مشاهدة النسخة كاملة : الإعجاز فى خلق السموات
عمروعبده 21-02-2011, 09:07 PM مجموعة من كلمات علمائنا فى الإعجاز فى خلق السماء وهو منقول للفائدة . أسألكم الدعاء
من أسرار البناء الداخلي في القرآن الكريم
من أسرار البناء الداخلي في القرآن الكريم
السرّ الأول :
ظاهرة النسبية في القرآن الكريم
ما أردنا قوله: (عند نظرنا في القرآن الكريم.. لماذا نحتكم للمعاني الاصطلاحية الشائعة، ولا نحتكم إلى جملة المعاني اللغوية للفظ؟!.. إن أخذ جملة المعاني اللغوية للفظ بالحسبان (وهي متعددة) يفتح آفاقا جديدة للانفتاح على النص الكريم)
بين يدي الظـاهرة
مع ازدياد تعقيدات الحياة وتشعباتها تزداد حاجتنا لفهم أنفسنا، ولفهم الواقع من حولنا، وهي المهمة التي يمكن أن نوكلها لأنفسنا بجدارة إن نحن أحسنا التعامل مع كتاب الله تعالى، لكن ذلك التعامل يحتاج منا إمعان نظر ، بحيث لا تبقى معارفنا الدينية مجرد تكرار لمعارف آبائنا وأجدادنا.
ولدى تمعننا في آيات الله فقد جذب انتباهنا جانب اعتبرناه في حينه جديرا بالدراسة، بل اعتقدنا بأنه يخفي خلفه ظاهرة أصيلة من الظواهر التي يوحي بها النص القرآني الكريم، وتلك الظاهرة هي "ظاهرة النسبية في القرآن الكريم"، لكن وقبل أن نخوض في أمر تلك الظاهرة ؛ فلابد من بعض التقديم بين يديها..
القرآن: كلامُ الله
يُعرّف القرآن الكريم بأنه كلامُ الله العربيّ المثبت في اللوح المحفوظ للإنزال، ثم المنزّل بواسطة جبريل الأمين على سيدنا محمدe للهداية والإعجاز، وهو المنقولُ إلينا بالتواتر؛ والمكتوب في المصاحف.
وفي تعريف مبسط له يمكن القول بأنه: كلام الله المنزّل على محمدٍ e؛ المتعبد بتلاوته.
والقرآنُ لغةً: مشتقٌ من مادة الفعل "قرأ"(1) والذي يأتي بمعنى: الجمع والضمّ. والقراءةُ هي: ضمُّ الحروفِ والكلماتِ إلى بعضها. والقرآن في الأصل كالقراءة، مصدر: قرأ؛ قراءة؛ وقرآناً. قال تعالى: {إنّ علينا جمعه وقرآنه، فإذا قرأناه فاتبع قرآنه}(القيامة:17-18) أي قراءته. وهو مصدرٌ على وزن "فُعلان" ،بالضم، كالغُفران، والشُكران. تقول: قرأته قرءاً وقُرآناً، بمعنى واحد.
ويُطلقُ "القرآن" بالاشتراك اللفظي على مجموع القرآن، وكذلك على كلّ آيةٍ من آياته، فإذا سمعتَ من يتلو آيةً من القرآن الكريم صحّ أن تقول: إنه يقرأُ القرآن، مثال ذلك قوله تعالى: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا}(الأعراف:204).
وقد ذُكر كذلك بأن تسميته "قرآناً" إنما جاءت لجمعِهِ ثمرةَ كتبِ الله كلِها، ولجمعِهِ ثمرةَ جميعِ العلوم، كما أشار إلى ذلك قوله تعالى: {ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء}(النحل:89).. وقد سُمي القرآنُ "قرآناً" كونه متلواً بالألسنة، كما روعي في تسميته "كتاباً" كونه مدوناً بالأقلام.
وللعلماء في تعريفِ "القرآن" قولاً يميزه عن غيره من الكتب المنزّلة، فهو (كلامُ الله المنزّل على محمدe، المتعبد بتلاوته).
إعجازُ القرآن الكريم وسحرُ بيانه
وللقرآن الكريم وجوه من الإعجاز التي لا تعد ولا تحصى بحيث تعجز الكلمات عن الإحاطة بكل تلك الوجوه، لكنّ بعضاً من الكلمات التي أوجزت في وصفه تناولت "الغاية الموضوعية" التي جاء القرآن الكريم لأجل تحقيقها، فهو ،من هذا المتناوَل، حجةُ الله على العالمين، والمستندُ الأكبرُ لشريعة الإسلام، وبثبوت حجة الله على البشر ثبتت الحجةُ بضرورة العمل..
وقد ثبتت حجةُ الله على البشر بثبوتِ إعجاز القرآن الكريم لكل من تحداهم الله من العقلاء، وهذه الحجة لا تقتصر على من نزل القرآن الكريم فيهم في العصر الأول للنبوة، بل ثبتت كذلك في حق من نُقل إليهم فيما بعد ،بالتواتر، وإلى يومنا هذا. وقد ثبتت حجة الله عزّ وجلّ على البشر بثبوت عجزهم أمامه وحيرتهم في مواجهته.
و"العجز" حسبما هو مُتعارفٌ عليه: اسمٌ للقصور وعدم الاستطاعة عن فعل الشيء. وهو ضد "القدرة"، وإذا ثبت الإعجاز ظهرت قدرة المُعجِز، ويكون الهدف من الإعجاز: إظهارُ صدق النبيّ e في دعوى الرسالة بإظهار عجز العرب عن معارضته في معجزته الخالدة؛ وهي القرآن الكريم، وعجز الأجيال المتتابعة من بعدهم، فالقرآن الكريم ،من هذه الناحية، جاء بالتحدي الدائم والمستمر إلى يوم القيامة؛ في مواجهة الجنِّ والإنس؛ وذلك عندما تحداهم أن يأتوا بمثله: {وإن كنتم في ريبٍ مما نزَّلنا على عبدنا فأتوا بسورةٍ من مثله، وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين}(البقرة:23).. كذلك فقد تحدّاهم أن يأتوا ببعضٍ من مثله: {قل فأتوا بعشر سورٍ مثله مفتريات}(هود:13)..
وعندما ثبتَ عجزُهم أمام هذا التحدي؛ كان القول الفصل: {قل لئن اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثلِ هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضُهم لبعضٍ ظهيراً}(الإسراء:88)
وأمام هذا الإعجاز؛ وذلك التحدّي.. تعددت الآراء حول إعجاز القرآن الكريم؛ والقدرِ المعجز منه، فقد ذهب المعتزلةُ إلى أن الإعجاز يتعلق بجميع القرآن الكريم لا ببعضه أو بكل سورة برأسها. لكنّ آخرين ذهبوا إلى أن القليل والكثير منه مُعجِز؛ دون تقييد بسورة معينة، لقوله تعالى: {فليأتوا بحديثٍ مثله}(الطور:34).
وذهبت فئةٌ ثالثةٌ إلى أن الإعجازَ يتعلقُ بسورةٍ تامةٍ ولو كانت قصيرة، أو قدْرِها من الكلام؛ كآيةٍ واحدةٍ أو آيات.
كذلك وجدنا من ذهب إلى أن إعجاز القرآن الكريم لا يقعُ في قدرٍ معينٍ منه فحسب؛ بل نجد ذلك الإعجاز كذلك في (أصواتِ حروفِه، ووقعِ كلماتِه، كما نجده في الآية والسورة، فالقرآن كلام الله وكفى)(2).. وهي حجةٌ ،ولا شكّ قوية تسترعي الانتباه إلى حقيقةٍ في غاية الأهمية؛ وهي أن إعجاز القرآن الكريم لم يقتصر ، فقط، على الحقائق الموضوعية التي يطرحها، ولا في قدراته البلاغية وحسب، بل في تمتعه كذلك بإعجازٍ غيرِ عاديّ حتى على مستوى تناسقِ حروفِ الكلمة الواحدة.
سحرٌ يأخذ بالقلوب والألباب
لقد كان تأثيرُ القرآن الكريم على كلّ من سمعه تأثيراً عجيباً؛ إذ سحرت(3) كلماتُه قلوبَهم؛ وسلبتهم عقولهم وألبابهم، وكان أعجب ما فيه أن خاصيته تلك كانت بالنسبة لهم أمراً غامضاً غيَر معتاد، ووجدوا فيه ظاهرةً تكاد تكون ،بالنسبة لهم، غيرَ مفهومةِ الأسباب!!.. (ونزل القرآن فظنّه العربُ أولّ وهلةٍ من كلام النبيّ e، وروحوا عن أنفسهم بانتظار ما أَمِلوا أن يطلعوا عليه في آياته البيّنات..)(4) ولم يكن عجيباً حينها أن تتباينَ ردودُ أفعالهِم تجاهه، فمنهم من اطمأن إليه فآمن به، ومنهم من جحد فكفر، ومنهم من لم يحسم الأمر فآثر الانتظار لعل الأيام تأتي بالخَبَرْ!.
ولقد أثار القرآن الكريم ،ومنذ بداياته الأولى، ردودَ فعلٍ تميزت بالحيرة، فلم يكن من السهل ،بدايةً، استيعابُ حقيقة إرسال نبيّ افترضوا وجوب أن يكون واحداً من أرفعِهم مكانةً، أو أكثرِهم مالاً وولداً!!.. أما محمد e وما تميز به من مكانةٍ رفيعةٍ ،سواءً من حيث نَسَبِه أو أخلاقه ،والتي لم يعرفوا لها مثيلاً، فقد كان بالنسبة لهم آخر من يصلح لتلك المهمة! {وقالوا لولا نُزّل هذا القرآن على رجلٍ من القريتين عظيم}(الزخرف:31)...
ولم يكن مهماً ،بالنسبة لبعضهم، ما كان يتمتعُ به محمدٌ e من رفيعِ خصالٍ وصِدْقِ حديث، إذ أضمروا له التكذيب حتى وإن كان صادقاً! (ومرّوا ينتظرون وهم مُعِدّون له التكذيب، مُتربصون به حالةً من تلك الأحوال؛ فإذا هو قَبِيلٌ(5) غيرِ قبيلِ الكلام، وطبعٌ غيرِ طبعِ الأجسام، وديباجةٌ كالسماء في استوائها لا وهيٌ ولا صدعٌ، وإذا عصمةٌ قويةٌ، وجمرةٌ متوقدةٌ، وأمرٌ فوق الأمر، وكلامٌ يحارون فيه بدءاً وعاقبة)(6).
وباختصار؛ فإن الشكّ في تلك اللحظات كان شريعةَ الجميع ،إلا من رحم ربُك، والشكُ ،في حدّ ذاته، حقٌ مشروعٌ يمكن من خلاله التمييز بين الأصيل وبين ما كان ادعاءً، لذا؛ فلم يكن مستغرباً أن يجمعَ الشكُ تجاه محمدe ودعوته بين عمر بن الخطاب والوليد بن المغيرة، إضافة إلى ما أصابهما من صدعٍ وذهول بالتأثير المحكم لآيات القرآن الكريم!.
وتنقلُ لنا كتبُ التاريخ روايتين متشابهتين تؤرخان لإسلام عمر بن الخطاب ،رضي الله عنه وأرضاه، الأولى منهما لعطاء ومجاهد، نقلها ابن إسحق وقد جاء فيها على لسانه: (كنتُ للإسلام مُباعداً، وكنتُ صاحبَ خمرٍ في الجاهلية أحبها وأشربها، وكان لنا مجلسٌ يجتمعُ فيه رجال قريش... فخرجتُ أريدُ جلسائي أولئك فلم أجد منهم أحداً. فقلت: لو أنني جئت فلاناً الخمّار. فخرجتُ فجئته، فلم أجِدْه. قلت: لو أنني جئتُ الكعبةَ فطفتُ بها سبعاً أو سبعين، فجئتُ المسجدَ أريدُ أن أطوف بالكعبة، فإذا رسول اللهe قائمٌ يصلي، وكان إذا صلّى استقبلَ الشام، وجعل الكعبة بينه وبين الشام، واتخذ مكانه بين الركنين: الركن الأسود والركن اليماني. فقلت حين رأيته: والله لو أني استمعتُ لمحمدٍ الليلةَ حتى أسمعَ ما يقول. وقام بنفسي أنني لو دنوتُ منه أسمع؛ لأروّعنه، فجئتُ من قِبَل الحِجْر؛ فدخلتُ تحت ثيابِها، وما بيني وبينه إلا ثياب الكعبة، فلما سمعتُ القرآنَ رقّ له قلبي فبكيت ودخلني الإسلام!.
والرواية الأخرى تشير إلى أن عمر ،رضي الله عنه، خرجَ مُتوشحاً سيفه؛ يريدُ رسولَ اللهe ورهطاً من أصحابه قد اجتمعوا في بيتٍ عند الصفا، وهم قريبٌ من أربعين بين رجالٍ ونساء، وفي الطريق لقيه نعيم بن عبد الله فسأله عن وجهته؛ فأخبره بغرضه، فحذّره (أي نعيم) بني عبد مناف، ودعاه أن يرجع إلى بعض أهله؛ خِتنه(7) سعيد بن زيد بن عمرو، وأخته فاطمة بنت الخطاب زوج سعيد، فقد صبئا عن دينهما. فذهب إليهما عمر، وهناك سمع "خَبّاباً" يتلو عليهما القرآن، فاقتحم الباب، وبطشَ بِخِتْنِهِ سعيد، وشجّ أخته فاطمة... ثم أخذ الصحيفة ،بعد حوار، وفيها سورة "طه"، فلما قرأ صدراً منها قال: (ما أحسن هذا الكلام وأكرمه) ثم ذهب إلى النبيّ e فأعلن إسلامه، فكبّر النبيّ e تكبيرةً عرف أهلُ البيتِ من أصحابِه أن عمر قد أسلم(8).
كذلك فقد واجهت المعاندين والمستكبرين من قريش مواقفُ مشابهة، وذلك من خلال ما أحدثه القرآنُ الكريمُ من تأثيرٍ مزلزلٍ في نفوسهم، فقد حدثَ مثلُ ذلك مع الوليد بن المغيرة؛ والذي أذهلته الآياتُ بِسِحْرِها وأَلَقِها، فتصرفَ مقهوراً مُنساقاً تحت وطأة تأثيرها، حتى وجدناه لا يقوى على إنكار ما أصابه!، ووجدناه يصفُ القرآنَ الكريمَ والحيرةُ تأخذُ بلبّه وجنانه، فأصبح لا يمتلك لنفسه حولاً ولا قوة، وسمعناه يُقرُ مُعترفاً: (فوا لله ما منكم رجلٍ أعلمَ مني بالشعر ولا بِرَجَزِهِ ولا بقصيده، ولا بأشعار الجن. والله ما يشبهُ الذي يقولُه شيئاً من هذا، والله إنّ لقوله لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه ليحطم ما تحته، وإنه ليعلو وما يُعلى عليه)!!.
لكنّ اعترافه هذا لم يكن ليقنعَ قريشاً، فهو ،أي الوليد، لم يذمّ القرآن، بل امتدحه!!.. فلما زادوا عليه من ضغوطهم؛ لم يجدْ مخرجاً إلا أن يلويَ أعناقَ الألفاظ، وأن يتلاعب بالكلمات، فبدلاً من أن يعترف بأن هذا السحر إنما يدل ،بالضرورة، على عدم بشرية مصدره، وجدناه يتجاوب مع دعوة أبي جهلٍ له؛ والتي قال له فيها: (والله لا يرضى قومُك حتى تقول فيه(9))...
وهنا تتجلّى قدرةُ بعض البشر على التحايل!، واتباع الأساليبِ الملتويةِ لوصفِ حقيقةٍ ما بغيرِ ما يجبُ أن توصفَ به!.. فجاءَ ردّ الوليد هذه المرة: (دعني أفكر فيه). فلما أنْ فكّر قال: (إنْ هذا إلا سحرٌ يؤثر، أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله ومواليه)؟!.
وبهذا الرد يكون الوليد قد أفشى لنا ،عن غير قصدٍ بالطبع، سراً من الأسرار التي استأثر بها القرآنُ الكريم دون غيره من كلام العرب، ذلك هو الاستحواذُ الغريب؛ والسطوةُ التي لا تردّ؛ لكلمات الله على كلّ من سمعها، بل لعل الوليد في استخدامه لتلك الألفاظ قد أسدى لنا خدمةً أخرى كبيرة، فهو باستخدامه لألفاظٍ من قبيل "سِحْرْ" قد أشار إلى ذلك المصدر الغامض؛ والمجهول لسحر القرآن الكريم، والذي لا يمكن إلا أن يكون وجهاً من الوجوه التي استأثر بها القرآن الكريم؛ فتميزت به لغته عن لغة البشر!.
وفي قولٍ ،يمكنُ تعميمه، فإن ذلك التأثير الاستحواذي للقرآن الكريم لم يكن أمراً مقصوراً على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أو الوليد بن المغيرة، فلطالما ارتبط ذلك الانفعال تجاه القرآن الكريم بعلاقةٍ جدليةٍ مع عامل آخر كان له أبلغ الأثر في تجلية تلك الميزة وذلك السحر، ولم يكن ذلك العامل إلا تلك المقدرةِ اللغويةِ العالية التي طالما تميزّ بها العرب في ذلك الوقت، والتي مكّنت لهم سُبُلَ التفريق بين الأصيل وما هو غير ذلك، تلك المقدرة التي لو لم تُوجد ،في حينه، لما أمكن لنا ،أبداً، أن نشعر بإعجاز القرآن الكريم، ولاستوى لدينا حينها الغث والسمين!..
وأمام تلك السطوة المثيرة للانفعال؛ فلم يكن أمام بعض المستكبرين إلا اختراع الحجج؛ الواحدة تلو الأخرى، وشقّ سُبُلِ الإنكار، سبيلاً في إثر آخر؛ فاتجه البعضُ لوصف القرآن الكريم بأنه: {أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرةً وأصيلا}(الفرقان:5)..
لكنهم ،هنا أيضاً، لم يفلحوا في إخفاء الأثر العميق الذي أحدثه القرآن الكريم في نفوسهم.. فبوصفهم للقرآن الكريم بـ "الأساطير" ،بعد أن أطلقوا عليه صفة "السحر"، وجدناهم قد أثبتوا عجزَهُم عن ردّه إلى أصلٍ بيّنٍ واضح، فهو بالنسبة لهم سحرٌ غير معلوم المصدر!، أو أسطورةٌ تأتيهم من أعماق التاريخ المجهول، فهم لا يملكون لها ردّا، ولا يعرفون لها تفسيراً!.
بيانٌ يورثُ الحيرة
من هنا؛ فقد تدرجت بهم الحيلةُ لابتداعِ الطرقِ الكفيلةِ بالتغلب على هذا السحر ومواجهة سطوته، وعلى تلك الأساطير ،بزعمهم، والتغلب عليها، وقادهم ذلك إلى تفكيرٍ جديد: فما دام تأثيرهُ غامضاً لا يجدي معه التعامل العقلي البحت؛ فليكن السبيل لمواجهته عدمُ الاستماعِ إليه أصلاً!!: {وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن، والغَوْا فيه لعلكم تغلبون}(فصلت:26) فغايةُ غَلَبِهِمْ هنا أن يجعلوا أصابعهم في آذانهم فِراراً منه.. وإنه لغلبٌ؛ وأي غلب؟!.
باختصار؛ فقد تجلت الحيرةُ في كلّ ردود الأفعال التي فوجئت بِنَظْمِهِ البديع، فمن آمن كان في حيرةٍ من أمره؛ قبل أن يشرح الله صدره للإيمان، ولعل من آمن ،فيما بعد، كان دائم التساؤل مُتعجباً: ما الذي فعله القرآن بي؟!... ومن كذب على نفسه وخدعها بوصفه للقرآن بالسحر ،ليخلُص إلى نتيجة مفادها أن محمداً ليس أكثر من ساحر، كان في حيرةٍ من أمرهِ كذلك، ولعله قضى لياليه مُسَهَدّا(10) متعجباً يسائل نفسه: أيةُ قوةٍ تلك التي سيطرت عليّ فجعلتني أذهب إلى ما ذهبت إليه؟!...
وقد بيّن القرآنُ الكريم ،في لقطاتٍ نادرةٍ، ردودَ أفعال الفئة الأخيرة، فَصَوّرَها في حيرتها لا تكاد تثبت على حال، فهي متقلبةُ الفكر، مبلبلةُ الخاطر والوجدان، تتناوشها الوساوسُ؛ وتختلطُ عليها الأفكارُ بغير ما انضباط!، ولننظر إلى اللقطات النفسية العجيبة، والتي تجلت في حججهم المبتورة: {قد سمعنا...} ... {لو نشاء لقلنا مثل هذا...} {إن هذا إلا أساطير الأولين...}(الأنفال:31) {أضغاث أحلام...} {بل افتراه...} {بل هو شاعر}(الأنبياء:5)..
ولنتأمل الجُمَلِ القصيرةِ؛ والعباراتِ القلقةِ التي صوّرت حالهم، فهي لا تكاد تقذفها الألسِنةُ حتى تنقطع!!... وكأن القرآن الكريم ،وهو يرسم لنا ردود أفعالهم تلك؛ إنما يصوّر لنا حالةً تنطبقُ على البشرِ جميعاً عندما يتنكرون لما هو واضحٌ جليّ، تلك الحالة التي إذا ما تلبست قوماً حوّلتهم إلى حالةٍ من القلق تُفقدهم توازنهم، فنراهم يتلجلجون في الوصف على غيرِ هدىً: {قد سمعنا...}... {لو نشاء لقلنا مثل هذا...}... الخ.. لكنهم ما إن يبدأوا باستعادة توازنهم، والسيطرة على انفعالاتهم؛ حتى نجدَهم يبدأون مرحلةً جديدةً من مراحل الكَذِبِ؛ لكنه كذب صُراح هذه المرة؛ كذبٌ مع سبق الإصرار؛ وبغيرما خجلٍ أو حياء!... وهي المرحلة التي انتهى إليها بعض من تنكر للرسالة المحمدية في مراحلها الأولى؛ حيث لجأوا إلى الادعاء ببشرية المصدر الذي أُخذ عنه القرآن الكريم، والادعاء بعدم اختلافه عن أقوال البشر في شيء؟!: {فقال إن هذا إلا سحرٌ يؤثر، إن هذا إلا قول البشر}(المدثر:24-25)..
من هنا أمكننا أن ندرك عُمق ما أحدثه القرآن الكريم من تأثيٍر غير مسبوق في النفس المتلقية لآياته، تلك التي آمنت، أو هاتيك التي كَفَرَتْ به على حدٍ سواء، لكن تظلُ أشدّ صورِ ذلك التأثير وضوحاً تلك الحيرة الكاملة؛ وذلك الجهل المطبق بماهية السرّ الذي مكّنّ للقرآن أن يُحدث كلّ ذلك الأثر، ولعل ذلك السرّ هو ما ترك الجميع يتساءلون وهم حائرون: أين يكمن السر؟!..
أين يكمن السر؟!
فأين يكمنُ سرّ تلك الزلزلة التي أحدثها القرآن الكريم في كياناتٍ لغويةٍ رفيعة؛ ذاتِ حسٍّ جماليٍّ مُرهف؟!..
... فهل كان السرّ كامناً في الموضوعات ذاتها؛ والتي تناولها القرآن الكريم في أول عهده؟!...
...أم كان السرّ في صُلب التشريعات التي أرساها؟...
... أو لعله كان موجوداً في تلك النبوءات المستقبلية التي تنبأ بها قبل حدوثها بسنوات؟!...
فإذا ما رحنا نستقرئُ الآياتِ الكريمةِ الأولى التي تنزّلت في مكة فلن نجد فيها هذا ولا ذاك، فهي لم تكن تحتوي تشريعاً مُحكماً، ولا علوماً كونيةً سابقة(11) ولن نجد فيها إخباراً بالغيب يقع بعد سنين، مثل ذلك الذي ورد في سورة "الروم"(12).
يجب إذنْ (أن نبحث عن "منبع السحر في القرآن" قبل التشريع المحكم، وقبل النبوءة الغيبية، وقبل العلوم الكونية، وقبل أن يصبح وحدةً مكتملةً تشمل هذا كله)(13)..
وهنا لابد لنا من إعادة السؤال كَرّةً أخرى: ما الذي احتواه القرآن الكريم من أسرار مكّنَتْ له كلّ ذلك التأثير الذي لا يردّ؛ وجعلت له تلك السطوة التي لا تقهر؟!..
لعل ما أحدث كلّ ذلك كان يتمثل في شحناتِ الانفعال التي دفعتها الآياتُ الكريمة في قلوب من استمع إليها، بغضّ النظر عن الموضوع المراد الإخبار عنه...
...ولعله كان متمثل
عمروعبده 21-02-2011, 09:10 PM أين السموات السبع؟
ذكر القرآن في الكثير من المواضع السماء والسموات، ويتساءل بعض الإخوة عن وجود هذه السموات وهل هي الكون أم الفراغ بين النجوم... فيما يلي وجهة نظر حول هذا الموضوع....
هذا السؤال يتكرر كثيراً حيث يقول أحد السائلين: أين هي السموات السبع؟ وإذا كان العلماء يتحدثون عن الفراغ بين النجوم وعن المجرات وعن الدخان والغبار الكوني وغيرها من نيازك ومذنبات وأشعة كونية... فأين السماء؟
القرآن يا أحبتي يفرِّق بين النجوم وبين السماء، يقول تعالى: (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ) [الملك: 5]. وهذا يعني أن السماء مزيَّنة بالنجوم، والسماء هي بناء محكم لأن الله يقول: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً) [البقرة: 22]. وهذا البناء شديد وقوي لأن الله يقول في آية أخرى: (وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا) [النبأ: 12]. أما المجرات والنجوم فهي تشكل نسيجاً تم حبكه بإحكام، وذلك لقوله تعالى: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ) [الذاريات: 7].
من هذه الصفات نستطيع أن نقول إن السماء ليست الفراغ بين المجرات، والسماء ليست الكون أو Universe بل هي بناء قوي يسيطر على الكون وتتوسطه النجوم والمجرات وتسبح عبره. وهذه المواصفات تنطبق على ما يعتقد العلماء بوجوده ويسمونه المادة المظلمة Dark Matter ويقولون إن الكون مليء بالمادة التي لا نراها وهي تشكل أكثر من 96 % منه، وهي قوية جداً وتشكلت مباشرة بعد نشوء الكون من الدخان والغازات الناتجة عن الانفجار الكبير.
ونحن نقول لا يوجد انفجار بل هو فتق ورتق كما حدثنا القرآن عن ذلك بقوله: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) [المؤمنون: 30]. فقد خلق الله الكون من كتلة ابتدائية واحدة ليدلنا على أن الخالق واحد! ثم انفلقت وتفتق عنها الذرات وتشكل الدخان الكوني الذي تكثَّف فيما بعد وشكل السماء والأرض بأمر الله تعالى، يقول عز من قائل: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [فصلت: 11-12].والقرآن يا إخوتي دقيق في تعابيره، فبعد تأمل طويل في آياته وجدتُ أن القرآن لا يأمرنا أن ننظر إلى السماء مباشرة بل أن ننظر إلى ما تحويه السماء، يقول تعالى: (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ) [يونس: 101]. وعندما يطلب من البشر أن يتأملوا السماء يأمرهم أن يدرسوا بناءها وكيف بُنيت، يقول تعالى: (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ) [ق: 6].
ولذلك يمكن القول:
1- السماء تحيط بالكون بل وتملأ الكون ولكننا لا نراها إنما نستطيع معرفة الكيفية التي بنيت بها، وكيف رفعها الله تعالى وفق قوانين الجاذبية المحكمة، وأن كل ما نراه هو النجوم والمجرات التي تزين السماء.
2- قد يتطور العلم يوماً ما ونتمكن من رؤية السماء، فلا يوجد آية تمنع من حدوث مثل هذا الأمر، والأمر مرهون بمشيئة الله تعالى القادر على كل شيء، فكما أنه عز وجل سمح للبشر أن يخرجوا خارج الغلاف الجوي كذلك قد يمكنهم من رؤية السماء، ولكنهم لن يستطيعوا الخروج من أقطارها، فالله تعالى يقول: ([img] إن كل الحقائق الكونية التي كشفها العلماء لا تتناقض أبداً مع ما جاء في القرآن الكريم. والسماء ذُكرت في 120 موضعاً، أما السموات فتكررت 190 مرة، والمجموع 310 مرات، وجميع الآيات جاءت متفقة مع العلم الحديث، فلا يوجد أي تناقض بشرط ألا نخلط بين مفهوم الكون (وهو كل شيء موجود من نجوم ومجرات وكواكب...) وبين مفهوم السماء وهي مادة قوية تشكل بناء محكماً وتنتشر في الكون
من اللطائف العددية
هناك أمر يستدعي الوقوف طويلاً، فلماذا جعل الله عدد السموات سبعاً؟ لماذا هذا العدد بالذات؟ لقد وجدتُ بعد بحث طويل أن الله تعالى أراد من وراء هذا العدد أن يعطينا إشارة خفية ودليلاً واضحاً على أنه هو خالق السموات السبع كما يلي:
- الله تعالى جعل عدد طبقات كل ذرة من ذرات الكون سبعاً، وبالتالي ليدلنا على أن مصمم الكون واحد، وهو نفسه خالق السموات السبع. فالذي اختار للذرة الرقم سبعة هو نفسه الذي اختار للسموات الرقم سبعة، فتأملوا هذه الإشارة الرائعة.
- إن عدد السموات سبع، والعجيب أن ذكر السموات السبع تكرر في القرآن بالضبط سبع مرات!! وتأملوا معي هذه الآيات:
1ـ (فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [البقرة : 29] .
2ـ (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ) [الإسراء : 44].
3ـ (قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) [المؤمنون : 86] .
4ـ (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ) [فصلت : 12] .
5ـ (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ) [الطلاق : 12] .
6ـ (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقاً) [الملك : 3] .
7ـ (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقاً) [نوح : 15] .إن هذا التوافق بين عدد السموات السبع وبين عدد مرات ذكرها في القرآن، ليدل دلالة قطعية على أن خالق السموات السبع هو نفسه منزل القرآن!!
عمروعبده 21-02-2011, 09:11 PM انكسار الأشعة الضوئية
انكسار الأشعة الضوئية
قال تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً) (الفرقان:46)
فالظل هنا هو الظل بمعناه العام ، سواء كان ظل حيوان أو نبات أو جماد بما في ذلك الليل الذي هو ظل الأرض .
تدعو الآية الكريمة أن نرى صنع الله الذي أتقن كل شيء صنعه ، فيما نرى ، في الظل . فهو الذي خلقه و خلق أسبابه و مده ، و لو شاء سبحانه لغير في أسبابه فجعله ساكناً لا يتحول و لا يزول ، كما يحدث في بعض الكواكب ، كعطارد مثلاً ، ذلك الكوكب القريب من الشمس ، و الذي يقابلها بوجه واحد فقط . فنهاره نهار أبدي ، و ليله ليل أبدي ،و الظل فيه ساكن .
و جعل سبحانه الشمس دليلاً على الظل فبها عرف و بها حدد .
ثم يعرض سبحانه واحدة من آياته في الآفاق . و إحدى معجزات هو الظل لعصرنا : " ثم قبضناه إلينا قبضاً يسيراً".
و يجب أن ننتبه هنا إلى أن الظل الذي ( قبضناه قبضاً يسيراً) هو الظل الذي دليله ضوء مصباح مثلاً ، أو ضوء نار ،لا يدخل في حكم الآية .
إن الله سبحانه لم يترك الظل الناتج في الأرض عن الشمس على امتداده الذي كان من الممكن أن يكون عليه . بل قبضه قليلاً ،و جعله أصغر أو أقل من ذلك .
لتفسير الآية و فهمها جيداً ، يجب أن ندرس حادثة انكسار الأشعة عندما تمر من وسط إلى آخر مختلف الكثافة .
ـ تسير الأشعة الضوئية بخطوط مستقيمة ما دامت في وسط متجانس ذي كثافة ثابتة ، حتى إذا صادفت طبقة أخرى مختلفة الكثافة ، اجتازتها ـ إن كان ذلك ممكنا ً ـ بعد أن ينحرف خط سرها انحرافاً يتناسب مع الفرق بين الكثافتين .
أظن أن كل واحد منا رأى هذه الحادثة عندما رأى صدفة ، أو غير صدفة ، قضيباً موضوعاً بشكل مائل في الماء ، و القسم الأعلى منه بارز في الهواء ، فإن سحبه من الماء وجده مستقيماً و إن أرجعه وجده معقوفاً . و لعل البعض لم يستطع أن يجد تعليلاً لهذه الحادثة .
إن تعليلها هو أن الأشعة تنحرف عندما تنتقل من الماء إلى الهواء بسبب اختلاف الكثافتين ، فيظهر القضيب و كأنه معقوف .
نعود إلى الظل الذي دليله الشمس .
ينبعث الضوء من الشمس ، و يسير عبر الفراغ الكوني بخطوط مستقيمة ، حتى إذا اصطدم بعضه بالهواء الأرضي ، ذي الكثافة العالية بالنسبة للفضاء ، انحرف ليسير في خط مستقيم آخر يشكل خط سيره في الفراغ زاوية ما .
هكذا يظهر لنا بوضوح كيف ان حادثة الانكسار سبب قبض الظل قبضاً يسيراً .
المرجع :
الإسلام و الحقائق العلمية تأليف محمود القاسم دار الهجرة بيروت
عمروعبده 21-02-2011, 09:12 PM شبهة: سجود الشمس تحت العرش
نحاول الإجابة عن سؤال أو شبهة طالما رددها الملحدون في حديث النبي عليه الصلاة والسلام حول سجود الشمس تحت العرش، لنقرأ......
إنها شبهة أثارها أعداء الإسلام بهدف التشكيك في صدق نبينا عليه الصلاة والسلام، فقالوا إن الشمس تجري بقوانين كونية محكمة، ومع أننا نراها تغرب وتتحرك إلا أن الحقيقة أن الأرض هي التي تدور حولها. لقد شككوا بصدق حديث النبي الأعظم عندما قال لأبي ذر حين غربت الشمس: (أتدري أين تذهب)، فيقول أبو ذر: الله ورسوله أعلم، فيقول الحبيب: (فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فذلك قوله تعالى: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [يس: 38]، والحديث رواه البخاري.
إن المؤمن يؤمن بكل ما جاء عن الله وعن رسوله، وأول صفة للمتقين أوردها الله في كتابه هي: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) [البقرة: 2]، فقد حدثنا الله عن كثير من الأشياء الغيبية مثل الجن والملائكة والقيامة والجنة والنار ومعجزات الأنبياء، وكل هذه الأشياء لا يوجد إثبات علمي ملموس عليها، فهل ننكرها كما يفعل الملحدون؟
إن العلم لم يصل إلى نهايته، بل كلما كشف العلماء حقيقة علمية جديدة زاد إحساسهم بجهلهم أكثر وتبين لهم أن الكون أعقد مما كانوا يظنون، وقد يكشف العلماء حقائق حول سجود الشمس في المستقبل، وبالتالي نكون أمام دليل مادي ملموس على صدق قول النبي عليه الصلاة والسلام.
http://amalislam.com/userimages/415289999.JPG
لقد أراد النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم أن يذكرنا بأن هذه الشمس هي مخلوق من مخلوقات الله يسجد له ولا يعصي أمره، لقد صحح المعتقدات السائدة في زمنه حيث كان الناس يعتقدون أن الشمس هي إله فيسجدون لها. ولو كان النبي يريد الشهرة أو المال كما يدَّعون لكان الأجدر به أن يقرَّ قومه على شركهم وعقيدتهم الفاسدة في ألوهية الشمس، ولكنه رسول من عند الله.
ولكن الحديث يؤكد على سجود الشمس وأنها تجري في فلكها وهي ساجدة لخالقها تعالى. ويمكننا أن نفهم هذه النقاط لنتمكن من فهم الحديث أكثر:
1- إن كل شيء يسجد لله وبالتالي فإن الشمس تسجد لله في كل لحظة، وهذا لا يتناقض مع نص الحديث، بل إن النبي الأعظم عندما قال: (فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش) يعني أن الشمس في رحلتها تبقى ساجدة، فالعرش يحيط بالكون كله من جميع جوانبه، فأينما تكون الشمس فهي تحت العرش، وكل المخلوقات هي تحت العرش أيضاً!
2- إن عمل الشمس الدائم في توليد الطاقة والحرارة هو امتثال لأمر الله وسجود له، والله تعالى يقول: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) [الحج: 18].
3- إن أفضل طريقة للرد على المشككين في مثل هذه الشبهات أن نزداد إيماناً ويقيناً وتمسكاً بهذا الدين، ولا نفسح مجالاً لهم أن يشككوا في ديننا الحنيف، فالله تعالى يريد أن يختبر إيماننا وصدقنا وثقتنا به، فالمؤمن لا يطلب الدليل الملموس على كل شيء، بل لسان حاله يقول: (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) [آل عمران: 7]. وليس ضرورياً أن نأتي بالدليل العلمي على كل شيء.
فلو جاء ملحد وأنكر وجود الملائكة وطلب الدليل العلمي، فما هو العمل؟ ببساطة نقول إننا نؤمن بكل ما جاء في القرآن والسنة، فإذا كان هناك دليل علمي زادنا إيماناً وتسليماً، وإذا لم يوجد دليل علمي فهذا لن يؤثر في إيماننا. ولذلك فإن أول صفة للقرآن وردت هي (لَا رَيْبَ فِيهِ) وأول صفة للمتقين وردت هي (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) فتأملوا معي هاتين الصفتين:
1- القرآن لا ريب فيه أي لا شك فيه.
2- المتقون يؤمنون بالغيب أي بالأشياء غير الملموسة والتي لا يوجد عليها دليل مادي.
ولكن الله تعالى أودع في كتابه الكثير من المعجزات العلمية لتثبتنا على الحق، وترك أشياء ليختبر صدق إيماننا، فلو قدم الله لنا الدليل المادي على كل شيء فما فائدة الإيمان إذاً، وكيف نتميز عن الملائكة أو عن الجمادات، فهذه لا تعصي أمر خالقها لأنها ليست مخيرة، ولكن الله أعطانا حرية الاختيار، ولذلك قال في أول سورة العنكبوت: (الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ * أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ * مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآَتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) [العنكبوت: 1-6].
ملاحظة:
أرسل لي أحد الإخوة الأفاضل مقالة تفسر حديث النبي في سجود الشمس تحت العرش، ووجدتُ شيئاً مفيداً وهو أنه إذا جاء أحد الملحدين وذكر هذا الحديث وقال إنه يخالف العلم، نقول له: إن الحديث يحوي حقيقتين الأولى علمية والثانية غيبية!
فقد اشتمل الحديث عن حقيقة علمية تؤكد بأن الشمس في رحلتها فإنها تسجد، وهذا ما نراه حولنا من نظام ودقة في عمل الشمس، لأن سجود الشمس ليس كسجود البشر، بل سجودها هو امتثالها لأمر الله وما أودعه فيها من قوانين كونية لا تحيد عنها.
أما الحقيقة الثانية فهي حقيقة غيبية تؤكد سجود الشمس تحت العرش، والعرش هو أمر غيبي مجهول بالنسبة لنا، لا نعرف مكانه ولا طبيعة مادته ولا حجمه ولا شكله... ولذلك فإننا نرتكب خطأً عندما نفسر حقيقة غيبية بحقيقة علمية، ينبغي أن نميز بينهما، فنحن نعلم حجم الشمس ومادتها وآلية عملها وسرعة جريانها وغير ذلك بدقة تامة، أما ما يتعلق بالعرش فليس لدينا علم حوله، وبالتالي نقول إن هذا الحديث صحيح ونحن كمسلمين نؤمن به كإيماننا بالله تعالى.
ملاحظة ثانية:
هناك الكثير من الأمور التي تشتبه على بعض الناس، والملحدون يسعون دائماً للحديث عن المتشابهات في القرآن، يقول تعالى: (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) [آل عمران: 6- 7]، ولذلك يجب أن ننتبه من مثل هذه الأقاويل التي يسوقها المشككون حول كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلة والسلام، وأقول إن أفضل طريقة للرد على المشككين أن نظر لهم تمسكنا وإيماننا بالله تعالى وهذا أمر يجعلهم أكثر ضعفاً وارتباكاً.
وقد علَّمنا الله دعاء عظيماً يمكن أن ندعو به عندما نجد أي شك أو ارتياب أو تساؤل لا نجد إجابة له، مثلاً إذا كان الله خلق كل شيء فمن خلق الله؟ لماذا خلق الله البشر ثم يعذبهم؟ لماذا خلق الله الشر والمرض وجهنم... وغير ذلك من الأسئلة التي يسوقها الشيطان ليشككنا في ديننا. نقول: (آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا)، ولذلك علمنا الله دعاء عظيماً وهو: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) [آل عمران: 8].
مسترسمير إبراهيم 21-02-2011, 09:13 PM جزاكم الله كل الخير أستاذ عمرو عبدة
نفعك الله تعالى بالعلم وزادك من فضلة
مع خالص التحية
عمروعبده 21-02-2011, 09:15 PM السقف المحفوظ
السقف المحفوظ
يلفت الله سبحانه وتعالى من خلال القرآن الكريم انتباهنا إلى خاصية مهمة من خصائص السماء في قوله : (وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ) (الأنبياء:32)، هذه الخاصية قد أثبتتها الأبحاث العلمية التي أجريت في القرن العشرين .
طبقة الماغناتوسفير تتشكل من حقول الأرض المغناطيسية و تشكل درعاً واقيا للأرض من الأجرام السماوية و الأشعة الكونية و الجزيئات الضارة . في الصورة أعلاه يمكن مشاهدة طبقة الماغناتوسفير و حزام فان الن . هذه الأحزمة التي تعلو الأرض بمسافة آلاف الكيومترات تحمي الكائنات الحية منا الطاقة التي عرفتها عليها القرآن الكريم منذ 1400عام من خلال قوله تعالى : " وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً
فالغلاف الجوي الذي يحيط بالأرض يؤدي وظائف ضرورية لاستمرارية الحياة ، فهو حين يدمر الكثير من النيازك الكبيرة و الصغيرة فإنه يمنعها من السقوط على سطح الأرض و إيذاء الكائنات الحية .
بالإضافة إلى ذلك فإن الغلاف الجوي يصفي شعاع الضوء الآتي من الفضاء المؤذي للكائنات الحية . و الملفت أن الغلاف الجوي لا يسمح إلا للإشعاعات غير الضارة مثل الضوء المرئي و الأشعة فوق البنفسجية و موجات الراديوا بالمرور . و كل هذه الإشعاعات أساسية للحياة .
هذه الصورة التوضيحية تظهر النيازك و هي على وشك الارتطام بالأرض إن كل الأجرام السماوية التي تسبح في الفضاء قد تشكل تهديداً خطيراً على الأرض ولكن الله سبحانه وتعالى الذي خلقها بأكمل خلق جعل الغلاف الجوي سقفاً حامياً لها . و بفضل هذه الحماية الخاصة فإن معظم النيازك لا تؤذي الأرض ، إذ أنها تتفتت في الغلاف الجوي
فالأشعة فوق البنفسجية التي يسمح بمرور ها بشكل جزئي فقط عبر الغلاف الجوي ، ضروري جداً لعملية التمثيل في النباتات و لبقاء الكائنات الحية على قيد الحياة غالبية الإشعاعات فوق البنفسجية المركزة التي نبتعد من الشمس يتم تصفيتها من خلال طبقة الأوزون في الغلاف الجوي و لا تصل إلا كمية محدودة و ضرورية من الطيف فوق البنفسجي إلى الأرض.
هذه الوظيفة الوقائية للغلاف الجوي لا تقف عند هذا الحد بل إن الغلاف الجوي يحمي الأرض من برد الفضاء المجمد الذي يصل إلى 270 درجة مئوية تحت الصفر .
و ليس الغلاف الجوي فقط هو الذي يحمي الأرض من التأثيرات الضارة ، فبالإضافة إلى الغلاف الجوي فإن ما يعرف بحزام فان ألن وهو طبقة نتجت عن حقول الأرض المغناطيسية ، تشكل درعاً واقياً من الإشعاعات الضارة التي تهدد كوكبنا . هذه الإشعاعات ( التي تصدر عن الشمس و غيرها من النجوم باستمرار ) مميتة للكائنات الحية . و لولا وجود حزام فان ألن ، لكانت الانفجاريات العظيمة للطاقة المسماة التموجات أو الانفجارات الشمسية ( التي تحدث بشكل دائم في الشمس ) قد دمرت الأرض .
الصورة أعلاه تعود إلى فجوة أحدثها سقوط أحد النيازك في أريزونا في الولايات المتحدة الأميركية .ولولا وجود الغلاف الجوي لسقطت ملايين النيازك على الأرض جاعلة منها مكاناً غير قابل للعيش فيه . ولكن خاصية الحماية التي يتمتع بها الغلاف الجوي تسمح للكائنات بالبقاء آمنة على قيد الحياة . و هذا بالطبع من لطف الله بالناس ، و معجزة كشف عنها القرآن الكريم .
يقول دكتور هوغ روس عن أهمية حزام فان آلن ما يأتي :" في الحقيقة إن الأرض تملك كثافة أعلى من كل ما تملكه باقي الكواكب في النظام الشمسي ، و هذا القلب الغظيم للأرض المكون من الحديد و النيكل هو المسؤول عن الحقل المغناطيسي الكبير ، و هذ1 الحقل المغناطيسي هو الذي ينتج درع إشعاعات فان آلن الذي يحمي الأرض من الإنفجارات الإشعاعية . ولو لم يكن هذا الدرع موجوداً لما كانت الحياة ممكنة على سطح الأرض .و لا يملك مثل هذا الدرع سوى الأرض و كوكب المريخ الصخري ، ولكن قوة حقله المغناطيسي أقل بمائة مرة من قوة حقل الأرض المغناطيسي ، وحتى كوكب الزهرة المشابه لكوكبنا ليس لديه حقل مغناطيسي . إن درع فان آلن الإشعاعي هو تصميم فريد خاص بالأرض [1].
إن الطاقة التي ينقلها انفجار واحد فقط من هذه الانفجاريات التي تم حساب قوتها مؤخراً تعادل قوة مائة بليون قنبلة ذرية شبيهة بتلك التي ألقيت فوق هيروشيما . بعد خمس و ثمانين ساعة من انفجارها لوحظ أن الإبر المغناطيسية في البوصلة أظهرت حركة غير عادية ، ووصلت الحرارة فوق الغلاف الجوي على ارتفاع مائتين وخمسين كيلومتراً إلى 1500درجة مئوية .
و باختصار فإن هناك نظاماً متكاملاً يعمل فوق الأرض و هو يحيط عالمنا و يحميه من التهديدات الخارجية . إلا أن العلماء لم يعلموا بوجوده إلا مؤخراً ، ولكن الله سبحاه و تعالى أخبرنا منذ قرون بعيدة من خلال القرآن الكريم عن غلاف الأرض الجوي الذي يشكل درعاً واقياً .
معظم الناس ينظرون إلى السماء دون أن يتفكروا بأوجه الحماية التي يوفرها الغلاف الجوي . و عادة لا يفكرون في الحال التي يكون عليها العالم لولا وجود هذا الغلاف .
و حين تنتقل بالحديث عن الأرض نجدها ملائمة تماماً للحياة البشرية ، عندما ننفذ من الغلاف الجوي إلى الفضاء الخارجي نصادف فيه برودة شديدة تصل 270درجة تحت الصفر ، حمي منها العالم بفضل الغلاف الجوي .
الطاقة التي تنتجها الشمس تتفجر كقنبلة هائلة يصعب على العقل البشري تصور مداها . فانفجار واحد كقنبلة هائلة يصعب على العقل البشري تصور مداها . فانفجار واحد يساوي مائة بليون قنبلة ذرية مشابهة لتلك التي ألقيت على مدينة هيروشيما . إن العالم محمي من الآثار الهدامة لمثل هذه الطاقة بفضل الغلاف الجوي و حزام فان الن .
المرجع : كتاب معجزة القرآن الكريم تأليف هارون يحيى
عمروعبده 21-02-2011, 09:18 PM حركة القمر وولادته
و القمر قدرناه منازل
المتأمل في نظام الكون و حركاته ، ينقلب إليه البصر خاسئاً و هو حسير ، إذ لا يجد في هذه الحركات و الأفلاك إلا النظام التام و الدقة الكاملة يقول تعالى :
(الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ {3} ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ {4}[ سورة الملك ].
و المتأمل في نظام الشمس و القمر و الأرض ، لا يلبث أن تأخذه الدهشة و الذهول من تلك الأجرام المتحركة في تقدير عجيب و توافق غريب ، و ما ينشأ عن ذلك من ظواهر الليل و النهار ، و الشروق و الغروب ، و تطورات الهلال من محاق إلى هلال إلى بدر ، ثم ظواهر الخسوف و الكسوف ، و ما يرافقها من رهبة و دهشة ، و تضرع و إذعان . فمن هذا الذي خلق هذا الكون كله و قدره تقديراً ، و قرر أنظمته تقديراً . سيقولون الله ، فقل أفلا تتقون ؟ يقول تعالى في سورة الرحمن : ( الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ {5} وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ {6} وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ {7}[سورة الرحمن ].
فكل ما خلق الله سبحانه من شمس و قمر ، و زرع و شجر ، وسماء و أرض ، بعيدة عن العجز و النقصان ، و الخلل و الطغيان .
و يقول سبحانه في (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ {38} وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ {39} لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ {40} [سورة يس ].
معلومات عامة عن القمر :
يأخذ القمر نوره من أشعة الشمس ، ثم يعود فيعكس على الكرة الأرضية ،بحيث ترى الأرض دائماً نفس الوجه من القمر .
يبعد القمر عن الأرض 356410كم ، ويصل بعده في أدنى اقتراب من الأرض 356400كم ، يبلغ قطره 3476كم ، و سرعته على مداره 3680 كم في الساعة . و حرارته القصوى 117 مئوية ، و حرارته الدنيا 162.7 تحت الصفر . أعلى جبل فيه هو قمة ديورفيف في القطب الجنوبي القمر ، ويبلغ ارتفاعه 10.5كم بالنسبة إلى سطحه .
منازل القمر :
يتحرك القمر باعتباره تابعاً للأرض ، يتحرك حول الأرض فيتم دورته حولها في مدة تقارب 29.5يوماً . و هو ما يسمى بالشهر القمري أو العربي ، لتفريقه عن الشهر الشمس أو الغربي ، الذي مدته حوالي 30.5يوماً ، و هو مشتق من حركة الأرض حول الشمس ، التي تتم في اثني عشر شهراً شمسياً ، و تقدر بحوالي 365يوماً ، و هي السنة الشمسية . أما السنة القمرية التي تعادل اثني عشر شهراً قمرياً فتقدر بحوالي 354يوماً.
و لو كانت الأرض لا تدور حول نفسها ، لرأينا القمر يسير ببطء زائد ، حتى أنه يدور دورة واحدة فقط حول الأرض في مدة 29.5يوماً . و لكن حركة الأرض حول نفسها تجعلنا لا نلحظ مقدار حركة القمر الصحيحة إلا إذا راقبناه يومياً في نفس الوقت ، مثلاً عند الغروب ، فبمقدار ما يكون قد علا على الأفق يكون مقدار مسيره الحقيقي . و بما أنه يتم دورته الكاملة في حوالي 30يوماً ، و هي تعادل على الأرض 24ساعة ، إذن يتأخر غروب القمر كل يوم عن اليوم السابق بمقدار 30/24من الساعة أي 5/4 الساعة ’ أي نحو 48دقيقة ، أي بمعدل ثلاثة أرباع الساعة كل يوم تقريباً .
و هذا الارتفاع التدريجي للقمر نحو كبد السماء باتجاه الشرق يوماً بعد يوم ، يسمح له باظهار نصفه المضيء بالتدريج ، الذي يستمد نوره من الشمس بالنسبة للأرض ، والأرض بينهما تقريباً ، و ظهر بدراً كاملاً يطلع من الشرق عند المغرب . ثم بعد نصف الشهر ينتابه النقصان من جديد حتى يعود إلى المحاق ، حيث يقع بين الشمس و الأرض ، ويكون وجهه المضيء تجاه الشمس ، ووجهه العاتم تجاه الأرض.
ولبيان منازل القمر و كيف يصير هلالاً بعد المحاق ، قال سبحانه مصرواً ذلك (و القمر قدرناه منازل حتى ....
أي حتى صار كالعرجون القديم ، و هو عرق النخل الذي تشكل منذ عام أو أكثر ، فالهلال يكون مقوساً مثله .
ما معنى ولادة القمر علمياً :
و الآن نتساءل كيف يلد القمر ، و كيف يتحول إللا هلال ثم بدر ؟ إن القمر أثناء دورانه حول لأرض يمر بوضعية ينطبق فيها ظاهرياً على الشمس ، و هذا يوافق المحاق . فإذا علا قليلاً عنها بالنسبة للناظر من الأرض قلنا أنه ولد ( أنظر الشكل التالي ) لأن الجزء السفلي من وجهة المضيء يبدأ بالظهور . وفي هذه الحالة نحصل على الهلال بشكل حرف (ن) . لكن هذا لا يحدث إلا نادراً ، و ذلك عندما تقع الأرض والقمر و الشمس على استقامة واحدة ، و هي حالة كسوف الشمس . أما في الحالة العامة فيكون القمر منزاحاً إلى أحد جانبي الشمس . ففي بلادنا يكون منزاحاً إلى جهة يسار الناظر (جنوب ) .
فإذا صار القمر أثناء دورانه على خط أفقي واحد مع الشمس يكون في المحاق .
و بمجرد انزياحه عن هذه الوضعية و ارتفاعه عن أفق الشمس ، يبدأ طرفه المضيء بالظهور و نقول أن القمر قد ولد . ويكون شكل الهلال عندها مثل الحرف (ر) .
بيد أن العين البشرية لا تستطيع رؤية القمر بعد ولادته إذا كان عمره أقل من ثماني ساعات ، وذلك لشدة قربه من الشمس و تأثير ضوئها على وضوحه . وبما أن الولادة للقمر متعلقة برؤيته ، فإذا التمسنا القمر عند غروب الشمس و كان عمره أكثر من ثماني ساعات و استطعنا رؤيته نقول إنه ولد شرعاً.
القمر ساعة كونية :
فانظر في هذه الآية الربانية و المعجزة الإلهية ( القمر ) كيف خلقها الله وسواها ، و أحكم صنعها وسيرها .
لا بل انظر إلى هذه الساعة الكونية التي تبزغ في سمائنا كل يوم متزايدة في نورها ، لتعطينا تأريخا شهرياً منتظماً دورته ، 30 يوماً تقريباً ، فبما أن القمر يكتمل نوره 16 يومأً تقريباً ، فإن إضاءة نصفه تعادل 8 أيام تقريباً و إضاءة ربعه تعادل 4 أيام تقريباً و هكذا .. فمن نظرة سريعة إلى الجزء المضيء من القمر نستطيع معرفة التأريخ الشهري القمري بخطأ لا يتجاوز اليوم الواحد .
و قد أشار سبحانه إلى هذه النعمة و المعجزة بقوله :
هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ {5}[سورة يونس ].
الفرق بين السنة الشمسية و السنة القمرية :
ذكرنا أن السنة الشمسية تعادل 365 يوماً ، و أن السنة القمرية تعادل 354 يوماً ، الفرق بينهما 365 – 354 = 11 يوماً .
و يتراكم هذا الفرق مع توالي السنين ( كل سنة 11يوماً ) ، فيصبح كل ثلاثة سنوات شهراً تقريباً ، فذا وقع أول المحرم في أول نيسان مثلاً فبعد ثلاث سنوات يصبح أول المحرم في أول آذار ، و بعد ثلاثة سنوات في أول شباط .. و هكذا يتراجع إلى الوراء شهراً كل ثلاث سنوات . و يعود التطابق بين التقويمين الشمسي و القمري كل 33 سنة حيث أن كل 32 سنة شمسية تعادل 33 سنة قمرية ، بفرق يومين فقط . أي يعود الوضع النسبي بين الشمس و القمر و الأرض متماثلاً كل 33سنة . و من هذا المنطلق لا حظ علماء الجو أن الأحوال الجوية التي تطرأ على الأرض تحدث على نمط متشابه كل 33سنة فإذا حصل قحط على الأرض ، فإنه يحدث قحط مشابه له بعد 33سنة .
وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا التعادل بين السنة الشمسية و السنة القمرية ، و أنه كلما مضى مائة سنة شمسية تمضي 103 سنة قمرية ، أي بزيادة ثلاثة سنوات كل مائة سنة ، و ذلك في معرض حديثه عن أهل الكهف حيث قال عن مدة لبثهم في الكهف .
( وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا {25} [سورة الكهف ].
فإذا حسبنا المدة على حساب السنة الشمسية تكون 300سنة ، و إذا حسبنا ها على السنة القمرية تكون 309 أي بفارق تسع سنين .
فسبحان من سير النجوم في أفلاكها ، وقدر سرعتها و سنواتها ، و هو العالم بحركاتها ، تبارك الله أحسن الخالقين .
المصدر : كتاب " الله و الإعجاز العلمي في القرآن " تأليف لبيب بيضون ماجستير في العلوم
عمروعبده 21-02-2011, 09:24 PM و السماء ذات الحبك
والســماء ذات الحبك
قال تعالى : (والسماء ذات الحبك* إنكم لفي قول مختلف* يؤفك عنه من أفك* قتل الخراصون*الذين هم في غمرة ساهون* يسألون أيان يوم الدين* يوم هم علي النار يفتنون* ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون) ( الذاريات:7 ـ14).
يستهل ربنا الله تعالى سورة الذاريات بالقسم بعدد من آياته الكونية, الدالة علي طلاقة قدرته, وكمال علمه, وتمام حكمته, وشمول سلطانه علي أن ما وعد به خلقه من البعث والحساب, هو وعد صادق, وأن الجزاء علي كل ما يفعله العبد في هذه الحياة الدنيا أمر محقق, واقع, لا فكاك منه, ولا هروب عنه...!!!
ثم يعاود ربنا( تبارك وتعالى ) القسم مرة أخري, في نفس السورة بالسماء ذات الحبك علي أن الناس ـ بصفة عامة ـ وكفار قريش ـ بصفة خاصة ـ مختلفون في أمور الدين اختلافا كبيرا, وذلك لانطلاقهم فيه من منطلق التخرصات والظنون, والخلط بين ميراث البشرية من بقايا الهدايات الربانية القديمة, والانحرافات البشرية المبتدعة عن بواعث الهوى والضلال, فقد كان كفار قريش يعترفون بأن الله( تعالى ) هو خالق السماوات والأرض, وخالق كل شيء, ولكنهم كانوا في نفس الوقت يعبدون الأصنام بدعوى أنها تقربهم إلى الله زلفى, وبزعم أنها تشفع لهم عند الله( تعالى ), كما كانوا يعرفون عن سيدنا محمد( صلي الله عليه وسلم) أنه الصادق الأمين, وصاحب الخلق العظيم, ولكن تغير حكمهم فجأة حين جاءهم بوحي السماء, فألقوا عليه من التهم الباطلة ما يتنافى مع كل ما عرفوه عنه فاتهموه( شرفه الله تعالى وكرمه) بالسحر, والشعوذة, وبالشعر, والكهانة, بل بالجنون, وكان ذلك كله في محاولة يائسة لصرف الناس عن التوحيد الخالص لله الخالق ـ بغير شريك ولا شبيه ولا منازع ـ وعن التسليم لهذا الدين الخاتم, ومن ركائزه الإيمان بحتمية البعث والحساب,
ثم الخلود في حياة أبدية قادمة, إما في الجنة أبدا أو في النار أبدا...!!
وصرف الناس عن الحق إضلال لهم, وهدر لحياتهم, وإفشال لدورهم في هذه الحياة, ومن هنا كانت جريمة من أفظع الجرائم وأقبحها عند الله, ولذلك وصفها( تبارك وتعالى ) بـ الإفك, وهو صرف الشيء عن وجهه الذي يحق أن يكون عليه من مثل الانصراف عن الحق إلى الباطل في الاعتقاد, وعن الصدق إلى الكذب في المقال, وعن الجميل إلى القبيح في الأفعال...!!!
ومن هنا, كان التعبير بـ المأفوك في اللغة عمن صرف عقله, أي ضاع عقله منه, فأصبح فاقد العقل والمنطق. ومن هنا أيضا كان هذا القسم القرآني:
(والسماء ذات الحبك* إنكم لفي قول مختلف* يؤفك عنه من أفك* قتل الخراصون*الذين هم في غمرة ساهون* يسألون أيان يوم الدين* يوم هم علي النار يفتنون* ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون) ( الذاريات:7 ـ14).
ومعني ذلك أن الكافرين في قول مختلف, مضطرب, وحيرة بالغة, وقلق دائم, وأوهام مفزعة, وظنون مضيعة في أمر الدين ـ بصفة عامة ـ وفي أمر الآخرة ـ بصفة خاصة ـ وما تستلزمه من بعث وحساب, وجنة ونار...!!!
ومع التسليم الكامل بأن الله( تعالى ) غني عن القسم لعباده, وبأن القسم إنما يأتي في القرآن الكريم من قبيل تنبيهنا إلى أهمية الأمر المقسوم به في تنظيم الكون, واستقامة الحياة علي الأرض, أو فيهما معا يبقي السؤال: ما المقصود بـالسماء ذات الحبك التي استوجبت هذا القسم القرآني العظيم؟
وللإجابة علي ذلك, نبدأ بشرح المدلول اللغوي للفظة الحبك
الحبك في اللغة العربية
لفظة( الحبك) مستمدة من الفعل( حبك), بمعني شد وأحكم يقالhttp://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png حبك) الأمر( يحبكه)( حبكا), كما يقالhttp://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png أحبك) الأمر( يحبكه)( حبكا) و(إحباكا) أي شده وأحكمه.
ويقالhttp://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png حبك) النساج الثوب, أي أجاد نسجه, و(حبك) الحائك الثوب أي أجاد صنعه, وضبط أبعاده, فالأمر( المحبوك) المحكم الصنعة, وكذلك( الحبيك) و(الحبيكة) أي( المحبوك) و(المحبوكة), قال ابن الأعرابي: كل شيء أحكمته وأحسنت عمله فقد( أحبكته).
كذلك يقال في اللغةhttp://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png حبك) الأمر( يحبكه)( تحبيكا), أي وثقه وشدده ويقالhttp://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png تحبك) ثوبه أي التف به وشد( الحبكة), و(احتبك) الثوب أي( حبكه) حول جسده, و(احتبك) بالإزار أي احتزم به, و(الحبكة) هي مشد الإزار أو ما يشد به الوسط, و(المحبك) هو مكان شد الإزار من الجسم, و(الاحتباك) شد الإزار, و(الحبكة) والحبيكة تطلق علي الحظيرة تكون بقصبات تعرض ثم تشد أو هي الطريقة في الرمل ونحوه اذا هبت عليه رياح لطيفة أو أمواج متحركة, والجمع( حباك) و(حبك) و(حبائك), فالتموجات التي تظهر علي صفحة الرمل اذا هبت عليه الرياح أو جرت عليه التيارات المائية تسمي( حبكا) و(حبائك) ومفردها( حبيكة) أو ما يطلق عليه إلى وم اسم علامات النيم, ودرع الحديد لها حبك.
و(الحبيكة) وجمعها( حبائك) و(حبك) هي الطريق من خصل الشعر ونحوه, فالشعرة الجعدة تكسرها( حبك), وفي حديث الدجال أن شعره( حبك), وعلي ذلك يقال: فلان رأسه( حبك) أي شعر رأسه متكسر من الجعودة.
وقد جاءت لفظة( الحبك) في القرآن الكريم مرة واحدة فقط, وذلك في قول الحق( تبارك وتعالى ): والسماء ذات الحبك*
ومن الاستعراض اللغوي السابق, يتضح أن من معاني ذلك:
1 ـ السماء ذات الصنع المحكم والإبداع في الخلق. 2 ـ السماء ذات الروابط الشديدة والنسيج المحكم. 3 ـ السماء ذات التباين الواضح في كثافة المادة المكونة لها. 4 ـ السماء ذات المدارات المحددة لجميع الأجرام الجارية فيها.
آراء المفسرين
في تفسير القسم القرآني: والسماء ذات الحبك ذكر ابن كثير( يرحمه الله) قول ابن عباس( رضي الله تبارك وتعالى عنهما): ذات الحبك أي ذات الجمال والبهاء, والحسن والاستواء, أي ذات الخلق الحسن المستوي, وهو ما قال به أيضا كل من مجاهد, وعكرمة, وسعيد بن جبير, والسدي, وقتادة وغيرهم من قدامي المفسرين( يرحمهم الله جميعا).
كذلك أشار ابن كثير إلى قول الضحاك( يرحمه الله): الرمل والزرع اذا ضربته الريح فينسج بعضه بعضا طرائق طرائق, فذلك الحبك, وإلى قول أبي صالح( يرحمه الله) ان ذات الحبك أي ذات الشدة, وإلى قول خصيف( رحمة الله عليه) ان ذات الحبك, تعني ذات الصفاقة أي الشفافية والرقة, وإلى قول الحسن البصري( رضي الله عنه) أنها حبكت بالنجوم, وإلى قول عبدالله بن عمرو( رحمه الله): والسماء ذات الحبك, يعني السماء السابعة, ويلخص ابن كثير كل هذه الأقوال بأنها ترجع إلى شيء واحد وهو الحسن والبهاء كما قال ابن عباس( رضي الله تبارك وتعالى عنهما), فإنها من حسنها مرتفعة, شفافة, صفيقة, شديدة البناء, متسعة الأرجاء, أنيقة البهاء, مكللة بالنجوم الثوابت والسيارات, موشحة بالكواكب الزاهرات.
وذكر مخلوف( يرحمه الله) أن الله( تعالى ): أقسم بالسماء ذات الطرق التي تسير فيها الكواكب, وهي من بدائع الصنع, جمع( حبيكة), كطريقة وزنا ومعني, أو( حباك) كمثل ومثال, و(الحبيكة) و(الحباك): الطريقة في الرمل ونحوه, ويقالhttp://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png حبك) لما يري في الماء أو الرمل اذا مرت به الريح اللينة من التكسر والتثني, أو ذات الخلق السوي الجيد, من قولهم( حبك) الثوب( يحبكه)( حبكا), أجاد نسجه, وكل شيء أحكمته وأحسنت عمله فقد( احتبكته), وجواب القسم: إنكم لفي قول مختلف*....
وذكر صاحب الظلال( يرحمه الله): يقسم بالسماء المنسقة المحكمة التركيب, كتنسيق الزرد( أي الدرع) المتشابك المتداخل الحلقات..., وقد تكون هذه إحدى هيئات السحب في السماء حين تكون موشاة كالزرد, مجعدة تجعد الماء والرمل إذا ضربته الريح, وقد يكون هذا وضعا دائما لتركيب الأفلاك ومداراتها المتشابكة المتناسقة.
وذكر الصابوني( أمد الله في عمره) في شرح قول الحق( سبحانه وتعالى ):
والسماء ذات الحبك: أي وأقسم بالسماء ذات الطرائق المحكمة والبنيان المتقن.
السماء ذات الحبك في المفهوم العلمي
تفيد المعلومات المتوفرة عن الجزء المدرك من السماء الدنيا, أن لتلك السماء من الصفات مايلي:
(أ) أنها شاسعة الاتساع, عظيمة البناء, متقنة الخلق والصنعة.
(ب) أنها ذات ترابط محكم شديد في كل جزئية من جزئياتها.
(ج) أنها ذات كثافات متباينة في مختلف أجزائها.
(د) أنها ذات مدارات محددة لكل جرم من أجرامها, علي الرغم من تعاظم أعدادها واستمرارية سبحها.
(أ) والسماء ذات الحبك, بمعني ذات الإحكام في الخلق
يحصي علماء الفلك في الجزء المدرك من الكون مائتي بليون مجرة علي الأقل, وتتفاوت هذه المجرات في الشكل, وفي الحجم, وفي الكتلة, وفي سرعة الدوران حول محورها, وسرعة الجري في تباعدها عنا, وفي مراحل تطور نجومها, وفي ميلاد تلك النجوم واندثارها, فمنها المجرات البيضانية, والحلزونية, وغير المنتظمة والغريبة في الشكل, ومنها المجرات القزمة( التي لا يكاد قطرها يتعدى3200 سنة ضوئية), ومنها المجرات العملاقة( التي يصل طول قطرها إلى 750,000 سنة ضوئية), وتقدر كتلة أصغر المجرات المعروفة لنا بنحو مليون مرة قدر كتلة شمسنا, بينما تصل كتلة أكبر المجرات المعروفة لنا بنحو تريليون( أي مليون مليون) مرة قدر كتلة شمسنا, وتبلغ كتلة مجرتنا( الطريق اللبني) حوإلى 230 بليون مرة قدر كتلة شمسنا.
وتتجمع المجرات في مجموعات محلية (LocalGroups)
تضم العشرات من المجرات (Galaxies),
وتلتقي المجموعات المحلية في وحدات أكبر تسمي باسم التجمعات المجرية GalacticClusters),
التي تضم مئات إلى عشرات الآلاف من مختلف أنواع المجرات, والتي تعرف العلماء علي آلاف منها, وتلتقي تلك في وحدات أكبر تعرف باسم
( المجموعات المحلية العظمي) (TheLocalSupergrups)
التي تتجمع بدورها في وحدات أكبر تعرف باسم التجمعات المجرية العظمي
(GalacticSuperclusters)
والتي تحوي مائة تجمع مجري, وقد حصي علماء الفلك منها16 تجمعا في مسافة تقدر بحوالي عشرين بليون سنة ضوئية منا, وترتقي التجمعات المجرية العظمي إلى وحدات أعظم, تعرف باسم تجمعات التجمعات المجرية العظمي (ClustersofGalacticSuperclusters)
إلى نهاية لا يعلمها إلا الله( تعالى ).
أ ـ شدة تماسك أجزاء السماء من مرحلة الايونات إلى مرحلة الذرات إلى بداية الاندماج النووى وتخليق العناصر وتكون المجرات
ب ـ مدارات كواكب المجموعة الشمسية شديدة الاحكام
والتجمع المجري الأعظم الذي تنتسب إلى مجرتنا يضم مائة من التجمعات المجرية علي هيئة قرص يبلغ قطره مائة مليون من السنين الضوئية, وسمكه عشر ذلك( أي عشرة ملايين من السنين الضوئية) وهي نفس النسبة بين طول قطر مجرتنا وسمكها.
وقد اكتشف مؤخرا تجمع مجري عظيم يبلغ طوله بليون ونصف البليون من السنين الضوئية, ومائتي مليون سنة ضوئية في أقصر أبعاده.
وتدرس السماء الدنيا في شرائح تقدر أبعادها بحوالي150 مليونا*100 مليون*15 مليونا من السنين الضوئية, ووصل أطولها إلى 250 مليون سنة ضوئية, وتسمي باسم الحائط العظيم (TheGreatWall)
وبعد إطلاق القمر الصنعي المعروف باسم مستكشف الخلفية الإشعاعية للكون في سنة1989 م تمكن العلماء من إدراك ستة نطق متمركزة حول ما يعتقد بأنه مركز الانفجار العظيم الذي نشأ عنه الكون, وذلك علي النحو التإلى :
(1) نطاق الانفجار العظيم( نطاق كرة النار الأولي):
ويمتد بقطر يقدر بحوالي بليون سنة ضوئية حول نقطة يعتقد بأنها مركز الانفجار الكوني العظيم.
(2) النطاق الغامض: ويضم سحبا بيضاء كثيفة تحيط نطاق الانفجار العظيم بسمك يصل إلى بليوني سنة ضوئية.
(3) النطاق بعد النطاق الغامض: ويضم سحبا من دخان السماء تغلف النطاق الغامض بسمك يتراوح بين بليونين إلى ثلاثة بلايين من السنين الضوئية.
(4) نطاق أشباه النجوم السحيقة: ويضم أكثر أشباه النجوم بعدا عنا, ويمتد بسمك يقدر بحوالي خمسة بلايين من السنين الضوئية حول النطاق السابق.
(5) نطاق أشباه النجوم القديمة: ويضم أقرب أشباه النجوم إلينا , ويمتد بسمك يقدر بحوالي سبعة بلايين من السنين الضوئية حول نطاق أشباه النجوم السحيقة.
(6) نطاق المجرات: ويحيط النطق السابقة كلها بسمك يقدر بحوالي أربعة بلايين من السنين الضوئية.
وعلي ذلك, فإن قطر الجزء المدرك من السماء الدنيا يقدر بحوالي23 بليون سنة ضوئية علي الأقل.
ومجرتنا( سكة التبانة أو درب اللبانة أو الطريق اللبني) تعتبر في هذا الحشد هباءة منثورة في السماء الدنيا, التي لا يعلم حدودها إلا الله( تعالى ). وهي عبارة عن قرص مفرطح يبلغ طول قطره حوالي مائة ألف سنة ضوئية, ويبلغ سمكه عشرة آلاف من السنين الضوئية, ويضم ما بين مائة بليون إلى تريليون( مليون مليون) نجم في مراحل مختلفة من العمر, منها نجوم النسق العادي كشمسنا, ومنها العمإلى ق الحمر, والعمإلى ق الكبار, ومنها النجوم الزرقاء شديدة الحرارة, ومنها الأقزام البيض الباردة نسبيا, ومنها النجوم النيوترونية, والنجوم الخانسة الكانسة( الثقوب السود) ومنها أشباه النجوم وغيرها.
وكما أن لشمسنا توابع من الكواكب والكويكبات, والأقمار والمذنبات التي تكون مجموعتنا الشمسية, فإنه من المنطقي أن يكون لكل نجم من هذه الملايين من النجوم توابعه الخاصة به.
وتقدر كتلة مجرتنا( سكة التبانة) بحوالي 4,6*3810 طن,[ أي بمائتين وثلاثين بليون مرة قدر كتلة شمسنا( والمقدرة بحوالي 333,000 مرة قدر كتلة الأرض والمقدرة بحوالي ستة آلاف مليون مليون مليون طن)].
وتدور مجرتنا دورة كاملة حول مركزها في مدة تقدر بحوالي 250 مليون سنة من سنيننا, وهذا هو يومها.
والنجوم في مجرتنا إما مفردة أو ثنائية أو عديدة, وهي تدور جميعا حول مركز المجرة بطريقة موازية أو متعامدة أو مائلة علي خط استواء المجرة.
ولمجرتنا نواة تحتوي علي حشد كثيف من النجوم, وحلقة من غاز الإيدروجين تدور حوله, ويمتد قطر النواة لعشرات السنين الضوئية حول المركز الهندسي للمجرة, والنواة ذات نشاط إشعاعي واضح بما يشير إلى وجود نجم خانس كانس( ثقب أسود) في مركزها تقدر كتلته بمائة مليون مرة قدر كتلة شمسنا, ويحيط بنواة المجرة انبعاج يعرف باسم الانبعاج المجري, كما يحيط بالانبعاج المجري قرص المجرة بسمك يصل إلى ستين ألف سنة ضوئية, ويتكون من نجوم و غازات وأتربة( دخان) تزيد كتلتها عن نصف كتلة المجرة, وتبعد شمسنا عن مركز القرص بمسافة ثلاثين ألف سنة ضوئية, وعن أقرب أطراف المجرة بمسافة عشرين ألف سنة ضوئية, وتجري شمسنا ومعها مجموعتها الشمسية( شمس+ تسع كواكب علي الأقل+61 قمرا+ عدد من الكويكبات والمذنبات) حول مركز المجرة بسرعة تقدر بثلاثمائة كيلومتر في الثانية, لتتم دورتها في مائتي مليون سنة, ولمجرتنا أربعة أذرع حلزونية تبلغ سمك أطرافها2600 من السنين الضوئية, ويحيط بها هالة اسطوانية تمتد إلى مائتي ألف سنة ضوئية طولا, وعشرين ألف سنة ضوئية سمكا.
وهالة مجرتنا تنقسم إلى نطاق داخلي يضم عددا من النجوم المتباعدة عن بعضها البعض, ونطاق وسطي سميك يتكون من مادة قاتمة و غازات منخفضة الكثافة, ونطاق خارجي علي هيئة حزام إشعاعي يمتد إلى مسافات شاسعة.
وتجري مجموعتنا الشمسية في وضع مائل علي خط استواء المجرة, دون تصادم أو خروج عن مداراتها المحددة.
ويعتقد بوجود أكثر من نجم خانس كانس في مجرتنا, بالإضافة إلى الموجود في مركزها, تم اكتشاف أحدها في سنة1971 م في كوكبة الدجاجة مع نجم مرئي مرافق تقدر كتلته بحوالي ثلاثين مرة قدر كتلة الشمس.
وكل من المادة والطاقة يتحرك في مجرتنا ـ كما يتحرك في كل الجزء المدرك من السماء الدنيا ـ من أجرام تلك السماء إلى دخانها وبالعكس في حركة شديدة الانضباط والإحكام, فالنجوم الابتدائية تتولد من التكثف الشديد لدخان السماء فيما يعرف باسم السحب الجزيئية فتنكمش تلك السحب الكثيفة, وتنهار مادتها في المركز بمعدل أسرع من انهيارها في الأطراف, ولأن النواة المنهارة تدور بسرعات فائقة, فإن أجزاءها الخارجية تتشكل علي هيئة قرص, وتظل عملية تكثيف المادة وتراكمها في تصاعد مما يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة النواة باطراد, حتى تصل إلى الدرجة اللازمة لبدء التفاعلات النووية, فيولد النجم.
ونجوم النسق الرئيسي تمثل المرحلة الأساسية في حياة نجوم السماء الدنيا( حيث تمثل90% من حياة النجم), وعند الشيخوخة تسلك النجوم الهرمة مسلكا من اثنين حسب كتلة المادة والطاقة فيها, فإذا كانت كتلة النجم في حدود1,4 من كتلة الشمس, فإنه يتوهج بدرجة فائقة علي هيئة عملاق أحمر ثم يتحول إلى نجم أزرق شديد الحرارة وسط هالة من الايدروجين المتأين( أي الحامل لشحنة كهربائية) يعرف باسم السديم الكوكبي الذي سرعان ما يتبرد وينكمش علي هيئة تعرف باسم القزم الأبيض, وقد تدب الحياة مرة أخري في ذلك القزم الأبيض, فيعاود الانفجار علي هيئة عملاق أحمر, ويعود قزما أبيض أكثر من مرة حتى ينتهي به العمر فينفجر علي هيئة مستعر أعظم من النسق الأول وتنتهي مادته وطاقته إلى دخان السماء فتدخل أو لا تدخل في دورة ميلاد نجم جديد.
أما اذا تراوحت كتلة النجم بين1,4 من كتلة الشمس إلى ثلاثة أضعاف كتلة الشمس, فإن توهجه يزداد زيادة ملحوظة في شيخوخته متحولا إلى عملاق أعظم
(Supergiant), ثم ينفجر علي هيئة مستعر أعظم من النسق الثاني (TypeIISupernova)
عائدا جزئيا إلى دخان السماء علي هيئة بقايا المستعر الأعظم
(SupernovaRemnants),
ومكدسا جزءا من كتلته علي هيئة ما يعرف باسم النجم النيوتروني (NeutronStar)
وهو نجم قزم, منكدر, لا يتعدى قطره ستة عشر كيلومترا, سريع الدوران حول محوره بمعدلات فائقة, تنتج أحيانا تيارا من الموجات الراديوية التي يمكن الاستدلال عليه بها, لما تبثه من نبضات راديوية منتظمة يمكن تسجيلها بواسطة المرقاب الراديوي.
واذا تعدي حجم النجم ثلاثة أضعاف كتلة الشمس, فإن ناتج الانفجار يكون نجما خانسا كانسا( ثقبا أسود).
هذه الصورة للجزء المدرك من الكون تعكس شيئا عن ضخامة ذلك البناء, ودقة بنائه, وشساعة أبعاده, وإتقان صنعته, وروعة خلقه, وإحكام كل جزئية فيه وهي من معاني( حبك) الصنعة, ومن هنا كان وصف السماء بأنها ذات( حبك).
(ب) السماء ذات الحبك بمعني ذات الترابط المحكم الشديد
ج ـ شدة الترابط في داخل نواة ذرة الكربون 10ـ 11 ملليمتر
د ـ مجرة حلزونية بها بلاين النجوم المرتبطة بالجاذبية هذه الأعداد المذهلة مما عرفنا من أجرام الجزء المدرك من السماء الدنيا( وهي لا تمثل أكثر من10% من مجموع كتلة ذلك الجزء المدرك), لابد لها من قوي تعمل علي إحكام تماسكها بشدة, وتماسك مختلف الأجرام وصور المادة وأشكال الطاقة فيها, و إلا لزالت وانهارت, وسبحان القائل:
إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا*)( فاطر:41).
ولله في إمساك السماوات والأرض عدد من السنن, والقوي التي استطاع الإنسان التعرف علي شيء منها, كمايلي:
(1) القوة الشديدة أو القوة النووية
وهي القوة التي تقوم بربط الجسيمات الأولية للمادة في داخل نواة الذرة( من مثل البروتونات والنيوترونات), وعلي التحام نوي الذرات مع بعضها البعض في عمليات الاندماج النووي( التي تتم بداخل النجوم), وهي أشد أنواع القوي المعروفة لنا في مادة الجزء المدرك من الكون, ولو أن هذه الشدة البالغة عبر الأبعاد الضئيلة تتضاءل بشدة عبر المسافات الكبيرة, فدورها يكاد يكون منحصرا في داخل نوي الذرات, وبين تلك النوى ومثيلاتها, وتحمل هذه القوة علي جسيمات تسمي اللاحمة أو جليون
(Gluon) لم تكتشف إلا في أواخر السبعينيات من القرن العشرين.
(2) القوة الضعيفة: وتساوي10 ـ13 من شدة القوة النووية الشديدة, وتعمل علي تفكك الجسيمات الأولية للمادة في داخل الذرة, كما يحدث في تحلل العناصر المشعة, وتؤثر علي جميع أنواع تلك الجسيمات, وتحمل هذه القوة علي جسيمات تسمي البوزونات (Bosons)
وهي إما سالبة أو عديمة الشحنة.
(3) القوة الكهرومغناطيسية: وتساوي137/1 من شدة القوة النووية الشديدة, وتؤدي إلى حدوث الاشعاع الكهرومغناطيسي علي هيئة فوتونات أو ما يعرف باسم الكم الضوئي تنطلق بسرعة الضوء لتؤثر علي جميع الجسيمات التي تحمل شحنات كهربية ومن ثم فهي تؤثر في جميع التفاعلات الكيميائية.
(4) قوة الجاذبية: وهي أضعف القوي المعروفة علي المدى القصير(10 ـ39 من القوة النووية الشديدة), ولكن نظرا لطبيعتها التراكمية فإنها تتزايد باستمرار علي البعد حتى تصبح القوة الحاكمة علي اتساع السماء والأرض( أي علي اتساع الكون) بعد إرادة الله الخالق( سبحانه و تعالى ), حيث تمسك بمختلف أجرام السماء وتجمعاتها من الكواكب وأقمارها, والنجوم ومجموعاتها, والتجمعات النجمية بمختلف مراتبها( المجرات, التجمعات المحلية, التجمعات المجرية, التجمعات المحلية العظمي, التجمعات المجرية العظمي إلى نهاية لا يعلمها إلا الله), وأشباه النجوم, و السدم, وغير ذلك من مختلف صور المادة والطاقة التي تملأ صفحة السماء, ولولا هذا الرباط الذي أوجده الخالق( سبحانه و تعالى ) لانفرط عقد الكون.
ويفترض وجود قوة الجاذبية علي هيئة جسيمات خاصة في داخل الذرة لم تكتشف بعد, اقترح لها اسم الجسيم الجاذب أو الجرافيتون
(Graviton), ويعتقد أنه يتحرك بسرعة الضوء.
وسبحان الذي أنزل من قبل أربعة عشر قرنا قوله الحق:
الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها...* (الرعد:2)
وذلك قبل تعرف الإنسان علي قوة الجاذبية بأكثر من عشرة قرون.
وكما تم توحيد قوتي الكهرباء والمغناطيسية في قوة واحدة هي القوة الكهرومغناطيسية, يحاول العلماء جمع كل من القوة الكهرومغناطيسية والقوة النووية الضعيفة فيما يسمي باسم القوة الكهربائية الضعيفة, حيث لا يمكن فصل هاتين القوتين في درجات الحرارة العليا, كما يحاولون جمع كل من القوة الكهربية الضعيفة والقوة النووية في قوة واحدة في عدد من النظريات تسمي نظريات التوحيد الكبرى, وجمع كل ذلك مع الجاذبية فيما يسمي بالجاذبية العظمي يعتقد العلماء أنها كانت القوة الوحيدة السائدة في درجات الحرارة العليا عند بدء الخلق, ثم تمايزت إلى القوي الأربع المعروفة لنا إلى وم, والتي ليست سوي أوجه أربعة لتلك القوة الكونية الواحدة, التي تشهد لله الخالق بالوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه.
وفي محاولة لجمع كل القوي المعروفة لنا في قوة واحدة اقترح علماء الفيزياء النظرية, ما يعرف باسم نظرية الخيوط العظمي والتي تفترض أن اللبنات الأساسية للمادة تتكون من خيوط طولية في حدود10 ـ35 من المتر, تلتف حول ذواتها فتبدو كما لو كانت نقاطا متناهية في الصغر, وتقترح النظرية وجود مادة خفية تتعامل مع المادة العادية عبر الجاذبية.
وهنا يتضح جانب من الوصف القرآني للسماء, بأنها ذات حبك أي ذات ترابط محكم شديد يربط بين جميع مكوناتها, من أدق دقائقها وهي اللبنات الأولية في داخل نواة الذرة, إلى أكبر وحداتها وهي التجمعات المجرية العظمي إلى كل الكون.
(ج) والسماء ذات الحبك بمعني ذات الكثافات المتباينة في مختلف أجزائها.
يتفاوت متوسط كثافة المادة في صفحة السماء الدنيا, بين واحد من ألف مليون مليون من الجرام للسنتيمتر المكعب(1*10 ـ15 جرام/سم3) في أشباه النجوم, إلى حوالي 14 من ألف من الجرام للسنتيمتر المكعب في العماليق العظام( أي واحد من مائة من كثافة الشمس) إلى 1,41 جرام للسنتيمتر المكعب في شمسنا, إلى طن واحد للسنتيمتر المكعب(610 جرامات/سم3) في الأقزام البيض, إلى بليون طن للسنتيمتر المكعب(1510 جرامات/سم3) في النجوم النيوترونية, إلى أضعاف مضاعفة لتلك الكثافة في النجوم الخانسة الكانسة( الثقوب السود).
واذا انتقلنا من أجرام السماء إلى المادة بين كل من النجوم والمجرات, والمادة في السدم وفي دخان السماء, وجدنا درجة أخري من التباين في كثافة المادة السماوية, يجعلها تبدو مجعدة كتجعد الرمل وغيره من الفتات الصخري, إذا مرت به أمواج المياه المندفعة, أو تيارات الرياح اللينة فتحدث بها من التكسر والتثني ما ينطبق مع المدلول اللغوي للفظة( الحبك).
وتتجسد هذه الصورة في داخل مختلف هيئات تجمع المادة في صفحة السماء من المجموعات النجمية من مثل مجموعتنا الشمسية إلى المجرات, إلى التجمعات المجرية العظمي في داخل كل وحدة من تلك الوحدات البانية للسماء الدنيا, وبين كل وحدة والوحدات المشابهة لها والأعلي منها رتبة.
(د) والسماء ذات الحبك بمعني ذات المدارات( الطرق) المحددة لكل جرم من أجرامها.
من الأمور المبهرة حقا في الجزء المدرك من السماء الدنيا, كثرة الأجرام فيها بصورة لا يكاد الإنسان يحصيها, وتعدد مسارات تلك الأجرام, وتباين مستوياتها, دون أدني قدر من التضارب أو الاصطدام إلا بالقدر المقنن والمحسوب بدقة بالغة لحكمة بالغة, حتى في لحظات احتضار النجوم وانكدارها, وطمسها, ثم انفجارها وتناثر أشلائها, وتبخر مادتها, وكذلك في لحظات انفجار الكواكب وتناثرها علي الرغم من كثرة المسارات وتعدد الحركات للجرم الواحد.
ومن هنا نفهم من القسم القرآني بـ والسماء ذات الحبك شمول تلك المدارات المخططة بدقة فائقة, بالإضافة إلى روعة البناء, وإحكام الترابط, وتباين الكثافات, وكلها من معاني هذا الوصف المعجز ذات الحبك.
فسبحان الذي أنزل هذا الوصف القرآني من فوق سبع سماوات, ومن قبل ألف وأربعمائة من السنين, أنزله بعلمه الشامل, الكامل, المحيط, ليصف بلفظة( الحبك) هذا الكم من صفات السماء, التي لم تعرف إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين, ولا يمكن لعاقل أن يتصور مصدرا لها غير الإله الخالق( سبحانه و تعالى ).
وقد يري القادمون في هذا الوصف القرآني ما لا نراه الآن, لتظل اللفظة القرآنية مهيمنة علي المعرفة الإنسانية مهما اتسعت دوائرها وتظل دلالاتها تتسع مع الزمن ومع اتساع معرفة الإنسان في تكامل لا يعرف التضاد, وليس هذا لغير كلام الله...!!!
وتبقي هذه اللمحات الكونية في كتاب الله ـ في اتساع دلالاتها مع الزمن في تكامل لا يعرف التضاد ـ مصدقة لقول الحق( تبارك و تعالى ):
ولتعلمن نبأه بعد حين*( ص:88) ولقوله( عز من قائل):
لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون*( الأنعام:67) ولقوله( سبحانه):
سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه علي كل شيء شهيد*( فصلت:53)
وتبقي أيضا تصديقا لنبوءة المصطفي( صلي الله عليه وسلم) في وصفه للقرآن الكريم بأنه لا يخلق علي كثرة الترداد, ولا تنقضي عجائبه.
المصدر : بحث للدكتور زغلول النجار
عمروعبده 21-02-2011, 09:27 PM القمر كان كوكباُ مشتعلاً
القمر كان كوكباً مشتعلاً
قال تعالى : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً) (الاسراء:12) .
قال المفسرون آية الليل هي القمر و آية النهار هي الشمس .
قال ابن عباس : عن قوله تعالى : فمحونا آية الليل " لقد كانت القمر يضيء كالشمس فطمسنا ضوءه ".
الحقيقة أن القمر و الأرض و المريخ و كل كواكب المجموعة الشمسية عندما بدأت كانت كلها مشتعلة و سبب هذا هو المواد عندما أخذت تتجمع مع بعضها بعد انفجار الشمس الأم و تكوِّن محيطاً فتندفع إليها القطع الباقية حولها بسرعة جبارة بسبب الجذب و يزداد ارتطام هذه القطع على الكوكب المتكون فتزيد من حرارته زيادة كبيرة حتى تصل إلى درجة انصهار سطحه كله ، وهذا الانصهار يصح أن يمتد إلى سمك حوالي 300 كيلومتر في عمق الكوكب المتكون مع جميع الجهات .
هذا في حالة القمر أما في حالة الأرض فإننا لا نعرف ذلك لآن الأرض تغيرت كثيراً جداً عن يوم خلقها أما القمر فتغير قليلاً جداً من يوم خلقه الله .
و هذا الصهير يكون لونه احمر مثل النار و الصخور تكون منصهرة و سائلة ، و هذا يعني أن درجة الحارة أكبر بكثير من درجة حارة النار التي تعرفها فنحن لا نستطيع أن نصل بدرجة حارة النار لدرجة صهر الصخور لتصبح سائلة أبداً ...
و في هذا الصهر الصخري أو الصخور السائلة تبدأ عمليات انفصال المعادن فتأخذ المعادن الثقيلة في الغوص إلى تحت و تطفوا العناصر الخفيفة إلى فوق ، و نعلم أن هذا قد حدث في قشرة القمر .
و معنى هذا أن الكوكب أو الجسم السماوي يكون ملتهباً في بدء خلقه ، نتيجة ما يتراكم على سطحه من طبقات و قطع المجموعة الشمسية الصلبة و حتى تنصهر المنطقة العلوية كلها في سمك 300 كيلومتر و تبدأ العناصر الثقيلة في الرسوب و تطفوا العناصر الخفيفة و تبرد وتكون القشرة من عناصر خفيفة فوق و عناصر أو معادن ثقيلة تحت .
المصدر :
ندوة بين الشيخ عبد المجيد الزنداني و الدكتور فاروق البارز مدرب رواد الفضاء في وكالة الفضاء الأمريكية ناسا .
عمروعبده 21-02-2011, 09:30 PM خلق السماوات و الأرض في ستة أيام
خلق السماوات و الأرض في ستة أيام
قال تعالى : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (لأعراف:54)
في الوقت الذي ساد اعتقاد الناس بثبات الأرض وسكونها, جاء القرآن الكريم بالتأكيد علي جريها وسبحها, وعلي جري كافة أجرام السماء وسبحها في فسحة الكون الرحيب, ولكن لما كانت هذه الحقائق
صورة للدكتور زغلول النجار
خافية علي الناس في زمن تنزل الوحي فقد جاءت الإشارات القرآنية إليها بصياغة لطيفة, رقيقة, غير مباشرة حتى لا تصدهم عن قبوله فيحرموا نور الرسالة الخاتمة, ويكون ذلك سببا في حرمان البشرية من هديها..!!
من هنا جاءت الإشارات القرآنية إلي عدد من الحقائق الكونية التي كانت غائبة عن علم الناس في زمن الوحي ـ ومنها حركات الأرض ـ بصياغة مجملة, غير مباشرة, ولكنها في نفس الوقت صياغة بالغة الدقة في التعبير, والشمول في الدلالة, و الاحاطة بالحقيقة الكونية, لتبقي مهيمنة علي المعرفة الإنسانية مهما اتسعت دوائرها, وشاهدة للقرآن الكريم بأنه كلام ا لله الخالق, وللنبي الخاتم الذي تلقي الوحي به ( صلي الله عليه وسلم ) بأنه كان معلما من قبل خالق السماوات والأرض, ومؤكدة علي وصفه ( صلي الله عليه وسلم ) للقرآن الكريم بأنه لا تنتهي عجائبه, ولا يخلق علي كثرة الرد.
الإشارات القرآنية إلى حركات الأرض
استعاض القرآن الكريم في الإشارة إلي حركات الأرض بغشيان ( أو بتغشية ) كل من الليل والنهار للآخر, واختلافهما, وتقلبهما, وولوج كل منهما في الآخر, وبسلخ النهار من الليل, وبمرور الجبال مر السحاب, وبالتعبير القرآني المعجز عن سبح كل من الليل والنهار كناية عن الحركات الانتقالية للأرض, وذلك علي النحو التالي :
أولا : آيات غشيان الليل النهار
وجاء ذكرها في آيتي الأعراف رقم ( 54 ) , والرعد رقم( 3 ) كما سوف يفصل بعد ذلك بقليل.
ثانيا : آيات اختلاف كل من الليل والنهار
تباطؤ سرعة دوران الأرض حول محورها مع الزمن مدون فى أجساد النباتات وغيرها من الكائنات الحية والبائدة
وهي خمس آيات كريمة تؤكد كروية الأرض ودورانها حول محورها أمام الشمس يقول فيها الحق تبارك وتعالي :
( 1 ) إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار........ لآيات لقوم يعقلون
( البقرة : 164 )
( 2 ) إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ( آل عمران : 190 )
( 3 ) إن في اختلاف الليل والنهار وماخلق الله في السماوات والأرض لآيات لقوم يتقون ( يونس : 6 )
( 4 ) وهو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار أفلا تعقلون ( المؤمنون : 80 )
( 5 ) إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين* وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون* واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون
( الجاثية : 2 ـ5 )
ويؤكد القرآن الكريم اختلاف الليل والنهار بتعبير آخر يقول فيه ربنا ( تبارك وتعالي ) :
( 6 ) وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو اراد شكورا
( الفرقان : 62 )
وبتعبير ثالث يقول فيه ( سبحانه وتعالي ) :
( 7 ) والليل إذ أدبر* والصبح إذا أسفر* ( المدثر : 34,33 )
وبتعبير رابع يقول فيه ربنا ( تبارك وتعالي ) :
( 8 ) والليل إذا عسعس* والصبح إذا تنفس ( التكوير : 18,17 ) .
ثالثا : آية تقليب الليل والنهار
وقد جاءت في سورة النور حيث يقول الخالق ( سبحانه وتعالي ) : يقلب الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار ( النور : 44 )
وفيها إشارة واضحة إلى دوران الأرض حول محورها أمام الشمس.
رابعا : آيات إيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل
وهي خمس آيات يقول فيها ربنا ( تبارك وتعالي ) :
( 1 ) تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل. ( آل عمران : 27 )
( 2 ) ذلك بأن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وأن الله سميع بصير
( الحج : 61 )
( 3 ) ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل.... ( لقمان : 29 )
( 4 ) يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل... ( فاطر13 )
( 5 ) يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور
( الحديد : 6 )
والولوج لغة هو الدخول, ولما كان من غير المعقول دخول زمن في زمن آخر, اتضح لنا ان المقصود بكل من الليل والنهار هنا هو المكان الذي يتغشيانه أي الأرض, بمعني ان الله ( تعالي ) يدخل نصف الأرض الذي يخيم عليه ظلام الليل بالتدريج في مكان النصف الذي يعمه النهار, كما يدخل نصف الأرض الذي يعمه النهار بالتدريج في مكان النصف الذي تخيم عليه ظلمة الليل, وهو ما يشير إلى كل من كروية الأرض ودورانها حول محورها أمام الشمس بطريقة غير مباشرة, ولكنها تبلغ من الدقة والشمول والاحاطة مايعجز البيان عن وصفه.
خامسا : آية سلخ النهار من الليل
ويقول فيها ربنا ( تبارك وتعالي ) : وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فاذا هم مظلمون ( يس : 37 )
ومعني ذلك ان الله ( تعالي ) ينزع نور النهار من أماكن الأرض التي يتغشاها الليل بالتدريج كما ينزع جلد الذبيحة عن كامل بدنها بالتدريج, ولا يكون ذلك إلا بدوران الأرض حول محورها امام الشمس, وفي هذا النص القرآني سبق بالإشارة إلى رقة طبقة النهار في نصف الكرة الأرضية المواجه للشمس, وهي حقيقة لم يدركها الانسان إلا بعد ريادة الفضاء في النصف الثاني من القرن العشرين حيث ثبت إن سمك طبقة النهار حول الأرض لايتعدي المائتي كيلو متر فوق سطح البحر, واذا نسب ذلك إلى المسافة التي تفصل بيننا وبين الشمس ( والمقدرة بحوالي المائة والخمسين مليونا من الكيلو مترات ) فإنها لا تتجاوز الواحد الي سبعمائة وخمسين ألفا تقريبا, واذا نسب الي نصف قطر الجزء المدرك من الكون ( والمقدر بأكثر من عشرة آلاف مليون من السنين الضوئية*9.5 مليون مليون كيلو متر ) اتضحت ضآلته, واتضحت كذلك لمحة الاعجاز القرآني في تشبيه انحسار طبقة النهار الرقيقة عن ظلمة الليل بسلخ جلد الذبيحة الرقيق عن كامل بدنها, وفي التأكيد علي ان الظلام هو الأصل في الكون, وان نور النهار ظاهرة رقيقة عارضة لاتظهر إلا في الطبقات الدنيا من الغلاف الغازي للأرض في نصفها المواجه للشمس.
سادسا : آيتا سبح كل من الليل والنهار كناية عن سبح الأرض في مداراتها المختلفة
ويقول فيهما ربنا ( تبارك وتعالي : )
( 1 ) وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون ( الأنبياء : 33 )
( 2 ) لا الشمس ينبغي لها ان تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون
( يس : 40 )
سابعا : آية مرور الجبال مر السحاب
وفيها يقول الخالق ( سبحانه وتعالي ) :
وتري الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي اتقن كل شئ إنه خبير بما تعملون ( النمل : 88 )
ومرور الجبال مر السحاب هو كناية عن دوران الأرض حول محورها, وعن جريها وسبحها في مداراتها, وذلك لأن الغلاف الغازي للأرض الذي يتحرك فيه السحاب مرتبط بالأرض برباط الجاذبية, وحركته منضبطة مع حركة كل من الأرض, والسحاب المسخر فيه.
غشيان ( تغشية ) الليل النهار :
جاء ذكر هذه الحقيقة الكونية في آيتين كريمتين من آيات القرآن العظيم يقول فيهما ربنا ( تبارك وتعالي ) :
( 1 ) إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوي علي العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين* ) ( الأعراف : 54 )
( 2 ) وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ( الرعد3 )
كذلك جاء ذكر تجلية النهار للشمس, وتغشيتها بالليل في قول الحق ( تبارك وتعالي ) : والشمس وضحاها* والقمر إذا تلاها* والنهار إذا جلاها* والليل إذا يغشاها ( الشمس : 1 ـ4 )
وجاء ذكر تغشية الليل وتجلية النهار دون تفصيل في قول ربنا ( تبارك وتعالي ) :
والليل إذا يغشي* والنهار إذا تجلي ( الليل : 2,1 )
والفعل ( يغشي ) مستمد من ( الغشاء ) وهو الغطاء, يقال غشي بمعني غطي وستر, ويقال ( غشاه ) و ( تغشاه ) ( تغشية ) أي غطاه تغطية, و ( أغشاه ) إياه غيره, و ( الغشوة ) بفتح الغين وضمها وكسرها و ( الغشاوة ) مايتغطي أو يغطي به الشيء, ويقال ( غشية ) ( غشيانا ) و ( غشاوة ) و ( غشاء ) أي جاءه مجيء ما قد غطاه وستره, و ( استغشي ) بثوبه و ( تغشي ) به أي تغطي به, و ( الغاشية ) كل ما يغطي الشيء كغاشية السرج, و ( الغاشية ) تستخدم كناية عن القيامة التي ( تغشي ) الخلق بأهوالها وجمعها ( غواش ) , و ( غاشية تغشاهم ) أي أمر يعمهم سواء كان شرا أم خيرا من مثل نائبة تجللهم أو فرح يعمهم.
من ذلك يتضح أن من معاني يغشي الليل النهار أن الله ( تعالي ) يغطي بظلمة الليل مكان نور النهار علي الأرض بالتدريج فيصير ليلا, ويغطي بنور النهار مكان ظلمة الليل علي الأرض بالتدريج فيصير نهارا, وهي إشارة لطيفة إلي كل من كروية الأرض ودورانها حول محورها أمام الشمس دورة كاملة في كل يوم مدته24 ساعة, يتقاسمها ـ بتفاوت قليل ـ الليل والنهار, في تعاقب تدريجي ينطق بطلاقة القدرة الإلهية المبدعة, فلو لم تكن الأرض كروية الشكل مااستطاعت الدوران حول محورها, ولو لم تدر حول محورها أمام الشمس ماتبادل الليل والنهار.
والقرآن الكريم يستخدم تعبير الليل والنهار في مواضع كثيرة استخداما مجازيا للإشارة إلي كوكب الأرض, كما يشير بهما إلي كل من الظلمة والنور ـ علي التوالي ـ وإلي العديد من المظاهر المصاحبة لهما من مثل قوله ( تعالي ) :
والشمس وضحاها* والقمر إذا تلاها* والنهار إذا جلاها* والليل إذا يغشاها
( الشمس : 1 ـ4 )
وفي هذه الآيات الكريمة يقسم ربنا تبارك وتعالي ( وهو الغني عن القسم ) بالنهار الذي يجلي الشمس أي يظهرها واضحة جلية لسكان الأرض, وهي حقيقة لم يدركها العلماء إلا من بعد ريادة الفضاء في النصف الأخير من القرن العشرين, حين اكتشفوا أن نور النهار المبهج لا يتعدي سمكه مائتي كيلو متر فوق مستوي سطح البحر في نصف الكرة الأرضية المواجه للشمس, وأن هذا الحزام الرقيق من الغلاف الغازي للأرض يصفو من الملوثات وتقل كثافته بالارتفاع علي سطح الأرض, بينما تزداد كثافته ونسب كل من بخار الماء وهباءات الغبار فيه كلما اقترب من سطح الأرض, ويقوم ذلك التركيز وتلك الهباءات من الغبار بالمساعدة علي تشتيت ضوء الشمس, وتكرار انعكاسه مرات عديدة حتى يظهر لنا باللون الأبيض المبهج الذي يميز النهار كظاهرة نورانية مقصورة علي النطاق الأسفل من الغلاف الغازي للأرض في نصفها المواجه للشمس, بينما يعم الظلام الكون المدرك في غالبية أجزائه, وتبدو الشمس بعد تجاوز نطاق نور النهار قرصا أزرق في صفحة سوداء, ومن هنا فهمنا المعني المقصود من أن النهار يجلي الشمس, بينما ظل كل الناس إلي أواخر القرن العشرين وهم ينادون بأن الشمس هي التي تجلي النهار, فسبحان الذي أنزل تلك الحقيقة الكونية من قبل ألف وأربعمائة سنه, والتي لم يكتشفها العلم التجريبي إلا في النصف الأخير من القرن العشرين...!!!
كذلك يقسم ربنا ( تبارك وتعالي ) في سورة الليل ـ وهو ( تعالي ) غني عن القسم ـ بقوله عز من قائل : والليل إذا يغشي والنهارإذا تجلي ( الليل : 2,1 ) وهو قسم بالليل ( أي ليل الأرض ) الذي يغشي أي يغطي نصف الكرة الأرضية البعيد عن الشمس بالظلام لعدم مواجهته للشمس, وقسم بالنهار ( أي نهار الأرض ) الذي تشرق فيه الشمس علي نصف الكرة الأرضية المواجه لها فيعمه نور النهار, وبتعاقبهما تستقيم الحياة علي الأرض, ويتمكن الإنسان من إدراك مرور الزمن والتاريخ للأحداث.
وحينما يغشي الليل بظلمته نصف الأرض, البعيد عن الشمس تتصل ظلمة الأرض بظلمة السماء فيعم الظلام, وفي نفس الوقت يتجلي النهار في نصف الأرض المواجه للشمس بنوره المبهج فاصلا الأرض عن ظلمة الكون بحزام رقيق من النور الأبيض لا يكاد يتعدي سمكه المائتي كيلو متر.
ويمن علينا ربنا ( تبارك وتعالي ) بتبادل كل من الليل والنهار فيقول ( سبحانه ) : قل أرءيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلي يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون* قل أرءيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلي يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون* ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ( القصص : 71 ـ73 )
ويقول ( عز من قائل ) :
وجعلنا الليل لباسا, وجعلنا النهار معاشا ( النبأ : 11,10 )
يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا
يتساءل قاريء القرآن الكريم عن الوصف حثيثا الذي جاء في الآية ( رقم54 ) من سورة الأعراف ولم يذكر في بقية آيات تغشية الليل النهار, أو التغشية بغير تحديد, وللإجابة علي ذلك أقول إن آية سورة الأعراف مرتبطة بالمراحل الأولي من خلق السماوات والأرض, بينما بقية الآيات تصف الظاهرة بصفة عامة.
واللفظة ( حثيثا ) تعني مسرعا حريصا, يقال ( حثه ) من باب رده و ( استحثه ) علي الشيء أي حضه عليه ( فاحتث ) , و ( حثثه تحثيثا وحثحثة ) بمعني حضه, و ( تحاثوا ) بمعني تحاضوا.
والدلالة الواضحة للآية الكريمة ( رقم54 ) من سورة الأعراف أن حركة تتابع الليل والنهار ( أي حركة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس ) كانت في بدء الخلق سريعة متعاقبة بمعدلات أعلي من سرعتها الحالية وإلا ما غشي الليل النهار يطلبه حثيثا, وقد ثبت ذلك أخيرا عن طريق دراسة مراحل النمو المتتالية في هياكل الحيوانات وفي جذوع الأشجار المعمرة والمتأحفرة, وقد انضوت دراسة تلك الظاهرة في جذوع الأشجار تحت فرع جديد من العلوم التطبيقية يعرف باسم علم تحديد الأزمنة بواسطة الأشجار أو
( Dendrochronology ) وقد بدأ هذا العلم بدراسة الحلقات السنوية التي تظهر في جذوع الأشجار عند عمل قطاعات مستعرضة فيها وهي تمثل مراحل النمو المتتالية في حياة النبات ( من مركز الساق حتى طبقة الغطاء الخارجي المعروفة باسم اللحاء ) , وذلك من أجل التعرف علي الظروف المناخية والبيئية التي عاشت في ظلها تلك الأشجار حيث أن الحلقات السنوية في جذوع الأشجار تنتج بواسطة التنوع في الخلايا التي يبنيها النبات في فصول السنة المتتابعة ( الربيع, والصيف, والخريف, والشتاء ) فترق رقة شديدة في فترات الجفاف, وتزداد سمكا في الآونة المطيرة.
وقد تمكن الدارسون لتلك الحلقات السنوية من متابعة التغيرات المناخية المسجلة في جذوع عدد من الأشجار الحية المعمرة مثل أشجار الصنوبر ذات المخاريط الشوكية المعروفة باسم
( Pinusaristata ) إلي أكثر من ثمانية آلاف سنة مضت, ثم انتقلوا إلي دراسة الأحافير عبر العصور الأرضية المتعاقبة, وطوروا تقنياتهم من أجل ذلك فتبين لهم أن الحلقات السنوية في جذوع الأشجار ( AnnualRings ) وخطوط النمو في هياكل الحيوانات ( LinesofGrowth ) يمكن تصنيفها إلي السنوات المتتالية, بفصولها الأربعة, وشهورها الاثني عشر, وأسابيعها الستة والخمسين, وأيامها, ونهار كل يوم وليلة وأن عدد الأيام في السنة يتزايد باستمرار مع تقادم عمر العينة المدروسة, ومعني ذلك أن سرعة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس كانت في القديم أسرع منها اليوم, وهنا تتضح روعة التعبير القرآني يطلبه حثيثا عند بدء الخلق كما جاء في الآية رقم ( 54 ) من سورة الأعراف.
تزايد عدد أيام السنة بتقادم عمر الأرض وعلاقتها بالسرعة الفائقة لدوران الأرض حول محورها عند بدء الخلق في أثناء دراسة الظروف المناخية والبيئية القديمة كما هي مدونة في كل من جذوع النباتات وهياكل الحيوانات القديمة أتضح للدارسين أنه كلما تقادم الزمن بتلك الحلقات السنوية وخطوط النمو زاد عدد الأيام في السنة, وزيادة عدد الأيام في السنة هو تعبير دقيق عن زيادة سرعة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس.
وبتطبيق هذه الملاحظة المدونة في الأحافير ( البقايا الصلبة للكائنات البائدة ) بدقة بالغة أتضح أن عدد أيام السنة في العصر الكمبري CambrianPeriod ) )
أي منذ حوالي ستمائة مليون سنة مضت ـ كان425 يوما, وفي منتصف العصر الأوردوفيشي ( OrdovicianPeriod ) أي منذ حوالي450 مليون سنة مضت ـ كان415 يوما, وبنهاية العصر التراياسي ( TriassicPeriod ) أي منذ حوالي مائتي مليون سنة مضت ـ كان385 يوما, وهكذا ظل هذا التناقص في عدد أيام السنة ( والذي يعكس التناقص التدريجي في سرعة دوران الأرض حول محورها ) حتى وصل عدد أيام السنة في زماننا الراهن إلي365,25 يوم تقريبا ( 365 يوما,5 ساعات,49 دقيقة,12 ثانية ) . وباستكمال هذه الدراسة اتضح أن الأرض تفقد من سرعة دورانها حول محورها أمام الشمس واحدا من الألف من الثانية في كل قرن من الزمان بسبب كل من عمليتي المد والجزر وفعل الرياح المعاكسة لاتجاه دوران الأرض حول محورها, وكلاهما يعمل عمل الكابح ( الفرامل ) التي تبطيء من سرعة دوران الأرض حول محورها. وبمد هذه الدراسة إلي لحظة تيبس القشرة الخارجية للأرض ( أي قريبا من بداية خلقها علي هيئتها الكوكبية ) منذ حوالي4,600 مليون سنة مضت وصل عدد الأيام بالسنة إلي2200 يوم تقريبا, ووصل طول الليل والنهار معا إلي حوالي الأربع ساعات, ومعني هذا الكلام أن سرعة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس كانت ستة أضعاف سرعتها الحالية..!! فسبحان الله الذي أنزل في محكم كتابه من قبل ألف وأربعمائة سنة قوله الحق :
إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوي علي العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا... ( الأعراف : 54 )
وسبحان الله الذي أبقي لنا في هياكل الكائنات الحية والبائدة ما يؤكد تلك الحقيقة الكونية, حتى تبقي هذه الإشارة القرآنية الموجزة يطلبه حثيثا مما يشهد بالإعجاز العلمي للقرآن الكريم, وبأنه كلام الله الخالق, وبأن خاتم الأنبياء والمرسلين الذي تلقاه عن طريق الوحي كان موصولا برب السماوات والأرض, وأنه ( صلي الله عليه وسلم ) ما كان ينطق عن الهوى...!!
ارتباك دوران الأرض قبل طلوع الشمس من مغربها
بمعرفة كل من سرعة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس في أيامنا الراهنة, ومعدل تباطؤ سرعة هذا الدوران مع الزمن, توصل العلماء إلي الاستنتاج الصحيح أن أرضنا سوف يأتي عليها وقت تجبر فيه علي تغيير اتجاه دورانها بعد فترة من الاضطراب, فمنذ اللحظة الأولي لخلقها إلي اليوم وإلي أن يشاء الله تدور أرضنا من الغرب إلي الشرق, فتبدو الشمس طالعة من الشرق, وغاربة في الغرب, فإذا انعكس اتجاه دوران الأرض طلعت الشمس من مغربها وهو من العلامات الكبري للساعة ومن نبوءات المصطفي ( صلي الله عليه وسلم )
فعن حذيفة بن أسيد الغفاري ( رضي الله عنه ) أنه قال :
اطلع النبي ( صلي الله عليه وسلم ) علينا ونحن نتذاكر, فقال : ما تذاكرون؟, قلنا : نذكر الساعة,
فقال : إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات
فذكر : الدخان, الدجال, والدابة, وطلوع الشمس من مغربها, ونزول عيسي بن مريم, ويأجوج ومأجوج, وثلاثة خسوف : خسف بالمشرق, وخسف بالمغرب, وخسف بجزيرة العرب, وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم
وعن عبدالله بن عمرو ( رضي الله عنه ) قال : سمعت رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) يقول : إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها, وخروج الدابة علي الناس ضحي, وأيهما ما كانت قبل صاحبتها, فالأخرى علي إثرها قريبا.
وفي حديث الدجال الذي رواه النواس بن سمعان ( رضي الله عنه ) قال : ذكر رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) الدجال.. قلنا يا رسول الله : وما لبثه في الأرض؟ قال ( صلي الله عليه وسلم ) : أربعون يوما, يوم كسنة, ويوم كشهر, ويوم كجمعة, وسائر أيامه كأيامكم, قلنا يارسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال ( صلي الله عليه وسلم ) : لا, أقدروا له...
ومن الأمور العجيبة أن يأتي العلم التجريبي في أواخر القرن العشرين ليؤكد أنه قبل تغيير اتجاه دوران الأرض حول محورها أمام الشمس ستحدث فترة اضطراب نتيجة لتباطؤ سرعة دوران الأرض حول محورها, وفي فترة الاضطراب تلك ستطول الأيام بشكل كبير ثم تقصر وتنتظم بعد ذلك.
ويعجب الإنسان لهذا التوافق الشديد بين نبوءة المصطفي ( صلي الله عليه وسلم ) وما أثبته العلم التجريبي في أواخر القرن العشرين, والسؤال الذي يفرض نفسه : من الذي علم ذلك لهذا النبي الأمي ( صلي الله عليه وسلم ) ؟ ولماذا أشار القرآن الكريم إلي مثل هذه القضايا الغيبية التي لم تكن معروفة في زمن الوحي؟ ولا لقرون من بعده؟ لولا أن الله ( تعالي ) يعلم بعلمه المحيط أن الإنسان سيصل في يوم من الأيام إلي اكتشاف تلك الحقائق الكونية فتكون هذه الإشارات المضيئة في كتاب الله وفي أحاديث خاتم أنبيائه ورسله ( صلي الله عليه وسلم ) شهادة له بالنبوة وبالرسالة, في زمن التقدم العلمي والتقني الذي نعيشه.
خطأ شائع يجب تصحيحه
يظن بعض الناس أننا إذا أدركنا في صخور الأرض أو في صفحة السماء عددا من معدلات التغيير الآنية في النظام الكوني الذي نعيش فيه فإنه قد يكون من الممكن أن نحسب متي ينتهي هذا النظام, وبمعني آخر متي تكون الساعة...!!
وهذا وهم لا أساس له من الصحة لأن الآخرة لها من السنن والقوانين مايغاير سنن الدنيا, وأنها تأتي فجأة بقرار إلهي كن فيكون, دون انتظار لرتابة السنن الكونية الراهنة التي تركها لنا ربنا ( تبارك وتعالي ) رحمة منه بنا, إثباتا لإمكان حدوث الآخرة, وقرينة علمية علي حتمية وقوعها والتي جادل فيها أهل الكفر والإلحاد عبر التاريخ, والذين كانت حجتهم الواهية الإدعاء الباطل بأزلية العالم, وهو ادعاء أثبتت العلوم الكونية في عطاءاتها الكلية بطلانه بطلانا كاملا...!!!
فعلي سبيل المثال ـ لا الحصر ـ تفقد شمسنا من كتلتها في كل ثانية علي هيئة طاقة مايساوي4,6 مليون طن من المادة ( أي نحو أربعة بلايين طن في اليوم ) , ونحن نعرف كتلة الشمس في وقتنا الحاضر فهل يمكن لعاقل أن يتصور إمكان استمرار الشمس حتى آخر جرام من مادتها؟ وحينئذ يمكن بقسمة كتلة الشمس علي ما تفقده في اليوم أن ندرك كم بقي من عمرها؟
هذا كلام يرفضه العقل السليم, لأن الساعة قرار إلهي غير مرتبط بفناء مادة الشمس, وإن أبقي لنا ربنا ( تبارك وتعالي ) هذه الظاهرة من الإفناء التدريجي للشمس, ولغيرها من نجوم السماء دليلا ماديا ملموسا علي حتمية الآخرة, أما متي تكون؟ فهذا غيب مطلق في علم الله, لا يعلمه إلا هو ( سبحانه وتعالي ) .
وبالمثل فإن الحرارة تنتقل في كوننا المدرك من الأجسام الحارة إلي الأجسام الباردة, ويفترض قانون انتقال الحرارة استمرارتلك العملية حتى تتساوي درجة حرارة كل أجرام الكون وينتهي كل شئ, فهل يمكن لعاقل أن يتصوراستمرار الوجود حتى تتساوي درجة حرارة كل الأجرام في الكون, أم أن هذا قرار إلهي : كن فيكون غير مرتبط بانتقال الحرارة من الأجسام الحارة إلي الأجسام الباردة, وإن أبقاها الله ( تعالي ) قرينة مادية ملموسة علي حتمية الآخرة؟ وعلي أن الكون الذي نحيا فيه ليس أزليا ولا أبديا, فقد كانت له بداية, ولابد أن ستكون له في يوم من الأيام نهاية؟ وهذا ما أثبتته جميع الدراسات العلمية في عصر تفجر المعرفة الذي نعيشه, وأن تلك النهاية لن تتم برتابة الأحداث الدنيوية في الجزء المدرك من الكون, بل هي قرار إلهي فجائي لا يعلم وقته إلا الله سبحانه وتعالى ولذلك أنزل لنا في محكم كتابه قوله الحق مخاطبا خاتم أنبيائه ورسله ( صلي الله عليه وسلم ) :
يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلاهو ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) الأعراف : 187 )
كما أنزل ( سبحانه وتعالي ) كذلك في المعني نفسه :
يسألونك عن الساعة أيان مرساها* فيم أنت من ذكراها* إلي ربك منتهاها* إنما أنت منذر من يخشاها* كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها ( النازعات : 42 ـ46 )
وعلي ذلك جاء رد المصطفي ( صلي الله عليه وسلم ) علي جبريل ( عليه السلام ) حين سأله في جمع من الصحابة : فأخبرني عن الساعة؟ بقوله الشريف : ما المسئول عنها بأعلم من السائل.
فسبحان الله الذي أنزل القرآن الكريم بالحق, أنزله بعلمه, وجعله معجزة خاتم أنبيائه ورسله ( صلي الله عليه وسلم ) إلي قيام الساعة, وجعله مهيمنا علي المعرفة الإنسانية مهما اتسعت دوائرها في كل أمر ذكر فيه, وجعل كل آية من آياته, وكل كلمة من كلماته, وكل حرف من حروفه, وكل إشارة, ودلالة, ووصف فيه مما يشهد بأنه كلام الله الخالق, ويشهد للنبي الخاتم ( صلي الله عليه وسلم ) بالنبوة والرسالة الخاتمة.
المصدر : بحث للدكتور زغلول النجار
إلهام صلاح لاشين 21-02-2011, 09:32 PM زادك الله علما وجزاك عنا خيرا
عمروعبده 21-02-2011, 09:34 PM إشارات قرآنية لتحديد عمر الكون
إشارات قرآنية لتحديد عمر الكون
لقد ذكر القرآن الكريم في كثير من آياتـه أن الله تعالى خلق الكون في ستـة أيام كمـا في قوله سبحانـه : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ) (قّ:38)
أما عن الأيام فالمقصود بها مراحل أو حقب زمنية لخلق الكون و ليست الأيام التي نعدها نحن البشر بدليل عدم وجود عبارة " مم تعدون " في جميع الآيات التي تتحدث عن الأيام الستة للخلق كما في قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) (هود:7) .
(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) (السجدة:4) .
و هنا نلاحظ أن اليوم في سورة السجدة آية (4) يمثل مرحلة من مراحل الخلق أما اليوم في الآية (5) فهو من آياتنا التي نعدها بطلوع الشمس كل يوم والسؤال الآن هو ما هي هذه الأيام أو المراحل الستة و كيف يمكن تقسيمها كونياً ؟ .
و العلم يقدر عمر الكون بين 10 ـ 20 مليار سنة .
الإشارة القرآنية :
قال تعالى : (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (فصلت:9) .
طبقاً لهذه الآيات فإن الأيام الستة للخلق قسمت كما أجمع المفسرون إلى ثلاثة أقسام متساوية كل قسم يعادل يومين من أيام الخلق بالمفهوم النسبي للزمن .
أولاً : يومان لخلق الأرض من السماء الدخانية الأولى http://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.pngقُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (فصلت:9) .
(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) (الانبياء:30 )
ثانياً : يومان لتسوية السماوات السبع :
(ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) (فصلت:11)
و هذا يشير إلى الحال الدخانية للسماء بعد الانفجار الكوني العظيم بيومين حيث بدأ تشكل السماوات فقضاهن سبع سماوات في يومين .
ثالثاً : يومان لتدبير الأرض جيولوجياً و تسخيرها للإنسان : قال تعالى :
(وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ) (فصلت:10) .
مما يشير إلى جبال نيزكية سقطت و استقرت في البداية على قشرة الأرض فور تصلبها بدليل قوله " من فوقها " ،" و بارك فيها أقواتها " أي قدر أرزاق أهلها .
" في أربعة أيام سواء للسائلين " أي تمام أربعة أيام كاملة متساوية بلا زيادة و لا نقصان للسائلين من البشر عن مدة خلقها و ما فيها و يرى جميع المفسرين أن هذه الأيام الأربعة تشمل يومي خلق الأرض و يومي التدبير الجيولوجي لها ويتضح مما سبق :
و حيث أن التدبير الجيولوجي للأرض منذ بدء تصلب القشرة الأرضية و حتى ظهور الإنسان قد استغرق زمناً قدره 4.5 مليار سنة طبقاً لدراسة عمر الأرض إذاً عمر الكون =4،5 × 3= 13،5 مليار سنة و هذا الرقم يقارب ما توصلت إليه وكالة الفضاء الأمريكية ناسا مؤخراً و ذلك باستخدام مكوك فضائي مزود بمجسات متطورة جداً لدراسة الكون حيث قدرت عمر الكون بـ 13،7 مليار سنة *.
المصدر : الكون و الإعجاز العلمي للقرآن تأليف الأستاذ منصور حسب النبي
*موقع قناة الجزيرة( ناسا تعلن تمكنها من كشف عمر الكون) الأربعاء 11/12/1423هـ الموافق 12/2/2003م. 1 ـ تساوي الأيام زمنياً و إلا لما أمكن جمعها و تقسيمها إلى ثلاثة مراحل متساوية . 2 ـ التدبير الجيولوجي للأرض حتى وصول السائلين (الإنسان ) أستغرق يومين من أيام الخلق الستة أي أستغرق ثلث عمر الكون .
عمروعبده 21-02-2011, 09:38 PM الكيمياء ومنهج استقراء العلوم الطبيعية في القرآن
العلوم الطبيعية ومنهج تدبر القرآن الكريم
الولوج للإسلام من باب العلم يعتبر قصة بحد ذاته، كثيراً ما تجلت من خلالها أهمية الاستعانة بالعلوم الطبيعية لإقرار الإيمان وتثبيت الفؤاد، فأمام عاصفة الشك التي يمكن أن تعصف بإيمان المرء يمكن أن تكون العلوم الطبيعية ودراستها بابا صالحا للولوج منه إلى عالم يتميز بالاستقرار.. وفي مثل تلك الأجواء العاصفة قد يجد المرء من العلوم الطبيعية وسيلة صالحة لإدراك اليقين، وهي الوسيلة القادرة ،ولا شك، على إثبات حقيقة أن ديننا هو من عند الله، وبأن ما نزل من عند الله هو الحق بالفعل.
ولسبب كامن في طبيعة العصر الذي نحيا فيه؛ فقد أمست محاولة الولوج إلى الإيمان من باب العلم حاجة ماسة، إذ لم يعد ممكنا تجاهل كل هذا الكم المتراكم من المعلومات التي تخص العلوم المختلفة، ولا ذلك التقدم المادي الناتج عن تلك الثورة، والتي باتت تواجه إيمان الإنسان بالتحدي.
ومثلما كانت السمة المادية لهذا العصر ،في وقت من الأوقات، وكذلك الاكتشافات العلمية التي حققها الغرب في القرن الأخير؛ عقبة في طريق استقرار الإيمان بالله وبالغيب في النفوس؛ فقد كانت الهزيمة السياسية الماحقة التي أصابت الأمة الإسلامية -والمتمثلة بسقوط نظامها السياسي- كانت دافعاً آخر باتجاه اللجوء إلى العلوم الطبيعية وذلك للتغلب على آثار تلك الأزمة؛ والتي تعطل قبلها دماغ الأمة عن التفكير؛ فتوقفت بعدها ملكاتها عن الإبداع.
لكل ذلك فقد شكل الاتجاه إلى العلوم الطبيعية المختلفة نوعاً من التوازن الداخلي في أعماق الفرد والجماعة؛ مما مكن الفرد والمجتمع -في وقت من الأوقات- من المحافظة على ثقته بدينه وبحضارته.
إن حالة "رد الفعل" التي تمثلت في اتجاهنا في وقت من الأوقات ناحية العلوم الطبيعية، وجعْلِها دليلاً على الحقيقة الدينية كان يمثل حالةً غير عادية، وغير أصلية، إذ الأصل أن يُستدل بالحقيقة الدينية على ما عداها لا العكس، لكن مع ذلك فقد ساهم التوجه نحو تلك العلوم في إيجاد زوايا جديدة يُنظر للنص القرآني من خلاها، مما مكّن ،في نهاية المطاف، من إحداث الأثر المطلوب؛ والمتمثل في إدراك الحاجة لتجاوز الأزمة الحضارية، لكن مع كل ذلك فقد بقي التوجه للعلوم الطبيعية ،لإثبات صدق الحقيقة الدينية، بقي مُعبراً عن جانب غير أصيل، ولا يمثل "الفعل" بقدر ما يعبر عن "رد الفعل"، وظل معبراً عن الاستجابة لمواجهة حالة الأزمة التي لازمت الأمة خلال القرن الأخير.
وفي الآونة الأخيرة فإن اختلافاً ما قد طرأ على تلك الحالة، حالة "رد الفعل"، إذ بدأنا ،شيئاً فشيئاً، نستعيدُ الثقة بالذات، وبدأنا ،شيئاً فشيئاً، نفقد الثقة في الحضارة المادية برمتها، ابتداء بالفكر الذي وضع الدين موضع الاتهام؛ ورَبَطَه بعلاقة تناقض ومواجهة مع العلم، وقد بدأ الدين في استعادة ما فقده من اعتبار؛ وقد جاء ذلك كنتيجة مباشرة لاتضاح الحدود الحقيقية لأدوات تحصيل المعرفة، وحدود إمكانيات أدوات الاستكشاف، وبالتالي فإن العلم قد ساهم مساهمة مباشرة في رد الاعتبار للأدوات المقترحة من قبل الدين، بل إن العلم قد أثبت بأن "الإيمان بالغيب" إنما هو حقيقة "موضوعية" بحتة تفرضها محدودية الوسائل، ومحدودية القدرات البشرية، وذلك حين تم الكشف عن أن ما يمكن لحواس الإنسان أن تحيط به من محسوسات لا يتعدى أن يكون نسبة ضئيلة جداً مما يمكن للإنسان أن يدركه. والإضافة ذات المغزى هنا هي أن الحقيقة الدينية قد أصبحت مقبولة، ليس فقط من وجهة نظر أصحابها (ممن يؤمنون بالغيب) بل من وجهة نظر علمية بحتة كذلك!!.
جدلية العلاقة بين الإيمان والوعي
حين أنزل الله عز وجل كتابه الكريم على نبيه محمد e وُوجهت دعوة الإسلام بالمعارضة التقليدية التي كانت تواجَه بها كل دعوة جديدة، وقد حملت دعوةُ الإسلام في حينه الكثير مما يمكن أن يثير حفيظة رجالات المجتمع التقليديين؛ الذين كثيراً ما حركتهم مصالحهم الشخصية، وقد احتج المعارضون للدعوة الجديدة بما ورثوه عن آبائهم وأجدادهم من دين، وقد نَعَى القرآنُ الكريم عليهم الاحتجاجَ بذلك الميراث دون تفكر أو تدبر، فقال عز وجل في محكم التنزيل:
{وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا، أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون}(البقرة:170)
وفي آية أخرى يشير القرآن الكريم إلى حالة الإصرار من قبلهم على مواصلة السير على ذلك النهج من الضلال {بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة، وإنا على آثارهم مهتدون}(الزخرف:22)
ولم يكن ذلك النهج من المعاندة فريداً!!، إذ ووجه به وبمثله كلُّ نبي من الأنبياء؛ وكل رسول من الرسل، بل أصبح سُنةً بشريةً؛ كثيراً ما رسمت صورة العلاقة بين الإيمان ونقيضه، وقد دعا الله عز وجل القوى الفاعلة في مسيرة الإيمان وسماها بـ "النذير" وهي القوى التي قد يمثلها: (الرسول، النبي، المؤمن) بينما جُعل "المترف" ممثلاً للنقيض في هذه العلاقة، والذي قد يمثله (الكافر والمشرك...) فقال عزّ اسمه:
{وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة، وإنا على آثارهم مقتدون}(الزخرف:23)
وكأن أولئك لم يكْفِهِمْ عار اتباع الكفر بغير هُدىً؛ بل أضافوا إليه عاراً جديداً؛ يتمثل في ادعائهم الأجوف بالهدى {وإنا على آثارهم مهتدون}، وكأنه لم يكفهم أن يعلنوا اتباع آبائهم هدياً أو ضلالاً؛ بل ازدادوا ضلالاً على ضلالتهم حين ادعوا أن ذلك الاتباع إنما هو من قبيل الاقتداء!!. والاقتداء من "القدوة"؛ والتي من المفترض ألا تكون إلا في حسن!!. لذلك فقد وجدنا الآيات الكريمة تبين ماهية الاتباع؛ ووجوب ألا يكون إلا فيما عُرفت هدايته من رسالةٍ أو تنزيل: {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله}، وقد نعى القرآن الكريم على نقيضه فقال عز من قائل:
{وبرزوا لله جميعاً فقال الضعفاء للذين استكبروا إنّا كنا لكم تبعا}(إبراهيم:21)
ويقول في آية أخرى:
{وإذ يتحاجّون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا}(غافر:47)
وهذا التفريق بين معنيين من "الاتباع" تؤكده الآيات الكريمة حينما تتحدث عن النوع الآخر منه:
{واتبعوا النور الذي أنزل معه، أولئك هم المفلحون}(الأعراف:157)
وكذلك: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني، وسبحان الله، وما أنا من المشركين}(يوسف:108)
فالنموذج الذي تقدمه الآيات للاتباع المقبول هو "اتباع النور"، و "اتباع الرسول"، واتباعٌ "على بصيرة"، وقد وجدنا الآيات الكريمة تقدم نموذجاً متكاملاً لما يدعوه القرآن الكريم بـ "السبيل"، وهو يجمع الصُوَرَ المثُلى لكلٍ من "الداعي" و"الدعوة" و"الاستجابة"، فهو سبيلٌ تظلله الهداية؛ لأن هدفه وغايته هو الله، وهو سبيل تسبق فيه "البصيرةُ" "الدعوةَ" ذاتها، ويسبق فيه الفهمُ والإدراكُ الحركةَ نفسها، وهذا السبيل من الاتباع هو الذي يرتقي بالأمة؛ فيحول الكمّ المهمل فيها إلى كيفية فاعلة، ولن يتم كلُ هذا إلا بالوقوف الدائم والمستمر على ضفة الإيمان مستحضرين كل أدوات "التفكر" و "التدبر" و "التبصر".
والتفكر والتدبر هما أداتان لبلوغ الصواب، لكن الإصابة ليست هدفاً مضموناً في كل الحالات، والأمة التي تتوقع الإصابة في كل حالات اجتهادها؛ هي أمة لا تدرك حقيقة الإنسان ودوره في هذه الحياة...
كما أن معرفة الإمكانيات الحقيقية للإنسان تعزز حقيقة وجود كون خارج الحواس؛ وقد حبا الله الإنسان بمجموعة من الحواس مكّنته من إدراك جزءٍ من الحقيقة التي تحيط به، وما يميز تلك الحواس هو محدودية قدرتها، فالعين البشرية ،على سبيل المثال، تدرك المرئيات حسب طول الموجة المنبعثة منها، وما الألوان التي تراها العين إلا تعبيراً عن أطوال مختلفة للموجات المنبعثة من تلك الأجسام. وتقع تلك الموجات المرئية بين (4000-7600) أنجستروم([1])؛ والتي تمثلُ ما يمكن رؤيته من أشياء، ومعنى ذلك أن كل الأجسام التي تنبعث منها موجات تحت ذلك الطول الموجي، وتقع بين (3000-4000) أنجستروم، وتعرف بالأشعة فوق البنفسجية لا يمكن رؤيتها بواسطة العين البشرية، وينطبق الأمر كذلك على الأشعة تحت الحمراء التي يقع الطول الموجي لها فوق (7600) أنجستروم؛ فلا يمكن رؤيتها بالعين المجرد كذلك.
إن محدودية الإمكانيات والقدرات البشرية على إدراك الحقائق من حولنا تمثل عجزاً متأصلا في الإنسان، ويُبررُ هذا العجز -جزئياً- حاجةَ الإنسانِ الدائمة إلى "التوبة"؛ والتي يعرضها الدينُ كفعلٍ بشريٍ لتدارك النقص والخطأ الناشئين عن الضعف الموروث في جبلة هذا المخلوق، ويُنظر إليها كاجتهادٍ إنسانيٍ للتغلب على السلبيات الناشئة عن الحيود والانحراف عن طريق الرشاد... وإن الأديان السماوية لم تأتِ الأديان لتعذيب الإنسان بقدر ما جاءت لتضع أمامه سبيلاً سوياً يسير عليه، ولتضع نُصْبَ عينيه علامات الهداية والرشاد.
إن إدراكنا لحدود بشريتنا وإنسانيتنا يفرضُ علينا القبول بحقيقة إمكانية وقوعنا -كبشر- في الأخطاء، لذلك فقد أطلق أسلافنا على هذا النشاط البشري اسم "الاجتهاد" وهي التسمية الموضوعية المعبرة عن بذل أقصى الجهد لترجيح تحقيق الصواب دون نفي إمكانية الوقوع في الخطأ.
إن المطلوب من الأمة اليوم هو أن تعود لسيرتها الأولى؛ بما حباها عزّ وجل من قدرة على إحداث الفعل والمبادرة به، وتتمثل تلك العودة في إعادة تفعيل أدمغة أبناء الأمة لتبدأ بالتفكير الحر والمبدع من جديد، لكن تلك العودة تظل تُواجَه بعدد من العقبات...
إن تلك العودة تقتضي منا الانسحاب من الاضطراب إلى الثبات، وهذا يقتضي منا تحليل كل ما يقع تحت أيدينا إنطلاقاً من قاعدة ثابتة، .
عقبات في طريق الوعي
أما العقبة الأولى التي تواجه قارئ القرآن وتمنعه من الولوج إلى أسرار جماله فهي فقدان حس التذوق للغة، وقد أدى ذلك إلى فقدان مفردات القرآن لمعانيها، وتحوُل أُخرى إلى كلمات غريبة على قارئه؛ مع أنها تحمل مضامين النص القرآني، وقد أدّى ذلك كله إلى حالة من الضبابية وعدم الفهم لما يطرحه القرآن الكريم من أحكام وتوجيهات، فكانت النتيجة النهائية هجران القرآن من الناحية الفعلية، وقد أشار القرآن الكريم إلى تلك الحالة حين قال:
{وقال الرسول يا ربّ إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا}(الفرقان:30)
وقد أدى تلك الحالة إلى أن أصبحت عملية القراءة غير مقترنةٍ دائماً بالفهم، وأصبح عدم فهم القرآن عاملا من عوامل التثبيط لعملية القراءة، وقد أدت تلك الحالة إلى تكريس شبه دائم لحالة الجفاء والهجران بين الإنسان المسلم والقرآن.
ولعل تلك المشكلة المتمثلة بحالة "الهجران"؛ والتي أصبحت تغلف علاقة المسلم بدينه وبكتاب ربه، لعلها تلقي بظلال كثيفة من المسئولية تدفع كل مهتم لإيجاد السبل الكفيلة بالتغلب على تلك الحالة، والتي تعتبر مظهرا من مظاهر السقوط الحضاري؛ والتي تعني في أفدح وجوهها فقدان أداة الفهم، أداة التعبير، وأداة التفاعل مع المحيط أخذاً وعطاءً...
لكن المشكلة ،وبسبب طبيعتها المعقدة، فإننا لا نرى شيئا واحدا يمكن أن نفعله منفردا يكون كفيلا بحلها، لكن قد يكون جزء من الحل هو في تغيير المناهج الدراسية بكاملها، وإعادة بنائها من جديد على أسس مستقيمة، خصوصاً تلك المناهج الخاصة بمراحل التعليم الأساسي، بحيث تتم إعادة اكتشاف وتأهيل الألفاظ الواردة في القرآن الكريم؛ بما يعنيه ذلك من دمجٍ لها في المناهج المختلفة، وإذا ما حدث ذلك فسوف يكون سهلاً على التلميذ، الطالب، الموظف، العامل، ربة البيت، سوف يكون من السهل عليهم جميعاً قراءة القرآن، وإدراك الحد الأدنى المطلوب توفره لإحداث عملية الفهم له، مما سيضعنا ،حتماً، في المكان السليم الذي نستطيع من خلاله استعادة القدرة على "تدبر" النص والانفعال به والتفاعل معه.
وطلب الوصول إلى حالة "التدبر" يجب ألا يفهم منه أننا نسعى لإيصال الجميع إلى مواقع "الاجتهاد"، بل غرضنا منه العودة للتذكير بحقيقة أن القرآن الكريم هو كتاب منزّل من عند الله تعالى؛ ليتم فهمه والتعامل معه بصورة مباشرة من قبل المؤمنين به، وألا يستقر أمر فهمه على مجرد طبقة من رجال الدين التي تحتكر فهمه، وتملي كيفية تطبيقه، كما حدث مع الأديان الأخرى.
أما العقبة الثانية التي تقف في طريق التفاعل بين العقل والنص القرآني الكريم فهي عقبة من نوعٍ آخر، إنها العقبة النفسية والتي تتمثل في خوف بعض قراء القرآن من إعمال العقل فيه وتدبر آياته، اعتقادا منهم بأن من شأن ذلك التدبر إفساد قداسة النص، وقد أدى الحرص المبالغ فيه على عدم المس بقداسة النص القرآني إلى التضحية بالمحصلة المتوخاة من وراء تلك القراءة؛ وهي إحداث حالة من التفاعل مع النص والانفعال به؛ بحيث يتسنى للنص فيما بعد أن يكون عامل تأثير في مجريات حياة الإنسان.
وعلى الرغم من صحة القول بأن للنص القرآني قداسة تفرض محاذير خاصة عند التعامل معه، إلا أنه لمما يتنافى مع طبيعته كذلك أن تؤدي تلك المحاذير إلى إخماد روح التفاعل ما بين القرآن الكريم وقارئه، وإن من شأن تلك الحساسية أن تكون أمراً مقبولاً إذا ما مورست في حدود تؤدي إلى المحافظة عليه من العبث، لكن لا يجوز -ولا بأي حال من الأحوال- السماح لتلك المحاذير أن توقفَ حالة انفعال العقل مع النص، والتي ستؤدي حتماً إلى تعطيل حركة الإنسان باتجاه ربه.
إنه لمما يؤسف له أن تلك الحساسية في التعامل مع النص القرآني -وفي ظل حالة الضعف التي عانت منها الأمة- قد أدت إلى حالة فعلية من الجفاء بين الأمة ومصدر قوتها، وقد ساهمت تلك الحالة في توقف حركة "الاجتهاد" والتي يعني توقفها توقف الحياة ذاتها بالنسبة للأمة.
إذن؛ فإن محاولات تحقيق الهدف المرجو من وراء "تدبر" آيات القرآن الكريم يمكن أن تضع "القارئ" بين محذوري "اقتحام النص" بدون امتلاك ناصية العلم، وفهم اللغة العربية على وجه الخصوص، والآخر: محذور قراءة النص -فقط- ابتغاء تحصيل الأجر، والقراءة -فقط- لغرض تحصيل الأجر من الله عز وجل إن جاءت من العامة كانت مقبولة، لكن لا يمكن قبولها من العلماء الذين أعطاهم الله عزّ وجل نعمة العلم، إذ على أولئك أن يقرأوا النص القرآني الكريم بتدبر وتفكر وفهم.
الغنى الموضوعي في النص القرآني
إنّ محمداً e نبي آخر الزمان، ومعجزته القرآن الكريم، وهي المعجزة الباقيةُ؛ المستمرةُ؛ الخالدة... فكان لابد وأن تتسع آياته لكل ما يطرأ أو يستجد في حياة البشر وفي دنيا الناس من تغيرات، والعلم والاكتشافات هي جزء من تلك التغيرات...
والقرآن الكريم كتابُ تعبدٍ وهداية، لكنه لم يخلُ من شذرات وإشارات إلى أشياء أخرى في مجالات العلوم الإنسانية والطبيعية المختلفة، فهو لم يخلُ من إشاراتٍ تمَتُّ بصلة لعلم الفلك، أو الجيولوجيا... الخ، لذلك فهي تُعدُّ وجهاً آخر متجدداً من وجوه الإعجاز، ودليلاً من دلائل الإثبات بأن هذا القرآن لم يأتِ به بشرٌ من عند نفسه، وقد جاءت الإشارات لتغطي المعارف الإنسانية كافة؛ بحيث يصعب على بشرٍ عادي أن يحيط بمجال تنوعها؛ فضلاً عن إدراك أسرارها!!، والسر في ذلك كما توضحه هذه الآية وأخواتها: {ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك} (آل عمران:44)
والآيات تأتي في تمام الوضوح وكمال التعبير؛ معبرةً عن أن ما جاء به محمد e لم يكن لبشر أن يحيط به لولا فضل الله في أن يرسل للبشر نوراً يهديهم:
{وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان، ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا}(الشورى:52)
وتتعدد المواضيع التي تغطيها الآيات الكريمة، لكن القصص القرآني يجمعه جامع الإحاطة بكل معاني الكمال والتمام؛ ذلك أنه مثلما وصفه عز وجل بأنه {أحسن القصص}...
وهو أحسن القصص في كل سورةٍ من سوره، وكل آيةٍ من آياته، وكل كلمةٍ من كلماته، وكل حرفٍ من حروفه ... فالحُسن هنا إنما ينسحب على القرآن الكريم بتمامه، وقد جاء في افتتاح سورة "يوسف":
{نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن}(يوسف:3)
إن واحدة من الدلالات المذهلة لهذه المعجزة الخالدة يشي بها فهرس سور القرآن الكريم؛ والذي يتناول مواضيع متعددة ومختلفة... فهو يذكر من الحيوانات: البقرة، الأنعام، الفيل!!...
ومن الأسماء والأجناس: يونس، هود، يوسف، إبراهيم، طه، مريم، النساء، الأنبياء، المؤمنون، لقمان، يس، محمد، نوح، الإنسان، قريش، الناس!!...
أما الظواهر الطبيعية والفلك فسجلّها في فهرس القرآن الكريم جدُّ حافل، فضلاً عما احتوته الآيات ذاتها من إشارات، فمن أسماء السور التي حملت تلك الإشارات: الرعد، الدخان، النجم، القمر، المعارج، التكوير، الانفطار، الانشقاق، البروج، الطارق، الفجر، الشمس، الليل، الضحى، الزلزلة، العصر، الفلق!!!..
وفي الأحداث ذات الدلالة في مسيرة الإيمان البشرية جاءت سور: الإسراء، الكهف، الروم، الأحزاب، الفتح!!...
ومن أسماء الحشرات اختيرت أعلام السور: النحل، النمل، العنكبوت!!... وهناك سور كاملة حملت أسماءً لشعائر تعبدية مثل: الحج والجمعة!!... إضافة إلى العديد من السور التي صورت أخلاقاً بعينها يمكن أن تتلبس الإنسان؛ فجاءت السور: المطففين، المنافقون، الماعون، الكافرون!!... لكن سورة عجيبة حملت اسماً أشد إثارة للعجب، هي سورة "الحديد"!!!... إذ لم تحمل سورة أخرى من سور القرآن الكريم اسماً لمسمىً يجمعه والحديد وجه شبه، مما يقطع بأن الحديد فيه ما ليس في غيره مما يعلمه الله ولا نعلمه([2])، وكل ما نعلمه من تلك الحكمة أن الله عزّ وجل قال فيه:
{وأنزلنا الحديد فيه بأسٌ شديد ومنافعُ للناس}(الحديد:25)
لقد كان مما شدّ انتباهي إلى أهمية إجراء هذا البحث وجود ذلك الاسم العجيب لتلك السورة... سورة "الحديد"... ثم ما لبثت لفظة "نحاس" أن أضيفت إلى مخزون ما هو جاذبٌ للنظر من مفرداتٍ حفل بها القرآن الكريم، فزادت من تأثير ذلك الاسم لتلك السورة، سورة "الحديد"، وما لبثت ألفاظٌ جديدةٌ أن أضيفت إلى قائمة الحيرة والاندهاش!!، إذ وردت -على سبيل المثال- لفظة ذرّة، وقد وردت بمعناها المباشر الذي هو أقرب ما يكون إلى الاستخدام العلمي والعملي في عالم اليوم، بعد أن انصرفت عن معناها اللغوي الذي فُهمت به حين تنزلها أو كادت أن تنصرف عنه، لندرك بعد هنيهة أنها وردت بصورة أشد عجباً؛ فقد وردت في كل مواضع ورودها بلفظ "مثقال ذرّة"... ولم ترد كلمة "ذرّة" مجردة ولو لمرة واحدة، وهما المصطلحان اللذان يمكن لمختص في علم الكيمياء أن يفرق بينهما بسهولةً؟!!.
إنها تلك الألفاظ -وغيرها كثير- مما له علاقة وثيقة بعلم الكيمياء؛ والتي دفعتني جميعها باتجاه البحث عنها؛ وعن مواطن الارتباط بين ما عرفناه عنها وبين ما جاء به القرآن الكريم منذ خمسة عشر قرناً من الزمان؛ حيث ضم بين دفتيه العديد من الألفاظ ذات الإيحاء الموضوعي، تلك الألفاظ التي يمكن أن تمس علماً من العلوم الحياتية، والتي تنتظر أن نسلط عليها أضواء التخصص؛ لنفهم المراد منها، دون أن يؤثر ذلك على المهمة الأساسية التي نَزَلَ القرآن من أجلها... أن يكون كتاب هداية يحمل بين طياته رسالة الرحمة.
إننا ومن خلال ما ذهبنا إليه في هذا البحث أردنا أن نثبت أمراً صار في حكم البَدَهِي، ألا وهو أنه ليست لدى البشر -في زمن بعينه- قدرة مطلقة لتفسيركل ما ورد في القرآن الكريم، بل إن هناك ضرورة لأخذ عامل الزمن بعين الاعتبار، ومن هنا يمكن فهم ما ذهب إليه بعض العلماء حين قال: (من هنا ندرك أن مفسري القرآن قد أخطأوا حتماً، وطيلة قرون في تفسير بعض الآيات التي لم يكن باستطاعتهم أن يفطنوا إلى معناها الدقيق، إنّ ترجمة هذه الآيات وتفسيرها بشكل صحيح لم يكن ممكناً إلا بعد ذلك العصر بكثير، أي في عصر قريب منا، ذلك يتضمن أن المعارف اللغوية المتبحرة لا تكفي لفهم هذه الآيات القرآنية، بل يجب، بالإضافة إليها، امتلاك معارف علمية شديدة التنوع)([3]).
وعلى الرغم من اتفاقنا مع الاقتباس الأخير؛ والذي يفيد بعدم استبعاد حدوث أخطاء في إصابة مرامي القرآن الكريم؛ بسبب محدودية ما يحمله زمن معين من انكشاف لعلوم ومعارف بعينها؛ إلا أننا نجد أن من الإنصاف التأكيد هنا على أن تلك الأخطاء لا تقلل من قيمة جهودهم واجتهاداتهم في محاولاتهم لفهم مرامي النص، بل يجب علينا هنا التركيز على ضرورة استيعاب حقيقة هامة، وهي أن الجهد البشري مجبول دائماً باحتمالات الإصابة أو الخطأ، وأن احتمال الخطأ ليس سبباً كافياً لوقف الاجتهاد ومحاولة متابعة ما بدأوه من جهود.
وأخيرا: فإن نظرتنا لما يقدمه القرآن الكريم من لمحات تمتُ إلى بعض العلوم بصلة؛ يجب أن تكون محكومة بإدراك حقيقي لعدم وجود علاقة بين تلك الإيحاءات التي وردت فيه؛ وبين أية معرفة بشرية يكون قد حققها العرب في تلك الحقبة من تاريخهم، حيث لم يكن العرب قد حققوا تلك النتائج في مجال العلوم التجريبية، بل على العكس من ذلك؛ فلقد برعوا في فنون اللغة وأساليب البيان، التي كانت مناط تحدي القرآن الكريم لهم، بل إن الحقيقة الثابتة اليوم يوردها السيد موريس بوكاي وتتحدث عن أن: (فترة تنزيل القرآن، أي تلك التي تمتد على عشرين عاماً تقريباً قبل وبعد عام الهجرة (622م) كانت المعارف العلمية في مرحلة ركود منذ عدة قرون، كما أن عصر الحضارة الإسلامية النشط مع الازدهار العلمي الذي واكبها كان لاحقاً لنهاية تنزيل القرآن، إن الجهل بهذه المعطيات الدينية والدنيوية هو الذي سمح بتقديم الاقتراح الغريب الذي سمعت -الكلام لازال للسيد بوكاي- بعضهم يصوغونه أحيانا، والذي يقول: إنه إذا كان في القرآن دعاوى ذات صفة علمية مثيرة للدهشة فسبب ذلك هو تقدم العلماء العرب على عصرهم، وأن محمداً e بالتالي قد استلهم دراساتهم... إن من يعرف، ولو يسيراً، تاريخ الإسلام؛ ويعرف أيضاً أن عصر الازدهار الثقافي والعلمي في العالم العربي في القرون الوسطى لاحِق لمحمد e ولن يسمح لنفسه بإقامة مثل هذه الدعاوى الوهمية)([4]).
قد يكون فيما استعرضناه وما سنعرض له في سياق هذا الكتاب ما يعيد التذكير بحقيقة أن الإلمام بكل ما جاء به القرآن الكريم من مواضيع لم يكن ليتسنَ لبشر دون أن يكون على اتصالٍ مباشرٍ بخالقٍ مطلعٍ على الغيب؛ متصفٍ بالعلم والحكمة، لكن الأمر لا يقتصر على تلك الفائدة وحدها، بل يمكن له أن يحمل لنا المزيد من الدلالات.
إن وجود مثل تلك الإشارات يؤكد حقيقة الحالة الخاصة للنص القرآني الكريم؛ وقدرته الفائقة على الاتساع واستيعاب الزمن الحادث بكل ما يحفل به من تطورات واكتشافات، لكن ذلك الاستيعاب لا يعني أن يصبح الغرض من قراءة القرآن الكريم وتعلمه أن نعلم الناس علوم الحياة كعلم الذرّة أو الفلك!!؛ بل يجب النظر إليها على أنها إشارات إلهية مستمرة ومتواصلة على مدى الدهر لإثبات صدق الرسالة، ولتثبيت قلوب المؤمنين بالإيمان:
{وليربط على قلوبكم، ويثبت به الأقدام}(الأنفال:11)
وبذلك يقطعُ النصُ القرآنيُ سلاسلَ الرتابةِ والجمود التي يمكن أن يحفل بها أيُ نصٍ آخر نتيجةً لجمود تعبيراته، فالنص القرآني إنما هو نص متجدد، ويمكن للمتدبر لآياته أن يرى المزيد من إعجازه طالما كان هناك ما يمكن أن تطلع عليه الشمس.
جوانب من الكيمياء في القرآن الكريم
إذا أخذنا بالمنهج الذي قمنا ببسطه في الصفحات السابقة، وقمنا بتطبيقه في مجال علم الكيمياء كنموذج لاستقراء العلوم الطبيعية في القرآن الكريم ودراسته في ضوء الحقائق العلمية المعروفة في علم الكيمياء([5])؛فإن أول ما يسترعي الانتباه في هذا المجال هو أن القرآن الكريم قد غطى طيفاً واسعاً من تفرعات هذا العلم؟!... مبتدئين بالذرّة ذاتها والتي استأثرت وحدها بفرع مستقل من فروع علم الكيمياء هو (الكيمياء الذرية)، وتعتبرالذرة أصغر جزء من أجزاء العنصر ويستمد منها صفاته، بل إن القرآن الكريم قد جذب النظرَ إلى حقيقة وجود ما هو أصغر من ذلك الجزء:
{ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين}(يونس:61)
وكأنه يريد أن يسترعي انتباهنا إلى بُنية الذرّة ذاتها!؛ من حيث احتواؤها على الكترونات، وبروتونات، ونيوترونات... الخ... ثم ارتقى القرآن الكريم بنا درجة فشدّ انتباهنا إلى مجموعة العناصر!!، ومن الناحية الكيميائية فإن العنصر الواحد يمتلك ذرات متشابهة، لكن القرآن الكريم وهو يعرض لنا نماذج لبعض العناصر فقد أعطى اهتماماً خاصاًلبعضها، والتي تعرف علمياً بمجموعة "المعادن"، فذكر منها : الذهب، الفضة، الحديد، النحاس...
ثم عاد القرآن الكريم ليرتقيّ بنا درجةً أخرى على سلّم المعارف العلمية الخاصة بعلم الكيمياء؛ فأورد بعد "العناصر" بعضاً من "المركبات"!!؛ فقد وردت لفظة "ملح"، ووردت كذلك لفظة "ماء"([6])، وهما لفظتان تعبران عن مركبين من المركبات الكيماوية.
إن القرآن الكريم وهو يتناول كل هذه الطُرَف؛ لم يتناولها بوصفه كتاباً شارحا للكيمياء، وهذا الأمر متوقع في ضوء ما ذكرناه من حقيقة أن القرآن الكريم ليس كتاباً مهمته تعليم الناس علوم الطبيعة وما شابه، لكن من المقاصد التي يجب أن تؤخذ بالحسبان لدى التعامل مع القرآن الكريم؛ أن تنجذب عقولُنا وأرواحُنا إلى هذا التنوع الواسع، وهذا التعدد العجيب، وهذا التدرج اللامتناهي في شتى درجات اللون؛ والعمق؛ والاتساع... لنبدأ -من ثم- رحلة البحث عن التفاصيل!.
وفي هذا البحث فقد حاولنا أن نقتطف من جِنان القرآن ورودا، ومن بساتينه قطوفاً تراءت لنا متناثرة في ثناياه.. تنوعت بين الذرة، والماء، والحديد والنحاس، والذهب، والفضة، إضافة إلى مجموعة متنوعة من الموضوعات التي تجمعها الكيمياء في عقد واحد...
وقد قصدنا أن نورد في ثنايا بحثنا عدداً من الإضاءات؛ كانت كل واحدة منها تتناول سرا من أسرار الإعجاز القرآني، حيث كشفت كل واحدة منها عن سر لابد من بذل المحاولات الإضافية الجادة لتتبعه واستجلائه في سور القرآن الكريم وآياته كلها.
وقد قصدنا حين تناولنا للموضوعات الواردة في هذا البحث، إيراد الآيات الكريمة المتعلقة بها جميعها، مع إيراد بعض الملاحظات والشرح ،إن أمكن، ومن المأمول أن يكون واضحاً بأن إيراد تلك الآيات بهذا الشكل إنما قصد منه أن تكون هادياً لمن أراد تناول تلك الموضوعات بعد ذلك بمزيد من التفصيل.
عمروعبده 21-02-2011, 09:47 PM الكيمياء ومنهج استقراء العلوم الطبيعية في القرآن
العلوم الطبيعية ومنهج تدبر القرآن الكريم
الولوج للإسلام من باب العلم يعتبر قصة بحد ذاته، كثيراً ما تجلت من خلالها أهمية الاستعانة بالعلوم الطبيعية لإقرار الإيمان وتثبيت الفؤاد، فأمام عاصفة الشك التي يمكن أن تعصف بإيمان المرء يمكن أن تكون العلوم الطبيعية ودراستها بابا صالحا للولوج منه إلى عالم يتميز بالاستقرار.. وفي مثل تلك الأجواء العاصفة قد يجد المرء من العلوم الطبيعية وسيلة صالحة لإدراك اليقين، وهي الوسيلة القادرة ،ولا شك، على إثبات حقيقة أن ديننا هو من عند الله، وبأن ما نزل من عند الله هو الحق بالفعل.
ولسبب كامن في طبيعة العصر الذي نحيا فيه؛ فقد أمست محاولة الولوج إلى الإيمان من باب العلم حاجة ماسة، إذ لم يعد ممكنا تجاهل كل هذا الكم المتراكم من المعلومات التي تخص العلوم المختلفة، ولا ذلك التقدم المادي الناتج عن تلك الثورة، والتي باتت تواجه إيمان الإنسان بالتحدي.
ومثلما كانت السمة المادية لهذا العصر ،في وقت من الأوقات، وكذلك الاكتشافات العلمية التي حققها الغرب في القرن الأخير؛ عقبة في طريق استقرار الإيمان بالله وبالغيب في النفوس؛ فقد كانت الهزيمة السياسية الماحقة التي أصابت الأمة الإسلامية -والمتمثلة بسقوط نظامها السياسي- كانت دافعاً آخر باتجاه اللجوء إلى العلوم الطبيعية وذلك للتغلب على آثار تلك الأزمة؛ والتي تعطل قبلها دماغ الأمة عن التفكير؛ فتوقفت بعدها ملكاتها عن الإبداع.
لكل ذلك فقد شكل الاتجاه إلى العلوم الطبيعية المختلفة نوعاً من التوازن الداخلي في أعماق الفرد والجماعة؛ مما مكن الفرد والمجتمع -في وقت من الأوقات- من المحافظة على ثقته بدينه وبحضارته.
إن حالة "رد الفعل" التي تمثلت في اتجاهنا في وقت من الأوقات ناحية العلوم الطبيعية، وجعْلِها دليلاً على الحقيقة الدينية كان يمثل حالةً غير عادية، وغير أصلية، إذ الأصل أن يُستدل بالحقيقة الدينية على ما عداها لا العكس، لكن مع ذلك فقد ساهم التوجه نحو تلك العلوم في إيجاد زوايا جديدة يُنظر للنص القرآني من خلاها، مما مكّن ،في نهاية المطاف، من إحداث الأثر المطلوب؛ والمتمثل في إدراك الحاجة لتجاوز الأزمة الحضارية، لكن مع كل ذلك فقد بقي التوجه للعلوم الطبيعية ،لإثبات صدق الحقيقة الدينية، بقي مُعبراً عن جانب غير أصيل، ولا يمثل "الفعل" بقدر ما يعبر عن "رد الفعل"، وظل معبراً عن الاستجابة لمواجهة حالة الأزمة التي لازمت الأمة خلال القرن الأخير.
وفي الآونة الأخيرة فإن اختلافاً ما قد طرأ على تلك الحالة، حالة "رد الفعل"، إذ بدأنا ،شيئاً فشيئاً، نستعيدُ الثقة بالذات، وبدأنا ،شيئاً فشيئاً، نفقد الثقة في الحضارة المادية برمتها، ابتداء بالفكر الذي وضع الدين موضع الاتهام؛ ورَبَطَه بعلاقة تناقض ومواجهة مع العلم، وقد بدأ الدين في استعادة ما فقده من اعتبار؛ وقد جاء ذلك كنتيجة مباشرة لاتضاح الحدود الحقيقية لأدوات تحصيل المعرفة، وحدود إمكانيات أدوات الاستكشاف، وبالتالي فإن العلم قد ساهم مساهمة مباشرة في رد الاعتبار للأدوات المقترحة من قبل الدين، بل إن العلم قد أثبت بأن "الإيمان بالغيب" إنما هو حقيقة "موضوعية" بحتة تفرضها محدودية الوسائل، ومحدودية القدرات البشرية، وذلك حين تم الكشف عن أن ما يمكن لحواس الإنسان أن تحيط به من محسوسات لا يتعدى أن يكون نسبة ضئيلة جداً مما يمكن للإنسان أن يدركه. والإضافة ذات المغزى هنا هي أن الحقيقة الدينية قد أصبحت مقبولة، ليس فقط من وجهة نظر أصحابها (ممن يؤمنون بالغيب) بل من وجهة نظر علمية بحتة كذلك!!.
جدلية العلاقة بين الإيمان والوعي
حين أنزل الله عز وجل كتابه الكريم على نبيه محمد e وُوجهت دعوة الإسلام بالمعارضة التقليدية التي كانت تواجَه بها كل دعوة جديدة، وقد حملت دعوةُ الإسلام في حينه الكثير مما يمكن أن يثير حفيظة رجالات المجتمع التقليديين؛ الذين كثيراً ما حركتهم مصالحهم الشخصية، وقد احتج المعارضون للدعوة الجديدة بما ورثوه عن آبائهم وأجدادهم من دين، وقد نَعَى القرآنُ الكريم عليهم الاحتجاجَ بذلك الميراث دون تفكر أو تدبر، فقال عز وجل في محكم التنزيل:
{وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا، أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون}(البقرة:170)
وفي آية أخرى يشير القرآن الكريم إلى حالة الإصرار من قبلهم على مواصلة السير على ذلك النهج من الضلال {بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة، وإنا على آثارهم مهتدون}(الزخرف:22)
ولم يكن ذلك النهج من المعاندة فريداً!!، إذ ووجه به وبمثله كلُّ نبي من الأنبياء؛ وكل رسول من الرسل، بل أصبح سُنةً بشريةً؛ كثيراً ما رسمت صورة العلاقة بين الإيمان ونقيضه، وقد دعا الله عز وجل القوى الفاعلة في مسيرة الإيمان وسماها بـ "النذير" وهي القوى التي قد يمثلها: (الرسول، النبي، المؤمن) بينما جُعل "المترف" ممثلاً للنقيض في هذه العلاقة، والذي قد يمثله (الكافر والمشرك...) فقال عزّ اسمه:
{وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة، وإنا على آثارهم مقتدون}(الزخرف:23)
وكأن أولئك لم يكْفِهِمْ عار اتباع الكفر بغير هُدىً؛ بل أضافوا إليه عاراً جديداً؛ يتمثل في ادعائهم الأجوف بالهدى {وإنا على آثارهم مهتدون}، وكأنه لم يكفهم أن يعلنوا اتباع آبائهم هدياً أو ضلالاً؛ بل ازدادوا ضلالاً على ضلالتهم حين ادعوا أن ذلك الاتباع إنما هو من قبيل الاقتداء!!. والاقتداء من "القدوة"؛ والتي من المفترض ألا تكون إلا في حسن!!. لذلك فقد وجدنا الآيات الكريمة تبين ماهية الاتباع؛ ووجوب ألا يكون إلا فيما عُرفت هدايته من رسالةٍ أو تنزيل: {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله}، وقد نعى القرآن الكريم على نقيضه فقال عز من قائل:
{وبرزوا لله جميعاً فقال الضعفاء للذين استكبروا إنّا كنا لكم تبعا}(إبراهيم:21)
ويقول في آية أخرى:
{وإذ يتحاجّون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا}(غافر:47)
وهذا التفريق بين معنيين من "الاتباع" تؤكده الآيات الكريمة حينما تتحدث عن النوع الآخر منه:
{واتبعوا النور الذي أنزل معه، أولئك هم المفلحون}(الأعراف:157)
وكذلك: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني، وسبحان الله، وما أنا من المشركين}(يوسف:108)
فالنموذج الذي تقدمه الآيات للاتباع المقبول هو "اتباع النور"، و "اتباع الرسول"، واتباعٌ "على بصيرة"، وقد وجدنا الآيات الكريمة تقدم نموذجاً متكاملاً لما يدعوه القرآن الكريم بـ "السبيل"، وهو يجمع الصُوَرَ المثُلى لكلٍ من "الداعي" و"الدعوة" و"الاستجابة"، فهو سبيلٌ تظلله الهداية؛ لأن هدفه وغايته هو الله، وهو سبيل تسبق فيه "البصيرةُ" "الدعوةَ" ذاتها، ويسبق فيه الفهمُ والإدراكُ الحركةَ نفسها، وهذا السبيل من الاتباع هو الذي يرتقي بالأمة؛ فيحول الكمّ المهمل فيها إلى كيفية فاعلة، ولن يتم كلُ هذا إلا بالوقوف الدائم والمستمر على ضفة الإيمان مستحضرين كل أدوات "التفكر" و "التدبر" و "التبصر".
والتفكر والتدبر هما أداتان لبلوغ الصواب، لكن الإصابة ليست هدفاً مضموناً في كل الحالات، والأمة التي تتوقع الإصابة في كل حالات اجتهادها؛ هي أمة لا تدرك حقيقة الإنسان ودوره في هذه الحياة...
كما أن معرفة الإمكانيات الحقيقية للإنسان تعزز حقيقة وجود كون خارج الحواس؛ وقد حبا الله الإنسان بمجموعة من الحواس مكّنته من إدراك جزءٍ من الحقيقة التي تحيط به، وما يميز تلك الحواس هو محدودية قدرتها، فالعين البشرية ،على سبيل المثال، تدرك المرئيات حسب طول الموجة المنبعثة منها، وما الألوان التي تراها العين إلا تعبيراً عن أطوال مختلفة للموجات المنبعثة من تلك الأجسام. وتقع تلك الموجات المرئية بين (4000-7600) أنجستروم([1])؛ والتي تمثلُ ما يمكن رؤيته من أشياء، ومعنى ذلك أن كل الأجسام التي تنبعث منها موجات تحت ذلك الطول الموجي، وتقع بين (3000-4000) أنجستروم، وتعرف بالأشعة فوق البنفسجية لا يمكن رؤيتها بواسطة العين البشرية، وينطبق الأمر كذلك على الأشعة تحت الحمراء التي يقع الطول الموجي لها فوق (7600) أنجستروم؛ فلا يمكن رؤيتها بالعين المجرد كذلك.
إن محدودية الإمكانيات والقدرات البشرية على إدراك الحقائق من حولنا تمثل عجزاً متأصلا في الإنسان، ويُبررُ هذا العجز -جزئياً- حاجةَ الإنسانِ الدائمة إلى "التوبة"؛ والتي يعرضها الدينُ كفعلٍ بشريٍ لتدارك النقص والخطأ الناشئين عن الضعف الموروث في جبلة هذا المخلوق، ويُنظر إليها كاجتهادٍ إنسانيٍ للتغلب على السلبيات الناشئة عن الحيود والانحراف عن طريق الرشاد... وإن الأديان السماوية لم تأتِ الأديان لتعذيب الإنسان بقدر ما جاءت لتضع أمامه سبيلاً سوياً يسير عليه، ولتضع نُصْبَ عينيه علامات الهداية والرشاد.
إن إدراكنا لحدود بشريتنا وإنسانيتنا يفرضُ علينا القبول بحقيقة إمكانية وقوعنا -كبشر- في الأخطاء، لذلك فقد أطلق أسلافنا على هذا النشاط البشري اسم "الاجتهاد" وهي التسمية الموضوعية المعبرة عن بذل أقصى الجهد لترجيح تحقيق الصواب دون نفي إمكانية الوقوع في الخطأ.
إن المطلوب من الأمة اليوم هو أن تعود لسيرتها الأولى؛ بما حباها عزّ وجل من قدرة على إحداث الفعل والمبادرة به، وتتمثل تلك العودة في إعادة تفعيل أدمغة أبناء الأمة لتبدأ بالتفكير الحر والمبدع من جديد، لكن تلك العودة تظل تُواجَه بعدد من العقبات...
إن تلك العودة تقتضي منا الانسحاب من الاضطراب إلى الثبات، وهذا يقتضي منا تحليل كل ما يقع تحت أيدينا إنطلاقاً من قاعدة ثابتة، .
عقبات في طريق الوعي
أما العقبة الأولى التي تواجه قارئ القرآن وتمنعه من الولوج إلى أسرار جماله فهي فقدان حس التذوق للغة، وقد أدى ذلك إلى فقدان مفردات القرآن لمعانيها، وتحوُل أُخرى إلى كلمات غريبة على قارئه؛ مع أنها تحمل مضامين النص القرآني، وقد أدّى ذلك كله إلى حالة من الضبابية وعدم الفهم لما يطرحه القرآن الكريم من أحكام وتوجيهات، فكانت النتيجة النهائية هجران القرآن من الناحية الفعلية، وقد أشار القرآن الكريم إلى تلك الحالة حين قال:
{وقال الرسول يا ربّ إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا}(الفرقان:30)
وقد أدى تلك الحالة إلى أن أصبحت عملية القراءة غير مقترنةٍ دائماً بالفهم، وأصبح عدم فهم القرآن عاملا من عوامل التثبيط لعملية القراءة، وقد أدت تلك الحالة إلى تكريس شبه دائم لحالة الجفاء والهجران بين الإنسان المسلم والقرآن.
ولعل تلك المشكلة المتمثلة بحالة "الهجران"؛ والتي أصبحت تغلف علاقة المسلم بدينه وبكتاب ربه، لعلها تلقي بظلال كثيفة من المسئولية تدفع كل مهتم لإيجاد السبل الكفيلة بالتغلب على تلك الحالة، والتي تعتبر مظهرا من مظاهر السقوط الحضاري؛ والتي تعني في أفدح وجوهها فقدان أداة الفهم، أداة التعبير، وأداة التفاعل مع المحيط أخذاً وعطاءً...
لكن المشكلة ،وبسبب طبيعتها المعقدة، فإننا لا نرى شيئا واحدا يمكن أن نفعله منفردا يكون كفيلا بحلها، لكن قد يكون جزء من الحل هو في تغيير المناهج الدراسية بكاملها، وإعادة بنائها من جديد على أسس مستقيمة، خصوصاً تلك المناهج الخاصة بمراحل التعليم الأساسي، بحيث تتم إعادة اكتشاف وتأهيل الألفاظ الواردة في القرآن الكريم؛ بما يعنيه ذلك من دمجٍ لها في المناهج المختلفة، وإذا ما حدث ذلك فسوف يكون سهلاً على التلميذ، الطالب، الموظف، العامل، ربة البيت، سوف يكون من السهل عليهم جميعاً قراءة القرآن، وإدراك الحد الأدنى المطلوب توفره لإحداث عملية الفهم له، مما سيضعنا ،حتماً، في المكان السليم الذي نستطيع من خلاله استعادة القدرة على "تدبر" النص والانفعال به والتفاعل معه.
وطلب الوصول إلى حالة "التدبر" يجب ألا يفهم منه أننا نسعى لإيصال الجميع إلى مواقع "الاجتهاد"، بل غرضنا منه العودة للتذكير بحقيقة أن القرآن الكريم هو كتاب منزّل من عند الله تعالى؛ ليتم فهمه والتعامل معه بصورة مباشرة من قبل المؤمنين به، وألا يستقر أمر فهمه على مجرد طبقة من رجال الدين التي تحتكر فهمه، وتملي كيفية تطبيقه، كما حدث مع الأديان الأخرى.
أما العقبة الثانية التي تقف في طريق التفاعل بين العقل والنص القرآني الكريم فهي عقبة من نوعٍ آخر، إنها العقبة النفسية والتي تتمثل في خوف بعض قراء القرآن من إعمال العقل فيه وتدبر آياته، اعتقادا منهم بأن من شأن ذلك التدبر إفساد قداسة النص، وقد أدى الحرص المبالغ فيه على عدم المس بقداسة النص القرآني إلى التضحية بالمحصلة المتوخاة من وراء تلك القراءة؛ وهي إحداث حالة من التفاعل مع النص والانفعال به؛ بحيث يتسنى للنص فيما بعد أن يكون عامل تأثير في مجريات حياة الإنسان.
وعلى الرغم من صحة القول بأن للنص القرآني قداسة تفرض محاذير خاصة عند التعامل معه، إلا أنه لمما يتنافى مع طبيعته كذلك أن تؤدي تلك المحاذير إلى إخماد روح التفاعل ما بين القرآن الكريم وقارئه، وإن من شأن تلك الحساسية أن تكون أمراً مقبولاً إذا ما مورست في حدود تؤدي إلى المحافظة عليه من العبث، لكن لا يجوز -ولا بأي حال من الأحوال- السماح لتلك المحاذير أن توقفَ حالة انفعال العقل مع النص، والتي ستؤدي حتماً إلى تعطيل حركة الإنسان باتجاه ربه.
إنه لمما يؤسف له أن تلك الحساسية في التعامل مع النص القرآني -وفي ظل حالة الضعف التي عانت منها الأمة- قد أدت إلى حالة فعلية من الجفاء بين الأمة ومصدر قوتها، وقد ساهمت تلك الحالة في توقف حركة "الاجتهاد" والتي يعني توقفها توقف الحياة ذاتها بالنسبة للأمة.
إذن؛ فإن محاولات تحقيق الهدف المرجو من وراء "تدبر" آيات القرآن الكريم يمكن أن تضع "القارئ" بين محذوري "اقتحام النص" بدون امتلاك ناصية العلم، وفهم اللغة العربية على وجه الخصوص، والآخر: محذور قراءة النص -فقط- ابتغاء تحصيل الأجر، والقراءة -فقط- لغرض تحصيل الأجر من الله عز وجل إن جاءت من العامة كانت مقبولة، لكن لا يمكن قبولها من العلماء الذين أعطاهم الله عزّ وجل نعمة العلم، إذ على أولئك أن يقرأوا النص القرآني الكريم بتدبر وتفكر وفهم.
الغنى الموضوعي في النص القرآني
إنّ محمداً e نبي آخر الزمان، ومعجزته القرآن الكريم، وهي المعجزة الباقيةُ؛ المستمرةُ؛ الخالدة... فكان لابد وأن تتسع آياته لكل ما يطرأ أو يستجد في حياة البشر وفي دنيا الناس من تغيرات، والعلم والاكتشافات هي جزء من تلك التغيرات...
والقرآن الكريم كتابُ تعبدٍ وهداية، لكنه لم يخلُ من شذرات وإشارات إلى أشياء أخرى في مجالات العلوم الإنسانية والطبيعية المختلفة، فهو لم يخلُ من إشاراتٍ تمَتُّ بصلة لعلم الفلك، أو الجيولوجيا... الخ، لذلك فهي تُعدُّ وجهاً آخر متجدداً من وجوه الإعجاز، ودليلاً من دلائل الإثبات بأن هذا القرآن لم يأتِ به بشرٌ من عند نفسه، وقد جاءت الإشارات لتغطي المعارف الإنسانية كافة؛ بحيث يصعب على بشرٍ عادي أن يحيط بمجال تنوعها؛ فضلاً عن إدراك أسرارها!!، والسر في ذلك كما توضحه هذه الآية وأخواتها: {ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك} (آل عمران:44)
والآيات تأتي في تمام الوضوح وكمال التعبير؛ معبرةً عن أن ما جاء به محمد e لم يكن لبشر أن يحيط به لولا فضل الله في أن يرسل للبشر نوراً يهديهم:
{وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان، ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا}(الشورى:52)
وتتعدد المواضيع التي تغطيها الآيات الكريمة، لكن القصص القرآني يجمعه جامع الإحاطة بكل معاني الكمال والتمام؛ ذلك أنه مثلما وصفه عز وجل بأنه {أحسن القصص}...
وهو أحسن القصص في كل سورةٍ من سوره، وكل آيةٍ من آياته، وكل كلمةٍ من كلماته، وكل حرفٍ من حروفه ... فالحُسن هنا إنما ينسحب على القرآن الكريم بتمامه، وقد جاء في افتتاح سورة "يوسف":
{نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن}(يوسف:3)
إن واحدة من الدلالات المذهلة لهذه المعجزة الخالدة يشي بها فهرس سور القرآن الكريم؛ والذي يتناول مواضيع متعددة ومختلفة... فهو يذكر من الحيوانات: البقرة، الأنعام، الفيل!!...
ومن الأسماء والأجناس: يونس، هود، يوسف، إبراهيم، طه، مريم، النساء، الأنبياء، المؤمنون، لقمان، يس، محمد، نوح، الإنسان، قريش، الناس!!...
أما الظواهر الطبيعية والفلك فسجلّها في فهرس القرآن الكريم جدُّ حافل، فضلاً عما احتوته الآيات ذاتها من إشارات، فمن أسماء السور التي حملت تلك الإشارات: الرعد، الدخان، النجم، القمر، المعارج، التكوير، الانفطار، الانشقاق، البروج، الطارق، الفجر، الشمس، الليل، الضحى، الزلزلة، العصر، الفلق!!!..
وفي الأحداث ذات الدلالة في مسيرة الإيمان البشرية جاءت سور: الإسراء، الكهف، الروم، الأحزاب، الفتح!!...
ومن أسماء الحشرات اختيرت أعلام السور: النحل، النمل، العنكبوت!!... وهناك سور كاملة حملت أسماءً لشعائر تعبدية مثل: الحج والجمعة!!... إضافة إلى العديد من السور التي صورت أخلاقاً بعينها يمكن أن تتلبس الإنسان؛ فجاءت السور: المطففين، المنافقون، الماعون، الكافرون!!... لكن سورة عجيبة حملت اسماً أشد إثارة للعجب، هي سورة "الحديد"!!!... إذ لم تحمل سورة أخرى من سور القرآن الكريم اسماً لمسمىً يجمعه والحديد وجه شبه، مما يقطع بأن الحديد فيه ما ليس في غيره مما يعلمه الله ولا نعلمه([2])، وكل ما نعلمه من تلك الحكمة أن الله عزّ وجل قال فيه:
{وأنزلنا الحديد فيه بأسٌ شديد ومنافعُ للناس}(الحديد:25)
لقد كان مما شدّ انتباهي إلى أهمية إجراء هذا البحث وجود ذلك الاسم العجيب لتلك السورة... سورة "الحديد"... ثم ما لبثت لفظة "نحاس" أن أضيفت إلى مخزون ما هو جاذبٌ للنظر من مفرداتٍ حفل بها القرآن الكريم، فزادت من تأثير ذلك الاسم لتلك السورة، سورة "الحديد"، وما لبثت ألفاظٌ جديدةٌ أن أضيفت إلى قائمة الحيرة والاندهاش!!، إذ وردت -على سبيل المثال- لفظة ذرّة، وقد وردت بمعناها المباشر الذي هو أقرب ما يكون إلى الاستخدام العلمي والعملي في عالم اليوم، بعد أن انصرفت عن معناها اللغوي الذي فُهمت به حين تنزلها أو كادت أن تنصرف عنه، لندرك بعد هنيهة أنها وردت بصورة أشد عجباً؛ فقد وردت في كل مواضع ورودها بلفظ "مثقال ذرّة"... ولم ترد كلمة "ذرّة" مجردة ولو لمرة واحدة، وهما المصطلحان اللذان يمكن لمختص في علم الكيمياء أن يفرق بينهما بسهولةً؟!!.
إنها تلك الألفاظ -وغيرها كثير- مما له علاقة وثيقة بعلم الكيمياء؛ والتي دفعتني جميعها باتجاه البحث عنها؛ وعن مواطن الارتباط بين ما عرفناه عنها وبين ما جاء به القرآن الكريم منذ خمسة عشر قرناً من الزمان؛ حيث ضم بين دفتيه العديد من الألفاظ ذات الإيحاء الموضوعي، تلك الألفاظ التي يمكن أن تمس علماً من العلوم الحياتية، والتي تنتظر أن نسلط عليها أضواء التخصص؛ لنفهم المراد منها، دون أن يؤثر ذلك على المهمة الأساسية التي نَزَلَ القرآن من أجلها... أن يكون كتاب هداية يحمل بين طياته رسالة الرحمة.
إننا ومن خلال ما ذهبنا إليه في هذا البحث أردنا أن نثبت أمراً صار في حكم البَدَهِي، ألا وهو أنه ليست لدى البشر -في زمن بعينه- قدرة مطلقة لتفسيركل ما ورد في القرآن الكريم، بل إن هناك ضرورة لأخذ عامل الزمن بعين الاعتبار، ومن هنا يمكن فهم ما ذهب إليه بعض العلماء حين قال: (من هنا ندرك أن مفسري القرآن قد أخطأوا حتماً، وطيلة قرون في تفسير بعض الآيات التي لم يكن باستطاعتهم أن يفطنوا إلى معناها الدقيق، إنّ ترجمة هذه الآيات وتفسيرها بشكل صحيح لم يكن ممكناً إلا بعد ذلك العصر بكثير، أي في عصر قريب منا، ذلك يتضمن أن المعارف اللغوية المتبحرة لا تكفي لفهم هذه الآيات القرآنية، بل يجب، بالإضافة إليها، امتلاك معارف علمية شديدة التنوع)([3]).
وعلى الرغم من اتفاقنا مع الاقتباس الأخير؛ والذي يفيد بعدم استبعاد حدوث أخطاء في إصابة مرامي القرآن الكريم؛ بسبب محدودية ما يحمله زمن معين من انكشاف لعلوم ومعارف بعينها؛ إلا أننا نجد أن من الإنصاف التأكيد هنا على أن تلك الأخطاء لا تقلل من قيمة جهودهم واجتهاداتهم في محاولاتهم لفهم مرامي النص، بل يجب علينا هنا التركيز على ضرورة استيعاب حقيقة هامة، وهي أن الجهد البشري مجبول دائماً باحتمالات الإصابة أو الخطأ، وأن احتمال الخطأ ليس سبباً كافياً لوقف الاجتهاد ومحاولة متابعة ما بدأوه من جهود.
وأخيرا: فإن نظرتنا لما يقدمه القرآن الكريم من لمحات تمتُ إلى بعض العلوم بصلة؛ يجب أن تكون محكومة بإدراك حقيقي لعدم وجود علاقة بين تلك الإيحاءات التي وردت فيه؛ وبين أية معرفة بشرية يكون قد حققها العرب في تلك الحقبة من تاريخهم، حيث لم يكن العرب قد حققوا تلك النتائج في مجال العلوم التجريبية، بل على العكس من ذلك؛ فلقد برعوا في فنون اللغة وأساليب البيان، التي كانت مناط تحدي القرآن الكريم لهم، بل إن الحقيقة الثابتة اليوم يوردها السيد موريس بوكاي وتتحدث عن أن: (فترة تنزيل القرآن، أي تلك التي تمتد على عشرين عاماً تقريباً قبل وبعد عام الهجرة (622م) كانت المعارف العلمية في مرحلة ركود منذ عدة قرون، كما أن عصر الحضارة الإسلامية النشط مع الازدهار العلمي الذي واكبها كان لاحقاً لنهاية تنزيل القرآن، إن الجهل بهذه المعطيات الدينية والدنيوية هو الذي سمح بتقديم الاقتراح الغريب الذي سمعت -الكلام لازال للسيد بوكاي- بعضهم يصوغونه أحيانا، والذي يقول: إنه إذا كان في القرآن دعاوى ذات صفة علمية مثيرة للدهشة فسبب ذلك هو تقدم العلماء العرب على عصرهم، وأن محمداً e بالتالي قد استلهم دراساتهم... إن من يعرف، ولو يسيراً، تاريخ الإسلام؛ ويعرف أيضاً أن عصر الازدهار الثقافي والعلمي في العالم العربي في القرون الوسطى لاحِق لمحمد e ولن يسمح لنفسه بإقامة مثل هذه الدعاوى الوهمية)([4]).
قد يكون فيما استعرضناه وما سنعرض له في سياق هذا الكتاب ما يعيد التذكير بحقيقة أن الإلمام بكل ما جاء به القرآن الكريم من مواضيع لم يكن ليتسنَ لبشر دون أن يكون على اتصالٍ مباشرٍ بخالقٍ مطلعٍ على الغيب؛ متصفٍ بالعلم والحكمة، لكن الأمر لا يقتصر على تلك الفائدة وحدها، بل يمكن له أن يحمل لنا المزيد من الدلالات.
إن وجود مثل تلك الإشارات يؤكد حقيقة الحالة الخاصة للنص القرآني الكريم؛ وقدرته الفائقة على الاتساع واستيعاب الزمن الحادث بكل ما يحفل به من تطورات واكتشافات، لكن ذلك الاستيعاب لا يعني أن يصبح الغرض من قراءة القرآن الكريم وتعلمه أن نعلم الناس علوم الحياة كعلم الذرّة أو الفلك!!؛ بل يجب النظر إليها على أنها إشارات إلهية مستمرة ومتواصلة على مدى الدهر لإثبات صدق الرسالة، ولتثبيت قلوب المؤمنين بالإيمان:
{وليربط على قلوبكم، ويثبت به الأقدام}(الأنفال:11)
وبذلك يقطعُ النصُ القرآنيُ سلاسلَ الرتابةِ والجمود التي يمكن أن يحفل بها أيُ نصٍ آخر نتيجةً لجمود تعبيراته، فالنص القرآني إنما هو نص متجدد، ويمكن للمتدبر لآياته أن يرى المزيد من إعجازه طالما كان هناك ما يمكن أن تطلع عليه الشمس.
جوانب من الكيمياء في القرآن الكريم
إذا أخذنا بالمنهج الذي قمنا ببسطه في الصفحات السابقة، وقمنا بتطبيقه في مجال علم الكيمياء كنموذج لاستقراء العلوم الطبيعية في القرآن الكريم ودراسته في ضوء الحقائق العلمية المعروفة في علم الكيمياء([5])؛فإن أول ما يسترعي الانتباه في هذا المجال هو أن القرآن الكريم قد غطى طيفاً واسعاً من تفرعات هذا العلم؟!... مبتدئين بالذرّة ذاتها والتي استأثرت وحدها بفرع مستقل من فروع علم الكيمياء هو (الكيمياء الذرية)، وتعتبرالذرة أصغر جزء من أجزاء العنصر ويستمد منها صفاته، بل إن القرآن الكريم قد جذب النظرَ إلى حقيقة وجود ما هو أصغر من ذلك الجزء:
{ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين}(يونس:61)
وكأنه يريد أن يسترعي انتباهنا إلى بُنية الذرّة ذاتها!؛ من حيث احتواؤها على الكترونات، وبروتونات، ونيوترونات... الخ... ثم ارتقى القرآن الكريم بنا درجة فشدّ انتباهنا إلى مجموعة العناصر!!، ومن الناحية الكيميائية فإن العنصر الواحد يمتلك ذرات متشابهة، لكن القرآن الكريم وهو يعرض لنا نماذج لبعض العناصر فقد أعطى اهتماماً خاصاًلبعضها، والتي تعرف علمياً بمجموعة "المعادن"، فذكر منها : الذهب، الفضة، الحديد، النحاس...
ثم عاد القرآن الكريم ليرتقيّ بنا درجةً أخرى على سلّم المعارف العلمية الخاصة بعلم الكيمياء؛ فأورد بعد "العناصر" بعضاً من "المركبات"!!؛ فقد وردت لفظة "ملح"، ووردت كذلك لفظة "ماء"([6])، وهما لفظتان تعبران عن مركبين من المركبات الكيماوية.
إن القرآن الكريم وهو يتناول كل هذه الطُرَف؛ لم يتناولها بوصفه كتاباً شارحا للكيمياء، وهذا الأمر متوقع في ضوء ما ذكرناه من حقيقة أن القرآن الكريم ليس كتاباً مهمته تعليم الناس علوم الطبيعة وما شابه، لكن من المقاصد التي يجب أن تؤخذ بالحسبان لدى التعامل مع القرآن الكريم؛ أن تنجذب عقولُنا وأرواحُنا إلى هذا التنوع الواسع، وهذا التعدد العجيب، وهذا التدرج اللامتناهي في شتى درجات اللون؛ والعمق؛ والاتساع... لنبدأ -من ثم- رحلة البحث عن التفاصيل!.
وفي هذا البحث فقد حاولنا أن نقتطف من جِنان القرآن ورودا، ومن بساتينه قطوفاً تراءت لنا متناثرة في ثناياه.. تنوعت بين الذرة، والماء، والحديد والنحاس، والذهب، والفضة، إضافة إلى مجموعة متنوعة من الموضوعات التي تجمعها الكيمياء في عقد واحد...
وقد قصدنا أن نورد في ثنايا بحثنا عدداً من الإضاءات؛ كانت كل واحدة منها تتناول سرا من أسرار الإعجاز القرآني، حيث كشفت كل واحدة منها عن سر لابد من بذل المحاولات الإضافية الجادة لتتبعه واستجلائه في سور القرآن الكريم وآياته كلها.
وقد قصدنا حين تناولنا للموضوعات الواردة في هذا البحث، إيراد الآيات الكريمة المتعلقة بها جميعها، مع إيراد بعض الملاحظات والشرح ،إن أمكن، ومن المأمول أن يكون واضحاً بأن إيراد تلك الآيات بهذا الشكل إنما قصد منه أن تكون هادياً لمن أراد تناول تلك الموضوعات بعد ذلك بمزيد من التفصيل.
عمروعبده 21-02-2011, 09:49 PM و السماء و ما بناها
والســــماء وما بناهـــا
في مطلع سورة الشمس يقسم ربنا( تبارك وتعالى) وهو الغني عن القسم بعدد من حقائق الكون وظواهره فيقول( عز من قائل):
(والشمس وضحاها* والقمر إذا تلاها* والنهار إذا جلاها* والليل إذا يغشاها* والسماء وما بناها* والأرض وما طحاها* ونفس وما سواها* فألهمها فجورها وتقواها*) (الشمس:1 ـ8)
ثم يأتي جواب القسم صادعا, جازما بالقرار الإلهي الذي منطوقه:
قد أفلح من زكاها* وقد خاب من دساها* ( الشمس:9:10)
وكثيرا ما يوجه القرآن الكريم الأنظار إلى التفكر في عملية الخلق: خلق الكون بسماواته وأراضيه, خلق الحياة بمختلف أشكالها, وخلق الإنسان, بكل ما في جسده ونفسه من أسرار ومعجزات, وما صاحب ذلك كله من مظاهر وموجودات, وهي وإن كانت من صفحات كتاب الله المنظور التي تشهد له( تعالى) بطلاقة القدرة, وكمال الصنعة, وشمول العلم والاحاطة فهي تؤكد صدق كل ما جاء في القرآن الكريم لأنه هو كتاب الله المقروء, في صفائه الرباني, و إشراقاته النورانية. وصدق إخباره في كل أمر, وكيف لا وهو وحي السماء الخاتم الذي تعهد ربنا( تبارك وتعالى) بحفظه فحفظ بنفس لغة الوحي( اللغة العربية), وبنفس تفاصيل الوحي الذي أنزل بها سورة سورة, وآية آية وكلمة كلمة وحرفا حرفا, تحقيقا للوعد الالهي الذي قطعه ربنا( سبحانه) علي ذاته العلية فقال( عز من قائل): إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ( الحجر:9)
وبقي هذا الوحي الخاتم ـ ولأنه الوحي الخاتم ـ محفوظا بحفظ الله الخالق علي مدي أربعة عشر قرنا أو يزيد, وسوف يبقي إن شاء الله( تعالى) بصفائه الرباني, وتمامه وكماله إلى أن يرث الله( تعالى) الأرض ومن عليها...!!!
وسورة الشمس مليئة بالإشارات الكونية التي لا يتسع المقام لعرضها في مقال واحد, ولذا فسوف أركز في هذا المقال علي قسم واحد مما جاء في هذه السورة المباركة ألا وهو: والسماء وما بناها( الشمس: الآية الخامسة)
وقبل البدء في ذلك أود أن أكرر ما أكدته مرارا من قبل أن القسم في القرآن الكريم يأتي من قبيل تنبيهنا إلى أهمية الأمر المقسوم به في استقامة الوجود, وانتظام حركة الحياة, لأن الله( تعالى) غني عن القسم لعباده.
ما في اللغة العربية
الوحدات الرئيسية في بناء الجزء المدرك من السماء الدنيا تأتي ما في اللغة العربية علي تسعة أوجه, أربعة منها أسماء, والخمسة الباقية حروف.
والأسماء تأتي بمعني الذي, أو للاستفهام, أو للتعجب أو تأتي للتعبير عن نكرة يلزمها النعت.
والحروف تأتي نافية بمعني( ليس), وتأتي جزائية( مسلطة) إذا أدخل عليها إذ( إذما) أو حيث( حيثما), وتأتي كذلك بصيغة إما و مهما, كما تأتي مع الفعل لتأويل المصدر( مصدرية) أي لتجعل ما بعدها بمنزلة المصدر, وتأتي كافة عن العمل إذا دخلت عليها إن وأخواتها ورب ونحو ذلك من مثل إنما, كأنما, ربما, قلما, طالما, كما تأتي غير كافة من مثل بما, وتأتي محذوفا منها الألف إذا ضم إليها حرف آخر من مثل لم, بم, عم, كما تأتي زائدة لتوكيد اللفظ إذا دخلت عليها حروف أخري من مثل إذما, فإما, إما.
السماء في اللغة العربية
السماء لغة اسم مشتق من السمو بمعني الارتفاع والعلو, تقولhttp://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png سما يسمو سموا فهو سام) بمعني علا يعلو علوا فهو عال أو مرتفع, لأن السين والميم والواو.. أصل يدل علي الارتفاع والعلو, يقال( سموت وسميت) بمعني علوت وعليت للتنويه بالرفعة والعلو, وعلي ذلك فإن سماء كل شيء أعلاه, ولذلك قيل: كل ما علاك فأظلك فهو سماء.
ويقال فلان لا يسامى أي لا يباري, وقد علا من ساماه أي الذي باراه, وتساموا أي تباروا( في اكتساب المعالي عادة).
ولفظة السماء في العربية تذكر وتؤنث( وإن اعتبر تذكيرها شاذ), وجمعها سماوات, واسمية, وسماو, وسمي, وإن كان أشهرها ذيوعا سماوات وهو ما جاء بالقرآن الكريم.
وانطلاقا من ذلك قيل لسقف البيت سماء لارتفاعه, وقيل للسحاب سماء لعلوه واستعير اللفظ للمطر بسبب نزوله من السحاب, وللعشب لارتباطه بنزول ماء السماء.
والسماء دينا هي كل ما يقابل الأرض من الكون, والمراد بها ذلك العالم العلوي من حولنا والذي يضم الأجرام المختلفة من الكواكب والكويكبات, والأقمار والمذنبات, والنجوم والبروج, والسدم والمجرات, وغيرها من مختلف صور المادة والطاقة التي تملأ الكون بصورة واضحة جلية, أو مستترة خفية.
وقد خلق الله( تعالى) السماء ـ وهو خالق كل شيء ـ ورفعها بغير عمد نراها, وجعل لها عمارا من الملائكة ومما لا نعلم من الخلق, وحرسها من كل شيطان مارد من الإنس والجن, فهي محفوظة بحفظه( تعالى) إلى أن يرث( سبحانه) هذا الكون بمن فيه وما فيه.
آراء المفسرين
في تفسير قوله( تعالى) والسماء وما بناها قال المفسرون برأيين يكمل أحدهما الآخر, فقال ابن كثير( يرحمه الله): يحتمل أن تكون( ما) ها هنا مصدرية بمعني: والسماء وبنائها, وهو رأي قتادة( رضي الله عنه), ويحتمل أن تكون بمعني( من) يعني: والسماء وبانيها, وهو قول مجاهد( رضي الله عنه), وكلاهما متلازم, والبناء هو الرفع... وقال صاحب الظلال( يرحمه الله):...( ما) هنا مصدرية, ولفظ السماء حين يذكر يسبق إلى الذهن هذا الذي نراه فوقنا كالقبة حيثما اتجهنا, تتناثر فيه النجوم والكواكب السابحة في أفلاكها ومداراتها, فأما حقيقة السماء فلا ندريها, وهذا الذي نراه فوقنا متماسكا لا يختل ولا يضطرب تتحقق فيه صفة البناء بثباته وتماسكه, أما كيف هو مبني, وما الذي يمسك أجزاءه فلا تتناثر وهو سابح في الفضاء الذي لا نعرف له أولا ولا آخرا... فذلك مالا ندريه....., إنما نوقن من وراء كل شيء أن يد الله هي تمسك هذا البناء.....
وقال مخلوف( يرحمه الله)http://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png والسماء ومابناها) أي ومن أوجدها وأنشأها بقدرته وأضاف: وإيثار( ما) علي( من) لارادة الوصفية تفخيما وتعظيما, كأنه قيلhttp://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png والسماء والإله) القادر العظيم الذي بناها, وزاد بعد ذلك بقليل: وقيل إن( ما) في الآيات الثلاث(5 ـ7 من سورة الشمس) مصدرية, فيكون القسم ببناء السماء, وطحو الأرض, وتسوية النفوس في الخلقة.
وقال الصابوني( أمد الله في عمره):... أي وأقسم بالقادر العظيم الذي بني السماء, وأحكم بناءها بلا عمد وأضاف: قال المفسرون( ما) اسم موصول بمعني( من), أي والسماء ومن بناها, والمراد به الله رب العالمين بدليل قوله بعده( فألهمها فجورها وتقواها), كأنه قال: والقادر العظيم الشأن الذي بناها, فدل بناؤها وإحكامها علي وجوده, وكمال قدرته....
وهذا هو عين الصواب لأن القسم بالسماء وبخالقها العظيم يحوي قسما ببنائها المذهل في اتساعه, وتعدد أجرامه, وإحكام تماسكه وترابط مختلف أجزائه علي الرغم من الطبيعة الدخانية الغالبة عليه, وهذه الأمور وغيرها مما يشهد لله الخالق( سبحانه وتعالى) بطلاقة القدرة, وإبداع الصنعة, وكمال العلم, وعظيم الحكمة, وبالتفرد بالألوهية, والربوبية, والوحدانية فوق جميع خلقه, ومن هنا كان القسم بالسماء وبخالقها الأعظم وببنائها المذهل البديع...!!!
ثم يستمر السياق القرآني بالقسم بالأرض وبالذي طحاها مع روعة هذا الطحو والدحو, وبالنفس وبخالقها المبدع الذي سواها فألهمها فجورها وتقواها وجعلها علي هذا القدر من عظمة البناء وتعقيده, وكرمها من فضله وجوده, ومنحها الارادة الحرة, وحرية الاختيار, ثم يأتي جواب القسم: قد أفلح من زكاها* وقد خاب من دساها.
بمعني أن كل من اجتهد في تزكية نفسه, وتطهيرها, وتنمية الاستعدادات الفطرية للخير فيها, ومقاومة نوازع الشر المتداعية بين جوانبها فقد فاز وأفلح, ومن أهمل كل ذلك, وجافي هداية ربه, واتبع شهوات نفسه, وأطفأ أنوار الفطرة الربانية فيها فقد خاب وخسر, وذلك لأن الله( تعالى) قد خلق الإنسان من الطين بما لهذا الطين من حاجات وشهوات, ونفخ فيه من روحه ومالها من أنوار. وإشراقات, وغرس في الجبلة الإنسانية حب الخيرات, وكراهية المنكرات ومنح الإنسان العقل ميزانا بين جميع الاتجاهات وأنزل هدايته الربانية نورا للإنسان يفرق بين ما ينبغي ومالا ينبغي له أن يفعل, فمن اتبع الهداية الربانية, ونمي تلك الإشراقات الفطرية النورانية في نفسه فقد فاز وأفلح, ومن أتبع نفسه هواها, وأغرقها في شهواتها فقد خاب وخسر, وهذا هو جواب القسم المفخم بالسماء وخالقها ومبدعها, وبروعة بنائها الذي أقسم به ربنا تبارك وتعالى ـ وهو الغني عن القسم ـ ليؤكد هذا القرار الذي أنزله( سبحانه) من فوق سبع سماوات: قد أفلح من زكاها* وقد خاب من دساها*
فماذا تقول العلوم الكونية في عظمة شيء واحد من المقسوم به في هذه الآية الكريمة ألا وهي السماء؟ وقبل الجواب علي ذلك أعرض لمفهوم السماء في القرآن الكريم.
السماء في القرآن الكريم
جاءت لفظة السماء في القرآن الكريم في ثلاثمائة وعشرة مواضع, منها مائة وعشرون بالإفراد( السماء), ومائة وتسعون بالجمع(السماوات).
كذلك جاءت الاشارة إلى السماوات والأرض وما بينهما في عشرين موضعا من تلك المواضع( المائدة:18,17),( الحجر:85),( مريم:65),( طه:6),( الأنبياء:16),( الفرقان:59),( الشعراء:24),( الروم:8),( السجدة:4),( الصافات:5),( ص:66,27,10),( الزخرف:85),( الدخان:38,7),( الأحقاف:3),( ق:38),( النبأ:37).
وجاء ذكر السحاب المسخر بين السماء والأرض في موضع واحد من الآية رقم164 في سورة البقرة, والتي تشير إلى أن القرآن الكريم يفصل بين السماء والأرض بنطاق يضم السحاب, وهو ما يعرف بنطاق المناخ الذي لا يتعدى سمكه16 كيلو مترا فوق خط الاستواء, ويحوي أغلب مادة الغلاف الغازي للأرض(75% بالكتلة).
وعلي ذلك فإن السماء في القرآن الكريم تشمل كل ما يحيط بالأرض بدءا من نهاية نطاق المناخ إلى نهاية الكون التي لا يعلمها إلا الله, ويشير القرآن الكريم إلى أن الله تعالى قد قسم السماء إلى سبع سماوات, كما قسم الأرض إلى سبع أرضين فقال( تعالى):
الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله علي كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما (الطلاق:12)
وقال( سبحانه وتعالى): ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا, وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا (نوح:16,15) وقال( عز من قائل): الذي خلق سبع سماوات طباقا... ( الملك:3)
و يتضح من هذه الآيات بصفة عامة, ومن آيتي سورة نوح(16,15) بصفة خاصة أن السماوات السبع متطابقة حول مركز واحد, يغلف الخارج منها الداخل, وإلا ما كان جميع ما في السماء الدنيا واقعا في داخل باقي السماوات, فيكون كل من القمر والشمس ـ وهما من أجرام السماء الدنيا ـ واقعين في كل السماوات السبع.
وجاء ذكر السماوات السبع في سبع آيات قرآنية كريمة هي:[( الإسراء:44),( المؤمنون:86),( فصلت:12),( الطلاق:12),( الملك:3),( نوح:16,15),( النبأ:12)].
كذلك جاءت الإشارة القرآنية إلى سبع طرائق في الآية(17) من سورة( المؤمنون), واعتبرها عدد من المفسرين إشارة إلى السماوات السبع, وإن كان الاشتقاق اللفظي يحتمل غير ذلك.
ويشير القرآن الكريم إلى أن النجوم والكواكب هي من خصائص السماء الدنيا وذلك بقول الحق( تبارك وتعالى):
إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب (الصافات:6)
وقوله( سبحانه وتعالى): .... وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم (فصلت:12)
وقوله( عز من قائل): ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح... (الملك:5)
وفي زمن تفجر المعارف العلمية, والتطور المذهل للوسائل التقنية الذي نعيشه لم يستطع الانسان إدراك سوي جزء صغير من السماء الدنيا, ولم يتجاوز إدراكه لذلك الجزء10% مما فيه...!!!
السماء في علوم الفلك
يقدر علماء الفلك قطر الجزء المدرك من الكون بأكثر من أربعة وعشرين بليونا من السنين الضوئية(24 بليون*9.5 مليون مليون كيلو متر), وهذا الجزء من السماء الدنيا دائم الاتساع إلى نهاية لا يعلمها إلا الله( تعالى), وبسرعات لا يمكن للانسان اللحاق بها, وذلك لأن سرعة تباعد بعض المجرات عنا وعن بعضها بعضا تقترب من سرعة الضوء المقدرة بنحو الثلاثمائة ألف كيلو متر في الثانية, وهذا الجزء المدرك من الكون مبني بدقة بالغة علي وتيرة واحدة, تبدأ بتجمعات فلكية حول النجوم كمجموعتنا الشمسية التي تضم بالإضافة إلى الشمس عددا من الكواكب والكويكبات, والأقمار والمذنبات التي تدور في مدارات محددة حول الشمس, وتنطوي أمثال هذه المجموعة الشمسية بملايين الملايين في مجموعات أكبر تعرف باسم المجرات, وتكون عشرات من المجرات المتقاربة ما يعرف باسم المجموعة المحلية, وتلتقي المجرات ومجموعاتها المحلية فيما يعرف باسم الحشود المجرية, وتنطوي تلك في تجمعات محلية للحشود المجرية, ثم في حشود مجرية عظمي, ثم في تجمعات محلية للحشود المجرية العظمي إلى ما هو أكبر من ذلك إلى نهاية لا يعلمها إلا الله( سبحانه وتعالى).
شمسنا: هي عبارة عن كتلة غازية ملتهبة, مشتعلة, مضيئة بذاتها علي هيئة نجم عادي متوسط الحجم ومتوسط العمر. ويقدر نصف قطر الشمس بنحو سبعمائة ألف كيلو متر(6.960*510 كم), وتقدر كتلتها بنحو ألفي مليون مليون مليون مليون طن تقريبا(1.99*2710 طن), ويقدر متوسط كثافها بحوالي 1.41 جرام للسنتيمتر المكعب, بينما تصل كثافة لبها إلى90 جراما للسنتيمتر المكعب, وتتناقص الكثافة في اتجاه إكليل الشمس لتصل إلى جزء من عشرة ملايين من الجرام للسنتيمتر المكعب.
ويزيد حجم الشمس علي مليون مرة قدر حجم الأرض, كما تزيد كتلتها علي كتلة الأرض بنحو333.400 ضعف.
وتقدر درجة حرارة سطح الشمس بنحو ستة آلاف(5800) درجة مطلقة, ودرجة حرارة لبها بنحو15 مليون درجة مطلقة, بينما تصل درجة حرارة هالتها( إكليلها) إلى مليوني درجة مطلقة. وتتكون الشمس أساسا من غاز الايدروجين(70%), والهيليوم(28%) ومن نسب ضئيلة من عدد من العناصر الأخري(2%). وتنتج الطاقة في الشمس( وفي أغلب النجوم) أساسا من تحول الإيدروجين إلى هيليوم بعملية الاندماج النووي, وتستمر العملية لإنتاج آثار طفيفة من عناصر أعلي في وزنها الذري.
ونظرا للطبيعة الغازية الغالبة للشمس فإن دورانها حول محورها يتم بطريقة تفاضلية (Differential Rotation), وذلك لان قلب الشمس يدور كجسم صلب يتم دورته في36.5 يوم من أيامنا, بينما الكرة الغازية المحيطة بهذا القلب الشمسي( ويبلغ سمكها ثلثي نصف قطر الشمس) يتم دورته حول مركز الشمس في نحو24 يوما من أيامنا, وعلي ذلك فإن متوسط سرعة دوران الشمس حول محورها يقدر بنحو27 يوما وثلث يوم من أيام الأرض.
وتجري الشمس( ومعها مجموعتها) نحو نقطة محددة في كوكبة هرقل( كوكبة الجاثي) بالقرب من نجم النسر الواقع (Vega) بسرعة تقدر بنحو19.5 كيلو متر في الثانية, وتسمي هذه النقطة باسم مستقر الشمس. وتجري المجموعة الشمسية كذلك حول مركز مجرتنا( الدرب اللبني) بسرعة خطية تقدر بنحو250 كيلومترا في الثانية لتتم دورتها في نحو250 مليون سنة من سنينا.
مجموعتنا الشمسية
تضم مجموعتنا الشمسية بالإضافة إلى الشمس كواكب تسعة هي( قربا من الشمس إلى الخارج): عطارد, الزهرة, الأرض, المريخ, المشتري, زحل, يورانوس, نبتيون, بلوتو, ثم مدارات المذنبات التي لم تعرف لها حدود, هذا بالإضافة إلى عدد من التوابع( الأقمار) التي يقدر عددها بواحد وستين تدور حول بعض من هذه الكواكب, وآلاف الكويكبات المنتشرة بين كل من المريخ والمشتري والتي يعتقد بأنها بقايا لكوكب منفجر, وآلاف الشهب والنيازك, وكميات من الدخان( الغاز الحار والغبار).
والكواكب الأربعة الداخلية( عطارد, والزهرة, والأرض, والمريخ) هي كواكب صخرية, والكواكب الخارجية( من المشتري إلى بلوتو) هي كواكب غازية تتكون من عدد من الغازات المتجمدة علي هيئة جليد( من مثل بخار الماء ثاني أكسيد الكربون, الأمونيا, الايدروجين والهيليوم) حول لب صخري ضئيل.
وكواكب المجموعة الشمسية تدور كلها حول الشمس في اتجاه واحد, وفي مستوي واحد تقريبا ما عدا بلوتو, وذلك في مدارات شبه دائرية( اهليلجية) بحيث تقع الشمس في إحدى بؤرتيه, وأبعد نقطة علي المدار يصل إليها الكوكب تسمي الأوج, وأقرب نقطة تسمي الحضيض ومتوسط مجموعهما يمثل متوسط بعد الكوكب عن الشمس, كذلك تزداد سرعة الكوكب بقربه من الشمس وتقل ببعده عنها بحيث يمس الخط الوهمي الواصل بينه وبين الشمس مساحات متساوية في وحدة الزمن.
وتقدر المسافة بين الأرض والشمس بنحو المائة والخمسين مليون كيلو متر(149.6 مليون كم) وقد اعتبرت هذه المسافة وحدة فلكية دولية واحدة.
وتقدر المسافة بين الشمس وأقرب كواكبها( عطارد) بنحو الثمانية والخمسين مليونا من الكيلومترات(57.9 مليون كم), كما تقدر المسافة بين الشمس وأبعد الكواكب المعروفة عنها( بلوتو) بنحو ستة بلايين من الكيلومترات5913.5 مليون كم), ويلي مدار بلوتو إلى الخارج سحابة ضخمة من المذنبات التي تدور حول الشمس في مدارات يقدر بعد بعضها عن الشمس بأربعين ألف وحدة فلكية( أي نحو ستة تريليونات من الكيلومترات), ومن الممكن وجود مدارات حول الشمس أبعد من ذلك ولكنها لم تكتشف بعد, وإذا كان امتداد المجموعة الشمسية يعبر عنه بأبعد مسافة نعرفها حول الشمس تتم فيها حركة مدارية حول هذا النجم فإن مدار بلوتو لا يمكن أن يعبر عن حدود مجموعتنا الشمسية, وعليه فإننا في زمن التقدم العلمي والتقني المذهل الذي نعيشه لم ندرك بعد حدود مجموعتنا الشمسية...!!!
مجرتنا( مجرة الدرب اللبني) (The Milky Way Galaxy)
تنطوي مجموعتنا الشمسية مع حشد هائل من النجوم يقدر بنحو التريليون( مليون مليون) نجم فيما يعرف باسم مجرة الدرب أو الطريق اللبني( درب اللبانة) علي هيئة قرص مفرطح يقدر قطره بنحو المائة ألف سنة ضوئية, ويقدر سمكه بعشر ذلك( أي حوإلى العشرة آلاف سنة ضوئية), وتقع مجموعتنا الشمسية علي بعد يقدر بنحو الثلاثين ألف سنة ضوئية من مركزه, وعشرين ألف سنة ضوئية من أقرب أطرافه.
وتتجمع النجوم حول مركز المجرة فيما يشبه النواة, وتلتوي الأجزاء الخارجية من قرص المجرة مكونة أذرعا لولبية تعطي لمجرتنا هيئتها الحلزونية, وترتبط النجوم في مجرتنا( وفي كل مجرة) مع بعضها بعض بقوي الجاذبية, مشكلة نظاما يتحرك في السماء كجسم واحد وتتجمع النجوم في مجرتنا في ثلاث جمهرات نجمية (Stellar populations)
علي النحو التإلى:
(1) جمهرة القرص الرقيق وتقع علي مستوي1155 سنة ضوئية من مستوي المجرة وتضم أحدث النجوم عمرا بصفة عامة.
(2) جمهرة القرص السميك; وتقع علي ارتفاع3300 سنة ضوئية من مستوي المجرة, وتضم نجوما متوسطة في العمر بصفة عامة.
(3) جمهرة الهالة المجرية وتقع علي ارتفاع11.550 سنة ضوئية من مستوي المجرة وتضم أقدم نجوم مجرتنا عمرا بصفة عامة.
وتنتشر بين النجوم سحب دخانية ساخنة يغلب علي تركيبها غاز الايدروجين الحامل للغبار علي هيئة هباءات متناهية في الدقة من المواد الصلبة مكونة ما يعرف باسم المادة بين النجوم (Interstellar Matter)
التي تمتص ضوء النجوم فتخفيها, ولذلك فإن الراصد لمجرتنا من الأرض لا يري بوضوح أكثر من15% من مجموع مكوناتها إلا باستخدام المقربات( التليسكوبات) الراديوية.
ونواة مجرتنا تجر معها أذرعها اللولبية التي قد ترتفع فوق مستوي النواة, والسحب الدخانية في تلك الأذرع تتحرك بسرعات تتراوح بين الخمسين والمائة كيلو متر في الثانية, وتتراكم هذه السرعات الخطية علي سرعة دوران محورية تقدر بنحو250 كيلو مترا في الثانية دون أن تنفصل أذرع المجرة عن نواتها بسبب التفاوت في سرعة الأجزاء المختلفة منها.
وهذا الدوران التفاضلي( التفاوتي) يؤدي إلى تسارع المادة الدخانية بين النجوم, ثم إلى كبح سرعتها مما ينتج عنه تكثيفها بدرجة كبيرة و بالتالي تهيئتها لتخلق النجوم الابتدائية (pro-or proro-stars) التي تتطور إلى ما بعد ذلك من مراحل.
ومن نجوم مجرتنا ما هو مفرد, وما هو مزدوج, وما هو عديد الأفراد.
وتدور نجوم مجرتنا في حركة يمينية أساسية منتظمة حول مركز المجرة في اتجاه القطر الأصغر لها, مع وجود الدوران التفاوتي لمختلف أجزائها.
ويحصي علماء الفلك في الجزء المدرك من السماء الدنيا مائتي ألف مليون مجرة ــ علي الأقل ــ بعضها أكبر من مجرتنا كثيرا, وبعضها الآخر أصغر قليلا, والمجرات عبارة عن تجمعات نجمية مذهلة في أعدادها, يتخللها الدخان الكوني بتركيز متفاوت في داخل المجرة الواحدة, والتي قد تضم عشرات البلايين إلى بلايين البلايين من النجوم.
وتتباين المجرات في أشكالها كما تتباين في أحجامها, وفي شدة إضاءتها, فمنها الحلزوني, والبيضاني( الإهليلجي), وما هو غير محدد الشكل, ومنها ما هو شديد الاضاءة, وما يبدو علي هيئة نقاط باهتة لا تكاد تدرك بأكبر المناظير المقربة( المقاريب), وتقع أكثر المجرات ضياء في دائرة عظمي تحيط بنا في اتجاه عمودي تقريبا علي مستوي مجرتنا. وتبلغ كتلة الغازات في بعض المجرات ما يعادل كتلة ما بها من نجوم وتوابعها, في حين أن كتلة الغبار تقل عن ذلك بكثير, وكثافة الغازات في المجرة تقدر بحوإلى ذرة واحدة لكل سنتيمتر مكعب بينما يبلغ ذلك1910 ذرة/سم3 في الغلاف الغازي للأرض عند سطح البحر.
المجموعة المحلية (The Local Group)
تحشد مجرتنا( درب اللبانة) في مجموعة من أكثر من عشرين مجرة في تجمع يعرف باسم المجموعة المحلية للمجرات (The Local Group of Galaxies)
يبلغ قطرها مليون فرسخ فلكي (One Million Parsec)
( أي يساوي3,261,500 سنة ضوئية=3,0856*1910 كيلومتر) وتحتوي المجموعة المحلية التي تتبعها مجرتنا علي ثلاث مجرات حلزونية وأربع مجرات غير محددة الشكل, وأعداد من المجرات البيضانية العملاقة والقزمة, وقد تحتوي علي عدد أكبر من المجرات الواقعة في ظل مجرتنا ومن هنا تصعب رؤيتها.
الحشود المجرية والحشود المجرية العظمي
(Galactic Clusters and Super clusters)
هناك حشود للمجرات أكبر من المجموعة المحلية من مثل, حشد مجرات برج العذراء (The Virgo Cluster of Galaxies)
والذي يضم مئات المجرات من مختلف الأنواع, ويبلغ طول قطره مليوني فرسخ فلكي أي أكثر من ستة ملايين ونصف من السنين الضوئية(6,523,000 سنة ضوئية), ويبعد عنا عشرة أضعاف تلك المسافة( أي عشرين مليون فرسخ فلكي). وهذه الحشود المجرية تصدر أشعة سينية بصفة عامة, وتحوي فيما بينها دخانا توازي كتلته كتلة التجمع المجري, وتتراوح درجة حرارته بين عشرة ملايين ومائة مليون درجة مطلقة, ويحوي هذا الدخان الإيدروجيني علي نسبا ضئيلة من هباءات صلبة مكونة من بعض العناصر الثقيلة بما في ذلك الحديد( بنسب تقترب مما هو موجود في شمسنا) مما يشير إلى اندفاع تلك العناصر من قلوب نجوم متفجرة وصلت فيها عملية الاندماج النووي إلى مرحلة إنتاج الحديد( المستعرات وما فوقها). وتحوي بعض الحشود المجرية أعدادا من المجرات قد يصل إلى عشرة آلاف مجرة, ويحصي علماء الفلك آلافا من تلك الحشود المجرية, التي ينادي البعض منهم بتكدسها في حشود أكبر يسمونها باسم الحشود المجرية العظمي (Galactic Super clusters).
علي النحو التإلى:
(1) جمهرة القرص الرقيق وتقع علي مستوي1155 سنة ضوئية من مستوي المجرة وتضم أحدث النجوم عمرا بصفة عامة.
(2) جمهرة القرص السميك; وتقع علي ارتفاع3300 سنة ضوئية من مستوي المجرة, وتضم نجوما متوسطة في العمر بصفة عامة.
(3) جمهرة الهالة المجرية وتقع علي ارتفاع11.550 سنة ضوئية من مستوي المجرة وتضم أقدم نجوم مجرتنا عمرا بصفة عامة.
وتنتشر بين النجوم سحب دخانية ساخنة يغلب علي تركيبها غاز الايدروجين الحامل للغبار علي هيئة هباءات متناهية في الدقة من المواد الصلبة مكونة ما يعرف باسم المادة بين النجوم (Interstellar Matter)
التي تمتص ضوء النجوم فتخفيها, ولذلك فإن الراصد لمجرتنا من الأرض لا يري بوضوح أكثر من15% من مجموع مكوناتها إلا باستخدام المقربات( التليسكوبات) الراديوية.
ونواة مجرتنا تجر معها أذرعها اللولبية التي قد ترتفع فوق مستوي النواة, والسحب الدخانية في تلك الأذرع تتحرك بسرعات تتراوح بين الخمسين والمائة كيلو متر في الثانية, وتتراكم هذه السرعات الخطية علي سرعة دوران محورية تقدر بنحو250 كيلو مترا في الثانية دون أن تنفصل أذرع المجرة عن نواتها بسبب التفاوت في سرعة الأجزاء المختلفة منها.
وهذا الدوران التفاضلي( التفاوتي) يؤدي إلى تسارع المادة الدخانية بين النجوم, ثم إلى كبح سرعتها مما ينتج عنه تكثيفها بدرجة كبيرة و بالتالي تهيئتها لتخلق النجوم الابتدائية (pro-or proro-stars) التي تتطور إلى ما بعد ذلك من مراحل.
ومن نجوم مجرتنا ما هو مفرد, وما هو مزدوج, وما هو عديد الأفراد.
وتدور نجوم مجرتنا في حركة يمينية أساسية منتظمة حول مركز المجرة في اتجاه القطر الأصغر لها, مع وجود الدوران التفاوتي لمختلف أجزائها.
ويحصي علماء الفلك في الجزء المدرك من السماء الدنيا مائتي ألف مليون مجرة ــ علي الأقل ــ بعضها أكبر من مجرتنا كثيرا, وبعضها الآخر أصغر قليلا, والمجرات عبارة عن تجمعات نجمية مذهلة في أعدادها, يتخللها الدخان الكوني بتركيز متفاوت في داخل المجرة الواحدة, والتي قد تضم عشرات البلايين إلى بلايين البلايين من النجوم.
وتتباين المجرات في أشكالها كما تتباين في أحجامها, وفي شدة إضاءتها, فمنها الحلزوني, والبيضاني( الإهليلجي), وما هو غير محدد الشكل, ومنها ما هو شديد الاضاءة, وما يبدو علي هيئة نقاط باهتة لا تكاد تدرك بأكبر المناظير المقربة( المقاريب), وتقع أكثر المجرات ضياء في دائرة عظمي تحيط بنا في اتجاه عمودي تقريبا علي مستوي مجرتنا. وتبلغ كتلة الغازات في بعض المجرات ما يعادل كتلة ما بها من نجوم وتوابعها, في حين أن كتلة الغبار تقل عن ذلك بكثير, وكثافة الغازات في المجرة تقدر بحوإلى ذرة واحدة لكل سنتيمتر مكعب بينما يبلغ ذلك1910 ذرة/سم3 في الغلاف الغازي للأرض عند سطح البحر.
المجموعة المحلية (The Local Group)
تحشد مجرتنا( درب اللبانة) في مجموعة من أكثر من عشرين مجرة في تجمع يعرف باسم المجموعة المحلية للمجرات (The Local Group of Galaxies)يبلغ قطرها مليون فرسخ فلكي (One Million Parsec)
( أي يساوي3,261,500 سنة ضوئية=3,0856*1910 كيلومتر) وتحتوي المجموعة المحلية التي تتبعها مجرتنا علي ثلاث مجرات حلزونية وأربع مجرات غير محددة الشكل, وأعداد من المجرات البيضانية العملاقة والقزمة, وقد تحتوي علي عدد أكبر من المجرات الواقعة في ظل مجرتنا ومن هنا تصعب رؤيتها.
الحشود المجرية والحشود المجرية العظمي
(Galactic Clusters and Super clusters)
هناك حشود للمجرات أكبر من المجموعة المحلية من مثل, حشد مجرات برج العذراء (The Virgo Cluster of Galaxies)
والذي يضم مئات المجرات من مختلف الأنواع, ويبلغ طول قطره مليوني فرسخ فلكي أي أكثر من ستة ملايين ونصف من السنين الضوئية(6,523,000 سنة ضوئية), ويبعد عنا عشرة أضعاف تلك المسافة( أي عشرين مليون فرسخ فلكي). وهذه الحشود المجرية تصدر أشعة سينية بصفة عامة, وتحوي فيما بينها دخانا توازي كتلته كتلة التجمع المجري, وتتراوح درجة حرارته بين عشرة ملايين ومائة مليون درجة مطلقة, ويحوي هذا الدخان الإيدروجيني علي نسبا ضئيلة من هباءات صلبة مكونة من بعض العناصر الثقيلة بما في ذلك الحديد( بنسب تقترب مما هو موجود في شمسنا) مما يشير إلى اندفاع تلك العناصر من قلوب نجوم متفجرة وصلت فيها عملية الاندماج النووي إلى مرحلة إنتاج الحديد( المستعرات وما فوقها). وتحوي بعض الحشود المجرية أعدادا من المجرات قد يصل إلى عشرة آلاف مجرة, ويحصي علماء الفلك آلافا من تلك الحشود المجرية, التي ينادي البعض منهم بتكدسها في حشود أكبر يسمونها باسم الحشود المجرية العظمي (Galactic Super clusters).
وقد أحصي الفلكيون منها إلى اليوم أعدادا كبيرة علي بعد مليوني سنة ضوئية منا.
ويعتقد أن المجموعة المحلية التي تنتمي إلىها مجرتنا( درب اللبانة), والحشود المجرية المحيطة بها من مثل حشد مجرات برج العذراء تكون تجمعا أكبر يعرف باسم الحشد المجري المحلي الأعظم (The Local Galactic Super cluster) يضم قرابة المائة من الحشود المجرية علي هيئة قرص واحد يبلغ قطره مائة مليون من السنين الضوئية, ويبلغ سمكه عشر ذلك( أي عشرة ملايين من السنين الضوئية) وهي نفس نسبة سمك مجرتنا( درب اللبانة) إلى طول قطرها, فسبحان الذي بني السماء علي نمط واحد بهذا الانتظام الدقيق!!!
وتبدو الحشود المجرية والحشود المجرية العظمي علي هيئة كروية تدرس في شرائح مقطعية تكون أبعادها في حدود(150*100*15) سنة ضوئية, وأكبر هذه الشرائح ويسمي مجازا باسم الحائط العظيم (The Great Wall) يزيد طوله علي250 مليون سنة ضوئية.
وقد تم الكشف أخيراً عن حوالي المائة من الحشود المجرية العظمي التي تكون حشدا أعظم علي هيئة قرص يبلغ طول قطره2 بليون سنة ضوئية, وسمكه مائتي مليون سنةضوئية, ويعتقد عدد من الفلكيين المعاصرين بأن في الجزء المدرك من الكون تجمعات أكبر من ذلك.
والنجوم في مختلف تجمعاتها وحشودها, وعلي مختلف هيئاتها ومراحل نموها تمثل أفرانا كونية يخلق الله( تعالى) فيها مختلف صور المادة والطاقة اللازمة لبناء الجزء المدرك من الكون.
وبالإضافة إلى النجوم وتوابعها المختلفة هناك السدم (Nebulae)
علي تعدد أشكالها وأنواعها, وهناك المادة بين النجوم
(Inter-Stellar Matter), وهناك المادة الداكنة (Dark Matter),
وغير ذلك من مكونات الكون المدرك, والمحسوس منها وغير المحسوس من مختلف صور المادة والطاقة المدسوسة في ظلمة الكون.
ويقدر الفلكيون كتلة الجزء المدرك من السماء الدنيا بمائة ضعف كتلة المادة والطاقة والأجرام المرئية والمحسوسة فيه, بمعني أننا ــ في زمن تفجر المعرفة الذي نعيشه ــ لا ندرك إلا أقل من عشرة في المائة فقط من الجزء الذي وصل إلىه علمنا من السماء الدنيا وسبحان الذي انزل من قبل ألف وأربعمائة سنة قوله الحق:
لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون* ( غافر:57)
وقوله الحق: وما أوتيتم من العلم إلا قليلا* ( الإسراء:85)
ومن هنا تتضح أهمية القسم بالسماء وما بناها في الآية الخامسة من سورة الشمس, هذا القسم التفخيمي الذي جاء تعظيما لشأن السماء وتقديسا لخالقها, وتنبيها لنا للتفكر في عظم اتساعها, ودقة بنائها, وانضباط حركتها, وإحكام كل أمر من أمورها, والإعجاز في خلقها, وهي قضايا لم يدركها الإنسان بشيء من التفصيل إلا منذ عشرات قليلة من السنين, وورود القسم بها في كتاب الله, مما يشهد للقرآن الكريم بأنه كلام الله الخالق, ويشهد لخاتم الأنبياء والمرسلين( صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين) بأنه كان موصولا بالوحي ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض. وذلك مما يزيد المؤمنين تثبيتا علي إيمانهم, ويدعو غيرهم من المشركين والكفار إلى الايمان بالله الخالق, وطاعته وعبادته وحده بغير شريك ولا شبيه ولا منازع, ففي ذلك النجاة والنجاح في الدنيا والآخرة, ولا نجاة ولا نجاح في غير ذلك, وان كانت السماء شاسعة الاتساع, دقيقة البناء, ومنضبطة الحركة فهي شاهدة علي عظمة الله خالقها وخالق كل شيء سبحانه وتعالى...!!!
من هنا كان قسم الله( تعالى) بالسماء ــ وهو الغني عن القسم ــ وكان التأكيد القرآني علي عظم شأنها في عدد غير قليل من آيات القرآن الكريم نختار منها قول الحق( تبارك وتعالى):
(1) وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين*.. (الانبياء:16)
(2) تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا* (الفرقان:61)
(3) وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار* ( ص:27)
(4) إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس.... لآيات لقوم يعقلون* ( البقرة:164)
(5) إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب* ( آل عمران:190)
(6) وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق....* ( الأنعام:73)
(7) وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق...* (الحجر:85)!
(8) أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمي....* ( الروم:8)
(9) ومن آياته خلق السمارات والأرض...* (الروم:22)( الشوري:29)
(10) لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون* ( غافر:57)
(11) وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين* ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون* ( الدخان:38 و39)
(12) إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين*( الجاثية:3)
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين, وصلي الله وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
المصدر : بحث للدكتور زغلول النجار
عمروعبده 21-02-2011, 09:51 PM و السماء و الطارق
و السماء و الطارق
قال تعالى : ( والسماء والطارق وما أدراك ما الطارق النجم الثاقب)
يستهل ربنا( تبارك وتعالى) سورة الطارق بقسم عظيم يقسم به( سبحانه) ـ وهو الغني عن القسم ـ بكل من السماء والطارق, ثم يثني باستفهام تفخيمي عن ماهية الطارق ويحدده بالنجم الثاقب, فيقول( عز من قائل) مخاطبا خاتم أنبيائه ورسله( صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين): والسماء والطارق* وما أدراك ما الطارق* النجم الثاقب*
(الطارق:1 ـ3)
وقد اختلف المفسرون في تحديد المقصود من الطارق, فمنهم من قال إن الوصف ينطبق علي كل نجم, ولا سبيل إلي تحديد نجم بذاته, ولا ضرورة لهذا التحديد, بل إن الإطلاق أولي ليكون المعني: والسماء ونجومها الثاقبة للظلام, النافذة من هذا الحجاب الذي يستر الأشياء..., كما قال صاحب الظلال( يرحمه الله رحمة واسعة)..
ومنهم من قال إنه الثريا أو النجم الذي يقال له كوكب الصباح, أو نجم آخر محدد بذاته,
ومنهم من قال إن الوصف ينطبق علي الشهب التي وصفها القرآن الكريم بأنها ثاقبة, كما في قول الحق( تبارك وتعالى): إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب* ( الصافات:10)
وذلك علي الرغم من الفروق الضخمة بين كل من النجم والكوكب والشهاب.
ولكن, الواضح من الآيات أن القسم جاء هنا بنجم خاص بذاته سماه ربنا تبارك وتعالى بـ الطارق, ووصفه بالنجم الثاقب, فما هو هذا النجم المحدد الذي استوجب هذا القسم القرآني التفخيمي, وجاء مقرونا بالسماء علي عظم شأنها؟ خاصة أن القسم في القرآن الكريم يأتي من أجل تنبيهنا إلي أهمية الأمر المقسوم به, وإلي ضرورته لاستقامة الكون ومكوناته, أو لاستقامة الحياة فيه, أو لكليهما معا, وذلك لأن الله( تعالى) غني عن القسم لعباده, كما سبق وأن أشرنا وكررنا لمرات عديدة, وعندي أن معني الطارق النجم الثاقب لا ينجلي إلا بمعرفة دقيقة لطبيعة النجوم وأنواعها ومراحل تكونها, لأن هذه قضية علمية صرفة, وكطبيعة كل الإشارات الكونية في القرآن الكريم, لابد من توظيف المعارف العلمية لفهم دلالاتها, حيث لا يمكن لتلك الدلالات أن تتضح في الإطار اللغوي وحده.
المدلول اللغوي للفظة الطارق
لفظة الطارق اسم فاعل من الطرق بمعني الضرب بشدة, وأصل الطرق الدق, ومنه سميت المطرقة التي يطرق بها, وهذا هو الأصل, ولكن استخدمت اللفظة مجازا لتدل علي الطريق أي السبيل, لأن السابلة تطرقها بأقدامها, ثم صارت اسما لسالك الطريق, باعتبار أنه يطرقها بقدميه, ولفظة الطريق تذكر وتؤنث, وجمعها أطرقة, وطرق.
كذلك استخدم لفظ الطريقة بمعني الوسيلة أو الحالة.
واستخدم الطرق والمطروق للإشارة إلي ماء السماء الذي تطرقه الإبل بعد سقوطه علي الأرض, واستخدم لفظ الطارق علي سبيل المجاز للتعبير عن كل ما جاء بليل, فسمي قاصد الليل طارقا لاحتياجه إلي طرق الأبواب المغلقة, ثم اتسع هذا الاستعمال المجازي ليشمل كل ما ظهر بليل, ثم زيد في توسيعه حتي أطلق علي الصور الخيالية البادية لبعض الناس بالليل.
وطريقة القوم وطرائقهم أماثلهم وخيارهم, والطرائق الفرق والطرق.
والطرق أيضا الضرب بالحصي, وهو من الكهانة والتكهن, والطراق هم المتكهنون, والطوارق هن المتكهنات.
آراء المفسرين في الطارق النجم الثاقب
ذكر ابن كثير قول قتادة وغيره من متقدمي المفسرين( يرحمهم الله جميعا) مانصه: إنما سمي النجم طارقا, لأنه إنما يري بالليل, ويختفي بالنهار, ويؤيده ما جاء بالحديثhttp://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png إلا طارقا يطرق بخير يارحمن), وأضاف قول ابن عباس( رضي الله تبارك وتعالى عنهما( في شرح الثاقب بالمضيء, وأشار إلي قول عكرمة( رضي الله عنه): هو مضيء ومحرق للشيطان.
وذكر صاحب الظلال( يرحمه الله): أن هذا الوصف ينطبق علي جنس النجم, ولا سبيل إلي تحديد نجم بذاته من هذا النص, ولا ضرورة لهذا التحديد, بل إن الإطلاق أولي ليكون المعني: والسماء ونجومها الثاقبة للظلام, النافذة من هذا الحجاب الذي يستر الأشياء...وذكر مخلوف( يرحمه الله): أن... المراد هنا النجم البادي بالليل, وأضافhttp://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png النجم الثاقب) أي المضيء, كأنه يثقب الظلام بنوره فينفذ فيه, والمراد به الجنس, فإن لكل كوكب ضوءا ثاقبا, أو هو معهود وهو الثريا, أو النجم الذي يقال له( كوكب الصباح)...
ووافق كل من الصابوني( أمد الله في عمره), وأصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم( جزاهم الله خيرا), ما قال به ابن كثير( يرحمه الله), علي الرغم من أن القسم واضح الدلالة علي نجم محدد بذاته, وفيه من التحديد والتخصيص ما لا يمكن تجاهله, فلو كان الوصف بالطارق ينطبق علي كل نجم, ما خصص في هذه الآية الكريمة بهذا التحديد الدقيق, ولما أعطي اسما محددا الطارق, ولا صفة محددة النجم الثاقب, ولما ورد به القسم مع السماء بهذه الصورة المفخمة, ولما وجه السؤال إلي خاتم الأنبياء والمرسلين( صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين) عقب القسم مباشرة: والسماء والطارق* وما أدراك ما الطارق*
ولما أتي الجواب قاطعا, حاسما من الله( تعالى) بقوله( عز من قائل): النجم الثاقب*
والنجوم قد ورد ذكرها في القرآن الكريم ثلاث عشرة مرة, أربع منها بالإفراد( النجم), وتسع بالجمع( النجوم), ولم يوصف أي منها بالطارق النجم الثاقب, إلا في هذه السورة المباركة التي نحن بصددها, والتي حملت اسم الطارق تأكيدا أن الطارق نجم محدد بذاته, ولكي نفهم حقيقة هذا النجم الطارق الثاقب, لابد لنا من التعرف علي أنواع النجوم, لنجد ما يمكن أن ينطبق عليه هذا الوصف القرآني المحدد.
ماهية النجوم؟
النجوم هي مصابيح السماء الدنيا, وهذه المصابيح السماوية عبارة عن أجرام غازية في غالبيتها, ضخمة الحجم, ولكنها تبدو لنا ضئيلة لتعاظم أبعادها عنا, فأقرب النجوم إلينا وهي الشمس تبعد عنا بنحو مائة وخمسين مليون كيلومتر(149,6 مليون كيلومتر) وأقرب نجوم مجرتنا إلينا بعد الشمس واسمه الأقرب القنطوري (Proxima Centauri)
يقدر بعده عنا بأكثر من أربعة آلاف مليون مليون كيلومتر(4,3 من السنين الضوئية), ومن النجوم ما يبعد عنا بأكثر من عشرة بلايين من السنين الضوئية.
والنجوم أجرام سماوية شديدة الحرارة, ملتهبة, مشتعلة, ومضيئة بذاتها, يغلب علي تركيبها غاز الإيدروجين, ويليه في الكثرة غاز الهيليوم, والقليل من العناصر الأخري الأثقل وزنا, وتحتوي مادة النجم الغازية( في أغلبها) بعملية التجاذب الداخلي إلي مركز النجم الناتجة عن دورانه حول محوره, وتؤدي هذه العملية إلي اتحاد نوي ذرات الإيدروجين مع بعضها البعض بالاندماج أو الانصهار النووي (Nuclear Fusion)
وينطلق عن ذلك كميات هائلة من الطاقة علي هيئة عدد من الإشعاعات الكهرومغناطيسية التي من أهمها الضوء والحرارة.
ويؤدي تسلسل عملية الاندماج النووي من عنصر إلي آخر, إلي تكوين عناصر أعلي في وزنها الذري باستمرار, مما يؤدي بدوره إلي تعقيد كل من التركيب الكيميائي والبناء الداخلي للنجم, الذي يتقلص حجمه بالتدريج وتزداد كثافته بطريقة مطردة, وترتفع درجة حرارته باستمرار, فيمر بذلك في عدد من الأطوار المتتالية حتي نهاية حياته, وتسمي هذه المراحل المتتالية بدورة حياة النجم.
دورة حياة النجوم
خلقت النجوم ابتداء من الدخان الكوني, الذي نشأ عن انفجار الجرم الأولي للكون( فتق الرتق), ولا تزال النجوم تتخلق أمام أنظار الفلكيين من دخان كل من السدم والمسافات بين النجمية وبين المجرية, عبر مراحل متتالية, وذلك بواسطة عدد من الدوامات العاتية التي تعرف باسم دوامات تركيز المادة
(Material Accretion Whorlsor Vertigos)
التي تعمل علي تكثيف المادة في داخل سحابات الدخان بفعل عملية التجاذب التثاقلي (Gravitational Attraction)
فتؤدي إلي إحداث تصادمات متكررة بين جسيمات المادة ينتج عنها الارتفاع التدريجي في درجة حرارتها حتي تصبح قادرة علي بث الأشعة تحت الحمراء فيولد ما يسمي بالنجم الابتدائي Pro-(or) Proto-Star
وتستمر جزيئات المادة في هذا النجم الأولي في التجمع والانجذاب أكثر نحو المركز حتى تتجمع الكتلة اللازمة لبدء عملية الاندماج النووي, فتزداد الاصطدامات بينها, ويزداد الضغط إلي الدرجة التي تسمح ببدء التفاعلات النووية الاندماجية بين نوي ذرات الإيدروجين, فيتوهج النجم الأولي وتنطلق منه الطاقة, وينبثق الضوء المرئي, وعند ذلك يكون النجم الابتدائي قد وصل إلي طور النضج المسمي باسم نجوم النسق الرئيسي
(Main Sequence Stars)
ويستمر النجم في هذا الطور غالبية عمره(90% من عمره), حيث يتوقف انكماش مادته نحو المركز بسبب الحرارة والضغط البالغين المتولدين في مركز النجم.
وينتج عن استمرار التفاعلات النووية في داخل نجم النسق الرئيسي استهلاك كميات كبيرة من غاز الإيدروجين الذي تحوله إلي الهيليوم, وبالتدريج تتخلق العناصر الأثقل من مثل الكربون, والنيتروجين, والأوكسجين, وفي مراحل لاحقة يتحول لب النجم إلي الحديد, فتتوقف عملية الاندماج النووي, ويدخل النجم في مرحلة الاحتضار علي هيئة النموذج الأول لانفجار المستعر الأعظم (TypeI Supernova Explosion)
ينتهي به إلي دخان السماء عبر مراحل من العمالقة الحمر
(Red Giants)
ثم مرحلة النجوم الزرقاء شديدة الحرارة والمحاطة بهالة من الإيدروجين المتأين والمعروفة باسم السدم الكوكبية (Planetary Nebulae)
ثم مرحلة الأقزام البيض (White Dwarfs)
صورة بالاشعة السينية لسديم السرطان وبداخله نجم نيوترونى
إذا كانت الكتلة الابتدائية للنجم قليلة نسبيا( في حدود كتلة الشمس تقريبا), أما اذا كانت الكتلة الابتدائية للنجم عدة مرات قدر كتلة الشمس, فإنه يمر بمراحل من العمالقة العظام
(Supergiants)
ثم النموذج الثاني لانفجار المستعر الأعظم
(TypeII Supernova Explosion)
الذي تتبقي عنه النجوم النيوترونية
(Neutron Stars)
أو الثقوب السود
(Black Holes)
والتي أسميها باسم النجوم الخانسة الكانسة
(The Concealedor Hidden Sweeping Stars)
كما يصفها القرآن الكريم, والتي تبتلع كل ما تمر به أو يصل إلي أفق حدثها (Event Horizon)
من مختلف صور المادة والطاقة, ثم ينتهي بها المطاف إلي دخان السماء عن طريق تفككها وتبخر مادتها عالية الكثافة, كما يعتقد غالبية الدارسين لموضوعات الفيزياء الفلكية, وإن كانوا لم يتمكنوا بعد من تحديد كيفية حدوث ذلك, ويري بعض الفلكيين أن أشباه النجوم (Quasars)
مرشحة لتكون المرحلة الانتقالية من الثقوب السود إلي دخان السماء, وهي أجرام شاسعة البعد عنا, ضعيفة الإضاءة( ربما لبعدها الشاسع عنا), منها ما يطلق أقوي الموجات الراديوية المعروفة في السماء الدنيا ويعرف باسم أشباه النجوم الراديوية (Quasi-Stellar Radio Sourcesor Quasars)
ومنها ما لا يصدر مثل تلك الموجات الراديوية ويعرف باسم أشباه النجوم غير الراديوية
(Radio-Quiet Quasi-Stellar Objectsor QSOs)
وغالبية نجوم السماء من النوع العادي, أو ما يعرف باسم نجوم النسق الرئيسي (Main Sequence Stars)
التي تمثل مرحلة نضج النجم وأوج شبابه, وهي أطول مرحلة في حياة النجوم, حيث يمضي النجم90% من عمره في هذه المرحلة, التي تتميز بتعادل دقيق بين قوي التجاذب إلي مركز النجم( والناتجة عن دوران النجم حول محوره), وقوي دفع مادة النجم إلي الخارج( نتيجة لتمدده بالحرارة الشديدة الناتجة عن عملية الاندماج النووي في لبه), ويبقي النجم في هذا الطور حتي ينفذ وقوده من غاز الإيدروجين, أو يكاد ينفد, فيبدأ بالتوهج الشديد حتي تصل شدة إضاءته إلي مليون مرة قدر شدة إضاءة الشمس, ثم يبدأ في الانكدار التدريجي حتي يطمس ضوؤه بالكامل, ويختفي كلية عن الأنظار علي هيئة النجم الخانس الكانس( أو الثقب الأسود), عبر عدد من مراحل الانكدار.
ومن النجوم المنكدرة ما يعرف باسم السدم الكوكبية
(Planetary Nebulae) والأقزام البيض (White Dwarfs) والنجوم النيوترونية (Neutron Stars) ومنها النابض وغير النابض
Pulsating Neutron Stars (or Pulsars)and Non-pulsating Neutron Stars
وغيرها من صور انكدار النجوم, وسبحان الذي أنزل من فوق سبع سماوات, ومن قبل ألف وأربعمائة سنة قوله الحق: إذا الشمس كورت* وإذا النجوم انكدرت* ( التكوير:2). وقوله( عز من قائل): فإذا النجوم طمست* (المرسلات:8)
والآيات الثلاث من مظاهر الآخرة, إلا أن من رحمة الله( تعالى) بنا, أن يبقي لنا في سماء الدنيا من ظواهر انكدار النجوم وطمسها, ما يؤكد إمكانية حدوث ذلك في الآخرة بكيفيات ومعدلات مغايرة لكيفيات ومعدلات الدنيا, لأن الآخرة لها من السنن ما يغاير سنن الدنيا.
أحجام النجوم
تتفاوت النجوم في أحجامها تفاوتا كبيرا, فمنها العماليق العظام
(Supergiants)
التي تزيد أقطارها عن أربعمائة ضعف قطر الشمس( أي نحو خمسمائة وستين مليون كيلومتر), ومنها الأقزام البيض (White Dwarfs)
التي لا تتعدي أطوال أقطارها واحدا من مائة من طول قطر الشمس في المتوسط( أي لا تتعدي14000 كيلومتر), ومنها النجوم النيوترونية (Neutron Stars)
التي لا يتعدي طول قطر الواحد منها ستة عشر كيلومترا, ومنها النجوم الخانسة الكانسة( أو ما يعرف باسم الثقوب السود)
(Concealedor Hidden Sweeping Stars (or Black Holes)
التي يتضاءل فيها قطر النجم إلي ما لا يستطيع العقل البشري أن يتصوره, وهي صورة واقعية راهنة تعيد إلي الأذهان نقطة البداية الأولي التي انفجرت فخلق الله تعالى منها كل السماوات والأرض( الرتق) مع الفارق الشاسع بين النقطتين في تناهي الحجم والكتلة, وكم الطاقة ودرجة الحرارة وغير ذلك من الصفات, ولكنها رحمة الله( تعالى) بنا, أن يبقي لنا في صفحة السماء ما يمكن أن يعين أصحاب البصائر علي تدبر الخلق الأول, وعلي تصور إمكانية إفنائه, وإعادة خلقه من جديد, وهي من القضايا التي طالما جادل فيها الكافرون والمتشككون والمنكرون بغير علم ولا هدي ولا سلطان منير.
كثافة وكتل النجوم
كما تتفاوت النجوم في أحجامها, فإنها تتفاوت في كل من كثافة مادتها وكتلتها, وبصورة عامة تقل كثافة النجم كلما زاد حجمه وبالعكس, تزداد كثافته كلما قل حجمه, وقد لوحظ أن كثافة مادة النجوم تتفاوت بين واحد من مائة من متوسط كثافة الشمس( المقدرة بنحو1,41 جرام للسنتيمتر المكعب) في العماليق العظام (Supergiants)
إلي طن واحد للسنتيمتر المكعب(610 جرام/سم3) في الأقزام البيض
(White Dwarfs)
الي بليون طن للسنتيمتر المكعب(1510 جرام/سم3) في النجوم النيوترونية إلي أضعاف مضاعفة لتلك الكثافة في النجوم الخانسة الكانسة( الثقوب السود).
ويمكن تعيين كتل النجوم خاصة الثنائية والثلاثية منها, إما بصريا أو طيفيا بتطبيق قانون الجاذبية, أو بتطبيق قوانين الازاحة الطيفية
(Red Shift)
( انزياح أضواء النجوم إلي الطيف الأحمر), وهناك علاقة بين كتلة النجم ودرجة اضاءته( في مرحلة نجوم النسق الرئيسي), أي بين كتلة المادة التي يحتويها النجم, وبين كمية الطاقة المتولدة في جوفه, فإذا كان النجم في حالة اتزان بين قوي الجذب إلي مركزه وقوي الدفع إلي الخارج( أي لا يتمدد ولا ينكمش) فإن جميع خواصه الفيزيائية تعتمد علي كل من كتلته وتوزيع العناصر الكيميائية في مادته.
وتعتبر كثافة النجم دالة قوية علي مرحلة تطوره, فكلما زادت كثافة النجم, كان أكبر عمرا وأقرب إلي نهايته من النجوم الأقل كثافة.
درجات حرارة النجوم
تتفاوت النجوم في درجة حرارة سطحها بين2300 درجة مطلقة في النجوم الحمراء,و وأكثر من خمسين ألف درجة مطلقة في النجوم الزرقاء, ويتم قياس درجة حرارة سطح النجم بعدد من التقنيات التي منها قياسات لون النجم, لإن إشعاعه يخضع لقوانين إشعاع الجسم الأسود (Black **** Radiation)
فإذا كانت درجة حرارة النجم منخفضة نسبيا, مالت معظم الإشعاعات التي يصدرها إلي اللون الأحمر, وإذا كانت درجة حرارته عالية مالت إشعاعاته إلي الزرقة, وتسمي درجة الحرارة المقاسة باسم درجة حرارة اللون
(ColourTemperature)
ومنها قياس شدة خطوط الامتصاص الطيفية لأشعة النجم في مراحل مختلفة من التأين والإثارة وتسمي درجة الحرارة المقاسة باسم درجة الحرارة الطيفية
(Spectral Temperature).
وتتفاوت النجوم أيضا في درجة حرارة جوفها بين عشرات الملايين في نجوم النسق الرئيسي, ومئات البلايين من الدرجات المطلقة في المستعرات وما فوقها.
أقدار النجوم
هي مقاييس عددية تعبر عن درجة لمعان النجم, وتقاس شدة الإضاءة الظاهرية للنجم بكمية الضوء الواصل منه إلي نقطة معينة في وحدة من وحدات الزمن, والقدر الظاهري للنجم قيمة عددية لوغاريتمية تعبر عن شدة إضاءته الظاهرية بالنسبة لغيره من النجوم, بمعني أن الأرقام الأقل تعبر عن درجة لمعان أعلي, ويعتمد القدر الظاهري للنجم علي كمية الطاقة المنطلقة منه في الثانية( القدر المطلق), وعلي بعد النجم عنا, ويمكن معرفة القدر المطلق للنجم بمعرفة بعده عن الأرض, ويبلغ مدي القدر النجمي المطلق نحو27 درجة( تتراوح بين-9 في أشدها لمعانا, و+18 في أخفتها).
وتبلغ درجة لمعان الشمس( قدرها المطلق)+5, بينما يقترب ذلك من أقصي قدر(-9) في كل من العماليق الحمر, والعماليق العظام والمستعرات وما فوقها, حيث تبلغ شدة إضاءة النجم أكثر من مليون ضعف إضاءة الشمس, وتتدني شدة الإضاءة الي واحد من ألف من شدة إضاءة الشمس في النجوم المنكدرة من مثل الأقزام البيض, والنجوم النيوترونية, إلي الطمس الكامل والإظلام التام في النجوم الخانسة الكانسة( الثقوب السود) وأشباهها من الأجرام المستترة في ظلمة الكون.
التغير في أقدار النجوم أو( النجوم المتغيرة)
بالإضافة إلي التباين الشديد في درجة لمعان النجوم, فإن بعض النجوم العادية (Main Sequence Stars)
تتفاوت شدة إضاءة النجم الواحد منها من وقت إلي آخر, عبر فترات زمنية تطول أو تقصر, وبشكل مفاجيء أو بصورة هادئة متدرجة, لا تكاد أن تدرك, ولذلك عرفت باسم النجوم المتغيرة أو المتغيرات.
احتضار النجوم
يبدأ النجم العادي( مرحلة النسق الرئيسي) في الاحتضار, بالتوهج الشديد علي هيئة عملاق أحمر (Red Giant)
إذا كانت كتلته الابتدائية في حدود كتلة الشمس( أو قريبة من ذلك), أو علي هيئة عملاق أعظم (Supergiant)
اذا فاقت كتلته الابتدائية كتلة الشمس بعدة مرات, وينشأ في الحالة الأولي نجم أزرق شديد الحرارة محاط بهالة من الإيدروجين المتأين( أي الحامل لشحنة كهربية), ويعرف باسم السديم الكوكبي
(The Planetary Nebula)
الذي سرعان ما يتبرد وينكمش علي هيئة ما يعرف باسم القزم الأبيض, وقد تدب الروح في القزم الأبيض فيعاود الانفجار علي هيئة عملاق أحمر, ثم نخبو جذوته إلي قزم أبيض عدة مرات حتي ينتهي به العمر إلي الانفجار علي هيئة مستعر أعظم من النمط الأول (TypeI Supernova)
فتنتهي مادته وطاقته إلي دخان السماء لتدخل في دورة ميلاد نجم جديد.
وفي حالة النجوم فائقة الكتلة, ينفجر نجم النسق الرئيسي علي هيئة عملاق أعظم, الذي يعاود الانفجار علي هيئة مستعر أعظم من النمط الثاني, عائدا إلي دخان السماء عودة جزئية, ومكدسا جزءا كبيرا من كتلته علي هيئة نجم نيوتروني أو ثقب أسود( نجم خانس كانس), إما مباشرة أو عبر مرحلة النجم النيوتروني حسب الكتلة الابتدائية للنجم.
والمراحل المتأخرة من حياة النجوم مثل النجوم الزرقاء الحارة, والنجوم النيوترونية, والنجوم الخانسة الكانسة( الثقوب السود), وأشباه النجوم ترسل بوابل من الأشعة والجسيمات الكونية, أو بأحزمة متصلة من الأشعة السينية أو الأشعة الراديوية عبر السماء الدنيا, فتفقد من كتلتها باستمرار إلي دخان السماء.
ومن أهم هذه المراحل المتأخرة في حياة النجوم ما يعرف باسم النجوم النيوترونية النابضة أو النوابض, وهي نجوم نيوترونية شديدة التضاغط ترسل بنبضات منتظمة من الأشعة الراديوية المتسارعة في كل جزء من الثانية, أو في كل عدد قليل من الثواني, وقد يصل عدد النبضات الي ثلاثين نبضة في الثانية, ويعتمد عدد النبضات علي سرعة دوران النجم حول محوره, حيث أنه من المعتقد أن كل دورة كاملة للنجم حول محوره تصاحبها نبضة من نبضات الموجات الراديوية التي تسجلها المقربات( التليسكوبات) الراديوية بوضوح تام.
كيفية تكون النجوم النيوترونية
يعتبر انفجار العماليق العظام علي هيئة مستعر أعظم من النمط الثاني, واحدا من أعظم الانفجارات الكونية المروعة, التي تؤدي إلي تدمير النجم وإلي تدمير كل ما يدور في فلكه أو يقع في طريق انفجاره من أجرام سماوية في زمن قياسي, وذلك بتكون تيارات حمل عنيفة في داخل النجم تدفع بواسطة وابل غزير من النيوترينوات
Neutrino-Driven Convection Currents
فتقوم بتكوين دوامات متفاوتة في أحجامها, وفي شدة دورانها, يؤدي تصادمها إلي مزيد من تفجير النجم, وتندفع ألسنة اللهب بعنف شديد من داخل النجم إلي خارجه علي هيئة أصابع عملاقة ملتوية ومتكسرة, وتظل طاقة النيوترينو تضخ في داخل النجم المتفجر لمسافة آلاف الكيلومترات في العمق, مما يؤدي إلي تكرار عمليات الانفجار مرات عديدة حتي تخبو فتنطلق رياح عاتية مندفعة بتيار النيوترينو من نجم ذي كثافة فائقة قد تكون داخل حطام النجم المنفجر, ويعرف هذا النجم الوليد باسم النجم النيوتروني الابتدائي, والذي سرعان ما يتحول الي نجم نيوتروني عادي الحجم بجاذبية قليلة نسبيا, ثم الي نجم نيوتروني شديد التضاغط بجاذبية عالية جدا, وهو نجم ضئيل الحجم جدا, سريع الدوران حول محوره مطلقا كمية هائلة من الأشعة الراديوية, ولذا يعرف باسم النابض الراديوي(RadioPulsar)
وباقي نواتج الانفجار تقذف إلي صفحة السماء علي هيئة موجات لافحة من الكتل الغازية الملتهبة, تعرف باسم فضلات انفجار المستعرات العظمي, وهذه الفضلات الدخانية قد تدور في مدارات حول نجوم أخري لتتخلق منها أجرام تتبع تلك النجوم, أو قد تنتهي إلي المادة بين النجوم لتشارك في ميلاد نجوم جديدة.
ومن رحمة الله بنا أن مثل هذه الانفجارات النجمية المروعة والمدمرة والمعروفة باسم انفجار المستعر الأعظم Supernova Explosion
قد أصبحت قليلة جدا بعد أن كانت نشطة في بدء الخلق كما تدل آثارها الباقية في صفحة السماء, فلا يتعدي وقوعها اليوم مرة واحدة كل عدة قرون, فحتي سنة1987 م لم يعرف الفلكيون سوي ثلاث حالات فقط مسجلة في التاريخ المدون, وقعت إحداها في سنة1054 م, وخلفت من ورائها نجما نيوترونيا نابضا في سديم السرطان (Crab Nebula)
الذي يبعد عنا بنحو ألف فرسخ فلكي(3,300 سنة ضوئية) ويدور هذا النابض حول محوره ثلاثين مرة في كل ثانية مطلقا إشعاعا دوارا من الأشعة السينية.
وسجلت الثانية في سنة1604 م في مجرتنا( درب اللبانة), ولاتزال آثار هذا الانفجار باقية علي هيئة دوامات شديدة من الموجات الصدمية
(Shock Waves)
التي يمكن رصدها, ووقعت الثالثة في1987/2/24 م في سحب ماجيلان الكبيرة (The Large Magellanic Clouds)
وهي إحدي المجرات المجاورة لمجرتنا.
والانفجار الواحد من هذه الانفجارات العظمي, تفوق شدته الطاقة المنطلقة من جميع النجوم في مجرة كاملة, ويكون الضوء المصاحب له أشد لمعانا من ضوء المجرة بالكامل, ويتبقي عنه نفثات كونية من أشعة جاما
(Cosmological Gamma Ray Bursts)
يطلق عليها اسم المرددات الدقيقة لأشعة جاما
.(Soft Gamma Ray Repeatersor SGRs)
التي تصدر انبثاقات هائلة من الأشعة السينية لتختفي ثم تظهر من جديد بعد عدة شهور, أو عدة سنوات حسب بعدها عنا, والنفثة الواحدة التي ينفثها واحد من تلك المرددات في ثانية واحدة تساوي كل ما تنفثه الشمس من الأشعة السينية في سنة كاملة من سنينا.
وفي سنة1992 م تمكن الفلكيون من اثبات أن مرددات الأشعة السينية تلك, ما هي إلا نجوم نيوترونية شديدة المغنطة
(Super Magnetized Neutron Stars)
أطلقوا عليها اسم الممغنطات (Magnetars)
وأثبتوا لها حقلا مغناطيسيا فائق الشدة, تفوق شدته شدة جاذبية الحقل المغناطيسي للأرض بأكثر من ألف وخمسمائة مليون مليون مرة(1667 مليون مليون مرة), وللشمس بنحو الألف مليون مليون مرة, وهذه الممغنطات هي نجوم نيوترونية نابضة (Pulsating Neutron Starsor Pulsars)
تدور حول محورها بسرعات فائقة مطلقة الأشعة السينية بكميات غزيرة.
ما هو الطارق النجم الثاقب؟
ينطبق الوصف القرآني' بالطارق النجم الثاقب' علي مصادر الإشعاع الراديوي المميز بالسماء الدنيا ومن أهمها النجوم النيوترونية شديدة التضاغط (Theultra-compact Neutronstars)
والمعروفة باسم النجوم النابضة (Pulsating Stars)
أو النابضات أو النوابض (Pulsars)
وهي نجوم ذات كثافة وجاذبية فائقة وحجم صغير, ولذا فإنها تدور حول محورها بسرعات فائقة مطلقة كميات هائلة من الموجات الراديوية ولذا تعرف باسم النوابض الراديوية (Radio Pulsars)
لأنها ترسل نبضات منتظمة من الأشعة الراديوية في كل جزء من الثانية أو في كل عدد قليل من الثواني حسب حجمها, وسرعة دورانها حول محورها, وقد يصل عدد نبضات تلك النجوم إلي ثلاثين نبضة في الثانية الواحدة, ويعتقد أن النابض الراديوي يطلق نبضة واحدة من الموجات الراديوية في كل دورة كاملة حول محوره, وتسجل المقربات( التليسكوبات) الراديوية تلك النبضات بدقة فائقة.
ومن رحمة الله بنا أن أقرب النوابض الراديوية إلينا يبعد عنا بمسافة خمسة آلاف من السنين الضوئية, و إلا لكان لنبضاتها المتسارعة أثر مدمر للحياة علي الأرض.
ومن مصادر الإشعاع الراديوي المتميز أيضا أشباه النحوم (Quasars)
وهي أجرام سماوية شديدة البعد عنا, ضعيفة الإضاءة( ربما لبعدها البالغ عنا), ومنها مايطلق أقوي الموجات الراديوية المعروفة في السماء الدنيا, ولذا تعرف باسم أشباه النجوم المصدرة للموجات الراديوية
(Radio Sources Quasars)
تمييزا لها عن غيرها من أشباه النجوم التي لاتصدر موجات راديوية
(Radio-Quiet Quasi-Stellarobjects (QSOs)
وعلي الرغم من بعدها الشاسع عنا فإن أشباه النجوم تتباعد عنا بسرعات فائقة, وتعتبر أبعد ما قد تم رصده من أجرام السماء بالنسبة لنا, وتبدو وكأنها علي أطراف السماء الدنيا تطرق أبوابها لتوصل إشاراتها الراديوية إلينا.
وأشباه النجوم في حالة من حالات المادة الخاصة غير المعروفة لنا, وتقدر كتلة شبيه النجم بنحو مائة مليون ضعف كتلة الشمس, وهو قليل الكثافة جدا إذ تقدر كثافته بحدود واحد من ألف مليون مليون من الجرام للسنتيمتر المكعب(1510/1 جم/سم3), وتقدر الطاقة الناتجة عنه بمائة مليون مليون مرة قدر طاقة الشمس, وقد تم الكشف عن حوالي ألف وخمسمائة من أشباه النجوم علي أطراف الجزء المدرك من الكون, ويتوقع الفلكيون وجود آلاف أخري منها لم تكتشف بعد.
وكلتا المرحلتين من مراحل حياة النجوم:
النوابض الراديوية (Radio Pulsars)
وأشباه النجوم الراديوية (Radio Quasars)
يعتبر من أهم المصادر الراديوية (Radio Sources)
في السماء الدنيا, وكلتاهما من مراحل احتضار النجوم وانكدارها التي تسبق الطمس والخنوس, كما في حالة النوابض, أو من مراحل التحول إلي دخان السماء اللاحقة علي مرحلة الخنوس كما في حالة أشباه النجوم.
ولعل هذه المراحل الراديوية المتميزة في ختام حياة النجوم هي المقصودة بالوصف القرآني الطارق النجم الثاقب لأنها تطرق صفحة السماء وتثقب صمتها بنبضاتها السريعة التردد, وموجاتها الراديوية الخاطفة, والله تعالى أعلم.
وإن في سبق القرآن الكريم بالإشارة إلي تلك المراحل من حياة النجوم والتي لم يعرفها الإنسان إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين لهو من الشهادات الناطقة بربانية القرآن الكريم, وبنبوة خاتم الأنبياء والمرسلين( صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه أجمعين), الذي تلقي هذا الوحي الخاتم من قبل ألف وأربعمائة من السنين بهذه الدقة العلمية المبهرة في مجتمع لم يكن له من العلم أي نصيب.
وبعد هذا القسم بالسماء والطارق يأتي جواب القسم:
إن كل نفس لما عليها حافظ ( الطارق:4)
أي أن كل نفس عليها من الله( تعالى) حافظ موكل بها من الملائكة, يحفظها بأمر الله, ويحفظ عنها بأمر الله كذلك, في مراقبة دائمة, فكما يصلنا طرق النوابض وأشباه النجوم عبر بلايين السنين الضوئية تعرج أعمالنا لحظة بلحظة إلي الله( تعالى) علام الغيوب الذي لا تخفي عليه خافية في الأرض ولا في السماء!!
ثم أتبع تعالى ذلك بدعوة الإنسان( في نفس السورة) إلي النظر في نشأته الأولي كي يعلم أن خالقه قادر علي إعادة بعثه, وعلي محاسبته وجزائه, فيجتهد في عمل الخير حتى يجد ما ينجيه في الآخرة, حيث إن الأمر ليس بالهزل, ولذلك يختتم السورة الكريمة بعدد من الآيات الكونية الأخرى وبقوله تعالى: إنه لقول فصل* وما هو بالهزل*
ثم بإنذار ووعيد للكافرين بالله والمشركين به والمتمردين علي أوامره( تعالى) بهذا الجزم الآلهي القاطع:
( إنهم يكيدون كيدا* وأكيد كيدا* فمهل الكافرين أمهلهم رويدا*)
( الطارق:17 ـ19).
المصدر : بحث للدكتور زغلول النجار نشر على جريد الأهرام
عمروعبده 21-02-2011, 09:53 PM فلا أقسم بمواقع النجوم
مواقع النجوم
قال تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) (الواقعة:76، 75 )
في هاتين الآيتين الكريمتين يقسم ربنا تبارك وتعالي ـ وهو الغني عن القسم ـ بمواقع النجوم, ثم يأتي جواب القسم:
(إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ، فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ، لا يَمَسُّهُ إلا الْمُطَهَّرُونَ، تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الواقعة:80) .
والمعني المستفاد من هذه الآيات الكريمة أن الله تعالى يخبرنا بقوله( عز من قائل): أقسم قسماً مغلظاً بمواقع النجوم ـ وأن هذا القسم جليل عظيم ـ لو كنتم تعرفون قدره ـ أن هذا القرآن كتاب كريم, جمع الفوائد والمنافع, لاشتماله على أصول الدين من العقيدة والعبادة والأخلاق والمعاملات, وغير ذلك من أمور الغيب وضوابط السلوك وقصص الأنبياء وأخبار الأمم السابقة والعبر المستفادة منها, وعدد من حقائق ومظاهر الكون الدالة على وجود الله و على عظيم قدرته, وكمال حكمته وإحاطة علمه.
ويأتي جواب القسم: أن الله تعالى قد تعهد بحفظ هذا الوحي الخاتم في كتاب واحد مصون بقدرة الله( تعالى), محفوظ بحفظه من الضياع أو التبديل والتحريف, وهو المصحف الشريف, الذي لا يجوز أن يمسه إلا المطهرون من جميع صور الدنس المادي( أي المتوضئون الطاهرون), ولا يستشعر عظمته وبركته إلا المؤمنون بالله, الموحدون لذاته العليا, المطهرون من دنس الشرك, والكفر, والنفاق, ورذائل الأخلاق, لأن هذا القرآن الكريم هو وحي الله الخاتم, المنزل على خاتم الأنبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم), وهو معجزته الخالدة إلى يوم الدين, أنزله الله تعالى بعلمه وهو الإله الخالق, رب السماوات والأرض ومن فيهن, وقيوم الكون ومالكه ( سبحانه وتعالى), ولذلك يقول( عز من قائل):
(فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ، وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ، إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ
فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ، لا يَمَسُّهُ إلا الْمُطَهَّرُونَ، تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الواقعة)
تفسير القسم بمواقع النجوم:
الفاء حرف عطف, يُعطف بها فتدل على الترتيب والتعقيب مع الاشتراك, أو يكون ما قبلها علة لما بعدها, وتجري على العطف والتعقيب دون الاشتراك, وقد تكون للابتداء, ويكون ما بعدها حينئذ كلاماً مستأنفاً, وأغلب الظن أنها هنا للابتداء.
و أما لا فقد اعتبرها نحاة البصريين حرفاً زائداً في اللفظ لا في المعني, بينما اعتبرها نحاة الكوفيين اسماً لوقوعها موقع الاسم, خاصة إذا سُبقت بحرف من حروف الجر, وهي تأتي نافية للجنس, أو ناهية عن أمر, أو جوابية لسؤال, أو بمعني غير أو زائدة, وتارة تعمل عمل إن, أو عمل ليس, أو غير ذلك من المعاني.
ومن أساليب اللغة العربية إدخال لا النافية للجنس على فعل القسم: لا أقسم من أجل المبالغة في توكيد القسم, بمعني أنه لا يقسم بالشيء إلا تعظيماً له, كأنهم ينفون ما سوى المقسم عليه فيفيد تأكيد القسم به, وقيل: هي للنفي, بمعني لا أقسم به إذ الأمر أوضح من أن يحتاج إلى قسم أصلاً فضلا عن هذا القسم العظيم.
ومواقع النجوم هي الأماكن التي تمر بها في جريها عبر السماء وهي محتفظة بعلاقاتها المحددة بغيرها من الأجرام في المجرة الواحدة, وبسرعات جريها ودورانها, وبالأبعاد الفاصلة بينها, وبقوى الجاذبية الرابطة بينها, واللفظة مواقع جمع موقع يقال: وقع الشيء موقعه, من الوقوع بمعنى السقوط. والمسافات بين النجوم مذهلة للغاية لضخامة أبعادها, وحركات النجوم عديدة وخاطفة, وكل ذلك منوط بالجاذبية, وهي قوة لا تُري, تحكم الكتل الهائلة للنجوم, والمسافات الشاسعة التي تفصل بينها, والحركات المتعددة التي تتحركها من دوران حول محاورها وجري في مداراتها المتعددة, وغير ذلك من العوامل التي نعلم منها القليل ...!!!
وهذا القَسم القرآني العظيم بمواقع النجوم يشير إلى سبق القرآن الكريم بالإشارة إلى إحدى حقائق الكون المبهرة, والتي تقول أنه نظراً للأبعاد الشاسعة التي تفصل نجوم السماء عن أرضنا, فإن الإنسان على هذه الأرض لا يري النجوم أبداً, ولكنه يري مواقع مرت بها النجوم ثم غادرتها, و على ذلك فهذه المواقع كلها نسبية, وليست مطلقة, ليس هذا فقط بل إن الدراسات الفلكية الحديثة قد أثبتت أن نجوماً قديمة قد خبت أو تلاشت منذ أزمنة بعيدة, والضوء الذي انبثق منها في عدد من المواقع التي مرت بها لا يزال يتلألأ في ظلمة السماء في كل ليلة من ليالي الأرض إلى اليوم الراهن, كما أنه نظراً لانحناء الضوء في صفحة الكون فإن النجوم تبدو لنا في مواقع ظاهرية غير مواقعها الحقيقية, ومن هنا كان هذا القسم القرآني بمواقع النجوم, وليس بالنجوم ذاتها ـ على عظم قدر النجوم ـ التي كشف العلم عنها أنها أفران كونية عجيبة يخلق الله تعالى لنا فيها كل صور المادة والطاقة التي ينبني منها هذا الكون المدرك.
ماهية النجوم
النجوم هي أجرام سماوية منتشرة بالسماء الدنيا, كروية أو شبه كروية, غازية, ملتهبة, مضيئة بذاتها, متماسكة بقوة الجاذبية على الرغم من بنائها الغازي, هائلة الكتلة, عظيمة الحجم, عالية الحرارة بدرجة مذهلة, وتشع كلاً من الضوء المرئي وغير المرئي بجميع موجاته. ويمكن بدراسة ضوء النجم الواصل إلينا التعرف على العديد من صفاته الطبيعية والكيميائية من مثل درجة لمعانه, شدة إضاءته, درجة حرارته, حجمه, كتلته, موقعه منا, سرعة دورانه حول محوره, وسرعة جريه في مداره, تركيبه الكيميائي, ومستوي التفاعلات النووية فيه إلى غير ذلك من صفات.
وقد أمكن تصنيف النجوم العادية على أساس من درجة حرارة سطحها إلى نجوم حمراء (3200 درجة مطلقة) وهي أقلها حرارة, إلى نجوم برتقالية, وصفراء, وبيضاء مائلة إلى الصفرة, وبيضاء, وبيضاء مائلة إلى الزرقة, وزرقاء (30,000 درجة مطلقة) وهي أشدها حرارة, وشمسنا من النجوم الصفراء متوسطة الحرارة إذ تبلغ درجة حرارة سطحها حوالي ستة آلاف درجة مطلقة.
والغالبية الساحقة من النجوم(90%) تتبع هذه الأنواع من النجوم العادية التي تعرف باسم نجـوم النسـق الأسـاسي(Main Sequence Srars),والباقي هي نجوم في مراحل الانكدار أو الطمس أو في مراحل الانفجار والتلاشي, من مثل الأقزام البيضاء, النجوم النيوترونية( النابضة وغير النابضة) والثقوب السود في المجموعة الأولي, والعمالقة الحمر, والعمالقة العظام, والنجوم المستعرة, وفوق المستعرات في المجموعة الثانية.
وأكثر النجوم العادية لمعاناً هي أعلاها كثافة, وبعضها يصل في كتلته إلى مائة مرة قدر كتلة الشمس, وتشع قدر إشعاع الشمس ملايين المرات، وأقل نجوم السماء لمعاناً هي الأقزام الحمر(Red Dwarfs), وتبلغ درجة لمعانها أقل من واحد من الألف من درجة لمعان الشمس.
وأقل كتلة لجرم سماوي يمكن أن تتم بداخله عملية الاندماج النووي فيسلك مسلك النجوم هو8% من كتلة الشمس ( المقدرة بحوالي ألفي مليون مليون مليون مليون طن), والنجوم بمثل هذه الكتل الصغيرة, نسبيا هي من النجوم المنكدرة من أمثال النجوم البنية القزمة أو ما يعرف باسم الأقزام البنية (Brown Dwarfs)..
والنجوم تمر بمراحل من الميلاد والشباب والشيخوخة قبل أن تنفجر أو تتكدس على ذاتها فتطمس طمساً كاملاً, فهي تولد من الدخان الكوني بتكدس هذا الدخان على ذاته( بإرادة الخالق سبحانه وتعالى) وبفعل الجاذبية فتتكون نجوم ابتدائية(Prostars), ثم تتحول هذه النجوم الابتدائية إلى النجوم العادية(Main Sequence Srars), ثم تنتفخ متحولة إلى العماليق الحمر (Red Giants), فإذا فقدت العماليق الحمر هالاتها الغازية تحولت إلى ما يعرف باسم السدم الكوكبية (Planetary Nebulae), ثم تنكمش على هيئة ما يعرف باسم الأقزام البيض (White Dwarfs), وقد تتكرر عملية انتفاخ القزم الأبيض إلى عملاق أحمر ثم العودة إلى القزم الأبيض عدة مرات, وتنتهي هذه الدورة بالانفجار على هيئة فوق مستعر من الطراز الأول (Type I Super nova Explosion) أما إذا كانت الكتلة الابتدائية للنجم العادي كبيرة( عدة مرات قدر كتلة الشمس) فإنه ينتفخ في آخر عمره على هيئة العمالقة الكبار (Super giants), ثم ينفجر على هيئة فوق مستعر من الطراز الثاني (Type II Super nova Explosion), فينتج عن هذا الانفجار النجوم النيوترونية (Neutron Stars) النابضة (Pulsars), وغير النابضة (Non-Pulsating Neutron Stars), أو الثقوب السود (Black Holes) أو ما نسميه باسم النجوم الخانسة الكانسة وذلك حسب الكتلة الابتدائية للنجم. والنجوم العادية منها المفرد( مثل شمسنا) والمزدوج (Binary Stars) ومنها المتعدد (Multiple Stars), وتشير الدراسات الفلكية إلى أن أغلب النجوم مزدوجة أو متعددة, والنجوم المزدوجة تتشكل من نجمين يدوران في مدار واحد حول مركز ثقلهماCommon Cente of Mass,ومن النجوم المزدوجة ما يتقارب فيها النجمان من بعضهما البعض بحيث لا يمكن فصلهما إلا عن طريق فصل أطياف الضوء المنبثق من كل منهما بواسطة المطياف الضوئي (Spectroscope),ومن هذه النجوم المزدوجة ما يمكن أن يخفي احدهما الآخر لدرجة الكسوف الكلي.
والنجوم أفران كونية يتم في داخلها سلاسل من التفاعلات النووية التي تعرف باسم عملية الاندماج النووي(Nuclear Fusion) وهي عملية يتم بواسطتها اندماج نوي ذرات الإيدروجين( أخف العناصر المعروفة) لتكون نوي الذرات الأثقل بالتدريج وتنطلق الطاقة التي تزيد من درجة حرارة النجم حتى يتحول إلى ما يعرف باسم النجم المستعر(Nova)والعملاق الأحمر RedGiant, أو النجم العملاق الأعظم (Supergiant) وحينما يتحول قلب النجم المستعر إلى حديد تستهلك طاقة النجم, وتتوقف عملية الاندماج النووي فيه, وينفجر النجم فيتحول إما إلى قزم ابيض, أو إلى نجم نيوتروني أو إلى ثقب اسود حسب كتلته الابتدائية فينكدر النجم أو يطمس ضوؤه طمساً كاملاً.
وعند انفجار النجوم تتناثر اشلاؤها ـ ومنها الحديد ـ في صفحة السماء, فيبدأ بعض هذا الحديد في اصطياد الجسيمات الأولية للمادة لتكوين العناصر الأعلى في وزنها الذري من الحديد بالتدريج.
الشمس نجم من نجوم السماء الدنيا
الشمس هي النجم الذي تتبعه أرضنا فتدور حولها مع باقي أفراد المجموعة الشمسية, وتدور معها حول مركز المجرة, وهي أقرب نجوم السماء إلينا, ويقدر بُعدها عنا بحوالي مائة وخمسين مليوناً من الكيلو مترات, ويقدر نصف قطرها بحوالي سببعمائة ألف كيلو متر(6.960*510 كيلو متر(, وتقدر كتلتها بحوالي ألفي مليون مليون مليون مليون طن(1.99*10(27) طن), ومتوسط كثافتها)1.41 جرام للسنتيمتر المكعب( أي ا على قليلا من كثافة الماء, وتبدو الشمس لنا قرصا صغيرا في السماء على الرغم من ان حجمها يزيد عن مليون ضعف حجم الأرض نظرا لبعدها الشاسع عنا.
وتقدر درجة حرارة لب الشمس بحوالي15 مليون درجة مطلقة, ودرجة حرارة سطحها حوالي ستة آلاف درجة مطلقة(5800 درجة مطلقة) بينما تصل درجة الحرارة في هالة الشمس( أي اكليلها) إلى مليوني درجة مطلقة, وهذه الدرجات العالية من الحرارة, والانخفاض الشديد في كثافة مادة الشمس لا يسمحان للإنسان من على سطح الأرض برؤية الشمس بالعين المجردة, ولا باستخدام المناظير المقربة إلا إذا احتجبت الكرة المضيئة للشمس (Photosphere) احتجاباً كاملا بالكسوف الكلي لها أو بالطرق المختبرية المختلفة, والكثافة في مركز الشمس تصل الي90 جراما للسنتيمتر المكعب, وتتناقص في اتجاه سطح الشمس لتصبح جزءا من عشرة ملايين من الجرام للسنتيمتر المكعب,
وتنتج الطاقة في الشمس أساسا من تحول الإيدروجين إلى هيليوم بعملية الاندماج النووي, وان كانت العملية تستمر بمعدلات بسيطة لتنتج بعض العناصر الأعلى في وزنها الذري وتتكون الشمس بنسبة70% إيدروجين,28% هيليوم,2% عناصر أخري, والشمس هي مصدر كافة صور الطاقة الأرضية.
ونظرا لأن غالبية جسم الشمس غازي لا تمسك به إلا الجاذبية الشديدة للشمس فان دورانها حول محورها يتم بطريقة جزئية, قلب الشمس( حوالي ثلث قطرها) يدور كجسم صلب يتم دورته في36.5 يوم من أيام الأرض تقريبا, بينما الكرة الغازية المحيطة بذلك اللب( وسمكها حوالي ثلثي نصف قطر الشمس) يتم دورته حول مركز الشمس في حوالي24 يوما من أيام الأرض, و على ذلك فان متوسط سرعة دوران الشمس حول محورها يقدر بحوالي27 وثلث يوم من أيامنا.
وتجري الشمس( ومعها مجموعتها الشمسية) في صفحة الكون بسرعة تقدر بحوالي19 كيلو متر في الثانية نحو نقطة في كوكبة هرقل بالقرب من نجم النسر الواقع
(Vega) وهي تسمي علميا باسم مستقر الشمس, كما تجري الشمس( ومعها مجموعتها الشمسية بسرعة تقدر بحوالي220 كيلو مترا في الثانية حول مركز مجرتنا( درب اللبانة) لتتم هذه الدورة في250 مليون سنة.
وأقرب كواكب المجموعة الشمسية إلى الشمس وهو كوكب عطارد يبعد عنها بحوالي58 مليون كيلو متر, وأبعدها عن الشمس وهو كوكب بلوتو يبعد عنها بحوالي ستة آلاف مليون كيلومتر.
واذا خرجنا عن نطاق المجموعة الشمسية فان هذه المقاييس الأرضية لاتفي بقياس المسافات التي تفصل بقية نجوم السماء الدنيا عنا, فاتفق العلماء على وحدة قياس كونية تعرف باسم السنة الضوئية, وهي المسافة التي يقطعها الضوء بسرعته( المقدرة بحوالي الثلاثمائة الف كيلو متر في الثانية) في سنة من سنينا, وهي مسافة مهولة تقدر بحوالي9.5 مليون مليون كيلو متر.
أبعاد النجوم عن أرضنا اكتشف علماء الفلك أن اقرب النجوم إلينا بعد الشمس هو نجم الأقرب القنطوري Alpha Centaurus يبعد عنا بمسافة4.3 من السنين الضوئية, بينما يبعد عنا النجم القطبي بحوالي400 سنة ضوئية, ومنكب الجوزاء يبعد عنا بمسافة1600 سنة ضوئية, وأبعد نجوم مجرتنا( درب اللبانة) يبعد عنا بمسافة ثمانين ألف سنة ضوئية.
ومجموعتنا الشمسية عبارة عن واحدة من حشد هائل للنجوم على هيئة قرص مفرطح يبلغ قطره مائة ألف سنة ضوئية, وسمكه نحو عشر ذلك, وتقع مجموعتنا الشمسية على بعد ثلاثين الف سنة ضوئية من مركز المجرة, وعشرين الف سنة ضوئية من اقرب اطرافها.
وتحتوي مجرتتا( درب اللبانة =Milky Way) على تريليون( مليون مليون) نجم, وبالجزء المدرك من السماء الدنيا مائتي ألف مليون مجرة على الأقل, تسبح في ركن من السماء الدنيا يقدر قطرة بأكثر من عشرين الف مليون سنة ضوئية.
أقرب المجرات الينا تعرف باسم سحب ماجيلان Magellanic Clouds تبعد عنا بمسافة مائة وخمسين الف سنة ضوئية.
المجرات تجمعات للنجوم
المجرات هي نظم كونية شاسعة الاتساع تتكون من التجمعات النجمية والغازات والغبار الكونيين ( الدخان الكوني) بتركيز يتفاوت من موقع لآخر في داخل المجرة.
وهذه التجمعات النجمية تضم عشرات البلايين إلى بلايين البلايين من النجوم في المجرة الواحدة, وتختلف نجوم المجرة في إحجامها, ودرجات حرارتها, ودرجات لمعانها, وفي غير ذلك من صفاتها الطبيعية والكيميائية, وفي مراحل دورات حياتها, وأعمارها, فمنها النجوم العادية المفردة, والمزدوجة, والعديدة, والعماليق الكبار والحمر, والنجوم القزمة البيضاء والبنية والسوداء, والنجوم النيوترونية, والثقوب السود, وأشباه النجوم وغيرها مما يتخلق باستمرار من الدخان الكوني.
ومن المجرات ما هو حلزوني الشكل, ومنها ما هو بيضاني( إهليلجي), ومنها ما هو غير محدد الشكل, ومنها ما هو اكبر من مجرتنا بكثير, ومنها ما هو في حجمها أو أصغر منها, وتتبع مجرتنا عددا من المجرات يعرف باسم المجموعة المحلية Local Group وقد يتجمع عدد أكبر من المجرات على هيئة عنقود مجري Galactic Cluster كما قد يتجمع عدد من العناقيد المجرية على هيئة عنقود مجري عملاق Galactic Super cluster يضم عشرات الآلاف من المجرات.
وتتراوح المجرات في شدة اضاءتها بين سحب ماجلان العظيمة, وعدد من النقاط الباهتة التي لا تكاد أن تدرك بأكبر المقاريب( المناظير المقربة), وتقع أكثر المجرات ضياء في دائرة عظمي تحيط بنا في اتجاه عمودي تقريبا على مستوي مجرتنا, وتتراوح المسافات بين المجرات في التجمع المجري الواحد بين المليون والمليونين من السنين الضوئية, وتبلغ مائة مرة ضعف ذلك بين التجمعات المجرية التي تعتبر وحدة بناء السماء الدنيا.
وبالاضافة إلى المجرات وتجمعاتها المختلفة في الجزء المدرك من السماء الدنيا فاننا نري السدم
Nebulae, وهي أجسام دخانية تتخلق بداخلها النجوم, ومن السدم ماهو مضئ وماهو معتم.
أشباه النجوم
وهناك أشباه النجوم Quasars وهي اجسام ضعيفة الاضاءة, ولكنها تطلق اقوي الموجات الراديوية في السماء الدنيا, وقد اشتق اسمها باللغة الانجليزية من الوصف
Quasi-Srellar Radio Sources أشباه نجوم مصدرة للموجات الراديوية, وان كان منها مالا يصدر موجات راديوية (Radio-quietQuasiStellarObjects).
وهي أجرام سماوية تتباعد عنا بسرعات فائقة, وتعتبر أبعد ماتم رصده من أجرام السماء بالنسبة للأرض إلى الآن. وتبدو أنها حالة خاصة من حالات المادة غير معروفة لنا, وتقدر كتلة شبيه النجوم بحوالي مائة مليون ضعف كتلة الشمس, وتبلغ كثافته واحدا على البليون من الطن للسنتيمتر المكعب( واحد على ألف مليون مليون من الجرام للسنتيمتر المكعب), وتبلغ الطاقة الناتجة عنه مائة مليون مليون مرة قدر طاقة الشمس.
وقد تم الكشف عن حوالي1500 من اشباه النجوم على أطراف الجزء المدرك من الكون, وكشفت دراستها بواسطة المقربات الراديوية عن عدد من المفاجآت الفلكية المذهلة, ويتوقع الفلكيون وجود آلاف من هذه الأجرام السماوية العجيبة.
من أسباب القسم بمواقع النجوم
هذه الصفات المذهلة للنجوم تركها القسم القرآني وركز على مواقع النجوم فقال ربنا تبارك وتعالي:
(74) فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) [ الواقعة:75 ـ76]
ولعل من أسباب ذلك ما يلي:
أولا: أنه نظرا للأبعاد الشاسعة التي تفصل نجوم السماء عنا, فإننا لا يمكن لنا رؤية النجوم من على سطح الأرض أبدا, ولا بأية وسيلة مادية, وكل الذي نراه من نجوم السماء هو مواقعها التي مرت بها ثم غادرتها, إما بالجري في الفضاء الكوني بسرعات مذهلة, أو بالانفجار والاندثار, أو بالانكدار والطمس.
فالشمس وهي أقرب نجوم السماء إلينا تبعد عنا بمسافة مائة وخمسين مليون كيلومتر, فإذا أنبثق منها الضوء بسرعته المقدرة بحوالي الثلاثمائة ألف كيلومتر في الثانية من موقع معين مرت به الشمس فإن ضوءها يصل إلى الأرض بعد ثماني دقائق وثلث دقيقة تقريبا, بينما تجري الشمس بسرعة تقدر بحوالي19 كيلومترا في الثانية في اتجاه نجم النسر الواقع
Vega فتكون الشمس قد تحركت لمسافة لا تقل عن عشرة آلاف كيلومتر عن الموقع الذي انبثق منه الضوء.
وأقرب النجوم إلينا بعد الشمس وهو المعروف باسم الأقرب القنطوري يصل إلينا ضوؤه بعد4,3 سنة من انطلاقه من النجم, أي بعد أكثر من خمسين شهرا يكون النجم قد تحرك خلالها ملايين عديدة من الكيلومترات, بعيدا عن الموقع الذي صدر منه الضوء, وهكذا فنحن من على سطح الأرض لا نري النجوم أبدا, ولكننا نري صورا قديمة للنجوم انطلقت من مواقع مرت بها, وتتغير هذه المواقع من لحظة إلى أخري بسرعات تتناسب مع سرعة تحرك النجم في مداره, ومعدلات توسع الكون, وتباعد المجرات عنا, والتي يتحرك بعضها بسرعات تقترب أحيانا من سرعة الضوء, وأبعد نجوم مجرتنا عنا يصلنا ضوءه بعد ثمانين ألف سنة من لحظة انبثاقه من النجم, بينما يصلنا ضوء بعض النجوم البعيدة عنا بعد بلايين السنين, وهذه المسافات الشاسعة مستمرة في الزيادة مع الزمن نظرا لاستمرار تباعد المجرات عن بعضها البعض في ضوء ظاهرة اتساع الكون, ومن النجوم التي تتلألأ أضواؤها في سماء ليل الأرض ما قد انفجر وتلاشي أو طمس واختفي منذ ملايين السنين, لأن آخر شعاع انبثق منها قبل انفجارها أو طمسها لم يصل إلينا بعد, والضوء القادم منها اليوم يعبر عن ماض قد يقدر بملايين السنين.
ثانيا: ثبت علميا أن الضوء مثل المادة ينحني أثناء مروره في مجال تجاذبي مثل الكون, وعليه فإن موجات الضوء تتحرك في صفحة السماء الدنيا في خطوط منحنية يصفها القرآن الكريم بالمعارج, ويصف الحركة ذاتها بالعروج, وهو الانعطاف والخروج عن الخط المستقيم, كما يمكن أن يفيد الصعود في خط منعطف, ومن هنا كان وصف رحلة المصطفي صلي الله عليه وسلم في السماوات العلا بالعروج, وسميت الليلة باسم المعراج والجمع معارج ومعاريج.
وحينما ينعطف الضوء الصادر من النجم في مساره إلى الأرض فإن الناظر من الأرض يري موقعا للنجم على استقامة بصره, وهو موقع يغاير موقعه الذي صدر منه الضوء, مما يؤكد مرة أخري أن الإنسان من فوق سطح الأرض لا يمكنه أن يري النجوم أبدا.
ثالثا: أن النجوم في داخل المجرة الواحدة مرتبطة مع بعضها بالجاذبية المتبادلة بينها, والتي تحكم مواقع النجوم وكتلها, فمع تسليمنا بأن الله تعالى هو الذي يمسك السماوات والأرض أن تزولا كما أخبرنا تبارك وتعالي بقوله:
( إن اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً) [فاطر:41]
ويقول ربنا عز من قائل:
( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ) [الحج:65].
إلا أن الله تعالى له سننه التي يحقق بها مشيئته ـ وهو القادر على أن يقول للشيء: كن فيكون لكنه تعالى وضع للكون هذه السنن المتدرجة لكي يستطيع الإنسان فهمها ويتمكن من توظيفها في حسن القيام بواجب الاستخلاف في الأرض, فمواقع النجوم على مسافات تتناسب تناسبا طرديا مع كتلها ومرتبطة ارتباطا وثيقا بقوي الجاذبية التي تمسك بها في تلك المواقع وتحفظ السماء أن تقع على الأرض إلا بإذن الله ومن هنا كانت قيمة مواقع النجوم التي كانت من وراء هذا القسم القرآني العظيم...!!
رابعا: أثبتت دراسات الفلك, ودراسات كل من الفيزياء الفلكية والنظرية أن الزمان والمكان شيئان متواصلان, ومن هنا كانت مواقع النجوم المترامية الأبعاد تعكس أعمارها الموغلة في القدم, والتي تؤكد أن الكون الذي نحيا فيه ليس أزليا, بل كانت له بداية يحددها الدارسون باثني عشر بليونا من السنين على أقل تقدير, ومن هنا كان في القسم بمواقع النجوم إشارة إلى قدم الكون مع حدوثه, وهي حقائق لم يتوصل إليها العلم المكتسب إلا بنهاية القرن العشرين.
فقد كان اليونانيون القدامى يصرون على أن الأرض هي مركز الكون, أو أن الشمس هي مركز الكون, وأن كليهما ثابت لا يتحرك, غير متصورين وجود أية بنية سماوية إلا حول الشمس, وكان غيرهم من أصحاب المدنيات السابقة واللاحقة يؤمنون بديمومة الأرض والنجوم, وما بها من صور المادة والطاقة, بل ظل الغربيون إلى أوائل القرن الثامن عشر الميلادي يؤمنون بأن النجوم مثبتات بالسماء, وأن السماء بنجومها تتحرك كقطعة واحدة حول الأرض, وأن الكون في مركزه ثابت غير متحرك, ومكون من عناصر أربعة هي التراب, والماء, والهواء والنار وحول تلك الكرات الأربع الثابتة تتحرك السماوات, ثم يأتي القرآن الكريم قبل ألف وأربعمائة من السنين ليقسم بمواقع النجوم هذا القسم العظيم, مؤكدا نسبية وأهمية وتعاظم تلك المواقع, وأن الإنسان لا يمكن له رؤية النجوم من فوق الأرض, وكل ما يمكن أن يراه هي مواقع مرت بها النجوم, ويأتي العلم في نهاية القرن العشرين مؤكدا كل ذلك..!!
وهنا يتبادر إلى الذهن السؤال المهم: من الذي علم سيدنا محمدا صلي الله عليه وسلم كل هذه المعارف العلمية الدقيقة لو لم يكن القرآن الذي أوحي إليه هو كلام الله الخالق..!!؟ ولماذا أشار القرآن الكريم إلى مثل هذه القضايا الغيبية التي لم يكن لأحد علم بها في زمان الوحي ولا لقرون متطاولة من بعد ذلك؟ لولا أن الله تعالى يعلم بعلمه المحيط أن الناس سوف يأتي عليهم زمان يدركون فيه تلك الحقيقة الكونية, ثم يرجعون إلى كتاب الله الخاتم فيقرأون فيه هذا القسم القرآني العظيم: فلا أقسم بمواقع النجوم* وإنه لقسم لو تعلمون عظيم* الواقعة:75 ـ76 فيشهدون بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق, الذي أبدع هذا الكون بعلمه وحكمته وقدرته, ويشهدون لهذا النبي الخاتم صلي الله عليه وسلم أنه كان موصولا بالوحي, ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض, وأنه عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم كان ـ بحق ـ كما وصفه ربنا تبارك وتعالى:
(ومَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5)) [ النجم:3 ـ5].
وحينما يتم لهم ذلك تخر أعناقهم للقرآن خاضعين بسلاح العلم الكوني الذي كثيرا ما استخدم من قبل ـ كذبا وزورا ـ لهدم الدين..
( وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف:21).
المصدر : بحث للدكتور زغلول النجار
عمروعبده 21-02-2011, 09:57 PM أصل الكون
أصل الكون
قال الله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) (الأنبياء:30) .
نزل القرآن الكريم على قلب النبي محمد صلى الله عليه وسلم في مجتمع ساد فيه الجهل والخرافة وانحط فيه التفكير حتى وصل بهم أن يعبدوا حجارة ينحتون منها أصناماً ويقدمون لها القرابين والنذور ؟ وفي هذه الأجواء يتكلم القرآن الكريم عن أعقد حقائق الكون وأهمها وهي حقيقة خلقه من عدم بوساطة حدث هائل يسميه علماء الفلك الضربة الكبرى والقرآن يسميه الفتق وهذا الاكتشاف التي لم يتوصل الإنسان إلى كن حقيقتها إلا بعد سنوات طويلة من البحث المضني وإنفاق الأموال الطائلة وإن هذه الحقائق التي أشار إليها القرآن الكريم إن دلت على شيء فهي تدل على أن هذا لقرآن الكريم هو من عند خالق السماوات والأرض ..
معاني الألفاظ:
يقول ابن منظور وغيره من علماء اللغة العربية : والرتق ضد الفتق أي بمعنى الشق والفصل بين شيئين ملتصقين، أي أن السماوات والأرض كانتا ملتصقتين ببعضها ثم فتقها الله سبحانه وتعالى أي جعلها منفصلين عن بعضهما .
و لقد جاء علم الفلك ليظهر هذه الحقيقة التي ذكرها الله في كتابه وتلاها نبيه على المسلمين قبل ألف وأربعمائة سنة :
يرجع العلماء الفلكيون نشأة الكون إلى 13.7 مليار عام وذلك طبقاً لما أعلنته إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) مؤخراً حيث حدثت حادثة تعرف باسم الضربة الكبرى (Big bang) وهي حادثة بداية الكون .
و يعدون أن حدوث مثل هذه الحادثة كان أمراً واقعاً، إذ كانت المادة الموجودة حالياً في الكون مركزة بكثافة عالية جداً في هيئة بيضة كونية تتركز فيها كتلة الكون .
و من الأدلة على صحة نظرية الضربة الكونية الكبرى(Big bang) لنشأة الكون :
1. حركة التباعد المجرية الظاهرة فقد أعلن العالم عالم الفلك الأمريكي المشهور هابل عام 1929 بأن المجرات تبتعد بسرعة عنا في جميع الاتجاهات و تخضع لعلاقة طردية ( استطرادية ) مباشرة بين المسافة و الزحزحة الطيفية نحو الأحمر و استنتج وفقاً لظاهرة دوبلر[1] أن الكون يتمدد ولقد تمكن هابل في عام 1930من إيجاد هذه العلاقة و سميت باسمه وهي تنص بأن " سرعة ابتعاد المجرات الخارجية تتناسب طردياً مع بعدها عنا" وتفسير قانون هابل هو أن الأجرام السماوية في الكون تبتعد بسرعة عنا في جميع الاتجاهات، أي أن الكون في حالة تمدد أينما كان موقعنا في الكون[2] ، قال تعالى : (وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ {47}[سورة الذاريات]، وإذا عُدنا بهذا الاتساع الكوني الراهن إلى الوراء مع الزمن فإن كافة ما في الكون من صور المادة والطاقة والمكان والزمان لابد أن تلتقي في جرم واحد, متناه في ضآلة الحجم.
2. اكتشاف الخلفية الإشعاعية للكون المدرك:
وقد اكتشفها بمحض المصادفة باحثان بمختبرات شركة بل للتليفونات بمدينة نيوجرسي هما أرنو أ.بنزياس(ArnoA.Penzias)وزميله روبرت و. ويلسون (RobertW.Wilson) في سنة1965 م على هيئة إشارات راديوية منتظمة وسوية الخواص, قادمة من كافة الاتجاهات في السماء, وفي كل الأوقات دون أدني توقف أو تغير, ولم يتمكنوا من تفسير تلك الإشارات الراديوية, المنتظمة, السوية الخواص إلا بأنها بقية للإشعاع الذي نتج عن عملية الانفجار الكوني العظيم, وقد قدرت درجة حرارة تلك البقية الإشعاعية بحوالي ثلاث درجات مطلقة( أي ثلاث درجات فوق الصفر المطلق الذي يساوي ـ273 درجة مئوية).
وفي نفس الوقت كانت مجموعة من الباحثين العلميين في جامعة برنستون تتوقع حتمية وجود بقية للإشعاع الناتج عن عملية الانفجار الكوني الكبير, وإمكانية العثور على تلك البقية الإشعاعية بواسطة التليسكوبات الراديوية, وذلك بناء على الاستنتاج الصحيح بأن الإشعاع الذي نتج عن عملية الانفجار تلك قد صاحب عملية التوسع الكوني, وانتشر بانتظام وسوية عبر كل من المكان والزمان في فسحة الكون, ومن ثم فإن بقاياه المنتشرة إلى أطراف الجزء المدرك من الكون لابد أن تكون سوية الخواص, ومتساوية القيمة في كل الاتجاهات, ومستمرة ومتصلة بلا أدني انقطاع, وبالإضافة إلى ذلك فإن هذا الإشعاع الكوني لابد أن يكون له طيف مماثل لطيف الجسم المعتم, بمعني أن كمية الطاقة الناتجة عنه في مختلف الموجات يمكن وصفها بدرجة حرارة ذات قيمة محددة, وأن هذه الحرارة التي كانت تقدر ببلايين البلايين من الدرجات المطلقة عند لحظة الانفجار الكوني لابد أن تكون قد بردت عبر عمر الكون المقدر بعشرة بلايين من السنين على الأقل, إلى بضع درجات قليلة فوق الصفر المطلق. وانطلاقا من تلك الملاحظات الفلكية والنظرية كان في اكتشاف الخلفية الإشعاعية للكون دعم عظيم لنظرية الانفجار الكوني, وقضاء مبرم على نظرية ثبات الكون واستقراره التي اتخذت لتكون لنفي الخلق, وإنكار الخالق( سبحانه وتعالى) منذ مطلع القرن العشرين.
ولم تكن مجموعة جامعة برنستون بقيادة كل من روبرت دايك(RobertDicke), ب.ج. إ. بيبلز(P.J.E.Peebles)، ديفيد رول(DavidRoll) وديفيد ولكنسون (DavidWilkinson)هي أول من توقع وجود الخلفية الاشعاعية للكون, فقد سبقهم إلى توقع ذلك كل من رالف ألفر (RalphAlpher) وروبرت هيرمان (RobertHerman) في سنة1948 م وجورج جامو
(GeogeGamow) في سنة1953 م ولكن استنتاجاتهم أهملت ولم تتابع بشيء من الاهتمام العلمي فطويت في عالم النسيان.
3. تصوير الدخان الكوني على أطراف الجزء المدرك من الكون:
في سنة1989 م أرسلت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا (NASA) مركبة فضائية باسم مستكشف الخلفية الكونية أو(كوبيCosmicBackgroundExplorer أو COBE) وذلك لدراسة الخلفية الإشعاعية للكون من ارتفاع يبلغ ستمائة كيلو متر حول الأرض, وقد قاست تلك المركبة درجة الخلفية الإشعاعية للكون وقدرتها بأقل قليلا من ثلاث درجات مطلقة( أي بحوالي2,735+0,06 من الدرجات المطلقة) وقد أثبتت هذه الدراسة تجانس مادة الكون وتساويها التام في الخواص قبل الانفجار وبعده أي من اللحظة الأولى لعملية الانفجار الكوني العظيم, وانتشار الإشعاع في كل من المكان والزمان مع احتمال وجود أماكن تركزت فيها المادة الخفية التي تعرف باسم المادة الداكنة (DarkMatter) بعد ذلك
هذه صورة لبقايا الغبار الكوني الذي تم تصويره عام 1995بواسطة تلسكوب هابل .
كذلك قامت تلك المركبة الفضائية بتصوير بقايا الدخان الكوني الناتج عن عملية الانفجار العظيم على أطراف الجزء المدرك من الكون( على بعد عشرة مليارات من السنين الضوئية), وأثبتت أنها حالة دخانية معتمة سادت الكون قبل خلق السماوات والأرض, وقد سبق القرآن الكريم جميع المعارف الإنسانية بوصف تلك الحالة الدخانية منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة بقول الحق( تبارك وتعالى:
(ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) (فصلت:11)
وكان في اكتشاف هذا الدخان الكوني ما يدعم نظرية الانفجار الكوني العظيم.
4. عملية الاندماج النووي وتأصل العناصر:تتم عملية الاندماج النووي في داخل الشمس وفي داخل جميع نجوم السماء بين نوى ذرات الإيدروجين لتكوين نوى ذرات أثقل بالتدريج وتنطلق الطاقة، وقد أدت هذه الملاحظة إلى الاستنتاج الصحيح بتأصيل العناصر بمعني أن جميع العناصر المعروفة لنا والتي يبلغ عددها أكثر من مائة عنصر قد تخلقت كلها في الأصل من غاز الإيدروجين بعملية الاندماج النووي, فإذا تحول لب النجم المستعر إلى حديد انفجر النجم وتناثرت أشلاؤه في صفحة السماء حيث يمكن لنوى الحديد تلقي اللبنات الأساسية للمادة من صفحة السماء فتتخلق العناصر الأعلى في وزنها الذري من الحديد وقد جمعت هذه الملاحظات الدقيقة من جزيئات الجسيمات الأولية للمادة وعلم الكون وأيدت نظرية الانفجار العظيم التي بدأت بتخلق المادة وأضدادها مع اتساع الكون وتخلق كل من المكان والزمان ثم تخلق نوى كل من الإيدروجين والهيليوم والليثيوم ثم تخلق بقية العناصر المعروفة لنا ولذا يعتقد الفلكيون في أن تخلق تلك العناصر قد تم على مرحلتين نتج في المرحلة الأولى منهما العناصر الخفيفة وفي المرحلة الثانية العناصر الثقيلة والتدرج في تخليق العناصر المختلفة بعملية الاندماج النووي في داخل النجوم أو أثناء انفجارها على هيئة فوق المستعرات هو صورة مبسطة لعملية الخلق الأول يدعم نظرية الانفجار العظيم ويعين الإنسان على فهم آلياتها, والحسابات النظرية لتخليق العناصر بعملية الاندماج النووي تدعمها التجارب المختبرية على معدلات تفاعل الجسيمات الأولية للمادة مع نوى بعض العناصر, وقد بدأ هذه الحسابات هانز بيته (HansBethe) في الثلاثينات من القرن العشرين وأتمها وليام فاولر (WilliamFowler) الذي منح جائزة نوبل في الفيزياء مشاركة مع آخرين في سنة1983 تقديرا لجهوده في شرح عملية الاندماج النووي ودورها في تخليق العناصر المعروفة, ومن ثم المناداة بتأصل العناصر, وهي صورة مصغرة لعملية الخلق الأول.
6. التوزيع الحالي للعناصر المعروفة في الجزء المدرك من الكون
تشير الدراسات الحديثة عن توزيع العناصر المعروفة في الجزء المدرك من الكون إلى أن غاز الإيدروجين يكون أكثر قليلا من74% من مادته, ويليه في الكثرة غاز الهيليوم الذي يكون حوالي24% من تلك المادة, ومعنى ذلك أن أخف عنصرين معروفين لنا يكونان معا أكثر من98% من مادة الكون المنظور, وأن ما بقي من العناصر المعروفة لنا يكون أقل من2%, مما يشير إلى تأصل العناصر, ويدعم نظرية الانفجار العظيم, لأن معظم النماذج المقترحة لتلك النظرية تعطي حوالي75% من التركيب الكيميائي لسحابة الدخان الناتجة من ذلك الانفجار غاز الإيدروجين,25% من تركيبة غاز الهيليوم, وهي أرقام قريبة جدًا من التركيب الكيميائي الحالي للكون المدرك, كما لخصها عدد من العلماء من مثل: Alpher,Gamow,Wagonar,Fowler Hoyle,Schramm, Olive,Walker,Steigman,Rang,etc
هذه الشواهد وغيرها دعمت نظرية الانفجار الكوني العظيم وجعلتها أكثر النظريات المفسرة لنشأة الكون قبولاً في الأوساط العلمية اليوم, ونحن المسلمين نرقى بهذه النظرية إلى مقام الحقيقة الكونية لورود ما يدعمها في كتاب الله الذي أنزل من قبل ألف وأربعمائة من السنين يخبرنا بقول الخالق سبحانه وتعالى:
(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) (الانبياء:30).
7. إعلان وكالة أبحاث الفضاء الأمريكية ناسا أن عمر الكون بـ13.7 مليار سنة ضوئية وذلك من خلال استعمال مجسات فضائية متطورة جداً ومناظير إلكترونية محمولة على أقمار صناعية، وهذا الاكتشاف إقرار من الوكالة إلى أنه كان لهذا الكون بداية[3].
8. تبين أن العناصر التي تكون قشرة الأرض هي نفسها العناصر التي تتكون منها النجوم والشهب والكواكب وذلك من خلال دراسة الأطياف الضوئية التي تصدر عن ذرات العناصر التي تكون النجوم والشهب ومقارنتها مع الأطياف اللونية التي تصدر عن العناصر والذرات في الأرض، و يقول العلماء إن الكون يتوسع من الضربة الكبرى، ولا يوجد دليل بأنه سيتمدد للأبد بل إنهم يعتقدون أنه سوف يتباطأ تمدده تدريجياً، ثم يقف، وبعدها ينقلب على نفسه، ويبدأ بالتراجع في حركة تقهقرية وهذا مصداق لقوله تعالى http://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.pngيَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) (الأنبياء:104) والقرآن الكريم يخبرنا أكثر عن هذا فيصف لنا حركته على أنه حركة حلزونية : فيصف لنا حركة طي السماء أي حركة العودة إلى نقطة البداية أنها حركة حلزونية وذلك من خلال تشبيهها بحركة طي السجل للكتب والسجل هو ورق البردي الذي كان يكتب عليه فكان يطوى بحركة حلزونية تدور حول محور ثابت والله سبحانه وتعالى يقول لنا في نهاية الآية (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) أي إن حركة بدأ الكون تشبه حركة إعادة الكون إلى لحظة البدء والتي وصفها القرآن الكريم بالطي وهذه تدل على أن الكون سوف يكون ممدداً فيطويه الله تعالى أما كيفية الطي هذه فقد شرحها الله سبحانه وتعالى في قوله (كطي السجل للكتب ) أي كما يطوي الكاتب ورق البردي وهذا إعجاز كوني عظيم لم يكتشفه علماء الفلك إلا بعدما قاموا بتصوير المجرات التي يتكون منها الكون فوجدوا أنها تتباعد بحركة حلزونية عن بعضها كما أن كل المجرات تتوسع وتتباعد نجومها عن بعضها البعض بحركة متباعدة حلزونية تشبه كحركة فتح كتاب ورق البردي القديم من أجل القراءة بعد ما يكون مطوياً وأنها تدور حول محور ثابت هو محور المجرة كما أن المجرات كلها أيضاً تدور بحركة حلزونية حول محور ثابت هو محور الكون فهي تماماً تشبه حركة فتح ورق البردي للقراءة وكما أن أن ورق البردي عند فتحه يصبح منبسطاً ممتداً كذلك يصبح الكون في مرحلة من مراحله، ويقول العلماء أن الكون سوف ينكمش على نفسه بفعل قوى رد الفعل وقوى الجذب الداخلي على نفسه لينكمش بشكل يعاكس شكل التمدد قال تعالى http://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.pngيَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) (الانبياء:104) أي كطي السجل للكتب وهذا تماماً ما أثبته العلم الحديث من أخبر محمداً بهذه الحقيقة الكونية إنه رب العالمين (4).
تمت الاستعانة أثناء إنجاز البحث بأبحاث الدكتور زغلول النجار .
بقلم فراس نور الحق محرر الموقع
ــــــــــــــــــــ
المصادر:
القرآن الكريم، مختار الصحاح .
الجغرافيا الفلكية تأليف الدكتور على حسن موسى أستاذ في قسم الجغرافيا جامعة دمشق .
موقع قناة الجزيرة( ناسا تعلن تمكنها من كشف عمر الكون) الأربعاء 11/12/1423هـ الموافق 12/2/2003م.
كتاب من آيات الإعجاز في القرآن الكريم الدكتور زغلول النجار .
عمروعبده 21-02-2011, 09:58 PM معجزة النار و الخشب
معجزة النار و الخشب
قال تعالى: ( أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ {71} أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِؤُونَ {72} نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِّلْمُقْوِينَ {73} فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ {74}[سورة الواقعة ].
يتألف الخشب كما هو معروف من مادة كيميائية أساسية هي السللوز ، و يوجد السللوز في القطن بشكل نقي ، بينما يوجد في الخشب بشكل مشوب . و يتركب السللوز كيميائياً من ثلاثة عناصر أساسية هي : الهيدروجين و الأكسيجين و الكربون ( الفحم ) . و من معجزات الله تعالى و شمول عظمته أنه من هذه العناصر الثلاثة فقط أمكن حتى الآن تركيب أكثر من مليون مركب كيماوي ، و ذلك حسب اختلاف ارتباط هذه العناصر و انتظامها بالنسبة لبعضها ، و هذه المركبات هي التي تدعى ( المركبات العضوية ) . و هي على الأغلب يتم صنعها و تركيبها في النبات . و من هذه المركبات ( السللوز ) .
إن هذه المادة الكيميائية يركبها النبات من مواد أولية مشاعة و متوفرة بدون ثمن ، هي : الهواء ( الأكسجين و غاز الفحم ) و الماء و أشعة الشمس . و كل هذه المواد موجودة بكميات وافرة تحت تصرف كل إنسان و بدون ثمن . ولقد جهد العلماء الكيميائيون على تقليد مادة الخشب ( السللوز ) فلم يستطيعوا أن يصنعوا و لا فتاتة واحدة من الخشب ، فجاء الإعجاز الإلهي يخاطبهم قائلاً : أيها المعتدّون بأنفسهم و المنكرون لقدرة الله ، إن كنتم قادرين و عالمين فاصنعوا قطعة من خشب من هذه المواد الأولية المتوفرة لديكم و تحت تصرفكم و هي الهواء و الماء و أشعة الشمس فإن عجزتم فاعلموا أن هناك قوة قادرة مفكرة أعلى من قوتكم و تفكيركم يمكنها صنع ذلك .
فهذه هي النباتات و الأشجار تصنع مادة الخشب ليل نهار من تلك المواد الأولية التي لا قيمة لها .
هذه ناحية من نواحي الإعجاز في ( معجزة الخشب ) و الناحية الأخرى هي أن مادة الخشب تتركب من الماء و هي ضد النار ، ثم هي بعد تركيبها من الماء تعتبر من أعظم مصادر النار .
المصدر : كتاب " الله و الإعجاز العلمي في القرآن " تأليف لبيب بيضون ماجستير في العلوم
عمروعبده 21-02-2011, 10:01 PM حركة الشمس و جريانها و نهايتها
آيات الإعجاز:
قال الله تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [يس: 38].
وقال عز وجل: {كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى} [الرعد: 2].
وقال سبحانه: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 40].
التفسير اللغوي:
"والشمس تجري لمستقر لها" أي لمكان لا تجاوزه وقتاً ومحلاً.
وقيل لأجلٍ قُدِّر لها.
فهم المفسرين:
أشار علماء التفسير كالرازي والطبري والقرطبي استنباطاً من الآيات القرآنية أن الشمس كالأرض وغيرها من الكواكب، هي في حالة حركة وسَبْحٍ دائمة في مدار خاص بها.
مقدمة تاريخية:
استطاع الصينيون والبابليون أن يتنبؤوا بالكسوف والخسوف ثم ازداد الاهتمام بعلم الفلك في عهد اليونان، فقرر طالس وأرسطو وبطليموس أن الأرض ثابتة، وهي مركز الكون، والشمس وكل الكواكب تدور حولها في كون كروي مغلق.
وفي بداية القرن الثالث قبل الميلاد جاء "أريستاركوس" (Aristarchus) بنظرية أخرى، فقد قال بدوران الأرض حول الشمس، ولكنه اعتبر الشمس جرماً ثابتاً في الفضاء، ورفض الناس هذه النظرية وحكموا على مؤيديها بالزندقة وأنزلوا بهم أشد العقاب وبقي الأمر على تلك الحال حتى انتهت العصور الوسطى.
في عام 1543 نشر العالم البولوني "كوبرنيكوس" (Copernicus) كتابه عن الفلك والكواكب وأرسى في كتابه نظرية دوران الأرض حول الشمس، ولكنه اعتبر أيضاً أن الشمس ثابتة كسلفه أريستاركوس.
ثم بدأت تتحول هذه النظرية إلى حقيقة بعد اختراع التلسكوب وبدأ العلماء يميلون إلى هذه النظرية تدريجياً إلى أن استطاع العالم الفلكي الإيطالي "غاليليو" (Galileo) أن يصل إلى هذه الحقيقة عبر مشاهداته الدائمة وتعقّبه لحركة الكواكب والنجوم وكان ذلك في القرن السابع عشر، وفي القرن نفسه توصّل "كابلر" (Kepler) العالم الفلكي الألماني إلى أن الكواكب لا تدور حول الأرض فحسب بل تسبح في مدارات خاصة بها إهليجية الشكل حول مركز هو الشمس.
وبقي الأمر على ما هو عليه إلى أن كشف العالم الإنكليزي "ريتشارد كارينغتون" (Richard Carrington) في منتصف القرن التاسع عشر أن الشمس تدور حول نفسها خلال فترة زمنية قدرها بثمانية وعشرين يوماً وست ساعات وثلاث وأربعين دقيقة وذلك من خلال تتبّعه للبقع السوداء التي اكتشفها في الشمس كما جاء في وكالة الفضاء الأميركية . ويعتقد العلماء الآن أن الشمس قد قطعت نصف مدة حياتها، وأنها ستتحول تدريجياً إلى نجم منطفىء بعد خمس مليارات سنة، بعد أن تبرد طاقتها وتتكثف الغازات فيها.
حقائق علمية:
- كشف العالم الفلكي "كابلر" أن الشمس وتوابعها من الكواكب تسبح في مدارات خاصة بها وفق نظام دقيق.
- كشف العالم الفلكي "ريتشارد كارينغتون" أن الشمس تدور حول نفسها.
- أن الشمس سينطفىء نورها عندما ينتهي وقودها وطاقتها حيث تدخل حينئذ عالم النجوم الأقزام ثم تموت.
التفسير العلمي:
يقول المولى عز وجل في كتابه المجيد: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [يس: 38].
تشير الآية القرآنية الكريمة إلى أن الشمس في حالة جريان مستمر حتى تصل إلى مستقرها المقدّر لها، وهذه الحقيقة القرآنية لم يصل إليها العلم الحديث إلا في القرن التاسع عشر الميلادي حيث كشف العالم الفلكي "ريتشارد كارينغتون" أن الشمس والكواكب التي تتبعها تدور كلها في مسارات خاصة بها وفق نظام ومعادلات خاصة وهذا مصداق قوله تعالى: {كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى} [الرعد: 2]، فما هو التفسير العلمي لحركة الشمس؟
إن الشمس نجم عادي يقع في الثلث الخارجي لشعاع قرص المجرّة اللبنية وكما جاء في الموسوعة الأميركية فهي تجري بسرعة 220 مليون كلم في الثانية حول مركز المجرة اللبنية التي تبعد عنه 2.7 × 10 17 كلم ساحبة معها الكواكب السيارة التي تتبعها بحيث تكمل دورة كاملة حول مجرتها كل مائتين وخمسين مليون سنة.
فمنذ ولادتها التي ترجع إلى 4.6 مليار سنة، أكملت الشمس وتوابعها 18 دورة حول المجرة اللبنية التي تجري بدورها نحو تجمع من المجرات، وهذا التجمع يجري نحو تجمع أكبر هو كدس المجرات، وكدس المجرات يجري نحو تجمع هو كدس المجرات العملاق، فكل جرم في الكون يجري ويدور ويسبح ونجد هذه المعاني العلمية في قوله تعالى: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 40].
ولكن أين هو مستقر الشمس الذي تحدث عنه القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا}؟
إن علماء الفلك يقدّرون بأن الشمس تسبح إلى الوقت الذي ينفد فيه وقودها فتنطفىء، هذا هو المعنى العلمي الذي أعطاه العلماء لمستقر الشمس، هذا بالإضافة إلى ما تم كشفه في القرن العشرين من أن النجوم كسائر المخلوقات تنمو وتشيخ ثم تموت، فقد ذكر علماء الفلك في وكالة الفضاء الأميركية (NASA) أن الشمس عندما تستنفذ طاقتها تدخل في فئة النجوم الأقزام ثم تموت وبموتها تضمحل إمكانية الحياة في كوكب الأرض - إلا أن موعد حدوث ذلك لا يعلمه إلا الله تعالى الذي قال في كتابه المجيد: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ} [الأعراف: 187].
المراجع العلمية:
ذكرت وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) أن الشمس تدور بنفس اتجاه دوران الأرض و"دوران كارنغتون" سمي نسبة للعالِم "ريتشارد كارنغتون"، العالم الفلكي الذي كان أول من لاحظ دوران البقع الشمسية مرة كل 27.28 يوماً.
وتقول الموسوعة الأميركية أن مجرتنا -مجرة درب التبانة- تحتوي حوالي 100 بليون نجم، ;كل هذه النجوم تدور مع الغاز والغبار الكوني الذي بينها حول مركز المجرة، تبعد الشمس عن مركز المجرة مليارات الكيلومترات 2.7×10 17 (1.7×10 17) وتجري حوله بسرعة 220كلم/ثانية (140 ميل/الثانية)، وتستغرق حوالي 250 مليون سنة لتكمل دورة كاملة، وقد أكملت 18 دورة فقط خلال عمرها البالغ 4.6 مليارات سنة.
وذكرت أيضا وكالة الفضاء الأميركية (ناسا): " الذي يظهر أن الشمس قد كانت نشطة منذ 4.6 بليون سنة وأنه عندها الطاقة الكافية لتكمل خمسة بليون سنة أخرى من الآن".
وأيضا تقول : "يقدر للشمس انتهاؤها كنجم قزم".
وجه الإعجاز:
وجه الإعجاز في الآيات القرآنية الكريمة هو تقريرها بأن الشمس في حالة جريان وسَبْحٍ في الكون، هذا ما كشف عنه علم الفلك الحديث بعد قرون من نزول القرآن الكريم.
المصدر : الموسوعة الإسلامية المعاصرة
عمروعبده 21-02-2011, 10:02 PM و في الأرض آيات للموقنين
وفي الأرض آيات للموقنين
قال تعالى : {19} وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ {20} وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ {21} وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ {22} فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ {23}
يستهل ربنا( تبارك وتعالى) سورة الذاريات بقسم منه ـ وهو سبحانه الغني عن القسم ـ وجاء القسم بعدد من آياته الكونية على أن وعده لعباده وعد صادق, وأن دينه الذي أنزله على فترة من الرسل, والذي أتمه في بعثة النبي والرسول الخاتم( صلي الله على ه وسلم) والذي سماه الإسلام, والذي لا يرتضي من عباده دينا سواه لهو حق واقع لاشك فيه.
ثم أعاد ربنا( تبارك اسمه) القسم مرة أخرى بالسماء ذات الحبك على أن الناس مختلفون في أمر يوم الدين بين مكذب ومصدق, وأن المكذبين الذين شغلتهم الحياة الدنيا عن التفكير في مصيرهم بعد الموت يُصرفون عن حقيقة هذا اليوم الرهيب, ثم تعرض الآيات لمصير كل من المكذبين والمصدقين بالآخرة, كما تعرض لعدد من صفات كل من الفريقين, ثم تعاود السورة في سياقها الاستدلال بعدد من الآيات الكونية الأخرى في الأرض وفي الأنفس وفي الآفاق على أن وحي الله( تعالى) إلى عباده في القرآن الكريم حق مطلق يجب على الناس تصديقه كما يصدقون ما ينطقون هم أنفسهم به...!!!
ومن هذه الآيات الكونية التي استشهد بها الحق( تبارك وتعالى) على صدق وحيه في آخر رسالاته وكتبه قوله ( وهو أصدق القائلين): (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ) (الذريات:20)
فما هي آيات الله في الأرض الدالة على طلاقة قدرته, وعظيم حكمته, واحاطة سلطانه وعلمه؟ ما هذه الآيات التي استشهد بها(سبحانه وتعالى) ـ وهو الغني عن كل شهادة ـ على صدق وحيه الذي أنزله على خاتم أنبيائه ورسله؟ هذا الوحي الذي تعهد(سبحانه) بحفظه فحفظ على مدى أربعة عشر قرناً أو يزيد بنفس اللغة التي أوحى بها( اللغة العربية), سورة سورة, وآية آية, وكلمة كلمة, وحرفاً حرفاً, دون أدنى زيادة أو نقصان, وهذا وحده من أعظم الشهادات على صدق القرآن الكريم وإعجازه, وعلى أنه كلام الله الخالق, وعلى صدق الصادق الأمين الذي تلقاه عن ربه, وعلى صدق نبوته ورسالته( صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وعلى من تبع هداه ودعا بدعوته إلى يوم الدين)
الدلالة اللغوية لألفاظ الآية الكريمة:
(الأرض) في اللغة العربية اسم جنس للكوكب الذي نحيا عليه, تمييزا له عن بقية الكون, والذي يجمع تحت اسم السماوات أو السماء,
الأرض في القرآن الكريم:
جاء ذكر الأرض في أربعمائة وواحد وستين(461) موضعا من كتاب الله, منها ما يشير إلى الأرض ككل في مقابلة السماء, ومنها ما يشير إلى اليابسة التي نحيا على ها كلها, أو إلى جزء منها, (واليابسة هي جزء من الغلاف الصخري للأرض وهي كتل القارات السبع المعروفة والجزر المحيطية العديدة), ومنها ما يشير إلى التربة التي تغطي صخور الغلاف الصخري للأرض.
وفي هذه الآيات إشارات إلى العديد من الحقائق العلمية عن الأرض والتي يمكن تبويبها بإيجاز على النحو التالي:
(1) ـ آيات تأمر الإنسان بالسير في الأرض, والنظر في كيفية بدء الخلق, وهي أساس المنهجية العلمية في دراسة علوم الأرض.
(2) ـ آيات تشير إلى شكل وحركات وأصل الأرض, منها ما يصف كروية الأرض, ومنها ما يشير إلى دورانها, ومنها ما يؤكد على عظم مواقع النجوم منها, أو على حقيقة اتساع الكون و(الأرض جزء منه), أو على بدء الكون بجرم واحد( مرحلة الرتق), ثم انفجار ذلك الجرم الأولي(مرحلة الفتق), أو على بدء خلق كل من الأرض والسماء من دخان, أو على انتشار المادة بين السماء والأرض( المادة بين الكواكب وبين النجوم وبين المجرات), أو على تطابق كل من السماوات والأرض( أي تطابق الكون).
(3) ـ آية قرآنية واحدة تؤكد أن كل الحديد في كوكبنا الأرض قد أنزل إليها من السماء إنزالاً حقيقياً.
(4) ـ آية قرآنية تؤكد حقيقة أن الأرض ذات صدع, وهي من الصفات الأساسية لكوكبنا.
(5) ـ آيات قرآنية تتحدث عن عدد من الظواهر البحرية المهمة من مثل ظلمات البحار والمحيطات( ودور الأمواج الداخلية والسطحية في تكوينها), وتسجير بعض هذه القيعان بحرارة عالية, وتمايز المياه فيها إلى كتل متجاورة لا تختلط اختلاطاً كاملاً, نظراً لوجود حواجز أفقية ورأسية غير مرئية تفصل بينها, ويتأكد هذا الفصل بين الكتل المائية بصورة أوضح في حالة التقاء كل من المياه العذبة والمالحة عند مصاب الأنهار, مع وجوده بين مياه البحر الواحد أو بين مياه البحار المتصلة ببعضها البعض.
(6) ـ آيات قرآنية تتحدث عن الجبال, منها ما يصفها بأنها أوتاد, وبذلك يصف كلاً من الشكل الخارجي( الذي على ضخامته يمثل الجزء الأصغر من الجبل) والامتداد الداخلي( الذي يشكل غالبية جسم الجبل), كما يصف وظيفته الأساسية في تثبيت الغلاف الصخري للأرض, وفي اتزان دورانها حول محورها, وتتأكد هذه الوظيفة في اثنتين وعشرين آية أخرى, وردت بها كذلك إشارات إلى عدد من الوظائف والصفات الإضافية للجبال من مثل دورانها مع الأرض, أو تكوينها من صخور متباينة في الألوان والأشكال والهيئة. أو دورها في إنزال المطر, وتغذية الأنهار, وشق الأودية والفجاج أو في جريان السيول.
(7) ـ آيات قرآنية تشير إلى نشأة كل من الغلافين المائي والهوائي للأرض, وذلك بإخراج مكوناتهما من باطن الأرض, أو تصف الطبيعة الرجعية لغلافها الغازي, أو تؤكد حقيقة ظلام الفضاء الكوني الخارجي, أو على تناقص الضغط الجوي مع الارتفاع عن سطح الأرض, أو على تبادل الليل والنهار, وعلى رقة طبقة النهار حول نصف الأرض المواجه للشمس, أو على أن ليل الأرض كان في بدء خلقها مضاء كنهارها, ثم محي ضوءه.
(8) ـ آيات تشير إلى رقة الغلاف الصخري للأرض, وإلى تسوية سطحه وتمهيده وشق الفجاج والسبل فيه, وإلى تناقص الأرض من أطرافها.
(9) ـ آيات تؤكد إسكان ماء المطر في الأرض مما يشير إلى دورة المياه حول الأرض وفي داخل صخورها, أو تؤكد علاقة الحياة بالماء, أو تلمح إلى إمكانية تصنيف الكائنات الحية.
(10) ـ آيات تؤكد أن عملية الخلق قد تمت على مراحل متعاقبة عبر فترات زمنية طويلة
(11) ـ آيات قرآنية تصف نهاية كل من الأرض والسماوات وما فيهما( أي الكون كله) بعملية معاكسة لعملية الخلق الأول كما تصف إعادة خلقهما من جديد, أرضا غير الأرض الحالية وسماوات غير السماوات القائمة.
هذه الحقائق العلمية لم تكن معروفة للإنسان قبل هذا القرن, بل إن الكثير منها لم يتوصل الإنسان إليه إلا في العقود القليلة المتأخرة منه عبر جهود مضنية, وتحليل دقيق لكم هائل من الملاحظات والتجارب العلمية في مختلف جنبات الجزء المدرك من الكون, وأن السبق القرآني في الإشارة إلى مثل هذه الحقائق بأسلوب يبلغ منتهي الدقة العلمية واللغوية في التعبير, والاحاطة والشمول في الدلالة ليؤكد جانباً مهماً من جوانب الإعجاز في كتاب الله, وهو جانب الإعجاز العلمي, ومع تسليمنا بأن القرآن الكريم معجز في كل أمر من أموره, إلا أن الإعجاز العلمي يبقي من أنجح أساليب الدعوة إلى الله في عصر العلم والتقنية الذي نعيشه.
ومن هنا تتضح أهمية القرآن الكريم في هداية البشرية في زمن هي أحوج ما تكون إلى الهداية الربانية. كما تتضح أهمية دراسات الإعجاز العلمي في كتاب الله مهما تعددت تلك المجالات العلمية, وذلك لأن ثبات صدق الإشارات القرآنية في القضايا الكونية من مثل إشاراته إلى عدد من حقائق علوم الأرض, وهي من الأمور المادية الملموسة التي يمكن للعلماء التجريبيين إثباتها التي تدعوا إلى التسليم بحقائق القرآن الأخرى خاصة ما يرد منها في مجال القضايا الغيبية والسلوكية( من مثل قضايا العقيدة والعبادة والأخلاق والمعاملات) والتي تمثل ركائز الدين, ولا سبيل للإنسان في الوصول إلى قواعد سليمة لها وإلى ضوابط صحيحة فيها إلا عن طريق بيان رباني خالص لا يداخله أدنى قدر من التصور البشري.
من آيات الله في خلق الأرض وجعلها صالحة للعمران
الأرض هي أحد أفراد المجموعة الشمسية التي تتكون من تسعة كواكب, أساسية, يدور كل منها حول نفسه, ويجري في مدار محدد له حول الشمس, وهناك مدار للكويكبات بين كل من كوكبي المريخ والمشتري يعتقد أنها بقايا لكوكب عاشر قد انفجر, وهناك احتمال بوجود كوكب حادي عشر لم يتم كشفه أو رصده بعد, ولكن تم التوقع بوجوده بواسطة الحسابات الفلكية.
وكواكب المجموعة الشمسية المعروفة لنا هي من الداخل إلى الخارج على النحو التالي:
عطارد, الزهرة, الأرض, المريخ, الكويكبات, المشتري, زحل, يورانوس, نبتيون, بلوتو, بروسوبينا( أوبريينا).
وهناك بعد ذلك نطق المذنبات التي تدور حول الشمس في مدارات مغلقة أو مفتوحة على مسافات بعيدة جداً وتعتبر جزءاً من المجموعة الشمسية.
ويقدر متوسط المسافة بين الشمس وأقرب كواكبها( عطارد) بحوالي58 مليون كيلو متر( بين46 مليون,69 مليون كيلو متر), ويقدر متوسط المسافة بين الأرض والشمس بحوالي150 مليون كيلو متر, ويبعد بلوتو عن الشمس بمسافة تقدر في المتوسط بحوالي6000 مليون كيلو متر, ويقدر متوسط بعد الكوكب المقترح بروسوبينا بحوالي ضعف هذه المسافة(12 بليون كيلو متر), ويبعد نطاق المذنبات عن الشمس عشرات أضعاف المسافة الأخيرة.
و على ذلك فالأرض هي ثالثة الكواكب بعدا عن الشمس, وهي تجري حول الشمس في فلك بيضاني( اهليلجي) قليل الاستطالة بسرعة تقدر بحوالي30 كيلو متر في الثانية(29,6 كيلو مترا في الثانية) لتتم دورتها هذه في سنة شمسية مقدارها365,25 يوم تقريبا, وتدور حول نفسها بسرعة مقدارها حوالي30 كيلو مترا في الدقيقة(27,8 كيلو متر في الدقيقة) عند خط الاستواء فتتم دورتها هذه في يوم مقداره24 ساعة تقريبا, يتقاسمه ليل ونهار, بتفاوت يزيد وينقص حسب الفصول, التي تنتج بسبب ميل محور دوران الأرض على دائرة البروج بزاوية مقدارها ست وستون درجة ونصف تقريبا, ويعزى للسبب نفسه تتابع الدورات الزراعية, وهبوب الرياح, وهطول الأمطار, وفيضان الأنهار بإذن الله.
والأرض كوكب فريد في كل صفة من صفاته, مما أهله بجدارة أن يكون مهداً للحياة الأرضية بكل مواصفاتها, ولعل هذا التأهيل هو أحد مقاصد الآية القرآنية الكريمة التي يقول فيها الحق( تبارك وتعالى) وفي الأرض آيات للموقنين ولعل من أوضح هذه الآيات البينات ما يلي:
أولا: بعد الأرض عن الشمس
يقدر متوسط المسافة بين الأرض والشمس بحوالي مائة وخمسين مليوناً من الكيلومترات, وقد استخدمت هذه المسافة كوحدة فلكية للقياس في فسحة الكون, ولما كانت كمية الطاقة التي تصل من الشمس إلى كل كوكب في مجموعتها تتناسب تناسباً عكسيا مع بعد الكوكب عن الشمس, وكذلك تتناسب سرعة جريه في مداره حولها, بينما يتناسب طول سنة الكوكب تناسبا طرديا مع بعده عنها( وسنة الكوكب هي المدة التي يستغرقها في إتمام دورة كاملة حول الشمس), اتضحت لنا الحكمة البالغة من تحديد بعد الأرض عن الشمس, فقد قدرت الطاقة التي تشعها الشمس من كل سنتيمتر مربع على سطحها بحوالي عشرة أحصنه ميكانيكية, ولا يصل الأرض سوى جزء واحد من بليوني جزء من هذه الطاقة الهائلة, وهو القدر المناسب لنوعية الحياة الأرضية, ولتنشيط القوى الخارجية التي تعمل على تسوية سطح الأرض, وتكوين التربة, وتحريك دورة المياه حول الأرض, وغير ذلك من الأنشطة الأرضية. ولطاقة الشمس الإشعاعية صور عديدة أهمها: الضوء الأبيض, والحرارة( الأشعة تحت الحمراء), والأشعة السينية, والأشعة فوق البنفسجية, ونسب هذه المكونات للطاقة الشمسية ثابتة فيما بينها, وإن اختلفت كمية الإشعاع الساقط على أجزاء الأرض المختلفة باختلاف كل من الزمان والمكان.
وحزمة الضوء الأبيض تتكون من الأطياف السبعة( الأحمر, والبرتقالي, والأصفر, والأخضر, والأزرق, والنيلي, والبنفسجي) وتقدر نسبتها في الأشعة الشمسية التي تصل إلى الأرض بحوالي 38%, ولها أهمية بالغة في حياة كل من النبات والحيوان والإنسان, وتبلغ أقصى مدى عند منتصف النهار عموماً, وعند منتصف نهار الصيف خصوصاً, لأن قوة إنارة أشعة الشمس لسطح الأرض تبلغ في الصيف ضعفي ما تبلغه في الشتاء.
أما الأشعة تحت الحمراء فتقدر نسبتها في أشعة الشمس التي تصل إلى الأرض بحوالي53%, ولها دورها المهم في تدفئة الأرض وما عليها من صور الحياة, وفي كافة العمليات الكيميائية التي تتم على سطح الأرض وفي غلافها الجوي, الذي يرد عنا قدراً هائلاً من حرارة الشمس, فكثافة الإشعاع الشمسي والتي تقدر بحوالي2 سعر حراري على كل سنتيمتر مربع من جو الأرض في المتوسط يتشتت جزء منها بواسطة جزيئات الهواء, وقطرات الماء, وهباءات الغبار السابحة في جو الأرض, ويمتص جزء آخر بواسطة كل من غاز الأوزون وبخار الماء, ومتوسط درجة الحرارة على سطح الأرض يقدر بحوالي عشرين درجة مئوية وإن تراوحت بين حوالي74 درجة مئوية تحت الصفر في المناطق القطبية المتجمدة و55 درجة مئوية في الظل في أشد المناطق والأيام قيظا.
أما الأشعة فوق البنفسجية فتقدر نسبتها بحوالي9% من مجموع أشعة الشمس التي تصل إلى الأرض وذلك لأن غالبيتها تمتص أو ترد بفعل كل من النطاق المتأين ونطاق الأوزون الذي جعلهما ربنا( تبارك وتعالى) من نطق الحماية للحياة على الأرض, ويقدر ما يصل إلى الأرض من طاقة الشمس بحوالي ثلاثة عشر مليون حصاناً ميكانيكياً على كل كيلو متر مربع من سطح الأرض في كل ثانية وتقدر قيمته ببلايين الدولارات مما لا قبل للبشرية كلها بتحمله أو وفاء شكر الله على ه...!!!
ولو كانت الأرض أقرب قليلا إلى الشمس لكانت كمية الطاقة التي تصلها كافية لإحراق كافة صور الحياة على سطحها, ولتبخير مياهها, ولخلخلة غلافها الغازي.
فكوكب عطارد الذي يقع على مسافة تقدر بحوالي0,39 من بعد الأرض عن الشمس تتراوح درجة حرارة سطحه بين220 درجة مئوية في وجهه المضيء و27 درجة مئوية في وجهه المظلم, وكوكب الزهرة الذي يقع على مسافة تقدر بحوالي0,72 من بعد الأرض عن الشمس تصل درجة الحرارة على سطحه إلي457 درجة مئوية(730 درجة مطلقة).
و على النقيض من ذلك فإن الكواكب الخارجة عن الأرض( المريخ, المشتري, زحل, يورانوس, نبتيون, بلوتو) لا يصلها قدر كاف من حرارة الشمس فتعيش في برودة قاتلة لا تقوي الحياة الأرضية على تحملها.
ولذلك فإنه من الواضح أن بعد الأرض عن الشمس قد قدره ربنا( تبارك وتعالى) بدقة بالغة تسمح للأرض بتلقي قدر من طاقة الشمس يتناسب تماما مع حاجات جميع الكائنات الحية على سطحها, وفي كل من مياهها, وهوائها بغير زيادة أو نقصان إلا في الحدود الموائمة لطبيعة الحياة الأرضية في مختلف فصول السنة.
فلو كانت الأرض على مسافة من الشمس تقدر بنصف بعدها الحالي لزادت كمية الطاقة التي تتلقاها أرضنا منها إلى أربعة أمثال كميتها الحالية ولأدى ذلك إلى تبخير الماء وخلخلة الهواء واحتراق جميع صور الحياة على سطحها..!!!
ولو كانت الأرض على ضعف بعدها الحالي من الشمس لنقصت كمية الطاقة التي تتلقاها إلى ربع كميتها الحالية, وبالتالي لتجمدت جميع صور الحياة واندثرت بالكامل.
وباختلاف بعد الأرض عن الشمس قرباً أو بعداً يختلف طول السنة, وطول كل فصل من الفصول نقصاً أو زيادة مما يؤدي إلى اختلال ميزان الحياة على سطحها, فسبحان من حدد للأرض بعدها عن الشمس وحفظها في مدارها المحدد وحفظ الحياة على سطحها من كل سوء...!!!
ثانيا: أبعاد الأرض
يقدر حجم الأرض بحوالي مليون كيلو متر مكعب, ويقدر متوسط كثافتها بحوالي5,52 جرام للسنتيمتر المكعب, وعلى ذلك فإن كتلتها تقدر بحوالي الستة آلاف مليون مليون مليون طن, ومن الواضح أن هذه الأبعاد قد حددها ربنا( تبارك وتعالى) بدقة وحكمة بالغتين, فلو كانت الأرض أصغر قليلا لما كان في مقدورها الاحتفاظ بأغلفتها الغازية, والمائية, وبالتالي لاستحالت الحياة الأرضية, ولبلغت درجة الحرارة على سطحها مبلغاً يحول دون وجود أي شكل من أشكال الحياة الأرضية, وذلك لأن الغلاف الغازي للأرض به من نطق الحماية ما لا يمكن للحياة أن توجد في غيبتها, فهو يرد عنا جزءاً كبيرا من حرارة الشمس وأشعتها المهلكة, كما يرد عنا قدرا هائلا من الأشعة الكونية القاتلة, وتحترق فيه بالاحتكاك بمادته أجرام الشهب وأغلب مادة النيازك, وهي تهطل على الأرض كحبات المطر في كل يوم.
ولو كانت أبعاد الأرض أكبر قليلا من أبعادها الحالية لزادت قدرتها على جذب الأشياء زيادة ملحوظة مما يعوق الحركة, ويحول دون النمو الكامل لأي كائن حي على سطحها إن وجد, وذلك لأن الزيادة في جاذبية الأرض تمكنها من جذب المزيد من صور المادة والطاقة في غلافها الغازي فيزداد ضغطه على سطح الأرض, كما تزداد كثافته فتعوق وصول القدر الكافي من أشعة الشمس إلى الأرض, كما قد تؤدي إلى احتفاظ الأرض بتلك الطاقة كما تحتفظ بها الصوب النباتية على مر الزمن فتزداد باستمرار وترتفع حرارتها ارتفاعا يحول دون وجود أي صورة من صور الحياة الأرضية على سطحها.
ويتعلق طول كل من نهار وليل الأرض وطول سنتها, بكل من بعد الأرض عن الشمس, وبأبعادها ككوكب يدور حول محوره,ويجري في مدار ثابت حولها.
فلو كانت سرعة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس أعلى من سرعتها الحالية لقصر طول اليوم الأرضي( بنهاره وليله) قِصرا مخلاً, ولو كانت أبطأ من سرعتها الحالية لطال يوم الأرض طولاً مخلا, وفي كلتا الحالتين يختل نظام الحياة الأرضية اختلالا قد يؤدي إلى إفناء الحياة على سطح الأرض بالكامل, إن لم يكن قد أدى إلى إفناء الأرض ككوكب إفناءً تاماً, وذلك لأن قصر اليوم الأرضي أو استطالته( بنهاره وليله) يخل إخلالاً كبيراً بتوزيع طاقة الشمس على المساحة المحددة من الأرض, وبالتالي يخُل بجميع العمليات الحياتية من مثل النوم واليقظة, والتنفس والنتح, وغيرها, كما يخل بجميع الأنشطة المناخية من مثل الدفء والبرودة, والجفاف والرطوبة, وحركة الرياح والأعاصير والأمواج, وعمليات التعرية المختلفة, ودورة المياه حول الأرض وغيرها من أنشطة. كذلك فلو لم تكن الأرض مائلة بمحورها على مستوي مدار الشمس ما تبادلت الفصول, وإذا لم تتبادل الفصول اختل نظام الحياة على الأرض.
وبالإضافة إلى ذلك فإن تحديد مدار الأرض حول الشمس بشكله البيضاوي ( الإهليلجي), وتحديد وضع الأرض فيه قربا وبعدا على مسافات منضبطة من الشمس يلعب دورا مهما في ضبط كمية الطاقة الشمسية الواصلة إلى كل جزء من أجزاء الأرض وهو من أهم العوامل لجعلها صالحة لنمط الحياة المزدهرة على سطحها, وهذا كله ناتج عن الاتزان الدقيق بين كل من القوة الطاردة ( النابذة) المركزية التي دفعت بالأرض إلى خارج نطاق الشمس, وشدة جاذبية الشمس لها, ولو اختل هذا الاتزان بأقل قدر ممكن فإنه يعرض الأرض إما للابتلاع بواسطة الشمس حيث درجة حرارة قلبها تزيد عن خمسة عشر مليونا من الدرجات المطلقة, أو تعرضها للانفلات من عقال جاذبية الشمس فتضيع في فسحة الكون المترامية فتتجمد بمن على ها وما على ها, أو تحرق بواسطة الأشعة الكونية, أو تصطدم بجرم آخر, أو تبتلع بواسطة نجم من النجوم, والكون من حولنا مليء بالمخاطر التي لا يعلم مداها إلا الله( تعالى), والتي لا يحفظنا منها إلا رحمته( سبحانه وتعالى) ويتمثل جانب من جوانب رحمة الله بنا في عدد من السنين المحددة التي تحكم الأرض كما تحكم جميع أجرام السماء في حركة دقيقة دائبة لا تتوقف ولا تتخلف حتى يرث الله الأرض ومن على ها.
ثالثا: بنية الأرض
أثبتت دراسات الأرض أنها تنبني من عدة نطاقات محددة حول كرة مصمتة من الحديد والنيكل تعرف باسم لب الأرض الصلب( الداخلي) ولهذا اللب الصلب كما لكل نطاق من نطق الأرض دوره في جعل هذا الكوكب صالحاً للعمران بالحياة الأرضية في جميع صورها.
وتقسم النطق الداخلية للأرض على أساس من تركيبها الكيميائي أو على أساس من صفاتها الميكانيكية باختلافات بسيطة بين العلماء, وتترتب بنية الأرض من الداخل إلى الخارج على النحو التالي:
(1) لب الأرض الصلب( الداخلي)
وهو عبارة عن نواة صلبة من الحديد(90%) وبعض النيكل(9%) مع قليل من العناصر الخفيفة من مثل الفوسفور, الكربون, السيليكون(1%), وهو نفس تركيب النيازك الحديدية تقريبا. ويبلغ قطر هذه النواة حوالي2402 كيلو متر, ويمتد نصف قطرها من مركزها على عمق6371 كيلو مترا إلى عمق5170 كيلو مترا تحت سطح الأرض.
ولما كانت كثافة الأرض في مجموعها تقدر بحوالي5,52 جرام للسنتيمتر المكعب, بينما تختلف كثافة قشرة الأرض بين2,7 جرام للسنتيمتر المكعب, وحوالي3 جرامات للسنتيمتر المكعب, فإن الاستنتاج المنطقي يؤدي إلى أن كثافة لب الأرض لابد وأن تتراوح بين10 و13,5 جرام للسنتيمتر المكعب.
(2) نطاق لب الأرض السائل( الخارجي)
وهو نطاق سائل يحيط باللب الصلب, وله نفس تركيبه الكيميائي تقريباً وإن كانت مادته منصهرة, ويبلغ سمكه2275 كيلو مترا( من عمق5170 كيلو مترا إلى عمق2885 كيلو مترا تحت سطح الأرض), ويفصل هذا النطاق عن اللب الصلب منطقة انتقالية يبلغ سمكها450 كيلو مترا تمثل بدايات عملية الانصهار وعلى ذلك فهي شبه منصهرة( وتمتد من عمق5170 كيلو مترا إلى عمق4720 كيلو مترا تحت سطح الأرض) ويكون كل من لب الأرض الصلب ولبها السائل حوالي31% من كتلتها.
(3),(4),(5) نطق وشاح الأرض
يحيط وشاح الأرض بلبها السائل, ويبلغ سمكه حوالي2765 كيلو مترا( من عمق2885 كيلو مترا إلى عمق120 كيلو مترا تحت سطح الأرض), ويفصله إلى ثلاثة نطق مميزة مستويان من مستويات انقطاع الموجات الاهتزازية الناتجة عن الزلازل, يقع أحدهما على عمق670 كيلو مترا, ويقع الآخر على عمق400 كيلو متر من سطح الأرض, وبذلك ينقسم وشاح الأرض إلى وشاح سفلي( يمتد من عمق2885 كيلو متر إلى عمق670 كيلو متر تحت سطح الأرض), ووشاح متوسط( يمتد من عمق670 كيلو مترا إلى عمق400 كيلو مترا تحت سطح الأرض), ووشاح علوي( يمتد من عمق400 كيلو مترا إلى عمق يتراوح بين65 كيلو مترا تحت المحيطات, وعمق120 كيلو مترا تحت سطح القارات).
وقمة الوشاح العلوي( من عمق65 ـ120 كيلو مترا إلى عمق200 كيلو متر تحت سطح الأرض) يعرف باسم نطاق الضعف الأرضي لوجوده في حالة لزجة, شبه منصهرة( أي منصهرة انصهارا جزئيا في حدود نسبة1%).
(6),(7) الغلاف الصخري للأرض
ويتراوح سمكه بين65 كيلو مترا تحت قيعان البحار والمحيطات,120 كيلو مترا تحت القارات, ويقسمه خط انقطاع الموجات الاهتزازية المسمي باسم الموهو إلى قشرة الأرض
و إلى ما تحت قشرة الأرض وتمتد قشرة الأرض إلى عمق يتراوح بين5 و8 كيلو مترات تحت قيعان البحار والمحيطات, وبين60 و80 كيلو مترا تحت القارات, ويمتد ما تحت القشرة إلى عمق120 كيلو مترا تحت سطح الأرض.
وللأرض مجال جاذبية يزداد مع العمق حتى يصل إلى قمته عند الحد الفاصل بين وشاح الأرض ولبها( على عمق2885 كيلو مترا تحت سطح الأرض) ثم يبدأ في التناقص( بسبب الجذب الذي يحدثه عمود الصخور فوق هذا العمق) حتى يصل إلى الصفر في مركز الأرض. ولولا جاذبية الأرض لهرب منها غلافها الغازي, ولو حدث ذلك ما أمكنها أن تكون صالحة لاستقبال الحياة, وذلك لأن هناك حدا أدني لسرعة الهروب من جاذبية الأرض يقدر بحوالي11,2 كيلو متر في الثانية, بمعني أن الجسم لكي يستطيع الإفلات من جاذبية الأرض ف علىه أن يتحرك في عكس اتجاه الجاذبية بسرعة لا تقل عن هذه السرعة.
ولما كانت حركة جسيمات المادة في الغلاف الغازي للأرض أقل من تلك السرعة بكثير فقد أمكن للأرض( بتدبير من الله تعالى) أن تحتفظ بغلافها الغازي, ولو فقدته ولو جزئياً لاستحالت الحياة على الأرض, ولأمطرت بوابل من الإشعاعات الكونية والشمسية, ولرجمت بملايين من النيازك التي كانت كفيلة بتدميرها...!!!
كذلك فإن للأرض مجالاً مغناطيسياً ثنائي القطبية, يعتقد أن له صلة وثيقة بلب الأرض الصلب وحركة إطاره السائل من حوله, ويتولد المجال المغناطيسي للأرض كما يتولد لأي جسم آخر من حركة المكونات فيها وفيه, وذلك لأن الجسيمات الأولية للمادة( وهي في غالبيتها مشحونة بالكهرباء) تتحرك سواء كانت طليقة أو مرتبطة في داخل ذرات المادة, وهي حينما تتحرك تولد مجالاً مغناطيسياً, والمجال المغناطيسي لأية نقطة في فسحة الكون يمثل بمحصلة اتجاه تمتد من القطب المغناطيسي الجنوبي للمادة إلى قطبها الشمالي في حركة معاكسة لاتجاه عقرب الساعة ومماثلة لحركة الطواف حول الكعبة المشرفة.
والمجال المغناطيسي للأرض كون لها( بإرادة الله تعالى) غلافاً مغناطيسياً يعرف باسم النطاق المغناطيسي للأرض وهو يلعب دوراً مهماً في حماية الأرض من الأشعة الكونية بتحكمه في حركة الجسيمات المشحونة القادمة إلينا من فسحة الكون فيجعلها تدور من أحد قطبي الأرض المغناطيسيين إلى الآخر دون الدخول إلى المستويات المنخفضة من غلافها الغازي.
ويمتد المجال المغناطيسي للأرض إلى مسافة تقدر بخمسين ألف كيلو متر فوق سطحها, وكونت الجسيمات المشحونة القادمة من السماء والتي أسرها المجال المغناطيسي للأرض زوجين من أحزمة الإشعاع هل إلى الشكل على ارتفاع الفي كيلو متر وخمسين ألف كيلو متر على التو إلى يحيط كل زوج منهما بالأرض من احدي جهاتها, ويحيط الزوج الآخر من الجهة الأخرى وهذه الحلقات من أحزمة الإشعاع تحاصر الأرض مع مستوي مركزي منطبق على المستوي الاستوائي المغناطيسي لها, وتحميها من وابل الأشعة الكونية المتساقط باتجاهها في كل لحظة, ولولا هذه الحماية الربانية لهلكنا وهلكت جميع صور الحياة من حولنا, والجرعة الإشعاعية في أحزمة الإشعاع تلك عالية الشدة لا تطيقها أية صورة من صور الحياة الأرضية, وتبلغ الشدة الإشعاعية مداها في نطاق المنطقة الاستوائية للحزام الإشعاعي للأرض.
وللأرض كذلك نشاط ديناميكي يتمثل في حركة ألواح الغلاف الصخري لها, الممزق بشبكة هائلة من الصدوع, وتتحرك تيارات الحمل العنيفة المندفعة من نطاق الضعف الأرضي لتحرك تلك الألواح إما متباعدة عن بعضها البعض فتكون قيعان البحار والمحيطات وتساعد على عملية اتساعها وتجديد مادتها باستمرار, وإما مصطدمة مع بعضها البعض فتكون السلاسل الجبلية, وتصاحب العمليتان بتكون السلاسل الجبلية وبالعديد من الهزات الأرضية, والثورات البركانية التي تثري سطح الأرض بالخيرات المعدنية والصخرية المختلفة.
والجبال لعبت ولا تزال تلعب دورا رئيسيا في تثبيت الغلاف الصخري للأرض, ولولا هذا التثبيت ما تكونت التربة, ولا دارت دورة المياه, ولا خزنت المياه تحت السطحية, ولا نبتت نبتة, ولا أمكن لكائن حي أن يستقر على سطح الأرض.
كذلك لعبت الجبال ولا تزال تلعب دورا مهماً في تثبيت الأرض ككوكب يدور حول نفسه, وتقلل من درجة ترنحه كما تقلل قطع الرصاص التي توضع في إطارات السيارات من معدل ترنحها. ولولا نطاق الضعف الأرضي ما أمكن لهذه العمليات الداخلية للأرض أن تتم, وهي من ضرورات جعلها صالحة للعمران.
هذه بعض آيات الله في الأرض وهي أكثر من أن تحصي في مقال واحد, أشارت إليها هذه الآية الكريمة التي يقول فيها ربنا( تبارك وتعالى):
(وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ) (الذريات:20)
فسبحان من خلق الأرض بهذا القدر من الإحكام والإتقان, وترك فيها من الآيات ما يشهد لخالقها بطلاقة القدرة, وإحكام الصنعة, وشمول العلم كما يشهد له( تعالى) بجلال الربوبية وعظمة الألوهية, والتفرد بالوحدانية, وسبحان الذي أنزل هذه الآية الكريمة المعجزة من قبل ألف وأربعمائة سنة ولم يكن لأحد من الخلق إلمام بتلك الآيات الأرضية والتي لم تتكشف أسرارها للإنسان إلا منذ عقود قليلة من الزمان, وفي ذلك من الشهادات القاطعة بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق, وأن نبينا محمدا( صلي الله على ه وآله وسلم) هو خاتم أنبياء الله ورسله, وأنه( صلوات الله وسلامه عليه) كان موصولاً بالوحي, ومعلماً من قبل خالق السماوات والأرض, وصدق الله العظيم إذ يصفه بقوله الحق:
وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى {3} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى {4} عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى {5} (النجم:3 ـ5).
المصدر : بحث للدكتور زغلول النجار
عمروعبده 21-02-2011, 10:04 PM محو آية الليل
محو آية الليل
قال تعالى : (وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا)
في هذه الآية الكريمة يذكرنا ربنا تبارك وتعالى بأنه قد جعل الليل والنهار آيتين من آياته الكونية المبهرة التي تدل علي طلاقة قدرته, وبالغ حكمته, وبديع صنعه في خلقه, فاختلاف هيئة كل من الليل والنهار في الظلمة والنور, وتعاقبهما علي وتيرة رتيبة منتظمة ليدل دلالة قاطعة علي أن لهما خالقاً قادرا عليما حكيما..
والآية في اللغة العلامة والجمع آي, وآيات والآية من كتاب الله جماعة حروف تكون كلمة أو مجموعة كلمات تبني منها الآية لتحمل دلالة معينة.
آراء المفسرين
يذكر عدد من المفسرين في شرح هذه الآية الكريمة أن الله تعالى قد جعل من صفات الليل أنه مظلم, كما جعل من صفات النهار أنه منير, وربما كان ذلك هو آية كل منهما, وهذا الفهم دفع ببعض المفسرين إلي القول بأن من معاني قوله تعالى:فمحونا آية الليل.. أي جعلنا الليل, وهو آية من آيات الله ـ مظلما, وجعلنا من صفاته تلك الظلمة, وأن من معاني قوله تعالى:وجعلنا آية النهار مبصرة أي جعلنا الآية( التي هي النهار) منيرة تعين علي الإبصار فيها, من نحو قول العرب:أبصر النهار إذا أنار وصار بحالة يبصر فيها, ولكن المقابلة بين محو آية الليل وجعل آية النهار مبصرة ربما تتحمل من المعاني ما هو فوق ذلك, مما يحتاج إلي توظيف العديد من الحقائق العلمية الحديثة من أجل حسن فهم دلالة تلك المقابلة.
فواضح نص الآية الكريمة أن الله تعالى قد محا آية الليل, وأبقي آية النهار مبصرة لكي يتيح الفرصة للخلق لابتغاء الفضل منه, والسعي علي كسب الرزق أثناء النهار, وللخلود إلي السكينة والراحة بالليل, وأن في هذا التبادل بين الليل المظلم والنهار المنير وسيلة ميسرة لتحديد الزمن, ولتأريخ الأحداث, فبدون ذلك التتابع الرتيب لليل والنهار يتلاشي إحساس الإنسان بمرور الزمن, وتتوقف قدرته علي متابعة الأحداث والتأريخ لها, ولذلك يمن علينا ربنا تبارك وتعالى في ختام هذه الآية الكريمة بأنه قد فصل لنا كل شيء في وحيه الخاتم القرآن الكريم الذي ليس من بعده وحي من الله, وليست من بعده أية رسالة ربانية, ولذلك جاء ذلك التفصيل الإلهي تفصيلا دقيقا واضحا لكل أمر من أمور الدين الذي لا يستطيع الإنسان أن يضع لنفسه فيه أية ضوابط صحيحة.
آيتا الليل والنهار
الليل والنهار آيتان كونيتان عظيمتان من آيات الله في الخلق, تشهدان بدقة بناء الكون, وانتظام حركة كل جرم فيه, وإحكام السنن الضابطة له, ومنها تلك السنن الحاكمة لحركات كل من الأرض والشمس, والتي تتضح بجلاء في التبادل المنتظم للفصول المناخية, والتعاقب الرتيب لليل والنهار, وما يصاحب ذلك كله من دقة وإحكام بالغين..!!
فنحن نعلم اليوم أن التبادل بين الليل المظلم والنهار المنير هو من الضرورات اللازمة للحياة علي الأرض, ولاستمرارية وجود تلك الحياة بصورها المختلفة حتي يرث الله تعالى الأرض ومن عليها.
فبهذا التبادل بين الظلام والنور يتم التحكم في درجات الحرارة والرطوبة, وكميات الضوء اللازمة للحياة في مختلف بيئاتها الأرضية, كما يتم التحكم في العديد من الأنشطة والعمليات الحياتية من مثل التنفس, والنتح, والتمثيل الضوئي, والأيض, وغيرها ويتم ضبط التركيب الكيميائي للغلاف الغازي المحيط بالأرض, وضبط صفاته الطبيعية, وتتم دورة المياه بين الأرض والسماء والتي لولاها لفسد كل ماء الأرض كما يتم ضبط حركات كل من الأمواج المختلفة في البحار والمد والجزر, والرياح والسحاب, ونزول المطر بإذن الله, ويتم تفتيت الصخور وتكون التربة بمختلف أنواعها ومنها الصالحة للانبات, وغير الصالحة, وترسب الصخور ومنها القادرة علي خزن كل من الماء والنفط والغاز ومنها غير القادرة علي ذلك, وتركيز مختلف الثروات الأرضية, وغير ذلك من العمليات والظواهر التي بدونها لا يمكن للأرض أن تكون صالحة للحياة.
وتعاقب الليل والنهار علي نصفي الأرض هو كذلك ضروري, لأن جميع صور الحياة الأرضية لا تتحمل مواصلة العمل دون راحة وإلا هلكت, فالإنسان والحيوان والنبات, وغير ذلك من أنماط الحياة البسيطة يحتاج إلي الراحة بالليل لاستعادة النشاط بالنهار أو عكس ذلك بالنسبة لانماط الحياة الليلية فالإنسان ـ علي سبيل المثال ـ يحتاج إلي أن يسكن بالليل فيخلد إلي شيء من الراحة والعبادة والنوم مما يعينه علي استعادة نشاطه البدني والذهني والروحي, وعلي استرجاع راحته النفسية, واستجماع قواه البدنية حتي يتهيأ للعمل في النهار التالي وما يتطلبه ذلك من قيام بواجبات الاستخلاف في الأرض, وقد ثبت بالتجارب العملية والدراسات المختبرية أن أفضل نوم الإنسان هو نومه بالليل, خاصة في ساعات الليل الأولي, وأن إطالة النوم بالنهار ضار بصحته لأنه يؤثر علي نشاط الدورة الدموية تأثيرا سلبيا, ويؤدي إلي شيء من التيبس في العضلات, والتراكم للدهون علي مختلف أجزاء الجسم, وإلي زيادة في الوزن, كما يؤدي إلي شيء من التوتر النفسي والقلق, وربما كان مرد ذلك إلي الحقيقة القرآنية التي مؤداها أن الله تعالى قد جعل الليل لباسا, وجعل النهار معاشا, وإلي الحقيقة الكونية التي مؤداها أن الانكماش الملحوظ في سمك طبقات الحماية في الغلاف الغازي للأرض ليلا, وتمددها نهارا يؤدي إلي زيادة قدراتها علي حماية الحياة الأرضية بالنهار عنها في الليل حين ترق طبقات الحماية الجوية تلك رقة شديدة قد تسمح لعدد من الأشعات الكونية بالنفاذ إلي الطبقات الدنيا من الغلاف الغازي للأرض, وهي أشعات مهلكة مدمرة لمن يتعرض لها لمدد كافية, ومن هنا كان ذلك الأمر القرآني بالاستخفاء في الليل والظهور في النهار ومن هنا أيضا كان أمره إلي خاتم الأنبياء والمرسلين صلي الله عليه وسلم أن يستعيذ بالله تعالى من شر الليل إذا دخل بظلامه, وأن يلتجئ إلي الله ويعتصم بجنابه من أخطار ذلك فقال عز من قائل:
ومن شر غاسق إذا وقب*[ الفلق:3]
فهذا الشر ليس مقصورا علي الظلمة وما يمكن أن يتعرض فيها المرء إلي مخاطر البشر, بل قد يمتد إلي مخاطر الكون التي لا يعلمها إلا الله تعالى.
ثم إن هذا التبادل في اليوم الواحد بين ليل مظلم ونهار منير, يعين الإنسان علي إدراك حركة الزمن, وتأريخ الأحداث, وتحديد الأوقات بدقة وانضباط ضروريين للقيام بمختلف الأعمال, ولأداء جميع العبادات, وللوفاء بمختلف العهود والحقوق والمعاملات وغير ذلك من الأنشطة الإنسانية, فلو كان الزمن كله علي نسق واحد من ليل أو نهار ما استقامت الحياة وما استطاع الإنسان أن يميز من حياته ماضيا أو حاضرا أو مستقبلا, وبالتالي لتوقفت الحياة, ولذلك يقول ربنا تبارك وتعالى في ختام الآية:
.. لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب.. ولذلك أيضا يمن علينا ربنا وهو تعالى صاحب الفضل والمنة بتبادل الليل والنهار في العديد من آيات القرآن الكريم, ومع إيماننا بذلك, وتسليمنا به يبرز التساؤل في الآية الكريمة التي نحن بصددها رقم12 من سورة الإسراء عن مدلول آيتي الليل والنهار, وعن كيفية محو آية الليل وإبقاء آية النهار مبصرة؟..
محو آية الليل وإبقاء آية النهار مبصرة عند المفسرين
في شرح معني هذه الآية الكريمة ذكر نفر من المفسرين أن آيتي الليل والنهار نيراهما, فآية الليل هي القمر, وآية النهار هي الشمس, وإذا كان الأمر كذلك فكيف محيت آية الليل, والقمر لا يزال قائما بدورانه حول الأرض ينير ليلها كلما ظهر؟, فقد روي عن عبدالله بن عباس رضي الله تبارك وتعالى عنهما أنه قال: كان القمر يضئ كما تضئ الشمس, والقمر آية الليل, والشمس آية النهار, وعلي ذلك فمعني قول الحق تبارك وتعالى:فمحونا آية الليل هو السواد الذي في القمر أي انطفاء جذوته, وأضاف: أن مدلول وجعلنا الليل والنهار آيتين أي ليلا ونهارا, وكذلك خلقهم الله عز وجل.
وتبع ابن عباس في ذلك قتادة( يرحمه الله) الذي قال: كنا نحدث أن محو آية الليل سواد القمر الذي فيه, وجعلنا آية النهار مبصرة أي منيرة, وخلق الشمس أنور من القمر وأعظم.
وفي الكلام إشارة دقيقة إلي الفارق الذي حدده القرآن الكريم في آيات عديدة بين ضوء الشمس ونور القمر, والذي لم يدركه العلماء إلا متأخرا بأن الأول ينطلق من نجم ملتهب شديد الحرارة, مضئ بذاته بينما الثاني ينتج عن انعكاس أشعة الشمس علي سطح القمر البارد المعتم.
وقال نفر آخر من المفسرين إن آية الليل هي ظلمته, كما أن آية النهار هي نوره ووضاءته, فالله تعالى جعل من الظلام آية لليل, كما جعل من النور آية للنهار, فيعرف كل منهما بأيته, أي بعلامته الدالة عليه, ومن هؤلاء المفسرين ابن جريج( يرحمه الله) الذي نقل عن عبدالله بن كثير( رحمة الله عليه) قوله: آيتا الليل والنهار هما ظلمة الليل, وسرف النهار.
وهنا يتبادر إلي الذهن السؤال التالي: كيف يستقيم هذا الفهم مع قول الحق( تبارك وتعالى): فمحونا آية الليل وظلمة الليل باقية مع بقاء نور النهار؟ وإذا كانت آية الليل هي ظلمته فكيف محيت تلك الظلمة وهي لاتزال باقية؟ وعلي الرغم من هذا التعارض فقد أيد عدد من المفسرين المعاصرين هذا الفهم بصورة أو أخري ومنهم صاحب الظلال( يرحمه الله) الذي كتب مانصه... والليل والنهار آيتان كونيتان كبيرتان تشيان بدقة الناموس الذي لايصيبه الخلل مرة واحدة, ولايدركه التعطل مرة واحدة, ولا يني يعمل دائبا بالليل والنهار, فما المحو المقصود هنا وآية الليل باقية كآية النهار؟ يبدو ـ والله أعلم ـ أن المقصود به ـ ظلمة الليل التي تخفي فيها الأشياء, وتسكن فيها الحركات والأشباح.., فكأن الليل محو إذا قيس إلي ضوء النهار, وحركة الأحياء فيه والأشياء, وكأنما النهار ذاته مبصر بالضوء( بالنور) الذي يكشف كل شئ فيه للأبصار.
من هذا الاستعراض يتضح اختلاف آراء المفسرين ـ قدامي ومعاصرين ـ في اجتهادهم لفهم دلالة الآية القرآنية الكريمة التي نحن بصددها( الآية الثانية عشرة من سورة الإسراء) فمنهم من قال بأن آية النهار هي نوره الوضاء, أو هي الشمس مصدر ذلك الضياء, بينما آية الليل هي ظلمته, أو هي القمر المتميز بظلمة سطحه الذي لا ينير إلا بسقوط أشعة الشمس عليه, وانعكاسها من ذلك السطح المعتم المظلم, وقد دفع ذلك ببعض المفسرين إلي القول بإحتمال كون القمر في بدء خلقه ملتهبا, شديد الحرارة, مشتعلا, مضيئا بذاته تماما كالشمس, ثم انطفأت جذوته وخبت, فمحي ضوءه الأصلي, ولم يعد له نور إلا مايسقط علي سطحه من أشعة الشمس, وهذا الاحتمال لاتدعمه الملاحظات العلمية الدقيقة في صفحه الكون, وفي تاريخ الأرض القديم, فكتلة القمر المقدرة بحوالي735 مليون مليون مليون طن البالغة حوالي80/1 من كتلة الأرض لاتمكنه من أن يكون نجما ملتهبا بذاته فالحد الأدني لكتلة الجرم السماوي كي يكون نجما لاتقل عن8% من كتلة الشمس المقدرة بألفي مليون مليون مليون مليون طن, أي لايجوز للنجم أن تقل كتلته عن160 مليون مليون مليون مليون طن وهو أكثر من مائتي ض
عف كتلة القمر, ولو افترضنا جدلا امكانية أن يكون القمر نجما لأحرق لهيبه الأرض لقربه منها ـ(380000 كيلومتر في المتوسط), ولأدي إلي خلخلة غلافها الغازي, وإلي تبخير مياهها, وإلي تركها جرداء قاحلة لا أثر للحياة فيها علي الإطلاق...!!!
إضاءة السماء في ظلمة الليل كانت آية الليل, ومحوها هو حجبها عنا.
علي الرغم من الظلام الشامل للكون, والذي لم يدركه الإنسان إلا بعد ريادة الفضاء منذ مطلع الستينات من القرن العشرين, وعلي الرغم من محدودية الحزام الرقيق الذي يري فيه نور النهار بسمك; لايتعدي المائتي كيلو متر فوق مستوي سطح البحر في نصف الكرة الأرضية المواجهة للشمس حتي أن الانسان في انطلاقه من الأرض إلي فسحة الكون في أثناء النهار فإنه يفاجأ بتلك الظلمة الكونية الشاملة التي يري فيها الشمس قرصا أزرق في صفحة حالكة السواد, لايقطع من شدة سوادها إلا أعداد من النقاط المتناثرة, الباهته الضوء التي تحدد مواقع النجوم.
علي الرغم من كل ذلك فإن العلماء قد لاحظوا في سماء الأرض عددا من الظواهر المنيرة في ظلمة الليل الحالك نعرف منها:
(1) ظاهرة توهج الهواء في طبقات الجو العليا Airglowin the upperatmosphere
وهي عبارة عن نور باهت متغير ينتج عن عدد من التفاعلات الكيميائية في نطاق التأين
Ionosphere المحيط بالأرض من ارتفاع90 إلي1000 كيلومتر فوق مستوي سطح البحر, وهو نطاق مشحون بالإلكترونات مما يساعد علي رجع الموجات الراديوية إلي الأرض.
(2) ظاهرة أنوار مناطق البروج Zodiacal Lights
وتظهر علي هيئة مخروط من النور الباهت الرقيق الذي يري في جهة الغرب بمجرد غروب الشمس, كما يري في جهة الشرق قبل طلوعها بقليل, وتفسر تلك الأنوار بانعكاس وتشتت ضوء الشمس غير المباشر علي بعض الأجرام الكونية التي تعترض سبيله في أثناء تحركها متباعدة عن الأرض أو مقتربة منها.
(3) ظاهرة أضواء النجوم Stellar Lights
وتصدر من النجوم في مواقعها المختلفة, ثم تتشتت في المسافات الفاصلة بينها حتي تصل إلي غلاف الأرض الغازي.
(4) ظاهرة أضواء المجرات Galactic Lights
وتصدر من نجوم مجرة من المجرات القريبة منا, والتي تتشتت أضواؤها في داخل المجرة الواحدة, ثم يعاد تشتتها في المسافات الفاصلة بين المجرات حتي تصل إلي الغلاف الغازي المحيط بالأرض.
(5) ظاهرة الفجر القطبي وأطيافه Aurora and Auroralspectra
وتعرف هذه الظاهرة أيضا بإسم الأضواء القطبية Polar Lights أو باسم فجر الليل القطبي Polar Nights Dawn وهي ظاهرة نورانية تري بالليل في سماء كل من المناطق القطبية وحول القطبية Polarand Subpolar Regions
وتتركز أساسا في المنطقتين الواقعتين بين كل من قطبي الأرض المغناطيسيتين وخطي العرض المغناطيسيين67 درجة شمالا,67 درجة جنوبا, وقد تمتد أحيانا لتشمل مساحات أوسع من ذلك.
وتبدو ظاهرة الفجر القطبي عادة علي هيئة أنوار زاهية متألقة جميلة, تختلف باختلاف الارتفاع الذي تري عنده( ويغلب عليها اللون الأخضر والأحمر والأبيض المشوب بزرقه والبنفسجي والبرتقالي وهي تتوهج وتخبو( أي تزداد شدة ولمعانا ثم تهدأ) بطريقة دورية كل عدة ثوان( قد تمتد إلي عدة دقائق), وتتباين ألوان الشفق القطبي في أجزائه المختلفة تباينا كبيرا, وإن تناقصت شدة نورها إلي أعلي بصفة عامة, حيث تتدلي تلك الأنوار من السماء إلي مستوي قد يصل إلي80 كيلومترا فوق مستوي سطح البحر, وتمتد أفقيا إلي مئات الكيلومترات لتملأ مساحات شاسعة في صفحة السماء, علي هيئة هالات حلقية أو قوسية متموجة, تكون عددا من الستائر النورانية المطوية المتدلية من السماء, والتي يشبه نورها النور المصاحب لبزوغ الفجر الحقيقي.
ويفسر العلماء حدوث ظاهرة الفجر القطبي بارتطام الأشعة الكونية الأولية بالغلاف الغازي للأرض مما يؤدي إلي تأينه( أي شحنه بالكهرباء), وإصدار أشعة كونية ثانوية, ثم تصادم الأشعات الكونية( وهي تحمل شحنات كهربية مختلفة) مع بعضها البعض, ومع غيرها من الشحنات الكهربية الموجودة في الغلاف الغازي للأرض مما يؤدي إلي تفريغها, وتوهجها, وتكثر الشحنات الكهربائية في الغلاف الغازي للأرض في كل من أحزمة الإشعاع
Radiation Beltsالمعروفة باسم أحزمة فان ألن Van Allens Belts
والموجودة في داخل نطق التأين المحيطة بالأرض Ionos phere Zones
وفي نطق التأين ذاتها. والأشعة الكونية الأولية Primary Cosmic Rays
تملأ فسحة الكون علي هيئة الجسيمات الأولية المكونة للذراتElementaryorsubatomic particles
وهي جسيمات متناهية في الدقة, ومشحونة بشحنات كهربائية عالية, وتتحرك بسرعات تقترب من سرعة الضوء.
وتنطلق الأشعة الكونية الأولية من الشمس, وإن كان أغلبها يصلنا من خارج المجموعة الشمسية, ولم تكتشف تلك الأشعة الكونية إلا في سنة1936 م.
وتتسرب الأشعة الكونية الأولية إلي الأرض عبر قطبيها المغناطيسيين لتصل إلي أحزمة الإشعاع ونطق التأين في الغلاف الغازي للأرض مما يؤدي إلي تكون الأشعة الكونية الثانوية
Secondary cosmicrays
التي قد يصل بعضها إلي سطح الأرض فيخترق صخورها, أما الأشعة الكونية الأولية فلا يكاد يصل منها إلي سطح الأرض قدر يمكن قياسه.
والأشعة الكونية بأنواعها المختلفة تتحرك بمحاذاة خطوط المجال المغناطيسي للأرض, والتي تنحني لتصب في قطبي الأرض المغناطيسيين ساحبة معها موجات الأشعة الكونية, وذلك لعجزها عن عبور مجال الأرض المغناطيسي, وحينما تنفذ تلك الأشعة من قطبي الأرض المغناطيسيين فإنها تؤدي إلي زيادة تأين الغلاف الغازي للأرض في منطقتي قطبيها المغناطيسيين, ويؤدي اصطدام الشحنات المختلفة إلي تفريغها من شحناتها الكهربائية, ومن ثم إلي توهج الغلاف الغازي للأرض في كل من المنطقتين القطبيتين في ظاهرة تعرف بظاهرة الوهج القطبي أو الشفق القطبي أو الأضواء القطبية أو فجر الليل القطبي وهي ظاهرة تري بوضوح في ظلمة الليل الحالك حول القطبين المغناطيسيين للأرض, خاصة في أوقات الثورات الشمسية العنيفة حين يتزايد اندفاع الأشعة الكونية الأولية من الشمس, فتصل كميات مضاعفة منها في اتجاه الأرض. ويتزايد الإشعاع في الطبقات العليا من الغلاف الغازي للأرض إلي نسب مهلكة مدمرة خاصة في نطق التأين التي تحتوي علي تركيز عال من البروتونات( الموجبة) والإليكترونات( السالبة), ويحتبس المجال المغناطيسي للأرض الغالبية العظمي من تلك الإشعاعات, ويوجهها إلي قطبيها المغناطيسيين في حركة لولبية موازية لخطوط المجال المغناطيسي والتي تنحني من القطب الشمالي إلي القطب الجنوبي وبالعكس, وعندما يقترب الجسم المشحون بالكهرباء من جسيمات الأشعة الكونية تلك من أحد قطبي الأرض المغناطيسيين فإنه يرده إلي الآخر وهكذا تحدد خطوط الحقل المغناطيسي للأرض اتجاهات تحرك الأشعة الكونية وتركزها حول قطبي الأرض المغناطيسيين.
ومن الثابت علميا أن نطق الحماية المتعددة الموجودة في الغلاف الغازي للأرض ومنها نطاق الأوزون, نطق التأين المتعددة, أحزمة الإشعاع, والنطاق المغناطيسي للأرض, لم تكن موجودة في بدء خلق الأرض, ولم تتكون إلا علي مراحل متطاولة من بداية خلق الأرض الابتدائية
Proto-Earth
وعلي ذلك فقد كانت الأشعة الكونية وباقي صور النور المتعددة في صفحة الكون تصل بكميات هائلة إلي المستويات الدنيا من الغلاف الغازي للأرض ككل, فتؤدي إلي إنارتها وتوهجها ليلا بمثل ظاهرة الشفق القطبي, توهج الهواء, أضواء النجوم, أضواء المجرات وغيرها مما نشاهد اليوم, ولكن بمعدلات أشد وأقوي, وكان هذا التوهج وتلك الإنارة يشملان كل أرجاء الأرض فتنير ليلها إنارة تقضي علي ظلمة الليل.
وبعد تكون نطق الحماية المختلفة للأرض أخذت هذه الظواهر في التضاؤل التدريجي حتي اقتصرت علي بقايا رقيقة جدا وفي مناطق محددة جدا مثل منطقتي قطبي الأرض المغناطيسيين, لتبقي شاهدة علي حقيقة أن ليل الأرض في المراحل الأولي لخلقها كان يضاء بوهج لايقل في شدته عن نور الفجر الصادق, وشاهدة علي رحمة الله بنا أن جعل للأرض هذا العدد الهائل من نطق الحماية المتعددة والتي بدونها تستحيل الحياة علي الأرض, وشاهدة علي حاجتنا إلي رحمة الله تعالى ورعايته في كل وقت وفي كل حين من الأخطار المحيطة بنا من كل جانب, وشاهدة علي صدق تلك الإشارة القرآنية المعجزة.
وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شئ فصلناه تفصيلا.
وهي حقيقة لم يدركها العلم المكتسب إلا في السنوات المتأخرة من القرن العشرين, ولم يكن لأحد من البشر إدراك لها وقت تنزل القرآن الكريم ولا لعدد من القرون بعد ذلك..!!
وانطلاقا من هذه الحقيقة يمن علينا ربنا( تبارك وتعالى) بتبادل الليل والنهار فيقول( عز من قائل):
قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلي يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون. قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلي يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون. ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون.
(القصص:71 ـ73)
وجاء ذكر الليل في القرآن الكريم اثنتين وتسعين(92) مرة, منها ثلاثة وسبعون(73) مرة بلفظة الليل, ومرة واحدة بلفظة ليل, وثماني(8) مرات بلفظة ليلة, وخمسة(5) مرات بلفظة ليلا, وثلاث(3) مرات بلفظة ليال, ومرة واحدة بكل من اللفظين ليلها و ليالي.
كذلك ورد ذكر النهار في القرآن الكريم سبعا وخمسين(57) مرة, منها أربعة وخمسون(54) مرة بلفظ النهار, وثلاث(3) مرات بلفظ نهارا, كما وردت ألفاظ الصبح, و الإصباح و الفلق ومشتقاتها بمدلول النهار في آيات أخري كثيرة, كذلك وردت كلمة اليوم أحيانا بمعني النهار.
ونعمة الله تعالى علي أهل الأرض جميعا بمحو إنارة الليل, وإبقاء إنارة النهار نعمة ما بعدها نعمة, لأنه لولا ذلك ما استقامت الحياة علي الأرض, ولا استطاع الإنسان الإحساس بالزمن, ولا التأريخ للأحداث بغير تبادل ظلام الليل مع نور النهار, ولتلاشت الحياة, ومن هنا جاءت إشارة القرآن الكريم إلي تلك الحقيقة سبقا لكافة المعارف الإنسانية.
وإن دل ذلك علي شئ فإنما يدل علي أن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق الذي أبدع هذا الكون بعلمه وحكمته وقدرته, وعلي أن هذا النبي الخاتم( صلي الله عليه وسلم) كان موصولا بالوحي, ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض, وأنه( عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم) ما كان ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحي كما وصفه ربنا( تبارك وتعالى).
وإذا كان صدق القرآن الكريم جليا في إشاراته إلي بعض أشياء الكون وظواهره, فلابد أن يكون صدقه في رسالته الأساسية وهي الدين( بركائزه الأربع: العقيدة, والعبادة, والأخلاق والمعاملات) جليا كذلك. وهنا يتضح جانب من جوانب الإعجاز في كتاب الله, وما أكثر جوانبه المعجزة ـ هو الإعجاز العلمي, وهو خطاب العصر ومنطقه, وما أحوج الأمة الإسلامية, بل ماأحوج الإنسانية كلها إلي هذا الخطاب في زمن التقدم العلمي والتقني الذي نعيشه, وزمن العولمة الذي تحاول فيه القوي الكبري ـ علي ضلالها ـ فرض قيمها الدينية والأخلاقية والإجتماعية المنهارة علي دول العالم الثالث وفي زمرتها الدول الإسلامية, بحد غلبتها العلمية والتقنية, وهيمنتها الاقتصادية والعسكرية, وقد عانت الدول الغربية, ذاتها ولاتزال من الإغراق المادي الذي دمر مجتمعاتها, وأدي إلي تحللها الأسري والاجتماعي والأخلاقي والسلوكي والديني, وإلي ارتفاع معدلات الجريمة, والأدمان, والانتحار, وإلي الحيود عن كل قوانين الفطرة السوية التي فطر الله خلقه عليها, وإلي العديد من المشاكل والأزمات النفسية والمظالم الاجتماعية والسياسية علي المستويين المحلي والدولي...!
وماأحوج علماء المسلمين إلي إدراك قيمة الآيات الكونية في كتاب الله فيقبلوا عليها تحقيقا علميا منهجيا دقيقا بعد فهم عميق لدلالة اللغة وضوابطها وقواعدها, ولأساليب التعبير فيها, وفهم لأسباب النزول, ومعرفة بالمأثور من تفسير الرسول( صلي الله عليه وسلم) وجهود السابقين من المفسرين, ثم تقديم ذلك الإعجاز العلمي إلي الناس كافة ـ مسلمين وغير مسلمين.مما يعد دليلا ماديا ملموسا علي أن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق, وعلي أن سيدنا ونبينا محمدا( صلي الله عليه وسلم) هو خاتم أنبيائه ورسله, في غير تكلف ولا اعتساف, لأن القرآن الكريم غني عن ذلك, وهو أعز علينا وأكرم من أن نتكلف له.
وهذا المنهج في الاهتمام بالآيات الكونية في كتاب الله, وشرح الإشارات العلمية فيها من قبل المتخصصين ـ كل في حقل تخصصه ـ هو من أكثر وسائل الدعوة إلي دين الله قبولا في زمن العلم والتقنية الذي نعيشه.
المصدر : بحث للدكتور زغلول النجار نشر على جريد الأهرام
عمروعبده 22-02-2011, 06:17 AM السماء ذات الرجع
والسـماء ذات الرجـع
هذه الآية الكريمة التي جاءت في منتصف سورة الطارق هي من آيات القسم في القرآن الكريم, والقسم في كتاب الله يأتي من قبيل تنبيهنا إلي أهمية الأمر المقسوم به, لأن الله( تعالى) غني عن القسم لعباده كما سبق وأن ذكرنا.
والقسم هنا بالسماء وبصفة خاصة من صفاتها وهي أنها ذات الرجع, وفي ذلك قال قدامي المفسرين إن رجع السماء هو المطر, وأنه سمي رجعا لأن بخار الماء يرتفع أصلا من الأرض إلي السماء حيث يتكثف ويعود إلى الأرض مطرا بإذن الله, في عملية دائمة التكرار والإعادة, ولفظة الرجع هنا مستمدة من الفعل رجع بمعني عاد وآب ولذا سمي المطر رجعا كما سمي أوبا.
ومع تسليمنا بصحة هذا الاستنتاج يبقي السؤال المنطقي: إذا كان المقصود بالتعبير رجع السماء هو المطر فقط فلماذا فضل القرآن الكريم لفظة الرجع علي لفظة المطر؟ ولماذا لم يأت القسم القرآني بالتعبير والسماء ذات المطر بدلا من والسماء ذات الرجع؟
واضح الأمر ــ والله تعالى أعلم ــ أن لفظة الرجع في هذه الآية الكريمة لها من الدلالات مايفوق مجرد نزول المطر ــ علي أهميته القصوى لاستمرارية الحياة علي الأرض ــ مما جعل هذه الصفة من صفات السماء محلا لقسم الخالق( سبحانه و تعالى) ــ وهو الغني عن القسم ــ تعظيما لشأنها وتفخيما. فما هو المقصود بالرجع في هذه الآية الكريمة؟
يبدو ــ والله تعالى أعلم ــ أن من معاني الرجع هنا الارتداد أي أن من الصفات البارزة في سمائنا أنها ذات رجع أي ذات ارتداد, بمعني أن كثيرا مما يرتفع إليها من الأرض ترده إلي الأرض ثانية, وأن كثيرا مما يهبط عليها من أجزائها العلا يرتد ثانية منها إلي المصدر الذي هبط عليها منه, فالرجع صفة أساسية من صفات السماء, أودعها فيها خالق الكون ومبدعه, فلولاها ما استقامت علي الأرض حياة, ومن هنا كان القسم القرآني بها تعظيما لشأنها, وتنبيها لنا لحكمة الخالق( سبحانه و تعالى) من إيجادها وتحقيقها...!!!
الرجع في اللغة العربية
يقالhttp://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png رجع يرجع رجوعا) بمعني عاد يعود عودا, و(رجعه) غيره أو( أرجعه) بمعني أعاده ورده, و(الرجوع) العودة إلي ما كان منه البدء, ويقال( رجعه, يرجعه رجعا).
كما يقال( رجع يرجع رجعا وترجيعا) بمعني رد يرد ردا, فالرجع لغة هو العود, والارتداد, والرد, والانصراف والإفادة, والإعادة, ولذلك يقال للمطر رجعا لرد الهواء ما تناوله من ماء الأرض بطريقة مستمرة, كما يقال للغدير رجعا بنسبته إلي المطر الذي ملأه, أو لتراجع أمواجه وتردده في مكانه ويستند في ذلك إلي قول الحق( تبارك و تعالى): والسماء ذات الرجع أي ذات المطر وقيل فيها أيضا أي ذات النفع.
ويقال( رجع يرجع ترجيعا) أي ردد يردد ترديدا,( فالترجيع) ترديد الصوت في الحلق في القراءة وفي الغناء, وتكرير القول مرتين فصاعدا, ومنه( الترجيع) في الأذان, وكل شئ يردد فهو( رجع) و(رجيع) ومعناه( مرجوع) أي مردود, و(الرجع) أيضا صدي الصوت, ويقال( راجع) أي عاود, و(المراجعة) المعاودة, ويقال( راجعه) الكلام أي رد عليه.
و(الرجعة) العودة من الطلاق, والعودة إلي الدنيا بعد الممات.
يقال( رجعت) عن كذا( رجعا) و(رجوعا) أي رفضته بعد قبوله, و(رجعت) الجواب أي رددت عليه, و(المرجع) و(الرجعي) الرجوع والعود أو مكان العود وذلك من مثل قوله( تعالى): إلي الله مرجعكم جميعا.. وقوله( سبحانه): إن إلي ربك الرجعي وقوله( سبحانه و تعالى): لعلهم يرجعون أي يرجعون عن الذنب أو يعودون إلي الله( تعالى) وهدايته الربانية, وقوله( عز من قائل):.. فناظرة بم يرجع المرسلون من الرجوع أو من رجع الجواب, وقوله( تبارك اسمه): يرجع بعضهم إلي بعض القول وقوله( تعالى جده): ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون
ويقال ليس لكلامه( مرجوع) أي مردود أو جواب, ودابة لها( مرجوع) أي لها مردود بمعني أنه يمكن بيعها بعد استخدامها.
و(الراجع) المرأة يموت عنها زوجها فترجع إلي أهلها( أما المطلقة فيقال لها مردودة).
وفي قوله( تعالى): يرجع بعصهم إلي بعض القول أي يتلاومون.
و(الاسترجاع) الاسترداد, و(التراجع) الارتداد إلي الخلف أو الرجوع عن الأمر, يقال( استرجع) فلان منه الشئ أي أخذ منه ما كان قد دفعه إليه, و(استرجع) عند المصيبة أي قال: إنا لله وإنا إليه راجعون.
و(الرجيع) الاستفراغ أو الرفث ويستخدم كناية عن أذي البطن عند كل من الإنسان والحيوان, وهو من( الرجوع) ويكون بمعني الفاعل, أو من( الرجع) ويكون بمعني المفعول. و(الرجيع) من الكلام المردود إلي صاحبه أو المكرر.
المفسرون ورجع السماء
ذكر ابن كثير( يرحمه الله) أن رجع السماء هو المطر, ذكره ابن عباس( رضي الله عنهما), وعنه أيضا أن( الرجع) هو السحاب فيه المطر, وأشار ابن كثير أيضا إلي رأي قتادة( يرحمه الله) في( السماء ذات الرجع) أنها ترجع رزق العباد كل عام, ولولا ذلك لهلكوا وهلكت مواشيهم, وذكر الصابوني( أمد الله في عمره) نفس المعاني. ويؤكد صاحب الظلال( يرحمه الله) علي هذا المعني بقوله الرجع المطر ترجع به السماء المرة بعد المرة.
وذكر مخلوف( يرحمه الله)http://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png والسماء) أي المظلة,(ذات الرجع) أي المطر, وسمي رجعا لأن السحاب يحمل الماء من بخار البحار والأنهار, ثم يرجعه إلي الأرض مطرا, أو لأنه يعود ويتكرر, من رجع: إذا عاد, ولذا يسمي أوبا, لرجوعه وتكرره, وكذلك ذكر أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم أن القسم هنا بالسماء ذات المطر الذي يعود ويتكرر.
الفعل رجع في القرآن الكريم
ورد الفعل( رجع) بمشتقاته في القرآن الكريم مائة وأربع مرات(104) ا في الصيغ التالية:
[ رجع, رجعتم, رجعك, رجعنا, رجعناك, رجعوا, أرجع, ترجعونها, ترجعوهن, يرجع, يرجعون, ارجع, أرجعنا, ارجعوا, أرجعون, ارجعي, رجعت, ترجع, ترجعون, يرجع, يرجعون, يتراجعا, رجع, الرجع, رجعه, الرجعي, راجعون, مرجعكم, مرجعهم].
وجاءت لفظة رجع فيها ثلاث مرات علي النحو التالي: أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد( ق:3) إنه علي رجعه لقادر( الطارق:8)
والسماء ذات الرجع( الطارق:11)
وكلها بمعني الرجوع, والعودة, والارتداد, والرد, والإعادة, وهو ما يمكن أن يعيننا في فهم دلالة الرجع في قوله( تعالى): والسماء ذات الرجع, وهو معني أوسع وأشمل من مجرد رجوع ماء الأرض المتبخر من سطحها ومن تنفس إنسها وحيواناتها ونتح نباتاتها, وإلا لكان القسم بالسماء ذات المطر.
السماء في اللغة العربية:
(السماء) لغة اسم مشتق من( السمو) بمعني الارتفاع والعلو, تقولhttp://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png سما, يسمو, سموا), فهو سام بمعني علا, يعلو, علوا, فهو عال أو مرتفع, لأن السين والميم والواو أصل يدل علي الارتفاع والعلو, يقالhttp://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png سموت وسميت) بمعني علوت وعليت للتنويه بالرفعة والعلو, وعلي ذلك فإن سماء كل شيء أعلاه ومن هنا قيل: كل ما علاك فأظلك فهو سماء.
ولفظة( السماء) في العربية تذكر وتؤنث( وإن كان تذكيرها يعتبر شاذا), وجمعها( سماوات) كما جاء في القرآن الكريم وهناك صيغ أخري لجمعها ولكنها غريبة.
وانطلاقا من هذا التعريف اللغوي قيل لسقف البيت( سماء) لارتفاعه, وقيل للسحاب( سماء) لعلوه, واستعير اللفظ للمطر بسبب نزوله من السحاب, وللعشب لارتباط نبته بنزول ماء السماء.
والسماء دينا هي كل ما يقابل الأرض من الكون, والمراد بها ذلك العالم العلوي من حولنا والذي يضم الإجرام المختلفة من الكواكب والكويكبات, والأقمار والمذنبات, والنجوم والبروج, وغيرها من مختلف صور المادة والطاقة التي تملأ الكون بصورة واضحة جلية أو مستترة خفية.
وقد خلق الله( تعالى) السماء ـ وهو سبحانه خالق كل شيء ـ ورفعها بغير عمد نراها, وجعل لها عمارا من الملائكة ومما لا نعلم من الخلق, وحرسها من كل شيطان مارد من الجن والإنس, فهي محفوظة بحفظه( تعالى) إلي أن يرث الكون بما فيه ومن فيه.
السماء في القرآن الكريم
تكرر ورود لفظة( السماء) في القرآن الكريم ثلاثمائة وعشر مرات, منها مائة وعشرون بالإفراد( السماء), ومائة وتسعون بالجمع( السماوات), والجمع في غالبيته إشارة إلي كل ما حول الأرض من خلق أي إلي الكون في جملته, والإشارات المفردة منها ثمان وثلاثون(38) يفهم من مدلولها الغلاف الغازي للأرض بسحبه ورياحه وكسفه, واثنتان وثمانون(82) يفهم منها السماء الدنيا غالبا والكون أحيانا.
وقد جاءت الإشارة القرآنية إلي السماوات والأرض وما بينهما في عشرين موضعا من كتاب الله, وأغلب الرأي أن المقصود بما بين السماوات والأرض هو الغلاف الغازي للأرض بصفة عامة, والجزء الأسفل منه( نطاق المناخ) بصفة خاصة, وذلك لقول الحق( تبارك و تعالى):
والسحاب المسخر بين السماء والأرض..( البقرة:164) والسحاب يتحرك في نطاق المناخ الذي لا يتعدي سمكه16 كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر عند خط الاستواء, والذي يحوي أغلب مادة الغلاف الغازي للأرض(75% بالكتلة) والقرآن الكريم يشير إلي إنزال الماء من السماء في أكثر من آية, وواضح الأمر أن المقصود بالسماء هنا هو السحاب أو النطاق المحتوي علي السحاب والمعروف علميا بنطاق المناخ.
العلوم الكونية ورجع السماء
إذا كان المقصود بالسماء ذات الرجع في سورة الطارق هو الغلاف الغازي للأرض بنطاق من نطاقاته( نطاق الطقس) أو بكل نطقه, فإن دراسة ذلك الغلاف الغازي قد أكدت لنا أن كثيرا مما يرتفع من الأرض إليه من مختلف صور المادة والطاقة( من مثل هباءات الغبار المتناهية الدقة في الصغر, بخار الماء, كثير من غازات أول وثاني أكسيد الكربون, أكاسيد النيتروجين, النوشادر, الميثان وغيرها, الموجات الحرارية كالأشعة تحت الحمراء, والراديوية كموجات البث الاذاعي, والصوتية, والضوئية والمغناطيسية وغيرها) كل ذلك يرتد ثانية إلي الأرض راجعا إليها.
كذلك فإن كثيرا مما يسقط علي الغلاف الغازي للأرض من مختلف صور المادة والطاقة يرتد راجعا عنها بواسطة عدد من نطق الحماية المختلفة التي أعدها ربنا( تبارك و تعالى) لحمايتنا وحماية مختلف صور الحياة الأرضية من حولنا.
وإذا كان المقصود ـ السماء ذات الرجع في هذه السورة المباركة هو كل السماء الدنيا التي زينها( تبارك و تعالى) بالنجوم والكواكب فإن علوم الفلك قد أكدت لنا أن كل أجرام السماء قد خلقها الله( تعالى) من الدخان الكوني( دخان السماء) الذي نتج عن عملية الانفجار العظيم التي يسميها القرآن الكريم عملية الفتق أو فتق الرتق, وأن كل أجرام السماء الدنيا تمر في دورة حياة تنتهي بالعودة إلي دخان السماء عن طريق الانفجار أو الانتثار, لتتخلق من هذا الدخان السماوي أجرام جديدة لتعيد الكرة في دورات مستمرة من تبادل المادة والطاقة بين أجرام السماء ودخانها( المادة المنتشرة بين النجوم في المجرة الواحدة, المجرات وتجمعاتها المختلفة, وفي السدم وفي فسحة السماء الدنيا, وربما في كل الكون الذي لانعلم منه إلا جزءا يسيرا من السماء الدنيا).
وهذه صورة مبهرة من صور الرجع التي لم يدركها العلماء إلا بعد اكتشاف دورة حياة النجوم في العقود المتأخرة من القرن العشرين. وسواء كان المقصود بالسماء ذات الرجع إحدى الصورتين السابقتين أو كليهما معا فهو سبق قرآني مبهر بحقيقة كونية لم يدركها العلماء إلا منذ عشرات قليلة من السنين وذلك مما يشهد للقرآن الكريم بأنه كلام الله الخالق, ويشهد لخاتم الأنبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم) بأنه كان موصولا بالوحي ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض.
نطق الغلاف الغازي للأرض
تحاط الأرض بغلاف غازي يقدر سمكه بعدة آلاف من الكيلو مترات, ويتناقص فيه الضغط مع الارتفاع من واحد كيلو جرام علي السنتيمتر المكعب تقريبا(1.0336 كج/ سم3) عند مستوي سطح البحر إلي قرابة الصفر عند ارتفاع ستين كيلو مترا تقريبا فوق مستوي سطح البحر.
ويقسم هذا الغلاف الغازي للأرض علي أساس من درجة حرارته إلي عدة نطق من أسفل إلي أعلي علي النحو التالي:
(1) نطاق التغيرات الجوية( نطاق الطقس أو نطاق الرجع)TheTroposphere
ويمتد من سطح البحر إلي ارتفاع16 كيلو مترا فوق خط الاستواء, ويتناقص سمكه إلي نحو عشرة كيلو مترات فوق القطبين وإلي أقل من ذلك فوق خطوط العرض الوسطي(7 ــ8 كيلو مترات) وعندما يتحرك الهواء من خط الاستواء في اتجاه القطبين يهبط فوق هذا المنحني الوسطي فتزداد سرعته, وتجبر حركة الأرض في دورانها حول محورها من الغرب إلي الشرق كتل الهواء في التحرك تجاه الشرق بسرعة فائقة تعرف باسم التيار النفاث The Jet Stream
وتنخفض درجة الحرارة في هذا النطاق باستمرار مع الارتفاع حتى تصل إلي ستين درجة مئوية تحت الصفر في قمته, وذلك نظرا للابتعاد عن سطح الأرض الذي يمتص47% من أشعة الشمس فترتفع درجة حرارته ويعيد إشعاع الحرارة علي هيئة أشعة تحت حمراء إلي الغلاف الغازي للأرض, خاصة إلي بخار الماء وجزيئات ثاني أكسيد الكربون الجويين, ومن هنا تنخفض درجة حرارة نطاق التغيرات الجوية مع الارتفاع للبعد عن مصدر الدفء وهو سطح الأرض.
وعندما يتجمع هواء بارد فوق هواء ساخن يجعل كتل الهواء غير مستقرة فيهبط الهواء البارد إلي أسفل, بينما يصعد الهواء الساخن إلي أعلي محدثا تيارات حمل مستمرة في هذا النطاق أعطته اسم Troposphere
أو نطاق الرجع كما يعبر عنه الأصل اليوناني للكلمة.
ولولا الانخفاض المطرد لدرجات الحرارة في هذا النطاق السفلي من نطق الغلاف الغازي للأرض لفقدت الأرض مياهها بمجرد اندفاع أبخرة تلك المياه من فوهات البراكين ولا ستحالت الحياة علي الأرض.
(2) نطاق التطبق The Stratosphere
ويمتد من فوق نطاق التغيرات الجوية إلي ارتفاع حوالي خمسين كيلومترا فوق مستوي سطح البحر, وترتفع فيه درجة الحرارة من ستين درجة مئوية تحت الصفر في قاعدته إلي الصفر المئوي في قمته, ويعود السبب في ارتفاع درجة الحرارة إلي امتصاص وتحويل الأشعة فوق البنفسجية القادمة من الشمس بواسطة جزيئات الأوزون التي تتركز في قاعدة هذا النطاق( حول ارتفاع يتراوح بين18 كم و30كم) مكونة طبقة خاصة تعرف بطبقة, أو نطاق الأوزون Ozonosphere
(3) النطاق المتوسط The Mesosphere
ويمتد من فوق نطاق التطبق إلي ارتفاع80 ـ90 كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر, وتنخفض فيه درجة الحرارة لتصل إلي مائة وعشرين درجة مئوية تحت الصفر.
(4) النطاق الحراري The Thermosphere
ويمتد من فوق النطاق المتوسط إلي عدة مئات من الكيلومترات فوق مستوي سطح البحر, وترتفع فيه درجة الحرارة باستمرار إلي خمسمائة درجة مئوية عند ارتفاع مائة وعشرين كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر, وتبقي درجة الحرارة ثابتة عند هذا الحد إلي أكثر من ألف كيلو متر فوق مستوي سطح البحر, ولكنها تقفز إلي1500 درجة مئوية في فترات نشاط البقع الشمسية.
وفي جزء من هذا النطاق( من ارتفاع مائة كيلو متر إلي أربعمائة كيلو متر فوق مستوي سطح البحر) تتأين جزيئات الغاز( أي تشحن بالكهرباء) بفعل الأشعة فوق البنفسجية والسينية القادمة من الشمس, ولذا يسمي باسم النطاق المتأين The Ionosphere
وفوق نطاق التأين يعرف الجزء الخارجي من النطاق الحراري باسم النطاق الخارجي The Exosphere
ويقل فيه الضغط حتي يتداخل في دخان السماء أو ما يعرف بالفضاء الخارجي.
(5) أحزمة الإشعاع The Radiation Belts
وهي عبارة عن زوجين من الأحزمة الهلالية الشكل التي تزداد في السمك حول خط الاستواء, وترق رقة شديدة عند القطبين, وتحتوي علي أعداد كبيرة من البروتونات والإليكترونات التي اصطادها المجال المغناطيسي للأرض. ويتركز الزوج الداخلي من هذه الأحزمة حول ارتفاع3200 كيلو متر فوق مستوي سطح البحر, بينما يتركز الزوج الخارجي من هذه الأحزمة حول ارتفاع25000 كيلو متر فوق مستوي سطح البحر.
من صور رجع السماء
باعتبار المقصود من السماء في الآية الكريمة والسماء ذات الرجع هو الغلاف الغازي للأرض نجد الصور التالية من رجع السماء.
(1) الرجع الاهتزازي للهواء( الأصوات وصداها):
تحتوي الطبقة الدنيا من الغلاف الغازي للأرض( نطاق التغيرات الجوية) علي75% من كتلة ذلك الغلاف ويتكون أساسا من غاز النيتروجين(78% حجما), والأوكسجين(21.95% حجما) وآثار خفيفة من بخار الماء, وثاني أكسيد الكربون, والأوزون, وبعض هباءات الغبار, وآثار أقل تركيزا من الإيدروجين, الأرجون, الهيليوم, وبعض مركبات الكبريت.
وكل من التركيب الكيميائي والصفات الفيزيائية لهذا النطاق أساسي لوجود الحياة الأرضية, ومهم للاهتزازات المحدثة للأصوات وصداها, فعندما تهتز أحبالنا الصوتية تحدث اهتزازاتها ضغوطا في الهواء تنتشر علي هيئة أمواج تتحرك في الهواء في كل الاتجاهات من حولنا, فتتلقي طبلة الأذن لأفراد آخرين تلك الاهتزازات فيسمعونها بوضوح, ولولا التركيب الكيميائي والصفات الفيزيائية المحددة لذلك النطاق ما سمع بعضنا بعضا و لاستحالت الحياة.
فالصوت لا ينتقل في الفراغ, وذلك لعدم وجود جزيئات الهواء القادرة علي نقل الموجات الصوتية وتتحرك الموجات الصوتية في الهواء بسرعة1200 كيلو متر في الساعة عند مستوي سطح البحر, وتزداد سرعة الصوت كلما زادت كثافة الوسط الذي يتحرك فيه, وتقل بقلة كثافته, ففي الماء تتضاعف سرعة الصوت أربع مرات تقريبا عنها في الهواء, وفي النطق العليا من الغلاف الغازي للأرض تتناقص حتى لا تكاد تسمع, ولذلك يتخاطب رواد الفضاء مع بعضهم بعضا بواسطة الموجات الراديوية التي يمكنها التحرك في الفراغ وعندما تصطدم الموجات الصوتية بأجسام أعلي كثافة من الهواء, فإنها ترتد علي هيئة صدي للصوت الذي له العديد من التطبيقات العملية.
والرجع الاهتزازي للهواء علي هيئة الأصوات وصداها هو أول صورة من صور رجع السماء, ولولاه ما سمع بعضنا بعضا وما استقامت الحياة علي الأرض.
(2) الرجع المائي: يغطي الماء أكثر قليلا من71% من المساحة الكلية للكرة الأرضية: وتبلغ كميته1.36 مليار كيلو متر مكعب( منها97.2% في المحيطات والبحار,2.15% علي هيئة جليد حول القطبين وفي قمم الجبال,0.65% في المجاري المائية المختلفة من الأنهار والجداول وغيرها, وفي كل من البحيرات العذبة وخزانات المياه تحت سطح الأرض.
وهذا الماء اندفع كله أصلا من جوف الأرض عبر ثورات البراكين, وتكثف في الأجزاء العليا من نطاق التغيرات الجوية والتي تتميز ببرودتها الشديدة, فعاد إلي الأرض ليجري أنهارا علي سطحها, ويفيض إلي منخفضاتها, ثم بدأ في حركة دائبة بين الأرض والطبقات الدنيا من الغلاف الغازي حفظته من التعفن ومن الضياع إلي طبقات الجو العليا.
وماء الأرض يتبخر منه سنويا380000 كيلو متر مكعب أغلبها(320000 كم3) يتبخر من أسطح المحيطات والبحار والباقي(60000 كم3) من سطح اليابسة, وهذا البخار تدفعه الرياح وتحمله السحب إلي الطبقة الدنيا من الغلاف الغازي للأرض, حيث يتكثف ويعود إلي الأرض مطرا أو ثلجا أو بردا, وبدرجة أقل علي هيئة ندي أو ضباب.
وحينما ترجع أبخرة المياه من الجو إلي الأرض بعد تكثفها يجري قسم منها في مختلف أنواع المجاري المائية علي اليابسة, وتصب هذه بدورها في البحار والمحيطات, كما يترشح جزء منها خلال طبقات الأرض ذات النفاذية ليكون المياه تحت السطحية, وهناك جزء يعاود تبخره إلي الجو مرة أخري.
والمياه تحت السطحية ذاتها في حركة دائبة حيث تشارك في تغذية بعض الأنهار والبحيرات والمستنقعات, وقد تخرج إلي سطح الأرض علي هيئة ينابيع, أو ينتهي بها المطاف إلي البحار والمحيطات.
وماء المطر يسقط علي المحيطات والبحار بمعدل284000 كيلو متر مكعب في السنة, وعلي اليابسة بمعدل96000 كيلو متر مكعب في السنة وذلك في دورة معجزة في كمالها ودقتها, ومن صور ذلك أن ما يتبخر من أسطح المحيطات والبحار في السنة يفوق مايسقط فوقها وأن ما يسقط من مطر علي اليابسة سنويا يفوق مايتبخر منها والفارق في الحالتين متساو تماما فيفيض إلي البحار والمحيطات ليحفظ منسوب المياه فيها عند مستوي ثابت في الفترة الزمنية الواحدة.
هذه الدورة المعجزة للمياه حول الأرض هي الصورة الثانية من صور رجع السماء, ولولاها لفسد كل ماء الأرض, ولتعرض كوكبنا لحرارة قاتلة بالنهار, ولبرودة شديدة بالليل
(3) الرجع الحراري إلي الأرض وعنها إلي الفضاء بواسطة السحب.
يصل إلي الأرض من الشمس في كل لحظة شروق كميات هائلة من طاقة الشمس, ويعمل الغلاف الغازي للأرض كدرع واقية لنا من حرارة الشمس أثناء النهار, كما يعمل لنا كغطاء بالليل يمسك بحرارة الأرض من التشتت.
فذرات وجزيئات الغلاف الغازي للأرض تمتص وتشتت وتعيد إشعاع أطوال موجات محددة من الأشعة الشمسية في كل الاتجاهات.
ومن الأشعة الشمسية القادمة إلي الأرض يمتص ويشتت ويعاد إشعاع53% منها بواسطة الغلاف الغازي للأرض, وتمتص صخور وتربة الأرض47% منها, ولولا هذا الرجع الحراري إلي الخارج لأحرقت أشعة الشمس كل صور الحياة علي الأرض, ولبخرت الماء وخلخلت الهواء.
وعلي النقيض من ذلك فإن السحب التي ترد عنا ويلات حرارة الشمس في نهار الصيف هي التي ترد إلينا أشعة الدفء بمجرد غروب الشمس(98%) فصخور الأرض تدفأ أثناء النهار بحرارة الشمس بامتصاص47% من أشعتها فتصل درجة حرارتها الي15 درجة مئوية في المتوسط وبمجرد غياب الشمس تبدأ صخور الأرض في إعادة إشعاع حرارتها علي هيئة موجات من الأشعة تحت الحمراء التي تمتصها جزيئات كل من بخار الماء وثاني أكسيد الكربون فتدفيء الغلاف الغازي للأرض, كما تعمل السحب علي إرجاع غالبية الموجات الطويلة(98%) إلي سطح الأرض وبذلك تحفظها من التجمد بعد غياب الشمس.
ولو لم يكن للأرض غلاف غازي لتشتتت هذه الحرارة إلي فسحة الكون وتجمدت الأرض وما عليها من صور الحياة في نصف الكرة المظلم بمجرد غياب الشمس.
وهذا الرجع الحراري بصورتيه إلي الخارج وإلي الداخل مما يحقق صفة الرجع لسماء الأرض.
(4) رجع الغازات والأبخرة والغبار المرتفع من سطح الأرض: عندما تثور البراكين تدفع: بملايين الأطنان من الغازات والأبخرة والأتربة إلي جو الأرض الذي سرعان مايرجع ذلك إلي الأرض, كذلك يؤدي تكون المنخفضات والمرتفعات الجوية إلي دفع الهواء في حركة أفقية تنشأ عنها الرياح التي يتحكم في هبوبها( بعد إرادة الله تعالى) عدة عوامل منها مقدار الفرق بين الضغط الجوي في منطقتين متجاورتين, ومنها دوران الأرض حول محورها من الغرب إلي الشرق, ومنها تنوع تضاريس الأرض والموقع الجغرافي للمنطقة.
والغالبية العظمي من المنخفضات الجوية تتحرك مع حركة الأرض( أي من الغرب إلي الشرق) بسرعات تتراوح بين20 و30 كيلو مترا في الساعة وعندما تمر المنخفضات الجوية فوق اليابسة تحتك بها فتبطؤ حركتها قليلا وتحمل بشيء من الغبار الذي تأخذه من سطح الأرض, وإذا صادف المنخفض الجوي في طريقه سلاسل جبلية معترضة فإنه يصطدم بها مما يزيد علي إبطاء سرعتها ويقوي من حركة صعود الهواء إلي أعلي, ولما كان ضغط الهواء يتناقص بالارتفاع إلي واحد من ألف من الضغط الجوي العادي عند سطح البحر إذا وصلنا إلي ارتفاع48 كيلو مترا فوق ذلك السطح, وإلي واحد من مائة الف من الضغط الجوي إذا وصلنا إلي ارتفاع ألف كيلو متر فوق سطح البحر فإن قدرة الهواء علي الاحتفاظ بالغبار المحمول من سطح الأرض تضعف باستمرار مما يؤدي إلي رجوعه إلي الأرض وإعادة توزيعه علي سطحها بحكمة بالغة, وتعين علي ذلك الجاذبية الأرضية.
(5) رجع الأشعة فوق البنفسجية بواسطة طبقة الأوزون:
تقوم طبقة الأوزون في قاعدة نطاق التطبق بامتصاص وتحويل الأشعة فوق البنفسجية القادمة مع أشعة الشمس بواسطة جزيئات الأوزون( أ3) وترد نسبا كبيرة منها إلي خارج ذلك النطاق.
(6) رجع الإشارات الراديوية بواسطة النطاق المتأين:
في النطاق المتأين( بين100 و400 كم فوق مستوي سطح البحر) تمتص الغوتونات النشيطة القادمة مع أشعة الشمس من مثل الأشعة السينية فتؤدي إلي رفع درجة الحرارة وزيادة التأين, ونظرا لانتشار الإليكترونات الطليقة في هذا النطاق فإنها تعكس الإشارات الراديوية( ذات الأمواج الطويلة) وتردها إلي الأرض فتيسر عمليات البث الإذاعي والاتصالات الراديوية وكلها تمثل صورا من الرجع إلي الأرض.
(7) رجع الأشعة الكونية بواسطة كل من أحزمة الإشعاع والنطاق المغناطيسي للأرض:
يمطر الغلاف الغازي للأرض بوابل من الأشعة الكونية الأولية التي تملأ فسحة الكون فتردها, إلي الخارج كل من أحزمة الإشعاع والنطاق المغناطيسي للأرض فلا يصل الي سطح الأرض منها شيء ولكنها تؤدي إلي تكون أشعة ثانوية قد يصل بعضها إلي سطح الأرض فتؤدي إلي عدد من ظواهر التوهج والإضاءة في ظلمة الليل من مثل ظاهرة الفجر القطبي.
والأشعة الكونية بأنواعها المختلفة تتحرك بمحاذاة خطوط المجال المغناطيسي للأرض والتي تنحني لتصب في قطبي الأرض المغناطيسيين, وذلك لعجزها عن عبور مجال الأرض المغناطيسي, ويؤدي ذلك إلي رد المزيد من الأشعة الكونية القادمة إلي خارج نطاق الغلاف الغازي للأرض وهي صورة من صور الرجع.
هذه الصور المتعددة لرجع الغلاف الغازي للأرض لم تعرف إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين, ووصف السماء بأنها ذات رجع في القرآن الكريم من قبل ألف وأربعمائة من السنين هو شهادة صدق بأن القرآن الكريم كلام الله الخالق وأن سيدنا محمدا( صلي الله عليه وسلم) الذي تلقي هذا الوحي الحق هو خاتم أنبياء الله ورسله( صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين) وانه( صلي الله عليه وسلم) كان موصولا بالوحي ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض.
المصدر : بحث للدكتور زغلول النجار .
عمروعبده 22-02-2011, 06:22 AM و أنزلنا الحديد فيه بأس شديد و منافع للناس
وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس
قال تعالى : (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحديد:25).
سورة الحديد سورة مدنية, وهي السورة الوحيدة من سور القرآن الكريم التي تحمل أسم عنصر من العناصر المعروفة لنا والتي يبلغ عددها مائة وخمسة عناصر; ويعجب القارئ للقرآن لاختيار هذا العنصر بالذات اسما لهذه السورة التي تدور حول قضية إنزاله من السماء, وبأسه الشديد, ومنافعه للناس.....!!
وتبدأ السورة الكريمة بتأكيد أن كل ما في السماوات والأرض خاضع بالعبودية لله, مسبح بحمده, منزه له عن كل وصف لايليق بجلاله, لأنه( تعالي) هو العزيز الحكيم, الذي له ملك السماوات والأرض, الذي يحيي ويميت وهو علي كل شيء قدير; وتواصل الآيات مزيدا من صفات هذا الخالق العظيم فهو الأول بلا بداية, والآخر بلا نهاية, والظاهر فليس فوقه شيء, والباطن فليس دونه شيء, وهو العليم بكل شيء, فلا تخفي عليه خافية في الأرض ولا في السماء; وأنه( تعالي) خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوي علي العرش استواء يليق بجلاله, وأنه( سبحانه) يعلم مايلج في الأرض, وما يخرج منها, وما ينزل من السماء, ومايعرج فيها, وأنه مع جميع خلقه أينما كانوا, وفي أي زمان كانوا, فلا الزمان ولا المكان يقف عائقا أمام قدرة الله, وهو( تعالي) مطلع علي جميع خلقه, بصير بما يعملون, وهو الذي له ملك السماوات والأرض, الذي إليه ترجع الأمور, وأن من الدلائل علي طلاقة قدرته أنه( تعالي) يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل, وهو( سبحانه) عليم بذات الصدور, فالكون كله خاضع لإرادته( تعالي) فهو خالقه ومبدعه, والمتصرف فيه بما يشاء, وهذه الصفات العليا من خصائص الإله الواحد الأحد, الفرد الصمد, الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد, فلا شريك له في ملكه, ولا منازع له في سلطانه, فهو رب كل شيء ومليكه, بغير شريك ولا شبيه ولا منازع, المسيطر سيطرة مطلقة علي الوجود كله بكل ما فيه, ومن فيه, فكل شيء بيديه, وكل شيء راجع إليه, لا يخفى شيء عن علمه, ولا يخرج شيء عن أمره, يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور....!!
ثم تتحرك الآيات بعد ذلك في إيقاع رقيق يخاطب جماعة المؤمنين, وتدعوهم إلي تجسيد إيمانهم بالله ورسوله في بذل الأموال والمهج والأرواح دفاعا عن هذا الدين, وإلي الإنفاق مما جعلوا مستخلفين فيه حتى ينالوا الأجر الكبير من رب العالمين, فالذي يفعل ذلك كأنما يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة وله أجر كريم, وبالإضافة إلي عمومية الدعوة إلي تلك الحقيقة, فهي تذكرة دائمة لجماعة المؤمنين بما بذله السابقون من المهاجرين والأنصار في سبيل الله, حتى يتأسوا بهم في التجرد الكامل, والإخلاص الصادق لدين الله, والبذل والتضحية بالأموال والأنفس من أجل إعلاء كلمة الله في الأرض فلا تشدهم الحياة الدنيا عن الجهاد في سبيل الله مهما تكن المغريات, ومهما تكن العوائق.....!!
وبعد ذلك تعرض الآيات لحال كل من المؤمنين والمؤمنات في جانب, والمنافقين والمنافقات في جانب آخر يوم العرض الأكبر, وشتان مابين الحالين.
وتتساءل الآيات عن إمكان أن يكون الوقت قد حان لكي تخشع قلوب المؤمنين لذكر الله, وما أنزل من الحق علي خاتم أنبيائه ورسله حتى لايكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون.
وتؤكد الآيات بعد ذلك مرحلية الحياة الدنيا, وأنها ليست إلا متاع الغرور, فلا يجوز لعاقل أن ينخدع بها, ويفني عمره في خدمتها, لاهيا عن الآخرة وهي دار القرار, ولذلك تنادي الآيات بالمسارعة إلي طلب المغفرة من الله, وإلي العمل المخلص الدءوب من أجل الفوز بالجنة التي عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله; وتضيف الآيات أن كل خطب جلل نزل بالأرض أو بالأنفس مدون في كتاب الله من قبل وقوعه, وأن ذلك علي الله يسير, كي ترضي كل نفسي مؤمنة بقدر الله ـ خيره وشره ـ وتؤمن أن فيه الخير كل الخير, فلا تبطر عند مسرة, لأن الله تعالي لا يحب كل مختال فخور, ولا تجزع عند مضرة لإيمانها بأن ذلك قدر مقسوم, وأجل محتوم, وأنه لا ملجأ ولا منجي من الله إلا إليه....!!
وتنعي الآيات علي الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل, لأن الله تعالي كريم يحب كل كريم, ومن يتول عن منهج الله فإن الله هو الغني الحميد.
وبعد هذه المقدمة الطويلة يأتي قلب السورة وسر تسميتها في الآية التي يقول فيها ربنا( تبارك وتعالي):
(لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز*)
ثم تأتي الآيات الأربع الأخيرة في السورة لتعرض خط سير رسالة الهداية الربانية, وتاريخ هذا الدين ـ دين الإسلام الذي علمه ربنا( تبارك وتعالي) لأبينا آدم عليه السلام, وأنزله علي فترة من الرسل من لدن نبي الله نوح( عليه السلام) إلي خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد بن عبد الله( عليه وعليهم أجمعين أفضل الصلاة وأزكي التسليم), والذي لايرتضي ربنا( تبارك وتعالي) من عباده دينا سواه بعد أن أكمله, وأتمه, وحفظه في بعثة هذا النبي الخاتم والرسول الخاتم( صلي الله وسلم وبارك عليه, وعلي آله وصحبه أجمعين), وأشارت الآيات إلي حال بعض من أهل الكتاب ومنهم أتباع نبي الله عيسي( عليه السلام), واختتمت السورة بالدعوة إلي الإيمان بالنبي الخاتم والرسول الخاتم, ففي ذلك دخول في رحمة الله, وفي نوره ومغفرته, وهو سبحانه صاحب الفضل العظيم, والمنن العديدة التي يمن بها علي من يشاء من عباده.
والآية الكريمة التي نحن بصددها تؤكد أن الحديد قد أنزل إنزالا كما أنزلت جميع صور الوحي السماوي, وأنه يمتاز ببأسه الشديد, وبمنافعه العديدة للناس, وهو من الأمور التي لم يصل العلم الإنساني إلي إدراكها إلا في أواخر الخمسينيات من القرن العشرين.
وهنا يبرز التساؤل: كيف أنزل الحديد؟ وما هو وجه المقارنة بين إنزال وحي السماء وإنزال الحديد؟ ما هو بأسه الشديد؟ وما هي منافعه للناس؟ وقبل الإجابة علي تلك الأسئلة لابد من استعراض سريع للدلالات اللغوية لبعض ألفاظ الآية الكريمة, وكذلك للمواضع التي ورد فيها ذكر( الحديد) في كتاب الله( تعالي).
الدلالات اللغوية لبعض ألفاظ الآية الكريمة
(النزول) في الأصل هو هبوط من علو, يقال في اللغةhttp://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png نزل),( ينزل)( نزولا), و(منزلا) بمعني حل, يحل, حلولا; والمنزل بفتح الميم والزاي هو( النزول) وهو الحلول, و(نزل) عن دابته بمعني هبط من عليها, و(نزل) في مكان كذا أي حط رحله فيه, و(النزيل) هو الضيف.
ويقالhttp://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png أنزله) غيره بمعني أضافه أو هبط به; و(استنزله) بمعني( نزله تنزيلا), و(التنزيل) ايضا هو القرآن الكريم, وهو( الإنزال المفرق), وهو الترتيب; وعلي ذلك فإن الإنزال أعم من التنزيل; و(التنزل) هو( النزول في مهلة), و(النزل) هو ما يهيأ( للنزيل) أي مايعد( للنازل) من المكان, والفراش, والزاد, والجمع( انزال); وهو أيضا الحظ والريع,و(النزل) بفتحتىن, و(المنزل) الدار والمنهل( أي المورد الذي ينتهل منه لأن به( ماء) أو هو عين ماء ترده الإبل في المراعي, وتسمي المنازل التي في المفاوز علي طرق( السفار); و(المنزلة) مثله, أو هي الرتبة أو المرتبة; و(المنزلة) لاتجمع.
ويقال استنزل فلان( بضم التاء وكسر الزاي) أي حط عن مرتبته, و(المنزل) بضم الميم وفتح الزاي( الإنزال), نقول:' رب أنزلني( منزلا) مباركا, وأنت خير( المنزلين)*'; و(إنزال) الله( تعالي) نعمه ونقمه علي الخلق هو إعطاؤهم إياها, وقال المفسرون في قول الحق( تبارك وتعالي)http://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png ولقد رآه نزلة أخري) إن( نزلة) هنا تعني مرة أخري.
وفي قوله( تعالي)' جنات الفردوس نزلا' قال الأخفش: هو من( نزول) الناس بعضهم علي بعض, يقال: ماوجدنا عندك نزلا; و(النازلة): الشديدة من شدائد الدهر تنزل بالناس, وجمعها( نوازل); و(النزال) في الحرب( المنازلة); و(النزلة هي الزكمة من الزكام, يقال به( نزلة), وقد نزل بضم النون.
الحديد في القرآن الكريم
ورد ذكر الحديد في كتاب الله( تعالي) في ست آيات متفرقات علي النحو التالي:
(1) قل كونوا حجارة أو حديدا* ( الإسراء:50)
(2) آتوني زبر الحديد.....*( الكهف:96)
(3) ولهم مقامع من حديد*( الحج:21)
(4):.. وألنا له الحديد*( سبأ:10)
(5) لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد*.( ق:22)
(6).. وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس..*( الحديد:25)
وكلها تشير إلي عنصرالحديد ماعدا آية سورة ق والتي جاءت لفظة( حديد) فيها في مقام التشبيه للبصر بمعني أنه نافذ قوي يبصر به ما كان خفيا عنه في الدنيا.
شروح المفسرين للآية الكريمة
ذكر ابن كثير( يرحمه الله) في تفسير قول الحق( تبارك وتعالي): وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس*.
أي وجعلنا الحديد رادعا لمن أبي الحق وعانده بعد قيام الحجة عليه, ولهذا أقام رسول الله( صلي الله عليه وسلم) بمكة بعد النبوة ثلاث عشرة سنة توحي إليه السور المكية, وكلها جدال مع المشركين, وبيان وإيضاح للتوحيد, وبيناته ودلالاته, فلما قامت الحجة علي من خالف, شرع الله الهجرة, وأمرهم بالقتال بالسيوف وضرب الرقاب, وقد روي الإمام أحمد, عن ابن عمر قال.. قال رسول الله( صلي الله عليه وسلم) بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له, وجعل رزقي تحت ظل رمحي, وجعل الذلة والصغار علي من خالف أمري, ومن تشبه بقوم فهو منهم) ولهذا قال تعاليhttp://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png فيه بأس شديد) يعني السلاح كالسيوف والحراب والسنان ونحوها( ومنافع للناس) أي في معايشهم كالسكة والفأس والمنشار والآلات التي يستعان بها في الحراثة والحياكة والطبخ وغير ذلك.. وقوله تعالي( وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب) أي من نيته في حمل السلاح نصرة لله ورسوله( إن الله قوي عزيز) أي هو قوي عزيز ينصر من نصره من غير احتىاج منه إلي الناس, وإنما شرع الجهاد ليبلو بعضكم ببعض.
وذكر صاحبا تفسير الجلالين( رحمهما الله) في تفسير هذه الآية الكريمة مانصه: لقد أرسلنا رسلنا الملائكة إلي الأنبياء( بالبينات) بالحجج القواطع( وأنزلنا معهم الكتاب) بمعني الكتب ـو(الميزان) العدل,( ليقوم الناس بالقسط( وأنزلنا الحديد) أي أنشأناه, وخلقناه, لقوله تعالي( وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج) أي خلق, وقيل: أخرجناه من المعادن,( فيه بأس شديد) يعني السلاح, يقاتل به من أبي الحق وعانده بعد قيام الحجة عليه,( ومنافع للناس) في معايشهم كالفأس والمنشار وسائر الأدوات والآلات,( وليعلم الله) علم مشاهدة, معطوف علي( ليقوم الناس)( من ينصره) بأن ينصر دينه بآلات الحرب من الحديد وغيره( ورسله بالغيب) حال من هاء( ينصره) أي غائبا عنهم في الدنيا, قال ابن عباس: ينصرونه ولايبصرونه( إن الله قوي عزيز) لاحاجة له إلي النصرة لكنها تنفع من يأتي بها.
وذكر صاحب الظلال( رحمه الله رحمة واسعة): وفي النهاية يجيء المقطع الأخير في السورة, يعرض باختصار خط سير الرسالة, وتاريخ هذه العقيدة من لدن نوح وإبراهيم, مقررا حقيقتها وغايتها في دنيا الناس, ملما بحال أهل الكتاب, وأتباع عيسي ـ عليه السلام ـ بصفة خاصة.. فالرسالة واحدة في جوهرها, جاء بها الرسل ومعهم البينات عليها, ومعظمهم جاء بالبينات الخوارق.. والنص يقولhttp://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png وأنزلنا معهم الكتاب) بوصفهم وحدة, وبوصف الكتاب وحدة كذلك, إشارة إلي وحدة الرسالة في جوهرها.
(والميزان).. مع الكتاب, فكل الرسالات جاءت لتقر في الأرض, وفي حياة الناس ميزانا ثابتا ترجع إليه البشرية.. ميزانا لايحابي أحدا لأنه يزن بالحق الإلهي للجميع, ولايحيف علي أحد لأن الله رب الجميع.
فلابد من ميزان ثابت يثوب إليه البشر..( ليقوم الناس بالقسط)!
( وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس, وليعلم الله من ينصره, ورسله بالغيب) والتعبير بـ( أنزلنا الحديد) كالتعبير في موضع آخر بقوله تعالي( وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج) كلاهما يشير إلي إرادة الله وتقديره في خلق الأشياء والأحداث... أنزل الله الحديد( فيه بأس شديد) وهو قوة الحرب والسلم( ومنافع للناس) وتكاد حضارة البشر القائمة الآن تقوم علي الحديد( وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب) وهي إشارة إلي الجهاد بالسلاح, تجيء في موضعها من السورة التي تتحدث عن بذل النفس والمال.
ولما تحدث عن الذين ينصرون الله ورسله بالغيب, عقب علي هذا بإيضاح معني نصرهم لله ورسله, فهو نصر لمنهجه ودعوته, أما الله سبحانه فلا يحتاج منهم إلي نصر: إن الله قوي عزيز..
وذكر صاحب ـ(صفوة البيان لمعاني القرآن):.. و(أنزلنا الحديد) أي خلقناه لكم, كقوله تعالي( وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج) أي هيأناه لكم, وأنعمنا به عليكم, وعلمناكم استخراجه من الأرض وصنعته بإلهامنا,( فيه بأس شديد) أي فيه قوة وشدة, فمنه جنة وسلاح, وآلات للحرب وغيرها, وفي الآية إشارة إلي احتىاج الكتاب والميزان إلي القائم بالسيف, ليحصل القيام بالقسط,( ومنافع للناس) في معاشهم ومصالحهم, وما من صنعة إلا والحديد آلتها, كما هو مشاهد, فالمنة به عظمي...
وقال صاحب( صفوة التفاسير)http://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد) أي وخلقنا وأوجدنا الحديد فيه باس شديد, لأن آلات الحرب تتخذ منه, كالدروع والرماح والتروس والدبابات وغير ذلك ومنافع للناس أي وفيه منافع كثيرة للناس كسكك الحراثة والسكين والفأس وغير ذلك, وما من صناعة إلا والحديد آلة فيها, قال أبوحيان: وعبر تعالي عن إيجاده بالإنزال كما قالhttp://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج) لأن الأوامر وجميع القضايا والأحكام لما كانت تلقي من السماء جعل الكل نزولا منها, وأراد بالحديد جنسه من المعادن قاله الجمهور.
وذكر أصحاب( المنتخب في تفسير القرآن الكريم) مانصه: لقد أرسلنا رسلنا الذين اصطفيناهم بالمعجزات القاطعة, وأنزلنا معهم الكتب المتضمنة للأحكام وشرائع الدين والميزان الذي يحقق الإنصاف في التعامل, ليتعامل الناس فيما بينهم بالعدل, وخلقنا الحديد فيه عذاب شديد في الحرب, ومنافع للناس في السلم, يستغلونه في التصنيع, لينتفعوا به في مصالحهم ومعايشهم, وليعلم الله من ينصر دينه, وينصر رسله غائبا عنهم إن الله قادربذاته, لايفتقر إلي عون أحد.
وجاءوا في الهامش ببعض من صفات الحديد وفوائده.
حديد الأرض في العلوم الكونية
بينما لاتتعدي نسبة الحديد في شمسنا0.0037% فإن نسبته في التركيب الكيميائي لأرضنا تصل إلي35,9% من مجموع كتلة الأرض المقدرة بحوالي ستة آلاف مليون مليون مليون طن, وعلي ذلك فإن كمية الحديد في الأرض تقدر بأكثر من ألفي مليون مليون مليون طنا, ويتركز الحديد في قلب الأرض, أو مايعرف باسم لب الأرض, وتصل نسبة الحديد فيه إلي90% ونسبة النيكل( وهو من مجموعة الحديد) إلي9% وتتناقص نسبة الحديد من لب الأرض إلي الخارج باستمرار حتى تصل إلي5,6% في قشرة الأرض.
وإلي أواخر الخمسينيات من القرن العشرين لم يكن لأحد من العلماء إمكانية التصور( ولو من قبيل التخيل) أن هذا القدر الهائل من الحديد قد أنزل إلي الأرض من السماء إنزالا حقيقيا!!
كيف أنزل؟ وكيف تسني له اختراق الغلاف الصخري للأرض بهذه الكميات المذهلة؟ وكيف أمكنه الاستمرار في التحرك بداخل الأرض حتى وصل إلي لبها؟ وكيف شكل كلا من لب الأرض الصلب ولبها السائل علي هيئة كرة ضخمة من الحديد والنيكل يحيط بها وشاح منصهر من نفس التركيب, ثم أخذت نسبته في التناقص باستمرار في اتجاه قشرة الأرض الصلبة؟
لذلك لجأ كل المفسرين للآية الكريمة التي نحن بصددها إلي تفسير( وأنزلنا الحديد) بمعني الخلق والإيجاد والتقدير والتسخير, لأنه لما كانت أوامر الله تعالي وأحكامه تلقي من السماء إلي الأرض جعل الكل نزولا منها, وهو صحيح, ولكن في أواخر القرن العشرين ثبت لعلماء الفلك والفيزياء, الفلكية أن الحديد لايتكون في الجزء المدرك من الكون إلا في مراحل محددة من حياة النجوم تسمي بالعماليق الحمر, والعماليق العظام, والتي بعد أن يتحول لبها بالكامل إلي حديد تنفجر علي هيئة المستعرات العظام, وبانفجارها تتناثر مكوناتها بما فيها الحديد في صفحة الكون فيدخل هذا الحديد بتقدير من الله في مجال جاذبية أجرام سماوية تحتاج إليه مثل أرضنا الابتدائية التي وصلها الحديد الكوني, وهي كومة من الرماد فاندفع إلي قلب تلك الكومة بحكم كثافته العالية وسرعته المندفع بها فانصهر بحرارة الاستقرار في قلب الأرض وصهرها, ومايزها إلي سبع أرضين!! وبهذا ثبت أن الحديد في أرضنا, بل في مجموعتنا الشمسية بالكامل قد أنزل إليها إنزالا حقيقيا.
أولا: إنزال الحديد من السماء
في دراسة لتوزيع العناصر المختلفة في الجزء المدرك من الكون لوحظ أن غاز الإيدروجين هو أكثر العناصر شيوعا إذ يكون أكثر من74% من مادة الكون المنظور, ويليه في الكثرة غاز الهيليوم الذي يكون حوالي24% من مادة الكون المنظور, وأن هذين الغازين وهما يمثلان أخف العناصر وأبسطها بناء يكونان معا أكثر من98% من مادة الجزء المدرك من الكون, بينما باقي العناصر المعروفة لنا وهي(103) عناصر تكون مجتمعة أقل من2% من مادة الكون المنظور,وقد أدت هذه الملاحظة إلي الاستنتاج المنطقي أن أنوية غاز الإيدروجين هي لبنات بناء جميع العناصر المعروفة لنا وأنها جميعا قد تخلقت باندماج أنوية هذا الغاز البسيط مع بعضها البعض في داخل النجوم بعملية تعرف باسم عملية الاندماج النووي تنطلق منها كميات هائلة من الحرارة,. وتتم بتسلسل من أخف العناصر إلي أعلاها وزنا ذريا وتعقيدا في البناء.
فشمسنا تتكون أساسا من غاز الإيدروجين الذي تندمج أنويته مع بعضها البعض لتكون غاز الهيليوم وتنطلق طاقة هائلة تبلغ عشرة ملايين درجة مئوية, ويتحكم في هذا التفاعل( بقدرة الخالق العظيم) عاملان هما زيادة نسبة غاز الهيليوم المتخلق بالتدريج, وتمدد الشمس بالارتفاع المطرد في درجة حرارة لبها, وباستمرار هذه العملية تزداد درجة الحرارة في داخل الشمس تدريجيا, وبازديادها ينتقل التفاعل إلي المرحلة التالية التي تندمج فيها نوي ذرات الهيليوم مع بعضها البعض منتجة نوي ذرات الكربون12, ثم الأوكسجين16 ثم النيون20, وهكذا.
وفي نجم عادي مثل شمسنا التي تقدر درجة حرارة سطحها بحوالي ستة آلاف درجة مئوية, وتزداد هذه الحرارة تدريجيا في اتجاه مركز الشمس حتى تصل إلي حوالي15 مليون درجة مئوية, يقدر علماء الفيزياء الفلكية أنه بتحول نصف كمية الإيدروجين الشمسي تقريبا إلي الهيليوم فإن درجة الحرارة في لب الشمس ستصل إلي مائة مليون درجة مئوية, مما يدفع بنوي ذرات الهيليوم المتخلقة إلي الاندماج في المراحل التالية من عملية الاندماج النووي مكونة عناصر أعلي في وزنها الذري مثل الكربون ومطلقة كما أعلي من الطاقة, ويقدر العلماء أنه عندما تصل درجة حرارة لب الشمس إلي ستمائة مليون درجة مئوية يتحول الكربون إلي صوديوم ومغنيسيوم ونيون, ثم تنتج عمليات الاندماج النووي التالية عناصر الألومنيوم, والسيليكون, والكبريت والفوسفور, والكلور, والأرجون, والبوتاسيوم, والكالسيوم علي التوالي, مع ارتفاع مطرد في درجة الحرارة حتى تصل إلي ألفي مليون درجة مئوية حين يتحول لب النجم إلي مجموعات التيتانيوم, والفاناديوم, والكروم, والمنجنيز والحديد( الحديد والكوبالت والنيكل) ولما كان تخليق هذه العناصر يحتاج إلي درجات حرارة مرتفعة جدا لاتتوافر إلا في مراحل خاصة من مراحل حياة النجوم تعرف باسم العماليق الحمر والعماليق العظام وهي مراحل توهج شديد في حياة النجوم, فإنها لاتتم في كل نجم من نجوم السماء, ولكن حين يتحول لب النجم إلي الحديد فانه يستهلك طاقة النجم بدلا من إضافة مزيد من الطاقة إليه, وذلك لأن نواة ذرة الحديد هي أشد نوي العناصر تماسكا, وهنا ينفجر النجم علي هيئة مايسمي باسم المستعر الأعظم من النمط الأول أو الثاني حسب الكتلة الابتدائية للنجم, وتتناثر أشلاء النجم المنفجر في صفحة السماء لتدخل في نطاق جاذبية أجرام سماوية تحتاج إلي هذا الحديد, تماما كما تصل النيازك الحديدية إلي أرضنا بملايين الأطنان في كل عام.
ولما كانت نسبة الحديد في شمسنا لاتتعدي0.0037% من كتلتها وهي أقل بكثير من نسبة الحديد في كل من الأرض والنيازك الحديدية التي تصل إليها من فسحة الكون, ولما كانت درجة حرارة لب الشمس لم تصل بعد إلي الحد الذي يمكنها من انتاج السيليكون, أو المغنيسيوم, فضلا عن الحديد, كان من البديهي استنتاج أن كلا من الأرض والشمس قد استمد ما به من حديد من مصدر خارجي عنه في فسحة الكون, وأن أرضنا حينما انفصلت عن الشمس لم تكن سوي كومة من الرماد المكون من العناصر الخفيفة, ثم رجمت هذه الكومة بوابل من النيازك الحديدية التي انطلقت إليها من السماء فاستقرت في لبها بفضل كثافتها العالية وسرعاتها الكونية فانصهرت بحرارة الاستقرار, وصهرت كومة الرماد ومايزنها إلي سبع أرضين: لب صلب علي هيئة كرة ضخمة من الحديد(90%) والنيكل(9%) وبعض العناصر الخفيفة من مثل الكبريت, والفوسفور, والكربون(1%) يليه إلي الخارج, لب سائل له نفس التركيب الكيميائي تقريبا, ويكون لب الأرض الصلب والسائل معا حوالي31% من مجموع كتلة الأرض, ويلي لب الأرض إلي الخارج وشاح الأرض المكون من ثلاثة نطق, ثم الغلاف الصخري للأرض, وهو مكون من نطاقين, وتتناقص نسبة الحديد من لب الأرض إلي الخارج باستمرار حتى تصل إلي5,6% في قشرة الأرض وهي النطاق الخارجي من غلاف الأرض الصخري.
من هنا ساد الاعتقاد بأن الحديد الموجود في الأرض والذي يشكل35,9% من كتلتها لابد وأنه قد تكون في داخل عدد من النجوم المستعرة من مثل العماليق الحمر, والعماليق العظام والتي انفجرت علي هيئة المستعرات العظام فتناثرت أشلاؤها في صفحة الكون ونزلت إلي الأرض علي هيئة وابل من النيازك الحديدية, وبذلك أصبح من الثابت علميا أن حديد الأرض قد أنزل إليها من السماء, وأن الحديد في مجموعتنا الشمسية كلها قد أنزل كذلك إليها من السماء, وهي حقيقة لم يتوصل العلماء إلي فهمها إلا في أواخر الخمسينيات, من القرن العشرين, وقد جاء ذكرها في سورة الحديد, ولايمكن لعاقل أن يتصور ورودها في القرآن الكريم الذي أنزل منذ أكثر من أربعة عشر قرنا علي نبي أمي( صلي الله عليه وسلم) وفي أمة كانت غالبيتها الساحقة من الأميين, يمكن أن يكون له من مصدر غير الله الخالق الذي أنزل هذا القرآن بعلمه, وأورد فيه مثل هذه الحقائق الكونية لتكون شاهدة إلي قيام الساعة بأن القرآن الكريم كلام الله الخالق, وأن سيدنا محمدا( صلي الله عليه وسلم) ما كان ينطق عن الهوي( إن هو إلا وحي يوحي* علمه شديد القوي.
ثانيا: البأس الشديد للحديد
الحديد عنصر فلزي عرفه القدماء, فيما عرفوا من الفلزات من مثل الذهب, والفضة, والنحاس, والرصاص, والقصدير والزئبق, وهو أكثر العناصر انتشارا في الأرض(35,9%) ويوجد أساسا في هيئة مركبات الحديد من مثل أكاسيد, وكربونات, وكبر يتيدات, وكبريتات وسيليكات ذلك العنصر, ولايوجد علي هيئة الحديد النقي إلا في النيازك الحديدية وفي جوف الأرض.
والحديد عنصر فلزي شديد البأس, وهو أكثر العناصر ثباتا وذلك لشدة تماسك مكونات النواة في ذرته التي تتكون من ستة وعشرين بروتونا, وثلاثين نيوترونا, وستة وعشرين إليكترونا, ولذلك تمتلك نواة ذرة الحديد أعلي قدر من طاقة التماسك بين جميع نوي العناصر الأخرى, ولذا فهي تحتاج إلي كميات هائلة من الطاقة لتفتيتها أو للإضافة إليها.
ويتميز الحديد وسبائكه المختلفة بين جميع العناصر والسبائك المعروفة بأعلي قدر من الخصائص المغناطيسية, والمرونة( القابلية للطرق والسحب وللتشكل) والمقاومة للحرارة ولعوامل التعرية الجوية, فالحديد لاينصهر قبل درجة1536 مئوية, ويغلي عند درجة3023 درجة مئوية تحت الضغط الجوي العادي عند سطح البحر, وتبلغ كثافة الحديد7,874 جرام للسنتيمتر المكعب عند درجة حرارة الصفر المطلق.
ثالثا: منافع الحديد للناس
للحديد منافع جمة وفوائد أساسية لجعل الأرض صالحة للعمران بتقدير من الله, ولبناء اللبنات الأساسية للحياة التي خلقها ربنا( تبارك وتعالي) فكمية الحديد الهائلة في كل من لب الأرض الصلب, ولبها السائل تلعب دورا مهما في توليد المجال المغناطيسي للأرض, وهذا المجال هو الذي يمسك بكل من الغلاف الغازي والمائي والحيوي للأرض, وغلاف الأرض الغازي يحميها من الأشعة والجسيمات الكونية ومن العديد من أشعات الشمس الضارة, ومن ملايين الأطنان من النيازك, ويساعد علي ضبط العديد من العمليات الأرضية المهمة من مثل دورة كل من الماء, والأوكسجين, وثاني أكسيد الكربون, والأوزون وغيرها من العمليات اللازمة لجعل الأرض كوكبا صالحا للعمران.
والحديد لازمة من لوازم بناء الخلية الحية في كل من النبات والحيوان والانسان إذ تدخل مركبات الحديد في تكوين المادة الخضراء في النباتات( الكلوروفيل) وهو المكون الأساسي للبلاستيدات الخضراء التي تقوم بعملية التمثيل الضوئي اللازمة لنمو النباتات, ولانتاج الأنسجة النباتية المختلفة من مثل الأوراق والأزهار, والبذور والثمار والتي عن طريقها يدخل الحديد إلي أنسجة ودماء كل من الانسان والحيوان, وعملية التمثيل الضوئي هي الوسيلة الوحيدة لتحويل طاقة الشمس إلي روابط كيميائية تختزن في أجساد جميع الكائنات الحية, وتكون مصدرا لنشاطها أثناء حياتها, وبعد تحلل أجساد تلك الكائنات بمعزل عن الهواء تتحول إلي مختلف صور الطاقة المعروفة( القش, والحطب, والفحم النباتي, والفحم الحجري, والغاز الفحمي والنفط, والغاز الطبيعي وغيرها), والحديد يدخل في تركيب بروتينات نواة الخلية الحية الموجودة في المادة الحاملة للشفرة الوراثية للخلية( الصبغيات) كما يوجد في سوائل الجسم المختلفة, وهو أحد مكونات الهيموجلوبين وهي المادة الأساسية في كرات الدم الحمراء, ويقوم الحديد بدور مهم في عملية الاحتراق الداخلي للأنسجة والتمثيل الحيوي بها. ويوجد في كل من الكبد, والطحال والكلي, والعضلات والنخاع الأحمر, ويحتاج الكائن الحي إلي قدر محدد من الحديد إذا نقص تعرض للكثير من الأمراض التي أوضحها فقر الدم والحديد عصب الصناعات المدنية والعسكرية فلا تكاد صناعة معدنية أن تقوم في غيبة الحديد.
العلاقة بين رقم سورة الحديد في المصحف الشريف ورقم الآية في السورة بكل من الوزن الذري والعدد الذري للحديد علي التوالي
للحديد ثلاثة نظائر يقدر وزنها الذري بحوالي57,56,54 ولكن أكثرها انتشارا هو النظير الذي يحمل الوزن الذري56(55,847).
ومن الغريب أن رقم سورة الحديد في المصحف الشريف هو57, وهو يتفق مع الوزن الذري لأحد نظائر الحديد, ولكن القرآن الكريم يخاطب المصطفي( صلي الله عليه وسلم) في سورة الحجر بقول الحق( تبارك وتعالي):
ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم( الحجر:87)
وواضح من هذه الآية الكريمة أن القرآن الكريم بنصه يفصل فاتحة الكتاب عن بقية القرآن الكريم, وبذلك يصبح رقم سورة الحديد(56) وهو الوزن الذري لأكثر نظائر الحديد شيوعا في الأرض, كذلك وصف سورة الفاتحة بالسبع المثاني وآياتها ست يؤكد أن البسملة آية منها( ومن كل سورة من سور القرآن الكريم ذكرت في مقدمتها, وقد ذكرت في مقدمة كل سور القرآن الكريم ماعدا سورة( التوبة) وعلي ذلك فإذا أضفنا البسملة في مطلع سورة الحديد إلي رقم آية الحديد وهو(25) أصبح رقم الآية(26) وهو نفس العدد الذري للحديد, ولايمكن أن يكون هذا التوافق الدقيق قد جاء بمحض المصادفة لأنها لايمكن أن تؤدي إلي هذا التوافق المبهر في دقته, وصدق الله العظيم الذي قال في وصفه للقرآن الكريم.
لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفي بالله شهيدا* (النساء:166)
وقوله تعالي (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا )(النساء82)
المصدر : بحث علمي للدكتور زغلول النجار على شبكة الإنترنت
عمروعبده 22-02-2011, 06:29 AM المبدأ الأساسي في دراسة الكون
المبدأ الأساسي في دراسة الكون
قال تعالى : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (العنكبوت:20) .
و هذه الآية الكريمة تشير في إيجاز جامع إلى ما يلي :
ـ السير في الأرض سوف يدلنا على بداية الخلق .
ـ التعبير القرآني بالسير في الأرض يشير إلى البحث في الطبقات الجيولوجية للأرض لنتعرف على نشأة الأرض ونشأة المملكة النباتية والحيوانية بها بل وعلى الجيولوجيـا يعتمد على مبـدأ الجيولوجي هاتـون الذي قرر في القرن الثاني عشر أن :
" الحاضر مفتاح الماضي " : لأن البحث في صخور الأرض يمكننا من عمل نتيجة زمنية تبين مقياس الحقب الجيولوجية القديمة، وحصل هاتون على لقب لورد لإعلانه هذا المبدأ العلمي الذي أشارت إليه آية العنكبوت 20، قبل نشأة الجيولوجيا بأكثر من ألف عام .
قال تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) (العنكبوت:19).
قال تعالى : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (العنكبوت:20) .
المصدر:
كتاب الكون والإعجاز العلمي في القرِآن د. منصور حسب النبي
عمروعبده 22-02-2011, 06:54 AM خلق الكون من العدم والانفجار الكوني الكبير
خلق الكون من العدم والانفجار الكوني الكبير
في حلتها القياسية، تفترض نظرية الانفجار الكبير أن كل أجزاء الكون بدأت بالتمدد آنياً، ولكن كيف استطاعت كل الأجزاء المختلفة للكون أن تتواقت في بداية تمددها ؟ من الذي أعطى ذلك الأمر ؟
أندري ليندي أستاذ علم الكون [1]
قبل قرن مضى كان خلق الكون مفهوماً غامضاً ومهملاً لدى الفلكيين، والسبب في ذلك هو القبول العام لفكرة أن الكون أزلي في القدم وموجود منذ زمن لا نهائي وبفحص الكون افترض العلماء أنه كان مزيجاً من مادة ما ويظن أنها لم تكن ذات بداية، كما أنه لا توجد لحظة خلق . تلك اللحظة التي أتى فيها الكون وكل شيء للوجود .
تتلاءم هذه الفكرة وهي " سرمدية الوجود " تماماً مع الأفكار الأوربية المقتبسة من الفلسفة المادية، وهذه الفلسفة نمت وتقدمت أصلاً في العالم الإغريقي القديم .
و تضمنت أن المادة كانت الشيء الوحيد الموجود في الكون، وأن الكون وجد في الزمن اللانهائي، وسوف يبقى إلى الأبد.
هذه الفلسفة عاشت في أشكال مختلفة خلال الأزمنة الرومانية، لكن في فترة الإمبراطورية الرومانية القريبة والعصور الوسطى صارت المادية تنحدر نتيجة تأثير الكنيسة الكاثوليكية والفلسفة المسيحية علي يد رينايسانس ثم بدأت تجد قبولاً واسعاً بين علماء أوروبا ومثقفيها، وكان سبب ذلك الاتساع هو الحب الشديد للفلسفة الإغريقية القديمة .
ثم ما لبث الفيلسوف ( إيمانويل كانت ) في عصر النهضة الأوربية أن أعاد مزاعم المادية ودافع عنها، وأعلن ( كانت ) أن الكون موجود في كل الأزمان، وأن كل احتمالية ( إن كانت موجودة ) فسوف ينظر إليها على أنها ممكنة .
و استمر أتباع ( كانت ) في الدفاع عن فكرته في أن الكون لا نهائي ومتماشٍ مع النظرية المادية، ومع بداية القرن التاسع عشر صارت فكرة أزلية الكون وعدم وجود لحظة لبدايته مقبولة بشكل واسع، وتم نقل تلك الفكرة إلى القرن العشرين من خلال أعمال الماديين الجدليين من أمثال ( كارل ماركس) و( فريدريك أنجلز ) .
تتلاءم هذه الفكرة عن الكون اللامتناهي تماماً مع الإلحاد، وليس من الصعب معرفة السبب لأن فكرة أن للكون بداية تقتضي أنه مخلوق، وطبعاً هذا يتطلب الإقرار بوجود خالق وهو الله، لذلك كان من المريح جداً وأكثر سلامة بأن يدار العرض بطريقة خادعة فتوضع أولاً فكرة أن " الكون موجود سرمدي " حتى ولو لم يكن هناك قاعدة علمية ولو كانت ضعيفة لتأكيد تلك الفكرة .
أعتنق ( جورج بوليتزر ) تلك الفكرة ودافع عنها في كتبة المنشورة في أوائل القرن العشرين، وكان النصير الغيور لكلا النظريتين الماركسية والمادية، وآمن بفكرة الكون اللامتناهي وعارض بولتزر فكرة الخلق في كتابه " المبادئ الأساسية في الفلسفة " حيث كتب :
" الكون ليس شيئاً مخلوقاً، فإذا كان كذلك فهذا يقتضي أنه خلق في لحظة ما من قبل إله، وبالتالي ظهر إلى الوجود من لا شيء، ولقبول الخلق يجب على الإنسان أن يقبل في المقام الأول أنه كانت توجد لحظة لم يكن فيها الكون موجوداً، ثم انبثق شيء من العدم، وهذا أمر لا يمكن للعلم أن يقبل به" .
كان بوليتزر يتصور أن العلم يقف إلى جانبه في رفضه لفكرة الخلق ودفاعه عن فكرة الكون السرمدي، بيد أنه لم يمض زمن طويل حتى أثبت العلم الحقيقة التي افترضها بوليتزر بقوله " .. وإذا كان الأمر كذلك فإنه ينبغي القبول بفكرة الخالق .." بمعنى أنه أثبت حقيقة أن للكون بداية .
تمدد الكون واكتشاف الانفجار الكبير :
كانت الأعوام التي تلت 1920هامة في تطور علم الفلك الحديث، ففي عام 1922 كشف الفيزيائي الروسي ألكسندر فريدمان حسابات بين فيها أن تركيب الكون ليس ساكناً . حتى أن أصغر اندفاع فيه ربما كان كافياً ليسبب تمدد التركيب بأكمله أو لتقلصه وذلك طبقاً لنظرية أينشتاين في النسبية .
وكان جروج لوميتر أول من أدرك أهمية الأعمال التي كان فريدمان يقوم بها وبناء على تلك الحسابات أعلن الفلكي البلجيكي لوميتر أن للكون بداية، وأنه في تمدد متواصل، وصرح أيضاً أن معدل الإشعاع يمكن استخدامه كمقياس عقب حدوث ذلك الشيء .
لم تحض التأملات النظرية لهذين العالمين في تلك الفترة باهتمام يذكر، غير أن الأدلة التي نتجت عن الملاحظات العلمية في عام 1929كان لها وقع الصاعقة في دنيا العلم، ففي ذلك العام توصل الفكي الأمريكي الذي يعمل في مرصد جبل ويلسون في كاليفورنيا إلى واحد من أعظم الاكتشافات في تاريخ علم الفلك .
فمن رصد لعدد من النجوم من خلال تلسكوبه العملاق اكتشف أن ضوءها كان منحرفاً نحو الطرف الأحمر من الطيف وبشكل حاسم، وأن ذلك الانحراف كان مرتبطاً مباشرة مع بعد النجوم عن الأرض، وهذا الاكتشاف هز قواعد المفهوم الذي كان شائعاً للكون .
وفق القوانين الفيزيائية المميّزة إن أطياف الحزم الضوئية المسافرة نحو نقطة الرصد تميل نحو الطرف البنفسجي من الطيف، بينما أطياف حزم الضوء المسافرة بعيداً عن نقطة الرصد تميل نحو الأحمر، تماماً مثل صوت صفارة القطار أثناء حركته بعيداً عن الرصد فإن ذلك الصوت يكون خشناً غليظاً أما إذا كان القطار مقترباً فإن الصوت المسموع يكون حاداً ورفيعاً .
و قد أظهرت أرصاد هابل وفق هذا المبدأ أن الأجرام السماوية تتحرك بعيداً عنا، وبعد فترة وجيزة توصل هابل إلى اكتشاف آخر مهم، وهو أن النجوم لم تكن تتباعد عن الأرض بل كانت تتباعد عن بعضها البعض أيضاً، والاستنتاج الوحيد لتلك الظاهرة هو أن كل شيء في الكون يتحرك بعيداً عن كل شيء فيه، وبالتالي فالكون يتمدد بانتظام وتؤدة .
و جد هابل دليلاً رصدياً لشيء ما كان جورج لوميتر تنبأ به قبل فترة قصيرة من الزمن، وأحد أعظم عقول عصرنا كان قد ميز ذلك الأمر قبل خمس عشرة سنة بعده، ففي عام 1915 استنتج العالم ألبرت أنشتاين أن الكون لا يمكن أن يكون ساكناً لأن حساباته المبنية على نظريته المكتشفة حديثاً وهي النسبية تشير إلى ذلك …
( وهكذا تحققت استنتاجات فريدمان ولوميتر) ولقد صدم أنيشتاين ذاته باكتشافاته فأضاف ثابتاً كونياً لمعادلاته لكي يجعل إجاباتها الناتجة عنها صحيحة، لأن الفلكيين أكدوا له أن الكون ثابت وأنه لا توجد طريقة أخرى لجعل معادلاته تتطابق مع مثل ذلك النموذج، وبعد سنوات اعترف أنيشتاين أن ذلك الثابت الكوني الذي أضافه كان أكبر خطأ ارتكبه في أعماله .
لقد قاد اكتشاف هابل لحقيقة الكون المتمدد لانبثاق نموذج آخر كان ضرورياً لكي لا يكون هناك عبث، ولكي يجعل نتائج معادلاته صحيحة، فإذا كان الكون يتضخم ويكبر مع مرور الوقت فهذا يعني أن العودة إلى الخلف تقودنا نحو كون أصغر، ثم إذا عدنا إلى الخلف أكثر ( لمدى بعيد )، فإن كل شيء سوف ينكمش ويتقارب نحو نقطة واحدة، والنتيجة الممكن التوصل إليها من ذلك هو أنه في وقت ما كانت كل مادة الكون مضغوطة في كتلة نقطية واحدة لها حجم صفر بسبب قوة النقطية ذات الحجم الصفر، وهذا الانفجار الذي وقع سمي بالانفجار الكبير .
توجد حقيقة أخرى مهمة تكشفها نظرية الانفجار الكبير، فلكي نقول أن شيئاً ما له حجم صفر فهذا يكافئ القول بأنه لم يكن هناك شيء، وأن كل الكون خلق من ذلك اللاشيء، والأكثر من ذلك أن للكون بداية وهذا عكس ما ذهبت إليه المادية من أن الكون لا أول له ولا آخر .
فرضية الحالة الثابتة :
سرعان ما اكتسبت نظرية الانفجار الكبير قبولاً واسعاً في الأوساط العلمية بسبب الدليل الواضح القاطع لها، ومع ذلك فإن الفلكيين الذين فضوا المادية وتشيعوا لفكرة الكون اللامتناهي والتي يبدو أن المادية تقر بها، صاروا يحملون على الانفجار الكبير ويناضلون ضدها ليدعموا العقيدة الأساسية لمذهبهم الفكرية ( الإيديولوجية ) .
و السبب أوضحه الفلكي الإنكليزي آرثر أدينغتون الذي قال : " فلسفياً : إن فكرة البداية المفاجئة ( المكتشفة ) في النظام الحالي للطبيعة هي بغيضة لي "
فلكي آخر عارض نظرية الانفجار الكبير هو فريد هويل، ففي منتصف القرن العشرين أتى هذا الفلكي ينموذج جديد ودعاه بالحالة الثابتة، وكان امتداداً لفكرة المتضمن أن الكون يتمدد، فافترض هويل وفق هذا النموذج أن الكون كان لامتناه في البعد والزمن، وأثناء التمدد تنبثق فيه مادة جديدة باستمرار من تلقاء نفسها بكمية مضبوطة تجعل الكون في حالة ثابتة . وواضح أن هدفه كان دعم عقيدة وجود المادة في زمن لامتناه والتي هي أساس فلسفة الماديين، وهذه النظرية كانت على خلاف كلي مع نظرية الانفجار الكبير، والتي تدافع عن أن للكون بداية، والذين دعموا نظرية هويل في ثبات الحالة ظلوا يعارضون بصلابة الانفجار الكبير لسنوات عديدة، ومع ذلك فالعلم كان يعمل ضدهم .
انتصار الانفجار الكبير :
في عام 1948 طور العالم جورج كاموف حسابات جورج لوميتر عدة مراحل لأمام وتوصل إلى فكرة جديدة تتعلق بالانفجار الكبير، مفادها أنه إذا كان الكون قد تشكل فجأة فإن الانفجار كان عظيماً ويفترض أن تكون هناك كمية قليلة محددة من الإشعاع تخلفت عن هذا الانفجار والأكثر من ذلك يجب أن يكون متجانساً عبر الكون كله .
خلال عقدين من الزمن كان هناك برهان رصدي قريب لحدس عاموف، ففي عام 1965 قام باحثان هما آرنوبنزياس وروبرت ويلسون بإجراء تجربة تتعلق بالاتصال اللاسلكي وبالصدفة عثر على نوع من الإشعاع لم يلاحظه أحد قبل ذلك وحتى الآن، وسمي ذلك بالإشعاع الخلفي الكوني، وهو لا يشبه أي شيء ويأتي من كل مكان من الكون وتلك صفة غريبة لا طبيعية، فهو لم يكن موجوداً في مكان محدد.
و بدلاً من ذلك كان متوزعاً بالتساوي في كل مكان، وعرف فيما بعد أن ذلك الإشعاع هو صدى الانفجار الكبير، والذي مازال يتردد منذ اللحظات الأولى لذلك الانفجار الكبير .
و بحث غاموف عن تردد ذلك الإشعاع فوجد أنه قريب وله القمية نفسها التي تنبأ بها العلماء، ومنح بنزياس وويلسون جائزة نوبل لاكتشافهم هذا .
في عام 1989 أرسل جورج سموت وفريق عمله في ناسا تابعاً اصطناعياً للفضاء، وسموه مستكشف الإشعاع الخلفي الكوني (cobe) وكانت ثمانية دقائق كافية للتأكد من النتائج التي توصل إليها ك لمن بنزياس وويلسون، وتلك النتائج النهائية الحاسمة قررت وجود شيء ما له شكل كثيف وساخن بقي من الانفجار الذي أتى منه الكون إلى الوجود، وقد قرر العلماء أن ذلك التابع استطاع التقاط وأسر بقايا الانفجار الكبير بنجاح .
و إلى جانب نظرية الانفجار الكبير فثمة دليل آخر مهم يتمثل في كمية غازي الهيدروجين والهليوم في الكون . فقد أشارت الأرصاد أن مزج هذين العنصرين في الكون أتى مطابقاً للحسابات النظرية لما يمكن أن يكون قد بقي منهما بعد الانفجار الكبير، مما أدى لدق إسفين قي قلب نظرية الحالة الثابتة، لأن إذا كان الكون موجوداً وخالداً ولم يكن له بداية فمعنى ذلك أن كل غاز الهيدروجين يجب أن يكون قد احترق وتحول إلى غاز الهليوم .
و بفضل جميع هذه الأدلة كسبت نظرية الانفجار الكبير القبول شبه الكامل من قبل الأوساط العلمية . وفي مقالة صدرت في عام ( 1994) في مجلة ( الأمريكية العلمية ) ذكر أن نموذج الانفجار الكبير هو الوحيد القادر على تعليل تمدد الكون بانتظام، كما أنه يفسر النتائج المشاهدة .
كان دفاع (دنيس سياما) عن نظرية الحالة الثابتة طويلاً مؤيداً في ذلك فريد هويل لكنه عندما واجه دليل الانفجار الكبير وصف ذلك المأزق بقوله : " في البداية كان لي موقف مع هويل لكن عندما بدأ الدليل بالتعاظم كان يجب عليّ أن أقبل بأن المباراة انتهت وأن نظرية الحالة الثابتة يجب أن تلغي " 5
من الذي خلق الكون من لا شيء :
بانتصار الانفجار الكبير فإن دعوى الكون اللامتناهي الذي يشكل أساس العقيدة المادية أصبحت في مهب الريح، لكن الماديين أثاروا سؤالين اثنين وكانا غير ملائمين وهما ماذا كان يوجد قبل الانفجار الكبير ؟ وما هي القوة التي سببت الانفجار الأعظم الذي وقع في الكون ولم تكن موجودة قبلاً؟
ماديون آخرون مثل آرثر أدنيغتون أدركوا أن الإجابات على مثل تلك الأسئلة تشير إلى وجود خالق أسمى وهم لا يحبون ذلك . وقد علق الفيلسوف الملحد ( أنطوني فلو) على تلك النقطة بقوله :
" الاعتراض جيد للروح وهذا قول مشهور لذلك سأبدأ بالاعتراف بأنه على الملحد مهما كانت طبقته أن يرتبك من هذا التوافق العلمي الكوني المعاصر، لأنه على ما يبدو أن علماء الكون اليوم يقدمون برهاناً علمياً لما ناضل من أجله ( السيرتوماس ) ولم يستطع البرهان عليه فلسفياً، وبالتحديد الاسمى هو أن للكون بداية، وطالماً أن الفكرية مريحة في عدم وجود بداية أو نهاية للكون .
فيبقى هذا الأمر بشكله الوحشي أسهل للمناقشة، ومهما كانت مظاهر الأساسية فيجب قبولها على أنها قمة التفسيرات، ومع اعتقادي بأن فكرة أن للكون بداية ستبقى صحيحة مع ذلك فهي ليست سهلة ولا مريحة، ونحن بالتأكيد سنحافظ على موقفنا في مواجهة قصة الانفجار الكبير " 6
كثيرون هم العلماء الذين لا يجبرون أنفسهم على أن يقبلوا وجود خالق له قدرة لا نهائية فمثلاً عالم الفيزياء الفلكي الأمريكي (هيوج روس ) يفترض وجود خالق للكون، وهذا الخالق هو فوق كل الأبعاد الفيزيائية وهنا يقول (روس ) مايلي :
" بالتعريف : الزمن هو البعد الذي تحدث فيه ظواهر السبب والتأثير، وأنه بدون زمن لا يوجد سبب وتأثير، وإذا كانت بداية الكون كما تقول نظرية الفضاء والزمن عندئذ يكون سبب الكون هو كينونة عملت في بعد زمني مستقل تماماً ويسبق وجود هذا البعد الزمني للكون .. وهذا يخبرنا بأن بالخالق متعال وخلف نطاق الخبرة والمعرفة، ويعمل من خلف الحدود البعيدة للكون، كما يخبرنا أن الله ليس هو الكون ذاته ولا هو محتوى ضمن الكون "
الاعتراضات على الخلق وفشلها :
من الواضح والمؤكد أن الانفجار الكبير تعني أن خلق الكون كان من لاشيء، وهذا بالتأكيد دليل الخلق المقصود، ومع الأخذ بالحسبان هذه الحقيقة فإن بعض الفلكيين الماديين والفيزيائيين حاول تقديم تفسيرات بديلة ليعارضها، وقد صيغ قول عن نظرية الحالة الثابتة ليدل على صلابتها وتماسكها، وكان ذلك من قبل هؤلاء الذين لم يكونوا مرتاحين لفكرة الخلق من العدم، وهذا القول يتضمن كل الأدلة المناقضة وذلك في محاولة لدعم فلسفتهم المادية .
يوجد عدد من النماذج الأخرى طورها ماديون قبلوا بنظرية الانفجار الكبير، لكنهم حاولوا إبعادها من فكرة الخلق، وأحد تلك النماذج هو "الكون ذو النموذج الكوانتي "، ولنتفحص هذه النظريات ولنفهم لماذا هي غير صالحة ؟.
نموذج الكون الهزاز : طور هذا النموذج من قبل الفلكيين الذين لم تعجبهم فكرة أن الانفجار الكبير كانت بداية الكون، ويقضي ذلك النموذج بأن التمدد الحالي للكون سوف ينعكس أخيراً عند نقطة معينة ويبدأ بالانكماش والتقلص . وهذا الانكماش سوف يسبب انهيار واندماجاً لكل شيء في نقطة واحدة ،ومن ثم تعود تلك النقطة لتنفجر ثانية مستهلة جولة جديدة من التمدد، وكما يقولون فهذه العلمية تتكرر بشكل لا محدود مع الزمن، ويفترض هذا النموذج أن الكون عانى لغاية الآن هذا التحول عدداً لا نهائياَ من المرات، وأن تلك العملية سوف تستمر إلى الأبد، وبكلمة أخرى سيقى الكون سرمدياً خالداً رغم أنه يتمدد وينهار خلال فواصل زمنية مختلفة مع حدوث انفجار هائل يختم كل دورة، والكون الذي نحن فيه هو واحد فقط من هذه الأكوان اللانهائية والتي تمر عبر الدورة نفسها .
هذا لا شيء لكنه محاولة واهنة غير مجدية كي يجعلوا حقيقة الانفجار الكبير تتلاءم مع أفكارهم حول الكون اللانهائية والتي تمر عبر الدورة نفسها .
هذا لا شيء لكنه محاولة واهنة غير مجدية كي يجعلوا حقيقة الانفجار الكبير تتلاءم مع أفكارهم حول الكون اللامتناهي، وهذا السيناريوا المقترح من قبلهم لم يتم دعمه بنتائج الأبحاث العلمية التي جرت خلال الـ15 ـ 20 مضت والتي تشير إلى أنه ليس من الممكن لفكرة الكون الهزاز أن تظهر للوجود، والأبعد من ذلك هو أن قوانين الفيزياء لا تقدم أي سبب معقول يدعو لانفجار الكون المتقلص ثانية بعد انهياره في نقطة واحدة ؟ ولماذا لا يجب أن يبقى على ما هو عليه بالضبط بعد الانهيار ؟ كما أنهم لم يقدموا أي تفسير أو سبب يوضح لماذا يجب على الكون أن يبدأ بالتقلص في المكان نفسه .
حتى إذا قبلنا بذلك فإنه يوجد بعض من الآليات والتي تقوم بعملها خلال دورة الانكماش والانفجار والتمدد وهي غير واضحة في هذا النموذج والنقطة الحاسمة في تلك الدورة هو أنها لا تستطيع الاستمرار إلى الأبد كما يتطلبه هذا النموذج، فقد بينت الحسابات وفقه بأن الكون بأسره سوف ينقل كمية من الأنتروبي إلى وريثه، وبكلمات أخرى فأن كمية الطاقة المفيدة ستصبح أقل من كل مرة، وسيكون كل فتح تالٍ للكون ( الانفجار) أكثر بطأً ومن نقطة أكبر قطراً، وهذا سيولد كوناً أصغر ثم تبدأ المرحلة التالية ... وهكذا، وأخيراً يتلاشى في اللاشيء وحتى لو كانت الأكوان المفتوحة أو المغلقة تستطيع أن تكون موجودة، فإنهم غير قادرين على التحمل حتى يصلوا إلى الخلود والسرمدية، وعند نقطة ما يصبح من الضرورة أن يخلق الشيء من لا شيء 9و هكذا يمكننا القول باختصار ما يلي : إن نموذج الكون الهزاز هو مجرد خيال جامح لا أمل فيه، وحقيقته الفيزيائية غير ممكنة .
النموذج الكوانتي للكون :
هو محاولة أخرى لتنظيف الانفجار الكبير من متطلبات التخلقية وتخليصها من حقيقة الخلق، وقد بنى الداعمون لهذا النموذج محاولتهم تلك على المشاهدات الكوانتية للفيزياء ما دون الذرية، ففي الفيزياء الكوانتية تمت مشاهدة جسيمات ما دون ذرية وهي تظهر وتختفي تلقائياً في الخلاء، وتعليل تلك المشاهدة هو أن المادة تنشأ عند سوية كوانتية مميزة تخص المادة وتلائمها، وقد حاول بعض الفيزيائيين تفسير أصل المادة من العدم خلال خلق الكون بطريقة مماثلة وعلى أنها حالة مميزة وتخص المادة، وتمثيلها على أنها جزء من قوانين الطبيعة ،ووفق هذا النموذج يفسر كوننا على أنه جسيم ما دون ذري لكنه أكبر حجماً على كل حال هذا القياس المنطقي بالتحديد هو خارج موضوع السؤال، وفي أية حالة لم ينجح هذا النموذج في تفسير كيف أتى الكون إلى الوجود، والكاتب ( وليام كرايج ) مؤلف كتاب " الانفجار الكبير، الإيمان والإلحاد " (The big bang:Theism and Atheism) يفسر ذلك بقوله :
" الخلاء الكوانتي الميكانيكي والذي يقصد به الخلاء الذي يتم فيه توليد الجسيمات المادية هو معنى بعيد عن الفكرة العادية للخلاء ( والذي يعني هنا اللاشيء ) . والأغلب أن الخلاء الكوانتي هو بحر لتشكل وانحلال مستمر للجسيمات والتي تستعير بدورها طاقة منه لتنجز وجودها الكوني المختصر، وطبعاً هذا ليس ( لا شيء ) وبالتالي فالجسيمات المادية لا تأتي إلى الوجود من لا شيء .
إذن في الفيزياء الكوانتية لا توجد المادة إذا لم تكن موجودة قبلاً، وما يحدث هو أن طاقة مختفية تصبح فجأة مادة وكما اختفت تلك الطاقة فجأة تعود طاقة ثانية وهكذا، وباختصار لا يوجد شرط " للوجود من العدم " كما هو مطلوب وفق هذا النموذج.
قال تعالى : (َأولَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) (الانبياء:30) .
قال تعالى : (قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (الزمر:46) .
المرجع كتاب خلق الكون تأليف هارون يحيى .
عمروعبده 22-02-2011, 07:13 AM جمع الشمس و القمر
جمع الشمس و القمر
قال تعالى ( فإذا برق البصر ، و خسف القمر و جمع الشمس و القمر) القيامة 7ـ9 .
هذه الآيات تعبر عن نزع الإنسان من هول علامة من علامات تدمير الكون ، فجمع الشمس و القمر أصبح حقيقة علمية الآن ، لأنه ثبت بقياسات دقيقة للغاية أن القمر ( الذي يبعد عنا في المتوسط حوالي 400 ألف كم ) يتباعد عنا بطريقة مستمرة بمعدل ثلاثة سنتيمترات في السنة ن هذا التباعد سيدخل القمر وقت من الأوقات في نطاق جاذبية الشمس فتبتلعه الشمس ، و هذا من التنبؤات العلمية المبنية على استقراءات كونية و حسابات فلكية دقيقة ، فالقمر يستمر بتباعده عن الأرض لابد و أن يؤدي به هذا التباعد في يوم من الأيام إلى أن تبتلعه الشمس ، و لكن متى سيتم ذلك ؟ هذا في علم الله .
المصدر :
من آيات الإعجاز في القرآن الكريم الدكتور زغلول النجار
عمروعبده 22-02-2011, 07:19 AM سنة الأزواج في الخلق
و من كلٍ خلقنا زوجين
قال تعالى : ( سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ )[سورة يس : 36].
مع أن مفهوم الأزواج يراد به عادة الذكر و الأنثى ، إلا أن عبارة " و مما لا يعلمون " لها دلالات أوسع من ذلك ، و قد كشفت إحدى هذه الدلالات في أيامنا هذه ، فقد نال العالم البريطاني بول ديراك جائزة نوبل في الفيزياء عام 1933 م على إثر طرح نظرية كون المادة مخلوقة بشكل ثنائي . هذا الاكتشاف الذي سمي " التكافؤ" أو " الثماثل " يثبت أن المادة "Matter" تكون ثنائية مع ضدها الذي يسمى ( ضد المادة ) " anti matter" مثال على ذلك فإن الإلكترون في ضد المادة تحمل شحنة موجبة بينما تحمل بروتونات " ضد المادة " شحنة سالبة .
هذه الحقيقة مذكورة في أحد المراجع العلمية على الشكل الآتي :
يوجد لكل جزء من الأجزاء دون الذرة نقيض لها يحمل شحنة معاكسة لشحنتها ، وحسب " مبدأ الريبة "uncertainty" فإن الخلق المزدوج و الاضمحلال المزدوج يحصلان في الفراغ على الدوام و في جميع الأمكنة [1]
عمروعبده 22-02-2011, 07:25 AM وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ
العروج في السماء
قال تعالى: (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) (الحجر:14،15).
العلم التجريبي يؤكد على أن هناك طبقة من النور حول الأرض هي طبقة لا تتعدى 200 كم، و هي في النصف المواجه للشمس ، وإن باقي الكون ظلام دامس، وعندما يتخطى الإنسان هذه الطبقة فإنه يرى ظلام دامس .
و لما تخطى أحد رواد الفضاء الأمريكيون هذه الطبقة لأول مرة عبر عن شعوره في تلك اللحظة فقال:
" I have almost lost my eye sight or something magic has come over me.
" كأني فقدت بصري ، أو اعتراني شيء من السحر" .
و هو تماماً تفسير لقوله تعالى : " لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قومٌ مسحورون ".
أما قوله تعالى " و لو فتحنا عليهم باباً" و الباب لا يفتح في فراغ أبدا ، و القرآن يؤكد أن السماء بناء أي أن السماء بناء مؤلف من لبنات أي لا فراغ فيها .
يقول علماء الفلك : إنه لحظة الانفجار العظيم امتلأ الكون بالمادة و الطاقة، فخلقت المادة والطاقة كما خلق المكان و الزمان، أي لا يوجد زمان بغير مكان و مكان بغير زمان و لا يوجد زمان و مكان بغير مادة و طاقة ، فالطاقة تملأ هذا الكون .
" يعرجون " أي السير بشكل متعرج، و قد جاء العلم ليؤكد أنه لا يمكن الحركة في الكون في خط مستقيم أبداً، وإنما في خط متعرج .
المصدر : من آيات الإعجاز في القرآن الكريم الدكتور زغلول النجار
عمروعبده 22-02-2011, 07:42 AM الكون شاهد على وجود الله تعالى
الكون شاهد على وجود الله
قال الله تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) (سورة البقرة).
لقد قدّر الله سبحانه و تعالى كل شيء في وجوده الأزلي، فكتب في اللوح المحفوظ، من قبل الخلق، وبأول مخلوقاته "القلم" ، مصير كل هذا الكون وما يحويه من إنس وجان، حي وجماد، ظاهر ومخفي، مخلوق سماوي أو أرضي، مطيع كان أم عاصي، وهكذا فقد سنّ سننّا و بعث أنبياء و رسلاّ مبشّرين و منذّرين، يذكّرون الخلق غاية وجودهم و حجّة خالقهم عليهم، محتجّين بعظمته وحكمته فيما خلق بدلائل قدرّته، مبلّغين إياهم أنها دار عمل و كّد وما بعدها دار نعيم أو نكد. فمنهم من آمن بما جاءه من عند الله ومنهم من أخذته العزّة بالإثم فأضحوا جنّدا من جنود الشيطان يعيثون في سنن ربهم فساداً فحق عليهم قول خالقهم فأخذهم العذاب بغتة فكان مصيرهم التراب يعرضون على النار صباحاً و عشياً لا يسمع عذابهم إلا البهائم فساء ما كانوا يعملون فهكذا كانت سنّة الحكيم - سبحانه - في بعثه لرسلّه موافقة تماماً لسنن الكون نفسه، فلما كان آل فرعون قوم سحّر وقوّة وجبروت بعث إليهم بموسى - عليه السلام- بقوة بدنه و معجزّاته التي أبطلت ما كانوا يفعلون، وكذا أيضا بعث النبيّ سليمان في قوم قد ملئت الملوك أرضهم فسخّر الله بحكمته ملكّا لسليمان يمتدّ من أدنى الأرض إلى المكان الذي حلّق فيه الهدهد فكان من الصادقين. وهكذا فلو اتبعنا و تأملنا بما جاء به الرسل إلى أقوامهم لوجدناها تلائم عصر تواجدها وتوافق حياة وأفكار هذه الأمم، فكانت معجزّة كلّ نبيّ مرسل تدحض ما كان يعصي القوم الله به وكانت في الوقت نفسه تبهر وتعجز قوة الأقوام أنفسهم.
فلهذا جاءت معجزة القرآن -الكريم- وفقا للسنّة نفسها ، فلمّا كتب الله عزّ وجلّ أن الأرض يرثها عباده الصالحون اللذين أصلح بالهم بالقرآن كان ذلك بمثابة الهديّ الذي ينبغي على البشر الإقتداء به مهما طالت بهم العصور و مهما اختلفت أمكنتهم و بلغوا من علمهم الدنيوّي مبلغاً عظيماً كما هو الشأن في عالمنا اليوم. وهكذا ووفقاً لسنّة البعث نفسها فإن الدارس والمتدبر في آخر معجزة لآخر الأنبياء والرسّل، صلّوات الله عليه، يجدها قد أبهرت وأعجزت أقواماً قد عمّرت طيلة أربعة عشر قرناً من الزمن. فإذا كانت قريش قد أقرّت بعجزها وعجز لسانها أمام ما جاء به القرآن بلسان عربي، فهل تقرّ الإنسانية في عصرنا هذا عن عجز علمها النظري و التجريبي أمام ما جاء به الفرقان ؟! و هل سيدركون أن الله - سبحانه- وحده دون غيره كان قبل خلق المكان وسيعيد كل شيء إلى ما كان عليه المكان قبل خلق المكان؟! فهكذا أراد لحكمته وسنّته أن تكون، فقد خلق الأسباب والمسبّبات والمسبب له وخلق النتائج سبحّانه له في خلقه شؤون.
ولكن دعونا نتأمل الآن فيما أعجز القرآن عمّا عجز الإنسان عن فهمه، تفسيره واكتشافه، وعلى سبيل المثال -لا على سبيل الحصر- سنحاول أن نسوق بعض الأمثلة نبيّن لغيرنا من خلالها أنه الحق من ربنا، أمثلة قلت تجعل القرآن معجزة دائمة على دهر العصور الغابرة وعلى طول الأزمنة القادمة إلى أن يرث الله الكون و ما فيه والأرض ومن عليها.
لقد كان يعتقد علماء الفلك القدامى أن الكون وأبعاده ما هو إلا مجموعة محدودة من كواكب سيارة تدور بشكل منتظم حول الشمس، لكن الاكتشافات التي جاءت إثر ظهور الثورة العلمية في مطلع القرن العشرين قد أثبتت أن الكون أبعاده ابعد من ذلك ! فالمجموعة الشمسية ما هي إلاّ جزئ ضئيل من مجرّتنا أمام كم هائل من المجرّات الأخرى، و تستمر الاكتشافات لتذهل عقولنا المحدودة و تخبرنا بأنّ هناك مئات من "عناقيد المجرّات" كل عنقود يحوي آلاف من " أكوام المجرّات" و كل كومة قد تحوي عشرات الآلاف من "المجرّات" و كل مجرّة متكونة من غازات تقارب درجة حرارتها المئة مليون درجة مئوية، كما تحوي ملايين الأجرّام السماويّة ومن مجموعات شمسية أخرى قد تكون شمسنا هذه أصغر الشموس فيها ! و بعبارة إحصائية و لكي يتسنى لنا تخيل مدى عظمة هذا الكون وعظمة خالقه: فإن نسبة كوكبنا الأرضي إلى نسبة كل الكون كنسبة نقطة من حرف أبجدي في مكتبة تحوي مليون مجلّد كلّ مجلّد يحوي ألف صفحة !! و بالحساب التقريبي فإنه يوجد في الكون ما بين ١٠٠ و ١٠٠٠ مليار مجرّة و كل واحدة منها تحوي ما بين ٢٠٠ و ٥٠٠ مليار من النجوم يتراوح حجم النجم الواحد ما بين العشر(بضمّ العين) و العشرة أضعاف من حجم الشمس. فإذا قمنا بعملية حسابية بسيطة وقسّمنا مثلا عدد كل المجرّات على كل البشر في هذه المعمورة فإن كل إنسان على وجه الأرض سيتحصل تقريباً على مئة مجرّة !!
سبحان الله فما أعظم قدرته وما أضألنا، و ما أقواه وما أضعفنا و ما أعظم علمه وما أجهلنا !
ولنا إذاً أن نتصوّر قيمة كل واحد منّا أمام كلّ الكون ! بل أمام مجرّة واحدة ، أمّا إذا تصوّرنا ضعفنا أمام خالقنا وخالق هذا الكون، فبنفس الحسابات المنطقية، نجد أننا مفرّطين في عبادته حتى و لو قمنا بتسبيحه و تهليله و استغفاره عدد كلّ ذرّة من كلّ جرّم من أجرام كونه !! و كيف لا وعندما يسبّح الواحد منّا يكون قد سبقه في تسبيحه هذا مئات الآلاف من المليارات من النجوم
عندما غادر الفيزيائي "آلبرت اينشتاين" موطنه ألمانيا، هروباً من خطر النازية كونه كان يهودياً، متجهاً إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وفي حفل استقبال بهيج سأل أحد الصحفيون هذا العالم عن مفهوم نظريته الجديدة (النسبيّة) والتي أحدثت ضجّة علمية كبيرة آنذاك، ردّ عليه قائلا: " لا يزال الناس يعتقدون اليوم أنه إذا قدّر(بضّم القاف) للكون أن يختفي يوماً فإن الذي سيبقى هو الفراغ و الزّمن، أما وفقاً لنسبيتي فإن الفراغ و الزّمن يختفيان أيضاً ! لانهما هما اللّذان يحددان الكون !! "(١) ولم يفهم العالم يومها ما جاء به اينشتاين لأنه كان قد سبق عصره بما يزيد عن خمسين سنة ! فقد أدرك هذا العلم الفيزيائي أن الزمن والفراغ وأبعادهم الأربع ما هما إلاّ عنصرين مكوّنين للكون وأن الكون لا يقام بالأجرام السماوية فقط بل ببعديهما أيضاً، ثم بعد هذا جاءت نظرية "الانفجار الكبير" لتدعّم نظرية النسبية، فقد أشارت هذه الأخيرة أن الكون، قبل ما يقارب الأربعة عشر مليار سنة، كان عبارة عن نقطة متناهية في الصغر(تؤول إلى العدم) وكانت المادة و الطاقة محبوستان في هذه النقطة ومكدستان بكثافة و درجة حرارة هائلة لا يمكن لعقل بشري أن يستوعبها، ثم انفجرت هذه النقطة انفجاراً عظيما في لحظة زمنية لا يمكن لأيّ قانون فيزيائي- بشريّ أن يقيسها، حيث ولّد هذا الانفجار طاقة حرارية هائلة و غازات ودخان كثيف و تقول النظرية أنه لا يمكن بحال من الأحوال تخيّل ما كان حاصل قبل الانفجار لأنه لم يكن هناك أبعاد ( الوقت والزمن) لكي يحدث بينهما -أو خلالهما- شيء ما، فالوقت والزمن نتجتا عن الانفجار نفسه، فمرحلة ما قبل الانفجار هي مرحلة لا مفهوم ولا مدلول لها من الناحية الزمنية، الفيزيائية ولا حتى السببية وخلاصة قول أنصار نظرية الانفجار الكبير أنّ الأبحاث الحديثة في هذا الصدد تقول أن الكون في حالته اليوم ، من هندسة و تطور، لا يسمح لنا بأن نستخلص أي نتيجة أو أن نقترح أيّة نظرية تفسّر لنا مرحلة ما قبل الانفجار، فعلى سبيل المثال لا يمكننا أن نتصور كيف يمكن لقانون الجاذبية أن يعمل في ظروف الكثافة والحرارة اللامتناهيتان اللتان كانتا قبل الانفجار، إذ يعتقد أنصار هذه النظرية أنه لا داعي للتكلم عن مرحلة ما قبل الانفجار لأن الوقت والفراغ (بأبعادهما الأربع) لم يكونا بعد لكي يحدث خلالهما ظاهرة ما، والسؤال هنا عن هذه المرحلة هو مضيعة للوقت شأنه شأن السؤال عن وجود الحياة في القطب الشمالي. و هذا الكلام ليس بجديد لدى علماء الغرب حتى أن إنجيلهم يطرح سؤال مفاده أنه إن لم يكن هناك زمن أو مكان فأين وفيما كان الله يقضي أوقاته؟
ما هو مقدار حجم الكون ؟
وهكذا فبعد الانفجار الكبير بدأت درجة حرارة الكون تنقص شيئاً فشيئا و بدأت الغازات الناتجة تتراكم مكوّنة المادة المنشئة للمجرّات كما ساهمت الطاقة في بدأ توسع الكون، فالإشارة فقط تقول أن بعد مليار سنة من الانفجار كان الكون لا يزال مجرد غازات ودخان وأنّ كوكبنا الأرضي استغرق تكوينه أربعة مليارات و خمس مئة مليون سنة . وقد يتبادر في ذهننا سؤال : ما هو مقدار حجم الكون؟ وللجواب عن هذا السؤال يجب الإشارة إلى أنّ العلماء يقيسون عمر الكون بطريقتين : إما بطريقة تطوّر النجوم أو حسب وتيرة توسّع الكون، فحجم الكون و عمره متناسبين طرديّاً، فإذا كان عمر الكون محدد ما بين ١٠ إلى ١٥ مليار سنة شمسية فإن ابعد جرم يكون-نظريًا- مرئي على بعد ١٠ إلى ١٥ ميليار سنة شمسية ( سنة شمسية واحدة تقدر ب ٩.٥ مليار كلم ) ، و بخلاف كوكبنا الأرضي فإن الكون يملك أفقا لا يمكن إدراكه فهو موجود في محيط ٣٠٠٠٠٠ سنّة شمسية بعد الانفجار، إذ أن قبل هذه الفترة كان الفوتونات الضوئية حبيسة المادة الداكنة (و تسمى أيضاً بالمادة السوداء )، فلقد لاحظ بعض العلماء أن بعض المجرّات، القريبة من مجرّتنا، تملك سرعة دوران أكبر مما توحي لنا كتلة مادتها المرئية بل إنهم لاحظوا أن الكتلة الحقيقية لهذه المجرّات أكبر بعشر مرّات من كتلة النجوم التي تحويها، والفرق في الكتلة هنا هو "المادة السوداء" فهي موجودة حقا بالاستنتاج حتى ولو لم تكن مرئية وهي مكونة من نترونات كتلية و من نجوم لامعّة وثقوب سوداء ولكن لا يصدر عنها أي إشعاع إلكتروماغناطيسي، و هنا نتوقف لنطرح سؤال بريء : كيف لعلماء الفلك الغربيين أن يستنجوا وجود مادة من غير أن يتمكنوا من رؤيتها؟ ثم لماذا لا يكون لهم نفس المنطق و يستنتجون وجود قوة خارج كل الحسابات الكونية والطبيعية تكون قد فجّرت نقطة لتخرج لنا - و تخرجنا- من العدم؟ هذه القوة ألا تستحق الإيمان بها وبقدرتها على الأقل؟!! ... فسبحان من أشار عن ذلك في قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ)(2)، فماذا إذاً ما بين السماوات والأرض إن لم تكن هذه المادة التي إستنجها العلماء؟
وما يصرّح به العلماء اليوم أنه توجد أربع قوى في الكون (الجاذبية، الكهروماغنطيسية، النووّية الضعيفة و أخيرا النووّية القويّة) ولقد أكد الملاحظون أن هذه القوى تجعل المادة تنتظم بشكل رائع وبديع من أصغر الذرّات إلى أكبر المجرّات وهذا دليل على قوّة، عظمة وحكمة واضع هذه القوانين والسنّن سبحانه لم يشاركه في خلقه أحد غيره. وفي هذا الصدد يقول العالم الفيزيائي "بول ديفس": " لو كانت قوّة الانفجار الكبير أكثر -أو أقلّ- يجزئ من المليار في مليار جزئ عند حدوثه لاختل التوازن كله و أنهار الكون قبل أن يصل إلى ما عليه الآن من تطور، إن الانفجار الكبير للكون لم يكن اعتياديا بل كان وفقا لعملية محسوبة جيّدا من جميع الأوجه و منظمة بإحكام"(٣).
وهنا نقول: إذا كان الانفجار قد حدث بطريقة دقيقة كما تقولون فإن القوة، التي خططت لهذا، فعلت ذلك قبل ذلك!...
فهي موجودة بالاستنتاج المنطقي والحسابي ! ثم إنها لن تكون إلاّ قوة عظيمة ما دامت قد أحدثت شيئاً عظيماً ! فلماذا إذاً لا تتساءلون عن ما قبل الانفجار ؟ و عن محدث الانفجار؟ و عن من وضع هذه الحسابات الدقيقة بأسباب أخرى ليست بالضرورة الوقت والزمن وأبعادها الأربع؟ بل ربما بأبعاد أخرى لايمكن إدراكها إلا بالإيمان بها والتسليم لها؟ ثم لمّا تقرّون أن الأبعاد الأربع للكون قد نتجت مع الكون نفسه أليس من المنطق أن القوة التي خلقت هذه الأجزاء بإمكانها أن تخلق قوى أقوى منها أو معاكسة لها تماماً ؟ ثم بصيغة المنطق نصوغ سؤالنا فنقول : بل أو ليست هذه القوة هي التي يجب أن تكون أزلية الوجود وسرمدية البقاء؟ ثم مالكم تتكلمون عن مرحلة ما قبل الانفجار كما لو أنكم شهدتم ذلك؟ و بصيغة القرآن الكريم نقول ما قال ربنا : (مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا)(4).
ماذا حدث بعد الانفجار الكبير
و بالموازاة مع نظرية الانفجار الكبير نجد نظرية توسّع الكون والتي لا تقّل شئناً من سابقتها، إذ تقتضي هذه الأخيرة أن الكون في حالة توسع مستمر متسارع منذ ستة مليارات من السنين. فلقد قام علماء الفيزياء الفلكية بتحليلات على الأشعة "أكس " المنبعثة من أطراف ٢٦ كومة من المجرات و بواسطة تيليسكوب "شاندرا" قاموا باستخلاص المسافات بين الكومة والأخرى بالنسبة لمختلف عمر الكون، فكانت النتيجة وجود طاقة في الكون معاكسة تماماً للجاذبية، فهي طاقة تجعل أكوام المجرّات تتباعد بعضها عن بعض و تدعى بالطاقة "الغامظة" و تكون نسبتها في الكون ٧٥٪ من نسبة الطاقة الكلية، فالكون فعلاً في حالة توسع ولكن على المستوى الكلي أي أن "أكوام المجرّات" هي التي تتباعد عن بعضها البعض بينما على المستوى الجزئي فإن مجرّات الكومة الواحدة لا تتباعد بل بالعكس هي في حالة تقارب كون الجاذبية هي السائدة في هذا المستوى، و لمّا كان الانفجار بدقّة متناهية كان التوسّع بنفس الحسابات الدقيقة فلقد قال العالم الكبير في الفيزياء الفلكية الدكتور"ستيفان هاوكينغ" :"إن الكون يتوسّع بسرعة حرجة للغاية تعجز و تبهر كل العقول والحسابات البشرية، فلو توسّع الكون بسرعة أكثر بقليل مما هي عليها الآن لتناثرت المادة وما تمكن من ظهور المجرّات، والعكس أيضاً : فلو أنطلق الكون بسرعة أقل يجزئ من الميليار من جزئ من الثانية عما أنطلق عليه في بداية توسّعه لانهار على نفسه - تحت تأثير الجاذبية- قبل أن يصل إلى ما هو عليه الآن" (٥).
فكل شيء محسوب و مقدّر وكل شيء حدث في لحظة واحدة لا أكثر و لا أقل، كيف لا و قد قال مدبر الحسابات وواضع السنّن والقوانين من قبل حدوث الانفجارhttp://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)(6).
هل سيتوقف الكون عن التوسّع يوماً؟
و السؤال الذي يحيّر علماء الفيزياء الفلكية اليوم هو : هل سيتوقف الكون يوماً ماً عن التوسّع أم لا ؟ فهم يعتقدون أن معرفة إمكانية -أم لا- حدوث نهاية ذلك متوقف ومرتبط أساساً بالمادة المكونة للكون حيث أن هذه الأخيرة هي التي تنتج قوة التجاذب الكافية التي ستوقّف (أو لا) توسع الكون، وهنا لدينا ثلاث فرضيات :
١) إمّا أن المادة ليست كافية لكي تعطي لنا قوة تجاذب قادرة على توقيف توسع الكون, فسيبقى الكون في أتساع دون توقف و بمرور الزمن تتحلل الطاقة والمادة الموجودة فيه إلى درجة لا يمكن أن يحدث بهما - أو خلالهما- أي تفاعل كيميائي أو نووّي ويسمى هذا السيناريو ب: " الموت التيرموديناميكي للكون"." la mort thermodynamique de l'Univers".
٢) في هذه الفرضية يعتقد العلماء أن المادة كافية لكي تولّد طاقة تجاذب كافية لتوقيف توسع الكون، بل أكثر من ذلك إذ أن قوة التجاذب ستطغى على قوة التوسّع وسيأخذ الكون منحنى آخر فيبدأ بالانطواء على نفسه حتى يعود إلى ما كان عليه مجرّد نقطة تؤول إلى العدم، ويسمى هذا السيناريو ب : "الانهيار الكبير" و هو عكس الانفجار الكبير
٣) أما الفرضية الثالثة و الأخيرة تقتضي أن المادة والطاقة سيعطيان قوة تجاذب متساوية لقوة التوسع و بهذا يستطيع الكون أن يحافظ على توازنه الأبدي.
و في خضمّ هذه الأطروحات النظرية أجمع علماء الفيزياء الفلكية أن المادة والطاقة كافيتان لتوقيف توسع الكون وأكثرهم يرجّح فرضية "الانهيار الكبير" وهنا نسأل لماذا يستعمل علماء الغرب مصطلح "كبير" ( أو عظيم)، عند تكلمهم أو وصفهم للانفجار أو الانهيار، ولا يستعملون هذا المصطلح على محدّث الانفجار ؟! ثم إذا كان الانفجار نفسه قد حدث وفقاً لعملية حسابية متناهية في الدقّة ألا يمكن لمن وضع هذه العمليات الدقيقة أن يضع في الحسبان كمية الطاقة و المادة اللازمتان لتوقيف اتساع الكون؟!! ثم نسأل : لأيّ حكمة كان كل هذا الانفجار و التوسع و الانطواء و الخلق من العدم بأعقد الحسابات وأدقّها ؟ و لو تقرؤون قوله عز وجلّ من صورة الأنبياء إذ قال http://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.pngيَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ)(7 ) ستدركون بمنطقكم أن هذا القرآن ليس من صنع بشر قط، فلا يمكن لبشر عاش منذ ١٤ قرنا يكون قد سبق نظريتكم هذه التي لم تصلوا إلى نتائجها إلاّ بشق الأنفس !!؟ أو ليست هذه الآية الكريمة هي فرضيتكم التي تؤيدونها في مصير الكون و انطوائه على نفسه بعد توقف اتساعه؟ وإن أردتم حججا أخرى فعندنا مزيد من آيات اللّه بلّغنا بها رسول كريم لا يعرف الكتابة و لا القراءة عاش في بيئة كان لا يزال الإنسان حينها يعتقد أن الأرض مسطحة.
وهكذا فسيظل الإنسان يقترب من الحقيقة شيئاً فشيئاً ، و بعقله الذي ميّزه الله عزّ و جلّ عن سائر مخلوقاته، سيتخلى عن تلك النظريات البالية أمثال نظرية التطور وصدفة نشوء الكون وكل تلك الأطروحات والخزعبلات التي أحطت بعقل الإنسان ومنطقه فأظلّ بها نفسه وغيره وعطلّ بواسطتها سننّ الخلق التي سنّها الخالق لخلقه، فمن أراد أن يهتدي فالمعجزة قائمة ها هنا تنوّر كلّ طريق مظلم و تدحض كلّ باطل مبهم ومن يريد أن يحكّم عقله المحدود أمام حكمة خالق الكون فلّن يكون له إلا الطريق المسدود، و ستظلّ معجزة القرآن هي المعجّزة التي جاءت لتخبر أن الله- عزّ و جلّ- قد وعد وقال http://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.pngسَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (٨) ونحن نشهد يا ربنا أنك عالم عليم، شاهد وشهيد، قادر وقدي، وحدك فتقت السماوات والأرض بعدما كانتا رتقا فنزّلت قائلا : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) (١٠) .
و ما فتقت ثم وسّعت ثم رتقت السماء و الأرض هكذا باطلا سبحانك فاكتبنا مع الشاهدين.
المصدر : بحث للمهندس محمد ترياقي تورونتو - كندّ
المؤهل العلمي : بكالوريوس رياضيات دقيقة ، مهندس دولة في التخطيط و الإحصاء، ماجيستير علوم تسيير المؤسسات الاقتصادية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كتاب دار المعرفة-صفحة ٧٢ - دار النشر - بيروت –لبنان
(2) سورة ق الآية 38
(2) Paul Davies كتاب : Superforce صفحة ١٨٤ -سنة ١٩٨٤
(4) الكهف -٥١
Stephen Hawking كتاب : "التاريخ المختصر للزمن" صفحة ١٢١ - سنة ١٩٨٠
(6) القمر- ٤٩، ٥٠
عمروعبده 22-02-2011, 12:04 PM "والنهار إذا جلاها"
والنهار إذا جلاهــــــا
قال تعالى : (أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا {27} رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا {28} وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا {29} وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا {30} أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا {31} وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا {32} مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ {33}) [سورة النازعات].
هذه الآية الكريمة تمثل القسم الثالث بأقرب النجوم إلينا ألا وهي الشمس التي أنزل الله(تعالى) سورة باسمها في محكم كتابه, واستهلها بالقسم أربع مرات بهذا النجم الذي جعله( تعالى) مصدرا للدفء والنور علي الأرض ولغير ذلك من مصادر الطاقة العديدة, التي بدونها لم يكن ممكنا لأي شكل من أشكال الحياة الأرضية أن يوجد.
من هنا يتضح لنا جانب من جوانب الهدف من هذا القسم المغلظ بالشمس, والذي يقول فيه ربنا( تبارك وتعالى):
والشمس وضحاها* والقمر إذا تلاها* والنهار إذا جلاها* والليل إذا يغشاها*
(الشمس:1 ــ4)
ويتلخص هذا الهدف في تنبيه الغافلين من بني البشر إلي أهمية أقرب النجوم إلينا, وإلي روعة الإبداع الإلهي في خلقه, ودلالة ذلك علي شيء من صفات هذا الخالق العظيم, وعلي أنه(تعالى) هو رب هذا الكون ومليكه, وإلهه الأوحد وموجده, والمتفرد بالسلطان فيه, بغير شريك ولاشبيه ولامنازع, وعلي أن الخضوع لجلاله بالعبادة, والنزول علي أوامره بالاستسلام والطاعة هما من أوجب واجبات الوجود في هذه الحياة, لأنهما يمثلان طوق النجاة للعباد في الدنيا والآخرة, وإلا فإن الله( تعالى) غني عن القسم لعباده.
وصفات الشمس التي أقسم بها ربنا( تبارك وتعالى) ضمن سلسلة طويلة من القسم بتسع من آياته في الأنفس والآفاق يأتي جواب القسم بها كلها في قول الحق(سبحانه):
(قد أفلح من زكاها* وقد خاب من دساها) ( الشمس:10,9).
بمعني أن فلاح الإنسان قائم علي تزكية نفسه بتقوى الله تعالى, والعمل بكتابه الخاتم وبسنة رسوله الخاتم( صلي الله عليه وسلم), وبالاستعداد ليوم الرحيل من هذه الدنيا, وما يستتبعه من حساب وجزاء, وخلود في حياة قادمة, إما في الجنة أبدا أو في النار أبدا كما علمنا كل أنبياء الله ورسله وعلي رأسهم خاتمهم أجمعين( صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم وعلي من تبعه وتبعهم بإحسان إلي يوم الدين).
وعلي النقيض من ذلك تكون خيبة الإنسان في الدنيا وخسارته في الآخرة إذا لم يحرص علي الإيمان الصادق, والعمل الصالح, وداوم علي تزكية النفس ومحاسبتها, وذلك لأن الإنسان ـ إنطلاقا من غروره وكبره, أو من غبائه وجهله ـ عرضة لغواية الشيطان له علي الكفر بالله, أو الإشراك في عبادته, أو الخوض في معاصي الله, ثم يدركه الأجل قبل توبة نصوح يبرأ بها إلي الله فيكون في ذلك خيبته الكبري, وخسرانه المبين.
وهذا هو المحور الرئيسي لسورة الشمس الذي يدور حول طبيعة النفس الإنسانية, واستعداداتها الفطرية لقبول أي من الخير والشر, لأن الإنسان مخلوق ذو إرادة حرة تمكنه من الاختيار بين هذين السبيلين, وعلي أساس من اختياره بإرادته الحرة يكون جزاؤه في الدنيا والآخرة.
وتختتم سورة الشمس بنموذج من نماذج الأمم التي عصت أوامر ربها, وكذبت رسله فكان عقابها ما أنزل الله( تعالى) بها من عذاب ونكال تستحقه, وأمر الله نافذ لامحالة, وهو( سبحانه) لايخشي أحدا فيما يتخذ من قرار لأنه رب هذا الكون ومليكه الذي لايسأل عما يفعل.وفي ذلك يقول ربنا( تبارك وتعالى):كذبت ثمود بطغواها* إذ انبعث أشقاها* فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها* فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها* ولايخاف عقباها*( الشمس:11 ــ15)
وفي مقالين سابقين قمنا باستعراض القسم بالآيتين الأولي والثانية من سورة الشمس, وفي هذا المقال نستعرض دلالة القسم بالآية الثالثة التي يقول فيها ربنا(عز من قائل):
والنهار إذا جلاها*( الشمس:3)
وقبل الدخول إلي ذلك لابد من استعراض لدلالة اللفظين( النهار) و(جلاها) من الناحية اللغوية, ومن تلخيص لآراء عدد من المفسرين السابقين في شرح دلالة هذه الآية الكريمة.
الدلالة اللغوية لألفاظ الآية الكريمة
من أجل فهم الدلالة اللفظية للآية الكريمة التي نحن بصددها.
لابد من شرح المعني اللغوي, للاسم( النهار) وللفعل( جلاها).
و(النهار) لغة هو ضد الليل, وهو نصف اليوم الذي تشرق فيه الشمس, وينتشر النور, ويعرف بالفترة الزمنية بين طلوع الشمس وغروبها, وإن كان في الشريعة الإسلامية هو الفترة الزمنية من طلوع الفجر الصادق إلي غروب الشمس.
ولفظة( النهار) لا تجمع كما لا يجمع كثير من الكلمات العربية من مثل السراب والعذاب, وإن كان البعض يحاول جمعه علي( أنهر) للقليل, وعلي( نهر) للكثير, وهو نادر الاستعمال.
ويقال( أنهر) أي: دخل في النهار, و(أنهر) الماء جري وسال, و(النهر) ــ بسكون الهاء وفتحها ــ واحد( الأنهار) وهو مجري الماء الفائض المتدفق, و(النهر) أيضا هو السعة تشبيها بنهر الماء.
وقوله( تعالى): (إن المتقين في جنات ونهر)(القمر:54)
فسر أهل العلم( نهر) هنا بالأنهار أو بالضياء( والصواب هو: بالنور) والسعة, والمعني الأول أولي لمواءمته لسياق الآية الكريمة.
ويقال( نهر) الماء أي: جري في الأرض حافرا مجراه جاعلا منه نهرا, ويقالhttp://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.pngنهر نهر) أي كثير الماء, وكل كثير جري فقد( نهر) و(استنهر), ويقال( أنهر) الدم أي أساله وأرسله, ويستخدم الفعل(نهر)( نهرا), و(انتهر)( انتهارا) بمعني زجر زجرا بغلظة وشدة.
ويقال في العربيةhttp://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png جلا)( يجلو)( جلاء) بمعني أوضح وكشف, لأن أصل( الجلو) هو الكشف الظاهر, و(الجلي) هو كل ماهو ضد الخفي.
يقالhttp://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.pngجلا) لي الخبر( يجلوه)( جلاء) أي وضحه, و(الجلية) هي الأخبار اليقينية, و(تجلي) بمعني تكشف,. و(انجلي) عنه الهم بمعني انكشف, و(جلاه) عنه أي أذهبه, ولذلك يقال,( جلي) السيف( جلاه)( تجلية) أي كشفه ويقال( جلا) السيف( يجلوه)( جلاء( أي صقله,, ويقالhttp://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png جلا) بصره بالكحل(جلاء), ولذلك يقال للكحل( الجلاء).
و(التجلي) قد يكون بالذات كما في قوله( تعالى): والنهار إذا تجلي*
( الليل:2)
وقد يكون بالأمر والفعل من مثل قوله تعالى: (فلما تجلي ربه للجبل جعله دكا وخر موسي صعقا)( الأعراف:143).
ويقال( جلا) العروس( يجلوها)( جلاء) و(جلوة), و(اجتلاها) بمعني نظر إليها( مجلوة), ويقال: فلان ابن( جلا) أي مشهور.
و(الجلاء) هو الأمر(الجلي) أي الواضح البين, و(الجلاء) أيضا هو الخروج من البلد والإخراج منه, يقال: لقد( جلوا) عن أوطانهم ولقد( جلاهم) أو( أجلاهم) غيرهم( فأجلوا) عنها, ويقال كذلكhttp://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png أجلوا) عن الشيء إذا انفرجوا عنه.
من أقوال المفسرين
في تفسير قوله( تعالى):والنهار إذا جلاها*
ذكر ابن كثير( يرحمه الله) مانصه:... قال مجاهدhttp://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png والصواب هو أنارها), وقال قتادة: إذا غشيها النهار, وتأول بعضهم ذلك بمعني: والنهار إذا جلا الظلمة لدلالة الكلام عليها.( قلت): ولو أن القائل تأول ذلك بمعني( والنهار إذا جلاها) أي البسيطة لكان أولي, ولصح تأويله في قوله( تعالى)http://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png والليل إذا يغشاها) فكان أجود وأقوي, والله أعلم. ولهذا قال مجاهدhttp://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png والنهار إذا جلاها) إنه كقوله تعالىhttp://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png والنهار إذا تجلي), وأما ابن جرير فاختار عود الضمير في ذلك كله علي الشمس لجريان ذكرها,...
* وجاء في الجلالين( رحم الله كاتبيه) ما نصهhttp://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png والنهار إذا جلاها) بارتفاعه( أي: ظهرت فيه).
* وذكر صاحب الظلال( رحمه الله رحمة واسعة) مانصه:
ويقسم بالنهار إذا جلاها.. مما يوحي بأن المقصود بالضحى هو الفترة الخاصة لا كل النهار.. والضمير في( جلاها).. الظاهر أنه يعود إلي الشمس المذكورة في السياق.. ولكن الإيحاء القرآني يشي بأنه ضمير هذه البسيطة. وللأسلوب القرآني إيحاءات جانبية كهذه مضمرة في السياق لأنها معهودة في الحس البشري يستدعيها التعبير استدعاء خفيا. فالنهار يجلي البسيطة ويكشفها. وللنهار في حياة الإنسان آثاره التي يعلمها. وقد ينسي الإنسان بطول التكرار جمال النهار وأثره. فهذه اللمسة السريعة في مثل هذا السياق توقظه وتبعثه للتأمل في هذه الظاهرة الكبرى.
* وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن( رحم الله كاتبه برحمته الواسعة) ما نصهhttp://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png والنهار إذا جلاها) أي جلي الشمس وأظهرها, فإنها تتجلي إذا انبسط النهار ومضت منه مدة, وهو وقت الضحى والضحاء. وقيل: جلي الدنيا, أي وجه الأرض وما عليه.
* وذكر أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم( جزاهم الله خيرا) ما نصه:وبالنهار إذا أظهر الشمس واضحة غير محجوبة.
* وجاء في صفوة التفاسير( جزي الله كاتبه خيرا) ما نصه:
(والنهار إذا جلاها) أي وأقسم بالنهار إذا جلا ظلمة الأرض بضيائه وكشفها بنوره, وقال ابن كثير: إذا جلا البسيطة وأضاء الكون بنوره.
النهار في القرآن الكريم
ورد ذكر النهار في مقابلة الليل في القرآن الكريم سبعا وخمسين(57) مرة, منها أربع وخمسون(54) مرة بلفظ النهار, وثلاث(3) مرات بلفظ نهارا, كذلك وردت ألفاظ الصبح والإصباح, وبكرة, والفلق والضحى ومشتقاتها بمدلول النهار أو بمدلول أجزاء منه في آيات أخري كثيرة, كما وردت كلمة اليوم أحيانا بمعني النهار.
وذلك من مثل قوله( تعالى):
ــ قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحي*( طه:59)
ــ يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلي ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون*
( الجمعة:9)
ــ أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو علي سفر فعدة من أيام أخر..*
( البقرة:184)
ــ فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم....*
( البقرة:196).
ــ فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام...*
( المائدة:89).
ــ سخرها عليهم سبع ليالي وثمانية أيام حسوما...*
( الحاقة:7).
ــ... وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين*
( سبأ:18)
والنهار في القرآن الكريم يمتد من الفجر الصادق إلي الغروب وذلك لقول الحق( تبارك وتعالى):
وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل...*( هود:114)
الدلالة العلمية للآية الكريمة
في الآيات الأربع الأولي من سورة الشمس يقول ربنا( تبارك وتعالى):
والشمس وضحاها* والقمر إذا تلاها* والنهار إذا جلاها* والليل إذا يغشاها*
وضمير الغائب في هذه الآيات يعود علي الشمس كما هو واضح من سياق السورة الكريمة, ومن قواعد اللغة العربية, ومن شروح المفسرين الذين لم تختلف شروحهم إلا في تفسير قول الله( تعالى): والنهار إذا جلاها فأعادوا ضمير الغائب هنا مرة إلي الشمس, ومرة إلي الظلمة, وثالثة إلي البسيطة أي الأرض, وذلك لأن الناس قد درجوا عبر التاريخ علي فهم أن طلوع الشمس هو الذي يجلي ظلمة الليل وينير وضح النهار.
فكيف يمكن أن يكون النهار هو الذي يجلي الشمس؟
ولكن في مطلع الستينيات من القرن العشرين بدأ نشاط ريادة الفضاء, وفوجيء هؤلاء الرواد بحقيقة مذهلة مؤداها أن الكون يغشاه الظلام الدامس في غالبية أجزائه, وأن طبقة النهار المنيرة عبارة عن حزام رقيق جدا لايتعدي سمكه مائتي كيلو متر فوق مستوي سطح البحر, يغلف نصف الأرض المواجه للشمس ويتحرك علي سطحها بمعدل دورانها حول محورها أمام الشمس, وأنه بمجرد تجاوز تلك الطبقة الرقيقة من نور النهار تبدو الشمس قرصا أزرق باهتا في صفحة سوداء حالكة السواد, وكذلك تتضح مواقع النجوم بنقاط زرقاء باهتة لا تكاد تري.
وبدراسة هذه الظاهرة المبهرة والتي سبق للقرآن الكريم أن أشار إليها من قبل ألف وأربعمائة سنة بقول الحق( تبارك وتعالى): ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون* لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون( الحجر:15,14).
ــ وبقوله( سبحانه): وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون*
( يس:37).
ــ وبقوله( عز من قائل):
أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها* رفع سمكها فسواها* وأغطش ليلها وأخرج ضحاها*( النازعات:27 ــ29)
وفي محاولة لتفسير السبب في ظلمة الكون ونور طبقة النهار المحدودة بحدود نصف الأرض المواجه للشمس وبسمك لايتعدي المائتي كيلو متر أتضح أن الغالبية العظمي من أشعة الشمس هي أشعة غير مرئية, وأن الجزء المرئي منها لا يري إلا بعد انعكاسه وتشتته لمرات عديدة علي عدد من الأجسام من مثل جزيئات العناصر والمركبات المكونة للطبقة الدنيا من الغلاف الغازي للأرض, وما بها من هباءات الغبار, وقطيرات الماء, وبخاره.
ولما كان الغلاف الغازي للأرض تتضاءل كثافته بالارتفاع حتى لا تكاد أن تدرك, كما يتضاءل محتواه من هباءات الغبار والرطوبة بصفة عامة, توقفت عمليات تشتيت ضوء الشمس وعكسه علي المائتي كيلو متر السفلي من هذا الغلاف الغازي فقط والتي يري فيها نور النهار, وبقي الكون في ظلام دامس, وبقي موقع الشمس علي هيئة قرص أزرق وسط هذا الظلام, كما بقيت مواقع النجوم نقاطاً زرقاء باهتة في بحر غامر من ظلمة الكون الشاملة ويؤكد ذلك تناقص ضغط الغلاف الغازي للأرض من نحو الكيلو جرام على السنتيمتر المربع عند مستوى سطح البحر إلى أقل من واحد من المليون من هذا الضغط في الأجزاء العليا من غلاف الأرض الغازي,وتحت مثل هذه الضغوط التي لا تكاد أن تدرك تبدأ مكونات الجزئيات في هذا الغلاف الغازي في التفكك إلى ذراتها وأيوناتها بفعل الأشعة الكونية القادمة من الشمس ومن غيرها من نجوم السماء, ويساعد على قلة الضغط سيادة الغازات الخفيفة من مثل الإيدروجين والهيليوم على حساب الغازات الأثقل نسبياً من مثل الأوكسجين والنيتروجين, ويعين علي تخلخل الهواء الارتفاع الشديد في درجات الحرارة التي تصل إلي أكثر من ألفي درجة مئوية في الجزء المسمي بالنطاق الحراري, وفي النطاق الخارجي من الغلاف الغازي للأرض, وعلي ذلك فإن الجزء المرئي من موجات الإشعاع الشمسي لا تكاد تجد ما تنعكس أو تتشتت عليه فلا تري إلا في المائتي كيلو متر السفلي من الغلاف الغازي للأرض حيث تتوفر جسيمات الانعكاس والتشتت فيتضح هذا النور الأبيض الجميل الذي يميز فترة النهار على الأرض والذي يعطي بتقدير من الله الخالق لكل شيء لونه من مثل السماء, والشمس, والسحاب, وماء البحر وغيره وذلك بسبب تحلل هذا النور الأبيض إلي أطيافه السبعة وامتصاص بعضها, وعكس البعض الآخر, ومعني ذلك أن النهار وهو الذي يجلي لنا الشمس, أي يجعلها واضحة جلية لأحاسيس المشاهدين من أهل الأرض, وليس العكس كما ظل الناس يعتقدون عبر التاريخ, فلولا طبقة النهار( وهي المائتي كيلو متر السفلي من الغلاف الغازي الملاصق لنصف الأرض المواجه للشمس) ومابه من كثافة غازية, ورطوبة, وهباءات غبارية ما تجلت لنا الشمس أبدا,. وهذه حقيقة علمية لم يدركها الإنسان إلا بعد ريادة الفضاء.
ولذلك يصف القرآن الكريم النهار بأنه مبصر في أكثر من آية وذلك من مثل قوله( تعالى):
(ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون)(النمل:86).
ويصف الصبح بأنه هو الذي يسفر أي ينير وينكشف فيقول( سبحانه):
(والليل إذ أدبر* والصبح إذا أسفر)( المدثر:33).
ويصف النهار بأنه هو الذي يتجلي فيقول
( عز من قائل):والليل إذا يغشي* والنهار إذا تجلي*( الليل:2,1)
أشعة الشمس
تنتج الطاقة في الشمس من عملية الاندماج النووي لنوي كل أربع ذرات من غاز الإيدروجين لتنتج نواة واحدة من نوي ذرات الهيليوم, ولما كانت كتلة ذرة الإيدروجين تساوي1,0078 وحدة ذرية فإن كتلة أربع ذرات منها تساوي
1,0078*4=4,0312 وحدة ذرية.
ولما كانت كتلة ذرة الهيليوم=4,003 وحدة ذرية. فإن الفرق بين كتلة ذرات الإيدروجين الأربع المندمجة مع بعضها البعض, وكتلة ذرة الهيليوم الناتجة عن هذا الاندماج وهو عبارة عن00,0282 وحدة ذرية ينطلق علي هيئة طاقة مما يشير إلي تساوي كل من المادة والطاقة.
وتبعث هذه الطاقة في كميات متتابعة تسمي الفوتونات( جمع فوتون) في موجات كهرومغناطيسية لا تختلف عن بعضها البعض إلا في طول موجة كل منها ومعدل ترددها, تعرف باسم أطياف الموجات الكهرومغناطيسية.
فالطيف الكهرومغناطيسي عبارة عن سلسلة متصلة من مجموعات تلك الأمواج المكونة من الفوتونات والتي لا تختلف فيما بينها إلا في سرعة تردداتها, وأطوال موجاتها.
وتتفاوت موجات الطيف الكهرومغناطيسي في أطوالها بين جزء من مليون مليون جزء من المتر بالنسبة لأقصرها وهي أشعة جاما, وبين عدة كيلو مترات بالنسبة لأطولها وهي موجات الراديو( أو الموجاات اللاسلكية), ويأتي بين هذين الحدين عدد من الموجات التي تترتب حسب تزايد طول الموجة من القصير إلي الطويل علي النحو التالي: الأشعة السينية, والأشعة فوق البنفسجية, والأشعة المرئية, والأشعة تحت الحمراء.
أما الإشعاعات المرئية فيتراوح طولها الموجي بين(0,4 و0,7) ميكرون( والميكرون= جزء من مليون جزء من المتر) وتميز عين الإنسان من أطياف الضوء المرئي: الأحمر, والبرتقالي, والأصفر, والأخضر, والأزرق, والنيلي, والبنفسجي.
والطيف الضوئي في الحقيقة عبارة عن عدد لا نهائي من الألوان المتدرجة في التغير, وإن كانت عين الإنسان لا تستطيع أن تميز منها إلا هذه الألوان السبعة فقط.
والطيف الأحمر هو أطول موجات الضوء المرئي وأقلها تردداً, بينما الطيف البنفسجي هو أقصرها وأعلاها تردداً.
والمسافة بين قمتين متجاورتين للموجة يعرف باسم طول الموجة, وعدد مرات ارتفاع وانخفاض الموجة في الثانية الواحدة يعرف باسم تردد الموجة, وحاصل ضرب الرقمين ثابت ويساوي سرعة الضوء( حوالي300,000 كيلو متر في الثانية).
وكل موجات الطيف الكهرومغناطيسي لها صفات الضوء المرئي إلا أنها لا ترى فهي قابلة للانعكاس, وقادرة علي الانكسار وعلى التحرك في الفراغ, على عكس الموجات الصوتية التي لا تتحرك في الفراغ.
والأشعة الصادرة من الشمس تمثل كل موجات الطيف الكهرومغناطيسي من أقصرها وهي أشعة جاما إلي أطولها وهي موجات الراديو, وأغلبها أشعة غير مرئية لعين الإنسان, وهي متداخلة تداخلا شديدا مع بعضها البعض ولذلك لا يري الضوء الأبيض إلا بعد العديد من عمليات الانعكاس والتشتت لأشعة الشمس علي ملايين الجسيمات الصلبة والسائلة والغازية الموجودة في الطبقة الدنيا من الغلاف الغازي للأرض من مثل هباءات الغبار, وبخار الماء وقطراته, وجزيئات الغازات المختلفة من مثل النيتروجين والأوكسجين وثاني أوكسيد الكربون, فالضوء المنظور لابد من انعكاسه وتشتته حتى يمكن لعين الإنسان أن تراه.
وهنا يتضح لنا جانب من الجوانب العلمية في هذا القسم القرآني: والنهار إذا جلاها لأن الذي يجلي الشمس لعين الإنسان هو كثرة انعكاس الضوء الصادر منها إلي الأرض وتشتته على الجسيمات الصلبة والسائلة والغازية الموجودة بتركيز معين في نطاق الجزء الأسفل من الغلاف الغازي للأرض( إلي ارتفاع مائتي كيلو متر تقريبا فوق مستوي سطح البحر) وباقي المسافة بيننا وبين الشمس( والمقدرة بحوالي150 مليون كيلو متر في المتوسط) بل باقي الجزء المدرك لنا من الكون يغرق في ظلام دامس بالنسبة لعين الإنسان التي تري الشمس خارج نطاق طبقة نور النهار قرصا أزرقا في صفحة سوداء. وهذه الطبقة الرقيقة من نور النهار تدور مع دوران الأرض حول محورها أمام الشمس وعندما يدخل ضوء الشمس إلي الطبقة الدنيا من الغلاف الغازي للأرض فإنه يتعرض للعديد من عمليات الانعكاس والتشتت, فيعطي لكل من السحاب والشمس والسماء والبحر لونه الخاص به, وهذا معناه ان النهار هو الذي يجلي لنا الشمس أي يجعلها واضحة جلية لأحاسيس المشاهدين لها من أهل الأرض, وليست الشمس هي التي تجلي لنا النهار كما كان يعتقد كل الناس عبر التاريخ حتي بدء رحلات الفضاء في منتصف الستينيات من القرن العشرين.
وعلي ذلك فإن هذه الآية وحدها تكفي لإقامة الحجة علي أهل عصرنا ـ عصر التقدم العلمي والتقني الذي نعيشه ـ بأن القرآن الكريم لا يمكن أن يكون صناعة بشرية, بل هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه, علي خاتم أنبيائه ورسله, وحفظه بحفظه وإرادته وقدرته, بنفس لغة وحيه( اللغة العربية) علي مدي أربعة عشر قرنا وإلي أن يرث الله الأرض ومن عليها, محتفظا بروعة أسلوبه وجمال آياته, وضبط حروفه وكلماته وسمو دعوته ووضوح اشراقاته بجلال الربوبية المتلألئة بين كلماته, وبصدق حديث الخالق عن خلقه, وبكمال ما جاء به من دين, ودقة ما رواه من سير الأولين, وتحقق نبوءاته التي جاءت كعين اليقين, وروعة وقعه علي أسماع وعقول وقلوب المستمعين, وجميل خطابه إلي كل ذي عقل سليم..!!
وقد جاء كل ذلك في زمن لم يكن للإنسان فيه نصيب من العلم الكوني, وفي بيئة لم يتوافر فيها شيء من ذلك, وظل العالم لقرون لا يعرف حقيقة ان النهار هو الذي يجلي لنا الشمس حتي بدأت رحلات الفضاء وفهم عدد محدود من العلماء طبيعة المادة ومساواتها بالطاقة, وبناء المركبات من جزيئات المادة, وبناء الجزيئات من الذرات, وبناء الذرة من نواة في الوسط تحمل أغلب كتلة الذرة وفيها الجسيمات الموجبة( البروتونات) والمتعادلة( النيوترونات) ويدور حولها عدد مكافيء من الجسيمات السالبة( الاليكترونات), ويتكون كل جسيم من هذه الجسيمات من لبنات بناء أقل عرفت باسم اللبنات الأولية للمادة التي بدأ اكتشافها يتوالى حتى تم اكتشاف جسيمات كسرية الشحنة يعرف أحدها باسم الكوارك, وتم اكتشاف تلك الكواركات
(Quarks) في منتصف الستينيات من القرن العشرين, ثم في سنة1984م تم اقتراح نظرية الأوتار الفائقة (The Superstrings Throry) والتي تفترض أن اللبنات الأولية للمادة تتكون من أوتار متناهية الضآلة, فائقة الدقة, سريعة الاهتزاز وذلك في محاولة لتوحيد القوي الثلاث في الذرة وهي القوة الكهرومغناطيسية, والقوة النووية الشديدة والضعيفة, وهناك آمال عريضة لدي علماء العصر في ضم قوي الجاذبية إلي هذه القوي الثلاث في قوة واحدة تعبر عن وحدة الخالق الأعظم.
ونظرية الأوتار فائقة الدقة التي تصور اللبنات الأولية للمادة علي أنها مكونة من أوتار متناهية الضآلة في الحجم, فائقة الدقة في الحركة والاهتزاز, تصور تلك الجسيمات علي هيئة حلقات من أوتار رنينية دقيقة جدا بدلا من أن تكون علي هيئة نقاط مادية, وأن الاهتزازات الرنينية المختلفة لتلك الأوتار هي التي تحدد ملامح الجسيم الأولي للمادة من حيث الكتلة والشحنة, وهي بذلك تؤكد التساوي بين المادة والطاقة وتعتبرهما وجهان لعملة واحدة تؤكد وحدانية الخالق العظيم. كما تدعم تحول المادة في قلب الشمس إلي طاقة, وانبثاق تلك الطاقة علي هيئة أطياف من الموجات الكهرومغناطيسية المتداخلة والتي تتحلل في النطاق السفلي من الغلاف الغازي للأرض فيعطينا هذا الضوء الأبيض المرئي الذي ينير نهار الأرض ويجلي لنا الشمس.
فسبحان الذي أنزل هذه الآية القرآنية المعجزة والنهار إذا جلاها
التي تؤكد أن فترة النهار التي تعتري نصف الأرض المواجه للشمس بسمك لا يتعدي المائتي كيلو متر فوق مستوي سطح البحر بما فيها من هباءات الغبار, والرطوبة, وكثافة الغازات, هي التي تعكس موجات الضوء المنظور من أشعة الشمس وتشتته فيظهر لنا بهذا النور الأبيض المبهج ويجلي لنا الشمس.
وهي حقيقة استغرقت جهود الآلاف من العلماء والعشرات من القرون حتي أمكن لعدد قليل من العلماء أن يتعرفوا عليها, وورودها في كتاب الله الذي أنزل من قبل ألف وأربعمائة سنة بهذا الوضوح القطعي لمما يجزم بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق, وأن النبي الخاتم الذي تلقاه كان موصولا بالوحي ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض, فصلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.
المصدر:
بحث للدكتور زغلول النجار نشر على جريدة الأهرام بتاريخ الاثنين /3/ جمادي الآخر 1423هـ العدد 42252 السنة 2002م
عمروعبده 22-02-2011, 12:05 PM ضيق الصدر عند الصعود في السماء
ضيق الصدر عند الصعود في السماء
إن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم يتجلى في الآية الكريمة : {فّمّن يٍرٌدٌ اللَّهٍ أّن يّهًدٌيّهٍ يّشًرّحً صّدًرّهٍ لٌلإسًلامٌ ومّن يٍرٌدً أّن يٍضٌلَّهٍ يّجًعّلً صّدًرّهٍ ضّيٌَقْا حّرّجْا كّأّّنَّمّا يّصَّعَّدٍ فٌي السَّمّاءٌ كّذّلٌكّ يّجًعّلٍ اللَّهٍ الرٌَجًسّ عّلّى الذٌينّ لا يٍؤًمٌنٍونّ} (الأنعام:125).
بدأت منذ حوالي مائتي عام تقريباً ( 1786 م) أبحاث كثيرة في طبقات الجو العليا ، وتأثيرها على الإنسان .
ومن حوالي مائة عام تقريباً ( 1878 م ) ظهرت أبحاث أكثر تقدماً في (فسيولوجيا) الجسم ، وتأثره في طبقات الجو العليا .
وإذا نظرنا إلى القرآن الكريم الذي نزل منذ أكثر من أربعة عشر قرناً على نبينا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نجد قوله تعالى : {فّمّن يٍرٌدٌ اللَّهٍ أّن يّهًدٌيّهٍ يّشًرّحً صّدًرّهٍ لٌلإسًلامٌ ومّن يٍرٌدً أّن يٍضٌلَّهٍ يّجًعّلً صّدًرّهٍ ضّيٌَقْا حّرّجْا كّأّّنَّمّا يّصَّعَّدٍ فٌي السَّمّاءٌ} (الأنعام:125).
قد تضمن الحقائق التي أثبتتها هذه الأبحاث في إيجاز وإعجاز (1).
والقرآن الكريم قد حث على العلم، فأول آية نزلت فيه تدعو للعلم ، فقد جاء فيها الأمر بالقراء ة ، ثم الدعوة للتعلم بالقلم ، قال تعالى : {اقًرأً بٌاسًمٌ رّبٌَكّ الذٌي خّلّقّ (1) خّلّقّ الإنسّانّ مٌنً عّلّقُ (2) \قًرّأً ورّبٍَكّ الأّكًرّمٍ (3) الذٌي عّلَّمّ بٌالًقّلّمٌ (4) عّلَّمّ الإنسّانّ مّا لّمً يّعًلّمً (5)} [العلق].
وفي طب الطيران والفضاء نجد بيانا واضحاً للآية الكريمة السابقة، من خلال عرض مبسط لتكوين الغلاف الجوي وطبقاته وتأثيره (فسيولوجيا) على الإنسان.
تكوين الغلاف الجوي وتقسيمه « فسيولوجياً » :
1 . منطقة كافية « فسيولوجيا » ( من سطح البحر إلى ارتفاع 10000 قدم ( :
يستطيع الإنسان في هذه المنطقة من الغلاف الجوي أن يعيش طبيعياً، فكمية الأوكسجين الموجودة تكفي
« فسيولوجياً » لحياة الإنسان.
2 . منطقة غير كافية « فسيولوجياً » ( من ارتفاع 10000 قدم إلى 50000 قدم ):
حيث لاحظ العلماء أنه يوجد نقص في كمية الأوكسجين في هذه المنطقة ، بالإضافة إلى الانخفاض في الضغط الجوي ، وينتج عن ذلك آثار واضحة على «فسيولوجيا» جسم الإنسان ، فتظهر أعراض نقصان الأوكسجين (هيبوكسيا) وأعراض انخفاض الضغط الجوي (ديسباريزم ) .
3 . منطقة الفضاء التقريبي ( من ارتفاع 50 ألف قدم إلى حوالي 633 ألف قدم ):
حيث لايمكن للإنسان من الناحية « الفسيولوجية » أن يعيش في ارتفاع ( 50000 قدم) فأكثر ، حتى لو تنفس 100% أوكسجين، بل لابد له أن يرتدي ملابس الفضاء المجهزة ، لكي يتحمل الانخفاض في الضغط الجوي ، ونقص الأوكسجين في هذه الارتفاعات.
ظــاهرة نقصان « الأوكسجين » ( هيبوكسيا) :
تحدث هذه الظاهرة لراكب الطائرة بسبب نقصان الأوكسجين في الأنسجة عند فشل الأجهزة في ضبط الضغط داخل الطائرة حينما تكون في الارتفاعات العالية ، ويعبر عن هذا بانخفاض الضغط الجوي للأكسجين، حيث تنخفض كمية الأوكسجين في الهواء المستنشق ، ولا تنضبط كميته .
ويتركب الهواء المستنشق من الآتي :
95ر20% غاز أوكسيجين .
09ر78% غاز نيتروجين.
03ر00% غاز ثاني أوكسيد الكربون .
الباقي: غازات غير هامة بالنسبة لوظائف الجسم .
في هذا الخليط من الغازات - الهواء المستنشق - من المستحسن أن نتكلم عن الضغط الجوي للغاز ، وهو العامل المؤثر لأي غاز في خليط من الغازات ، والضغط الجوي للأوكسجين في الحويصلات الهوائية هو العامل المؤثر الأساسي في الجسم، لأنه هو العامل الذي يتحكم في كمية الأوكسجين التي تصل إلى الدم .
ويجب أن نعلم أنه من الثابت علميا: كلما ارتفعنا في الجو كلما قل الضغط الجوي وبالتالي الضغط الجوي للأوكسجين ، لذلك إذا استنشق أوكسجين نقي 100% على ارتفاع (33700 قدم) فإن الضغط الجوي للأوكسجين في الحويصلات الهوائية يمثل نفس النسبة، كما لو استنشق الهواء على مستوى سطح البحر .
عندما نصل إلى ارتفاعات (40000 قدم) فإن الضغط الجوي للأوكسيجين يهبط بسرعة إلى مستوى يشكل خطورة على الحياة، ولا يدع أجهزة الجسم المختلفة في حالتها الطبيعية.
والارتفاع الحرج الذي يهبط فيه الضغط إلى 87مم/زئبق هو 50000 قدم، وهنا حتى لو تم استنشاق الأوكسيجين 100% فإنه لا يفي بتاتا بحاجة الجسم من الأوكسيجين . (شكل 2).
مراحل أعراض ظاهرة نقص الأوكسجين :
وتنقسم إلى أربعة مراحل تتعلق بالضغط الجوي، ومستوى الارتفاع، ونسبة تركيز الأوكسيجين في الدم.
1 . مرحلة عدم الـتـغيير(من مســتوى ســطــح الـبـحـر إلى ارتفاع 10000 قـدم ) في هذه المرحلة لاتوجد أعراض ظاهرة لنقص الأوكسجين ولاتتأثر الرؤية بالنهار.
2 . مرحلة التكافؤ « الفسيولوجي » ( من ارتفاع 10000 قدم إلى 16000 قدم ).
تعمل أجهزة التكافؤ « الفسيولوجي » في هذه المرحلة على عدم ظهور أعراض نقص الأوكسجين ، إلا إذا طالت مدة التعرض لهذا النقص ، أو قام الفرد بمجهود جسماني في هذه الظروف فتبدأ عملية التنفس في الازدياد عدداً وعمقاً، ويزيد النبض وضغط الدم ، وكذلك سرعة الدورة الدموية .
3 . مرحلة الاختلال « الفسيولوجي » (من ارتفاع 16000 قدم إلى 25000 قدم ).
في هذه المرحلة لاتفي أجهزة التكافؤ «الفسيولوجي » بالمطلوب ، ولاتستطيع توريد الكمية الكافية من « الأوكسجين» للأنسجة ، وهنا يبدأ ظهور الأعراض.
وفي هذه المرحلة نجد تفسيراً واضحاً لضيق الصدر الذي يشعر به الإنسان عندما يصعد إلى هذه الارتفاعات، وهو بيان يتفق مع ما تشير إليه الآية الكريمة من شعور الإنسان بضيق الصدر عندما {يصّعد في السماء} أي: في طبقات الجو العليا .
إن الآية الكريمة ذكرت أن ضيقا يحدث بالصدر عند الصعود في السماء ، أي : الارتفاعات العالية ، وقد وجد الأطباء في أبحاثهم على الطيارين أن الإنسان يشكو في هذه المرحلة من الإجهاد والصداع، والشعور بالرغبة في النوم، وصعوبة التنفس ، وضيق الصدر ، وهذا يتفق مع ما ورد في الآية الكريمة .
إن قوله تعالى : {... يجعلْ صدره ضيقاً } يقدم لنا - بإشارة دقيقة ، وكلمات معجزة - شرحاً لما يحدث «فسيولوجياً» للإنسان في الارتفاعات العالية ، وهي إشارة تسترعي انتباه الطبيب المتخصص في طب الطيران والفضاء، وقد تخفى على القارئ العادي .
والحقائق العلمية في هذه الآية الكريمة لم يصل إليها الأطباء إلا بعد بحث واجتهاد دام عشرات السنين .
4 . المرحلة الحرجة من ارتفاع (25000 قدم) فأعلى في هذه المرحلة يفقد الإنسان الوعي تماماً بسبب فشل الجهاز العصبي .
وما يحدث للإنسان عندما يواصل الارتفاع في طبقات الجو العليا ويصل إلى مرحلة حرجة هو تفسير ماجاء في قوله تعالى : {ضيقاً حرجاً كأنما يصّعّد في السماء} .
ويتحقق التوافق بين معنى الآية الكريمة ، والثابت في حقائق العلم الحديث ، من خلال الدلالة الواضحة في الأعراض التي تصيب الإنسان عند التعرض لنقص « الأوكسجين » في هذه المرحلة من الارتفاع ، فالتغييرات التي تحدث بالصدر ( أي الجهاز التنفسي ، والقلب ) تصل أقصاها .
وبعد هذه الحالة يحدث فشل كامل في وظائفهما «الفسيولوجية » نتيجة العبء الملقى عليهما ، ويصاحبهما فشل في الجهاز العصبي نتيجة التعرض للنقص الشديد في ضغط «الأوكسجين » وكميته الموجودة في الارتفاعات العالية من الغلاف الجوي كما تقدم .
وهنا يتأكد لنا أن القرآن الكريم أخبر عن أمور علمية لم تكن معروفة زمن نزوله على رسول الله [ ، وإنما أظهرها التقدم العلمي فيما بعد .
ظاهرة انخفاض الضغط الجوي ( ديسباريزم ):
وفيها تحدث مجموعة من الأعراض التي تنتج عن تمدد حجم الغازات وزيادتها في جسم الإنسان عند تعرضه لانخفاض الضغط الجوي في الارتفاعات العالية ( السماء ) . وتحدث لركاب الطائرات عندما تفشل أجهزة ضبط الضغط داخل الطائرة.
أعراض ظاهرة انخفاض الضغط الجوي
تنقسم أعراض هذه الظاهرة إلى قسمين :
الأول : أعراض نتيجة تمدد الغازات المحبوسة في تجاويف الجسم ، وهذه يحكمها قانون « بويل للغازات » (1).
الثاني : أعراض نتيجة تصاعد الغازات الذائبة في خلايا الجسم على هيئة فقاعات ـــ وهي أساساً غاز «النيتروجين » - عند تعرض الإنسان للارتفاعات العالية وانخفاض الضغط الجوي ، وهذه يحكمها قانون هنري للغازات (2) ، وغاز النيتروجين الذي يوجد في جسم الإنسان يصل حجمه تقريبا إلى لتر واحد يوجد منه 75 سم3 ذائبة في الدم والباقي في الأنسجة.
ويلاحظ أن الدهون لها قابلية شديدة للنيتروجين (تسعة أضعاف الدم والأنسجة الأخرى ) كذلك يجب أن نلاحظ أن الجهاز العصبي به نسبة عالية من الدهون.
وبهذا يستبين لنا الآثار السلبية الناتجة عن انفلات تلك الغازات على هيئة فقاعات لدى الصعود في أعالي الفضاء.
أعراض القسم الأول ( الغازات المحبوسة ) :
1 . غازات بالجهاز الهضمي :
المعدة : إذا زاد حجم الغازات الموجودة داخل المعدة فإنها تتمدد وتضغط على الرئتين مسببة اضطراباً شديداً في التنفس ، وهو تفسير واضح لضيق الصدر عندما يصعد الإنسان في السماء .
القولون : وتسبب زيادة حجم الغازات بالقولون حدوث آلام شديدة بالبطن مما يتسبب في شعور الإنسان بالضيق.
2 . غازات داخل الرئتين :
تتمدد الغازات في الرئتين عند الارتفاع ويزداد حجمهاوتخرج مع الزفير .
وإذا أغلق الإنسان حلقه أثناء الارتفاع المفاجئ فإن أنسجة الرئتين تصاب بالتهتك وتتمزق بسبب ضغط تلك الغازات المتمددة .
3 . غازات داخل الأسنان والضروس : تُحدث آلاماً شديدة عند تمددها .
4 . غازات بالأذن الوسطى : زداد حجم الغازات في الأذن الوسطى مسببة آلاماً شديدة .
5 . غازات بالجيوب الأنفية : يزداد حجم الغازات في الجيوب الأنفية وتُحدث آلاماً بها.
أعراض القسم الثاني ( الغازات المتصاعدة ) :
وتـظـهـر هذه الأعـراض نتيجـة تصاعـد الغازات الذائــبـة في خلايا الجــــسم ـ النيتروجين ـ على هيئة فقاعات عند الارتفاعات العالية .
1 . آلام المفاصل :
تُحدث الغازات المتصاعدة آلاماً شديدة في المفاصل .
2 . الاخـــتناق :
تحدث آلام شديدة بالصدر ويشعر الإنسان بضيق شديد عند تعرضه للضغط الجوي المنخفض - حين صعوده في الارتفاعات العالية - وقد لوحظ أنه يصاحب هذا الشعور بالضيق في الصدر سعال جاف مؤلم ، وآلام في التنفس العميق ، وهذا نتيجة تصاعد فقاعات «النيتروجين» من أنسجة الرئتين حول الشعيرات الدموية وداخلها، وكذلك تأثر « العصب الحائر » كما ذكرت الآية الكريمة :{ومن يرد أن يضله يجعلْ صدره ضيقاً} .
فقد ذكرت كلمة ( الصدر ) - الذي يحتوي داخله على الجهاز التنفسي ، والقلب ، والجهاز الدوري - على أنه مكان الشعور ( بالضيق ) عند الصعود ( في السماء ) أي : الارتفاعات العالية .
وقد أثبت العلم أن هذا مايحدث لراكب الطائرة عندما يتعرض للضغط الجوي المنخفض في الارتفاعات العالية.
3 . الجلـد : تُحدِث فيه الغازات المتصاعدة تحسّسا ( ارتكاريا ) وفقاعات تحت الجلد .
4 . الجهاز العصبي : تتأثر الرؤية ، ومجال النظر ، وقد يحدث شلل جزئي أو شامل ؛ بسبب تصاعد تلك الغازات.
5 . الهبوط الدوري العصبي : في هذه الحالة يحدث صداع ، وإغماء ، وصدمة عصبية ، وزرقة في الجسم ، وهذه هي نهاية المرحلة الحرجة التي ذكرتها الآية الكريمة {حرجاً كأنما يصّعّد في السماء} وهي تؤدي إلى الوفاة .
وإن هذا الوجه من الإعجاز العلمي في القرآن الكريم من أبرز ما اهتدى إليه الإنسان في العصر الحديث ... عصر العلم والمعرفة .
وكلما انتشر العلم واتسعت مجالاته ظهر من أوجه
الإعجاز العلمي في القرآن الكريم مايجعل الناس على اختلاف ألسنتهم وألوانهم يسارعون إلى الدخول في دين الله أفواجا .
وصدق ربنا الكريم : {إنً هٍوّ إلاَّ ذٌكًرِ لٌَلًعّالّمٌينّ * ولّتّعًلّمٍنَّ نّبّأّهٍ بّعًدّ حٌينُ *} [سورة ص: 87، 88].
المصدر:
بحث علمي للدگتور / صـــلاح الــدين المـغـربي المستشار في طب الطيران معهد طب الطيران ـ فامبرا ـ بريطانيا عضو جمعية طب الطيران والفضاء بالولايات المتحدة كلية الأطباء الملكية ـ لندن ـ كلية الجراحين الملكية ـ بريطانيا
عمروعبده 22-02-2011, 12:07 PM والصبح إذا تنفس إشارة قرآنية إلى عملية التركيب الضوئي
والصبح إذا تنفس
قال الله تعالى في كتابه العزيز : (فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ {15} الْجَوَارِ الْكُنَّسِ {16} وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ {17} وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ {18}إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ) [سورة التكوير].
يقسم الله سبحانه وتعالى بقوله : " والصبح إذا تنفس " والواو هنا للقسم والعظيم لا يقسم إلا بعظيم، ففي هذه آية أقسم الله سبحانه بالصبح إذا تنفس وفي هذه العبارة يشبه الله سبحانه وتعالى عملية بدأ ظهور الشمس في الأفق (الصبح )بإنسان بدأ بأخذ النفس أي أخذ شهيق بعد استراحة أو سبات مؤقت عند الزفير وكما نعلم أن عملية التنفس هي من أهم العمليات الحيوية التي تقوم بها الكائنات الحية حيث يقوم الإنسان من خلال هذه العملية بإدخال الهواء الغني بالأوكسجين إلى الرئتين( الشهيق) حيث تقوم الرئتين بامتصاص الأوكسجين وطرح ثاني أكسيد الكربون وهذه العملية هامة جداً لجسم الإنسان ولا يستطيع إي إنسان أن يستغني عنها أكثر من دقائق معدودة وتوقفها يعني الموت المحقق حيث يستفيد الجسم من الأوكسجين في حرق الغذاء وإنتاج الطاقة التي تبعث الحياة في خلايا الجسم وأنسجته ففي الصباح عند بدأ ظهور الشمس ( الصبح ) تبدأ عملية غاية في الأهمية والتعقيد هي عملية التركيب الضوئي حيث تقوم النباتات بأخذ غاز ثاني أكسيد الكربون ( الغاز المؤذي الذي لا يستطيع الإنسان استهلاكه ) من الهواء وتطرح غاز الأوكسجين بدلاً عنه.
إن الأوكسجين الذي نتنفسه والذي هو المصدر الأساسي للحياة إنه المُنتج الرئيسي في عملية التركيب الضوئي .
إن 30% من الأوكسجين الموجود في الجو تنتجه النباتات على الأرض والـ 70% المتبقية تنتجها النباتات والأحياء الوحيدة الخلية في البحار والمحيطات وهذه العملية لا يمكن ملاحظتها بالعين المجردة، لأن هذه الآلية تستخدم الإلكترونات والذرات والجزيئات ومع ذلك نستطيع رؤية نتائج عملية التركيب الضوئي من خلال الأوكسجين الذي يجعلنا قادرون على التنفس والغذاء الذي يحافظ على حياتنا.
التركيب الضوئي هو نظام معقد يستخدم صيغ كيميائية ووحدات من الوزن على نطاق ضيق جداً، ويحتوي على تجهيزات دقيقة الحساسية جداً.
يوجد ملايين الملايين من المختبرات الكيميائية التي تقوم بهذه العملية في كل النباتات الخضراء حولنا وعلاوة على ذلك تصنع النباتات الأوكسجين الذي نتنفسه والطعام الذي نتناوله ونستمد منها الطاقة ولم تتوقف هذه العلمية منذ ملايين السنين.
العبارة " إذا تنفس " هي دلالة واضحة على عملية التمثيل الضوئي حيث شبه الله سبحانه الصبح وهو بدأ طلوع الشمس في الأفق بإنسان أخذ نفساً وهو إشارة واضحة إلى تلازم إنتاج الأوكسجين مع طلوع الشمس وأن بدأ هذه عملية التنفس الحيوي أو التركيب الضوئي تبدأ مع بدأ طلوع الشمس
وتتأكد أهمية هذه الظاهرة بالطريقة التي أقسم بها الله والطريقة التي حددها الله لعملية التركيب الضوئي.
وإن الإشارة إلى هذه الظاهرة ( التمثيل الضوئي ) وتشبيهها بالتنفس دلالة على أهميتها فهي كأهمية التنفس بالنسبة إلى الإنسان فلا يمكن للأرض الاستغناء عنها فبدونها سوف تتحول الأرض إلى خراب لا حياة فيها كالقمر .
كما أن استعمال (إذا) تدل على تلازم بدأ عملية التركيب الضوئي مع بدأ طلوع الشمس كما أن ترتيب كلمات الآية حيث ذكر الله طلوع ضوء الشمس أولاً ثم بدأ عملية التنفس بشكل مرتب وهذا ما يتطابق مع عملية التركيب الضوئي وإنتاج الضوء فبدون هذا الترتيب لا يمكن أن تتم عملية التنفس الحيوي للنبات أو التركيب الضوئي ثم إنتاج الأوكسجين .
وهناك لفتة رائعة فكما أن الطفل حينما يولد فإنه يبدأ بأخذ شهيق أثناء البكاء للتنفس فالتنفس هو بداية لحياته كذلك النهار حينما يولد يبدأ بالتنفس
عملية التركيب الضوئي التي تقوم بها النباتات وأحياناً تقوم بها بكيريا وأحياء وحيدة الخلية تستخدم أشعة الشمس لكي تنتج سكر ( كاربوهيدات ) من غاز ثاني أوكسيد الكربون والماء وكنتيجة لهذه المعادلة فإن الطاقة في أشعة الشمس تخزن داخل السكر المنتج وهذه الصيغة تلخص المعادلة التي تحدث العملية التي تنتقل بها الطاقة الشمسية الغير مستخدمة إلى طاقة كيميائية قابلة للاستخدام :
® c6h12o6+6o2 عملية التركيب الضوئي 6h2o+6co2®
بقلم فراس نور الحق محرر موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة
تم الاستفادة من أبحاث الداعية التركي هارون يحيى في إعداد هذا البحث
عمروعبده 22-02-2011, 12:09 PM الدخان الكوني
الدخان الكوني
قال الله تعالى http://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) (فصلت : 11).
في الثلث الأول من القرن العشرين لاحظ الفلكيون عملية توسع الكون التي دار من حولها جدل طويل حتى سلم العلماء بحقيقتها, وقد سبق القرآن الكريم بالإشارة إلى تلك الحقيقة قبل ألف وأربعمائة سنة بقول الحق(تبارك وتعالى): (وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ {47} وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ) ( الذاريات:47).
وكانت هذه الآية الكريمة قد نزلت والعالم كله ينادي بثبات الكون, وعدم تغيره, وظل هذا الاعتقاد سائدا حتي منتصف القرن العشرين حين أثبتت الأرصاد الفلكية حقيقة توسع الكون, وتباعد مجراته عنا, وعن بعضها البعض بمعدلات تقترب أحيانا من سرعة الضوء( المقدرة بنحو ثلاثمائة ألف كيلو متر في الثانية), وقد أيدت كل من المعادلات الرياضية وقوانين الفيزياء النظرية استنتاجات الفلكيين في ذلك.
وانطلاقا من هذه الملاحظة الصحيحة نادي كل من علماء الفلك, والفيزياء الفلكية والنظرية بأننا إذا عدنا بهذا الاتساع الكوني إلى الوراء مع الزمن فلابد أن تلتقي كل صور المادة والطاقة الموجودة في الكون(المدرك منها وغير المدرك) وتتكدس علي بعضها البعض في جرم ابتدائي واحد يتناهى في الصغر إلى ما يقرب الصفر أو العدم, وتنكمش في هذه النقطة أبعاد كل من المكان والزمان حتى تتلاشي(مرحلة الرتق).
وهذا الجرم الابتدائي كان في حالة من الكثافة والحرارة تتوقف عندهما كل القوانين الفيزيائية المعروفة, ومن ثم فإن العقل البشري لا يكاد يتصورهما, فانفجر هذا الجرم الأولي بأمر الله(تعالى) في ظاهرة يسميها العلماء عملية الانفجار الكوني العظيم ، ويسميها القرآن الكريم باسم الفتق فقد سبق القرآن الكريم كل المعارف الإنسانية بالإشارة إلى ذلك الحدث الكوني العظيم من قبل ألف وأربعمائة من السنين بقول الحق(تبارك وتعالى)http://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) (الأنبياء:30).
وتشير دراسات الفيزياء النظرية في أواخر القرن العشرين إلى أن جرما بمواصفات الجرم الابتدائي للكون عندما ينفجر يتحول إلى غلالة من الدخان الذي تخلقت منه الأرض وكل أجرام السماء,وقد سبق القرآن الكريم بألف وأربعمائة سنة كل المعارف الإنسانية وذلك بإشارته إلى مرحلة الدخان في قول الحق( تبارك وتعالى):
(قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ {9}وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ {10} ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) (فصلت:9 ــ11).
وفي8 نوفمبر سنة1989 م أطلقت وكالة الفضاء الأمريكية مركبة فضائية باسم مكتشف الخلفية الاشعاعية للكون وذلك في مدار علي ارتفاع ستمائة كيلومتر حول الأرض بعيدا عن تأثير كل من السحب والملوثات في النطق الدنيا من الغلاف الغازي للأرض, وقد قام هذا القمر الصنعي بإرسال ملايين الصور والمعلومات إلى الأرض عن آثار الدخان الأول الذي نتج عن عملية الانفجار العظيم للكون من علي بعد عشرة مليارات من السنين الضوئية, وهي حالة دخانية معتمة سادت الكون قبل خلق الأرض والسماوات, فسبحان الذي أنزل من قبل ألف وأبعمائة سنة قوله الحق: (ثم استوي إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض إئتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين)( فصلت:11).
دخانية السماء بعد الانفجار الكوني العظيم( أي بعد فتق الرتق):
بعد التسليم بحقيقة توسع الكون, وبرد ذلك التوسع إلى الوراء مع الزمن حتي الوصول إلى جرم ابتدائي واحد متناه في الضآلة حجما إلى الصفر أو ما يقرب من العدم, ومتناه في الكثافة والحرارة إلى حد لا يكاد العقل الانساني أن يتخيله, لتوقف كل قوانين الفيزياء المعروفة عنده(مرحلة الرتق), وبعد التسليم بانفجار هذا الجرم الابتدائي( مرحلة الفتق) في ظاهرة كونية يسميها العلماء الانفجار الكوني الكبير بدأ كل من علماء الفلك والفيزياء الفلكية والنظرية في تحليل مسار الأحداث الكونية بعد هذا الحدث الكوني الرهيب.
ومع إيماننا بان تلك الأحداث الموغلة في تاريخ الكون تقع في صميم الغيب الذي أخبر ربنا(تبارك وتعالى) عنه بقوله( عز من قائل)http://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.pngما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا)( الكهف:51)، إلا أن السنن التي فطر الله( تعالي) الكون عليها لها من الاطراد, والاستمرار, والثبات, ما يمكن أن يعين الانسان علي الوصول إلى شيء من التصور الصحيح لتلك الأحداث الغيبية الموغلة في أبعاد التاريخ الكوني علي الرغم من حس الانسان المحدود, وقدرات عقله المحدودة, ومحدودية كل من زمانه ومكانه.
كذلك فان التقنيات المتطورة من مثل الصواريخ العابرة لمسافات كبيرة في السماء, والأقمار الصنعية التي تطلقها تلك الصواريخ, والأجهزة القياسية والتسجيلية الدقيقة التي تحملها قد ساعدت علي الوصول إلى تصوير الدخان الكوني الأول الذي نتج عن عملية الانفجار العظيم, والذي وجدت بقايا أثرية له علي أطراف الجزء المدرك من الكون, وعلي أبعاد تصل إلى عشرة مليارات من السنين الضوئية لتثبت دقة التعبير القرآني بلفظة دخان التي وصف بها حالة الكون قبل خلق السماوات والأرض.
الفيزياء الفلكية ودخانية الكون:
بعد الانفجار العظيم تحول الكون الى غلالة من الدخان الذى خلقت منه الارض والسماوات . و تشير الحسابات الفيزيائية إلى أن حجم الكون قبل الانفجار العظيم كاد يقترب من الصفر, وكان في حالة غريبة من تكدس كل من المادة والطاقة, وتلاشي كل من المكان والزمان, تتوقف عندها كل قوانين الفيزياء المعروفة( مرحلة الرتق), ثم انفجر هذا الجرم الابتدائي الأولي في ظاهرة كبري تعرف بظاهرة الانفجار الكوني العظيم مرحلة الفتق وبانفجاره تحول إلى كرة من الإشعاع والجسيمات الأولية أخذت في التمدد والتبرد بسرعات فائقة حتي تحولت إلى غلالة من الدخان.
فبعد ثانية واحدة من واقعة الانفجار العظيم تقدر الحسابات الفيزيائية انخفاض درجة حرارة الكون من تريليونات الدرجات المطلقة إلى عشرة بلايين من الدرجات المطلقة[ ستيفن و. هوكنج1988 م]
وعندها تحول الكون إلى غلالة من الدخان المكون من الفوتونات والإلكترونات والنيوترينوات واضداد هذه الجسيمات مع قليل من البروتونات والنيوترونات. ولولا استمرار الكون في التوسع والتبرد بمعدلات منضبطة بدقة فائقة لأفنت الجسيمات الأولية للمادة وأضدادها بعضها بعضا, وانتهي الكون, ولكنه حفظ بحفظ الله الذي أتقن كل شيء خلقه. والنيوترونات يمكن أن توجد في الكون علي هيئة ما يسمي باسم المادة الداكنة .وينادي آلان جوث بأن التمدد عند بدء الانفجار العظيم كان بمعدلات فائقة التصور أدت إلى زيادة قطر الكون بمعدل2910 مرة في جزء من الثانية , وتشير حسابات الفيزياء النظرية إلى الاستمرار في انخفاض درجة حرارة الكون إلى بليون( ألف مليون) درجة مطلقة بعد ذلك بقليل, وعند تلك الدرجة اتحدت البروتونات والنيوترونات لتكوين نوي ذرات الإيدروجين الثقيل أو الديوتريوم التي تحللت إلى الإيدروجين أو اتحدت مع مزيد من البروتونات والنيوترونات لتكون نوي ذرات الهيليوم(Helium Nuclei) والقليل من نوي ذرات عناصر أعلي مثل نوي ذرات الليثيوم ونوي ذرات البريليوم , ولكن بقيت النسبة الغالبة لنوي ذرات غازي الأيدروجين والهيليوم, وتشير الحسابات النظرية إلى أنه بعد ذلك بقليل توقف إنتاج كل من الهيليوم والعناصر التالية له, واستمر الكون في الاتساع والتمدد والتبرد لفترة زمنية طويلة, ومع التبرد انخفضت درجة حرارة الكون إلى آلاف قليلة من الدرجات المطلقة حين بدأت ذرات العناصر في التكون والتجمع وبدأ الدخان الكوني في التكدس علي هيئة أعداد من السدم الكونية الهائلة.
ومع استمرار عملية الاتساع والتبرد في الكون بدأت أجزاء من تلك السدم في التكثف علي ذاتها بفعل الجاذبية وبالدوران حول نفسها بسرعات متزايدة بالتدريج حتي تخلقت بداخلها كتل من الغازات المتكثفة, ومع استمرار دوران تلك الكتل الكثيفة في داخل السدم بدأت كميات من غازي الإيدروجين والهيليوم الموجودة بداخلها في التكدس علي ذاتها بمعدلات أكبر, مما أدي إلى مزيد من الارتفاع في درجات حرارتها حتي وصلت إلى الدرجات اللازمة لبدء عملية الاندماج النووي فتكونت النجوم المنتجة للضوء والحرارة.
وفي النجوم الكبيرة الكتلة استمرت عملية الاندماج النووي لتخليق العناصر الأعلي في وزنها الذري بالتدريج مثل الكربون والأوكسيجين وما يليهما حتي يتحول لب النجم بالكامل إلى الحديد فينفجر هذا النجم المستعر(Nova) علي هيئة فوق المستعر وتتناثر أشلاء فوق المستعرات وما بها من عناصر ثقيلة في داخل المجرة لتتكون منها الكواكب والكويكبات, بينما يبقي منها في غازات المجرة ما يمكن أن يدخل في بناء نجم آخر بإذن الله.
وتحتوي شمسنا علي نحو2% من كتلتها من العناصر الأثقل في أوزانها الذرية من غازي الإيدروجين والهيليوم, وهما المكونان الأساسيان لها, وهذه العناصر الثقيلة لم تتكون كلها بالقطع في داخل الشمس بل جاءت إليها من بقايا انفجار بعض من فوق المستعرات.
وعلي الرغم من تكدس كل من المادة والطاقة في أجرام السماء( مثل النجوم وتوابعها) فان الكون المدرك يبدو لنا متجانسا علي نطاق واسع, في كل الاتجاهات, وتحده خلفية إشعاعية متساوية حيثما نظر الراصد.
كذلك فان توسع الكون لم يتجاوز بعد الحد الحرج الذي يمكن أن يؤدي إلى انهياره علي ذاته,وتكدسه من جديد, مما يؤكد أنه محكوم بضوابط بالغة الدقة والاحكام, ولا يزال الكون المدرك مستمرا في توسعه بعد أكثر من عشرة مليارات من السنين(هي العمر الأدني المقدر للكون) وذلك بنفس معدل التوسع الحرج, ولو تجاوزه بجزء من مئات البلايين من المعدل الحالي للتوسع لانهار الكون علي الفور, فسبحان الذي حفظه من الانهيار..!!
والنظرية النسبية لا يمكنها تفسير ذلك لأن كل القوانين الفيزيائية, وكل الأبعاد المكانية والزمانية تنهار عند الجرم الابتدائي للكون قبل انفجاره( مرحلة الرتق) بكتلته, وكثافته وحرارته الفائقة, وانعدام حجمه إلى ما يقرب من الصفر, ولا يمكن لعاقل أن يتصور مصدرا لخلق هذا الكون بهذا القدر من الإحكام غير كونه أمرا من الخالق( سبحانه وتعالى) الذي (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُون)( يس:82).
فعلي سبيل المثال لا الحصر يذكر علماء الفيزياء أنه إذا تغيرت الشحنة الكهربائية للإليكترون قليلا, ما استطاعت النجوم القيام بعملية الاندماج النووي, ولعجزت عن الانفجار علي هيئة ما يسمي بفوق المستعر إذا تمكنت فرضا من القيام بعملية الاندماج النووي.
والمعدل المتوسط لعملية اتساع الكون لابد وأنه قد اختير بحكمة بالغة لأن معدله الحالي لا يزال قريبا من الحد الحرج اللازم لمنع الكون من الانهيار علي ذاته.
ويقرر علماء الفيزياء النظرية والفلكية أن الدخان الكوني كان خليطا من الغازات الحارة المعتمة التي تتخللها بعض الجسيمات الأولية للمادة وأضداد المادة حتى تشهد هذه الصورة من صور الزوجية السائدة في الكون لله وحده بالتفرد بالوحدانية فوق كافة خلقه, ولا توجد كلمة توفي هذه الحالة حقها من الوصف مثل كلمة دخان فسبحان الذي أنزلها في كتابه من قبل ألف وأربعمائة من السنين.
وقد تكونت من تلك الجسيمات الأولية للمادة في الدخان الكوني الأولي نوي ذرات غازي الإيدروجين والهيليوم, وبعد ذلك وصلت إلى الحد الذي يسمح بتكوين ذرات ثابتة لعناصر أكبر وزنا وذلك باتحاد نوي ذرات الإيدروجين والهيليوم. وظل هذا الدخان المعتم سائدا ومحتويا علي ذرات العناصر التي خلق منها بعد ذلك كل من الأرض والسماء.
وتفيد الدراسات النظرية أن الكون في حالته الدخانية كان يتميز بقدر من التجانس مع تفاوت بسيط في كل من الكثافة ودرجات الحرارة بين منطقة وأخرى, وذلك نظرا لبدء تحول أجزاء من ذلك الدخان بتقدير من الله( تعالي) إلى مناطق تتركز فيها كميات كبيرة من كل من المادة والطاقة علي هيئة السدم. ولما كانت الجاذبية في تلك المناطق تتناسب تناسبا طردياً مع كم المادة والطاقة المتمركزة فيها, فقد أدي ذلك إلى مزيد من تكدس المادة والطاقة والذي بواسطته بدأ تخلق النجوم وبقية أجرام السماء في داخل تلك السدم, وتكونت النجوم في مراحلها الأولي من العناصر الخفيفة مثل الإيدروجين والهيليوم, والتي أخذت في التحول إلى العناصر الأعلى وزنا بالتدريج مع بدء عملية الاندماج النووي في داخل تلك النجوم حسب كتلة كل منها.
تصوير الدخان الكوني
في الثامن من نوفمبر سنة1989 م أطلقت وكالة الفضاء الأمريكية مركبة باسم مكتشف الخلفية الإشعاعية للكون التي ارتفعت إلى مدار حول الأرض يبلغ ارتفاعه ستمائة كيلومتر فوق مستوي سطح البحر, وذلك لقياس درجة حرارة الخلفية الإشعاعية للكون, وقياس كل من الكثافة المادية والضوئية والموجات الدقيقة في الكون المدرك, بعيدا عن تأثير كل من السحب والملوثات في النطق الدنيا من الغلاف الغازي للأرض, وقام هذا القمر الصنعي المستكشف بإرسال قدر هائل من المعلومات وملايين الصور لآثار الدخان الكوني الأول الذي نتج عن عملية الانفجار العظيم للكون, من علي بعد عشرة مليارات من السنين الضوئية, وأثبتت تلك الصور أن هذا الدخان الكوني في حالة معتمة تماما تمثل حالة الإظلام التي سادت الكون في مراحله الأولى.
هذه الصورة التقطت للإشعاع الخلفي للكون ( Back ground radiation ) البقع الحمراء تمثل المناطق الحارة والزرقاء تمثل المناطق الباردة
ويقدر العلماء كتلة هذا الدخان المعتم بحوالي90% من كتلة المادة في الكون المنظور, وكتب جورج سموت أحد المسئولين عن رحلة المستكشف تقريرا نشره سنة 1992 م بالنتائج المستقاة من هذا العدد الهائل من الصور الكونية كان من أهمها الحالة الدخانية المتجانسة التي سادت الوجود عقب الانفجار الكوني العظيم, وكذلك درجة الحرارة المتبقية علي هيئة خلفية اشعاعية أكدت حدوث ذلك الانفجار الكبير, وكان في تلك الكشوف أبلغ الرد علي النظريات الخاطئة التي حاولت ــ من منطلقات الكفر والإلحاد ــ تجاوز الخلق, والجحود بالخالق(سبحانه وتعالى) فنادت كذبا بديمومة الكون بلا بداية ولا نهاية من مثل نظرية الكون المستمر التي سبق أن أعلنها ودافع عنها كل من هيرمان بوندي وفريد هويل في سنة1949 م, ونظرية الكون المتذبذب التي نادي بها ريتشارد تولمان من قبل.. فقد كان في إثبات وجود الدخان الكوني والخلفية الإشعاعية للكون بعد إثبات توسع الكون ما يجزم بأن كوننا مخلوق له بداية ولابد أن ستكون له في يوم من الأيام نهاية, وقد أكدت الصور التي بثتها مركبة المستكشف للخلفية الإشعاعية والتي نشرت في ابريل سنة1992 م كل تلك الحقائق.
تكوين نوى المجرات من الدخان الكوني
كان الجرم الابتدائي للكون مفعما بالمادة والطاقة المكدسة تكديسا رهيبا يكاد ينعدم فيه الحجم إلى الصفر, وتتلاشي فيه كل أبعاد المكان والزمان, وتتوقف كل قوانين الفيزياء المعروفة لنا كما سبق وأن أشرنا( مرحلة الرتق), وبعد انفجار هذا الجرم الأولي وبدء الكون في التوسع, تمدد الإشعاع وظل الكون مليئا دوما بالطاقة الكهرمغناطيسية, علي أنه كلما تمدد الكون قل تركيز الطاقة فيه, ونقصت كثافته, وانخفضت درجة حرارته.
وأول صورة من صور الطاقة في الكون هي قوة الجاذبية، وهي قوي كونية بمعني أن كل جسم في الكون يخضع لقوي الجاذبية حسب كتلته أو كمية الطاقة فيه, وهي قوي جاذبة تعمل عبر مسافات طويلة, وتحفظ للجزء المدرك من الكون بناءه وأبعاده ولعلها هي المقصودة بقول الحق( تبارك وتعالى)http://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/smile.png اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ...)( الرعد:2) وقوله( عز من قائل): ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيم)( الحج:65).
وقوله( سبحانه وتعالى): (وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاء وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ)( الروم:25).
وقوله( تبارك اسمه): (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ...)(لقمان:10).
وقوله( تعالي): (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا )( فاطر:41).
ويقسم ربنا( تبارك وتعالى) وهو الغني عن القسم في مطلع سورة الطور بـ السقف المرفوع وهذا القسم القرآني جاء بالسماء المرفوعة بغير عمد مرئية..!!
والصورة الثانية من صور الطاقة المنتشرة في الكون هي القوي الكهربائية/المغناطيسية( أو الكهرومغناطيسية) وهي قوي تعمل بين الجسيمات المشحونة بالكهرباء, وهي أقوي من الجاذبية بملايين المرات( بحوالي4110 مرة), وتتمثل في قوي التجاذب بين الجسيمات التي تحمل شحنات كهربية مختلفة( موجبة وسالبة), كما تتمثل في قوي التنافر بين الجسيمات الحاملة لشحنات كهربية متشابهة, وتكاد هذه القوي من التجاذب والتنافر يلغي بعضها بعضا, وعلي ذلك فان حاصل القوي الكهرومغناطيسية في الكون يكاد يكون صفرا, ولكن علي مستوي الجزيئات والذرات المكونة للمادة تبقي هي القوي السائدة.
والقوي الكهرومغناطيسية هي التي تضطر الاليكترونات في ذرات العناصر إلى الدوران حول النواة بنفس الصورة التي تجبر فيها قوي الجاذبية الأرض( وغيرها من كواكب المجموعة الشمسية) إلى الدوران حول الشمس, وإن دل ذلك علي شيء فإنما يدل علي وحدة البناء في الكون من أدق دقائقه إلى أكبر وحداته, وهو ما يشهد للخالق( سبحانه وتعالى) بالوحدانية المطلقة بغير شريك ولا شبيه ولا منازع.
ويصور الفيزيائيون القوي الكهرومغناطيسية علي أنها تنتج من تبادل أعداد كبيرة من جسيمات تكاد تكون معدومة الوزن تسمي بالفوتونات والقوي الثالثة في الكون هي القوي النووية القوية وهي القوي التي تمسك باللبنات الأولية للمادة في داخل كل من البروتونات والنيوترونات في نواة الذرة, وهذه القوي تصل إلى أقصي قدرتها في المستويات العادية من الطاقة, ولكنها تضعف مع ارتفاع مستويات الطاقة باستمرار.
والقوة الرابعة في الكون هي القوي النووية الضعيفة وهي القوي المسئولة عن عملية النشاط الإشعاعي وفي الوقت الذي تضعف فيه القوي النووية القوية في المستويات العليا للطاقة, فان كلا من القوي النووية الضعيفة والقوي الكهرومغناطيسية تقوي في تلك المستويات العليا للطاقة.
وحدة القوي في الكون
يوحد علماء الفيزياء النظرية بين كل من القوي الكهرومغناطيسية, والقوي النووية القوية والضعيفة فيما يسمي بنظرية التوحد الكبرى والتي تعتبر تمهيدا لنظرية أكبر توحد بين كافة القوي الكونية في قوة عظمي, واحدة تشهد لله الخالق بالوحدانية المطلقة, وعن هذه القوة العظمي انبثقت القوي الكبرى الأربع المعروفة في الكون: قوة الجاذبية, القوة الكهرومغناطيسية وكل من القوتين النوويتين الشديدة والضعيفة مع عملية الانفجار الكوني الكبير مباشرة( الفتق بعد الرتق).
وباستثناء الجاذبية فان القوي الكونية الأخرى تصل إلى نفس المعدل عند مستويات عالية جدا من الطاقة تسمي باسم الطاقة العظمي للتوحد,
ومن هنا فان هذه الصور الثلاث للطاقة تعتبر ثلاثة أوجه لقوة واحدة, لا يستبعد انضمام الجاذبية إليها, باعتبارها قوة ذات مدي طويل جدا, تتحكم في أجرام الكون وفي التجمعات الكبيرة للمادة ومن ثم يمكن نظريا غض الطرف عنها من قبيل التبسيط عندما يقصر التعامل علي الجسيمات الأولية للمادة, أو حتى مع ذرات العناصر.
وهذه الصورة من وحدة البناء في الكون, ووحدة صور الطاقة فيه, مع شيوع الزوجية في الخلق ــ كل الخلق ــ هي شهادة الكون لخالقه( سبحانه وتعالى) بالتفرد بالوحدانية المطلقة فوق كافة خلقه بغير شبيه ولا شريك ولا منازع, وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)( الذاريات:49). ويقول: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُون) ( الأنبياء:22).
وسبحانه وتعالى إذ أنزل من قبل ألف وأربعمائة سنة قوله الحق: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِين)( فصلت:11).
المصدر : مقالة للدكتور زغلول النجار نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 4 /6/2001م
مواقع تتحدث عن الغبار الكوني أو الدخان كما ذكره القرآن.
http://antwrp.gsfc.nasa.gov/apod/ap980806.html
www.upload.wikimedia.org (http://www.upload.wikimedia.org/)
www.uccs.edu (http://www.uccs.edu/)
http://www.whyevolution.com/nothing.html
http://www.jpl.nasa.gov/releases/2003/170.cfm
عمروعبده 22-02-2011, 12:10 PM دحي الأرض"
دحي الأرض
يقول الله تعالى في كتابه العزيز : (أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا {27} رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا {28} وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا {29} وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا {30} أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا {31} وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا {32} مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ {33})[سورة النازعات ].
جاءت هذه الآية الكريمة في مطلع الربع الأخير من سورة النازعات, وهي سورة مكية, تعني كغيرها من سور القرآن المكي بقضية العقيدة, ومن أسسها الإيمان بالله, وملائكته, وكتبه ورسله, واليوم الآخر, وغالبية الناس منشغلين عن الآخرة وأحوالها, والساعة وأهوالها, وعن قضايا البعث, والحساب, والجنة, والنار وهي محور هذه السورة.
وتبدأ السورة الكريمة بقسم من الله( تعالي) بعدد من طوائف ملائكته الكرام, وبالمهام الجسام المكلفين بها, أو بعدد من آياته الكونية المبهرة, علي أن الآخرة حق واقع, وأن البعث والحساب أمر جازم, وربنا( تبارك وتعالي) غني عن القسم لعباده, ولكن الآيات القرآنية تأتي في صيغة القسم لتنبيه الناس إلي خطورة الأمر المقسم به, وأهميته أو حتميته.
ثم تعرض الآيات لشيء من أهوال الآخرة مثل( الراجفة والرادفة) وهما الأرض والسماء وكل منهما يدمر في الآخرة, أو النفختان الأولي التي تميت كل حي, والثانية التي تحيي كل ميت بإذن الله, وتنتقل الآيات إلي وصف حال الكفار, والمشركين, والملاحدة, المتشككين, العاصين لأوامر رب العالمين في ذلك اليوم الرهيب, وقلوبهم خائفة وجلة, وأبصارهم خاشعة ذليلة, بعد أن كانوا ينكرون البعث في الدنيا, ويتساءلون عنه استبعادا له, واستهزاء به: هل في الامكان ان نبعث من جديد بعد أن تبلي الأجساد, وتنخر العظام؟ وترد الآيات عليهم حاسمة قاطعة بقرار الله الخالق أن الأمر بالبعث صيحة واحدة فإذا بكافة الخلائق قيام يبعثون من قبورهم ليواجهوا الحساب, أو كأنهم حين يبعثون يظنون أنهم عائدون للدنيا مرة ثانية فيفاجأون بالآخرة...
وبعد ذلك تلمح الآيات إلي قصة موسي( عليه السلام) مع فرعون وملئه, من قبيل مواساة رسولنا( صلي الله عليه وسلم) في الشدائد التي كان يلقاها من الكفار, وتحذيرهم مما حل بفرعون وبالمكذبين من قومه من عذاب, وجعل ذلك عبرة لكل عاقل يخشى الله( تعالى) ويخاف حسابه.
ثم تتوجه الآيات بالخطاب إلي منكري البعث من كفار قريش وإلي الناس عامة بسؤال تقريعي توبيخي: هل خلق الناس ـ علي ضآلة أحجامهم, ومحدودية قدراتهم, وأعمارهم, وأماكنهم من الكون ـ أشد من خلق السماء وبنائها, ورفعها بلا عمد مرئية إلي هذا العلو الشاهق ـ مع ضخامة أبعادها, وتعدد أجرامها, ودقة المسافات بينها, وإحكام حركاتها, وتعاظم القوي الممسكة بها؟ ـ وإظلام ليلها, وإنارة نهارها؟ وأشد من دحو الأرض, وإخراج مائها ومرعاها منها بعد ذلك, وإرساء الجبال عليها, وإرساء الأرض بها, تحقيقا لسلامتهم وأمنهم علي سطح الأرض, ولسلامة أنعامهم ومواشيهم.
وبعد الإشارة إلي بديع صنع الله في خلق السماوات والأرض كدليل قاطع علي إمكانية البعث عاودت الآيات الحديث عن القيامة وسمتها( بالطامة الكبرى) لأنها داهية عظمي تعم بأهوالها كل شيء, وتغطي علي كل مصيبة مهما عظمت, وفي ذلك اليوم يتذكر الإنسان أعماله من الخير والشر, ويراه مدونا في صحيفة أعماله, وبرزت جهنم للناظرين, فرآها كل إنسان عيانا بيانا, وحينئذ ينقسم الناس إلي شقي وسعيد, فالشقي هو الذي جاوز الحد في الكفر والعصيان, وفضل الدنيا علي الآخرة, وهذا مأواه جهنم وبئس المصير, والسعيد هو الذي نهي نفسه عن اتباع هواها انطلاقا من مخافة مقامه بين يدي ربه يوم الحساب, وهذا مأواه ومصيره إلي جنات النعيم بإذن الله.
وتختتم السورة بخطاب إلي رسول الله( صلى الله عليه وسلم) متعلق بسؤال كفار قريش له عن الساعة متي قيامها؟, وترد الآيات بأن علمها عند الله الذي استأثر به, دون كافة خلقه, فمردها ومرجعها إلي الله وحده, وأما دورك أيها النبي الخاتم والرسول الخاتم فهو إنذار من يخشاها, وهؤلاء الكفار والمشركون يوم يشاهدون قيامها فإن هول المفاجأة سوف يمحو من الذاكرة معيشتهم علي الأرض, فيرونها كأنها كانت ساعة من ليل أو نهار, بمقدار عشية أو ضحاها, احتقارا للحياة الدنيا, واستهانة بشأنها أمام الآخرة, ويأتي ختام السورة متوافقا مع مطلعها الذي أقسم فيه ربنا( تبارك وتعالي) علي حقيقة البعث وحتميته, وأهواله وخطورته, لزيادة التأكيد علي أنه أخطر حقائق الكون وأهم أحداثه, لكي يتم تناسق البدء مع الختام, وهذا من صفات العديد من سور القرآن الكريم.
وهنا يبرز التساؤل عن معني دحو الأرض, وعلاقته بإخراج مائها ومرعاها, ووضعه في مقابلة مع بناء السماء ورفعها ـ علي عظم هذا البناء وذلك الرفع كصورة واقعة لطلاقة القدرة المبدعة في الخلق, وقبل التعرض لذلك لابد من استعراض الدلالة اللغوية للفظة الدحو الواردة في الآية الكريمة:
الدلالة اللغوية لدحو الأرض
(الدحو) في اللغة العربية هو المد والبسط والإلقاء, يقالhttp://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png دحا) الشيء( يدحوه)( دحوا) أي بسطه ومده, أو ألقاه ودحرجه, ويقالhttp://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png دحا) المطر الحصى عن وجه الأرض أي دحرجه وجرفه, ويقال: مر الفرس( يدحو)( دحوا) إذا جر يده علي وجه الأرض فيدحو ترابها و(مدحي) النعامة هو موضع بيضها, و(أدحيها) موضعها الذي تفرخ فيه.
شروح المفسرين للآية الكريمة:
في شرح الآية الكريمةhttp://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.pngوالأرض بعد ذلك دحاها) ذكر ابن كثير( يرحمه الله) مانصه: فسره بقوله تعالي( أخرج منها ماءها ومرعاها), وقد تقدم في سورة فصلت أن الأرض خلقت قبل خلق السماء, ولكن إنما دحيت بعد خلق السماء بمعني أنه أخرج ما كان فيها بالقوة إلي الفعل, عن ابن عباس( دحاها) ودحيها أن أخرج منها الماء والمرعي, وشقق فيها الأنهار, وجعل فيها الجبال والرمال, والسبل والآكام, فذلك قولهhttp://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png والأرض بعد ذلك دحاها)....
وذكر صاحبا تفسير الجلالين( رحمهما الله)http://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png والأرض بعد ذلك دحاها) أي بسطها ومهدها لتكون صالحة للحياة, وكانت مخلوقة قبل السماء من غير دحو.( أخرج) حال بإضمار قد أي: دحاها مخرجا( منها ماءها ومرعاها) بتفجير عيونها, و(مرعاها) ما ترعاه النعم من الشجر والعشب, وما يأكله الناس من الأقوات والثمار, وإطلاق المرعي عليه استعارة.
وذكر صاحب الظلال( يرحمه الله): ودحو الأرض تمهيدها وبسط قشرتها, بحيث تصبح صالحة للسير عليها, وتكوين تربة تصلح للإنبات,..., والله أخرج من الأرض ماءها سواء ما يتفجر من الينابيع, أو ماينزل من السماء فهو أصلا من مائها الذي تبخر ثم نزل في صورة مطر; وأخرج من الأرض مرعاها, وهو النبات الذي يأكله الناس والأنعام, وتعيش عليه الأحياء مباشرة أو بالواسطة..
وجاء في( صفوة البيان لمعاني القرآن):' ودحا الأرض ـ بمعني بسطها ـ وأوسعها, بعد ذكر ذلك الذي ذكره من بناء السماء, ورفع سمكها, وتسويتها, وإغطاش ليلها, وإظهار نهارها, وقد بين الله الدحو بقولهhttp://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png أخرج منها ماءها) بتفجير العيون, وإجراء الأنهار والبحار العظام.( ومرعاها) أي جميع ما يقتات به الناس والدواب بقرينة قوله بعدhttp://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png متاعا لكم ولأنعامكم)........ وأخبرنا بعد ذلك بأنه هو الذي بسط الأرض, ومهدها لسكني أهلها ومعيشتهم فيها: وقدم الخبر الأول لأنه أدل علي القدرة الباهرة لعظم السماء, وانطوائها علي الأعاجيب التي تحار فيها العقول. فبعدية الدحو إنما هي في الذكر لا في الإيجاد, وبجعل المشار إليه هو ذكر المذكورات من البناء وما عطف عليها لا أنفسها, لايكون في الآية دليل علي تأخر الدحو عن خلق السماوات وما فيها.....'.
وجاء في( صفوة التفاسير)http://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png والأرض بعد ذلك دحاها) أي والأرض بعد خلق السماء بسطها ومهدها لسكني أهلها( أخرج منها ماءها ومرعاها) أي أخرج من الأرض عيون الماء المتفجرة, وأجري فيها الأنهار, وأنبت فيها الكلأ والمرعي مما يأكله الناس والأنعام'.
وجاء في( المنتخب في تفسير القرآن الكريم):' والأرض بعد ذلك بسطها ومهدها لسكني أهلها, وأخرج منها ماءها بتفجير عيونها, وإجراء أنهارها, وإنبات نباتها ليقتات به الناس والدواب..
وهذا الاستعراض يدل علي أن المفسرين السابقين يجمعون علي أن من معاني دحو الأرض هو إخراج الماء والمرعي من داخلها, علي هيئة العيون وإنبات النبات.
دحو الأرض في العلوم الكونية
أولاً: إخراج كل ماء الأرض من جوفها:
كوكب الأرض هو أغني كواكب مجموعتنا الشمسية في المياه, ولذلك يطلق عليه اسم(الكوكب المائي) أو( الكوكب الأزرق) وتغطي المياه نحو71% من مساحة الأرض, بينما تشغل اليابسة نحو29% فقط من مساحة سطحها, وتقدر كمية المياه علي سطح الأرض بنحو1360 مليون كيلومتر مكعب(1.36*910); وقد حار العلماء منذ القدم في تفسير كيفية تجمع هذا الكم الهائل من المياه علي سطح الأرض, من أين أتي؟ وكيف نشأ؟
وقد وضعت نظريات عديدة لتفسير نشأة الغلاف المائي للأرض, تقترح إحداها نشأة ماء الأرض في المراحل الأولي من خلق الأرض, وذلك بتفاعل كل من غازي الأيدروجين والأوكسجين في حالتهما الذرية في الغلاف الغازي المحيط بالأرض, وتقترح ثانية أن ماء الأرض أصله من جليد المذنبات, وتري ثالثة أن كل ماء الأرض قد أخرج أصلا من داخل الأرض.والشواهد العديدة التي تجمعت لدي العلماء تؤكد أن كل ماء الأرض قد أخرج أصلا من جوفها, ولا يزال خروجه مستمرا من داخل الأرض عبر الثورات البركانية.
ثانيا: إخراج الغلاف الغازي للأرض من جوفها:
بتحليل الأبخرة المتصاعدة من فوهات البراكين في أماكن مختلفة من الأرض اتضح أن بخار الماء تصل نسبته إلي أكثر من70% من مجموع تلك الغازات والأبخرة البركانية, بينما يتكون الباقي من اخلاط مختلفة من الغازات التي ترتب حسب نسبة كل منها علي النحو التالي: ثاني أكسيد الكربون, الإيدروجين, أبخرة حمض الأيدروكلوريك( حمض الكلور), النيتروجين, فلوريد الإيدروجين, ثاني أكسيد الكبريت, كبريتيد الإيدروجين, غازات الميثان والأمونيا وغيرها.
ويصعب تقدير كمية المياه المندفعة علي هيئة بخار الماء إلي الغلاف الغازي للأرض من فوهات البراكين الثائرة, علما بأن هناك نحو عشرين ثورة بركانية عارمة في المتوسط تحدث في خلال حياة كل فرد منا, ولكن مع التسليم بأن الثورات البركانية في بدء خلق الأرض كانت أشد تكرارا وعنفا من معدلاتها الراهنة, فإن الحسابات التي أجريت بضرب متوسط ماتنتجه الثورة البركانية الواحدة من بخار الماء من فوهة واحدة, في متوسط مرات ثورانها في عمر البركان, في عدد الفوهات والشقوق البركانية النشيطة والخامدة الموجودة اليوم علي سطح الأرض أعطت رقما قريبا جدا من الرقم المحسوب بكمية المياه علي سطح الأرض.
ثالثا: الصهارة الصخرية في نطاق الضعف الأرضي هي مصدر مياه وغازات الأرض:
ثبت أخيرا أن المياه تحت سطح الأرض توجد علي أعماق تفوق كثيرا جميع التقديرات السابقة, كما ثبت أن بعض مياه البحار والمحيطات تتحرك مع رسوبيات قيعانها الزاحفة إلي داخل الغلاف الصخري للأرض بتحرك تلك القيعان تحت كتل القارات, ويتسرب الماء إلي داخل الغلاف الصخري للأرض. عبر شبكة هائلة من الصدوع والشقوق التي تمزق ذلك الغلاف في مختلف الاتجاهات, وتحيط بالأرض إحاطة كاملة بعمق يتراوح بين150,65 كيلومترا.
ويبدو أن الصهارة الصخرية في نطاق الضعف الأرضي هي مصدر رئيسي للمياه الأرضية, وتلعب دورا مهما في حركة المياه من داخل الأرض إلي السطح وبالعكس, وذلك لأنه لولا امتصاصها للمياه ما انخفضت درجة حرارة انصهار الصخور, وهي إذا لم تنصهر لتوقفت ديناميكية الأرض, بما في ذلك الثورات البركانية, وقد ثبت أنها المصدر الرئيسي للغلاف المائي والغازي للأرض.
وعلي ذلك فقد أصبح من المقبول عند علماء الأرض أن النشاط البركاني الذي صاحب تكوين الغلاف الصخري للأرض في بدء خلقها هو المسئول عن تكون كل من غلافيها المائي والغازي, ولاتزال ثورات البراكين تلعب دورا مهما في إثراء الأرض بالمياه, وفي تغيير التركيب الكيميائي لغلافها الغازي وهو المقصود بدحو الأرض.
وذلك نابع من حقيقة أن الماء هو السائل الغالب في الصهارات الصخرية علي الرغم من أن نسبته المئوية إلي كتلة الصهارة قليلة بصفة عامة, ولكن نسبة عدد جزيئات الماء إلي عدد جزيئات مادة الصهارة تصل إلي نحو15%, وعندما تتبرد الصهارة الصخرية تبدأ مركباتها في التبلور بالتدريج, وتتضاغط الغازات الموجودة فيها إلي حجم أقل, وتتزايد ضغوطها حتى تفجر الغلاف الصخري للأرض بقوة تصل إلي مائة مليون طن, فتشق ذلك الغلاف وتبدأ الغازات في التمدد, والانفلات من الذوبان في الصهارة الصخرية, ويندفع كل من بخار الماء والغازات المصاحبة له والصهارة الصخرية إلي خارج فوهة البركان أو الشقوق المتصاعدة منها, مرتفعة إلي عدة كيلومترات لتصل إلي كل أجزاء نطاق التغيرات المناخية(8 ـ18 كيلومترا فوق مستوي سطح البحر), وقد تصل هذه النواتج البركانية في بعض الثورات البركانية العنيفة إلي نطاق التطبق(30 ـ80 كيلومترا فوق مستوي سطح البحر وغالبية مادة السحاب الحار الذي تتراوح درجة حرارته بين500,250 درجة مئوية يعاود الهبوط إلي الأرض بسرعات تصل إلي200 كيلومتر في الساعة لأن كثافته أعلي من كثافة الغلاف الغازي للأرض.
والماء المتكثف من هذا السحاب البركاني الحار الذي يقطر مطرا من بين ذرات الرماد التي تبقي عالقة بالغلاف الغازي للأرض لفترات طويلة يجرف معه كميات هائلة من الرماد والحصي البركاني مكونا تدفقا للطين البركاني الحار علي سطح الأرض في صورة من صور الدحو.
ومنذ أيام ثار بركان في احدي جزر الفلبين فغمرت المياه المتكونة أثناء ثورته قرية مجاورة آهلة بالسكان بالكامل.
وقد يصاحب الثورات البركانية خروج عدد من الينابيع, والنافورات الحارة وهي ثورات دورية للمياه والأبخرة شديدة الحرارة تندفع إلي خارج الأرض بفعل الطاقة الحرارية العالية المخزونة في أعماق القشرة الأرضية.
ويعتقد علماء الأرض أن وشاح كوكبنا كان في بدء خلقه منصهرا انصهارا كاملا أو جزئيا, وكانت هذه الصهارة هي المصدر الرئيسي لبخار الماء وعدد من الغازات التي اندفعت من داخل الأرض, وقد لعبت هذه الأبخرة والغازات التي تصاعدت عبر كل من فوهات البراكين وشقوق الأرض ـ ولا تزال تلعب ـ دورا مهما في تكوين وإثراء كل من الغلافين المائي والغازي للأرض وهو المقصود بالدحو.
رابعاً: دورة الماء حول الأرض:
شاءت إرادة الخالق العظيم أن يسكن في الأرض هذا القدر الهائل من الماء, الذي يكفي جميع متطلبات الحياة علي هذا الكوكب, ويحفظ التوازن الحراري علي سطحه, كما يقلل من فروق درجة الحرارة بين كل من الصيف والشتاء صونا للحياة بمختلف أشكالها ومستوياتها.
وهذا القدر الذي يكون الغلاف المائي للأرض موزونا بدقة بالغة, فلو زاد قليلا لغطي كل سطحها, ولو قل قليلا لقصر دون الوفاء بمتطلبات الحياة عليها.
ولكي يحفظ ربنا( تبارك وتعالي) هذا الماء من التعفن والفساد, حركه في دورة معجزة تعرف باسم دورة المياه الأرضية تحمل في كل سنة380,000 كيلو متر مكعب من الماء بين الأرض وغلافها الغازي, ولما كانت نسبة بخار الماء في الغلاف الغازي للأرض ثابتة, فإن معدل سقوط الأمطار سنويا علي الأرض يبقي مساويا لمعدل البخر من علي سطحها, وإن تباينت أماكن وكميات السقوط في كل منطقة حسب الإرادة الإلهية, ويبلغ متوسط سقوط الأمطار علي الأرض اليوم85,7 سنتيمتر مكعب في السنة, ويتراوح بين11,45 متر مكعب في جزر هاواي وصفر في كثير من صحاري الأرض. وصدق رسول الله( صلي الله عليه وسلم) إذ قال: ما من عام بأمطر من عام وإذ قال:... من قال أمطرنا بنوء كذا أو نوء كذا فقد كفر; ومن قال أمطرنا برحمة من الله وفضل فقد آمن.
وتبخر أشعة الشمس من أسطح البحار والمحيطات320,000 كيلو متر مكعب من الماء في كل عام وأغلب هذا التبخر من المناطق الاستوائية حيث تصل درجة الحرارة في المتوسط إلي25 درجة مئوية, بينما تسقط علي البحار والمحيطات سنويا من مياه المطر284,000 كيلو مترا مكعبا, ولما كان منسوب المياه في البحار والمحيطات يبقي ثابتا في زماننا فإن الفرق بين كمية البخر من أسطح البحار والمحيطات وكمية ما يسقط عليها من مطر لابد وأن يفيض إليها من القارات.
وبالفعل فإن البخر من أسطح القارات يقدر بستين ألف كيلو متر مكعب بينما يسقط عليها سنويا ستة وتسعون ألفا من الكيلو مترات المكعبة من ماء المطر والفارق بين الرقمين بالإيجاب هو نفس الفارق بين كمية البخر وكمية المطر في البحار والمحيطات(36,000 كيلو متر مكعب) فسبحان الذي ضبط دورة المياه حول الأرض بهذه الدقة الفائقة.
ويتم البخر علي اليابسة من أسطح البحيرات والمستنقعات, والبرك, والأنهار, وغيرها من المجاري المائية, ومن أسطح تجمعات الجليد, وبطريقة غير مباشرة من أسطح المياه تحت سطح الأرض, ومن عمليات تنفس وعرق الحيوانات, ونتح النباتات, ومن فوهات البراكين.
ولما كان متوسط ارتفاع اليابسة هو823 مترا فوق مستوي سطح البحر, ومتوسط عمق المحيطات3800 مترا تحت مستوي سطح البحر, فإن ماء المطر الذي يفيض سنويا من اليابسة إلي البحار والمحيطات( ويقدر بستة وثلاثين ألفا من الكيلومترات المكعبة) ينحدر مولدا طاقة ميكانيكية هائلة تفتت صخور الأرض وتتكون منها الرسوبيات والصخور الرسوبية بما يتركز فيها من ثروات أرضية, ومكونة التربة الزراعية اللازمة لإنبات الأرض, ولو أنفقت البشرية كل ما تملك من ثروات مادية ما استطاعت أن تدفع قيمة هذه الطاقة التي سخرها لنا ربنا من أجل تهيئة الأرض لكي تكون صالحة للعمران...!!!.
خامساً: توزيع الماء علي سطح الأرض:
تقدر كمية المياه علي سطح الأرض بنحو1360 مليون كيلو متر مكعب, أغلبها علي هيئة ماء مالح في البحار والمحيطات(97,20%), بينما يتجمع الباقي(2,8%) علي هيئة الماء العذب بأشكاله الثلاثة الصلبة, والسائلة, والغازية; منها(2,15% من مجموع مياه الأرض) علي هيئة سمك هائل من الجليد يغطي المنطقتين القطبيتين الجنوبية والشمالية بسمك يقترب من الأربعة كيلو مترات, كما يغطي جميع القمم الجبلية العالية, والباقي يقدر بنحو0.65% فقط من مجموع مياه الأرض يختزن أغلبه في صخور القشرة الأرضية علي هيئة مياه تحت سطح الأرض, تليه في الكثرة النسبية مياه البحيرات العذبة, ثم رطوبة التربة الأرضية, ثم رطوبة الغلاف الغازي للأرض, ثم المياه الجارية في الأنهار وتفرعاتها.
وحينما يرتفع بخار الماء من الأرض إلى غلافها الغازي فإن أغلبه يتكثف في نطاق الرجع(نطاق الطقس أو نطاق التغيرات المناخية) الذي يمتد من سطح البحر الي ارتفاع يتراوح بين16 و17 كيلو مترا فوق خط الاستواء, وبين6 و8 كيلو مترات فوق القطبين, ويختلف سمكه فوق خطوط العرض الوسطي باختلاف ظروفها الجوية, فينكمش الي ما هو دون السبعة كيلو مترات في مناطق الضغط المنخفض ويمتد الي نحو الثلاثة عشر كيلو مترا في مناطق الضغط المرتفع, وعندما تتحرك كتل الهواء الحار في نطاق الرجع من المناطق الاستوائية في اتجاه القطبين فإنها تضطرب فوق خطوط العرض الوسطي فتزداد سرعة الهواء في اتجاه الشرق متأثرا باتجاه دوران الأرض حول محورها من الغرب الي الشرق.
ويضم هذا النطاق66% من كتلة الغلاف الغازي للأرض, وتتناقص درجة الحرارة والضغط فيه باستمرار مع الارتفاع حتي تصل الي نحو60 درجة مئوية تحت الصفر والي عشر الضغط الجوي العادي عند سطح البحر في قمته المعروفة باسم مستوي الركود الجوي وذلك لتناقص الضغط بشكل ملحوظ عنده.
ونظرا لهذا الانخفاض الملحوظ في كل من درجة الحرارة والضغط الجوي, والي الوفرة النسبية لنوي التكثف في هذا النطاق فإن بخار الماء الصاعد من الأرض يتمدد تمددا ملحوظا مما يزيد في فقدانه لطاقته, وتبرده تبردا شديدا ويساعد علي تكثفه وعودته الي الأرض مطرا أو بردا أو ثلجا, وبدرجة أقل علي هيئة ضباب وندي في المناطق القريبة من الأرض.
سادسا: دحو الأرض معناه إخراج غلافيها المائي والغازي من جوفها:
ثبت أن كل ماء الأرض قد أخرجه ربنا( تبارك وتعالي) من داخل الأرض عن طريق الأنشطة البركانية المختلفة المصاحبة لتحرك ألواح الغلاف الصخري للأرض.
كذلك فإن ثاني أكثر الغازات اندفاعا من فوهات البراكين هو ثاني أكسيد الكربون, وهو لازمة من لوازم عملية التمثيل الضوئي التي تقوم بتنفيذها النباتات الخضراء مستخدمة هذا الغاز مع الماء وعددا من عناصر الأرض لبناء خلايا النبات وأنسجته, وزهوره, وثماره, ومن هنا عبر القرآن الكريم عن إخراج هذا الغاز المهم وغيره من الغازات اللازمة لإنبات الأرض من باطن الأرض تعبيرا مجازيا بإخراج المرعي, لأنه لولا ثاني أكسيد الكربون ما أنبتت الأرض, ولا كستها الخضرة.
سابعا: من معجزات القرآن الإشارة إلي تلك الحقائق العلمية بلغة سهلة جزلة:
علي عادة القرآن الكريم فإنه عبر عن تلك الحقائق الكونية المتضمنة إخراج كل من الغلافين المائي والغازي للأرض من داخل الأرض بأسلوب لا يفزغ العقلية البدوية في صحراء الجزيرة العربية وقت تنزله, فقال( عز من قائل):
والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها والعرب في قلب الجزيرة العربية كانوا يرون الأرض تتفجر منها عيون الماء, ويرون الأرض تكسي بالعشب الأخضر بمجرد سقوط المطر, ففهموا هذا المعني الصحيح الجميل من هاتين الآيتين الكريمتين, ثم نأتي نحن اليوم فنري في نفس الآيتين رؤية جديدة مفادها أن الله( تعالي) يمن علي الأرض وأهلها وعلي جميع من يحيا علي سطحها أنه( سبحانه) قد هيأها لهذا العمران بإخراج كل من أغلفتها الصخرية والمائية والغازية من جوفها حيث تصل درجات الحرارة الي آلاف الدرجات المئوية مما يشهد لله الخالق بطلاقة القدرة, وببديع الصنعة, وبكمال العلم, وتمام الحكمة, كما يشهد للنبي الخاتم والرسول الخاتم الذي تلقي هذا الوحي الخاتم بأنه( صلي الله عليه وسلم) كان موصولا بالوحي, ومعلما من قبل خالق السموات والأرض, فلم يكن لأحد من الخلق وقت تنزل القرآن الكريم ولا لقرون متطاولة من بعده إلمام بحقيقة ان كل ماء الأرض, وكل هواء الأرض قد أخرجه ربنا( تبارك وتعالي) من داخل الأرض, وهي حقيقة لم يدركها الإنسان الا في العقود المتأخرة من القرن العشرين فسبحان منزل القرآن من قبل أربعة عشر قرنا ووصفه بقوله الكريم:
قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما( الفرقان:6).
وصلي الله وسلم وبارك علي رسولنا الأمين الذي تلقي هذا الوحي الرباني فبلغ الرسالة, وأدي الأمانة, ونصح الأمة وجاهد في سبيل الله حتي أتاه اليقين, والذي وصفه ربنا( سبحانه وتعالي) بقوله الكريم:(لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفي بالله شهيدا)( النساء:166)
المصدر :
بحث نشره الدكتور زغلول النجار على جريدة الأهرام بتاريخ
الاثنين 12 شعبان 1422هـ العدد 41965 29 أكتوبر 2001
عمروعبده 22-02-2011, 12:16 PM طلوع الشمس من مغربها حقيقة علمية أثبتها العلم الحديث
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث إذا خرجن، لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا: طلوع الشمس من مغربها. والدجال. ودابة الأرض".
وهذا الحديث متفق عليها، والشمس منذ خلق الله الأرض ومن عليها وهى تطلع من المشرق وتغرب فى المغرب عن طريق دوران اللأرض حول نفسها والذى ينتج عنه تعاقب الليل والنهار, بينما يؤدى دوران الأرض حول الشمس مرة كل عام الى تعاقب الفصول الأربعة. وهذا الأمر يحدث وسارى مع جميع كواكب المجموعة الشمسية. والسؤال هو : كيف ستطلع الشمس من المغرب؟ ما هى المقدمات؟ لطلوع الشمس من المغرب من الناحية العلمية لابد:
أولاًً تتباطأ حركة الأرض تدريجياً عند دورانها حول نفسها حتى تتوقف ثم تبدأ فى الدوران العكسى حول نفسها أيضاً وعندها تطلع الشمس من المغرب بالإضافة لطول بعض الأيام التي تسبق التوقف عن الدوران حول نفسها لأن الحركة ستكون ببطء وفي طريقها للتوقف لأن التوقف لو تم بشكل مفاجيء لدمر وأهلك كل من على الأرض من أحياء وحتى الجبال بل الأرض كلها.
وهذا البطء في الدوران السابق للتوقف والدوران العكسي سيجعل الأيام هذه ليست أربع وعشرون ساعة كالأيام المعتادة بل قد تطول جدا ومن هنا نفهم قول النبي صلي الله عليه وسلم أن بعض ايام الدجال يكون فيها يوم كسنة ويوم كشهر وايام معتادة حتى أن بعض الصحابة سألوا عن أوقات الصلوات وعددها فقال رسول الله قدروها قدرها، والدجال كما هو معلوم سيكون من العلامات الكبرى لقرب قيام الساعة وترتيبه قبل طلوع الشمس من مغربها كما نصت الأحاديث الصحيحة المتفق عليها. وسبحان الله ,فهذا ما حدث تماما مع اقرب الكواكب السيارة إلى الأرض وهو كوكب المريخ .
حدث بالتمام كما حكي لنا رسول الله عن حدوثه عن كوكبنا الأرض.
وعلماء الفضاء ذكروا أن هذا لابد ان يحدث أيضاً مع الأرض وكل الكوكب في مجموعتنا الشمسية.
رسول الله الامي يتحدث في اخص علوم الفضاء بالقرن الواحد والعشرين ... الله اكبر .
وما دام هذا حدث مع اقرب الكواكب لنا فمن سيكون الكوكب التالي انه كوكب الارض يقيناً.
أنها معجزة عظيمة وانذار من الله أعظم.
الخبر نشره موقع www.space.com (http://www.space.com/) فى مقالة للكاتب الصحفى جو رايو المتخصص فى علوم الفضاء وهو مدرس ومحاضر بمركز هايدن الفلكى بنيويورك. وجاء فى المقالة التى نشرت فى 25 يوليو تموز 2003: http://www.space.com/spacewatch/mars...de_030725.html (http://www.space.com/spacewatch/mars_retrograde_030725.html)
في هذه السطور سنترجم ما ورد في هذا الموقع بشكل حرفي حتى تتبين للقارئ الكريم الحقائق النبوية الصادقة.
"مسار عكسي ! حركة المريخ قريباً ستتحول إلى الوراء.
في أثناء ما كان المريخ يقترب اكثر ويصبح اكثرسطوعا فى كل يوم لمدة شهور عديدة فانه قد اخذ فى التحك بشكل تدريجى تجاه الناحية الشرقية للنجوم الخلفية فى سماء فترة ماقبل الفجر. الا أن ذلك على وشك التغير حيث يبدأ الكوكب الأحمر فى التراجع فى سماؤنا متحركا بشكل ثابت تجاه الغرب.
ويطلق علماء الفلك على هذه التحرك للوراء اسم "تراجع الجسم السماوى وتحركه باتجاه مضاد للاتجاه المألوف عند الأجرام المماثلة ". ويأتى هذا التغيرفى الاتجاه وقد اصبح المريخ بشكل تدريجى مرئياً في الوقت المتأخر من المساء وهو أيضاً يأتي مع الاقتراب التاريخي للمريخ من كوكب الآرض والذى سوف يحدث فى أواخر شهر اغسطس. ....وفى بداية هذا العام كان المريخ يبعد 191 مليون ميل عن كوكب الأرض "306مليون كيلوميتر".فى هذا الاسبوع سوف تتقلص المسافة الى اقل من 40 مليون ميل "64كيلوميتر". ويشع المريخ الان بقوة اكثر 30مرة من غما كان عليه فى يوم رأس السنة.
ومنذ 1يناير كانون الثاني , تقدم المريخ تجاه مسار لناحية الشرق من خلال النجوم الخلفية لدائرة البروج. ولاتبدو الحركة ملحوظة فى صبيحة يوم واحد ولكن يمكن للملاحظين الفطنين اكتشافه من يوم لآخر .
فى الأشهر القليلة الماضية ظهر المريخ وقد اخذ فى التباطؤ في مساره المنحنى تجاه المشرق ، وبدا كما لو انه يتذبذب ,كما لو انه أصبح مترددا.
وفى يوم الأربعاء ,30يوليو تموز, سوف يتوقف هذا المسارالشرقى المنتظم .وبعدها , وفى الشهرين التاليين , سوف يتحرك المريخ للخلف فى مسار معاكس للنجوم الخلفية-تجاه الغرب-
.
فى 29سبتمبر أيلول، سوف يتوقف الكوكب مرة أخرى قبل ان يستأنف مساره الشرقى الطبيعى.
جميع الكواكب تتعرض لهذا التحرك العكسى مرة واحدة او اخرى ..........وسوف يؤكد هذا التحرك العكسى نفسه عندما يصل المريخ لأول نقاطه الثابتة فى30 يوليوتموز.وبعدها يبدأ المريخ فى الانقلاب تجاه الغرب وسوف تدرك الأرض المريخ في 28اغسطس .
وفى نهاية المطاف ,فى 29سبتمبرايلول, فان الحركات المجتمعة للمريخ والآرض سوف توازن الحركة العكسية للمريخ مع وصول المريخ لنقطة ثبات ثانية .وحينئذ سوف يتحول المريخ إلى تجاه المشرق , مستأنفا مساره الطبيعى بين النجوم. "
انتهت مقالة الكاتب الى هنا والتى اوردنا فيها أهم الأشياء المتعلقة بالتحرك العكسى والتباطؤ أو ما أسماه الكاتب بالتردد . وقد يتسائل البعض عن علاقة ذلك بطلوع الشمس من المغرب؟ الإجابة تكمن في مقالة أخرى لنفس الكاتب وموجودة بنفس الموقع http://www.space.com/spacewatch/where_is_mars.html
حيث جاء فى الشرح الذى أورده جو رايو للرسم التوضيحى المرفق بالمقالة ذكر فيه عن العمود السادس من الرسم انه" يوضح الوقت الذى سوف يصل فيه المريخ لأعلى نقطة له في السماء والتى من المنتظر أن تكون فى الجنوب. وقد تم حساب هذا الأوقات لخط العرض 40º شمالا وخط الطول 0º. ولتلحظ ان ذلك لن يكون قبل انتهاء شهر يونيو حزيران وعندها يصل المريخ لاعلى نقطة له فى السماء"من المنتظر ان تكون فى الجنوب"قبل شروق الشمس. ومع نهاية شهر اغسطس اب سوف يشرق من ناحية غروب الشمس , ويصل لاعلى نقطة له فى منتصف الليل ويغرب من ناحية شروق الشمس."
المسار العكسى اذا يؤدى الى انقلاب الوضع كذلك بالنسبة لشروق الشمس وغروبها.وهذا ما سجله العلماء ايضا مع كوكب الزهرة فى الستينات فى مختبر أبحاث الدفع النفاث بجولدستون , كاليفورنيا,بأن الدوران العكسى قد أدى الى أن المراقب لكوكب الزهرة يرى الشمس وهى تشرق من ناحية الغرب وتغرب من ناحية الشرق." المصدر : موسوعة انكارتا, مايكروسوفت 2002"
وكما أوضح ريو سلفا فان " جميع الكواكب تتعرض لهذا التحرك العكسي " أي أن الأرض هي الأخرى ستتحرك بشكل عكسى ان اجلا أو عاجلا وصدق الله ورسوله. يتبقى طول بعض الايام التى تسبق ذلك الشروق وهو ما اخبر به الرسول فى الأحاديث المتعلقة بالدجال و الذى يسبق نزوله طلوع الشمس من المغرب كما هو وارد فى احاديث كثيرة مجمع عليها.
الله أكبر والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين . معجزة علمية اخرى من معجزات الرسول"صلى الله عليه وسلم" وتصديق فوق تصديق لحضرة الرسول الكريم.
"هذا بلاغ للناس ولينذرو به" . وليس المقصد من هذه المقالة ان نتكاسل او أن نقول بتحديد وقت قيام الساعة , ولكن الامر محاولة منا لابراز حدث جلل الله وحده يعلم متى سيقع . ودليل فوق الأدلة على معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم ."وما ينطق عن الهوى .ان هو الا وحى يوحى".
ترجم البحث عن الإنكليزية السيد أحمد عبد السميع طالب في جامعة الأزهر قسم الترجمة الفورية .
أعداد فراس نور الحق محرر موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن
المصدر : موقع الفضاءwww.space.com (http://www.space.com/)
وموسوعة إنكارتا (الموسوعة البريطانية
aleman 02-04-2011, 10:04 PM جزاك الله كل خير
الأستاذة / أم أمل 03-04-2011, 05:40 AM جزاك الله خيرا
مسترسمير إبراهيم 11-04-2011, 12:03 AM بارك الله تعالى فى مروركم الكريم ولكم خالص التقدير
|