مشاهدة النسخة كاملة : نقد ابن تيمية للمنطق الأرسطي ومشروعه المضاد


osama_mma14
26-04-2011, 01:26 AM
تأثير ابن تيمية في الفكر الغربي في عين الاستشراق الألماني

ترجمة: أحمد فتحي

"كان ابنُ تيمية - باتِّفاق خصومِه وأنصاره - شخصيَّة ذاتَ طراز عظيم؛ فهو فقيه ومتكلّم ناقد للمنطق الأرسطي، والتصوف من جهة، وناقدٌ استثْنائي وباحثٌ أخلاقي من جهة أخرى".

هكذا ابتدأت الباحثة (أنكه فون كوجلجن) - الأستاذة بجامعة برن للعلوم الإسلاميَّة - بحثًا مطولاً عن ( Ibn Taymiyyas Kritik an der Aristotelischen Logik und sein Gegenentwurf) (نقد ابن تيمية للمنطق الأرسطي ومشروعه المضاد).

يتركَّز موضوع البحث حول نقطتَين أساسيَّتَين:
• أوجُه النَّقد التي وجَّهها ابن تيمية للمنطق الأرسطي، وخاصَّة تلك الانتقادات الَّتي تفرَّد بها شيخ الإسلام.

• إلى أيّ حدّ تأثَّرت المذاهب الغربيَّة بهذا النَّقد، وخاصَّة (المذهب التَّجريبي) الَّذي قامت عليه الحضارة الغربيَّة، وكذلك (المذهب الاسمي)[1] (http://aljazeeratalk.net/forum/#_ftn1).

تُشير الباحثة إلى عدَّة نقاط فيما يخصّ أهمّيَّة شخصيَّة ابن تيمية من جهة، وعدم الاهتِمام الكافي به ،خاصَّة في نقْدِه للمنطق اليوناني في الجهات الاستِشْراقية من جهة أخرى، وتَستثني من ذلك دراسة المستشْرق الأمريكي ذي الأصول الفلسطينيَّة ( وائل حلاق) في دراسته التي تحمِل عنوان (Ibn Taymiyya Against the Greek Logicians) أو: (ابن تيمية في مواجهة المناطقة الإغريق)، وهو الكتاب الرَّئيس الَّذي اعتمدتْ عليْه الكاتبة في معرفة كلام شيخ الإسلام ابن تيميَّة، وبعض الدّراسات الغربيَّة الأخرى.

وتعتبر ( أنكه) أنَّ ابن تيمية ما زال حاضرًا بقوَّة في العالم الإسلامي، وخاصَّة بعد إعادة الاهتمام بفِكْره في القرن العشرين، وقد أصبح ابنُ تيمية في القرن العشرين علامةً تصنيفيَّةً فارقة، فمَن يُعْلِي من شأْن ابن تيمية أو حتَّى يتعاطف معه، يُعتبر إسلاميًّا متشدِّدًا في أغلب الأحوال.

ومع ذلك فإنَّ الباحثة ترى أنَّ ابن تيمية - على خلاف أنصارِه المعاصرين[2] (http://aljazeeratalk.net/forum/#_ftn2) - لَم يخرج على حكَّام زمانه، وإنَّما تركَّز جهاده ضدَّ التَّتار والرَّدّ على أصحاب الدّيانات الأخرى (اليهود والنَّصارى)، والفرق الضَّالَّة والصوفيَّة.

وقد أعرضت الباحثة عن البحث التَّاريخي في أصول حُجج ابن تيمية في نقد المنطق عند مَن سبقوه، ونقل هو عنهم، مثل النوبختي الشّيعي صاحب كتاب "الرَّدّ على أهل المنطق"، أو مناظرة أبي سعيد السيرافي مع بشْر بن متَّى المنطقي، واعتبرتْ هذا خارجًا عن نطاق البحث، وإن كانت قد أشارتْ أنَّه استفاد من الجميع بِما فيهم الفلاسفة والمتكلمون.

وحاولت المؤلّفة في دراستها تتبُّع ردود ابن تيمية على المناطقة، التي تركَّزت حول أربع نقاط أساسيَّة يذكُرها ابن تيمية في بداية كتابه بقوله: "الكلام في أرْبع مقامات: مقامين سالبَين، ومقامين موجبَين.

فالأوَّلان:
أحدهما في قولهم: إنَّ التصوّر المطلوب لا ينال إلاَّ بالحدّ.
والثاني: إنَّ التَّصديق المطلوب لا ينال إلاَّ بالقياس.

والآخران:
• في أنَّ الحدَّ يفيد العلم بالتصوّرات.
• أنَّ القياس أو البرهان الموصوف يفيد العلم بالتصديقات"[3] (http://aljazeeratalk.net/forum/#_ftn3).

لخَّصت الباحثة أهمَّ ردود ابن تيمية على (الحدَّ التَّامّ) الذي ينتج تصوّر الماهية عند المناطقة، وأنَّ تعريفهم للحدّ التَّامّ مبني على أصلَين فاسدَين:
• التَّفريق بين الوجود والماهيَّة.
• التَّفريق بين الذاتيات واللَّوازم الذاتيَّة، وهي الأمور التي يرى ابن تيمية أنَّ التفريق بينها (تحكم محض).

يردّ ابن تيمية على التَّفريق بين الوجود والماهيَّة بما يمكن تسْميته - وفقًا للكاتبة - بـ (المذهب الاسمي)، والمقصود به هنا أنَّ الماهية ليست سوى تصوّر الأشياء في الذِّهن، بينما الوجود هو الأشياء المتكوّنة في الخارج، فليس في هذا العالَم من وجود حقيقي إلاَّ في الجزئيَّات، أمَّا الكلّيَّات الخمس الَّتي تشمل الجنس والنَّوع فهي مفاهيم ذهنيَّة ليس لها في الواقع وجود مستقلّ عن وجود الأشياء.

وترى الكاتبة عند هذه النقطة من البحث أنَّ بذور التَّفكير الغربي، الَّذي يرى أنَّ الأشياء المادّيَّة هي أصل الوجود، وأنَّ الأفكار تابعة لها - موجودة بوضوح في فكر ابن تيمية، وهو ما عُرِف فيما بعد في أوربَّا باسم ( المذهب الاسمي).

لم يكتفِ ابن تيمية في الرَّدّ على التَّفريق بين الذَّاتيَّات واللَّوازم الذاتيَّة بنفي الفارق بينهما واعتباره تحكُّمًا محضًا فحسب، بل جعل ذِكْر الذَّاتيَّات في التَّعريف من الدَّور، فتعريف الحمار على أنَّه ( حيوان ناهق) يتوقَّف فهْم معناه على معرفة معنى "الناهق" والتي يتوقَّف معناها على معرفة معنى الحمار، ممَّا يدل على أنَّ تصوّر الماهية سابق على وضْع التَّعريف، وضرب لذلك عدَّة أمثلة لاختلاف أهل الفنّ الواحد في وضع الحدّ مع اتّفاقهم في المعنى، مثْلما اختلف النحاة على نحو 20 تعريفًا في تحديد معنى "الاسم" مع اتِّفاقهم على المراد منه، وكذلك الاختلاف حول تعريف "القياس"، كما أنَّ انتقاد تعريف معيَّن غير ممكن بغير تصوّر الماهية.

أشارت الكاتبة إلى اعتِمادها في توضيح عرض آراء ابن تيمية حول " الحدّ" إلى التَّقسيمات الواردة في كتاب (Definition) (1965) للفيلسوف التحليلي ريتشارد روبنسون، والتي رأت الكاتبة أنَّها تتَّفق مع عرض ابن تيمية لتقسيمات الحدّ، وتجعل عرضها أكثر وضوحًا.

استطردتِ الباحثة في بحث رأي ابن تيمية حول قضيَّة: هل اللُّغة اصطلاحيَّة أو توقيفيَّة؟ وصلة ذلك بالتَّعريفات والحدود الَّتي تبيِّن انقسام الحقائق إلى الحقيقة اللّغويَّة أو العرفيَّة أو الشَّرعيَّة.

وتصل المستشْرقة الألمانيَّة ( انكة فون كوجلجن) إلى أنَّ ابن تيمية لا يرى أنَّ الحدَّ التَّامَّ مضلّل في البحث عن الحقيقة فحسب، بل إنَّه يرى أنَّه (عين الضلال والإضلال)[4] (http://aljazeeratalk.net/forum/#_ftn4) ونقلت بالمعنى ما قاله ابن تيمية بالنَّصّ في كتاب "الرد على المنطقيّين" قائلاً:
"وصاروا يعظِّمون أمر الحدود ويدَّعون أنَّهم هم المحقِّقون لذلك، وأنَّ ما يذكره غيرهم من الحدود إنَّما هي لفظيَّة لا تفيد تعريف الماهية، والحقيقة بخلاف حدودهم، ويسلكون الطرق الصَّعبة الطَّويلة والعبارات المتكلَّفة الهائلة، وليس لذلك فائدة إلاَّ تضْييع الزَّمان وإتعاب الأذهان وكثرة الهذيان، ودعوى التحقيق بالكذب والبهتان، وشغْل النفوس بما لا ينفعها بل قد يضلُّها عمَّا لا بدَّ لها منه، وإثبات الجهل الَّذي هو أصل النفاق في القلوب، وإنِ ادَّعوا أنَّه أصل المعرفة والتحقيق"[5] (http://aljazeeratalk.net/forum/#_ftn5).

[1] (http://aljazeeratalk.net/forum/#_ftnref1) تيار في فلسفة العصور الوسطى يَعتبر المفاهيم الكلّيَّة مجرَّد أسماء للأشياء الجزئيَّة، وأصحاب المذهب الاسمي يؤكّدون في مقابل واقعيَّة العصور الوسطى (انظر: الواقعية في العصور الوسطى) أنَّ الأشياء الجزئيَّة وحدَها بخصائصها الجزئيَّة هي التي توجد حقًّا، أمَّا المفاهيم العامَّة التي تخلقها أفكارُنا من هذه الأشياء - وهي أبعد من أن تُوجد في استقلال عن الأشياء - لا تعكس حتَّى خواصّها وصفاتها.
والمذهب الاسمي يرتبِط ارتباطًا لا ينفصم بالاتِّجاهات المادّيَّة لإدراك أوَّليَّة الأشياء وثانوية طبيعة المفاهيم، والمذهب الاسمي - في رأي ماركس - كان أوَّل تعبير عن المادّيَّة في العصور الوسطى، غير أنَّ أصحاب المذهب الاسمي لم يفهموا أنَّ المفاهيم العامَّة تعكس الصفات الواقعيَّة للأشياء الموجودة موضوعيًّا، وأنَّ الأشياء الجزئية لا تنفصل عمَّا هو عامّ؛ بل تحتويه داخلها.
وكان روسلين وجون دونز سكوتس ووليم الأوكامي أبرز أصحاب المذهب الاسمي من القرن الحادي عشر إلى القرن الرَّابع عشر، وقد تطوَّرت أفكار المذهب الاسْمي على أساس مثالي في مذاهب بركلي وهيوم؛ موسوعة الماركسيَّة.

[2] (http://aljazeeratalk.net/forum/#_ftnref2) أشارت الكاتبة بهذا الصَّدد إلى اعتِماد الذين اغتالوا الرَّئيس المصري أنور السادات على نصوصٍ لشيخ الإسلام ابن تيمية، وكذلك الكثير من التَّيَّارات الجهاديَّة.

[3] (http://aljazeeratalk.net/forum/#_ftnref3) الرَّدّ على المنطقيِّين، دار المعرفة بيروت، صـ 7.

[4] (http://aljazeeratalk.net/forum/#_ftnref4) الرَّد على المنطقيّين، ص 75.

[5] (http://aljazeeratalk.net/forum/#_ftnref5) الرَّدّ على المنطقيّين، ص 31.

منقول

سيف العدل البتار
26-04-2011, 01:43 AM
موضوع جميل