مشاهدة النسخة كاملة : العالـَم الإنساني بين حكم الجاهلية .. وحكم الإسلام


osama_mma14
22-06-2011, 07:39 PM
العالـَم الإنساني
بين
حكم الجاهلية .. وحكم الإسلام
بقلم
الشيخ عبد الرحمن العيسى ـ حلب
10 ربيع الآخر 1432 هـ ـ 15 آذار 2011 م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة :
يؤكد القرآن المجيد , أن نمَط الحكم في الأرض , وبين البشر أنفسِهم , إما أن يكون حكماً جاهلياً , يستمد مفاهيمه وقراراتِه , من النفس الأمارة بالسوء , ومن دولة الشيطان , ونزوات العقول الضالة , والضمائر الخربة .. ومزيدٍ من الجُبن والخسة والنذالة ..
فيكون الجوْر والظلم , والأنانية القاتلة , والمطامع الثائرة , والدماء الفائرة , والدموع الجارية , والمصائب الفادحة .. والفقر والحرمان , والغيظ المكبوت , والقهر المشحون ..
وإما أن يكون حكماً إلهياً ربَّانياً , يستمد مفاهيمه وأهدافه , من روح ما يُنـْزله الله من تشـريع , وما يجيء به من رحمة ونور , وبيان وشفاء لما في الصدور ..
إن حكم الإسلام الحق , هو في حقيقته وواقعه , حكم الله الملكِ القدُّوس , الذي يحكم الله به في الأكوان , ويفصل في قضايا الصراع والنزاع , بين بني الإنسان , ويضع المعالم والحدود ..
وهو حكم رصين ومتين , ومتوازن جداً , ودقيق حتماً , وحياديٌّ أيضاً , ومشفوع بالأسباب التقديرية والتخفيفية .. ويُقصد به : إنشاءُ الحياة الصالحة , وردمُ منابع الفساد المتفشية , وسدُّ الذرائع الجاهزة , وإتاحة العيش الكريم , ووقفُ تيار الظلم , وشيوع الفاحشة والإثم ..
ويقول سبحانه : ( واتـَّبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين ) ..
أما حكم الجاهلية : فإنه ألوان وأفانين .. منه الرجعي القديم , والأسطوري العديم , ومنه الدينيُّ والكهنوتي , ومنه الحديث المستحدَث , المدعَّـمُ بالعلم والطاقة , وسائر الأسباب الفائقة والخارقة , والمخترعات والاتصالات , والسرعات العجيبة .. وهو ما عليه واقع عالمنا الراهن , حيث كل شيء يُدار بما هو ضد العلم والمعرفة , وضد الحكمة والمصلحة العامة , وضد الإنسانية والرحمة .. وما هو طاغوت وطغياني , وشرس وعدواني , وتجاوز لكل المحارم والحرمات والمحرمات .. وما هو *****ٌّ ووحشي , وإجرامي وأثيم ..
إن النبوات والرسالات الإلهية , الغاية منها : إنقاذ البشر والأمم , من حكم الجاهلية والجاهليين , والوثنيين السياسيين والدينيين , الذين يفرضون أنفسهم أرباباً وآلهة , ويأخذون الناس بسيف البطش والانتقام , ويستعبدونهم ويضطهدونهم , ويصادرون كل حرية وكرامة لهم , ويتعاملون معهم , على أنهم مجرد عبيد وأرقـَّاء , ويستبيحون دماءهم وأموالهم وأعراضهم ..
وتقول النبوة والرسالة : ( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم .. ) ..
حكم الجاهلية : حكم اعتباطي وفوضوي , يتـْبع أمزجة الأقوياء الأغبياء , والمترفين الأغـنياء , فيرتجلون لشعوبهم , ما في عُـرفهم من أحكام عُرفية , وما هو ساقط ومفضوح , من سلوكيات الخيانة والخونة والمارقين , وكبار الشُّـذاذ والمفسدين .. والقضاة الجائرين ..
ويقول سبحانه : ( وكان في المدينة تسعة رهـْطٍ يفسدون في الأرض ولا يصلحون ) ..
عبد الرحمن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفرقان الإلهي الحاسم :
يقول الله سبحانه في القرآن المجيد : ( أفحكمَ الجاهلية يَبغون ؟.. ومَنْ أحسنُ من الله حُكماً لقوم يوقنون ؟.. ) ..
وتأسيساً على هذا الفرقان الإلهي , بين حـكـم الإسـلام , وقِـيـمه ومدلـولاته المقدسـة .. وحكم الجاهلية , ورموزها , وإسهاماتها المتدنية .. أقول : إن الجاهلية لا تعني الجهل والبداوة , والأمية والهمجية دائماً , بل تعني ممارسة الحياة والحكم , وقيادة المجتمعات والأمم , بأسلوب التعامي والتجاهل , والإفساد العريض في الأرض , والظلم المبيَّـت , والتجاوز المتعمَّد لمنطق الحكمة والرحمة , والسلوكِ السويِّ , والشعور العالي بالمسؤولية ..
ولكل عصر جاهليته المهيمنة عليه , والمتفرعة عنه .. وفي هذه الحِقبة التاريخية , المتدفقةِ علماً وثقافة , وفنوناً وتحضراً مادياً , وتمديناً دنيوياً , وسرعة واتصالاتٍ , وجنوداً ومعسكرات , وفكراً هائلاً , ونظريات وتحليلات .. تبدو الجاهلية أمراً مُفـْزعاً , تستثير في النفس السَّوية , مشاعرَ التقزُّز والاشمئزاز .. وتميت النخوة والاعتزاز ..
ويصطبغ وجه الحياة , وسطح الكوكب , بسحابات كثيفة وقاتمة , من حكم هذه الجاهلية , التي نـَصَّبت من الجنس والمال , والمناصب والسياسة , أصناماً مؤلـَّهة ومعبودة , يركع لها الجبابرة والصعاليك , ويَخِروُّن على أعتابها وأبوابها سَُجَّداً ومستسلمين ..
حقيقة الإسلام .. وواقع العالم :
الإسلام قدَر وحق , ومسؤولية عالمية الأداء والحكم , لإنجاز ما هو مفقود من العدل المطلق , والتوازن الراحم والمنـْصف , والتصفية الحاسمة , لكل العقد والتسيُّـبات , العاصفةِ بأمن هذه البسيطة ومَنْ عليها .. والمفجِّرةِ براكينَ الإثم والجريمة ..
هناك قاعدة أصولية مُؤصَّلة تقول : الحكمُ على الشيء فرعٌ عن تصوره .. فالقاضي لا يمكن أن يُصدر الأحكام الصائبة , إلا بعد أن يستوعب القضايا المعـروضة , ويُـلِمَّ : دراية وإحاطة , بشتى تفرعاتها واحتمالاتها .. ويوازنَ بين أدلتها ومدلولاتها ..
العالم بتركيبته الراهنة , وإشكالاته الحضارية والسياسية , وخططه الاستعمارية , ليس إلا قضية كبرى , مترامية الأبعاد , متشتتة الاتجاهات والمواقف , متهافتة القواعد والأسس .. معقـَّدة الشواهد والأدلة .. مُسْـفـِرة الأهداف والمآرب , التي ليست من الحق في شيء ..
وليس في الارض من شرعية حقيقية متوازنة , تمتلك القرار والقانون والحكم , للفصل والحل والحسم : إدانة وتبرئة , وإنصافاً عادلاً , وحكماً محيطاً وشاملاً .. وصائباً .. وحيادية ناقدة ورائدة .. وإن التركيز الإعلامي الدوْلي , على الشرعية الدولية , لهو أكبر حجة وبرهان على افتقاد هذه الشرعية وغيابها , في أوساط هذا العالم , الذي دمر الدساتير والمعايير , واخترق كل ما في الأرض من المعروف والأعراف , على أيدي الطغاة والظالمين ..
الآن تقوم ولا تقعد , عدوانية الإنكار والتحدي الصارخ , لكل شرعـية مشروعة وموضوعة , ولكل حق مكتسَب .. إلا ما كان حقاً مزعوماً للأقوياء والقادرين , وشراهة وظلماً وكفراً لمن بأيديهم قرار العالم , يتداولونه كالأسهم والعمْلات , في أسواق السياسة الفاجرة , وصفقاتها الغادرة .. ويتاجرون بدماء الشعوب المظلومة , والجماهير المسحوقة ..
وأخطر ما في الأمر :
وما دام الشأن كذلك , والعالم برمته قضية لا حل لها , وهي تخضع لقـُضاة جُناة , يُحكـِّمون الأهواء الجامحة , والمصالح الجنونية , والحقوق المصنوعة والمصطنعة .. فإن الحاجة المُلحَّة والضاغضة , تستدعي الحكم المجرَّد والمتجرد , المتفرعَ عن التصور النزيه والبريء , والنظرةِ الشمولية الهادفة , والقصدِ الطيب والجاد .. والإرادةِ المنصفةِ والعادلة .. وهذا هو الإسلام الحق , ومستوى أحكامه الرائعة .. وتلك هي الجاهلية , ومستوى صفاتها المنحطة !..
الخطير في الأمر , أن قِـيم هذا العالم ودساتيره , مستهلكة وهالكة قطعاً , وأن شرعيته الجديدة , جاءت متأخرة جداً , وشوهاءَ وعرجاء , ليس فيها قطرة من ماء الحياة والحياء .. بل هي الموت الزُّؤام حقاً , والعدمية المَحْضة , والهلاك المحقق , والرجعية الذميمة ..
فالعالم الآن , تكتلات سرطانية , وكتل من الترسبات والتعفنات , التي تراكمت عبر مسيرة مُضْـنية وقاسية , من الإخفاق والإحباط , والحروب العبثية والجنونية , والانكفاء والتآكل , والمظالم والدماء والثارات , والخطط الاستعمارية والتبشيرية الجهنمية .. فمن اين يأتي ويُـنتظر من كل ذلك , خلاصٌ وفصل واعتدال ؟.. أو علاجٌ ووقاية وصلاحُ حال ؟..
المستجيرُ بعَمْروٍ يومَ كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار
ملامح الزمن المتأخر :
ألا إن البشر في آواخر هذا الزمن المتأخر , يسبحون فوق بحر من الإرهاب والرعب , والفوضى الخلاقة !.. والتجسس المعقد والمخيف .. وردودِ الأفعال العدوانية والانتقامية , التي لا ترحم .. ولا مانع لها ولا زاجر .. ولا يكشفها إلا الله ذاته ..
وفوق كل أرض , ترى وتسمع ما يُذهل المراضع , ويُسيل المدامع , أسىً وحسرة , على ما ألمَّ ببني آدم , وما حل بساحتهم من اللعنات والمصائب , والأمراض الحسية والمعنوية , والانهيارات الأخلاقية والاجتماعية , بما يضيق به , ويعجز عنه , أحدثُ ما في الأرض , من مشافي وعيادات ومختبرات , عقليةٍ ونفسيةٍ وجسديةٍ , وإجراءاتٍ علاجية واحترازية .. فنشهد أمام طوفان الألم الصاعق , والمعاناة المقطعة للأمعاء والأعصاب , هزيمة وانجرافَ كل إمكانات هذه الحضارة العريضة , واقتداراتها الخارقة , وثرواتها الطائلة , وتنمياتها الهائلة ..
وإنه لضياع أكبر , لم يَمُرَّ له مثيل من قبل , وحيرة وتصدع , وإيغالٌ في ظلمات المتاهة , حتى النهاية .. وكتم وطمس لكل حقيقة وغاية شريفة , ونيةٍ راحمةٍ وصالحة ..
لذا رأينا الأحرار المنصفين , من أهل العلم والفكر والبحث والنظر , في حواضر العالم الغربي , ومنذ سنين غير قريبة , قد نفضوا أيديهم , من كل ما ترامى إليهم , من تـُراث هـذا العالم , وتـَمثـُّلاته الجديدة , بعد أن رأوا في كل ذلك , معالـَم التحريف والتصحيف والتجديف , والانحياز الفاضح , والمعلومة المغلوطة , ودعاوى التفوقات العِرقية والقومية والعنصرية ..
وفي الوقت ذاته , عَـبَّـروا عن إيمانهم وثقتهم بالإسلام العظيم , على أنه الدين القـيِّم , وبالقرآن المجيد , على أنه كلام الله المحقـَّق والموَثـَّق , الذي لا يأتيه الباطل ولا التحريف .. فأعطوْا بذلك الضوء الأخضر للإسلام , ليتقدم ويعْـبُرَ بوابات العالم من جديد , ويُقـَدم ثبوتيات الريادة , ومنهجَ الانعتاق , وكسرَ القيود والأطواق .. رغم كل الضبابيات والمؤامرات , لتشويه صورة الإسلام , وصرفِ الأنظار عنه , وجعلِ أتباعه وأبنائه , يجافونه قبل أعدائه ..
القيمة الكبرى للإسلام :
إن القيمة الكبرى للإسلام , تظهر وتتجلى , في كونه يرتكز على الكتاب المحفوظ من ظواهر التبديل والتحريف , التي تطرقت إلى الوثائق والكلمات , والعهود والكتب الأخرى .. القديمةِ منها والجديدة .. كما يرتكز على مُعْطيات نبوة خاتمة , اخـْتـُتمت بها كلُّ النبوات , وهي نبوة ثابتة ومستمرة , ومتدفقة حياة وجـِدَّة وحيوية , في الحياة الإنسانية ..
فيظهر الإسلام , في زمن التردي والانبهار والانهيار , والارتجاج الكبير , والتداعي التراثي : المادي والحضاري , وهو أكـبر وأقـدر , وأصلح وأظهر , وأنقى صفحة , وأصدقُ لهجة , وأصح تقييماً وحكماً .. وحكمة متوازنة , وتيسيراً ورحمة , وعطاءً بلا حدود ..
وهكذا فالإسلام , من حيث كونـُه شريعة وحضارة , يحمل في ثنايا ذاتياته , وتضاعيف حُكمه المعقـِّب , مؤهلاتِ الإمامة الرائدة , والإجابة الوافية والموفية والسامية , كلما كان البشر في وضع مُخـْتلّ ومُعْـتلّ , وينشد الإغاثة , ويستدعي التداركَ .. مثلما هو عليه واقع دنيانا المريبة اليوم , التي تعج بالحقد وبال*****ة , وتفور بالدماء وبالأنقاض , ومن تحتها الأشلاء والأعراض ..
وإن إجابة الإسلام هذه , بديعة ورائعة حقاً , وليست مما هو متداوَل ومتدارَس , ولا مما تحفِل به المكاتب والمكتبات , ودور النشر والجامعات .. لأنها إن تكن كذلك , فغير مُغـْنية ولا ناجعة , في طوفان الإعلام الجامح , والعولمة الماحقة , والتخريب والفساد المبرمَج ..
إنها إجابة متخصصة ورائدة , تـُلبي في وقتها وحينها , اضطرارات الخليقة الضائعة , إلى الضرورات الإنسانية الكريمة , التي تعرضت لأفدح عمليات النفي والمصادرة , أثناء غياب الإسلام , وتغييبه المتعمَّد والمقصود , وتهميش دوره العظيم ..
انعدام حقوق الإنسان :
وإن الإعلان عن حقوق الإنسان , مؤشر على انعدام تلك الحقوق أصلاً , وأن الإعلان جاء متأخراً ومسبوقاً أيضاً .. وفي كل مكان , نشهد مصرع حقوق الإنسان , على أيدي الأدعياء والمدعين .. الأمر الذي يثـْبت للإسلام وأهله , السَّـبْقَ المتقدم , والأولوية الحضارية الفـَذة , ويبرئهم من هضم حقوق الإنسان : عقيدة وتشريعاً وتطبيقاً .. وأحداث التاريخ الصادق , أكبر شاهد على ذلك , ولا يجحده إلا الصُّمُّ الـبُـكمُ الذين لا يعقلون , ويقولون الكذب وهم يعلمون !..
الإسلام .. ذلك المثل السائر :
وَمَثـَلُ الإسلام في إجابته وريادته , المنوَّهِ عنها آنفاً .. كمثل عيادة طبية عـريقة ومتخصصة , ويشرف عليها طبيب حاذق وعليم , ذو تجربة وخبرة عالية ..
فـَمِنْ غير المعقول أبداً , أن تـُشحن هذه العيادة , بوصفات جاهزة , وتشخيصات مُسْبقة .. بحيث يحصل عليها المرضى والزوار , دونما فحص ولا تشخيص .. فحجم الوصفة ونوعيتها , مما يتبع حجـم العـلة الكامنة , ومسـتوى الـداء المستـوطِن , حـسب الـتشـخيص المفـترض .. سواء بسواء .. وإلا عم المرض , وعز الشفاء , وتفاقم البلاء ..
فالإسلاميون ـ أي العاملون في الحقل الإسلامي ـ : علماً وتعليماً ودعوة , يأخذون (عَيِّناتٍ) من المجتمع , بصورة انتقائية , وقد يُشْبعونها أو لا يشبعونها بحثاً واستدلالاً , ووعظاً حاضراً ورخيصاً , وحلاً شكلياً منتقى وموجَّهاً .. وفي المدارس والمعاهد والجامعات : توجد المناهجُ والمقرارت المعدة والمعدلة , والبحـوثُ والـنصوص المخـتارة والمفضلة .. وفي المساجد والجوامع , الخطب والدروس المعتادة والمعادة , والمكررة والمتداولة , كالعملة المهترئة ..
وكل ذلك لا يشكل في واقع الأمر , وحقيقة الأزمة , والتساؤلات القلقة , إجابة وافية ومُغـْنية وكافية , ولا تلبية محيطة ومهيمنة ومتكاملة , تفصل في قضايا الصراع والنزاع , وتـُغير على مَغاراتِ الإثم والظلم , وتـَنـْصبُ معالم التوازن الحق , الداحضِ لموبقات العصر , ودواهي المنكر والفتنة , ودواعي القهر والكفر , وال*****ة الجارفة .. والظلم الضاغط ..
سبيل الإسلام الواعد :
من هنا يتوضح لنا ويستبين سبيل الإسلام اليوم , والمتمثل في أنه قد استوعب مشكلة العالم الماثل والمائل , وأحاط بما لديه من جُنوح فاضح , وقوة عاتية , وعلم متمرد , وأن ذلك يؤهله ـ أي الإسلام ـ لأن يُصْدر أحكامه , وينشر ألويته وأعلامه , ويُنهيَ آخر فصول المأساة البشرية , والجدل الإعلامي والسياسي , السقيم والعـقـيم , الذي يتـتبع بقايا الاتـزان الإنـسـاني , للوصول إليها , والإجهاز عليها .. وتفريغ العالـَم من محتواه , ليبقى مجرد عظام نخِرة لا غير ..
لقد أصبح أخيراً من حق الإسلام , أن يباشر عملية الوراثة العظمى , في هذه الأرض المنهوبة والمنكوبة , والمتـْرعةِ بالجور والجنايات والجرائم , التي تهب كالإعصار والنار , وتحرق الجباه والجُنـُوبَ , وتـُلهب الظهور والمشاعر , وتـَطـَّلعُ على الأفئدة والسرائر , كالنار الموقدة , والشُّـواظ المسْتـَعِر , واللهب اللافح ..
مظاهر الجاهلية الحديثة :
تبدو الحياة الإنسانية , في أواخر هذا الزمن العصيب , ولا مَنْ يَغار عليها غـَيْرة الشهْم الكريم , ولا مَنْ يهتم بها اهتمام العاقل المستبصر .. ونرى تهافتاً فظيعاً على اهتبال الفـُرص , وجمع الثروات وتفجُّر الغرائز , فكأن الأرض تركة متروكة , على قوارع الطـُّرق , تـُغـْري كل السُّعاة والجُناة , على أن يكون أحدهم , هو صاحبَ الحق الشرعي , في الوراثة , ووضع اليد , وفرض الوصاية والحماية , على هذه الأوساط الدنيوية , المتسيبة للغاية , والمتدهورة أمانة وأمناً حتى النهاية .. وتمتزج فيها الدماء بالدموع , لتشكل نهراً تغرق فيه الحياة , ويغرق فيه الأحياء ..
ورب الشاةِ ينفي الذيبَ عنها فكيف إذا الذئابُ لها رُعاةٌ
إنها بإيجاز : نتائجُ ونهاياتُ حكـم الجاهـلية , حيث تقاليد القبائل البالية , ومآثرُ البداوة العفِـنة , ومنطق الضراوة والشراسة , في الصحراء والغابة .. تـُتـَرجمه سرعة الضوء , وأشعة الليزر , واستطاعة الذرة , وإنجاز الألكترون والكمبيوتر .. وأسلحة الدمار الشامل , والجنودُ المجنـَّدة والمرتزقة , الباحثة عن الدم والعرض والمال الحرام , لوجه الشيطان والطغيان ..
ألا إنه منذ إقصاء الإسلام الحق , وتعطيل حُكمه المَهيب , وخـُلقه المُحبَّـب والحبيب , أطبقت على الكرة الأرضية , أحكام وأنظمة جاهلية حديثة , ووثنية سياسية وكهنوتية هائجة , هـيَجانَ البحر الزاخر , لا تـُبقي ولا تذر , وتصيب الحياة الإنسانية , بشلل خطير ومدمِّر , وتضع الشعوب أخيراً , في مهب المآلات الصادعة بالمظالم الكبرى , ونهاياتِ الأنفاق المظلمة , والمقابر الموحشة , والسجون المُكتظـَّة , وبقايا الغادرين والظالمين , من الحاكمين والقضاة والمسؤولين ..
وبعد : فلقد شاع في القرن الماضي , مقولة : جاهلية القرن العشرين , وكـَتب حولها الكاتبون .. وهذه من المفارقات العجيبة واللافتة .. لأن ذلك القرن , موصوف بالتنور والتحضر , والعراقة المادية والصناعية , والعلوم والمعارف والثقافات , وتطور البيئات والمجتمعات , وتقارب البحار والمحيطات والقارات .. وارتفاع المساكن والمكاتب , فوق السُّحُب والغيوم , والآفاق التي لا نهاية لها .. ناطحات السحاب !.. وأبراج العذاب والتباب !..
ورغم ذلك كله , فقادة العالم وحكوماته , ومنظومات السياسة والسياسيين , وعِـلـْية القوم في كل قوم , يُمْعنون في جهالات جهلاء , وضلالات عمياء , ويُطلقون الأحكام جُزافاً , ويمارسون المحظور والحرام , بصورة جنونية , وعقلية متخلفة جداً , ونظرة سطحية حقاً , وتـَمسُّك بالقشور والفتات , وبحثٍ عن المظالم والتجاوزات .. والرشاوى والخيانات !..
وقد أحالوا كوكب الأرض , إلى حماماتٍ وبـِركٍ من الدماء , ومسالخَ بشرية , يـُذبح فيها الناس بالملايين , وتـُصهرُ أرواحهم , وتـُقـدَّم نذوراً وقرابين , في جنون الطواغيت والشياطين !..
وتحت حكم الجاهلية الحديثة , تضيع الحقيقة , فلا تـُعرف أعراف , ولا تـُحد حدود , ولا تـُصَدَّق مصداقية ولا قضية , وكل القيم والمباديء والوعود , برسم البيع , في أسواق البحث عن الشُّهرة والثروة , والسمعة الزائفة , والجاه الخادع , والمنصب الرفيع , والتظاهر الكاذب !..
وفي الحديث : ( .. يبيع أحدهم دينه بعَـرَض من الدنيا قليل ) ..
والله سبحانه وتعالى أجل وأعلم .. وحسبنا الله ونعم الوكيل ..

Specialist hossam
22-06-2011, 07:52 PM
[quote[وفي الحديث : ( .. يبيع أحدهم دينه بعَـرَض من الدنيا قليل ) ..]/quote]

يارب سلم سلم

جزاك الله خيرا اخى الحبيب

osama_mma14
22-06-2011, 08:08 PM
[quote[وفي الحديث : ( .. يبيع أحدهم دينه بعَـرَض من الدنيا قليل ) ..]/quote]

يارب سلم سلم

جزاك الله خيرا اخى الحبيب


جزاك الله خيرا أخى الحبيب
اسال الله تعالى ان يجمعنا جميعا مع حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم وان يظلنا فى ظله سبحانه وتعالى يوم لا ظل إلا ظله