مشاهدة النسخة كاملة : بدأت أكتب


المفكرة
14-01-2011, 06:38 PM
بدأت أكتب
كان درسي يومئذ عن الصوت ، تغيب عني تفاصيله الآن ، الهدوء ينتشر في أرجاء الفصل لينصت من يرغب ، أراقب تلاميذي أثناء الدرس لأقدم تقارير عن آدائهم للمدرسة و آبائهم لاحقًا .
لمحته ، يجلس في آخر الفصل، مفكر صغير في الثانية عشر من عمره ، بين الطفولة و الشباب ، به من النضج ما يجعله يفهم ما يقال له ، لكن حب الطفل للعب هو ما يجعله محبوباً بين أقرانه ، ملامح طفل و صوت لم تلونه خشونة الرجال بعد ، كرامة و حدة أعصاب تنبىء عن بذور رجولة تنبت، تزهر عما قريب .
و قد احتفت المدرسات بهذا الفتى ، أذِّن له بالدخول و الخروج من الفصل دون إذن ، أمر محرم على غيره لسوء فعالهم ، يلخص ما يسمع في كراسته بخط أنيق ، كفاءته العقلية في استيعاب الكتب جعلت له الصدارة بين أقرانه و عند مدرساته ، يمزح مع طالب فلا يطيل ، لا ألفت انتباهه، الاِنتباه هو ، استعنا به على سياسة الفصل ، نصلح الأمور ليصلح حاله.
اليوم لا ألمح استماعه لما أقول ، تشغله ورقة ، يقرأ بتمعن ، ترى ماذا تحوي؟ تشغل تلك الورقة انتباهي ، كيف يجرؤ أن لا يسمعني ؟!
أستمر كأنني لا ألحظ شيئًا ، حين أجاوره آخذها من مكتبه بهدوء، تأخذه المفاجأة ، يتركها لي.
يعلن الجرس انتهاء الحصة و حضور الفسحة ، أمر يستعجله الطلاب ، يكاد يدهس بعضهم بعضًا هربًا إليها ، خطفًا للملعب و الكرة ، فاللعب بلا نظام لذلك يرتبه الأولاد بالخطف حيثما اتفق ، أما هو فلازال في الفصل يعتذر لي ، و أنا لا أقبل اعتذاره.
يطالبني بمخطوطته ، لا .. حتى أعرف ما فيها ، أبدأ القراءة ، فيحاول خطفها من يدي ، أخبأها خلف ظهري و أصر : لن أعيدها .
يعلن العصيان من فوق المكتب ، يقفز منه إلى غيره ،
_ يمسك العناد زمام أمره : لن أنزل إلى الملعب حتى آخذها .
مطلوب مني إغلاق الفصل الفارغ أثناء الفسحة لكثرة السرقات و التخريب و تمرد الطلاب المستمر ، و ها هو ألينهم عريكة يفيض به الكيل ، يتمادى إذ أكتم ابتسامة لاحت مني .
_ لا لن أفعل ، هيا يا صديق فقد حان موعد نزولك ، لدي أشغال أخرى ، يطيل المكوث ، هيا يا صديق
_ لا تغضبي .
_ لا أقدر.
يقفز جواري ، أقارنه بطول قامتي ، أجل تقريبًا متساويان ، أنا لست طويلة و هو ليس بالقصير ،
_ الورقة مقالة للكاتب .
ينطلق في اللعب مع زملائه ، عسى أن يصلح اللعب ما أفسده الجلوس لمكتب وقتاً طويلاً ، بينما أذهب إلى المكتبة بجوار حجرة المدرسين ، أرتكب جريمة القراءة عوضاً عن الخوض في أخبار الممثلات و المطربين مع الزميلات و الزملاء ، ما لا أبالي به . لا انسجام بيني و بين من حولي . يودون لو أتركهم و شأنهم فأنا متزمتة و غير اجتماعية من وجهة نظرهم !
و الكاتب طالب في فصلي يعبر عن ذاته على الورق ، كلامه بسيط كهيئته ، وجهه ينضح طفولة بالغة و براءة. مفاد كلامه الكثير التالي:
( لكل رأيه الذي لا ينبغي أن يفرضه على من حوله ، حتى لا يخسر الأصدقاء بعضهم . )
أجل بطبيعته وديع يكره الخلاف الذي كثر بين الأولاد حد الضرب المؤذي و الإهانات التي لا تتوقف ، تخنق المكان و تخطف روح الوئام فيستحيل مرارًا لا يتوقف . أخبر الورقة أفكاره البريئة ، شكا لها عجزه عن مساعدة أقرانه .
الأولاد يكبرون ... يترددون بين البراءة و التلوث ، و المدرسة لا تراعي حاجات الصبيان ، الفصل مختلط ، بنين و بنات ، بعضهم نضج فأدرك و آخرون لم يزُل الستر عن عقولهم و هؤلاء أنكروا ، و ختم قوله لزملائه على الورق : (برجاء توقفوا عن المواء في الفصل ، أنا لست بائع كباب.)
كتبت رأيي بين السطور بقلم أحمر و الخروج على النص في مهنتي ممنوع منعًا باتًا. لكن جوهر فكري كسر القوالب. أمر كلفني وظيفتي و مكافأة الاِمتحان مرارًا .
أما في هذه المدرسة فقد قررت أن أغير طريقتي ، أراوغ نفسي و غيري و أنوّع ردودي و أفكاري ، لم يصلح أيضًا ، كلما رتبت أمرًا بشكل مغاير أجده يعود حيث كان!
لا حيلة تدرأ الخلاف سوى ترك المكان حفاظًا على السلام الإجتماعي به !
طويت الورقة ثم أعدتها للمفكر ، قرأها فأعجبته ،
_ قال : اكتبي .
_ قلت سلْ تُـجبْ .
يناولني سؤالًا فأناوله إجابة مكتوبة من بنات أفكاري ، فيقرأه في أقرب فرصة ، ثم يصوره و يعيد لي أصله طالبًا المزيد .
ناولته اختياراتي من الكتب و المجلات ، دؤوب لا يمل القراءة و الدرس و اللعب .
كنت قد وعدته أن أبقى في المدرسة حتى ينهي المرحلة الإعدادية ، لكن المرض اشتد بي حتى كدت أختنق . لابد من ترك العمل حاليًا ، أمر ضايقه لكنه أهداني كتاب في آخر يوم لي في المدرسة ، هدية وداع مناسبة لكلينا ، لا صبرًا لا فراق بعد فهي علاقة فكر لا لزوم فيها للحضور والإنصراف .
أخرجت له نسخة مصغرة من الجريدة ، بها اختياراتي من أخبار العالم من علم إلى سياسة و مقابلات مع من نجح من البشر أو خاب ، كنت أرسلها له بالبريد الإلكتروني.
ربطت بعض مبادىء الكيمياء البسيطة التي تعلمها في المدرسة بأفق الخلية الحية و أريته كيف تتحول الجزيئات كيانات حية ذات فاعلية ، غاية في الدقة ، آية في الجمال ، رونق وانضباط و تنافس و حيوية بلا مثيل ، صفات الخالق تتبدى في أصغر خلقه . تلك منهن .. بنات أفكاري ، نزلت بها من أفق الجامعة لعقل فتى شاب ، أعجبته تلك من بين ما كتبت ، قال زيديني منها ، فعلت زمناً ما . نشرتها و قرأها المئات و لاقت استحسان العشرات .
كتب ذات رسالة : أتذكرين الكاتب ؟ صار يخرب مع من يخربون ، فصلوه من المدرسة!
(استمرت مراسلاتنا نحو عام و نصف ثم شدته الإعدادية بعيداً ، أو ربما لم يعد الأمر مناسبًا أو شيء ما) .

*****************************

الأستاذة ام فيصل
14-01-2011, 07:02 PM
عندما رايت موضوعك بدأت اكتب حبيت اكون اول من يرد ولااعلم ان كنت اول من قراها
لاني من اشد المعجبات باسلوبك في الكتابه والمواضيع التي تطرحيها
موضوع جميل اسلوب رائع يشد القارئ
اتمنى لك دوام الاستمرار والموفقيه
برعاية الله وحفظه
تحياتي

المفكرة
14-01-2011, 07:11 PM
عندما رايت موضوعك بدأت اكتب حبيت اكون اول من يرد ولااعلم ان كنت اول من قراها
لاني من اشد المعجبات باسلوبك في الكتابه والمواضيع التي تطرحيها
موضوع جميل اسلوب رائع يشد القارئ
اتمنى لك دوام الاستمرار والموفقيه
برعاية الله وحفظه
تحياتي


نفحات ندية تمر بي كلما مررتِ بموضوعي ، شكرا لروحك الطيبة .

المفكرة
14-01-2011, 07:12 PM
شيء ما هذا ، كثرت جرائمه .
قانون الأفكار الرئيسي : بداية – حكاية – نهاية .
لا يعجبني هذا القانون ، الحساب لا يستقيم باِعتبار أبدية وجودنا . بُعد النظر يحكم بتشابك الأمور في حلقات بلا بداية و لا نهاية.
*****************************

المفكرة
14-01-2011, 07:17 PM
كتبت ما مضى كي أرتب خزائن عقلي أفرغها من قديم بلا نفع ، أردت أن ألقي عليه نظرة بينما يتبدد في وادي النسيان ، تتداعى ملفات الذاكرة ، لا أدري لماذا تبقى بها بعض الأمور و تـُمحى أُخر.
بعض الذي حصل ، ربما أمحوه هنا .... ربما
*****************************

المفكرة
17-01-2011, 03:50 PM
أهدد ، من لا يهدأ ، لن يستلم شهادته الآن ، الصمت يغشاهم أخيرًا ، يتناولها أحدهم ، تعروه كسفة بال إذ يستلمها، يعتريه القلق ، كيف سيبرر درجات كتلك لأبيه ، أما ذاك فيظهر عدم الاِكتراث ، أحدهم يزعق في وجهي ما هذا القرف ؟ يعني درجاته ، أقول جنى يداك ، جزاء وفاقًا .
أما هو فيحسب درجات الاِمتحانات ، يفتش عنها بين الدرجات الكلية فهي تختبىء بين درجات للسلوك و أخرى للحضور و أخت لهما للنشاط الذي لا يرتكبونه و قريبات بلا حصر أو لون ، نعطيهم من الدرجات و المراتب ، نغدق العطاء ، كما قال الحكيم : ما هو بالمجان فأكثروا منه.
يبحث بين الركام عما هو حقه ، جزاء عمله.
يتسللون من الفصل واحدًا تلو الآخر ، أما هو فيصعد على مكتبه ، معلنًا نتيجته على الملأ 100% ، لم ينقص درجة في أي امتحان. لم يلتفت أحد ، وحدي أدركت أهمية ذلك ، فهو يطمح لدخول كلية الهندسة ، يكد نفسه منذ الآن ، يتمنى المجموع العالي ، ناولته يده عربون حلمه .
*****************************

الأستاذة ام فيصل
17-01-2011, 04:56 PM
لما كنت في ابتدائية كان هناك لوحه أو يافطه كما يسميها المصريين كتب عليها

من جدّ وجد ومن زرع حصد

شكرا على الموضوع مع تحياتي

shima'a
17-01-2011, 05:16 PM
موضوع جميل اسلوب رائع يشد القارئ
اتمنى لك دوام الاستمرار
برعاية الله وحفظه
تحياتي

بوح قلب
17-01-2011, 07:10 PM
جزاك الله خيرا

المفكرة
19-01-2011, 04:41 PM
شيماء و بوح قلب جزاكما الله خيرًا ، تابعا معي ما تبقى من أوراق الذاكرة .

المفكرة
19-01-2011, 04:42 PM
في الفصل ، أجدهم ملتفين حول الهداف يوقعون جبيرته فذراعه محبوس في جبيرة الجبس لذلك يعجز عن كتابة درسه ، أطلب من المفكر أن ينقل له دروسه. سريع الإدراك لا يعجزه أن يكتب لنفسه و غيره ، موهبة و دماثة خلق نسجا نفسه طاعة و احترامًا لما أقول .
يعلن الجرس انتهاء وقتي ، يحل زمن آخر ، لرجل ، يعجن درسه بنكات يهزأ بها من النساء ، ينكهه بما بين النساء و الرجال ، و الفصل مختلط و الصبيان مشاكلهم تملأ عمرًا ، يصك أسماعهم ذكر أسمائهم مهانة ، تنطقها نساء في حضرة الفتيات ، لا يلقين بالًا لذلك و أحياناً يرتكبنه مع سبق الإصرار .
هذا الاِختلاط بحاجة ليد إمرأة ماهرة ، تنفض عنه غبار الاِحتقار ، تلمعه بالذوق ، تمسحه بماء الطهر ، ترتبه ثم تهندمه ، تعطره بالأدب فيتجمل ، يصبح لائقًا لاِستقبال عقول غضة ، نعلمهـا ماهية الحياة. كيف يفعل الرجال إذ تكون النساء في الجوار ، كيف تكون النساء إذ يكون الرجال في وضح النهار .
أجمع كراساتهم و أنسحب لعالمي ، يأتيني بعد قليل ، تلميذي ذو الفطرة النقية ، لم يلوثه تكرار الخطأ ، يقول أعطني الكراستين ، أكمل نقل الدرس لزميلي ، لم أنتهِ بعد.
_ لا تشغل بالك ، أكملُ أنا ما بدأت .
يلح ، يطيل الوقوف .... يصر على رأيه ، ألمح الضيق في عينيه ، يقول: افصليهم ، الفتيان و الفتيات ، ليجلسوا في صفوف مختلفة ، عوضاً عن الخلط الشديد الذي أحدثته مدرسة اللغة الإنجليزية .
أسكب من حكمتي مهدئاً لأعصابه .
_ حسنًا أفعل إن شاء الله ، ما حقه أن يمر فليمر ، رفع عن أمتي الخطأ و النسيان و ما استكرهوا عليه.
أتركه في أمان الله أحصنه بالدعاء ، دعاء أنسى نفسي منه ، أعود من حيث أتيت ، تثور علي و أنا في اتجاهي نحو مقتلي :أنتنفس سخفاً ؟ نعجنه بخلايا وجودنا و ذرات مكوناتها؟ حتى متى ؟ يشهـق الصبر فتتقطع أنفاسه .
أستيقظ من أحلامي ، أنا لست هناك ، الزمان ، المكان ، الأحداث تغيروا تمامًا.
تساؤل : لماذا تسيحين في الزمان و الذاكرة دون أن أطلب منك ؟
تنكر ، تجادل عن نفسها : أنت استدعيتها و أنا ناولتك الأفكار.
أجل الشيء بالشيء يذكر ، الصبر الآن بحاجة لتنفس صناعي و تدخل جراحي ليبقى على قيد الحياة ،
لا لن يصلح ،
رحمه الله ،
ولا حتى ذلك.
*****************************

ranod
20-01-2011, 01:33 PM
مفكره -مبدعه -رائعه
هذا اقل مما ينبغي
بارك الله ببنات افكارك

المفكرة
21-01-2011, 06:33 PM
السلام عليكم
جزاكم الله خيرًا.
أمر محبب أن يلقى كلامي القبول.

المفكرة
21-01-2011, 06:34 PM
ربع قرن من الزمان فصّل نسيجًا من التضاد و التباين بين ابن الثالثة عشر و مفكرة ، ساحت بين الكتب تجمع خيوطًا تنسج به أفكارها ، مؤكد جمعت ألوانًا متباينة ، ربما كان المكان من خاط النسيج ، مؤكد هو ، فهو مشحون بكل المتناقضات ، كلاهما من تلك التناقضات ، لكن تباين الطباع خاط حواشي العلاقة بينهما على ما هي عليه .
عازم أن يكون له شأن ، لا يثنيه من حوله ، ما الذي يشده إليها؟! وهي خفاء و لطف ، نمنمة لا يعنيها ما تراه العيون ، ما درسته في سنين العمر نسج وجدانًا يحتفي بما دق لا يراعيه البشر، على أهميته !
**********

ranod
22-01-2011, 09:08 AM
انا امام عبقريه في الكتابه واسلوب شيق وفكر عالي جدا
رعاك الله

المفكرة
25-01-2011, 08:39 PM
الواقع يا جميلة يخط جمال الحياة بلوحة مفاتيحي ، و الحياة تنبض بآيات الله لو تأملنا عمقها .
تابعي المقال لآخره فهو يصل لمفارقة غريبة لكنها كانت كذلك.
وفقكِ الله لما يحب و يرضى.

المفكرة
25-01-2011, 08:41 PM
أحببت أن لا يقطع من المشوار ما قطعت من قبل ، أحكي له عن كاتب لا رحمه الله اتخذ من قلة الأدب صناعة ، جيل رأى في الإلحاد أدبًا و في الإنحلال ثقافة! أقول عن كاتب أحيته دولة تعزز به شكلًا تراه أنسب لبقائها .
حسبنا ذكر أقوام عظمناهم فيما مضى ، ترممت جثثهم ، باد ذكرهم ، ثوب مهلهل قيل له فلسفة إذ جاء ممن آتاه الله أسرار سبك اللغة فيما يلمع ، يخايل إليك أن الزبد صار ينفع الناس .
و ابني هذا حي , مرآه يسر الناظرين ، يوافقني زمنًا .... تكدرني رسالة : يقول اشترى له كتابًا ، أخشى على فطرة نقية لم تلوثها مسلمات الحياة الثقافية أن تتغير ، أذكر وقتـًا كنت مثله ، قرأت ما قرأت بسلامة نية ، يصيبني القرف من محتواها أراه لاصقا بي ، أيمكن لأي قدر من الطهارة الروحية أن تمحو هذا الدنس؟! أيرجع الزمان للوراء فلا أقرأ ما قرأت ... يغذ السير في طريقه .
أتراه اقتنع ؟ أأصابت رسالتي مرماها ؟ اللهم آمين عدد خلقك و رضا نفسك و زنة عرشك و مداد كلماتك .
*****************************

faten forever
27-01-2011, 08:12 PM
عندما تكتبين ونقرأ نحن نحظى بمتعه عقليه ووجدانيه عظيمه

دام مداد قلمك ودام هدير فكرك الراقى يمتعنا ويغذى عقولنا

المفكرة
26-02-2011, 05:44 PM
عندما تكتبين ونقرأ نحن نحظى بمتعه عقليه ووجدانيه عظيمه

دام مداد قلمك ودام هدير فكرك الراقى يمتعنا ويغذى عقولنا

حفظك الله من كل مكروه.

المفكرة
26-02-2011, 05:46 PM
في مواجهة التحدي
كنت أمر بقرب الملعب ، بينما طلاب فصلي (الأول الإعدادي) على وشك بدء مباراة في كرة القدم . تبرز كرة القدم جانباً جيداً في الصبيان ، قدرتهم على التصويب في الهدف ، نجاحًا يملأ فراغًا حفرته نتائجهم الدراسية المتواضعة. مهارة طبيعية تنمو في أعصاب الإدراك. يفاخر البارع منهم أقرانه بأهدافه.
لكن الجداول و ضعت لنخرقها ، يستقوي الأكبر سنًا و الأقوى ذراعًا و يستولي على حق الصغار، يشغل الملعب طلاب الثانوي ، لا يودون ترك الملعب لأولاد الإعدادي، يبدأ الخلاف بينهم ، يأتي الكابتن ، من ينبغي أن يصرف طلاب الثانوي إلى الفصل، فلا يفعل ، ينتظر الصغار برهة .... يبدد الرجل أحلامهم .
يتجرأ تلميذي المفكر ، فتى هادئ في الصف الأول الإعدادي، لكنه غلام، به جرأة و تقحم فيطلب من الكابتن أن يخرج الكبار ، ليس هذا وقتهم، يشتمه الكابتن بشكل مهين أمام الجميع .
يخترق الكلام جسدي فيذيب أعصابي ، التدخل ليس حلا و الشكوى لأي مسؤول ستزيد الأمور سوءًا ، جربنا قبل ذلك. تعلق الإهانة بذهني ، تلتصق به.
أفكر كيف أصلح الأمر ، فتخطر لي فكرة أوحى بها كتاب أعارني إياه المفكر ، و قد اِعتدنا تبادل الكتب. هذه المرة أعارني أحد كتب رجل المستحيل أدهم صبري ، رجل المخابرات المصرية الخارق الذي ألبسه أسلوب د. فاروق الشجاعة و كساه الحيوية و شكّله بالخبرة في أساليب القتال .
أسجل على الورق ما حصل في الملعب من وجهة نظر طلاب الإعدادي و أستعير مشهد القتال الذي واجه فيه أدهم صبري ثلاثاً من قبضايات المخابرات الإسرائيلية فأضع المفكر مكان أدهم الخارق و أضبط الصورة، كتبت التالي على ورقة:
"في مواجهة خطيرة بين وحوش إعدادي و عمالقة الثانوي دفاعًا عن أرض الملعب و بعد رفض العمالقة رد الملعب للشباب المتحمس، تصدر ثلاثة من العمالقة للدفاع عن الملعب بعضلاتهم المفتولة التي صقلها التمرين المستمر و التدريب على مهارات القتال.
بادر المفكر بالهجوم ، و أطلق قبضته القوية في وجه الأول ثم أطاح بالثاني بمقص من رجله ثم إلتف دورة كاملة ليقف قبالة الثالث و أطاح به بلكمة قوية من قبضته. اِبتسامة النصر تضيء وجهه إذ يراهم مكومين أمامه.)
تعلو الاِبتسامة محياي حين تكتمل الكلمات على الورقة. في اليوم التالي ناولته تلك المقالة و حين حانت مني اِلتفاتة تجاهه وجدت عيناه تبتسمان اِبتسامة النصر. ثم لمحت مقالتي تلك تتداولها أيدي الطلاب، ترسم أعينهم و وجوههم ملامح الفخر و الضحك و شفاء لبعض ما في الصدور.
أظنني عدلت الميزان المائل و أعدت له حقه في كريم المعاملة الذي بعثره الكابتن أمام أصحابه.
ثم اِعتدت بعد ذلك أن أشحن بقلمي أحداث مبارياتهم الاسبوعية ، أصب بعض موهبة حبانيها المولى لصالحهم ، شيء من التوابل على مباراة عادية ، تجعلها أكثر تسلية ، أعلقها في الفصل فيقرأها الصبيان ، يقدّرون معنى الكتابة ، إذ تمس الكلمات ما يعنيهم ، ما يتباهون به، أضفي عليهم صفات البطولة و النجاح علهم يصيبون بعض ما وصفت . وفقنا الله جميعاً لما يحب ويرضى .

المفكرة
28-02-2011, 08:34 PM
في الهدف
ترأس كل مدرسة فصلاً تجهز له الشهادات و تحل مشاكله قدر الإستطاعة و قد وقع هذا الفصل في قسمتي،و قد أعلنت أنني سأحل المشاكل قدر الإمكان ، معظم الوقت يعقدون الأمور بحل مشاكلهم بألسنتهم و أيديهم .
جاءني الصغير شاكياً : تلفت كرته عرضاً أثناء اللعب ، و حكم الكابتن بينهم فأخبرهم أن يعوضوه ، لكنهم رفضوا حكم الكابتن. كما رفض والده أن يشتري له غيرها حتى تتحسن درجاته ، و الكرة و الصبيان حكاية، مادة أحاديثهم ، محور إنتصاراتهم ، أمل و حلم في المجد و الشهرة ، يلوح طيفه في الأفق ، يحوم حيناً ، حياتهم بدونها تنقص كثيراً.
يستثمر الأب في تعليم إبنه ثم لا يجد لإستثماره عائدًا ، يضغط الأب كي يشكّـل ، لتتحسن الدرجات ، ضغط يحدث خللاً ، طاقة زائدة في هذه السن لا يدري الفتى ما يفعل بها سوى ركل الكرة ، يمنعهم آباؤهم عن الرياضة فيصبون الوقود فوق ألسنة اللهب فتزداد إشتعالًا، ينصرف الأولاد عن اللعب حيث لا كرة إلى الحديث مع الفتيات ، يجد من تصغي له فيسكن لهذا الحل المعطوب ,
أربعون جنيهاً وجدتها في جيبي ، مؤكد كنت بحاجة إليها، لكنني اِستثمرتها في كرة جديدة تبقى بينهم أيام الأسبوع و آخذها في نهاية الأسبوع ، ألعب بها مع الأولاد في البيت ، راهنت على جيل يشق طريقه لا يجد من يعتني به ، ففعلت إلى حين .
تعاودني هواجس تزعم أن الأمر لا يعنيني و أنه واجب الآباء نحو أبنائهم ، بل واجب المدرسة تجاه التلاميذ، بل واجب المجتمع تجاههم ، لا أتوانى ، تقدمت حيث تأخر غيري .
كان يغسلها بالشامبو أول صحبتها له ، عناية لها كلما اتسخت حتى أقنعته أن الطين بعض جلدها ، فليجرِعليها القدر بما هو حقها .
اِمتدت حكاياتها زمنًا ، كتب قلمي قصصًا عن فريق التحدي ، عن البطل ذي الاِلتزام العميق و توأمه الموهوب و الكابتن ذي التسريحة الأفضل ، و ذاك ذي القدم الذهبية و الركلة التي شقت الشبكة ، و قريبتها الصاروخية المميتة ، و غيرها من التعابير التي غابت من ذاكرتي مع كل ما يتعلق بكرة القدم، إذ غاب عن عالمي الرجال .
ثم جاءت لحظة يحسب فيها العقل التالي:
الأولاد لا ينضبطون في الفصول ، حضورًا و درسًا و قولاً و فعلًا وصلاة و أدبًا ، و ضغطك تشكلين المكان على نحو ما و هو بكل من فيه يتحرك في إتجاه معاكس ، حتى متى تقبضين على الجمر ؟!
الحساب ، إنصاتي له يسكت كل صوت ، لقوله جاذبية تطغى . أخطط تدريجياً للإنسحاب .
المستديرة ذات البريق التي ناولتنا بهجة أشهرًا عديدة ، صارت توقعنا في مشاكل مع الكابتن ، يغضب عليهم لأقل سبب و لغير ما سبب و لأسباب وجيهة فيعتقلها عنده ، أحررها من سجنها لأجدها عنده بعد عدة أيام .... أنا لا أهوى المشاكل بالذات مع من هو أشد مني قوة .
إحكم بيننا يا قدر ، أقبل حكمك راضية .. يسرع الزمن يطلبنا حثيثًا ، يعيبها فتفقد جاذبيتها، لم تعد تروي حكاية و لا تملأ عينًا بهجة ، تركتها بجوار صندوق القمامة ، لم أجدها في اليوم التالي ، تبدأ حكاية جديدة، تسعد أولاد أخر يقنعون بما هو أقل .
**************

المفكرة
01-03-2011, 07:42 PM
من وحي كتاب
أبحث في مكتبتي عن كتاب قديم ، تزكم أنفي رائحة التراب ، أكح عدة مرات ، أقضي ساعة و أنا أقلب الكتب، استرجع أحداثاً مرت و عفى عليها الزمن ، أنا غير التي كانت ، لماذا احتفظ بهذه الكتب للآن ؟
تقع عيني على كتاب قديم قرأته في سني المراهقة ، مكث في مكانه ما شاء له المولى ... قرابة ربع قرن .
أوقظ الفارس النائم و أزيل عنه الركام ، أعيد قراءته ، لم تحتفظ ذاكرتي بأحداث مغامرات علي الزيبق .
تعجبني عبارة فاروق خورشيد الرشيقة ، ما يقرب من 262 صفحة ، كانت أقرأها في عدة أيام ، لا يهنأ بالي حتى أنتهي منها ، أتجاهل أشياء كثيرة في سبيل إنهائها.
أقوم بعمل ملخص لها يحافظ على صياغة الكاتب الأصلية ، و أحداث الرواية كما هي و ترتيب الفصول و أسماء الشخصيات. النتيجة رواية في 26 صفحة، على حلقات ، كل حلقة بها بضع فصول في عدة صفحات.
في المدرسة ، أجلس على مقعد مقابل للملعب صباحاً ، أراقب مباريات الكرة .
يلعب هذا الفتى ، قصير ، ممتلىء القوام ، لا يحسن الكثير ، تأتيه الكرة فيضربها ضربة طائشة ، فيصرخ أصحابه، ضيعت علينا المباراة ، فيصرخ هو الآخر ، استلمتها خطأ ، يتركون الكرة ، يمسكون بخناق بعضهم، أشير إليهم أن تفرقوا ، فيفعلون .
ينهي الكابتن اللعب بصفارته ، و عندها يأتي بعض الصبيان يتساءلون عن الحلقة الجديدة ، أصدرت أم لا ، يجدون عندي شيئاً ، بفضل الله ، أحيي لغة تندثر لا يستخدمها جيل صاعد ، يرون العظمة في ما ينطق بالإنجليزية ، يكتبون العامية بحروف أجنبية ، لا يدري أحد بما يفعلون ، يفتحون لأجنبي عقولهم ، يكتب فيها ما شاء.
يسلّـم القصير ، يعجبه أنني أرد سلامه و أننا أصدقاء ، فأسأله : أصليت الفجر ؟
أعرف الإجابة مسبقًا ، يستيقظ متأخرًا و يقضي وقتًا طويلًا يتجهز للمدرسة و يأتي فيغرق في اللعب ، تأمره أمه بالصلاة ، لكنها لا تعزم عليه ، و كل أمور الدين عزيمة ، تظنون أصابعي تطاوعني في كتابة ما أكتب ؟ اليوم بالذات ترفض أن تنظر لهذه القطعة ثانية فتلمعها و توشيها ، تقول يكفي ، تلتمس الأعذار ، تقول لن يقرأها كثير ، تقول لا شيء يهم ، تقول ملل ، تعبانة !
و لأنني أعرف الأخت عزيمة ، لا أمر يصبح واقعاً مرئياً بغير حضورها ، فإنني آخذه للمصلى فيصلي شيئاً مما فاته ، يفوته الكثير .
يسألني : أتريدين شيئاً ؟
_ أريد لك السلامة .
.... أريد منك شيئاً ، ما رأيك أن تتولى تعريف أصحابك بحلقات الزيبق ، و تسأل من سيقرأها فتكون همزة وصل بيني و بينهم ؟
يفعل ، فتى لا يحب الرياضيات أو العلوم أو الكمبيوتر أو اللغات و معظم ما يدرس ، لكنه ذو باع في العلاقات العامة ، ودود ، يحب قرب الناس مهما آذوه .
ينصلح حاله ، يدع عنه التهريج و السخف ، يجد ما يمنحه الثقة ، أمرًا يحدّث عنه أصحابه فيكون أكثر تفوقًا منهم و أكثر سبقًا ، يجد من تمنحه القوة ، يستمر ما شاء الله أن أستمر ....
يلحقنا ذاك القانون : يكتمل أمر فينذر بالنقصان.
رأيت المفكر يقرأ الحلقات ينتظرها بشغف ، تلمع عيناه النابهتين ، طلب مني الكتاب ، ناولته إياه ، لم يبقَ عنده أكثر من ثلاثة أيام .

المفكرة
02-03-2011, 05:10 PM
استلم عملي صيفًا قبل دخول الطلاب ، يفترض بنا أن نعّـد ما يلزم لوجودهم ، لا نفعل ، إليكم حديث من تعلم بواطن الأمور : رئيستي ملأ النهار ، نقضي ساعات نستمع لها ، تحكي كل ما هو شخصي و شخصي ، عن صرصار ، للأسف لا خيال ، قتلته بحذائها وددت لو عذبته قليلاً أو عذّبها ، على الأقل تكون هناك قصة، غير مسموح بعمل .
أناولها كتاب أسألها :
_ مارأيك في جديد علمه ؟
_ دعيه ، أنظره فيما بعُـد .
دخل تابوت درجها ، لا يخرج منه شيء ، ترممت فيه الأسئلة ، و الصور ، و الأقراص المدمجة ، و الكتب ، بما تسمح سموها ؟
الآتي : مدح أناقتها التي لم ترها عيني ، و ذكر وزنها الذي نقص بعد الريجيم الذي لم ترتكبه!
أجأر إليه ، أتركها يا مولاى ؟ أم أن الحكاية لم تكتمل ، لا أترك ما قلدتني إياه ، ثغرة أحببت أن أسدها _ دون إذنك .
لا جواب ، فقط الأمور تذهب و تأتي برتابة ، توحي أن لا خير أو شر .
لا ، بل خطوة بحسنة و كلمة بقرينتها ، أخوات و بنات عم و شجرة تتفرع، تثمر شهداً ، الحساب هنا بمثقال الذر، في قطرة ماء 30 مليون مليون منها !

المفكرة
07-03-2011, 09:35 PM
لم ألحظه سريعًا ، يشغله الفكر عن البشر ، هاتفني ذات مساء، يسأل ، دفعني للتفكير العميق ، أمر أتجنبه ، تأتيني الضحالة و الضآلة من كل مكان ، فألقي ما حباني به المولى من ملكات بعيداً ، لا أعدو ما يدوّي ، يلح لا يهدأ ، حسناً ، ألمح في البئر ما يروي غليله ، أحكي حتى يأخذه الصمت مني ، شغله الفكر ، حسنًا تركت الدعاء برهة طويلة ، أدعو ، يكفي هذا ، تصبح على خير .
رسم حلماً ذات رسالة ، حزين ، رغم أنه تقدم للمركز الأول في مدرسته ، استحقه بجدارة ، حلم راوده أعواماً، طلبت منه أن لا يعجل عليه فقد رأيته يطلبه يسعى إليه على مهل .
ثم سألني _ يعرف مناوشاتي في عالم الغيب : أيكون لي شأن في المستقبل؟
لا لن أقول ، بل أفكر كيف أجيبه ، لا يلزمه ما أخبرته به قبلاً . أضيء مصباح فكري و أجيل البصر في قصد سؤاله . سطع من الفكر شعاع ، أثبته في حاسبي ، أرسلت نحو التالي :
راودني حلم النظر للغيب فأعرف ما يقع قبل أن يقع لأخطو نحو الهدف دون تسديدات ضائعة ، احفظ الطاقة ، اصرفها نحو ما ينجح فقط ، و إذ اشتد المرض ، فتح باب كهذا فولجت ، أرى أشياء قبل أن تحدث ، لم تنفعني ، إذ لم يعطني يداً تحكم أمراً فتغيره ، كان فتنة ، أحمد الله أن زالت .
لا لحظة ، خرجت بعبرة : الخطوة ذاتها مقصودة على هذا النحو ، و إلا كيف ترتب أن نلتقي على هذا النحو؟!
احتسب الخير في كل خطوة تسيرها لمدرستك و لا تعجل على رزقك ، لابد أن يشتد عودك قبل أن تحمّلك الحياة أخطاراً جسيمة كتلك.
كانت تلك الأيام التي أحاول الاِحتفاظ بسورة يوسف في مداركي ، أكثر من ترديدها ، تعلق بذهني عبرة عن شاب من خيرة خلق الله يرتب الله له الأمور ليكون له شأن ، عين الله تكلأه منذ أن بدا لهم أن يقتلوه ، تدفع عنه الأذى فيلقونه في بئر ، حيث من يحمله إلى حيث مقامه و شأنه و الله غالب على أمره لكن أكثر الناس لا يعلمون.
تحاول إغواءه فلا تصل إليه فهو من عباد الله المخلصين ، يتهمونه فيبرأه شاهد من أهلها. يسجنونه ، لا ضير فحفظ الله يحوطه، يجلس لتبليغ دعوته يعبد ربه غير عابئ بسجنه ، و يدخل معه السجن فتيان فيحفظ الله منهما من يدل الملك عليه ، فيستخلصه لنفسه ، يخرج حفيظ عليم لأرزاق البشر ، بعض صفات مولاه .
ألقوه في غيابة الجب ، أم ألقوا بأنفسهم في ضنك الإثم ؟ ضاقت عليهم الأرض بما رحبت و ضاقت عليهم أنفسهم و كبيرهم لا يبرح مصر حتى يأذن له أبوه، حزن أب و نبي أذهب بصره ، لم يذهب هباء ، قميص علّم مسلم أن يستخرج من العرق قطرة يداوي بها المياه البيضاء التي تذهب بالبصر و لا دواء لها إلا تلك القطرة القرآنية ، العبرة بالنهاية .
سئل الإمام أحمد : أيهما أفضل : أن يُمكن الرجل أم أن يُبتلى ؟
أجاب مبتلى تمكن ، فقه إذ خبر : لا يُمكّن الرجل حتى يُبتلى.
نشرته في منتدى ... تمضي دقائق معدودة تحضر معها عدة ردود تدهشني من نفر أمّـنوا على دعائي و تذكروا ربهم و رسلهم و فكروا في حالهم ، و أعجبهم ما حصل و ما كتبت .
كان يعجبه هاري بوتر ، الحبكة و النهاية غير المتوقعة و الأحداث الكثيرة و الثبات على الموقف ، صار له سحر مثله ، هذه المرة بطرف من الحق، هذا أفضل.
هذا الخير لأجل خاطرة خطرت بباله ! لله دره ، لن أزم نبع الماء هذا عله يرويه و غيره في السبع العجاف بدا ظلهن ، هنا حيث تلحقني قدرتي على التنبؤ ، أو أن القدر يأخذ مني فيسجل على الأرض . أكتب له التالي دون كامل وعي:
أترك الأمور هنا ، فلا قبل لي بأكثر من ذلك .
كان آخر ما قرأ لي .
أجل لهذا كتبت!
اللهم عالم غيب السماوات و الأرض رحمن الدنيا و الآخرة و رحيمهما اكفنا بحلالك عن حرامك و أغننا بفضلك عمن سواك و اجعل لنا شأنًا في نصرة دينك و إقامة أحكام كتابك. توفنا مسلمين و ألحقنا بالصالحين. آمين.
*****************************

المفكرة
09-03-2011, 04:55 PM
سألني أيكون لي شأن ؟
سؤال أرسلني أتذكر حالي في مثل سنه ، أنوي جاهدة أن يكون لي شأن . لكن الحياة تأخذني مسارات مغايرة، تكشف لي سر العادي المألوف .
سر أكشفه حاليًا لكل من يبحث جاهداً عن الشأن و العلو و المقام الرفيع ، كشف تلقاه قارئون عدة بالقبول .

المفكرة
11-03-2011, 06:26 PM
لم نكثر الحديث سويًا على أي حال ، الحديث مع البشر ليس أحد مكونات المفكرة .
قال ذات سؤال : ما رأيك بمدرستي؟
تعالى يا حاسوب ، لنكتب : مقالة ، صورى يا ناسخة نسختين ، لها و له ، مديرة مدرستي : إليك كيف تنصلح الأمور بقليل من التغيير و التكاليف ، جادلتني : مستحيل.
أما هو فوقع حديثي بمسمعه موضع قبول .
ليس في المدارس الآن ما يسد الرمق ، معظم من أعرف يعلمون أنفسهم في بيوتهم، يفتح أحدهم جهاز التكييف و يستمع لعمرو دياب و يقرأ الكتب و الملخصات في ضوء حلم أنه صار بطل كليب نانسي عجرم الجديد ، ترتفع الحواجب إذ يراه أصحابه على شاشة التلفزيون ، يعيد صوت عمرو دياب له الوعي فيرى نفسه يكبر و ينجح مثله، تحيطه الحلوات يبادلنه الإعجاب لوسامته!
بالطبع لن يخبره أحد أن الطريق شاق ، ربما سقطة في هاوية الواقع بعد عدة سنين تمحو هذا الوهم !
و ليكتب ما شاء في ورقة الاِمتحان فسيصلح المصححون شعث ما أجاب و يعطونه درجات رغم أنفه ، فيذهب لبيته منتفخ الأوداج يرائى له قصب السبق و ليس له بأهل ، لن أكمل حكايته ، فليأت قدره بما هو آت، يرتب خطواته كي يعطيه حقه جني يداه .
رغم ذلك كله فلن أقول لك أقعد عن عملك على عورِه ، إذهب لمدرستك غير عابئ بهذا التخلف و أدِ أمانتك كما أمرك الله ، مثال طيب و قدوة يحتذى بها ، ينصلح بوجودك أموراً تفسد في غيابك .
ليكونوا ببالك ، من لا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة عين ، يرضى عنك ربك و يجعلك ذا شأن عظيم في الدنيا و الآخرة بإذنه و ما ذلك على الله بعزيز.

المفكرة
12-03-2011, 06:21 PM
يوم صيفي حار ، حيث الخروج يثير النكد ، رنين هاتف ، هذا صديقي الصغير راغب في الحديث .... حول لا شيء كعادته ، يتسلى .
عطاء المولى عنده وافر : عمر ممتد ، طاقة و حيوية و زمان طويل .
قصور في أخر : الإرادة و الهدف والرؤية .
يأخذني بحديثه في إتجاه لا يروقني ، آخذ الزمام ، أوجهه دفة الحكاية ... نسخة عصرية من شهرزاد و إن شئتم نسخة علمية.
أحدثه عن قصة قرأتها للتو ، لاتزال الذاكرة مشبعة بها ، إمرأة أمريكية تصاب بسرطان الدم و هي حامل فتؤثر جنينها على نفسها و ترفض اسقاطه أو الخضوع للعلاج الكيميائي حتى تضعه سالمًا .
يكافئها المولى خير الجزاء ، يحتفظ الطبيب بدم الحبل السري ، ريثما تخضع لعلاج جديد ، يستخلص من هذا الدم السقط خلايا المنشأ ، تضخ في دم الأم ، يرد القادم الجديد لأمه صنيعها ، ينسحب الغول من دمها ، تزورها العافية ، تتمتع بأمومتها بشكل مضاعف .
يتعجب الفتى من قدرة المولى : الله ، لماذا لا نملك هذا المستوى من العلم و التقنية ؟
تتيقظ المفكرة داخلي : قليل من يحلم بالنجوم فتصل يده أفقها ، مواهب وزّعها المولى ، يعلم حيث يضع الموهبة ، يختص برحمته من يشاء .
كان بينكم فتى له من حسن العقل ما جعله يفوقكم ، يجتهد ليفهم أكثر ، أمسكت الغيرة بتلابيبكم ، لم تطيقوا صبراً ، أصابكم الجنون حين مايزنا قدره ، لعله كان يجر العربة في هذا الإتجاه ، لا تسألوا إن فارقكم أين صار مآله ، لم يطق صحبتكم ، أيلام إن كان لا ينتمي لفصله؟ أيلام إن نسيكم حين يفتح الله عليه بإذنه فيعلو قدره أقداركم ؟!
أذكره ذات فوضى ، يعلو مكتبه ، يضم ركبتيه بذراعيه ، يحتويه الفكر يأخذه من عالم يزعق فيه الصبيان ، يطبلون و يهرجون ، يرقصون .... كأحسن مصحة عقلية .
لعلكم تسمعون عن إنجاز له ينسب إلى بلاد الغرب .
**************

المفكرة
25-03-2011, 08:18 PM
لماذا نصنع قطبي البطارية من معدنين مختلفين ؟
هكذا سألتني تلميذتي.
أجبتها: لا يوصل قطبان من النحاس الكهرباء ، لا يعطي متساويان بعضهما شيئًا ، فرق الجهد صفر ، لا كهرباء تسري .
حينها طرأ ببالي تلميذي المفكر ، كان سريان الأفكار بيننا عاليًا بسبب فرق الجهد المرتفع ، رغبتي في العطاء تلتقي بمن يستقبل ما أعطيه.