا في حكم المرفوع ، وهذا وإن كان فيه نظر فلا ريب أنه أولى بالقبول من تفسير من بعدهم ، فهم أعلم الأمة بمراد الله عز وجل في كتابه ، فعليهم نزل ، وهم أول من خوطب به من الأمة ، وقد شاهدوا التفسير من الرسول - صلى الله عليه وسلم - علما وعملا ، وهم العرب الفصحاء على الحقيقة ، فلا يعدل عن تفسيرهم ما وجد إليه سبيل . ا هـ من إغاثة اللهفان . وبه وبما قبله من القول تعلم أن تفسير ( لَهْوَ الْحَدِيثِ ) بالباطل دخل الغناء دخولا أوليا فيه ، كما لا يخفى . والله أعلم .
هل يكون الغناء مقويا على طاعة الله ؟


ثم نقل المؤلف عن ابن حزم أنه قال : ( فمن نوى بالغناء عونا على معصية الله ، فهو فاسق ، وكذلك كل شيء غير الغناء ومن نوى ترويح نفسه ليقوى بذلك على طاعة الله عز وجل ، وينشط نفسه بذلك على البر ، فهو مطيع محسن ، وفعله هذا من الحق ، ومن لم ينو طاعة ، ولا معصية فهو لغو معفو عنه كخروج الإنسان إلى بستانه متنزها ، وقعوده على باب داره متفرجا ، وصبغه ثوبه لازورديا أو أخضر أو غير ذلك ) ا هـ .

والجواب : أن هذا الكلام من ابن حزم مبني على مذهبه أن الغناء حلال له حكم سائر المباحات ، وقد علمنا أن هذا مذهب باطل ترده الأدلة الصحيحة من الكتاب والسنة الدالة على تحريم الغناء واستماعه ، فلا يلتفت إليه . وعده استماع الغناء مما يتقوى به على طاعة الله ، وأنه من الحق هو من قلب الحقائق والمغالطة الواضحة ؛ لأن الغناء على العكس مما ذكر يصد عن طاعة الله ، ويضل عن سبيل الله ، كما قال تعالى :{ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} ولهو الحديث هو الغناء ، كما تقدم بيانه ، فقوله هذا مصادم للآية الكريمة ، والاستماع الذي يستعان به على طاعة الله هو الاستماع إلى القرآن الكريم . قال العلامة ابن القيم في مدارج السالكين : ( 1-485 ) والمقصود أن سماع خاصة الخاصة المقربين هو سماع القرآن بالاعتبارات الثلاثة إدراكا وفهما وتدبرا وإجابة . وكل سماع في القرآن مدح الله أصحابه وأثنى عليهم وأمر به أولياءه ، فهو هذا السماع ، وهو سماع الآيات ، لا سماع الأبيات ، وسماع القرآن ، لا سماع مزامير الشيطان ، وسماع كلام رب الأرض والسماء ، لا سماع قصائد الشعراء ، وسماع المراشد لا سماع القصائد ، وسماع الأنبياء والمرسلين ، لا سماع المغنيين والمطربين ... إلى أن قال : ويا لله العجب أي إيمان ونور وبصيرة وهدى ومعرفة تحصل باستماع أبيات بألحان وتوقيعات لعل أكثرها قيلت فيما هو محرم يبغضه الله ورسوله ويعاقب عليه ... إلى أن قال : فكيف يقع لمن له أدنى بصيرة وحياة قلب أن يتقرب إلى الله ويزداد إيمانا وقربا منه وكرامة عليه بالتذاذه بما هو بغيض إليه مقيت عنده ، يمقت قائله والراضي به ، وتترقى به الحال حتى يزعم أن ذلك أنفع لقلبه من سماع القرآن والعلم النافع وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - يا لله إن هذا القلب مخسوف به منكوس لم يصلح لحقائق القرآن وأذواق معانيه ومطالعة أسراره فبلاه بقراءة الشيطان ، كما في معجم الطبراني وغيره مرفوعا وموقوفا ( إن الشيطان قال يا رب اجعل لي قرآنا ، قال قرآنك الشعر ، قال اجعل لي كتابا ، قال كتابك الوشم ، قال اجعل لي مؤذنا ، قال مؤذنك المزمار ، قال اجعل لي بيتا ، قال بيتك الحمام ، قال اجعل لي مصائد ، قال مصائدك النساء ، قال اجعل لي طعاما ، قال طعامك ما لم يذكر عليه اسمي ) والله سبحانه وتعالى أعلم . انتهى .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ( 11- ابتداء من صفحة 557 ) ما نصه : فأما السماع الذي شرعه الله تعالى لعباده ، وكان سلف الأمة من الصحابة والتابعين وتابعيهم يجتمعون عليه لصلاح قلوبهم وزكاة نفوسهم ، فهو سماع آيات الله تعالى ، وهو سماع النبيين والمؤمنين وأهل العلم والمعرفة .

إلى أن قال : وبهذا السماع أمر الله تعالى ، كما قال تعالى :{ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} وعلى أهله أثنى ، كما قال تعالى : {فَبَشِّرْ عِبَادِي . الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} إلى أن قال :{ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا} وقال تعالى : {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} إلى أن قال - رحمه الله - : ( وهذا هو السماع الذي شرعه الله لعباده في صلاة الفجر والعشاء وغير ذلك وعلى هذا كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجتمعون وكانوا إذا اجتمعوا أمروا واحدا منهم يقرأ والباقون يستمعون ، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لأبي موسى ذكرنا ربنا فيقرأ وهم يستمعون ، وهذا هو السماع الذي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يشهده مع أصحابه ويستدعيه منهم ، ثم ذكر حديث عبد الله بن مسعود حين أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقرأ عليه القرآن . إلى أن قال : وبذلك يحتج عليهم يوم القيامة ، كما قال تعالى {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي} إلى أن قال : وهذا السماع له آثار إيمانية من المعارف القدسية والأحوال الذكية يطول شرحها ووصفها ، وله آثار محمودة من خشوع القلب ودموع العين واقشعرار الجلد ، وهذا مذكور في القرآن ، ثم قال : وبالجملة فهذا السماع هو أصل الإيمان ، ثم قال : وبالجملة ، فقد عرف من دين الإسلام أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يشرع لصالحي أمته وعبادهم وزهادهم أن يجتمعوا على استماع الأبيات الملحنة مع ضرب بالكف ، أو ضرب بالقديد والدف ، كما لم يبح لأحد أن يخرج عن متابعة واتباع ما جاء به من الكتاب والحكمة ، لا في باطن الأمر ، ولا في ظاهره ، ولا لعامي ، ولا لخاصي . إلى أن قال : ، ولهذا يوجد من اعتاده واغتذى به [ يعني الغناء ] لا يحن إلى سماع القرآن ، ولا يفرح به ، ولا يجد في سماع الآيات ، كما يجد في سماع الأبيات ، بل إذا سمع القرآن سمعوه بقلوب لاهية ، وألسن لاغية ، وإذا سمعوا المكاء والتصدية خشعت الأصوات ، وسكنت الحركات ، وأصغت القلوب ، وتعاطت المشروب ، ثم قال - رحمه الله - في موضع آخر : فلما كان هذا السماع لا يعطي بنفسه ما يحبه الله ورسوله من الأحوال والمعارف ، بل قد يصد عن ذلك ويعطي ما لا يحبه الله ورسوله أو ما يبغضه الله ورسوله لم يأمر الله به ، ولا رسوله ، ولا سلف الأمة ، ولا أعيان مشائخها . وبالجملة فعلى المؤمن أن يعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يترك شيئا يقرب إلى الجنة إلا وقد حدث به ، ولا شيئا يبعد عن النار إلا وقد حدث به وإن هذا السماع لو كان مصلحة لشرعه الله ، فإن الله يقول : {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} وإذا وجد فيه منفعة لقلبه ، ولم يجد شاهد ذلك لا من الكتاب ، ولا من السنة لم يلتفت إليه . اهـ المقصود من كلامه - رحمه الله - .

وأما قول ابن حزم عن الغناء : ومن لم ينو طاعة ( أي بسماع الغناء ) ، ولا معصية ، فهو لغو معفو عنه كخروج الإنسان إلى بستانه وجلوسه على بابه وصبغه لثوبه . .

فنجيب عنه : بأن هذا قياس مع الفارق ؛ لأنه قياس محرم على مباح ، وقياس ما فيه مضرة على ما لا ضرر فيه ... إلى غير ذلك من الفوارق ، فهو قياس باطل ، والعجب أن ابن حزم لا يقول بالقياس وينكره ، فكيف يقيس هنا هذا القياس الفاسد .

إنتهى .

ولمن يريد الكتاب


الإعلام بنقد كتاب الحلال والحرام في الإسلام (http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/books/7.pdf)

صوت الامة
29-12-2010, 11:35 PM
وجزاكم الله خيرا

Specialist hossam
29-12-2010, 11:43 PM
جزاك الله خيرا اخى الفاضل


لكن العلماء ليسوا معصومون


ولنا الادلة القوية

انظر الى الرد على القرضاوى بالاعلى

غفر الله لنا وله


وهذه


http://www.islamway.com/?iw_s=Article&iw_a=view&article_id=320

هانى الشرقاوى
30-12-2010, 01:29 AM
وماذا نفعل نحن إذا وقد تكاثرت الأدلة
كل يملك الدليل ؟؟
فأى دليل هو الدليل ؟
أنا فى حيرة من أمرى

جمانة2
30-12-2010, 08:05 AM
وماذا نفعل نحن إذا وقد تكاثرت الأدلة
كل يملك الدليل ؟؟
فأى دليل هو الدليل ؟
أنا فى حيرة من أمرى

انت فى حيرة من امرك لان اى امور
اختلف فى حكمها العلماء فهى من
من الامور المشتبهة
وقد امرنا رسول الله ان نبتعد عن هذه
الشبهات وقال عن أبي عبد الله النعـمان بن بشير رضي الله عـنهما قـال: سمعـت رسـول الله صلي الله عـليه وسلم يقول: (إن الحلال بين وإن الحـرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعـلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فـقـد استبرأ لديـنه وعـرضه ومن وقع في الشبهات وقـع في الحرام كـالراعي يـرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجـسد مضغة إذا صلحـت صلح الجسد كله وإذا فـسـدت فـسـد الجسـد كـلـه ألا وهي الـقـلب
انظر ماذا قال رسول الله
من اتقى الشبهات فقد استبرا لعرضه
ودينه
ومن وقع فى الشبهات وقع فى
الحرام
فالافضل ان تترك هذا الامر لعله يكون حراما
وهذا ايضا امر من رسول الله ان نبتعد عن الشبهات
فاذا اطعت اوامر رسول الله فى الابتعاد عن الشبهات
لكان خير
وهداك الله الى ما يحبه ويرضاه

Specialist hossam
30-12-2010, 10:41 AM
وماذا نفعل نحن إذا وقد تكاثرت الأدلة
كل يملك الدليل ؟؟
فأى دليل هو الدليل ؟
أنا فى حيرة من أمرى


الادلة اخى واحدة

ولكن يختلف الفهم لهذه الادلة

وانت ذو عقل لبيب

:)

انظر الى الرد على الادلة فى المشاركة السابقة وستفهم اى الفهم اصوب


واعلم ان الامة لا تجتمع على ضلالة

ومن اباح الموسيقى والمعازف

لسوء فهمه للأدلة

ليس إلا

........................


وقال العلماء : من الحزم ان لا تأخذ برأى بن حزم فى الغناء.

أنه جانبه الصواب ثم انه كان فى عصره ليس الغناء والمعازف التى انتشرت الان.


والحمد لله ان جعل هناك ائمة للرد على اى شخص

دون النظر الى شأنه وعلو مكانته


بالفهم الصحيح


اما القول فى تحريم وحل الموسيقى والمعازف

فهو خلاف شاذ وغير سائغ

فلا تحتمل النصوص الصحيحة الصريحة هذه التأويلات الفاسدة


وجزاكم الله خيرا