مشاهدة النسخة كاملة : التطبيق القانوني للشريعة أم التربية والإعلام؟


غاربله
27-08-2011, 09:01 AM
التطبيق القانوني للشريعة أم التربية والإعلام؟
ومما وقع ف يه الخلل هنا : أن معظم العاملين في الحقل الإسلامي وبخاصة المتحمسون منهم أعطوا عناية كبرى لقضية ما أسموه "تطبيق الشريعة الإسلامية " يعنون الجانب القانوني من الشريعة، ولا سيما في العقوبات: أي الحدود والقصاص والتعازير.
وهذا الجانب جزء من الإسلام ولا ريب، ولا يجوز إغفاله أو الإعراض عنه.
ولكن المبالغة في المطالبة به والحديث عنه، واعتباره رأس الأمر وعموده وذروة سنامه، كان له آثار سيئة على التفكير الإسلامي، والعمل الإسلامي، وآثار أخرى على أفكار الناس العاديين، واستغل ذلك خصوم الإسلام وشريعته ودعوته . وطالما قلت : إن القوانين وحدها لا تصنع المجتمعات، ولا تبنى الأمم، إنما تصنع المجتمعات والأمم : التربية والثقافة، ثم تأتي القوانين سياجا وحماية.
فالواجب إذن أن نعطي هذه القضية حجمها الحقيقي من الفكر والعمل، وأن تعطى
مساحات مناسبة للاشتغال والإعداد والمطالبة ب "تربية إسلامية متكاملة معاصرة " تتابع الطفل المسلم من سن الحضانة، وتستمر معه، حتى يتخرج من الجامعة، مستخدمة المناهج الملائمة، والأساليب المشوقة، والوسائل السمعية والبصرية، والتكنولوجيا المتطورة، بما يحقق ضرورة الدين للحياة، ويؤكد كمال الإسلام وعدالة أحكامه، وإعجاز كتابه، وعظمة رسوله، وتوازن حضارته، وخلود أمته.
وليست هذه التربية مطلوبة في درس الدين أو التربية الإسلامية فحسب، بل هي مطلوبة، في كل الدروس والمواد العلمية والأدبية، دون افتعال . فلتلتمس في العلوم والمواد الاجتماعية واللغة والأدب، وتلتمس في الأنشطة المدرسية، وفي الجو العام، حتى يساعد على تنشئة جيل مسلم مؤمن بالله معتز بدينه وأمته، متكامل النماء بروحه وعقله وجسمه ووجدانه، مخلص لربه، خادم لوطنه، متسامح مع غيره، عامل لخير الإنسانية جمعاء.
ولابد من الوقوف في وجه الفلسفات والمناهج المادية واللادينية المستوردة، الفارغة من روح الدين، والمناقضة لفلسفة الإسلام عن الله وعن الإنسان، وعن الحياة والعالم، وعن الدين والدنيا.
كما يجب أن تعطى مساحات أخرى مناسبة كذلك، لقضية الإعلام والثقافة، التي غدت من أشد المؤثرات في حياتنا الفردية والاجتماعية، وأصبحت أدوات الإعلام هي التي تصنع العقول والميول والأذواق والاتجاهات الفكرية والنفسية عند جماهير الناس.
فلا يجوز بحال من الأحوال أن تترك هذه في أيدي من لا يؤمنون بالإسلام مرجعا أعلى لحياة الإنسان المسلم وحياة الجماعة المسلمة، في التعامل والفكر والسلوك.
ولابد من العمل على محورين اثنين متكاملين:
الأول: إعداد إعلاميين إسلاميين في كل المجالات، وعلى كل المستويات، قادرين على أن
يمثلوا الإسلام، ويمثلوا العصر بإمكاناته الهائلة.
ويدخل في ذلك أهل الفنون المختلفة من غناء ومسرح وتمثيل.
وهنا نحتاج إلى من يكتب النص، ومن يحوله إلى حوار (سيناريو)، ومن يخرجه ويمثله، ومن يصوره، ومن ينفذه.
وهذه أمور ليست بالسهلة، وفيها عقبات شرعية وغير شرعية . يجب العمل على تذليلها، ولو بقبول المرحلية فيها، ووضع خطة محددة الأهداف، بينة الوسائل، معروفة المراحل، لاستكمال الناقص، وإتمام البناء.
الثاني : محاولة كسب الإعلاميين و الفنانين الحاليين، فلاشك أن فيهم من المسلمين المصلين الصائمين، ولكنهم بحكم تربيتهم وثقافتهم يحسبون أن ما يصنعونه ليس مخالفا للإسلام، ولا يجلب سخط الله عليهم، وربما عرف بعضهم شيئا من ذلك، ولكن العيشة التي يعيش فيها، والحياة التي تعودها، غلبت عليه.
والواجب هنا بذل الجهد مع هؤلاء، حتى يتفقهوا في دينهم، ويتوبوا إلى ربهم، وينضموا إلى قافلة الداعين إلى الإسلام وفضائله.
ولقد عرفت السنوات الأخيرة توبة عدد من الفنانين، وعدد أكبر من الفنانات، ولكن أكثرهم اعتزلوا الفن وأهله، نجاة بأنفسهم، وفرارا بدينهم.
وأولى من ذلك أن يثبتوا في هذا المعترك الصعب، وهذا الميدان الشاق، وأن يقولوا ما قال عمر بن الخطاب بعد إسلامه : "والله لا يبقى مكان كنت أعلن فيه الجاهلية إلا أعلنت فيه الإسلام". وهذا لا يكون إلا بالتعاون بين الجميع، والتغلب على المعوقات وما أكثرها.