أ / طارق عتمان
07-06-2011, 04:17 AM
المستبدون الليبراليون.. وتوهم امتلاك الحقيقة
الاثنين 30 مايو 2011
http://38.121.76.242/memoadmin/media//version4_Israelagainstrevo_340_309_.jpg
بقلم: د.عادل فهمى
يرى الدكتور زكريا سليمان أستاذ التاريخ الحديث "أن تاريخ الليبرالية الغربية التي تشكل مصدر الإلهام لليبراليين في عالمنا العربي والإسلامي ولدت من خلال علاقة متوترة أو متنافرة مع الدين، فهذا يجعلها في موطن الضعف أمام أتباع التيار الإسلامي عموما الذين يرونها خطرا علي الدين وعلي الدولة والثقافة والمجتمع ".
وهذه الخلفية مهمة لفهم دوافع الهجوم الليبرالي الضاري على الإسلاميين في مصر بعد الثورة. وفي الوقت الذي يتوقع الجميع من الليبراليين الدفاع عن قيم الحرية للجميع والاحتكام لآليات المشروع الليبرالي ذاته من المشاركة والتعددية ..نجدهم يجنحون إلى لغة الاستبداد الديموقراطي..ونعتذر للدكتور عصمت سيف الدولة في أن نستخدم المصطلح الذي صاغه، وهو "الاستبداد الديموقراطي" للأقلية لنصف به موقف الليبراليين المصريين.
وفي الوقت الذي يبدأ فيه الليبراليون حربهم ضد قوى اجتماعية مهمة، وفي الوقت الذي تحاول شعوبنا تجاوز ما خلفته الأفكار الليبرالية والاشتراكية من تجارب فاشلة في التنمية، نجد التيار الإسلامي العام يعلن عن قبوله لكل ما هو إيجابي في الحضارات الأخرى، ويحاول إزالة النظرة العدائية للآخر، ويقر ممارسته للتعددية والاحتكام لآلية الاقتراع الحر المباشر، وتقدم الضمانات لعدم احتكار السلطة أو حتى محاولة الوصول إلى الأغلبية فيها، وتمكين المرأة والأقباط من المشاركة في أحزاب إسلامية.
وفي الوقت الذي تنضج فيه خبرة الإسلاميين في الخطاب السياسي، ينتكس الخطاب الليبرالي إلى فرض الوصاية على حرية الشعوب وتفضيل الاستبداد بحجج ولافتات ومُثل واهية حماية الثورة..!!
إن مخاوف الإسلاميين من الليبراليين مشروعة؛ فاليبراليين يدعون لإخضاع كل ما هو مقدس للنقد والتحليل الحر العقلاني، واعتبار رصيد الفقه والتشريع الإسلامي المتوارث متصل بزمانه ولا ينبغي أن يلقي بظلاله على زماننا المتغير في أدواته، وأن ذلك يفرض الأخذ بآراء التحرر علي النموذج الغربي ونبذ التراث ومؤثراته وحصاره للعقول (راجع: وليد الرميزان).
بينما تعد مخاوف الليبراليين من الإسلاميين غير مقنعة، وتدخل في باب المكايدة السياسية، إما خوفا من الانكشاف الكبير في شعبيتهم، أو أملا في أن يقدم لهم الإسلاميون تنازلا يسمح بوجودهم ضمن اللعبة الديمقراطية الجديدة في مصر وتونس وغيرهما.
وفي الوقت الذي أدرك فيه الإسلاميون الموقف الغربي بدقة وخاطبوه مع الأيام الأولى للثورة وفهم الغرب رسالتهم، فإنه يبدوا أن الليبراليين لم يدركوا أن بوصلة الهيمنة الغربية بعد الثورات الشعبية قد تحولت صوب الشعوب الحرة ومناصرتها، ومغازلة القوى الفاعلة والحية والتي تملك الشعبية، وقد تتخلى فيما بعد عن النخب الخطابية التي لم تفلح في إنجاز وظيفتها.
وكذلك لم يعد مفيدا لليبراليين السعي نحو الانتقام من التيارات الأخرى والخصوم التقليديين، لأنهم صاروا شريكا في العملية الديموقراطية، فلا داعي لأن يكرروا أخطاء نظرائهم في دول أخرى باستعداء الدول الكبرى على شعوبهم..!!
لقد انكشف للغرب أن معظم الحركات الإسلامية المعاصرة استُخدمت من قبل الديكتاتوريين كفزاعة ولم تكن مصدرا للإرهاب والكراهية، وأن القوى الغربية الآن تجد في ثورات الشعوب تحضرا وإلهاما أخلاقيا مفتقدا في الغرب.
ولكن يبدو أن الليبراليين لا يدركون أنهم يدخلون عهد الكمون القسري أمام حركة الشعوب التي لم تجن منهم شيئا يذكر، بعد أن تقدمت عليهم شعوبهم وبدأت تنسى خزاياهم وتفتح صفحات جديدة التسامح..!!
إن الشعب المصري يطالب الجميع التيارات الليبرالية والإسلامية، بعدم توهم الكمال وامتلاك الحقيقة المطلقة وألا يعتبر الليبراليين الحداثة حتمية تاريخية لا مفر منها، وأن الفكر الذي تعتمد عليه يعد من المسلمات، وأنها ترفض التيارات التي تتمسك بالخصوصية الحضارية ومن أهمها التيار السلفي غير آبهة بقاعدة حرية الاختيار، ومهاجمة هذه التيارات واتهامها بالجهل والظلامية والانغلاق، وأنها بما تقدمه من تفسيرات للدين تتسبب في تعميق مشكلات الأمة ومن أهمها الإرهاب والتعصب.
وإن بدا لليبراليين في مصر أن يقفوا في وجه تيار الوسط العام، فسيعزلون أنفسهم عن الإجماع الوطني في مرحلة دقيقة من تاريخ مصر تتشكل فيها هويتها من جديد، وقد تعتبرهم الشعوب من فلول نظام عفى عليه الزمن، وبذلك يخسرون ما بقي لهم من موضع القدم الذي بدأت الأرض تهتز من تحته بفعل الوعي الشعبي المتنامي.
الاثنين 30 مايو 2011
http://38.121.76.242/memoadmin/media//version4_Israelagainstrevo_340_309_.jpg
بقلم: د.عادل فهمى
يرى الدكتور زكريا سليمان أستاذ التاريخ الحديث "أن تاريخ الليبرالية الغربية التي تشكل مصدر الإلهام لليبراليين في عالمنا العربي والإسلامي ولدت من خلال علاقة متوترة أو متنافرة مع الدين، فهذا يجعلها في موطن الضعف أمام أتباع التيار الإسلامي عموما الذين يرونها خطرا علي الدين وعلي الدولة والثقافة والمجتمع ".
وهذه الخلفية مهمة لفهم دوافع الهجوم الليبرالي الضاري على الإسلاميين في مصر بعد الثورة. وفي الوقت الذي يتوقع الجميع من الليبراليين الدفاع عن قيم الحرية للجميع والاحتكام لآليات المشروع الليبرالي ذاته من المشاركة والتعددية ..نجدهم يجنحون إلى لغة الاستبداد الديموقراطي..ونعتذر للدكتور عصمت سيف الدولة في أن نستخدم المصطلح الذي صاغه، وهو "الاستبداد الديموقراطي" للأقلية لنصف به موقف الليبراليين المصريين.
وفي الوقت الذي يبدأ فيه الليبراليون حربهم ضد قوى اجتماعية مهمة، وفي الوقت الذي تحاول شعوبنا تجاوز ما خلفته الأفكار الليبرالية والاشتراكية من تجارب فاشلة في التنمية، نجد التيار الإسلامي العام يعلن عن قبوله لكل ما هو إيجابي في الحضارات الأخرى، ويحاول إزالة النظرة العدائية للآخر، ويقر ممارسته للتعددية والاحتكام لآلية الاقتراع الحر المباشر، وتقدم الضمانات لعدم احتكار السلطة أو حتى محاولة الوصول إلى الأغلبية فيها، وتمكين المرأة والأقباط من المشاركة في أحزاب إسلامية.
وفي الوقت الذي تنضج فيه خبرة الإسلاميين في الخطاب السياسي، ينتكس الخطاب الليبرالي إلى فرض الوصاية على حرية الشعوب وتفضيل الاستبداد بحجج ولافتات ومُثل واهية حماية الثورة..!!
إن مخاوف الإسلاميين من الليبراليين مشروعة؛ فاليبراليين يدعون لإخضاع كل ما هو مقدس للنقد والتحليل الحر العقلاني، واعتبار رصيد الفقه والتشريع الإسلامي المتوارث متصل بزمانه ولا ينبغي أن يلقي بظلاله على زماننا المتغير في أدواته، وأن ذلك يفرض الأخذ بآراء التحرر علي النموذج الغربي ونبذ التراث ومؤثراته وحصاره للعقول (راجع: وليد الرميزان).
بينما تعد مخاوف الليبراليين من الإسلاميين غير مقنعة، وتدخل في باب المكايدة السياسية، إما خوفا من الانكشاف الكبير في شعبيتهم، أو أملا في أن يقدم لهم الإسلاميون تنازلا يسمح بوجودهم ضمن اللعبة الديمقراطية الجديدة في مصر وتونس وغيرهما.
وفي الوقت الذي أدرك فيه الإسلاميون الموقف الغربي بدقة وخاطبوه مع الأيام الأولى للثورة وفهم الغرب رسالتهم، فإنه يبدوا أن الليبراليين لم يدركوا أن بوصلة الهيمنة الغربية بعد الثورات الشعبية قد تحولت صوب الشعوب الحرة ومناصرتها، ومغازلة القوى الفاعلة والحية والتي تملك الشعبية، وقد تتخلى فيما بعد عن النخب الخطابية التي لم تفلح في إنجاز وظيفتها.
وكذلك لم يعد مفيدا لليبراليين السعي نحو الانتقام من التيارات الأخرى والخصوم التقليديين، لأنهم صاروا شريكا في العملية الديموقراطية، فلا داعي لأن يكرروا أخطاء نظرائهم في دول أخرى باستعداء الدول الكبرى على شعوبهم..!!
لقد انكشف للغرب أن معظم الحركات الإسلامية المعاصرة استُخدمت من قبل الديكتاتوريين كفزاعة ولم تكن مصدرا للإرهاب والكراهية، وأن القوى الغربية الآن تجد في ثورات الشعوب تحضرا وإلهاما أخلاقيا مفتقدا في الغرب.
ولكن يبدو أن الليبراليين لا يدركون أنهم يدخلون عهد الكمون القسري أمام حركة الشعوب التي لم تجن منهم شيئا يذكر، بعد أن تقدمت عليهم شعوبهم وبدأت تنسى خزاياهم وتفتح صفحات جديدة التسامح..!!
إن الشعب المصري يطالب الجميع التيارات الليبرالية والإسلامية، بعدم توهم الكمال وامتلاك الحقيقة المطلقة وألا يعتبر الليبراليين الحداثة حتمية تاريخية لا مفر منها، وأن الفكر الذي تعتمد عليه يعد من المسلمات، وأنها ترفض التيارات التي تتمسك بالخصوصية الحضارية ومن أهمها التيار السلفي غير آبهة بقاعدة حرية الاختيار، ومهاجمة هذه التيارات واتهامها بالجهل والظلامية والانغلاق، وأنها بما تقدمه من تفسيرات للدين تتسبب في تعميق مشكلات الأمة ومن أهمها الإرهاب والتعصب.
وإن بدا لليبراليين في مصر أن يقفوا في وجه تيار الوسط العام، فسيعزلون أنفسهم عن الإجماع الوطني في مرحلة دقيقة من تاريخ مصر تتشكل فيها هويتها من جديد، وقد تعتبرهم الشعوب من فلول نظام عفى عليه الزمن، وبذلك يخسرون ما بقي لهم من موضع القدم الذي بدأت الأرض تهتز من تحته بفعل الوعي الشعبي المتنامي.