ثرورى
10-07-2011, 07:53 PM
بين الفينة و الأخرى تعلو أصوات في بعض المنابر بضرورة حجب المرأة عن معترك الحياة وتغييب دورها في المجتمع سدا لكل ذريعة( ذرائع بشرية مبنية على مخاوف بشرية). فعندهم أن المرأة إنما هي عورة، واختلاطها بالرجال حرام وغير مقبول بالمطلق. والأحوط لها أن تلزم بيتها لا تخرج منه إلا برفقة محرم متجلببة بعباءة سوداء لا يظهر منها إلا العين، وخالية من كل زينة أو زخرفة. بل إن مفتيا فضائيا لم يجد حرجا في ترديد فتوى للإمام السرخسي و جاء فيها: "فأما المرأة فمأمورة بالقرار في البيت، ممنوعة من الخروج، فلا تستوجب الخفّ على الزّوج". 4. يعني أن الزوج لا تجب عليه نفقة الحذاء لزوجته لأنها ممنوعة من الخروج... عندما أستمع إلى مثل هذه الآراء التي لا يقبلها العقل، و أستحضر نصوصا شرعية تفند ما جاء فيها، أتساءل: هل الشريعة هي القرآن والحديث أولا ثم الرأي والاجتهاد ثانيا، أم العكس؟ كل ما في الأمر هو تعمد بعض "الفقهاء" في تغييب الأحاديث النبوية التي لا تلزم المرأة بالنقاب، وهذا سلوك ليس من الإيمان في شيء. فلنعرض هذه الأحاديث ونناقش موقف الفقهاء القائل بوجوب النقاب.
روي عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما أنها قالت: " تزوجني الزبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء غير ناضح وغير فرسه فكنت أعلف فرسه وأستقي الماء وأخرز غربه...وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي وهي مني على ثلثي فرسخ1 فجئت يوما والنوى على رأسي فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من الأنصار فدعاني ثم قال إخ إخ ليحملني خلفه فاستحييت أن أسير مع الرجال وذكرت الزبير وغيرته وكان أغير الناس فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أني قد استحييت فمضى فجئت الزبير فقلت لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسي النوى ومعه نفر من أصحابه فأناخ لأركب فاستحييت منه وعرفت غيرتك فقال والله لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه قالت حتى أرسل إلي أبو بكر بعد ذلك بخادم تكفيني سياسة الفرس فكأنما أعتقني"2. قارن بين سلوك النبي(ص) مع أخت زوجته عائشة وهو في جماعة من الأنصار وبين خطاب عزل المرأة عن المجتمع برمته. لاحظ كيف أن النبي (ص) هم بحملها وراءه على الدابة وهو برفقة أصحابه، وما منعها من ذلك إلا استحياؤها من السير مع الرجال وغيرة زوجها الذي علمنا كيف أنه لم يجد حرجا في ذلك.
هل كانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما تتحمل تلك المشاق الواردة في الحديث بوصفها أسيرة عند زوجها أو رقيقة له؟ كما فهم ابن قيم وسلفه من أهل الظاهر حين قال:( وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المرأة عانية ، فقال: (اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم) والعاني : الأسير ، ومرتبة الأسير خدمة من هو تحت يده، ولا ريب أن النكاح نوع من الرق كما قال بعض السلف : النكاح رق فلينظر أحدكم عند من يرق كريمته ، ولا يخفى على المنصف الراجح من المذهبين والأقوى من الدليلين )3. في تعليقه على حديث أسماء بنت أبي بكر أغفل مسألة خروج المرأة واختلاطها بالأجانب كما رأينا، واكتفى بالتأكيد على وجوب خدمة المرأة لزوجها على أنها أسيرة عنده. كيف له قول ذلك والنبي(ص) كان نفسه يقوم بأعباء البيت، فعن عائشة رضي الله عنها حين سألها رجل عن ذلك قالت: " كان في مهنة أهله ، فإذا حضرت الصلاة ، خرج إلى الصلاة "5. وهو القائل:" خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلى".
هل في عرفنا اليوم أن نعتبر الزوجة أسيرة عند الرجل؟ وهل يحتكم في علاقته معها إلى مثل هذه الأقوال البشرية على أنها من الإسلام؟ لا زال من الفقهاء إلى يومنا هذا من يستشهد بنص ابن قيم وبتفسيره لكلمة عوان بالأسيرات. أما في لسان العرب فقد جاء:".. وقالوا عاونته معاونة وعوانا". فالزوجة في الحديث معاونة للرجل، مساعدة له و ليست أسيرة لديه. يقول الله تعالى: " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون".
تميز عهد النبي(ص) بحسن الظن بخلق الله وبالإحسان إليهم، و كان حجاب التقوى هو سيد الموقف، عكس العصر العباسي الذي طرأت فيه مستجدات كان لها الأثر البالغ في تطور الفقه الإسلامي. زمن كثرت فيه الفتن، فجعلت المرأة على رأس قائمتها في فقه يمكن تسميته بفقه الطوارئ. لنتأمل الآية الكريمة كيف تصف مجتمع المدينة على عهد الرسول (ص):" والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله" ( التوبة 71 ) فهذا هو الدين الصحيح المبني على الإيمان والتقوى والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والأمر الإلهي فيه للرجل وللمرأة على حد سواء. وهو ما تعسر تحقيقه في المجتمع العباسي الذي كان بمثابة خليط من الأعراق والأعراف و كان الصراع سمته الأولى ، كما عرف بتراجع المثل والقيم، و بتفشي ظاهرة الغلمان والقيان، أما الغلاميات فكانت لهن حضوة كبرى عند علية القوم.
و الأدهى من ذلك أن فقهاء ذلك العصر جعلوا من العادة الجارية (أو العرف) في أيامهم مصدرا للتشريع الإسلامي(تأصيل الرق مثلا، علما أن الإسلام جاء لتحريم العادات السيئة (ومنها الرق) وذلك بالتدرج في الأحكام فهل تدرج الفقهاء في سبيل القضاء على الرق؟ أم أنهم أدرجوه في فقههم و أحكموه ومن ثم وطنوه في الأمة؟). ومن أمثلته أيضا ما جاء في وقت لاحق في "زاد المعاد" (فإن العقود المطلقة إنما تنزل على العرف ، والعرف خدمة المرأة وقيامها بمصالح البيت الداخلة)(هكذا).
يتطور العرف مع التقدم في الزمن واختلاف البيئة، فلكل مجتمع أعرافه وتقاليده ، ولا يعقل أن نسقط أحكاما عرفية تنتمي لقرون غابرة على واقعنا المعاصر. أما القول بإجماع العلماء فيجب تقييده بما هو معلوم من الدينِ بالضرورة أي بالتوابث التي إذا أنكر المسلم واحدة منها خرج من الدين. أما في الفروع فهو كلام لا معنى له إلا عند من جعله سوطا في يده يسوس به الناس بغير وجه حق.
أما الآية التالية فكافية لوحدها في الرد ببطلان الدعاوى بوجوب تغطية الوجه وعدم الاختلاط: «لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن). (الأحزاب 52). كيف يميز النبي (ص) حسنهن وهن منقبات و لا يراهن أحد من الرجال؟. الآية الكريمة بسيطة في لفظها، و معناها ولا تحتمل تأويلا أو "حركات ذهنية"، إلا إذا كان ذلك خدمة لإيديولوجيات معينة و كان الهدف هو الانتصار لها كيفما اتفق ودون اعتبار لمراد الله تعالى في تنزيله للآية.
عن جابر بن عبد الله قال: "طلقت خالتي فأرادت أن تجد نخلها (أخذ ثمار الشجر) فزجرها رجل أن تخرج فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بلى فجدي نخلك فإنك عسى أن تصدقي أو تفعلي معروفا" (رواه مسلم.).
وفي مسألة الاختلاط ، روى البخاري في الصحيح عن عبد الله بن يوسف ، عن مالك بن أنس : " إن الرجال والنساء في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا يتوضئون جميعا في الإناء الواحد. وفي مسند أحمد بن حنبل: حدثنا إسماعيل ، أخبرنا أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : " رأيت الرجال والنساء يتوضئون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعا من إناء واحد".. واستمر الحال على هذا النهج النبوي حتى عهد الفاروق رضي الله عنه. ففي مصنف عبد الرزاق عن أبي سلامة الحبيبي قال: " رأيت عمر بن الخطاب أتى حياضا عليها الرجال والنساء يتوضئون جميعا فضربهم بالدرة ، ثم قال لصاحب الحوض : " اجعل للرجال حياضا ، وللنساء حياضا " , ثم لقي عليا , فقال : " ما ترى ؟ " , فقال : " أرى إنما أنت راع ، فإن كنت تضربهم على غير ذلك فقد هلكت , وأهلكت " . والجواب واضح.
هل نحتاج في تفسير هذه الأحاديث إلى المنطق الأرسطي حتى يستقيم لنا الفهم؟ نعم إذا كان مرادنا الخوض في غير الحق.
نحن اليوم أمام إيديولوجيا جديدة يبشر بها أصحابها، مبنية على المذهبية والطائفية، والحمية فيها ليست لله ولرسوله و إنما لشيخ الإسلام أو لحجة الإسلام وتلاميذهما، (وإن ادعوا الأولى). و فيه أن المرأة المسلمة لا يكتمل دينها إلا بالنقاب "الشرعي".و هنا أتساءل: من جعل النقاب ذي الأصول الآشورية و اليونانية ركنا سادسا في الإسلام؟ لقد ارتبط استعماله عبر التاريخ بالظلم الذي حاق بالمرأة في مجتمعات وثنية، حيث كانت وظيفة النقاب التفريق بين المرأة الحرة المتزوجة (كملكية خاصة) والجارية أو الغانية التي لم يكن يسمح لها بارتدائه. ألم يتعامل الفقهاء بنفس المنطق مع المرأة في عصورهم؟ لا أقلل من أقدار العلماء ولكن وجب الاعتراف أن اجتهاداتهم الفقهية مهما بلغت من الدقة والنبوغ تبقى معارف بشرية مخصوصة لزمانها، ألم يستعن بعض الفقهاء بالمنطق الأرسطي في تأصيلهم للفقه؟ ألم يطلعوا على ما أسموه "بالعلوم الأولى" وهي الفلسفة اليونانية، فقسموا كل شيء إلى مراتب و مناطات حتى أصبحت عقيدة عند البعض؟ لنفرق إذن بين الاجتهادات الفقهية و بين الشريعة الغراء(القرآن والحديث) في المرتبة والقداسة، و لنقدم النص على آراء الفقهاء، فأصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد بن عبد الله(ص). والأئمة رحمهم الله كانوا أنفسهم يحذرون من تقليدهم. جاء في (تبليس إبليس) لابن الجوزي رحمه الله: (قال المصنف: دخل إبليس على هذه الأمة في عقائدها من طريقين: أحدهما التقليد للآباء والأسلاف...فإن إبليس زين للمقلدين أن الأدلة قد تشتبه والصواب قد يخفى والتقليد سليم: وقد ضل هذا الطريق خلق كثير ... واعلم أن العلة التي بها مدحوا التقليد بها يذم لأنه إذا كانت الأدلة تشتبه والصواب يخفى وجب هجر التقليد لئلا يوقع في ضلال. وقد ذم الله سبحانه وتعالى الواقفين مع تقليد آبائهم وأسلافهم فقال تعالى: ( قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون قال أو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم ) .. قال المصنف: أعلم أن المقلد على غير ثقة فيما قلد فيه وفي التقليد إبطال منفعة العقل لأنه إنما خلق للتأمل والتدبر وقبيح بمن أعطى شمعة يستضيء بها أن يطفئها ويمشي في الظلمة واعلم أن عموم أصحاب المذاهب يعظم في قلوبهم الشخص فيتبعون قوله من غير تدبر بما قال: وهذا عين الضلال لأن النظر ينبغي أن يكون إلى القول لا إلى القائل). انتهى كلام ابن الجوزي، أما الطريق الثاني الذي يحذر منه فقصد به الاشتغال بالفلسفة وعلم الكلام، وهو ما لا يدخل في صلب موضوعنا.
فالتقليد الأعمى للفقهاء، والتعصب لهم، و محاولة حصر مستجدات العصر بفتاويهم، لن تقدمنا كمسلمين ولو شبرا إلى الأمام، و متى كان التقليد سببا في التقدم؟ (بعد العصر العباسي حل عصر المماليك والانحطاط )لا بد إذن من فقه جديد يستند على الكتاب والسنة و معرفة عميقة بالواقع الذي نعيشه، ولا أدل على ذلك ما قاله العلامة الألباني في كتابه (فقه الواقع):
(الأول: تصفية العقيدة الإسلامية مما هو غريب عنها كالشرك وجحد الصفات الإلهية وتأويلها ورد الأحاديث الصحيحة لتعلقها بالعقيدة ونحوها.
الثاني: تصفية الفقه الإسلامي من الاجتهادات الخاطئة المخالفة للكتاب والسنة وتحرير العقول من آصار التقليد وظلمات التعصب.
الثالث: تصفية كتب التفسير والفقه والرقائق وغيرها من الأحاديث الضعيفة والموضوعة والإسرائيليات والمنكرات).
غالبا ما يتم تشكيل صورة المرأة عبر الموروث الثقافي والاجتماعي ثم يأتي بعد ذلك من يلبسه لبوسا دينيا مع أن الإسلام منه براء. في "إحياء علوم الدين" لحجة الإسلام أبي حامد الغزالي نجد ما يعزز هذا الرأي، فعنده يجب علي المرأة " أن تكون قاعدة في قعر بيتها لازمة لمغزلها لا يكثر صعودها قليلة الكلام لجيرانها." و عنده أن لا بأس في تعلم الرجل "علم الحيض" وتلقينه لزوجته وبذلك "ليس لها الخروج لسؤال العلماء " أما نظرته للزواج وعلاقة الرجل بالمرأة فهي أقرب ما تكون إلى رأي بعض فلاسفة اليونان التي تشبهها بعلاقة السيد بعبده، و بعيدة في رسالتها عن روح الآية الكريمة: " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون".
ففي نفس المصدر نجد عند الغزالي: "أن النكاح نوع من الرق، فهي أي (الزوجة) رقيقة له (للزوج)، وبما أنه نوع من الرق، فطاعة الزوج عليها مطلقة في كل ما طلب منها في نفسها مما لا معصية فيه". فيتلقف الخلف عن السلف مثل هذه الأحكام على أنها من الإسلام. أين الغزالي من صريح الآيات و صحيح الأحاديث وهو الطود الشامخ في الفكر الإسلامي، رحمه الله ؟
في صحيح البخاري: عن عبد الله بن عبّاس قال: "أردف النبيّ الفضل بن عباس يوم النحر خلفه على عجز راحلته، وكان الفضل رجلاً وضيئاً، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم بالناس يفتيهم، وأقبلت امرأة من خثعم وضيئة تستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فطفق الفضل ينظر إليها وأعجبه حسنها، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم والفضل ينظر إليها فأخلف بيده فأخذ بذقن الفضل فعدل وجهه عن النظر إليها". قال الحافظ ابن حجر في شرح الباري: (قال ابن بطال: في الحديث الأمر بغضّ البصر خشية الفتنة، ومقتضاه أنه إذا أمنت الفتنة لم يمتنع، قال: ويؤيده أنه صلى الله عليه وسلم لم يحوّل وجه الفضل حتى أدمن النظر إليها لإِعجابه بها فخشي الفتنة عليه، قال: وفيه مغالبة طباع البشر لابن ادم وضعفه عما ركّب فيه من الميل إلى النساء والإعجاب بهن. وفيه دليل على أن نساء المؤمنين ليس عليهن من الحجاب ما يلزم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، إذ لو لزم ذلك جميع النساء لأمر النبي الخثعمية بالاستتار لما صرف وجه الفضل. قال: وفيه دليل على أن ستر المرأة وجهها ليس فرضاً لإِجماعهم على أن المرأة تبدي وجهها في الصلاة ولو رآها الغرباء).
وفي سنن النسائي روي عن سبيعة بنت الحارث أنها وضعت حملها بعد وفاة زوجها بثلاثة وعشرين ليلة فلما تعلت تشوفت للأزواج فعيب ذلك عليها فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما يمنعها قد انقضى أجلها."
المهم عندنا في الحديث هو حلم النبي (ص) فلم يعنفها على تشوفها، بل كان جوابه صلى الله عليه وسلم جواب نبي موحى إليه، ومصداقا لقول الله سبحانه تعالى: ( لو كنت فضا غليظ القلب لانفضوا من حولك).
في لسان العرب: " والمشوفة من النساء : التي تظهر نفسها ليراها الناس ; عن أبي علي . وتشوفت المرأة : تزينت . ".
في الختام، تأمل معنى الحجاب كما كان مفهوما في عهد الرسول(ص) والمذكور في الحديث أدناه: هل هو غطاء الرأس كما نسميه بالعادة؟ أم هو الساتر؟ (جدار أو رواق سميك) و يحجب الرؤية على الطرفين ،الرجل و المرأة، وهو خاص بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم.
ففي صحيح البخاري، عن سعد بن أبي وقاص قال: ( استأذن عمر بن الخطاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة من قريش يكلمنه ويستكثرنه عالية أصواتهن على صوته فلما استأذن عمر بن الخطاب قمن فبادرن الحجاب فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عمر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك فقال عمر أضحك الله سنك يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب فقال عمر فأنت أحق أن يهبن يا رسول الله ثم قال عمر يا عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن نعم أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إيها يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا قط إلا سلك فجا غير فجك).
في الحديث يتعجب النبي(ص) متبسما من فرار النسوة إلى ما وراء الحجاب لمجرد سماعهن صوت عمر، فقد كان رضي الله عنه مهيبا عند المسلمين جميعا. ومما يروي عنه في هذا الباب ما جاء في الطبقات الكبرى لابن سعد:" أن حجاما كان يقص عمر بن الخطاب ، وكان رجلا مهيبا ، فتنحنح عمر فأحدث الحجام ، فأمر له عمر بأربعين درهما ، والحجام هو سعيد بن الهيلم " .
1- ثلثا فرسخ = 31.20 كلم
2- صحيح البخاري " كتاب النكاح " باب الغيرة.
3- زاد المعاد في هدي خير العباد للإمام شمس الدين أبي عبد الله ابن قيم الجوزية. فصل في حكم النبي صلى الله عليه وسلم في خدمة المرأة لزوجها.
4-"المبسوط في الفقه"
5- مسند أحمد بن حنبل.
روي عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما أنها قالت: " تزوجني الزبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء غير ناضح وغير فرسه فكنت أعلف فرسه وأستقي الماء وأخرز غربه...وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي وهي مني على ثلثي فرسخ1 فجئت يوما والنوى على رأسي فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من الأنصار فدعاني ثم قال إخ إخ ليحملني خلفه فاستحييت أن أسير مع الرجال وذكرت الزبير وغيرته وكان أغير الناس فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أني قد استحييت فمضى فجئت الزبير فقلت لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسي النوى ومعه نفر من أصحابه فأناخ لأركب فاستحييت منه وعرفت غيرتك فقال والله لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه قالت حتى أرسل إلي أبو بكر بعد ذلك بخادم تكفيني سياسة الفرس فكأنما أعتقني"2. قارن بين سلوك النبي(ص) مع أخت زوجته عائشة وهو في جماعة من الأنصار وبين خطاب عزل المرأة عن المجتمع برمته. لاحظ كيف أن النبي (ص) هم بحملها وراءه على الدابة وهو برفقة أصحابه، وما منعها من ذلك إلا استحياؤها من السير مع الرجال وغيرة زوجها الذي علمنا كيف أنه لم يجد حرجا في ذلك.
هل كانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما تتحمل تلك المشاق الواردة في الحديث بوصفها أسيرة عند زوجها أو رقيقة له؟ كما فهم ابن قيم وسلفه من أهل الظاهر حين قال:( وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المرأة عانية ، فقال: (اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم) والعاني : الأسير ، ومرتبة الأسير خدمة من هو تحت يده، ولا ريب أن النكاح نوع من الرق كما قال بعض السلف : النكاح رق فلينظر أحدكم عند من يرق كريمته ، ولا يخفى على المنصف الراجح من المذهبين والأقوى من الدليلين )3. في تعليقه على حديث أسماء بنت أبي بكر أغفل مسألة خروج المرأة واختلاطها بالأجانب كما رأينا، واكتفى بالتأكيد على وجوب خدمة المرأة لزوجها على أنها أسيرة عنده. كيف له قول ذلك والنبي(ص) كان نفسه يقوم بأعباء البيت، فعن عائشة رضي الله عنها حين سألها رجل عن ذلك قالت: " كان في مهنة أهله ، فإذا حضرت الصلاة ، خرج إلى الصلاة "5. وهو القائل:" خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلى".
هل في عرفنا اليوم أن نعتبر الزوجة أسيرة عند الرجل؟ وهل يحتكم في علاقته معها إلى مثل هذه الأقوال البشرية على أنها من الإسلام؟ لا زال من الفقهاء إلى يومنا هذا من يستشهد بنص ابن قيم وبتفسيره لكلمة عوان بالأسيرات. أما في لسان العرب فقد جاء:".. وقالوا عاونته معاونة وعوانا". فالزوجة في الحديث معاونة للرجل، مساعدة له و ليست أسيرة لديه. يقول الله تعالى: " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون".
تميز عهد النبي(ص) بحسن الظن بخلق الله وبالإحسان إليهم، و كان حجاب التقوى هو سيد الموقف، عكس العصر العباسي الذي طرأت فيه مستجدات كان لها الأثر البالغ في تطور الفقه الإسلامي. زمن كثرت فيه الفتن، فجعلت المرأة على رأس قائمتها في فقه يمكن تسميته بفقه الطوارئ. لنتأمل الآية الكريمة كيف تصف مجتمع المدينة على عهد الرسول (ص):" والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله" ( التوبة 71 ) فهذا هو الدين الصحيح المبني على الإيمان والتقوى والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والأمر الإلهي فيه للرجل وللمرأة على حد سواء. وهو ما تعسر تحقيقه في المجتمع العباسي الذي كان بمثابة خليط من الأعراق والأعراف و كان الصراع سمته الأولى ، كما عرف بتراجع المثل والقيم، و بتفشي ظاهرة الغلمان والقيان، أما الغلاميات فكانت لهن حضوة كبرى عند علية القوم.
و الأدهى من ذلك أن فقهاء ذلك العصر جعلوا من العادة الجارية (أو العرف) في أيامهم مصدرا للتشريع الإسلامي(تأصيل الرق مثلا، علما أن الإسلام جاء لتحريم العادات السيئة (ومنها الرق) وذلك بالتدرج في الأحكام فهل تدرج الفقهاء في سبيل القضاء على الرق؟ أم أنهم أدرجوه في فقههم و أحكموه ومن ثم وطنوه في الأمة؟). ومن أمثلته أيضا ما جاء في وقت لاحق في "زاد المعاد" (فإن العقود المطلقة إنما تنزل على العرف ، والعرف خدمة المرأة وقيامها بمصالح البيت الداخلة)(هكذا).
يتطور العرف مع التقدم في الزمن واختلاف البيئة، فلكل مجتمع أعرافه وتقاليده ، ولا يعقل أن نسقط أحكاما عرفية تنتمي لقرون غابرة على واقعنا المعاصر. أما القول بإجماع العلماء فيجب تقييده بما هو معلوم من الدينِ بالضرورة أي بالتوابث التي إذا أنكر المسلم واحدة منها خرج من الدين. أما في الفروع فهو كلام لا معنى له إلا عند من جعله سوطا في يده يسوس به الناس بغير وجه حق.
أما الآية التالية فكافية لوحدها في الرد ببطلان الدعاوى بوجوب تغطية الوجه وعدم الاختلاط: «لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن). (الأحزاب 52). كيف يميز النبي (ص) حسنهن وهن منقبات و لا يراهن أحد من الرجال؟. الآية الكريمة بسيطة في لفظها، و معناها ولا تحتمل تأويلا أو "حركات ذهنية"، إلا إذا كان ذلك خدمة لإيديولوجيات معينة و كان الهدف هو الانتصار لها كيفما اتفق ودون اعتبار لمراد الله تعالى في تنزيله للآية.
عن جابر بن عبد الله قال: "طلقت خالتي فأرادت أن تجد نخلها (أخذ ثمار الشجر) فزجرها رجل أن تخرج فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بلى فجدي نخلك فإنك عسى أن تصدقي أو تفعلي معروفا" (رواه مسلم.).
وفي مسألة الاختلاط ، روى البخاري في الصحيح عن عبد الله بن يوسف ، عن مالك بن أنس : " إن الرجال والنساء في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا يتوضئون جميعا في الإناء الواحد. وفي مسند أحمد بن حنبل: حدثنا إسماعيل ، أخبرنا أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : " رأيت الرجال والنساء يتوضئون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعا من إناء واحد".. واستمر الحال على هذا النهج النبوي حتى عهد الفاروق رضي الله عنه. ففي مصنف عبد الرزاق عن أبي سلامة الحبيبي قال: " رأيت عمر بن الخطاب أتى حياضا عليها الرجال والنساء يتوضئون جميعا فضربهم بالدرة ، ثم قال لصاحب الحوض : " اجعل للرجال حياضا ، وللنساء حياضا " , ثم لقي عليا , فقال : " ما ترى ؟ " , فقال : " أرى إنما أنت راع ، فإن كنت تضربهم على غير ذلك فقد هلكت , وأهلكت " . والجواب واضح.
هل نحتاج في تفسير هذه الأحاديث إلى المنطق الأرسطي حتى يستقيم لنا الفهم؟ نعم إذا كان مرادنا الخوض في غير الحق.
نحن اليوم أمام إيديولوجيا جديدة يبشر بها أصحابها، مبنية على المذهبية والطائفية، والحمية فيها ليست لله ولرسوله و إنما لشيخ الإسلام أو لحجة الإسلام وتلاميذهما، (وإن ادعوا الأولى). و فيه أن المرأة المسلمة لا يكتمل دينها إلا بالنقاب "الشرعي".و هنا أتساءل: من جعل النقاب ذي الأصول الآشورية و اليونانية ركنا سادسا في الإسلام؟ لقد ارتبط استعماله عبر التاريخ بالظلم الذي حاق بالمرأة في مجتمعات وثنية، حيث كانت وظيفة النقاب التفريق بين المرأة الحرة المتزوجة (كملكية خاصة) والجارية أو الغانية التي لم يكن يسمح لها بارتدائه. ألم يتعامل الفقهاء بنفس المنطق مع المرأة في عصورهم؟ لا أقلل من أقدار العلماء ولكن وجب الاعتراف أن اجتهاداتهم الفقهية مهما بلغت من الدقة والنبوغ تبقى معارف بشرية مخصوصة لزمانها، ألم يستعن بعض الفقهاء بالمنطق الأرسطي في تأصيلهم للفقه؟ ألم يطلعوا على ما أسموه "بالعلوم الأولى" وهي الفلسفة اليونانية، فقسموا كل شيء إلى مراتب و مناطات حتى أصبحت عقيدة عند البعض؟ لنفرق إذن بين الاجتهادات الفقهية و بين الشريعة الغراء(القرآن والحديث) في المرتبة والقداسة، و لنقدم النص على آراء الفقهاء، فأصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد بن عبد الله(ص). والأئمة رحمهم الله كانوا أنفسهم يحذرون من تقليدهم. جاء في (تبليس إبليس) لابن الجوزي رحمه الله: (قال المصنف: دخل إبليس على هذه الأمة في عقائدها من طريقين: أحدهما التقليد للآباء والأسلاف...فإن إبليس زين للمقلدين أن الأدلة قد تشتبه والصواب قد يخفى والتقليد سليم: وقد ضل هذا الطريق خلق كثير ... واعلم أن العلة التي بها مدحوا التقليد بها يذم لأنه إذا كانت الأدلة تشتبه والصواب يخفى وجب هجر التقليد لئلا يوقع في ضلال. وقد ذم الله سبحانه وتعالى الواقفين مع تقليد آبائهم وأسلافهم فقال تعالى: ( قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون قال أو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم ) .. قال المصنف: أعلم أن المقلد على غير ثقة فيما قلد فيه وفي التقليد إبطال منفعة العقل لأنه إنما خلق للتأمل والتدبر وقبيح بمن أعطى شمعة يستضيء بها أن يطفئها ويمشي في الظلمة واعلم أن عموم أصحاب المذاهب يعظم في قلوبهم الشخص فيتبعون قوله من غير تدبر بما قال: وهذا عين الضلال لأن النظر ينبغي أن يكون إلى القول لا إلى القائل). انتهى كلام ابن الجوزي، أما الطريق الثاني الذي يحذر منه فقصد به الاشتغال بالفلسفة وعلم الكلام، وهو ما لا يدخل في صلب موضوعنا.
فالتقليد الأعمى للفقهاء، والتعصب لهم، و محاولة حصر مستجدات العصر بفتاويهم، لن تقدمنا كمسلمين ولو شبرا إلى الأمام، و متى كان التقليد سببا في التقدم؟ (بعد العصر العباسي حل عصر المماليك والانحطاط )لا بد إذن من فقه جديد يستند على الكتاب والسنة و معرفة عميقة بالواقع الذي نعيشه، ولا أدل على ذلك ما قاله العلامة الألباني في كتابه (فقه الواقع):
(الأول: تصفية العقيدة الإسلامية مما هو غريب عنها كالشرك وجحد الصفات الإلهية وتأويلها ورد الأحاديث الصحيحة لتعلقها بالعقيدة ونحوها.
الثاني: تصفية الفقه الإسلامي من الاجتهادات الخاطئة المخالفة للكتاب والسنة وتحرير العقول من آصار التقليد وظلمات التعصب.
الثالث: تصفية كتب التفسير والفقه والرقائق وغيرها من الأحاديث الضعيفة والموضوعة والإسرائيليات والمنكرات).
غالبا ما يتم تشكيل صورة المرأة عبر الموروث الثقافي والاجتماعي ثم يأتي بعد ذلك من يلبسه لبوسا دينيا مع أن الإسلام منه براء. في "إحياء علوم الدين" لحجة الإسلام أبي حامد الغزالي نجد ما يعزز هذا الرأي، فعنده يجب علي المرأة " أن تكون قاعدة في قعر بيتها لازمة لمغزلها لا يكثر صعودها قليلة الكلام لجيرانها." و عنده أن لا بأس في تعلم الرجل "علم الحيض" وتلقينه لزوجته وبذلك "ليس لها الخروج لسؤال العلماء " أما نظرته للزواج وعلاقة الرجل بالمرأة فهي أقرب ما تكون إلى رأي بعض فلاسفة اليونان التي تشبهها بعلاقة السيد بعبده، و بعيدة في رسالتها عن روح الآية الكريمة: " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون".
ففي نفس المصدر نجد عند الغزالي: "أن النكاح نوع من الرق، فهي أي (الزوجة) رقيقة له (للزوج)، وبما أنه نوع من الرق، فطاعة الزوج عليها مطلقة في كل ما طلب منها في نفسها مما لا معصية فيه". فيتلقف الخلف عن السلف مثل هذه الأحكام على أنها من الإسلام. أين الغزالي من صريح الآيات و صحيح الأحاديث وهو الطود الشامخ في الفكر الإسلامي، رحمه الله ؟
في صحيح البخاري: عن عبد الله بن عبّاس قال: "أردف النبيّ الفضل بن عباس يوم النحر خلفه على عجز راحلته، وكان الفضل رجلاً وضيئاً، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم بالناس يفتيهم، وأقبلت امرأة من خثعم وضيئة تستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فطفق الفضل ينظر إليها وأعجبه حسنها، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم والفضل ينظر إليها فأخلف بيده فأخذ بذقن الفضل فعدل وجهه عن النظر إليها". قال الحافظ ابن حجر في شرح الباري: (قال ابن بطال: في الحديث الأمر بغضّ البصر خشية الفتنة، ومقتضاه أنه إذا أمنت الفتنة لم يمتنع، قال: ويؤيده أنه صلى الله عليه وسلم لم يحوّل وجه الفضل حتى أدمن النظر إليها لإِعجابه بها فخشي الفتنة عليه، قال: وفيه مغالبة طباع البشر لابن ادم وضعفه عما ركّب فيه من الميل إلى النساء والإعجاب بهن. وفيه دليل على أن نساء المؤمنين ليس عليهن من الحجاب ما يلزم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، إذ لو لزم ذلك جميع النساء لأمر النبي الخثعمية بالاستتار لما صرف وجه الفضل. قال: وفيه دليل على أن ستر المرأة وجهها ليس فرضاً لإِجماعهم على أن المرأة تبدي وجهها في الصلاة ولو رآها الغرباء).
وفي سنن النسائي روي عن سبيعة بنت الحارث أنها وضعت حملها بعد وفاة زوجها بثلاثة وعشرين ليلة فلما تعلت تشوفت للأزواج فعيب ذلك عليها فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما يمنعها قد انقضى أجلها."
المهم عندنا في الحديث هو حلم النبي (ص) فلم يعنفها على تشوفها، بل كان جوابه صلى الله عليه وسلم جواب نبي موحى إليه، ومصداقا لقول الله سبحانه تعالى: ( لو كنت فضا غليظ القلب لانفضوا من حولك).
في لسان العرب: " والمشوفة من النساء : التي تظهر نفسها ليراها الناس ; عن أبي علي . وتشوفت المرأة : تزينت . ".
في الختام، تأمل معنى الحجاب كما كان مفهوما في عهد الرسول(ص) والمذكور في الحديث أدناه: هل هو غطاء الرأس كما نسميه بالعادة؟ أم هو الساتر؟ (جدار أو رواق سميك) و يحجب الرؤية على الطرفين ،الرجل و المرأة، وهو خاص بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم.
ففي صحيح البخاري، عن سعد بن أبي وقاص قال: ( استأذن عمر بن الخطاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة من قريش يكلمنه ويستكثرنه عالية أصواتهن على صوته فلما استأذن عمر بن الخطاب قمن فبادرن الحجاب فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عمر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك فقال عمر أضحك الله سنك يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب فقال عمر فأنت أحق أن يهبن يا رسول الله ثم قال عمر يا عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن نعم أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إيها يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا قط إلا سلك فجا غير فجك).
في الحديث يتعجب النبي(ص) متبسما من فرار النسوة إلى ما وراء الحجاب لمجرد سماعهن صوت عمر، فقد كان رضي الله عنه مهيبا عند المسلمين جميعا. ومما يروي عنه في هذا الباب ما جاء في الطبقات الكبرى لابن سعد:" أن حجاما كان يقص عمر بن الخطاب ، وكان رجلا مهيبا ، فتنحنح عمر فأحدث الحجام ، فأمر له عمر بأربعين درهما ، والحجام هو سعيد بن الهيلم " .
1- ثلثا فرسخ = 31.20 كلم
2- صحيح البخاري " كتاب النكاح " باب الغيرة.
3- زاد المعاد في هدي خير العباد للإمام شمس الدين أبي عبد الله ابن قيم الجوزية. فصل في حكم النبي صلى الله عليه وسلم في خدمة المرأة لزوجها.
4-"المبسوط في الفقه"
5- مسند أحمد بن حنبل.