مشاهدة النسخة كاملة : علاء الأسوانى يهاجم الإسلام وسيدنا عثمان رضى الله عنه
إسماعيل القاضى 29-08-2011, 06:04 PM كتبهاعلاء الأسوانى ، في 31 مايو 2011 الساعة: 12:59 م
مقالة علاء الاسوانى فى جريدة المصرى اليوم
31 مايو 2011
هل نحارب طواحين الهواء..؟!
لقد عاش المسلمون أزهى عصورهم وحكموا العالم وأبدعوا حضارتهم العظيمة عندما كانوا يعيشون فى ظل الخلافة الإسلامية التى تحكم بشريعة الله.. فى العصر الحديث نجح الاستعمار فى إسقاط الخلافة وتلويث عقول المسلمين بالأفكار الغربية، عندئذ تدهورت أحوالهم وتعرضوا إلى الضعف والتخلف.. الحل الوحيد لنهضة المسلمين هو استعادة الخلافة الإسلامية..».
كثيرا ما استمعت إلى هذه الجملة من بعض خطباء المساجد وأعضاء الجماعات الإسلامية، ولا شك أن كثيرين فى مصر والعالم العربى يؤمنون بصحة هذه المقولة مما يجعل من الواجب مناقشتها.. الحقيقة أن الإسلام قدم فعلاً حضارة عظيمة للعالم، فعلى مدى قرون نبغ المسلمون وتفوقوا فى المجالات الإنسانية كلها بدءا من الفن والفلسفة وحتى الكيمياء والجبر والهندسة.. أذكر أننى كنت أدرس الأدب الإسبانى فى مدريد، وكان الأستاذ يدرسنا تاريخ الأندلس، وفى بداية المحاضرة عرف أن هناك ثلاثة طلبة عرب فى الفصل فابتسم وقال لنا:
- يجب أن تفخروا بما أنجزه أجدادكم من حضارة فى الأندلس..».
الجزء الأول من الجملة عن عظمة الحضارة الإسلامية صحيح تماما.. المشكلة فى الجزء الثانى.. هل كانت الدول الإسلامية المتعاقبة تطبق مبادئ الإسلام سواء فى طريقة توليها الحكم أو تداولها السلطة أو معاملتها للرعية..؟!..
إن قراءة التاريخ الإسلامى تحمل لنا إجابة مختلفة.. فبعد وفاة الرسول «صلى الله عليه وسلم» لم يعرف العالم الإسلامى الحكم الرشيد العادل الا لمدة 31 عاما، هى مجموع فترات حكم الخلفاء الراشدين الأربعة: أبوبكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلى بن أبى طالب.. الذين حكموا جميعا لمدة 29 عاما ( 11هـ- 40هـ). ثم الخليفة الأموى عمر بن عبدالعزيز الذى حكم لفترة عامين (99هـ- 101هـ).. 31 عاما فقط من 14 قرنا من الزمان، كان الحكم خلالها عادلاً رشيداً نقيا متوافقا مع مبادئ الإسلام الحقيقية. أما بقية التاريخ الإسلامى فإن نظام الحكم فيه لم يكن متفقا قط مع مبادئ الدين.. حتى خلال الـ31 عاما الأفضل حدثت مخالفات من الخليفة عثمان بن عفان، الذى لم يعدل بين المسلمين وآثر أقاربه بالمناصب والعطايا، فثار عليه الناس وقتلوه، ولم يكتفوا بذلك بل هاجموا جنازته وأخرجوا جثته واعتدوا عليها حتى تهشم أحد أضلاعه وهو ميت..
ثم جاءت الفتنة الكبرى التى قسمت المسلمين إلى ثلاث فرق (أهل سنة وشيعة وخوارج)، وانتهت بمقتل على بن أبى طالب، وهو من أعظم المسلمين وأفقههم وأقربهم للرسول (صلى الله عليه وسلم) على يد أحد الخوارج وهو عبدالرحمن بن ملجم. ثم أقام معاوية بن سفيان حكما استبداديا دمويا أخذ فيه البيعة من الناس كرهاً لابنه يزيد من بعده ليقضى إلى الأبد على حق المسلمين فى اختيار من يحكمهم ويحيل الحكم من وظيفة لإقامة العدل إلى ملك عضوض (يعض عليه بالنواجذ)، والقارئ لتاريخ الدولة الأموية ستفاجئه حقيقة أن الأمويين لم يتورعوا عن ارتكاب أبشع الجرائم من أجل المحافظة على الحكم.. فقد هاجم الأمويون المدينة المنورة وقتلوا كثيرا من أهلها لإخضاعهم فى موقعة الحرة. بل إن الخليفة عبدالملك بن مروان أرسل جيشا بقيادة الحجاج بن يوسف لإخضاع عبدالله بن الزبير الذى تمرد على الحكم الأموى، واعتصم فى المسجد الحرام..
ولقد حاصر الحجاج مكة بجيشه وضرب الكعبة بالمنجنيق حتى تهدمت بعض أركانها، ثم اقتحم المسجد الحرام وقتل عبدالله بن الزبير داخله.. كل شىء إذن مباح من أجل المحافظة على السلطة حتى الاعتداء على الكعبة، أقدس مكان فى الإسلام، وإذا انتقلنا إلى الدولة العباسية ستطالعنا صفحة جديدة من المجازر التى استولى بها العباسيون على السلطة وحافظوا عليها، فقد تعقب العباسيون الأمويين وقتلوهم جميعا بلا ذنب ولا محاكمة ونبشوا قبور الخلفاء الأمويين وعبثوا بجثثهم، انتقاما منهم.. الخليفة العباسى الثانى أبوجعفر المنصور قتل عمه عبدالله خوفا من أن ينازعه فى الحكم ثم انقلب على أبى مسلم الخرسانى. الذى كان سببا فى إقامة الدولة العباسية فقتله، أما أول الخلفاء العباسيين فهو أبوالعباس السفاح الذى سمى بالسفاح لكثرة من قتلهم من الناس، وله قصة شهيرة جمع فيها من تبقى من الأمراء الأمويين وأمر بذبحهم أمام عينيه ثم غطى جثثهم ببساط ودعا بطعام وأخذ يأكل ويشرب بينما لا يزالون يتحركون فى النزع الأخير ثم قال:
«والله ما أكلت أشهى من هذه الأكلة قط».
أما من ناحية الالتزام الدينى، باستثناء بضعة ملوك اشتهروا بالورع فقد كان معظم الملوك الأمويين والعباسيين يشربون الخمر مع ندمائهم على الملأ كل ليلة.. فلسفة الحكم إذن لم يكن لها علاقة بالدين من قريب أو بعيد، بل هى صراع شرس دموى على السلطة والنفوذ والمال لا يتورعون فيه عن شىء حتى لو كان الاعتداء على الكعبة وهدم أركانها.. فلا يحدثنا أحد عن الدولة الإسلامية الرشيدة، التى أخذت بالشريعة لأن ذلك ببساطة لم يحدث على مدى 14 قرناً، إلا لفترة 31 عاما فقط.. السؤال هنا: ما الفرق بين الحكم الإسلامى الرشيد، الذى استمر لسنوات قليلة، وبين ذلك التاريخ الطويل من الاستبداد باسم الإسلام؟..
إنه الفرق بين العدل والظلم، بين الديمقراطية والاستبداد.. إن الإسلام الحقيقى قد طبق الديمقراطية الحديثة قبل أن يطبقها الغرب بقرون طويلة.. فقد امتنع الرسول «صلى الله عليه وسلم» عن اختيار من يخلفه فى حكم المسلمين، واكتفى بأن ينتدب أبا بكر لكى يصلى بالمسلمين بدلاً منه وكأنه (صلى الله عليه وسلم) يريد أن يرسل الإشارة أنه يفضل أبا بكر لخلافته دون أن يحرم المسلمين من حقهم فى اختيار الحاكم.. وعندما توفى الرسول (صلى الله عليه وسلم) اجتمع زعماء المسلمين فى سقيفة بنى ساعدة ليختاروا الخليفة. هذا الاجتماع بلغتنا الحديثة اجتماع برلمانى بامتياز تداول فيه نواب المسلمين الأمر ثم انتخبوا أبا بكر ليتولى الحكم.. وقد ألقى أبوبكر على المسلمين خطبة قال فيها: «يا أيها الناس لقد وُلّيت عليكم ولست بخيركم.. أطيعونى ما أطعت الله ورسوله فإن عصيتهما فلا طاعة لى عليكم..».
هذه الخطبة بمثابة دستور حقيقى يحدد العلاقة بين الحاكم والمواطنين كأفضل دستور ديمقراطى.. نلاحظ هنا أن أبا بكر لم يقل إنه خليفة الله، ولم يتحدث عن حق إلهى فى الحكم، بل أكد أنه مجرد واحد من الناس وليس أفضلهم.. هذا المفهوم الديمقراطى الذى هو جوهر الإسلام سيستمر سنوات قليلة ثم يتحول إلى مفهوم آخر مناقض يعتبر الحاكم ظل الله على الأرض. فيقول معاوية بن أبى سفيان:
«الأرض لله وأنا خليفة الله فما أخذت فلى وما تركته للناس بفضل منى».
ويقول أبوجعفر المنصور العباسى:
«أيها الناس لقد أصبحنا لكم قادة وعنكم ذادة (حماة) نحكمكم بحق الله الذى أولانا وسلطانه الذى أعطانا، وأنا خليفة الله فى أرضه وحارسه على ماله..».
ويقول عبدالملك بن مروان وهو يخطب على منبر النبى: «والله لا يأمرنى أحد بتقوى الله بعد مقامى هذا إلا ضربت عنقه».
انقلب المفهوم الديمقراطى الذى يمثل جوهر الإسلام إلى حكم بالحق الإلهى يعتبر المعترضين عليه كفاراً مرتدين عن الدين يجب قتلهم. يقتضينا الإنصاف هنا أن نذكر حقيقتين: أولاً أن الخلفاء الذين تولوا الحكم عن طريق القتل والمؤامرت كانوا فى أحيان كثيرة حكاما أكفاء، أحسنوا إدارة الدولة الإسلامية حتى أصبحت إمبراطورية ممتدة الأطراف. لكن طريقتهم فى تولى السلطة والحفاظ عليها لا يمكن بأى حال اعتبارها نموذجا يتفق مع مبادئ الإسلام.. ثانياً: إن الصراع الدموى على السلطة لم يقتصر على حكام المسلمين فى ذلك العصر، وإنما كان يحدث بين ملوك أوروبا بنفس الطريقة من أجل انتزاع العروش والمحافظة عليها.
الفرق أن الغربيين الآن يعتبرون هذه الصراعات الدموية مرحلة كان لابد من اجتيازها من أجل الوصول إلى الديمقراطية، بينما مازال بيننا نحن العرب والمسلمين من يدعو إلى استعادة نظام الخلافة الإسلامية، ويزعم أنها كانت عادلة تتبع شريعة الله. إن التاريخ الرهيب للصراع السياسى فى الدولة الإسلامية منشور ومعروف وهو أبعد ما يكون عن شريعة الإسلام الحقيقية، وقد احترت فى هذه الدعوة الغريبة إلى استعادة الخلافة الإسلامية فوجدت من يتحمسون لها نوعين من الناس: بعض المسلمين الذين لم يقرأوا التاريخ الإسلامى من أساسه، أو أنهم قرأوه وتهربوا من رؤية الحقيقة، لأن عواطفهم الدينية قد غلبت عليهم فأصبحوا بالإضافة إلى تقديس الإسلام يقدسون التاريخ الإسلامى نفسه، ويحاولون إعادة تخيله بما ليس فيه. أما الفريق الآخر من المنادين بالخلافة فهم أعضاء جماعات الإسلام السياسى الذين يلعبون على عواطف البسطاء الدينية من أجل أن يصلوا إلى السلطة بأى طريقة..
وهم يخيرونك عادة بين طريقين: إما أن توافق على صورتهم الخيالية عن الخلافة، وإما أن يتهموك بأنك علمانى عدو الإسلام.. إما أن تساعدهم على الوصول إلى الحكم عن طريق نشر أكاذيب وضلالات عن التاريخ، وإلا فإن سيف التكفير فى أيديهم سيهوون به على عنقك فى أى لحظة.
جوهر الإسلام العدل والحرية والمساواة.. وهذا الجوهر تحقق لفترة قصيرة عندما تم الأخذ بمبادئ الديمقراطية..
أما بقية تاريخ الحكم الإسلامى فلا وجود فيه لمبادئ أو مُثُل نبيلة، وإنما هو صراع دموى على السلطة يستباح فيه كل شىء، حتى ولو ضربت الكعبة وتهدمت أركانها.. هذه الحقيقة شئنا أم أبينا. أما السعى لإنتاج تاريخ خيالى للخلافة الإسلامية الرشيدة فلن يخرج عن كونه محاولة لتأليف صور ذهنية قد تكون جميلة لكنها للأسف غير حقيقية.. كتلك التى وصفها الكاتب الإسبانى الكبير ميجيل دى سرفانتس، فى قصته الشهيرة «دون كيخوته»، حيث يعيش البطل العجوز فى الماضى، مستغرقا فى قراءة الكتب القديمة، حتى تستبد به الرغبة فى أن يكون فارساً بعد أن انقضى زمن الفرسان فيرتدى الدرع، ويمتشق السيف ثم يتخيل أن طواحين الهواء جيوش الأعداء، فيهجم عليهم ليهزمهم.
الطريق الوحيد للنهضة هو تطبيق مبادئ الإسلام الحقيقية: الحرية والعدل والمساواة.. وهذه لن تتحقق إلا بإقامة الدولة المدنية التى يتساوى فيها المواطنون جميعا أمام القانون، بغض النظر عن الدين والجنس واللون.
.. الديمقراطية هى الحل..
http://alaaalaswany.maktoobblog.com/1621231/
طلعت احمد 29-08-2011, 07:04 PM غبى .........
د.عبدالله محمود 29-08-2011, 08:06 PM تلك أفعال الأقزام دوماً
وهل كان يجرؤ على مهاجمة أمين شرطةفي أمن الدولة
مسيو إيهاب 29-08-2011, 11:39 PM فيه ايه
حاجة غربية بدأ مرحلة تشويه رموز المجتمع الذين وقفوا ضد النظام الفاسد
حد يفهمنى أيه الخطأ لأنى بصراحة مش فاهم حاجة
أنا من عشاق أسلوب الروائى علاء الأسوانى
بس مش فاهم حاجة من المقالة ياريت اللى فاهم يفهمنى
مسيو إيهاب 29-08-2011, 11:44 PM يا جماعة الكلام ده مشحقائق تاريخية
وبعدين الرجل ذكر الكلام ده
الجزء الأول من الجملة عن عظمة الحضارة الإسلامية صحيح تماما.. المشكلة فى الجزء الثانى.. هل كانت الدول الإسلامية المتعاقبة تطبق مبادئ الإسلام سواء فى طريقة توليها الحكم أو تداولها السلطة أو معاملتها للرعية..؟!..
إن قراءة التاريخ الإسلامى تحمل لنا إجابة مختلفة.. فبعد وفاة الرسول «صلى الله عليه وسلم» لم يعرف العالم الإسلامى الحكم الرشيد العادل الا لمدة 31 عاما، هى مجموع فترات حكم الخلفاء الراشدين الأربعة: أبوبكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلى بن أبى طالب.. الذين حكموا جميعا لمدة 29 عاما ( 11هـ- 40هـ). ثم الخليفة الأموى عمر بن عبدالعزيز الذى حكم لفترة عامين (99هـ- 101هـ).. 31 عاما فقط من 14 قرنا من الزمان، كان الحكم خلالها عادلاً رشيداً نقيا متوافقا مع مبادئ الإسلام الحقيقية. أما بقية التاريخ الإسلامى فإن نظام الحكم فيه لم يكن متفقا قط مع مبادئ الدين.. حتى خلال الـ31 عاما الأفضل حدثت مخالفات من الخليفة عثمان بن عفان، الذى لم يعدل بين المسلمين وآثر أقاربه بالمناصب والعطايا، فثار عليه الناس وقتلوه، ولم يكتفوا بذلك بل هاجموا جنازته وأخرجوا جثته واعتدوا عليها حتى تهشم أحد أضلاعه وهو ميت..
على سبيل الحق 30-08-2011, 12:15 AM لكلِّ داءٍ دَوَاءٌ يُسْتَطَبُّ بِهِ**إلَّا الحماقةَ أَعْيَتْ مَن يُدَاوِيهَا
ألم يتبق إلا صاحب عمارة يعقوبيان الرواية الفاجرة ليتكلم في تاريخ المسلمين؟!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!1
يــالـــَكِ مِن قُــبَّرَةٍ بـمَـعْمَرِ***خَـلا لَــكِ الجَوُّ فبِيضِي واصْفِرِي
قدْ رُفِعَ الفَخُّ فماذا تَحْذَرِي***ونـَقِّـــرِي مــا شِــئْتِ أن تُنَـقِّـرِي
قدْ ذهبَ الصَّيَادُ عنكِ فَابْشِرِي***لابُدَّ يومًا أن تُصَادِي فَاحْذَرِي
..............................................
تَــصَــدَّرَ للتـدريسِ كُلُّ مُهَوِّسٍ***بَلِيدٍ تَسَمَّــى بالــفــقيهِ الــمُدَرِّسِ
فحُــقَّ لأهْلِ العِــلْمِ أن يتـمثلُوا***بـبـيـتٍ قَدِيمٍ شَاعَ فِي كُــلِّ مَجْلِسِ
لقدْ هَزُلَتْ حَتَّى بَدَا مِن هُزَالِهَا***كُــلَاهَا وحَتَّى سامَهَــا كُــلُّ مُفلِسِ
جهاد2000 30-08-2011, 12:39 AM :: علاء الأسواني نزل بحر التاريخ ... وهو لا يجيد السباحة ::
عاتبني أحد القراء قائلا "ما دمت تكتب عن أهمية الحوار الفكري الهادئ بين الإسلاميين والعلمانيين وتضرب أمثلة عن تجارب ناجحة وأخرى فاشلة من تاريخنا القديم والحديث، فلماذا لا تضرب مثالا من واقعنا الحالي ؟ ها هو علاء الأسواني يكتب عن التاريخ الإسلامي ويقدم صورة شديدة السواد لهذا التاريخ، لماذا لا تناقشه ؟؟". رأيت عتاب القارئ منطقيا فلم أتردد وقلت له "لبيك".
قرأت المقال الذي أشار إليه القارئ فازدادت قناعتي بضرورة مناقشته. كتب الأستاذ الأديب الدكتور علاء الأسواني مقالا بعنوان (هل نحارب طواحين الهواء..؟!) ونشره في جريدة المصري اليوم في 31 مايو 2011 وملخص مقاله ثلاثة أمور:
1. الإسلام قدم فعلاً حضارة عظيمة للعالم، فعلى مدى قرون نبغ المسلمون وتفوقوا في المجالات الإنسانية كلها بدءا من الفن والفلسفة وحتى الكيمياء والجبر والهندسة.
2. تاريخ الحكم الإسلامي على امتداد 1400 سنة لا وجود فيه لمبادئ أو مُثُل نبيلة، وإنما هو صراع دموي على السلطة يستباح فيه كل شىء، اللهم إلا في فترة زمنية محدودة جدا مدتها 31 سنة هي زمن الخلافة الراشدة وحتى هذه لم تخل من مظالم.
3. الذين ينادون أو يحلمون بعودة الخلافة الإسلامية نوعان من الناس: بعض المسلمين الذين لم يقرأوا التاريخ الإسلامي من أساسه، أو أنهم قرأوه وتهربوا من رؤية الحقيقة، لأن عواطفهم الدينية قد غلبت عليهم فأصبحوا بالإضافة إلى تقديس الإسلام يقدسون التاريخ الإسلامي نفسه، ويحاولون إعادة تخيله بما ليس فيه. أما الفريق الآخر من المنادين بالخلافة فهم أعضاء جماعات الإسلام السياسي الذين يلعبون على عواطف البسطاء الدينية من أجل أن يصلوا إلى السلطة بأي طريقة.
وبالإضافة لذلك فقد لطخ الأستاذ الأسواني قلمه بالخوض في اثنين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هما عثمان ومعاوية رضي الله عنهما، ولكني أؤخر الكلام عن هذا وأبدأ أولا بمناقشة المقال في نقاط محدودة معدودة حتى لا يتشعب الكلام:
1. أول ملاحظة تعجبت منها هي إلقاء الأحكام المطلقة بصورة ساذجة على حقبة تاريخية مدتها 1400 سنة، يختزلها الأستاذ الأسواني ببساطة شديدة ويصفها بأن (نظام الحكم فيها لم يكن متفقا قط مع مبادئ الدين)، 1400 سنة من الحكم الإسلامي خالفت فيها أنظمة الحكم مبادئ الدين التي يصفها الأسواني بأنها (مبادئ الإسلام الحقيقية: الحرية والعدل والمساواة). هل يتصور أحد 1400 سنة من حكم بلا حرية ولا عدل ولا مساواة ؟!. إننا نطالب حتى في عصور الانحطاط والاستبداد والقهر الحديثة أن ندقق في أحكامنا، فمثلا نقول عن فترة حكم عبد الناصر إنها لم تكن شرا كلها ولا خيرا كلها، وكذا عهد السادات وحتى عهد مبارك الذي دمر البلاد ربما لا يخلو عهده من حسنات، فكيف بألف وأربعمائة عام من الحكم الإسلامي بجرة قلم يصمها الأسواني بأنها لم تتفق أبدا مع مبادئ دين الإسلام.
2. أول أمرين ذكرهما الأسواني ضدان متناقضان ولا يمكن أن يجتمعا. وكنا نتصور في الأستاذ الأسواني الأديب الذي يعرف النفس البشرية وحركة المجتمعات أنه لا يمكن لمجتمعات سادتها الصراعات الدموية التي تستبيح كل شيء وتخلو من الحرية والعدل والمساواة، لا يمكن أن تنتج حضارة عظيمة في العلوم والفنون والآداب. العكس هو الصحيح أن إنتاج تلك الحضارة العظيمة الراقية التي افتخر بها الأسواني عندما كان يدرس الأدب في إسبانيا لا يمكن أن تخرج من بلاد قد أطبق عليها الظلم والقهر والاستبداد وتستباح فيها كل الحرمات، هذا هو المستحيل بعينه. وليدلنا الأسواني على أمة من الأمم حكمت بدون الحرية والعدل والمساواة وظل حكمها مستمرا قرونا متطاولة، وأكثر من ذلك أنتجت حضارة عظيمة غيرت وجه البشرية. إن هذا ليس من طبيعة الأشياء وضد حركة التاريخ وقبل ذلك ضد سنن الله في خلقه (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد).
3. ولو تفكر الأستاذ الأسواني في عبارة أستاذه الإسباني عندما قال له (يجب أن تفخروا بما أنجزه أجدادكم من حضارة في الأندلس..) وتذكر أن سبعة قرون من الحكم الإسلامي في إسبانيا أبقت على الدين المسيحي فيها وعلى من تمسكوا به، بينما قضى الأوروبيون على كل مسلم في تلك البلاد خلال سنوات قليلة من استردادهم لحكم الأندلس ولم يبقوا على مسلم واحد في أشهر محاكم تفتيش عرفتها البشرية. الحكم الإسلامي هو نفسه الذي عامل بالسماحة وبالحرية والعدل والمساواة نصارى الأندلس فاحتفظوا بدينهم لسبعة قرون.
4. وهنا لا يمكن بطبيعة الحال أن نستعرض كل التاريخ الإسلامي، ولكن سأناقشه فقط في الفترة التي ضرب منها الأمثلة البشعة وهي فترة الحكم الأموي لتكون دليلا أقوى على غيرها من أزمنة الحكم الإسلامي.
5. بداية فإن الأمثلة التي ذكرها الأستاذ الأسواني عن الدولة الأموية أكثرها صحيح وبشع ولا يجوز لمسلم عاقل أن يدافع عنها، ولكنها جزء مقتطع من الصورة الكاملة للحكم الأموي، واقتطاعها على هذا النحو يعطي صورة مغلوطة تماما ويكون أشبه بفعل الشيعة عندما يأخذون هذه الأمثلة الصارخة ويعممونها على أهل السنة. وفي الحقيقة فإن التصور الذي يعطيه الأستاذ الأسواني لانقلاب الحال مع بداية حكم معاوية رضي الله عنه تصور عجيب ومضحك ولا يتفق أبدا مع الطبيعة البشرية. إنه يصور حال الأمة الإسلامية وقد أشرقت عليها أنوار الحرية والعدل والمساواة ثم فجأة انطفأت هذه الأنوار وأغرقت الأمة في ظلم وظلمات لمدة 1400 سنة، وهو تصور لا يستقيم أبدا. إنه يتصور أن سنة (41هـ) التي قامت فيها الدولة الأموية، وكأنها السنة التي انتهى فيها جيل الصحابة؛ الذين رباهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أو انقرض التابعون؛ الذين تتلمذوا على يد التلامذة الأول للنبي محمد صلى الله عليه وسلم. إن بعض الصحابة قد عاشوا إلى ما بعد العقد التاسع (90 هـ)، أي بعد عام الجماعة بأكثر من نصف قرن كامل. أما التابعون فقد عاش بعضهم إلى ما بعد سقوط الدولة الأموية سنة (132هـ). إن ما حدث بالضبط هو أن أسلوب انتقال الحكم قد تغير من شورى مطلقة إلى استبداد بالرأي أو إلى شورى مقيدة؛... أما نهر الحضارة الإسلامية فقد ظل يشق مجراه ... وظلت الأمة هي الأمة والمبادئ هي المبادئ. ولذلك نشر الأمويون الإسلام في أقطار الأرض ، في المغرب الأقصى والأوسط والأدنى وطرابلس وبرقة وإسبانيا والصين والهند وبلاد آسيا الوسطى وأفغانستان وغيرها، وفي عهدهم وقعت عملية التعريب ، وتم تنظيم الدواوين ، وسك العملة، وبدأت العلوم العربية والإسلامية تكتمل صورها وتنحت معارف جديدة للبشرية.
6. استشهد هنا بمؤرخ غربي من كبار الدارسين للتاريخ الإنساني كله لعل شهادته تكون أكثر قبولا لدى المدرسة العلمانية التي تتعسف مع تاريخنا. يقول المؤرخ الأمريكي الأشهر ويل ديورانت (1885-1981م) في موسوعته الشهيرة (قصة الحضارة)، في المجلد الخامس:
(يجب علينا ألا نظلم معاوية. لقد استحوذ على السلطة في بادئ الأمر حين عينه الخليفة الفاضل النزيه "عمر بن الخطاب" والياً على الشام، ثم بتزعمه الثورة التي أوقد نارها مقتل عثمان، ثم بما دبره من الدسائس البارعة التي أغنته عن الالتجاء إلى القوة إلا في ظروف جد نادرة، ومن أقواله في هذا المعنى "لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت" قيل: وكيف يا أمير المؤمنين؟ قال: "إذا مدوها خليتها وإن خلوها مددته". ولقد كان طريقه إلى السلطة أقل تخضباً بالدماء من طرق معظم من أسسوا أسراً حاكمة جديدة. وكان يجلس للناس خمس مرات في اليوم، وقد استؤنفت الفتوحات الإسلامية في عهده بعد توقف، وكان يسمع المدح في منافسه في مجلسه؛ بل ويسمع بفضله عليه ولا يعاقب على ذلك (وهي صورة من أعلى مظاهر حرية الرأي والتعبير)...
وجاء بعد ابنه يزيد فحكم لثلاث سنوات امتلأت بالفتن والاقتتال الداخلي وأعقب موت يزيد سنتان سادت فيهما الفوضى وتولى الخلافة فيها ثلاثة من الخلفاء جاء بعدهم عبد الملك بن مروان ابن عم معاوية فقضى على هذا الاضطراب وأخمد الفتنة بشجاعة وقسوة، فلما استتب له الأمر حكم البلاد بكثير من الرأفة، والحكمة والعدالة (وكانت مدة حكمه 20 سنة). وسار عبد الملك بن مروان على خطى معاوية، وحاول أن يطبق سياسته الداخلية في الجلوس للناس، وكان من فقهاء المدينة المعروفين، وقد احتج مالك في الموطأ بعمل عبد الملك، وكان من فاتحي إفريقية قبل الخلافة، وقد استقرت قواعد الدولة في عهده، وظهر طابعها العربي واستقلالها الحضاري.
أما ابنه الوليد الأول ففي عهده واصل العرب فتوحاتهم فاستولوا على بلخ في عام (86هـ ـ 705م) ، أما الوليد نفسه فكان مثلاً طيباً للحكام، يعني بشئون الإدارة أكثر من عنايته بالحرب، ويشجع الصناعة والتجارة؛ بفتح الأسواق الجديدة ، وإصلاح الطرق، وينشئ المدارس والمستشفيات ـ ومنها أول مستشفى معروف للأمراض المعدية ـ وملاجئ للشيوخ، والعجزة، والمكفوفين، ويوسع مساجد مكة والمدينة وبيت القدس، ويجملها، وينشئ في دمشق مسجداً أعظم من هذه المساجد وأفخم، ولا يزال باقياً فيها حتى اليوم.
وتولى عمر بن عبد العزيز الخلافة لأقل من ثلاث سنوات (99 /101هـ ـ717 / 719م) أعاد سيرة الراشدين، .. وجعل حياته كلها وقفاً على إحياء شعائر الدين ونشره فتقشف في لباسه، وارتدى الثياب المرقعة حتى لم يكن أحد يظن أنه هو خليفة المسلمين، وأمر زوجته بأن ترد إلى بيت المال ما أهداه إليها والدها من الحلي النفيسة فُصدعت بالأمر، وقرب إليه أتقى العلماء في الدولة وأتخذهم له أعواناً ومستشارين. وعقد الصلح مع الدول الأجنبية، وأمر برفع الحصار عن القسطنطينية وعودة الجيش الذي كان يحاصرها، واستدعى الحاميات التي كانت قائمة في المدن الإسلامية المعادية لحكم الأمويين. وبينما كان أسلافه من خلفاء الأمويين لا يشجعون غير المسلمين في بلاد الدولة على اعتناق الإسلام، حتى لا تقل الضرائب المفروضة عليهم، فإن عمر قد شجع المسيحيين، واليهود، والزرادشتيين على اعتناقه، ولما شكا إليه عماله القائمون على شؤون المال من هذه السياسة ستفقر بيت المال أجابهم بقولهِ "والله لوددت أن الناس كلهم أسلموا حتى نكون أنا وأنت حراثين نأكل من كسب أيدينا".
وحكم هشام بن عبد الملك الدولة تسعة عشر عاماً (106 – 125 هـ ، 724-743 م) حكماً عادلاً ساد فيه السلم، وأصلح خلاله الشئون الإدارية، وخفض الضرائب، وترك ـ بعد وفاته ـ بيت المال مليئاً بالأموال.
لقد استمرت الدولة الأموية مائة عام، وهؤلاء ـ كما نرى ـ (معاوية ، وعبد الملك ، والوليد، وعمر ، وهشام) خمسة من خلفاء بني أمية، حكموا بنحو ثلاثة أرباع عمر الدولة، وقدموا خدمات كثيرة للحضارة الإسلامية، باعتراف مؤرخ غربي كبير، يحاول أن يقترب من الإنصاف، وذلك ضمن رصد شامل للحضارة الإنسانية.
7. هذا فقط عن فترة الدولة الأموية التي اقتطع منها الأسواني أمثلة صارخة على الظلم وتعمد التغافل عن الصورة بكاملها، وهذا اقتطاع غير أمين وفيه تلبيس على قرائه. إننا لو تصورنا تاريخ الحكم الإسلامي حضاريا من 1400 صفحة، سنجد منها 1300 صفحة بيضاء ناصعة وحوالي 100 صفحة سوداء مظلمة، فإذا بالأسواني يمعن النظر في هذه الصفحات السوداء ويركز عليها ويتغافل عن باقي الكتاب، ثم لا يكتفي بهذا فيزعم أن الكتاب كله أسود مخالف لمبادئ الدين إلا نحو ثلاثين صفحة فقط، وحتى هذه الورقات القليلة لم تسلم من الظلم، وكلام الأسواني هو عين الظلم.
8. وكنت أريد أن أكتفي بهذا، ولكن أزعجني أيضا أنه قفز على فترة الحكم العباسي واقتبس مقولة عن الخليفة أبي جعفر المنصور أنه قال (أيها الناس لقد أصبحنا لكم قادة وعنكم ذادة (حماة) نحكمكم بحق الله الذي أولانا وسلطانه الذي أعطانا، وأنا خليفة الله في أرضه وحارسه على ماله..). لو ثبت أن المنصور قائل هذه العبارة فقد أخطأ وقد منع جمهور الفقهاء أن يقال "خليفة الله" ونسبوا قائل ذلك إلى الفجور لأن الاستخلاف لا يكون إلا في حالة الموت أو الغيبة والله تعالى منزه عن ذلك. وبالمناسبة فإن حديث (السلطان ظل الله في أرضه، من نصحه هدي ، ومن غشه ضل) لا يصح وحديث موضوع، حكم بوضعه الشوكاني والألباني وغيرهما.
ولقد اجتهدت أن أجد أصل العبارة المنسوبة للمنصور دون جدوى، ولكن وجدت عبارة قريبة منها نقلها ابن كثير في البداية والنهاية عن إسماعيل الفهري قال (سمعت المنصور على منبر عرفة يوم عرفة يقول: أيها الناس ، إنما أنا سلطان الله في أرضه ، أسوسكم بتوفيقه ورشده ، وخازنه على ماله ، أقسمه بإرادته ، وأعطيه بإذنه ، وقد جعلني الله عليه قفلا ، إذا شاء أن يفتحني لإعطائكم وقسم أرزاقكم فتحني ، وإذا شاء أن يقفلني عليه أقفلني ، فارغبوا إلى الله أيها الناس ، وسلوه - في هذا اليوم الشريف الذي وهب لكم فيه من فضله ما أعلمكم به في كتابه ، إذ يقول : اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا. أن يوفقني للصواب ، ويسددني للرشاد ، ويلهمني الرأفة بكم ، والإحسان إليكم ، ويفتحني لإعطائكم ، وقسم أرزاقكم بالعدل عليكم ، فإنه سميع مجيب) . وهذه الألفاظ أقرب في شرح مقصوده، وقد قال الإمام الغزالي في الإحياء (فالدِّين أصل والسلطان حارس، وما لا أصل له فمهدوم، وما لا حارس له فضائع، ولا يتم المُلك والضبط إلا بالسلطان، وطريق الضبط في فصل الحكومات بالفقه).
9. وهنا أحيل مرة أخرى إلى نفس المصدر الغربي الذي بطبيعة الحال لا يجامل المسلمين، لنرى كيف يصفون أبا جعفر المنصور. يقول ويل ديورانت في ترجمة المنصور –المجلد الخامس ص 4518 – ما نصه (... وكان الخليفة الجديد في سن الأربعين، طويل القامة، نحيف الجسم، ملتحياً، أسمر البشرة، شديداً في معاملاته. ولم يكن أسيرا لجمال النساء أو مدمنا للخمر أو مولعاً بالغناء. ولكنه كان يناصر الآداب، والعلوم، والفنون، ويمتاز بعظيم قدرته، وحزمه، وشدة بطشه، وبفضل هذه الصفات ثبت دعائم أسرة حاكمة لولاه لماتت بموت السفاح. وقد وجه جهوده لتنظيم الأداة الحكومية، وبنى مدينة فخمة هي مدينة بغداد واتخذها عاصمة للدولة، وأعاد تنظيم الحكومة والجيش في صورتيهما اللتين احتفظا بهما إلى آخر أيام الدولة. وكان يشرف بنفسه على كل إدارة في دولاب الحكومة، وعلى جميع أعمال هذه الإدارات، وأرغم الموظفين المرتشين الفاسدين - ومنهم أخوه نفسه - على أن يردوا إلى بيت المال ما ابتزوه من أموال الدولة. وكان يراعي جانب الاقتصاد بل قل الحرص الشديد في إنفاق الأموال العامة، حتى نفر منه الأصدقاء، وأطلق عليه لشحه لقب "أبي الدوانق". وقد أنشأ في بداية حكمه نظام الوزارة الذي أخذه عن الفرس، وكان له شأن عظيم في تاريخ العباسيين. وكان أول من شغل منصب الوزير في عهده خالد ابن برمك. وقد اضطلع بواجب خطير في حكم الدولة، وكان له شأن فيما وقع في أيام الدولة العباسية من أحداث جسام. وعمل المنصور وخالد على إيجاد النظام والرخاء اللذين جنى ثمارهما هارون الرشيد.
ومات المنصور بعد أن حكم البلاد حكماً صالحاً دام اثنتين وعشرين سنة وكان موته وهو في طريقه إلى مكة لأداء فريضة الحج. ولم يكن في وسع ابنه المهدي (775-785) إلا أن يسلك في حكمه سبيل الخير. وقد شمل عفوه جميع المذنبين إلا أشدهم خطراً على الدولة.) اهـ.
قارن هذه السيرة بقلم مؤرخ غربي لخليفة حكم الأمة لاثنتي وعشرين سنة بذلك الاقتباس الذي أورده الأسواني لترى تعمد التشويه والتضليل.
10. الأمر الثالث الذي تعرض له الأستاذ الأسواني في مقاله كان سخريته واستخفافه بالذين ينادون أو يحلمون بعودة الخلافة الإسلامية وجعلهم نوعين من الناس: إما جاهل غافل أو سياسي مراوغ يريد الوصول إلى السلطة بأي طريقة. يصعب مناقشة رأي يساق بهذا الاستخفاف، وعلى أي حال فالخلافة الإسلامية حقيقة ظلت قائمة لأربعة عشر قرنا تقريبا وانتابتها فترات قوة وضعف لكنها ظلت دائما رمزا لوحدة المسلمين مع بقاء معظم أقطار المسلمين في غالب الأحيان بأنظمة حكم وإدارة تناسب ظروفها وبيئاتها. وهل يرفض أحد فكرة وحدة الأقطار الإسلامية حتى لو كانت حلما في ظروفنا الراهنة ؟. إننا نشهد الخطوات المتلاحقة في بنية الاتحاد الأوروبي المثير للإعجاب ونرى أحد قادته وهو الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي يرفض رفضا باتا انضمام تركيا لهذا "النادي المسيحي" ويقول بصراحة وصرامة (إنني لا أستطيع اعتبار دولة غالبية سكانها مسلمون دولةً أوروبية حتى وإن كانت تتبنى النظام العلماني الديمقراطي).
11. بقي كلام الأسواني وتعريضه باثنين من الصحابة الكرام هما عثمان ومعاوية رضي الله عنهما، وهو أمر مؤسف للغاية، وواضح أن الرجل ليس لديه أدنى دراية عما ينبغي مراعاته عند تناول أخطاء الصحابة. وبداية ننبه على أن الصحابة ليسوا معصومين من الأخطاء بل وقع منهم أشياء وهنات ولكنهم أفضل البشر بعد الأنبياء وتزكيتهم من عند الله تعالى مباشرة فقد رضي عنهم ورضوا عنه. ولذلك فإن أكثر الراسخين من أهل العلم أمسكوا عن الخوض في أخطاء الصحابة تقديرا لمقامهم وقدرهم، وتكلم فيها البعض من باب التعليم والاحتراز من تقليدهم في تلك الأخطاء منهم الحسن البصري وشيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ الذهبي ، وكانوا إذا أرادوا ذكر شيء من ذلك قدموا له بالتنبيه على مكانة الصحب الكرام وأن سيئاتهم القليلة تتلاشى مع بحار حسناتهم وجهدهم وتضحياتهم من أجل دين الله. هذا كله فيما يخص كبار أهل العلم، أما من دونهم علما وفقها فلا يجوز لهم التعرض لهذا الباب أصلا، ولو فعلوا فمثلهم كمثل تلميذ صغير في الروضة يريد أن يناقش أخطاء علماء في الفيزياء مثلا حاصلين على جائزة نوبل، هل يُقبل هذا من التلميذ الصغير ؟ وهل يقبل أن يقال من باب حرية الرأي أن نسمع للتلميذ الصغير رأيه في أخطاء هؤلاء الكبار ؟ هذا هو عين العبث. إن المسافة بين كاتبنا الأسواني وأصحاب رسول الله أكبر وأعمق وأبعد من تلك التي بين ذلك التلميذ الصغير والحاصلين على نوبل.
12. إن التعريض بسلفنا الصالح ليس مجرد مسألة تاريخية وإنما هدفه أبعد من ذلك، إنه يُسقط مكانة ذلك الجيل الرفيع الذي اختاره الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وليكون جسرا ينتقل عليه الإسلام لمشارق الأرض ومغاربها، وإن معرفة مقامهم ومكانتهم يظل حافزا للمسلمين دوما للنهضة والتقدم. يقول الأستاذ محمد قطب في كتابه "كيف نكتب التاريخ الإسلامي - ص 88" (.. وهذه الأمة ـ أو قل بالتحديد قرونها المفضلة الأولى ـ قامت بتطبيق مثالي لهذا الدين في عالم الواقع ، فارتفعت إلى عالم المثال ـ مع بشريتها الكاملة ـ وأثبتت في الوقت ذاته واقعية هذا الدين ، وقابليته للتطبيق في عالم الواقع . وتلك هي القيمة الحقيقة لهذه الفترة من التاريخ .
إن هذه الأجيال الأولى ـ وخاصة الجيل الأول الفريد ـ قد لا يتكرر مرة أخرى في واقع الأرض . ولكنها تبقى مع ذلك رصيدا واقعيا لهذه الأمة في جميع أجيالها ، يحفزها على محاولة العودة إلى تطبيق الإسلام . وهذه المحاولة ذاتها عمل إيجابي مثمر ، ولو لم يصل إلى كل النتيجة المطلوبة .
تصور إنسانا عند سفح جبل ، يعلم يقينا إن هناك من صعد هذا الجبل إلى قمته ، فهو يحاول أن يصعد مثله ، وقد يصل إلى منتصفه وقد يصل إلى ربعه ، وقد يفلس جهده بعد أن يرقى بضع درجات ...
وتصور إنسانا آخر وقف على سفح جبل يتطلع إلى قمته وهو يقول في نفسه : إن هذا مستحيل مستحيل أن يفكر إنسان في صعود هذا الجبل الشاهق ، فلنكف عن التطلع ، ولنرض بالبقاء في السفح أيهما أنفع للبشرية ؟ وأيهما أفضل في ذات نفسه؟.
ثم .. أي دور يؤده ذلك الذي صعد إلى القمة أول مرة ، في حياة كل الذين يجيئون بعده ، ويحاولون أن يصعدوا مثله ، ولو وصلوا إلى المنتصف ، ولو إلى ربع الطريق .. ولو أفلس جهدهم بعد رقي بعض الدرجات ؟
إنه دور ضخم في عالم الواقع ..
ولهذا نحتفي حفاوة بالغة بذلك الجيل الفريد ، وبتلك القرون المفضلة ،لأنها المدد الحي الذي يدفع الأجيال كلها إلى محاولة الصعود ، بدلا من أن تتنتكس إلى أسفل ، وتخلد إلى الأرض عند السفح وربما كان هذا هو السبب الذي يجعل المستشرقين يجهدون أنفسهم لمحاولة تشويه تلك الفترة بالذات ، لعلهم يطفئون بريقها ، ويحجبون نورها عن الأجيال المتأخرة لكي لا تفكر أبدا في معاودة الصعود من جديد). اهـ.
لقد قرأت مقالا آخر لكاتب علماني مشهور أيضا هو الأستاذ جهاد الخازن في جريدة الحياة قبل مقال الأسواني بثلاثة أيام فقط، كتب عن نفس الموضوع وبنفس الروح والاختلاف الوحيد أن الأسواني استثنى من الـ 1432 عاما 31 فقط التي رضي عنها، أما الخازن فلم يعجبه إلا سنتين فقط لا غير هما فترة خلافة أبي بكر رضي الله عنه !. لكن الخازن رجع في اليوم التالي مباشرة واعتذر واعترف بخطأه وندم على ما فعل وسحب مقالته وقال في اليوم التالي تحت عنوان : أسحب مقالتي... وأعتذر (أثار مقالي يوم الاثنين الماضي عن الخلافة في الإسلام عاصفة من النقد لم تهدأ بعد، ولن أركب رأسي وأقول إنني مصيب والناس على خطأ، بل أقول إنني أخطأت وأسحب المقال، وأرجو من القراء أن يعتبروا انه لم ينشر، لأنني سأخرجه من مجموعة مقالاتي وأتلفه.
هذه أول مرة في حياتي أسحب مقالاً، بل إنني قبل مقال الاثنين لم أسحب سطراً واحداً في مقال أو أعتذر عنه، فأنا حذر جداً، إلا أن الحذِر يؤتى من مكمنه، والمقال كُتب الأحد، وهو يوم إجازة في لندن، وليس عندي الباحثون الذين أعتمد عليهم عادة في مراجعة المادة والتحقق من صحة النقل).
هل قرأ الأسواني مقال الخازن وقرأ تراجعه فأراد أن يكون أكثر جرأة منه على تشويه تاريخنا والعبث به؟ أم تراه كتب ما كتب بسوء فهم أو قلة علم أو بكليهما؟. لقد لمست في بعض عباراته عاطفة إسلامية أرجو ألا تسلمه إلا إلى خير وأن تدفعه للتراجع عن مقاله الذي لا يعلم إلا الله وحده كم صد شبابا عن دين الإسلام وكم أثار في أذهانهم الغضة من شبه باطلة.
إن أزمة الأسواني الفكرية أنه وقف أمام صفحات سوداء من تاريخنا وجعلها حصريا مصدر تفكيره منها يبدأ وإليها ينتهي، ولو جعل تلك الصفحات موضع تفكيره (وليس مصدر تفكيره) لزال الغبش عن فكره والغشاوة عن بصره.
كتبه
د. محمد هشام راغب
المصريون
جهاد2000 30-08-2011, 01:24 AM د ابراهيم عوض يفضح جهالات علاء الأسوانى
دون كيشوت الأسوانى .. وطواحين الخلافة !
د. إبراهيم عوض
..
كتب د. علاء الأسوانى، فى جريدة “المصرى اليوم” بتاريخ 31 مايو 2011م، مقالا عنوانه: “هل نحارب طواحين الهواء؟” سخر فيه ممن يحنّون إلى إقامة نظام الخلافة الإسلامية وقسمهم إلى فريقين: واضعا فريقا منهم فى خانة السذاجة السياسية وغلبة العاطفة الدينية على تفكيرهم، والفريق الآخر فى خانة المكر والرغبة فى استغفال الجماهير واستغلال الدين بغية الوصول إلى كرسى الحكم، ومتهما حكام الإسلام كلهم على بكرة أبيهم تقريبا منذ قيام الخلافة فى عهد الصديق حتى آخر خليفة عثمانى فى منتصف عشرينات القرن العشرين بأنهم كانوا مستبدين جبارين دمويين لا يخشَوْن شيئا أو أحدا ولا يراعون أى مبدإ خلقى فى حكمهم ولا فى الطريقة التى يصلون بها إلى دَسْت السلطة.
وقد بدأ الأسوانى مقاله قائلا: “لقد عاش المسلمون أزهى عصورهم وحكموا العالم وأبدعوا حضارتهم العظيمة عندما كانوا يعيشون فى ظل الخلافة الإسلامية التى تحكم بشريعة الله. فى العصر الحديث نجح الاستعمار فى إسقاط الخلافة وتلويث عقول المسلمين بالأفكار الغربية، عندئذ تدهورت أحوالهم وتعرضوا إلى الضعف والتخلف. الحل الوحيد لنهضة المسلمين هو استعادة الخلافة الإسلامية”. ثم عقَّب قائلا إنه كثيرا ما استمع إلى هذه الجملة من بعض خطباء المساجد وأعضاء الجماعات الإسلامية. وبما أن كثيرين فى مصر والعالم العربى يؤمنون بصحة هذه المقولة فإنه يرى من الواجب مناقشتها وتفنيدها، وهو ما سخر له المقال كله.
ولسوف أسارع إلى القول بأن تفنيد الأسوانى لتلك المقالة هو تفنيد متهافت. ذلك أنه لا يشكك البتة فى أن الحضارة الإسلامية حضارة عظيمة، بل يؤكد تأكيدا شديدا أن الإسلام قد أبدع فعلا حضارة عظيمة ما فى ذلك أدنى ريب. وإذن هل يمكنه الزعم بأن المسلمين كانوا يُحْكَمون بغير شريعة الإسلام؟ فما تلك الشريعة يا ترى؟ أهى شريعة النصارى؟. أهى شريعة اليهود؟ أهى شريعة الهندوس؟ أهى شريعة البوذيين؟ أهى شريعة المجوس؟ فليقل لنا بأية شريعة كان المسلمون يُحْكَمون؟ لقد كانوا يحكمون بشريعة الإسلام بطبيعة الحال، وإن رغمت أنوف! باستطاعته هو أو سواه أن يقول إن الحكام لم يكونوا دائما يلتزمون التطبيق المخلص لتلك الشريعة، فأقول له: لقد صدقت. أما أن يقال إنهم لم يكونوا يحكمون بشريعة الله فهذا جهل غليظ بالتاريخ وبالإسلام وبالمسلمين.
وهذا كلامه نصا: “الحقيقة أن الإسلام قدم فعلاً حضارة عظيمة للعالم، فعلى مدى قرون نبغ المسلمون وتفوقوا فى المجالات الإنسانية كلها بدءا من الفن والفلسفة وحتى الكيمياء والجبر والهندسة. أذكر أننى كنت أدرس الأدب الإسبانى فى مدريد، وكان الأستاذ يدرسنا تاريخ الأندلس، وفى بداية المحاضرة عرف أن هناك ثلاثة طلبة عرب فى الفصل فابتسم وقال لنا: “يجب أن تفخروا بما أنجزه أجدادكم من حضارة فى الأندلس”. الجزء الأول من الجملة عن عظمة الحضارة الإسلامية صحيح تماما. المشكلة فى الجزء الثانى. هل كانت الدول الإسلامية المتعاقبة تطبق مبادئ الإسلام سواء فى طريقة توليها الحكم أو تداولها السلطة أو معاملتها للرعية؟”.
هذا ما قاله. لكن هل كان من الممكن أن ينجز المسلمون تلك الحضارة التى يقر هو نفسه أنها حضارة عظيمة بناءً على شهادة الأستاذ الأسبانى (وإلا ما قالها، بل ربما لم يعرف بها) لو كان الحكم بهذا السوء البشع الذى يريد إيهامنا به، فضلا عن أن تستمر تلك الحضارة قرونا طوالا تكون فيها الدولة قوية مهيبة تخشاها دول العالم، وعلى رأسها الدول الأوربية التى تضرب المسلمين اليوم بالأحذية دون أن يجرؤ أى حاكم من حكامها تقريبا أن يقول لهم: “بِمْ” معتمدة، ضمن ما تعتمد، على طابور من العملاء الأنجاس الأرجاس فى جميع المجالات نظيرَ عَرَضٍ من الدنيا قليل من مال أو دعوة إلى هذا المؤتمر أو ذاك أو تلميع إعلامى لمن لا يستحقون فى الواقع أن يكونوا ماسحى جِزَم فى أى مُقْهًى من مقاهى الثقافة؟ وتنتهج الدوائر الغربية أسلوبا مريبا مع هؤلاء الشداة لم ينتهجوه مع العمالقة أمثال العقاد، إذ ما إن يكتب أى هلفوت من هلافيتنا رواية إلا ويترجمونها له فى الحال إلى عدد من اللغات الأوربية، على حين أنى لا أعرف أنهم ترجموا للعقاد مثلا روايته: “سارة”، وهى رواية تصمد للمقارنة مع أية رواية لفطاحل الأدباء الغربيين إن لم تتفوق على كثير من إنتاجهم. وكلُّ ما سمعتُه عن ترجمتها ما أخبرَناه مدرس اللغة الإنجليزية فى مدرسة الأحمدية الثانوية الأستاذ الأديب محمد حلمى محمود فى منتصف ستينات القرن المنصرم من أنه ترجمها إلى الإنجليزية ثم عرض عمله على أنيس منصور، فأثنى عليه، وإن كنت لا أدرى هل ظهرت تلك الترجمة أو لا.
كذلك يذكّرنى قوله إنه كثيرا ما سمع هذه المقالة من خطباء الجمعة بسارد أحداث روايته: “عمارة يعقوبيان”، التى تتفنن فى وَصْف اللواط وَصْف العليم الخبير بناء على ما لاحظه القراء والنقاد. وسر تذكيره لى بسارد “عمارة يعقوبيان” هو قول ذلك السارد إن المصلين كانوا يقاطعون خطيب الجمعة فى المسجد فيهتفون بصوت يهز أرجاء المكان وينشدون الأناشيد المجلجلة، فى الوقت الذى تنطلق من مقصورة النساء عشرات الزغاريد. وهو كلام يدل على أن صاحبه لا يعرف شيئا عن المساجد، ولا عن خطبة الجمعة، فكأنه غير مسلم، إذ لا أحد من المصلين يقاطع الخطيب أو يهتف أثناء الخطبة، لأننا لسنا فى هايد بارك كورنر.
ولكى يكون القارئ معى على الخط أذكر له أن الخطيب المشار إليه فى الرواية قد ردد الكلام الذى يؤكد الأسوانى فى مقاله هذا أنه كثيرا ما سمعه من خطباء المساجد يوم الجمعة (ص134 وما بعدها من “عمارة يعقوبيان”/ مكتبة مدبولى). فإذا كان الأسوانى الذى يزعم أنه سمع هذا الكلام من خطباء الجمعة هو ذاته الذى ادعى على لسان السارد فى “عمارة يعقوبيان” أن المصلين كانوا يقاطعون الخطيب فيهتفون الهتافات المجلجِلَة، ويكبّرون وينشدون الأناشيد التى ترج المسجد رجًّا فى الوقت الذى تنطلق فيه عشرات الزغاريد من مقصورة النساء (ص136- 137) فلا ريب أن لى كل الحق فى ارتيابى أن يكون قد سمع هذا الكلام أصلا من الخطباء.
أرأيتم، أيها القراء، المصلين يهتفون ويكبرون وينشدون الأناشيد أثناء خطبة الجمعة؟ ذلك أننا نحن المسلمين نعرف أن الكلام أثناء الخطبة لا يجوز دينا، وأنه “إذا قلتَ لصاحبك والإمام يخطب يوم الجمعة: “أَنْصِتْ” فقد لَغَوْتَ. ومَنْ لَغَا فلا جمعة له”. أم تراكم سمعتم أن مسجدا قد ارتجت جنباته أثناء خطبة الجمعة من الهتاف والتكبير؟ أرأيتم مصليات فى المسجد يطلقن الزغاريد؟ الحمد لله أنه لم يقل إن الرجال كانوا يطبلون ويزمرون، والنساء يدققن الصناجات ويرقصن رقصا شرقيا على سنة ولية الله الصالحة بمبة كشر. واضح أن قائل هذا الكلام لا يعرف شيئا عن المساجد ولا عن خطبة الجمعة. ولو أنه أتى من بلاد الإسكيمو من آخر الدنيا لما قال هذا السخف الماسخ. أرجو أن يكون قد تبين لكم الآن أن لى كل الحق فى التشكك فى أن يكون الأسوانى قد سمع ما قاله من خطباء الجمعة؟
ويقول د. الأسوانى أيضا فى ذلك المقال: “الحقيقة أن الإسلام قدم فعلاً حضارة عظيمة للعالم، فعلى مدى قرون نبغ المسلمون وتفوقوا فى المجالات الإنسانية كلها بدءا من الفن والفلسفة وحتى الكيمياء والجبر والهندسة. أذكر أننى كنت أدرس الأدب الإسبانى فى مدريد، وكان الأستاذ يدرّسنا تاريخ الأندلس، وفى بداية المحاضرة عرف أن هناك ثلاثة طلبة عرب فى الفصل فابتسم وقال لنا: “يجب أن تفخروا بما أنجزه أجدادكم من حضارة فى الأندلس”.الجزء الأول من الجملة عن عظمة الحضارة الإسلامية صحيح تماما. المشكلة فى الجزء الثانى. هل كانت الدول الإسلامية المتعاقبة تطبق مبادئ الإسلام سواء فى طريقة توليها الحكم أو تداولها السلطة أو معاملتها للرعية؟ إن قراءة التاريخ الإسلامى تحمل لنا إجابة مختلفة. فبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعرف العالم الإسلامى الحكم الرشيد العادل إلا لمدة ٣١ عاما هى مجموع فترات حكم الخلفاء الراشدين الأربعة: أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلى بن أبى طالب، الذين حكموا جميعا لمدة ٢٩ عاما (١١هـ- ٤٠هـ)، ثم الخليفة الأموى عمر بن عبدالعزيز الذى حكم لفترة عامين (٩٩هـ- ١٠١هـ). ٣١ عاما فقط من ١٤ قرنا من الزمان، كان الحكم خلالها عادلاً رشيدًا نقيًّا متوافقا مع مبادئ الإسلام الحقيقية. أما بقية التاريخ الإسلامى فإن نظام الحكم فيه لم يكن متفقا قط مع مبادئ الدين.
حتى خلال الـ٣١ عاما الأفضل حدثت مخالفات من الخليفة عثمان بن عفان، الذى لم يعدل بين المسلمين وآثر أقاربه بالمناصب والعطايا، فثار عليه الناس وقتلوه، ولم يكتفوا بذلك بل هاجموا جنازته وأخرجوا جثته واعتدوا عليها حتى تهشم أحد أضلاعه وهو ميت. ثم جاءت الفتنة الكبرى التى قسمت المسلمين إلى ثلاث فرق: أهل سنة وشيعة وخوارج، وانتهت بمقتل على بن أبى طالب، وهو من أعظم المسلمين وأفقههم وأقربهم للرسول صلى الله عليه وسلم، على يد أحد الخوارج، وهو عبد الرحمن بن ملجم. ثم أقام معاوية بن سفيان حكما استبداديا دمويا أخذ فيه البيعة من الناس كرها لابنه يزيد من بعده ليقضى إلى الأبد على حق المسلمين فى اختيار من يحكمهم ويحيل الحكم من وظيفة لإقامة العدل إلى مُلْكٍ عضوض (يُعَضّ عليه بالنواجذ). والقارئ لتاريخ الدولة الأموية ستفاجئه حقيقة أن الأمويين لم يتورعوا عن ارتكاب أبشع الجرائم من أجل المحافظة على الحكم، فقد هاجم الأمويون المدينة المنورة وقتلوا كثيرا من أهلها لإخضاعهم فى موقعة الـحَرَّة. بل إن الخليفة عبدالملك بن مروان أرسل جيشا بقيادة الحجاج بن يوسف لإخضاع عبدالله بن الزبير، الذى تمرد على الحكم الأموى، واعتصم فى المسجد الحرام. ولقد حاصر الحجاج مكة بجيشه وضرب الكعبة بالمنجنيق حتى تهدمت بعض أركانها، ثم اقتحم المسجد الحرام وقتل عبدالله بن الزبير داخله. كل شىء إذن مباح من أجل المحافظة على السلطة، حتى الاعتداء على الكعبة، أقدس مكان فى الإسلام.
وإذا انتقلنا إلى الدولة العباسية ستطالعنا صفحة جديدة من المجازر التى استولى بها العباسيون على السلطة وحافظوا عليها. فقد تعقب العباسيون الأمويين وقتلوهم جميعا بلا ذنب ولا محاكمة ونبشوا قبور الخلفاء الأمويين وعبثوا بجثثهم انتقاما منهم. الخليفة العباسى الثانى أبوجعفر المنصور قتل عمه عبد الله خوفا من أن ينازعه فى الحكم، ثم انقلب على أبى مسلم الخرسانى، الذى كان سببا فى إقامة الدولة العباسية، فقتله. أما أول الخلفاء العباسيين فهو أبو العباس السفاح الذى سُمِّىَ بـ”السفاح” لكثرة من قتلهم من الناس. وله قصة شهيرة جمع فيها من تبقى من الأمراء الأمويين وأمر بذبحهم أمام عينيه ثم غطى جثثهم ببساط ودعا بطعام وأخذ يأكل ويشرب بينما لا يزالون يتحركون فى النزع الأخير، ثم قال: والله ما أكلت أشهى من هذه الأكلة قط”.
والآن إلى مناقشة بعض ما كتبه د. الأسوانى فى الفقرة السابقة: لقد تهور زاعمًا أنه “باستثناء بضعة ملوك اشتهروا بالورع… كان معظم الملوك الأمويين والعباسيين يشربون الخمر مع ندمائهم على الملأ كل ليلة”. ياه؟ “معظمهم” حتة واحدة؟ وكل ليلة؟ وعلى الملإ أيضا؟ أتعرف بالله عليك، يا د. علاء، معنى عبارة “على الملإ” حين نستخدمها الآن؟ معناها أنهم كانوا يشربونها أمام الناس جميعا. فحتى لو كانوا يشربون الخمر كما تزعم فهل كانوا يتجاهرون بشربها على مرأى ومسمع من جماهير البشر؟ يا رجل، إنها ليست رواية فى اللواط، بل تاريخا يا رجل، أَىْ منطقة بعيدة عما تخصصت فيه روايتاك وبرعتا، ومن ثم لا تستطيع أن تسد فيها مسدًّا.
كان طه حسين أشطر! لكنْ وقف له بالمرصاد فطاحلُ العلماء من أمثال رفيق العظم رحمه الله فأعادوه إلى الجحر الذى خرج منه حين زعم أن القرن الثالث الهجرى كان عصر شك ومجون وإلحاد، اعتمادا منه على كتاب “الأغانى”، الذى تعتمد أنت عليه (سماعا لا قراءة حسبما أتصور) فى قول ما تقوله عن تاريخ المسلمين السياسى وأخلاق حكامهم، وهو كتاب أدبى ألفه صاحبه لإمتاع القراء وتسليتهم بكل سبيل، ولم ينتهج فيه نهج التحقيق والتدقيق على ما هو بَيِّنٌ لمن يقرأ الكتاب، إذ يجده ممتعا فى أسلوبه العجيب وفى أقاصيصه التى يأخذ بعضها برقاب بعض فلا يقدر القارئ على أن يفلت من إسارها. لكن الزعم بأنه كتاب يُعْتَمَد عليه فى التاريخ هو زعم غبى. لقد كانت مجالس الخلفاء الأمويين فى معظمها مجالس علم وأدب وفقه. وهذا لا يمنع أن يكون هناك غناء أيضا فى بعض الأحيان. أما الخمر فإنى لا أصدق أبا الفرج أبدا فى مزاعمه حولها، ولا أضع فى اعتبارى على الإطلاق من ينقل عنه نقلا غشيما. ربما كان بعض الخلفاء يشرب الخمر، لكنهم لم يكونوا يتعاطونها على الملإ، فضلا عن أن يكونوا لها من المدمنين.
إن صنيع الأسوانى فى مقاله هذا ليذكّرنى بصنيع أخت له من قبل هى سلوى بكر، التى ألفت رواية متهافتة لا يصح صدروها عن قلم مبتدئة فى دنيا الأدب اسمها: “البشمورى”، فجعلت عصر المأمون كله كتلة من المظالم. فهل يصح اختزال عصر المأمون، وهو من أزهى عصور الازدهار الحضارى فى تاريخ العالم، فى تلك المظالم التى ركزت عليها الكاتبة بالباطل؟ أين التفتح الثقافى؟ أين الرواج الاقتصادى والنعمة التى كان يعيش فيها الناس بوجه عام؟ لقد انتقل راوى “البشمورى” إلى بغداد، بل لقد دخل قصر الخلافة يشتغل مساعدا لكبير الطباخين، فلم نر من قصر الخلافة إلا مجلسا للخليفة ترقص فيه امرأة لعوب تثير الشهوات. فهل هذا هو كل ما كان يجرى فى مجلس المأمون، إن كان مجلس المأمون يعرف الراقصات العاريات أصلا؟ ألم يكن هناك علماء يتناقشون فى حضرته ويشاركهم مداولاتهم الفكرية؟ ألم يكن هناك رجال دولة يستشيرهم الخليفة ويتناول معهم شؤون الأمة وكيفية تدبيرها؟ ألم يكن هناك أصحاب شكاوى يلجأون إليه لإنصافهم؟ أليس إلا الراقصات؟ وعلى نفس الشاكلة نجد الرواية تركز فى عصر المعتصم على العيارين والتذمر والفتن وحدها، وكأن الدولة فى عهد ذلك الخليفة العظيم لم تك تحتوى على أى خير. الحق أنه لو لم يكن له من فضل إلا أنه أدب الروم وغزا بلادهم وجعلهم يتلفتون حولهم فى ذعر لكان ذلك حسبه من المجد والفخار والخلود فى صحائف التاريخ المنيرة.
وعن المأمون يقول السير وليم موير المستشرق البريطانى المعروف: “كان حكم المأمون مجيدا عادلا، وكان عصره مزدهرا بأنواع العلوم والفنون والفلسفة. وكان أديبا مولعا بالشعر متمكنا منه… وكان مجلسه حافلا بالعلماء والأدباء والشعراء والفلاسفة، إذ كان يقرّبهم إليه ويُجْزِل لهم العطاء. وكما كان عصره عامرا بالعلماء والأدباء والنحاة فإنه كان كذلك حافلا بجماعة المحدِّثين والمؤرخين والفقهاء كالبخارى والواقدى، الذى نحن مدينون له بأوثق السِّيَر عن حياة النبى، والشافعى وابن حنبل. وكان المأمون يجلّ علماء اليهود والنصارى ويحتفى بهم فى مجلسه لا لعلمهم فحسب، بل لثقافتهم فى لغة العرب وحذقهم فى معرفة لغة اليونان وآدابها. ولقد أخرجوا من أديرة سورية وآسيا الصغرى كتبا خَطِّيّة فى الفلسفة والتاريخ وعلم الهندسة لعلماء اليونان وفلاسفتهم، ثم ترجموها إلى العربية بدقة وعناية عظيمة. وبهذه الوسيلة انتقلت علوم العرب إلى العالم الإسلامى. ولم تقتصر جهود هؤلاء الجهابذة على نقل هذه الكتب القديمة إلى اللغة العربية، بل توسعوا وأضافوا إليها ما اكتسبوه من مباحثهم واطلاعهم، وأقاموا مرصدا فى سهل تدمر مجهزا بجميع الآلات التى تمكنهم من النجاح فى دراسة علمى الفلك والهندسة والتوسع فيهما. وقد صنفوا كتبا فى الرحلات والتاريخ، ولا سيما كتب الطب، وعُنُوا عناية كبيرة ببعض علوم تافهة، إلا أنها كانت أكثر ذيوعا وانتشارا كالتنجيم والكيمياء. وكان لمجهود هؤلاء العلماء الأثر الأكبر فى نهضة أوروبا، التى كانت غارقة فى بحار الجهالة فى العصور الوسطى حيث أيقظتهم من غفلتهم وأنارت لهم سبل علومهم التى كانوا أغفلوها، وهى علوم اليونان وفلسفتها” (د. أحمد فريد رفاعى/ عصر المأمون/ ط2/ مطبعة دار الكتب المصرية/ 1346هـ- 1927م/ 1/ 399- 400).
وأصل هذا الكلام موجود فى كتاب موير: “The Caliphate: Its Rise, Decline, and Fall from Original Sources”، وهو متاح لمن يريد مراجعته بنفسه فى الفصل السادس والستين المخصص للحديث عن المأمون وعصره تحت عنوان فرعى هو: “Development of science and literature”.
أبو الفرج إذن أديب صاحب أسلوب وسَرْد ساحر، أما مؤرخًا فلا يساوى الكثير، بل ينبغى التعامل معه بحذر ويقظة. ومن لا يعرف هذا فهو جاهل وذو نسب فى الجاهلين عريق، وعليه أن يبحث له عن شغلة أخرى غير القلم والكتابة. أقول هذا رغم ما ابتُلِينا به هذه الأيام من أن كل من هب ودب يمسك بالقلم وينشر صورة له وقد وضع يده على خده ونظر أمامه فى الفراغ لا يركز على شىء كأنه يستوحى ربة الإلهام ولا ينتمى إلى دنيانا، فيقال عنه: الأديب الكبير، مع أنه لا يزيد عن أن يكون عَيِّلاً صغيرًا لا يزال يلعب فى…
وكعادة الأسوانى فى الكتابة من مخه مباشرة دون محاولة التمحيص أبدا نراه يسمى حكام بنى أمية وبنى العباس بـ”الملوك”، لا يذكر لهم لقبا آخر البتَّة رغم تكراره الكلام عنهم، وهو ما لم يستعمل سواه أيضا جهاد الخازن، الذى كان قد كتب (بالمصادفة المحضة العجيبة طبعا!) قبل الأسوانى بأيام قليلة جدا مقالا فى ذات الموضوع، ويتجه ذات الاتجاه فى الهجوم على الخلافة والسخرية ممن يتمنَّوْن عودتها إلى الحياة، مما سوف نأتى إليه لاحقا. فبأية أمارة يا ترى يستعمل د. الأسوانى للأمويين والعباسيين لقب “الملوك”؟ يبدو أنه يجهل لقبهم المعروف الذى يعلمه القاصى والدانى، ألا وهو لقب “الخلفاء”. لكن ما وجه العجب، وهو لا يعرف شيئا عن قيمة الحضارة الإسلامية العظيمة، فيما يبدو، إلا من الأستاذ الأسبانى الذى يقول إنه كان يحاضرهم فى أدب بلاده، والعهدة عليه. وجهله بلقب الحكام الأمويين والعباسيين هو لون من خذلان القدر، بالضبط مثلما خذله الله فجعله يزعم فى “عمارة يعقوبيان” أن المسلمين يوم الجمعة يهتفون فى المساجد ويهللون ويكبرون وينشدون الأناشيد، وتنطلق زغاريد النساء خلال ذلك بالعشرات، وكأننا فى صالة أفراح. فهذا من ذاك.
والآن إلى عينة مما فى كتاب أبى الفرج الأصفهانى، الذى اعتمد عليه بالدرجة الأولى طه حسين فى التدليس الزاعم بأن القرن الثالث الهجرى كان عصر شك ومجون وإلحاد، وهى عينة ضئيلة جدا: “أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال: حدثني حمزة النوفلي قال: صلى الدلال المخنَّث إلى جانبي في المسجد، فضرط ضرطةً هائلةً سمعها من في المسجد، فرفعنا رؤوسنا وهو ساجد، وهو يقول في سجوده رافعًا بذلك صوته: سَبَّح لك أعلاي وأسفلي. فلم يبق في المسجد أحدٌ إلا فُتِن وقطع صلاته بالضحك”.
ومما كتبه أبو الفرج على هذا المنوال فى نفس الكتاب: “أخبرني الحسن بن علي الخفاف وعبد الباقي بن قانع قالا: حدثنا محمد بن زكريا الغلابي قال حدثني مهدي بن سابق قال: حدثني سليمان بن غزوان مولى هشام قال: حدثني عمر القاري بن عيد قال: قال الوليد بن يزيد يوما: لقد اشتقتُ إلى معبد. فوُجِّه البريد إلى المدينة فأتى بمعبد. وأمر الوليد ببركةٍ قد هيئت له فملئت بالخمر والماء، وأُتِيَ بمعبد فأمر به فأُجْلِس والبركة بينهما، وبينهما ستر قد أُرْخِيَ، فقال له: غنني يا معبد:
لهفي على فتية ذل الزمان لهم فما أصابهمو إلا بما شاءوا
ما زال يعدو عليهم ريب دهرهمو حتى تَفَانَوْا ورَيْبُ الدهر عَدَّاءُ
أبكى فراقُهمو عَيْنِي وأَرَّقَها إن التفرُّق للأحباب بَكَّاءُ
… فغناه إياه، فرفع الوليد الستر ونزع ملاءةً مطيبة كانت عليه وقذف نفسه في تلك البركة، فنهل فيها نهلةً، ثم أُتِيَ بأثوابٍ غيرها وتلقَّوْه بالمجامر والطيب، ثم قال: غنني:
يا ربع، مالك لا تجيب متيَّما قد عاج نحوك زائرًا ومسلِّما؟
جادتك كل سحابةٍ هَطّالةٍ حتى تُرَى عن زهرةٍ متبسما
… فغناه، فدعا له بخمسة عشر ألف دينارٍ فصبها بين يديه ثم قال: انصرف إلى أهلك واكتم ما رأيت.
وأخبرني بهذا الخبر عمي فجاء ببعض معانيه وزاد فيه ونقص، قال: حدثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال حدثني سليمان بن سعد الحلبي قال: سمعت القاري بن عدي يقول: اشتاق الوليد بن يزيد إلى معبد، فوجه إليه إلى المدينة فأُحْضِر. وبلغ الوليدَ قدومُه فأمر ببركةٍ بين يدي مجلسه، فمُلِئت ماء وردٍ قد خُلِط بمسك وزعفران، ثم فرش للوليد في داخل البيت على حافة البركة، وبسط لمعبد مقابله على حافة البركة، ليس معهما ثالثٌ، وجيء بمعبد فرأى سترا مُرْخًى ومجلس رجل واحد. فقال له الحاجب: يا معبد، سلم على أمير المؤمنين واجلس في هذا الموضع. فسلم، فرد عليه الوليد السلام من خلف الستر ثم قال له: حياك الله يا معبد! أتدري لم وَجَّهْتُ إليك؟ قال: الله أعلم وأمير المؤمنين. قال: ذكرتك فأحببت أن أسمع منك. قال معبد: أأغني ما حضر أم ما يقترحه أمير المؤمنين؟ قال: بل غنني:
ما زال يعدو عليهم رَيْبُ دهرهمو حتى تفانَوْا، ورَيْبُ الدهر عَدّاءُ
فغناه، فما فرغ منه حتى رفع الجواري السجف، ثم خرج الوليد فألقى نفسه في البركة فغاص فيها ثم خرج منها، فاستقبله الجواري بثيابٍ غير الثياب الأولى، ثم شرب وسقى معبدا، ثم قال له: غنني يا معبد:
يا ربع، مالك لا تجيب متيما قد عاج نحوك زائرا ومسلِّما؟
جادتك كل سحابة هَطّالة حتى ترى عن زهرةٍ متبسما
لو كنت تدري مَنْ دعاك أجبتَه وبكيتَ من حُرَقٍ عليه إذًا دما
قال: فغناه، وأقبل الجواري فرفعن الستر، وخرج الوليد فألقى نفسه في البركة فغاص فيها ثم خرج فلبس ثيابًا غير تلك، ثم شرب وسقى معبدًا، ثم قال له: غنني. فقال: بماذا يا أمير المؤمنين؟ قال غنني:
عجبتْ لما رأتني أَنْدُب الرَّبْع الـمُحِيلا
واقفًا في الدار أبكي لا أرى إلا الطُّلُولا
كيف تبكي لأناسٍ لا يَمَلُّون الذَّمِيلا؟
كلما قلت: اطمأنتْ دارهم قالوا: الرحيلا
قال: فلما غناه رمى نفسه في البركة ثم خرج، فردوا عليه ثيابه، ثم شرب وسقى معبدا، ثم أقبل عليه الوليد فقال له: يا معبد، مَنْ أراد أن يزداد عند الملوك حظوةً فَلْيَكْتُم أسرارهم. فقلت: ذلك ما لا يحتاج أمير المؤمنين إلى إيصائي به. فقال: يا غلام، احمل إلى معبدٍ عشرة آلاف دينار تحصل له في بلده وألفي دينار لنفقة طريقه. فحُمِلَتْ إليه كلها، وحُمِل على البريد من وقته إلى المدينة”.
وقال أبو الفرج أيضا: “اجتمع يحيى بن زياد ومطيع بن إياس وجميع أصحابهم، فشربوا أيامًا تِبَاعًا، فقال لهم يحيى ليلة من الليالي وهم سكارى: ويحكم! ما صلينا منذ ثلاثة أيام، فقوموا بنا حتى نصلي. فقالوا: نعم. فقام مطيع فأذَّن وأقام، ثم قالوا: من يتقدم؟ فتدافعوا ذلك، فقال مطيع للمغنية: تقدمي فصلي بنا. فتقدمت تصلي بهم عليها غلالة رقيقة مطيَّبة بلا سراويل، فلما سجدتْ بان فرجها، فوثب مطيع وهي ساجدة فكشف عنه وقبَّله وقطع صلاته، ثم قال:
ولما بدا فرجها جاثمًا كرأسِ حليقٍ ولم تعتمد
سجدتُ إليه وقبَّلْتُه كما يفعل الساجد المجتهد
فقطعوا صلاتهم، وضحكوا وعادوا إلى شربهم”. وهذا كله، كما يرى القارئ العزيز، فَشْرٌ ولا فَشْر أبى لمعة الأصلى، وهو مُسَلٍّ وممتع كما كان فَشْر أبى لمعة يسلينا أيام “ساعة لقلبك”، وإن كان هذا تمثيلا، وذاك أدبا، علاوة على أن أبا لمعة لم يكن ينحو هذا النحو العارى البذىء.
أما معاوية وتحويله الحكم فى الإسلام من شورى إلى ملك عضوض فلا جدال لنا فيه، إذ إن ترك الناس يختارون حكامهم بملء حريتهم لهو أفضل كثيرا من فرض حاكم معين عليهم، وإن كان من المستطاع المجادلة بأن معاوية وأمثاله كانوا يأخذون البيعة لمن يريدون توليته من أولادهم على المسلمين، إلا أن الرد على ذلك سهل أيضا، فمثل تلك البيعة إنما هى بيعة شكلية. ولقد غبر علىّ زمان كنت أقرب إلى سوء الظن فى ذلك الصحابى الجليل لخلافه مع على، رضى الله عنهما جميعا، وبخاصة بعدما قرأت الكتابين اللذين وضعهما العقاد العملاق الأثير إلى قلبى عن هذين العَلَمين الكبيرين: “عبقرية الإمام” و”معاوية بن أبى سفيان فى الميزان”، فجعل الإمام عليًّا عبقريا، بينما وضع معاوية على المحك ليمتحنه ويحكم عليه، وأقام كليهما فى مواجهة الآخر على نحو لا يمكن معه أن يلتقيا أبدا. إلا أن الأيام قد لطّفت من حدة موقفى، إذ أرتنى معاوية إنسانا حليما طويل الأناة، وسياسيا باقعة فتح البلاد أمام نور الإسلام فأبصرت العيون أضواء الحق بعدما انقشع عنها غشاء الظلام، وأعز الله به دينه وأمة نبيه. ولا يوجد إنسان مبرأ من المآخذ أبدا، والعبرة بالمحصلة النهائية وما يغلب على الشخص من أخلاق وتصرفات ومواقف. ولست أظن معاوية يمكن أن يرسب فى أى امتحان يُعْقَد له بعد أن نجمع حسناته، وهى كثيرة، ونسقط منها مآخذه، وهى قليلة. ولا ننس أن الحكم فى العصور القديمة كلها كان قائما على التوريث. ثم إننا لو فكرنا قليلا فى الأسلوب الذى يمكن أن ننظم على أساسه عملية استفتاء الجماهير فى الشخص الذى سوف يتولى أمورهم لوجدنا الأمر فى ذلك الوقت غاية فى الصعوبة، اللهم إلا إذا كانت الدولة فى حجم مدينة (كما كان الحال فى انتخابات أثينا) لا إمبراطورية شاسعة مترامية الأطراف كان هذا أول عهد أهلها بالحكم، إذ كيف تؤخذ الأصوات ويُحْصَى من قالوا: “نعم”، ومن قالوا: “لا”، وتُنْقَل النتائج سريعا إلى عاصمة الدولة؟ ومن ثَمّ لم يكن أمامهم إلا نظام أهل الحل والعقد، وهو يختلف عن نظام الانتخابات كما نعرفه الآن. وهذا إن كان نظام الانتخابات هو النظام الأمثل الخالى من العيوب. صحيح أننا كنا نفضل لو بقى الحكم فى الإسلام شورى حسبما يتسق مع روح الإسلام وكما وضع الرسول العظيم أسسه، لكن القدر كانت له كلمة أخرى.
بيد أن هذا لا ينبغى أبدا أن يدفعنا إلى التنقص من شأن معاوية رضى الله عنه، فقد قدم رغم هذا كله للإسلام، أثناء الخلافة وقبلها، خدمات جليلة تُكْتَب بحروف من نور على صفحات من ذهب، فقد حكم رعاياه بحلم وسعة صدر وتواضع، كما تولى القيادة العسكرية فى عهد الصديق، وولاية الشام فى عهد عمر، وكان ناجحا فى كلا العملين نجاحا كبيرا. وناهيك بشخص يرضى عنه الصديق والفاروق كلاهما، وفى ميدانين مختلفين. وبالمناسبة فقد كان الهاشميون أنفسهم يرون الحكم من حقهم وراثة عن النبى عليه السلام، إلا أن هذا لا يجعلنا نسوى بين على ومعاوية، بل يبقى على، رغم فضل الاثنين كليهما، أعلى هامة. ومع ذلك فلو افترضنا أننا خلطنا حسنات هذا بشىء من حسنات ذاك، فأضفنا إلى مثالية علىٍّ الحادة بعضا من مرونة معاوية ودهائه وأناته وقدرته على ترتيب الأولويات حسب متطلبات السياق لكان لدينا شخص فذ ليس له ضريب.
وقد كتب يوحنا الفينيقى، وهو راهب نسطورى عراقى معاصر لمعاوية، يصف حكمه فأكد أن العدل كان مستتبًّا فى عصره، وأن السلم قد شاع فى البلاد لدرجة ليس لها مثيل، وأن أحدا لم يشاهد أو يسمع شيئا مثل هذا من قبل: “Justice flourished in his time, and there was great peace in the regions under his control. Once Mu’awya had come to the throne, the peace throughout the world was such that we have never heard, either from our fathers or from our grandparents, or seen that there had ever been any like it” (نقلا عن مادة “Mu’awiya I” فى الطبعة الجديدة من “The Encyclopaedia of Islam”).
وفى المادة المخصصة له فى ط2011م من الـ”Encyclopædia Britannica” نقرأ أن معاوية، رغم ما تعرض له من انتقاد كثير من الكتاب والعلماء بسبب تحويله الحكم إلى ملك عضوض، كان صاحب إنجازات عظيمة تتمثل قبل كل شىء فى ميدانى القيادة الحربية والإدارة السياسية، إذ استطاع أن يعيد بناء الدولة الإسلامية، التى كانت قد سادتها الفوضى، وأن يفتح جبهات الحرب من جديد ضد أعداء الإسلام: “a person whose actual accomplishments were of great magnitude quite apart from partisan value judgments and interpretations. These accomplishments lay primarily in political and military administration, through which Mu’āwiyah was able to rebuild a Muslim state that had fallen into anarchy and to renew the Arab–Muslim military offensive against unbelievers”.
حتى توريث الحكم قد سوغه ول ديورانت فى “قصة الحضارة” بأن العاهل الأموى قد ظنه السبيل الوحيد للحفاظ على تماسك الدولة وإنقاذها من الصراع والفوضى المترتبين على انتخاب خليفة لها، وإن ذكر أن صراعا قد نشب بسبب الحكم عقب وفاته رغم ذلك: “Thinking the hereditary principle the sole alternative to chaotic struggles for an elective caliphate, he declared his son Yezid heir apparent, and exacted an oath of fealty to him from all the realm. Nevertheless, when Muawiya died (680), a war of successionrepeated the early history of his reign”.
أما ما أورده د. الأسوانى من كلام منسوب إلى معاوية يقول فيه إن “الأرض لله، وأنا خليفة الله: فما أخذتُ فَلِى، وما تركتُه للناس فبفضلٍ منى” فهو كلام لا يدخل العقل، إذ كان معاوية صحابيا جليلا يعرف حدوده جيدا فلا يمكنه أن يقول مثل تلك الكلمة الغريبة التى لا تتسق مع تفكير العرب والمسلمين فى ذلك الوقت المبكر من تاريخ الإسلام بالذات، وبخاصة تفكير واحد كمعاوية كان يكتب الوحى والرسائل النبوية، فضلا عن كونه صهر الرسول، إذ هو أخو أم المؤمنين رملة بنت أبى سفيان المكناة بـ”أم حبيبة”. ولسوف نرى أن الكلمة المنسوبة للخليفة العباسى أبى جعفر المنصور بشأن المال ومهمته تجاهه لا تبلغ أبدا المدى الذى بلغته الكلمة المنسوبة إلى معاوية رغم أنه متأخر كثيرا جدا عن معاوية، ومن ثم كانت تفصل بينه وبين الرسول فترة زمنية طويلة بما يرجح أن يكون تأثره بمبادئ الإسلام أخف من تأثر معاوية. فكيف نصدق أن معاوية يمكن أن يكون قد نطق بهذا الهراء؟
كذلك ينقل الأسوانى عن عبد الملك بن مروان كلمة منسوبة إليه يقال إنه خطب بها على منبر النبى، وهى: “والله لا يأمرنى أحد بتقوى الله بعد مقامى هذا إلا ضربت عنقه”. وهى كلمة لا تدخل العقل، بل يصعب أن نصدق صدور مثلها عن حاكم كافر مجرم، فما بالنا بحاكم مسلم عالم فقية محدّث؟ ذلك أنه لا يمكن أن تواتى الحاكمَ نفسُه على التلفظ بمثل تلك الكلمة مهما كان فى أعماقه كافرا بالله مجترئا على محارمه لا يبالى بخير أو بشر ولا يؤمن بأية قيمة خلقية، اللهم إلا إذا كان مجنونًا أو أحمقَ بَيِّن الـحُمْق. فما بالنا لو كان المنسوبة إليه هذه الكلمة هو عبد الملك بن مروان الحاكم عالم الفقه والحديث السابق؟ إن الحكام الفسقة العهرة أنفسهم ليعملون عادة على الظهور بمظهر الصالحين الطاهرين، فكيف نصدق أن عبد الملك يعكس الآية فيُظْهِر جحوده وفسوقه على هذا النحو الفِجّ، وهو العالم الورع، أو الذى كان ورعا فى أقل تقدير؟ وقد رُوِى عنه أنه “لما حضره الموت جعل يضرب على رأسه بيده، ويقول: وددت أني كنت منذ وُلِدْتُ إلى يومي هذا حمالاً” (“فوات الوفيات” لابن شاكر الكتبى، وكذلك “الفرج بعد الشدة” للقاضى التنوخى نقلا عن “تاريخ الخلفاء” للسيوطى، و”الكامل” لابن الأثير). وليس هذا كلام رجل يهدد من يذكّره بتقوى الله بالإطاحة بعنقه.
ولقد أكد د. ضياء الدين الريس فى كتابه عنه أنه كان حريصا على ترسم خطا عمر بن الخطاب فى “شدته ونزاهته ورعايته لواجبه وحرصه على صالح الدولة” (د. ضياء الدين الريس/ عبد الملك بن مروان موحّد الدولة العربية- حياته وعصره/ أعلام العرب/ العدد 10/ 309). كما أُثِر عنه قوله لبعض الشعراء فى مجلسه: “تشبّهوننا بالأسد، والأسدُ أبْخر، وبالبحر، والبحرُ أُجَاج، وبالجبل مرّةً، والجبلُ أوعر! ألاَّ قلتم كما قال أيمن بن خُرَيْم ابن فاتك لبنى هاشم:
نهاركُمو مكابدةٌ وصومٌ وليلكمُو صلاةٌ واقتراءُ
…” (أبو أحمد العسكرى/ المصون فى الأدب). فهو يفضل أن يوصف بأنه يقضى وقته فى الصلاة والصوم وقراءة القرآن. ومثل ذلك ما أورده أبو الفرج فى “الأغانى”، والصفدى فى “فوات الوفيات”، والقاضى التنوخى فى “الفرج بعد الشدة”، وابن سنان الخفاجى فى “سر الفصاحة”، وغيرهم من أن ابن قيسِ الرُّقَيّات مدحه ذات مرة فقال:
يعتدل التاج فوق مفرقه على جبين كأنه الذهب
فقال له غاضبا: يا ابن قيس، تمدحني بالتاج كأني من العجم، وتقول في مصعب:
إنما مصعب شهاب من الـلــــــــــه تجلت عن وجهه الظلماءُ
ملكه ملك عزة ليس فيه جبروتٌ منه ولا كبرياءُ؟
وعلى نفس الشاكلة يصعب على نفسى أن تتقبل الرواية التى تقول إن أبا العباس السفاح قد أتى بأمراء بنى أمية فأمر بقتلهم ثم أحضر غطاء كبيرا بسطه عليهم، وجلس فوقه، وكانوا لا يزالون يضطربون، ثم شرع يأكل. وها هى ذى الرواية كما أوردها أبو الفرج فى “أغانيه”: “أخبرني عمي عن الكراني عن النصر بن عمرو عن المعيطي أن أبا العباس دعا بالغَدَاء حين قُتِلوا، وأمر ببساطٍ فبُسِط عليهم، وجلس فوقه يأكل، وهم يضطربون تحته. فلما فرغ من الأكل قال: ما أَعْلَمُني أكلتُ أكلةً قَطُّ أهنأ ولا أطيب لنفسي منها. فلما فرغ قال: جُرُّوا بأرجلهم. فأُلْقُوا في الطريق يلعنهم الناس أمواتًا كما لعنوهم أحياء. قال: فرأيت الكلاب تجر بأرجلهم، وعليهم سراويلات الوَشْى، حتى أنتنوا. ثم حُفِرَتْ لهم بئرٌ فأُلْقُوا فيها”. وهناك روايات مختلفة التفاصيل لتلك الواقعة، أيا كان نصيبها من الصحة، موجودة فى كتب أخرى كـ”العقد الفريد” لابن عبد ربه، و”غُرَر الخصائص الواضحة وعُرَر النقائض الفاضحة” للوطواط، و”نهاية الأرب فى فنون الأدب” للنويرى. على أن الأمر هنا إنما يتجاوز القسوة إلى شىء آخر يتعلق بالذوق والمشاعر الإنسانية الطبيعية، وهو ما لا أتخيل السفاح يمكن أن يقدم عليه بأى حال من الأحوال مهما قيل عن قسوته وشدته مع أعدائه.
وبالمثل يقول د. الأسوانى عن أبى جعفر المنصور مدللا على أنه كان يحكم بالتفويض الإلهى الذى عرفته أوربا فى العصور الوسطى إبّان كانت متخلفة أشد التخلف فى جميع ميادين الحياة، وكانت شعوبها ترزح تحت وطأة الاستبداد الإجرامى الغليظ: “أيها الناس لقد أصبحنا لكم قادة، وعنكم ذادة، نحكمكم بحق الله الذي أولانا، وسلطانه الذي أعطانا، وأنا خليفة الله في أرضه وحارسه على ماله”. ولقد أورد ابن عبد ربه مثلا فى كتاب “العقد الفريد” خطبة خطبها المنصور بمكة تجرى على النحو التالى: “أيها الناس، إنما أنا سلطان اللهّ في أرضه، أَسُوسكم بتوْفيقه، وتَسْدِيده وتأييده، وحارسُه على ماله، أعمل فيه بمشيئته وإرادته، وأُعطيه بإذنه، فقد جَعلني اللهّ عليه قُفلاً، إذا شاء أن يَفتحني فَتَحَني لإعطائكم، وقَسْم أَرزاقكم، وإذا شاء أَنْ يُقْفِلني عليها أَقْفَلني. فارغبوا إلى اللّه وسَلُوه في هذا اليومِ الشريفِ الذي وَهَب لكم من فَضْله ما أَعْلَمكم به في كتابه إذ يقول: “اليومَ أكْمَلتُ لكم دِينَكم وأتمَمْتُ عليْكمْ نِعْمَتي ورَضِيتُ لكم الإسلامَ دينا” أن يُوَفِّقني للرَّشاد والصواب، وأن يُلْهمني الرأفة بكمَ والإحسان إليكم”.
وأغلب الظن أنها هى الخطبة التى أشار إليها الأسوانى. ومن يتمعن فى كلمات أبى جعفر، إذا سلمنا أنه قال ذلك فعلا ولم يُحْمَل عليه حملا، يجده مؤمنا بالله سبحانه وتعالى، إذ يرجع كل توفيق فى حياته وسياسته إلى الله وحده، جاعلا من نفسه مجرد حارس على المال الذى وهبه الله أمة الإسلام، مؤكدا أنه بحاجة ماسة إلى دعوة الله له بالتوفيق، إذ هو من غير هذا التوفيق لاشىء. ولكى يطمئن القارئ إلى صحة توجيهى لعبارة “حارسه على ماله” أذكره بما مر قبلا من أن عبد الملك بن مروان قد استعمل عبارة شبيهة بتلك العبارة وشفعها بما يدل على المعنى المراد، إذ كان الحجاج قد أسرف فى إنفاق المال فأمره أن يرده إلى أصحابه، “فإنما المال مال الله، ونحن خُزّانُه” بنص كلامه (انظر “عبد الملك بن مروان موحّد الدولة العربية- حياته وعصره ” للدكتور ضياء الدين الريس/ 306). أما “سلطان الله فى أرضه” فمعناها أنه عبد لله قد ألقى الله عليه مسؤولية الحكم وتدبير شؤون الرعية، وأن الأرض التى يحكمها ليست إلا أرض الله. وهو ما لا يمكن أن يقوله جبار غشوم كالذى يصوره لنا الأسوانى. والخطبة كلها تدور من أولها إلى منتهاها حول معنى واحد هو أن إرادة الله فوق كل إرادة، وأن كل شىء إنما هو من عنده عز وعلا، وأنه هو نفسه لا يملك من أمر نفسه شيئا. هذا، وليست غايتى أن أجعل من المنصور ملاكا مبرأ من العيوب، بل غايتى أن أبين أن كلامه، إن صح أنه كلامه حقا، لا يدل على ما يريد الأسوانى أن يحمّله إياه من معانٍ عقيدية وسياسية لم يكن حكامنا المسلمون يعرفونها، بل عواهل أوربا.
واستئناسا بمؤرخ غربى نورد هذه السطور التى يرسم بها وِلْ دُيُورَنْت (Will Durant) المؤرخ الأمريكى صورة لذلك الخليفة العباسى فى كتابه عن “قصة الحضارة”، ونصها فى الترجمة العربية: “كان الخليفة الجديد في سن الأربعين، طويل القامة، نحيف الجسم، ملتحيا أسمر البشرة، شديدا في معاملاته. ولم يكن أسيرا لجمال النساء أو مدمنا للخمر أو مولعا بالغناء، ولكنه كان يناصر الآداب والعلوم والفنون، ويمتاز بعظيم قدرته وحزمه وشدة بطشه. وبفضل هذه الصفات ثبت دعائم أسرة حاكمة لولاه لماتت بموت السفاح. وقد وجه جهوده لتنظيم الأداة الحكومية، وبنى مدينة فخمة هي مدينة بغداد واتخذها عاصمة للدولة، وأعاد تنظيم الحكومة والجيش في صورتيهما اللتين احتفظا بهما إلى آخر أيام الدولة. وكان يشرف بنفسه على كل إدارة في دولاب الحكومة وعلى جميع أعمال هذه الإدارات. وأرغم الموظفين المرتشين الفاسدين، ومنهم أخوه نفسه، على أن يردوا إلى بيت المال ما ابتزوه من أموال الدولة. وكان يراعي جانب الاقتصاد، بل قل: الحرص الشديد، في إنفاق الأموال العامة حتى نفر منه الأصدقاء، وأُطْلِق عليه لشُحِّه لقب “أبي الدوانق”. وقد أنشأ في بداية حكمه نظام الوزارة الذي أخذه عن الفرس، وكان له شأن عظيم في تاريخ العباسيين. وكان أولَ من شغل منصب الوزير في عهده خالدُ بن برمك. وقد اضطلع بواجب خطير في حكم الدولة، وكان له شأن فيما وقع في أيام الدولة العباسية من أحداث جسام. وعمل المنصور وخالد على إيجاد النظام والرخاء اللذين جنى ثمارهما هارون الرشيد. ومات المنصور بعد أن حكم البلاد حكما صالحا دام اثنتين وعشرين سنة. وكان موته وهو في طريقه إلى مكة لأداء فريضة الحج. ولم يكن في وسع ابنه المهدي (775-785) إلا أن يسلك في حكمه سبيل الخير. وقد شمل عفوه جميع المذنبين إلا أشدهم خطرا على الدولة”.
وهذا هو النص فى أصله الإنجليزى لمن يريده، وهو موجود فى المجلد الرابع من “The Story of Civilization”:
“The new Caliph was forty, tall, slender, bearded, dark, austere; no slave to woman’s beauty, no friend of wine or song, but a generous patron of letters, sciences, and arts. A man of great ability and little scruple, by his firm statesmanship he established a dynasty that might else have died at al-Saffah’s death. He gave himself sedulously to administration, built a splendid new capital at Baghdad, reorganized the government and the army into their lasting form, kept a keen eye on every department and almost every transaction, periodically forced corrupt officials- including his brother- to disgorge their peculations into the treasury, and dispensed the funds of the state with a conscientious parsimony that won him no friends, but the title of “Father of Farthings.” At the outset of his reign he established on a Persian model an institution- the vizierate- which was to play a major role in Abbasid history. As his first vizier he appointed Khalid, son of Barmak; this family of Barmakids was cast for a heavy part in the Abbasid drama. Al-Mansur and Khalid created the order and prosperity whose full fruits were to fall into the lap of Harun al-Rashid. After a beneficent reign of twenty-two years al-Mansur died on a pilgrimage to Mecca “.
وينتهى الأسوانى إلى القول بأن “فلسفة الحكم إذن لم يكن لها علاقة بالدين من قريب أو بعيد، بل هى صراع شرس دموى على السلطة والنفوذ والمال لا يتورعون فيه عن شىء حتى لو كان الاعتداء على الكعبة وهدم أركانها. فلا يحدّثْنا أحد عن الدولة الإسلامية الرشيدة التى أخذت بالشريعة لأن ذلك ببساطة لم يحدث على مدى ١٤ قرنا إلا لفترة ٣١ عاما فقط. السؤال هنا: ما الفرق بين الحكم الإسلامى الرشيد، الذى استمر لسنوات قليلة، وبين ذلك التاريخ الطويل من الاستبداد باسم الإسلام؟
إنه الفرق بين العدل والظلم، بين الديمقراطية والاستبداد. إن الإسلام الحقيقى قد طبق الديمقراطية الحديثة قبل أن يطبقها الغرب بقرون طويلة. فقد امتنع الرسول صلى الله عليه وسلم عن اختيار من يخلفه فى حكم المسلمين، واكتفى بأن ينتدب أبا بكر لكى يصلى بالمسلمين بدلاً منه وكأنه صلى الله عليه وسلم يريد أن يرسل الإشارة أنه يفضل أبا بكر لخلافته دون أن يحرم المسلمين من حقهم فى اختيار الحاكم. وعندما توفى الرسول صلى الله عليه وسلم اجتمع زعماء المسلمين فى سقيفة بنى ساعدة ليختاروا الخليفة. هذا الاجتماع بلغتنا الحديثة اجتماع برلمانى بامتياز تداول فيه نواب المسلمين الأمر ثم انتخبوا أبا بكر ليتولى الحكم. وقد ألقى أبو بكر على المسلمين خطبة قال فيها: يا أيها الناس، لقد وُلّيت عليكم، ولست بخيركم. أطيعونى ما أطعت الله ورسوله. فإن عصيتهما فلا طاعة لى عليكم.
هذه الخطبة بمثابة دستور حقيقى يحدد العلاقة بين الحاكم والمواطنين كأفضل دستور ديمقراطى. نلاحظ هنا أن أبا بكر لم يقل إنه خليفة الله، ولم يتحدث عن حق إلهى فى الحكم، بل أكد أنه مجرد واحد من الناس، وليس أفضلهم. هذا المفهوم الديمقراطى الذى هو جوهر الإسلام سيستمر سنوات قليلة ثم يتحول إلى مفهوم آخر مناقض يعتبر الحاكم ظل الله على الأرض. فيقول معاوية بن أبى سفيان: الأرض لله، وأنا خليفة الله: فما أخذتُ فَلِى، وما تركتُه للناس فبفضلٍ منى. ويقول أبو جعفر المنصور العباسى: أيها الناس، لقد أصبحنا لكم قادة، وعنكم ذادة (حُمَاة). نحكمكم بحق الله الذى أولانا، وسلطانه الذى أعطانا. وأنا خليفة الله فى أرضه وحارسه على ماله. ويقول عبدالملك بن مروان، وهو يخطب على منبر النبى: والله لا يأمرنى أحد بتقوى الله بعد مقامى هذا إلا ضربت عنقه.
انقلب المفهوم الديمقراطى الذى يمثل جوهر الإسلام إلى حكم بالحق الإلهى يعتبر المعترضين عليه كفارًا مرتدين عن الدين يجب قتلهم. يقتضينا الإنصاف هنا أن نذكر حقيقتين: أوّلاً أن الخلفاء الذين تولوا الحكم عن طريق القتل والمؤامرت كانوا فى أحيان كثيرة حكاما أكفاء أحسنوا إدارة الدولة الإسلامية حتى أصبحت إمبراطورية ممتدة الأطراف. لكن طريقتهم فى تولى السلطة والحفاظ عليها لا يمكن بأى حال اعتبارها نموذجا يتفق مع مبادئ الإسلام. ثانياً: إن الصراع الدموى على السلطة لم يقتصر على حكام المسلمين فى ذلك العصر، وإنما كان يحدث بين ملوك أوروبا بنفس الطريقة من أجل انتزاع العروش والمحافظة عليها.
الفرق أن الغربيين الآن يعتبرون هذه الصراعات الدموية مرحلة كان لابد من اجتيازها من أجل الوصول إلى الديمقراطية، بينما ما زال بيننا نحن العرب والمسلمين من يدعو إلى استعادة نظام الخلافة الإسلامية، ويزعم أنها كانت عادلة تتبع شريعة الله. إن التاريخ الرهيب للصراع السياسى فى الدولة الإسلامية منشور ومعروف، وهو أبعد ما يكون عن شريعة الإسلام الحقيقية. وقد احترت فى هذه الدعوة الغريبة إلى استعادة الخلافة الإسلامية فوجدت من يتحمسون لها نوعين من الناس: بعض المسلمين الذين لم يقرأوا التاريخ الإسلامى من أساسه، أو أنهم قرأوه وتهربوا من رؤية الحقيقة لأن عواطفهم الدينية قد غلبت عليهم فأصبحوا بالإضافة إلى تقديس الإسلام يقدسون التاريخ الإسلامى نفسه، ويحاولون إعادة تخيله بما ليس فيه. أما الفريق الآخر من المنادين بالخلافة فهم أعضاء جماعات الإسلام السياسى الذين يلعبون على عواطف البسطاء الدينية من أجل أن يصلوا إلى السلطة بأى طريقة. وهم يخيرونك عادة بين طريقين: إما أن توافق على صورتهم الخيالية عن الخلافة، وإما أن يتهموك بأنك علمانى عدو الإسلام. إما أن تساعدهم على الوصول إلى الحكم عن طريق نشر أكاذيب وضلالات عن التاريخ، وإلا فإن سيف التكفير فى أيديهم سيهوون به على عنقك فى أى لحظة. جوهر الإسلام العدل والحرية والمساواة. وهذا الجوهر تحقق لفترة قصيرة عندما تم الأخذ بمبادئ الديمقراطية. أما بقية تاريخ الحكم الإسلامى فلا وجود فيه لمبادئ أو مُثُل نبيلة، وإنما هو صراع دموى على السلطة يستباح فيه كل شىء حتى ولو ضُرِبَت الكعبة وتهدمت أركانها. هذه الحقيقة شئنا أم أبينا. أما السعى لإنتاج تاريخ خيالى للخلافة الإسلامية الرشيدة فلن يخرج عن كونه محاولة لتأليف صور ذهنية قد تكون جميلة لكنها للأسف غير حقيقية كتلك التى وصفها الكاتب الإسبانى الكبير ميجيل دى سرفانتس فى قصته الشهيرة: “دون كيخوته” حيث يعيش البطل العجوز فى الماضى مستغرقا فى قراءة الكتب القديمة حتى تستبد به الرغبة فى أن يكون فارسا بعد أن انقضى زمن الفرسان فيرتدى الدرع ويمتشق السيف، ثم يتخيل أن طواحين الهواء جيوش الأعداء، فيهجم عليهم ليهزمهم”.
والحق أنه ليس لهذا من معنى إلا أن الإسلام هو هذا الوهم السخيف الذى كان يعيش فيه دون كيشوت مستغرقا تمام الاستغراق دون أن يتنبه إلى أنه وهم، بل ووهم سخيف. فهل الإسلام وهم سخيف غير قابل للتحقيق والتنفيذ؟ فلم أنزله الله؟ ولم اختار له نبيه محمدا؟ ولم قال سيدنا محمد إنه قد ترك فينا ما إن تمسكنا به فلن نَضِلّ بعده أبدا: كتاب الله وسنته، دون أن يفرق بين العبادة وبين السياسة والاقتصاد والاجتماع، إذ تشمل نصوص القرآن والحديث كل هذه الأمور ولا تقتصر على العبادة والمسجد فحسب؟ ولاحظ أن اسمه محمد بن عبد الله لا علاء الأسوانى. ونحن نصدق سيدنا محمدا، ولا نصدق سيدنا الأسوانى، فنحن نؤمن بأن الأول نبى، أما الثانى فليس سوى كاتب لروايتين تهتمان اهتماما غريبا بالشذوذ الجنسى، ومن المستحيل أن نؤمن بهذا ونكذّب ذاك، وإلا فقل: على الدنيا السلام.
ولكننا نمضى مع د. الأسوانى فنُلْفِيه يقول إن “الطريق الوحيد للنهضة هو تطبيق مبادئ الإسلام الحقيقية: الحرية والعدل والمساواة. وهذه لن تتحقق إلا بإقامة الدولة المدنية التى يتساوى فيها المواطنون جميعا أمام القانون، بغض النظر عن الدين والجنس واللون”. جميل، جميل جدا! ولكن هل يقول المسلمون شيئا غير هذا؟ هل فى مبادئ الإسلام ما يميز بين مواطنى الدولة الإسلامية؟ إذن فما المشكلة؟ المشكلة هى أن د. الأسوانى ينطلق من مقدمة رائعة وحقيقية ونبيلة وسامية، إلا أنه سرعان ما يروغ منك عند أول منعطف فلا تجده إلى جانبك. يا رجل يا طيب، أنت تقول إن الإسلام قد سبق الديمقراطية وتفوق عليها. عظيم! وتقول أيضا إن السبيل الوحيد للتقدم والنهوض هو اتباع طريق الديمقراطية. عظيم جدا. لكن إذا كان عندنا ما سبق الديمقراطية وتفوق عليها، فلم بالله عليك، وعلينا نحن أيضا معك، نترك الذى هو خير، ونروح للذى هو أدنى؟ فانظر، أيها القارئ الكريم، كيف أمضى أنا بسلاسة من المقدمة التى وضعها هو بنفسه إلى النتيجة المنطقية التى لا يمكن أن تؤدى هذه المقدمة إلا إليها، على حين يروغ هو من الطريق الذى تؤدى إليه تلك المقدمة إلى طريق آخر ليس له بها علاقة؟ إنه الروغان مع سبق الإصرار والترصد. والأمر من الوضوح بمكان بحيث لا يحتاج إلى كثير كلام.
سيقول إن الخلافة الإسلامية لم تلتزم بالإسلام بتاتا. ولسوف أريحه وأريح نفسى معه وأسلّم بما يزعمه رغم أن التاريخ يكذّبه تكذيبا، وأقول: دعنا يا أخى من الخلافة، لعنة الله على خلافةٍ بالصفة التى وسمتَها بها، وتعال إلى مبادئ الإسلام، التى تقول أنت بعظمة لسانك إنها مبادئ عظيمة وإنها هى التى تكفل لنا التقدم والنهوض، ولْنُشّيِّد نظام حكمنا عليها، وليس شرطا أن نسميها: خلافة، بل يمكننا أن نسميها: “بقدونس، كرفس، جرجير” كما كان يحلو لإسماعيل يس أن يسمى نفسه فى بعض أفلامه، علاوة على أن الخلافة من شأنها أن تعيد توحيد الدول الإسلامية بدلا من هذا التشرذم الذى نعانى من شروره. وليس شرطا أن يكون نظام الخلافة هو ذات النظام القديم، فهناك صور كثيرة يمكن أن تأخذها تلك الوحدة المبتغاة. والمهم أن تكون لدينا الرغبة والهمة والطموح والنفس الطويل والصبر على لأواء التجربة، التى لا بد أن يكون بعض ثمارها مريرا غاية المرارة. فما رأيك أيها القارئ الكريم؟ أليست هذه، يا عزيزى القارئى، هى النتيجة التى تلزم من المقدمة التى انطلق منها د. علاء الأسوانى؟ فلم حاد عنها إذن، ويصر على أن يحيد عنها دائما؟
سيقول: ومن يضمن لنا أن الحاكم المسلم لن يخرج على مبادئ الإسلام؟ وسوف أقول له بدورى: ومن يضمن لنا أن الحاكم، أى حاكم، لن يخرج على مبادئ النظام الذى تقترحه أنت؟ الواقع أنه ليس هناك أى ضمان إلا وَعْىُ الأمة واستعدادها للنضال من أجل اكتساب حقوقها والحفاظ عليها. ودائما ما أقول فى كتاباتى ومحاضراتى إن المشكلة ليست فى الحكام بالدرجة الأولى رغم أن حكام المسلمين فى الفترة التاريخية الحالية هم بوجه عام أوسخ حكام الأرض، بل المشكلة فى الشعوب، إذ الشعوب هى صاحبة المصلحة فى استقامة الحاكم وطهارته، وإلا فما مصلحة الحاكم فى أن يقف له شعبه بالمرصاد ويأخذ على يده كلما شام منه انحرافا أو رغبة فى الانحراف؟ المصلحة كل المصلحة للشعب، لأنه لو ترك الشعب للحاكم الحبل على الغارب فلسوف يستولى الحاكم على أموال الشعب ويهينه ويضربه ويعتقله ويعذبه ويمسخ عقيدته ويسلّم أزمة الدولة إلى الأعداء ويجمع حوله العُهّار والفُسّاق والقوادين والشواذ واللصوص والقتلة والجواسيس والساديين والكذابين فيسومون الأمة سوء العذاب ويُرُونها النجوم فى عز الظهر، فتستغيث، وما من مغيث. فإذا لم يتنبه الشعب إلى حقوقه ويدافع عن مصالحه ويَكُنْ على استعداد دائم للمنافحة عنها والثورة على أى حاكم حقير تسول له نفسه خيانته، فلا أمل فى أى شىء. بل إننى لأزيد على ذلك فأقول: لو افترضنا أن مَلَكًا نزل ليحكم أمة من الأمم، ثم وجد أن هذه الأمة لا تبالى بمراقبته، بل تترامى على قدميه تهتف بحياته وتفدّيه “بالروح، بالدم” (هذا إن كان عندها دم) فلسوف ينتهى به الأمر معها إلى التأله والانحراف والاستبداد بها وقهرها وإذلالها إذلالا ليس بعده إذلال. أريد أن أقول إن هذه هى الضمانة الوحيدة. وهذا هو ما يقوله الإسلام، وبغيره لا أمل ولا ضمان.
ولقد دخلت الديمقراطية بكل مؤسساتها وأنظمتها بلاد المسلمين، فهل أجدتهم نفعا؟ أبدا والله. وسِرُّ ذلك أن الشعوب لم تكن تهتم بالدفاع عن مصالحها ومنع الحكام الظلمة من اجتيال هذه المصالح، بل كانت تخنع لهم وترتعب منهم. والآن، وقد ثارت الشعوب على جلاديها بعد يأس، فالمرجوّ أن تستمر على يقظتها واعتزازها بنفسها وحرصها على كرامتها وعدم السماح لأى وغد لئيم أن يخدعها فيصل إلى السلطة وينكّل بها، وإلا استحقت ما سوف يصيبها من الهوان والإذلال والضرب والتعذيب، ولا تلومن حينئذ إلا نفسها. وإن حكام المسلمين عموما لهم أشد الحكام جهلا وتخلفا واستبدادا رغم كل هذه المؤسسات والأنظمة الديمقراطية التى نراها من حولنا فى كل مكان. والسبب؟ السبب هو أن الشعب كان نائما فى العسل، أو كما أقول دائما: فى المجارى!
بل إننى لأقول لطلابى وأصدقائى الآن بعد أن نجحت الثورة المصرية نجاحا عجيبا فى دهورة نظام حسنى مبارك: إن الشعب إذا لم يفهم أن ما حدث ليس سوى ثورة صغرى لا بد أن تتلوها الثورة الكبرى (جريا على قول الرسول العظيم: “رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر”) فلسوف تعود الحال إلى ما كنا عليه، وسوف يعود حسنى مبارك من جديد، وعلى نحو أسوأ من ذى قبل، ليس بشخصه بالضرورة، بل بنظامه وروحه على أقل تقدير. فإذا ظللنا نرمى بالقمامة فى الشارع ونكره القراءة والعلم والتفكير ونتلذذ بالخروج على النظام ونبغض الإتقان ونؤثر القبح على الجمال ولا نراعى أصول الذوق الراقى فى كلامنا وتصرفاتنا ولا نهتم بالإبداع ولا بالعمل والإنتاج ولا نتوقف عن الضجة التى تصم الآذان فى كل مكان ولا نكف عن كثرة الكلام والجدال، وتركنا الحاكم يصنع بنا ما يشاء دون أن نفرمله بل دون أن نسحقه سحقا إذا لم يرعو عما نأخذه عليه وننهاه عنه، فلن تنفعنا الثورة التى تمت بشَرْوَى نقير.
وهذه بعض من النصوص التى تستحث المسلمين إلى الحفاظ على مصالحهم وحقوقهم وعدم ترك الظلمة والمستبدين والحكام المجرمين يتحكمون فى مصائرهم ويسرقونهم ويقتلونهم ويخونونهم ويسلمون مقاديرهم إلى أعدائهم لقاء مساعدتهم على البقاء فى كرسى السلطة، لعنة الله عليهم: قال الله تعالى: “فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ” (آل عمران/ 159). “وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” (آل عمران/ 104). “كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ” (آل عمران/ 110).ومن صفات المؤمنين الناجين أنهم هم “الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ” (الشورى/ 38).
ويورد القرآن الكريم قصة موسى وفرعون وسحرته وإيمانهم بما جاء به نبى الله وصمودهم فى وجه تهديدات فرعون وتحمّلهم بإيمانٍ وعزمٍ لا يتزعزع تصليب المستبد لهم فى جذوع النخل كى تكون تلك القصة عبرة يتعلم منها المؤمنون وجوب الوقوف فى وجه الظلم والاستبداد والطغيان ومصادرة الحريات وعدم التهاون فى ذلك ولو للحظة مهما كانت التضحيات. يقول سبحانه وتعالى لموسى وهارون: “اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى * قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى * فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى * إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى * … * وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آَيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى * قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى * فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى * قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى * فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى * قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى * فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى * قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى * فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى * قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى * قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى * فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى * فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى * قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى * قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا” (طه/ 43- 72).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا، فجالسوهم في مجالسهم وواكلوهم وشاربوهم، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم عليهما السلام. “ذلك بما عَصَوْا وكانوا يعتدون”. قال: فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان متكئا، فقال: لا والذي نفسي بيده حتى تَأْطِروهم أَطْرًا”، وفي رواية: “كلا والله لتأمُرُنَّ بالمعروف ولتَنْهَوُنَّ عن المنكر ولتأخُذُنَّ على يَدَيِ الظالم ولتَأْطِرُنَّه على الحق أَطْرًا أو لتَقْصِرُنَّه على الحق قصرا أو ليضربنَّ الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعننَّكم كما لعنهم”. “أفضل الجهاد كلمةُ عدلٍ عند سلطانٍ جائر”. “مَنْ قُتِل دون ماله فهو شهيد، ومَنْ قُتِل دون نفسه فهو شهيد، ومَنْ قُتِل دون أخيه فهو شهيد، ومَنْ قُتِل دون جاره فهو شهيد، والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر شهيد”. “أفضل شهداء أمتي رجلٌ قام إلى إمامٍ جائرٍ فأمره بالمعروف ونهاه عن المنكر، فقتله على ذلك. فذلك الشهيد: منزلته في الجنة بين حمزة وجعفر”. “ألا لا يمنعنَّ أحدَكم هيبةُ الناس أن يقول الحق إذا رآه أو شهده، فإنه لا يقرّب من أجل ولا يباعد من رزق أن يقول بحق أو يذكِّر بعظيم”. “(قال صلى الله عليه وسلم يصبح على كل مِيسَمٍ من الإنسان صلاة. فقال رجل من القوم: ومن يطيق هذا؟ فقال: أَمْرٌ بالمعروف صلاةٌ، ونَهْيٌ عن المنكر صلاةٌ. وإنَّ حَمْلاً عن الضعيف صلاة، وإن كل خطوة يخطوها أحدكم إلى صلاةٍ صلاةٌ”. “مَثَلُ القائم على حدود الله والواقع فيها كمَثَلِ قوم اسْتَهَمُوا على سفينة: فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا اسْتَقَوْا من الماء مروا على مَنْ فوقهم، فقالوا: لو أنَّا خرقنا في نصيبنا خَرْقًا، ولم نؤذ مَنْ فوقنا. فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نَجَوْا ونَجَوْا جميعا”.
وقال أبو بكر رضي الله عنه: “أيها الناس، فإني قد وُلِّيتُ عليكم، ولست بخيركم: فان أحسنتُ فأعينوني، وإن أسأتُ فقَوِّموني”. “قال رجل للخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه: اتق الله. فقال رجل ممن حضر ذلك المجلس: أتقول لأمير المؤمنين: اتق الله؟ فأجابه عمر رضى الله عنه: دَعْه يَقُلْها، فلا خير فيكم إذا لم تقولوها لنا، ولا خير فينا إذا لم نقبلها منكم”. “وقف عمر يخطب الناس وعليه ثوب طويل فقال: أيها الناس، اسمعوا وَعُوا. فقال سلمان الفارسي: والله لا نسمع ولا نعي. فقال عمر: ولِمَ يا سلمان؟ قال: تلبس ثوبين، وتُلْبِسُنا ثوبا. فقال عمر لابنه عبد الله: يا عبد الله، قُمْ أَجِبْ سلمان. فقال عبد الله: إنّ أبي رجل طويل، فأخذ ثوبي الذي هو قسمي مع المسلمين ووصله بثوبه. فقال سلمان: الآن قُلْ يا أمير المؤمنين نَسْمَعْ، وأْمُرْ نُطِعْ”. “قال عمر مرة على المنبر للناس: ما أنتم فاعلون لو حِدْتُ على الطريق هكذا؟ وحَرَفَ يده. فقام رجل من آخر الناس وسَلَّ سيفه وقال: والله لو حِدْتَ عن الطريق هكذا لقُلْنا بالسيوف هكذا. فقال عمر: الحمد لله، الذي جعل في رعيتي مَنْ لو حِدْتُ على الطريق قَوَّمَني”.”طالب عمر على المنبر بتقليل مهور النساء، فقامت امرأة من آخر المسجد فقالت: يا أمير المؤمنين، إنّ الله يقول: “وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئا”. فقال عمر: أصابت امرأة، وأخطأ عمر”.
ويختتم د. الأسوانى مقاله مؤكدا أن “الديمقراطية هى الحل”. وتعقيبنا على هذا الشعار هو نفسه ما قلناه مرارا فى هذا الرد، إذ ليست العبرة فى الديمقراطية فى حد ذاتها، لأن الديمقراطية ليست سوى نصوص لا تتحقق من تلقاء نفسها، بل لا بد لها من ناس يؤمنون بها ويجتهدون فى تطبيقها ولا يَنُون لحظة فى الدفاع عنها إذا ما شاموا خطرا يحدق بها بل يكونون على استعداد تام للموت فى سبيلها. لكن نعود فنقول: ما دام الإسلام، كما قال علاء الأسوانى هو نفسه، قد سبق الديمقراطية وتفوق عليها فلِمَ نترك الإسلام ونأخذ بالديمقراطية؟ وفوق ذلك فالإسلام هو ديننا، والديمقراطية نتاج غربى، وهذا سبب آخر يستحثنا استحثاثا إلى أن نُؤْثِر الإسلام على الديمقراطية، إذ نجد فيه شخصيتنا وماضينا وتطلعاتنا، ونُرْضِى به ربنا ونريح به ضمائرنا ونحقق من خلاله ذاتنا بدلا من هوان التبعية والذيلية التى يريد فريق منا أن نرضى بها وننظر إليها بوصفها غاية المنى. كما أن الإسلام هو دين الله الحق، وهذا كفيل بأن يجعل تحمسنا لمبادئه أقوى من تحسمنا لمبادئ الديمقراطية المستوردة من الغرب، الذى أذلنا واحتل أوطاننا واعتدى علينا وعلى نسائنا وأموالنا وكرامتنا.
ولا ننس أن استعادة نظام الخلافة هو مطلب الأمة أجمع: مصلحيها وجماهيرها على السواء. وهو ليس وليد اليوم حتى يقول القائلون إنه مطلب فريق من الساسة البكاشين الذين يعملون على خداع السذَّج للفوز بكراسى المجلس النيابى ورئاسة الجمهورية، بل يعود إلى أوائل الربع الثانى من القرن البائد عقيب إلغاء الخنزير مصطفى كمال له فى ذلك التاريخ. ومنذ ذلك الوقت والمسلمون يتطلعون إلى اليوم الذى تعود فيه الخلافة، إذ يرون فيها رمز عزهم ومجدهم والعروة الوثقى التى تحميهم من التهافت والضعف والضياع.
أما ما يزعمه د. الأسوانى من أن دولة الخلافة من شأنها التضييق على الحريات واتهام من يخرج عليها بالكفر، فالرد عليه أنه يعرف جيدا ألا أحد فى الإسلام معصوم، بل نحن كلنا بشر نصيب ونخطئ. ولقد كان الصحابة يراجعون الرسول فى كل أمر من أمور دنياهم فيأخذ بما يثبت أنه صواب، ويرجع عما كان بسبيل عمله حين يتبين له أنه لا يوصل إلى المراد. بل ها هو ذا الأسوانى نفسه يرى معنا كيف أن شيخ الأزهر والمفتى لا يسلمان من سهام النقد تنهال عليهما من كل جانب، ويكاد ألا يرضى عنهما أحد حتى فى أمور الدين والشريعة.
فالمشكلة ليست عندنا بل عند غيرنا ممن يؤمنون بعصمة رؤسائهم الدينيين وينحنون على أقدامهم يقبلونها ولا يجرؤ أحد على مخالفتهم فى صغيرة أو كبيرة، فضلا عن الخروج عليهم، وإلا كان مصيره أسود من القطران لدرجة أنه، حين يموت، لا يجد من يحن عليه ويصلى له، بل يتركونه يموت ميتة الكلاب حتى لو دار أهله بجثته على دور عبادتهم دارا دارا. وعلاوة على ذلك فإن رؤساءهم الدينيين الذين يُفْتَرَض، بنص دينهم نفسه، ألا يتدخلوا فى أمور الدنيا والسياسة وتدابير قيصر يمارسون القيصرة ذاتها بكل توحشها وإجرامها واستبدادها وعسفها. ولو بدا لهم أن يَنْهَوْا أتباعهم عن التنفس إلا من فتحة أنف واحدة، وفى ساعات معلومة من النهار لا يعدونها، لالتزم أولئك الأتباع بما يَنْهَوْنَهم عنه مهما كان من سخفه وتنطعه وتعذيبه لهم وتحويله حياتهم إلى جحيم لا يطاق. ولا يستطيع أحد من أتباعهم أن يتحول إلى دين آخر، وإلا كانت عاقبته بشعة، فالخطف والسجن ينتظر النساء، أما الرجال فنصيبهم القتل، فى الوقت الذى يُتَّهَم المسلمون والإسلام بالإرهاب ومصادرة حرية المعتقد رغم أن من يريد من المسلمين والمسلمات أن يتنصر فإنه يفعل ذلك بحرية تامة لا يراجعه أحد فى قراره. ومع هذا كله لا تجد أحدا من المفاليك الصعاليك يجرؤ على أن يبربش بعينه فى وجه أى من هؤلاء الجلادين الذين يركبون البشر ركوبهم للدواب ويذلونهم باسم الدين، بل ترى أولئك المفاليك الصعاليك وقد صاروا عميانا لا يبصرون، وطرشا لا يسمعون، وبكما لا ينطقون، وأصناما لا يشعرون، ووقحين معنا نحن المسلمين فقط لا يستحون ولا يخجلون!
وعودا إلى ما قاله د. الأسوانى فى المقارنة بين الديمقراطية ونظام الحكم الإسلامى نقول: هل منع النظام الديمقراطى الأمريكانَ مثلا من إبادة الهنود الحمر؟ أما خلافة الإسلام، التى لاتعجبه، فقد عاش فى ظلها اليهود والنصارى والصابئة والدروز والبوذيون والهنادكة وغير ذلك من أصحاب النحل والمذاهب والأديان عيشة الكرامة لا يمس أحد لهم طرفا من أطراف ثيابهم ولا اعتدى أحد على دار من دور عبادتهم ولا صادر أحد قنينة خمر من خمورهم. كذلك هل منعت الديمقراطية الاستعماريين البيض من التنكيل بأصحاب البلاد السود فى جنوب أفريقيا وغيرها من بلاد القارة السوداء وتقتيلهم واعتقالهم وتعذيبهم واستعبادهم وسرقة ثرواتهم؟ أو هل منعت الديمقراطية أصحابها أن يظلموا المسلمين الذين يعيشون معهم فى ذات المجتمع كما هو الحال مثلا فى فرنسا أم الحريات والأنوار، التى تضيّق على مواطنيها المسلمين فتمنعهم من بناء ما يحتاجونه من مساجد مما يضطرهم إلى تأدية صلاة الجمعة على الأرصفة فيهيج بسبب ذلك الفرنسيون ويتهمونهم بأنهم يريدون تغيير مظهر البلاد. عجيبة! لا هذا نافع ولا هذا نافع. ترى ماذا يفعل المسلمون؟ وفى سويسرا تمنع الديمقراطية المسلمين من بناء مآذن لمساجدهم. بأى حق بالله تفعل سويسرا هذا، وهى من البلاد الديمقراطية جدا؟ لماذا المسلمون بالذات يمنعون من بناء مآذنهم؟ وأين المساواة التى يصدعنا الديمقراطيون بها؟
كما أن المسلمات ممنوعات فى فرنسا وبعض البلاد الأوربية الأخرى من تغطية شعورهن. ترى ما دخل الحكومة الفرنسية فى تغطية المسلمات شعورهن؟ ومنذ متى كانت الديمقراطيات تتدخل فى ملابس النساء؟ إن فرنسا تترك النساء يفعلن بأنفسهن ما يشأن من عرى، لكنها لا تترك المرأة المسلمة تستتر طبقا لما يأمرها بها دينها. لماذا؟ ولماذا أيضا لا نرى متصايحينا المصريين الكارهين لكل شىء إسلامى يخطئون ولو مرة يتيمة فيدافعون عن هؤلاء المسلمين المساكين فى بلاد الغرب، لا من باب الدفاع عن مسلمين (لا سمح الله، فهذا تخلف ورجعية)، ولكن من باب الدفاع عن الديمقراطية وحق بعض بنى البشر فى أن يرتدوا ما يحبون، على الأقل: قياسا على حق بعض بنى البشر فى التعرى كما يحبون؟ كذلك هل سوت الديمقراطية بين البيض والسود فى فرنسا؟ أبدا، ولا فى أمريكا، التى كانت، إلى وقت قريب، تعامل رعاياها السود معاملة أخس من معاملة الحيوانات، بل وتقتلهم فى كثير من الأحيان دون أى ذنب، ودون أى خالجة من ضمير. وما زال البيض حتى الآن فى كل بلاد الغرب يرفضون رفضا باتا زواج بناتهم من السود رغم أنهم يتغاضَوْن عن زناهم بهن. وهو ما يحتاج إلى دراسة نفسية لهذا الشذوذ الخلقى والاجتماعى. وفى بعض البلاد الأوربية يهيج الناس هيجان الثيران المتوحشة ضد التزام المسلمين بأوامر شريعتهم فى ذبح الحيوانات، ويريدون إجبارهم على اتباع أساليبهم هم بخنقها أو كهربتها أو ضربها على رأسها. ترى لم كل هذا التعنت يا أهل الديمقراطية؟
كذلك هل منعت الديمقراطية انفجار الحرب المهلكة بين شمال الولايات المتحدة وجنوبها؟ أو هل منعت الديمقراطية اشتعال المعارك الرهيبة فى الحربين الكونيتين بين الدول الغربية ذاتها التى ظلت سنين عددا تتناحر وتتبادل التدمير الساحق الماحق لكل شىء ولكل نفس حية تطولها المدافع والقنابل والبنادق والصواريخ والدبابات والطائرات؟ أو هل منعت الديمقراطية ظهور هتلر وموسولينى وما جره كل منهما على بلاده والبلاد الأخرى من دمار وخسار؟ أو هل منعت الديمقراطية احتلال بلاد الآخرين واستعبادهم والاستبداد بهم والعمل على إبقائهم متخلفين لا يتقدمون، وفقراء لا يغتنون، ومحتقَرين لا يَعِزّون، ومفككين لا يتَّحِدون؟ أو هل منعت الديمقراطية الشعبية فى الكتلة الشرقية شعوبها من أن تعانى على أيدى حكامها من العسف والقهر والإبادة الجماعية وغير ذلك من ضروب البطش والسحق؟ وهل منعت الديمقراطية جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسنى مبارك من تزييف الاستفتاءات والانتخابات والفساد البشع الذى عرفته بلادنا الموكوسة، أو من الاعتقالات الجماعية (التى بلغت فى عهد المخلوع عشرات الآلاف)، بالإضافة إلى القتل دون جريمة أو محاكمة؟ وهل منعت الديمقراطية أنبياءها الزائفين من أبناء جلدتنا الذين نراهم حولنا يتشمسون ويُفَلُّون أنفسهم لصق جدران ما يسمى: “حقوق الإنسان” من المناداة بشطب نتائج الاستفتاء الأخير بحجة أن الشعب غير مؤهل للإدلاء برأى صائب فيما يراد استفتاؤه فيه؟ فهل نقول نحن أيضا: دعونا من الديمقراطية، ولا تقلدوا دون كيشوت فى محاربة طواحين الهواء؟
إننا لا نقول إن من يدعون إلى العمل على استعادة نظام الخلافة سوف يكونون بالضرورة حكاما صالحين، بل نعرف عرفان اليقين أنهم يمكن أن يُصْلِحوا، ويمكن أن يُفْسِدوا. وهذا أو ذاك إنما يتوقف على مدى إخلاصهم وتجردهم واستحصاد خبرتهم ومرونتهم ودهائهم السياسى وابتعادهم عن الديماجوجية التى يبرع فيها سياسيونا الحاليون وتنتهى دائما بالكوارث، وكذلك على موقف الشعب منهم وهل سيتركهم يعملون ما يشاؤون دون حسيب أو رقيب أو سيظل يقظا واعيا ممسكا بسيف النقد والتوجيه والتقويم، وعلى موقف الدول الأخرى منا، وبخاصة الدول الغربية، التى لن تتركنا فى حالنا، بل ستبذل كل جهودها لعرقلتنا وإضعافنا وبذر بذور الشقاق بيننا وتجنيد العملاء من بين ظَهْرَانَيْنا ليكتبوا ضد ديننا ويخذلونا عن التمسك به واستلهامه فى نظامنا السياسى ويسخروا منه ومن رموزه ويضعوا يدهم فى يد الشيطان حربا علينا وعلى قيمنا ومصالحنا ويدعوا إلى إلغاء المادة الثانية من الدستور حتى لا تكون منطلقا لآمالنا نحو التحليق عاليا، ولحماستنا نحو الاشتعال والتوهج، ولثقتنا نحو النمو والازدياد… وهكذا.
لكنْ مما يطمئننا أنه سوف تكون هناك انتخابات حرة، وأن المجالس النيابية بعد ثورة يناير العظيمة سوف تكون شيئا آخر، كما سيكون رؤساء الجمهورية من طينة مغايرة لما عهدناه فى رؤسائنا حتى الآن، أو هذا على الأقل ما نرجوه وما نظن أنه سيكون. وهذا ما تنبه إليه المستعرب الصينى تشونج جى كون، الذى قال فى حوار له مع صحيفة “المصرى اليوم” فى 15 مايو 2011م إنه “لا يخشى وصول التيارات الإسلامية إلى السلطة مادام حدث ذلك فى انتخابات حرة ديمقراطية”. لقد سئل الرجل: “تيارات كثيرة داخل وخارج مصر الآن متخوفة من وصول الإسلاميين إلى السلطة بعد زوال النظام السابق، هل تؤيد هذا التخوف؟”، فكان جوابه: “لا أتخوف من وصول التيارات الدينية للسلطة ما دامت أنها ستأتى عبر انتخابات ديمقراطية تعبر عن رأى الشعب”. أما إذا كانت الأخرى وتقاعس نواب الأمة عن محاسبة المسؤولين، وتقاعست الأمة بدورها عن محاسبة نوابها المقصرين، فلا يلومن الشعب حينئذ إلا نفسه، فإن الله لا يظلم الناس مثقال ذرّة، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون كما أكد القرآن الكريم مرارا.
هذا، وهناك من يتهم الأسوانى بأنه سرق مقاله الحالىّ من جهاد الخازن الصحفى بجريدة “الحياة” اللندنية، الذى كان قد كتب مقالا مشابها (وكالعادة بالمصادفة المحضة أيضا) قبل ذلك بأيام قليلة جدا. ويمكن القارئ أن يرجع فى ذلك إلى مقال فى جريدة “المصريون” الضوئية (عدد الاثنين 6/ 6/ 2011م) بقلم أحمد سعد البحيرى اسمه: “تاب المسروق منه ولم يتب السارق- علاء الأسواني يسطو على مقالة لجهاد الخازن في هجاء التاريخ الإسلامي وينشرها معدلة وينسبها لنفسه”.
وهذا مقال الخازن لمن يريد المقارنة بين الكاتبين وما كتباه، وإنها لمقارنة ممتعة ومغرية، وهو بعنوان: “أيُّ خلافة هي التي يتحدثون عنها؟”: “بعض الجماعات المتطرفة في البلدان العربية والخارج جعل إحياء الخلافة الإسلامية هدفه لو وصل الى الحكم يوما. أيُّ خلافة هي التي يتحدثون عنها؟ هل هناك تاريخ غير ما درسنا في المدارس والجامعات؟ نحن في السنة الهجرية 1432، وهذا تاريخ لا يضم سوى سنتين يستطيع المسلم أن يفاخر بهما هما خلافة أبي بكر الصديق، فهو أخضع الجزيرة العربية كلها للمسلمين، ومنها انطلق عصر الفتوحات الذي كان بين بدء خلافته سنة 632 ميلادية حتى فتح الأندلس سنة 711، أي 79 سنة فقط، ولا نزال حتى اليوم نخسر ونخسر. قد نفيق يومًا ولم يبقَ لنا شيء.
عمر بن الخطاب أراد أن يفاوض المرتدّين، وقال له أبو بكر: أجبّارٌ في الجاهلية خوّارٌ في الإسلام يا عمر؟ والله لو أنهم نازعوني عقالاً كانوا يؤدونه رسول الله لقاتلتهم عليه. والفاروق عمر كان عادلاً جدًّا، إلا أنه كان شديدا قسا على ابنه لسُكْره، وجَلَدَه وهو مريض فمات. وكان أول قرار له بعد خلافته أبي بكر عزْل خالد بن الوليد أعظم قائد عسكري في تاريخ العالم كله لخلاف بينهما وهما صغيران. أما عثمان بن عفان فقدم أقاربه. ويلخص سنوات حكمه قول الإمام علي: أثَر عثمان فأساء الأثَرَة، وجزعتم فأسأتم الجزع (الجزع عدم الصبر وليس الخوف كما يفهمها العامة). وكان علي بن أبي طالب عبقريا في كل شيء سوى التعامل مع الناس ربما لصغر سنه.
ثلاثة خلفاء راشدين من أربعةٍ مجموعُ حكمِهم 29 سنة من أصل 1432 سنة هجرية من قُتِلوا غدرا. والأمويون الذين أسلم كبيرهم أبو سفيان عام الفتح خوْفَ السيف اغتصبوا الحكم، وكانوا ملوكًا لا خلفاء. يزيد بن معاوية قتل حفيد الرسول. ويزيد الثالث سُمِّي يـ”زيد الناقص” بعد أن خفض أعطيات الناس. وابنه الوليد رمى القرآن الكريم بسهم بعد أن فتحه ووجده يتوعد كل جبار عنيد. وله شعر عن الموضوع حفظتْه لنا كتب التراث لن أكرره هنا.
العباسيون حاربوا باسم آل البيت، وعندما حكموا تفردوا بالحكم. وهم بدأوا بالسفاح، وخَلَفه أبو جعفر المنصور فقتل قائد قواته أبا مسلم الخراساني وبسط فوق جثته سجادة أكل عليها مع رجاله. وبطش هارون الرشيد بالبرامكة ضِيقًا بحب الناس لهم، وربما لأنهم شيعة. وجعفر البرمكي قُطِّع ثلاث قطع عُلِّق كل منها على جذع. والأمين كان شاذا حتى إن نساء عصره لبسن ثياب الرجال، فكان اسمهن “الغلمانيات”. والمأمون قتل أخاه الأمين، وقتل أو عذب شيوخ عصره الذين خالفوا آراءه في الدين والفلسفة، وأصبح الشاعر يقول:
ألم ترَ الخلافة كيف حالت حتى صارت لأبناء السراري
(صحة البيت على النحو التالى:
ألم تر للخلافة كيف ضاعت إذا كانت بأبناء السّراري؟)
ومن السفاح الى المتوكل أقل من مئة سنة هي كل حكم العباسيين الحقيقي، وبعد ذلك كان الخليفة اسما، والحكم للبويهيين أو السلاجقة، ولدويلات انتهت بهولاكو، الذي دمر بغداد وقتل الخليفة المستعصم وأهل بيته والسكان وأحرق مدينتهم.
قبل أن أنسى: طارق بن زياد فتح الأندلس سنة 711 ميلادية، وتبعه قائده موسى بن نصير فكافأه بعزله، وحمل موسى معه الى دمشق غنائم لم يرَ المسلمون مثلها. وعندما وصل الى طبرية طلب منه سليمان بن عبدالملك أن ينتظر حتى يموت أخوه الوليد الخليفة المريض، فلم يفعل، وسلم الغنائم ومعها أمراء القوط الى الوليد، فخلفه سليمان وعاقب موسى بن نصير أشد عقاب فأوقفه في الشمس يوما حتى غُشِيَ عليه. وقيل إنه شوهد في آخر أيامه يستعطي على طريق المدينة أو في وادي القرى من أعمال الحجاز. هكذا كوفئ خالد وطارق وموسى وأبو مسلم.
التفاصيل أفظع ألف مرة من العناوين السابقة، إلا ان التاريخ السياسي للخلافة لا يلغي أن العرب بنوا نهضة فكرية وحضارة من أرقى مستوى عالمي، وكانوا الجسر الذي عبرت به أوروبا من عصور الظلام الى عصر النهضة. وأكتفي بالورق مثلاً، فقد وصل الى العرب من الصين سنة 751 ميلادية، وهم طوروا صناعته ونشروا استعماله، ومن دونه كان يستحيل أن تقوم أي نهضة.
في الجامعة درستُ العلوم السياسية، ثم الأدب العربي والدين الإسلامي، وعملتُ لدكتوراه لم أكملها في تاريخ الشرق الأوسط. وقد وجدت طالبًا وكاتبًا أن قراءتنا التاريخ انتقائية، فنحن نختار منه ما يناسبنا من إيجابيات، ونعمى عن الجرائم. الخلافة الوحيدة التي أفاخر بها هي خلافة أبي بكر، ولا أريد أن أرى في أي بلد عربي دولة الخلافة، وإنما دولة مدنية تتسع لجميع المواطنين تستهدي قوانينها من القرآن والسنّة، ولا تخالف الشريعة، دولة قانون عصرية، الحكم فيها للشعب لا لديكتاتور حتى لو كان متنوّرا”.
وأخيرا فقد شاءت المصادفة المحضة أيضا، وكم للمصادفات من مشيئات بل تحكمات عجيبة، أن يتوافق الأسوانى كذلك مع الصهاينة فى التخويف من الجماعات السياسية الإسلامية بالقول بأنهم يسعون إلى إعادة الخلافة عند وصولهم إلى السلطة، والتشنيع عليهم بأنهم يعادون الديمقراطية. ذلك أنى قرأت، أثناء مراجعتى الأخيرة لهذا الرد، أى بعد أيام قليلة جدا من نشر د. علاء مقاله الذى يهاجم فيه الخلافة ويسخر ممن يفكرون فى إحيائها ردا على تكتل دول الغرب فى أنظمة سياسية وعسكرية كحلف شمال الأطلنطى والسوق الأوربية المشتركة وما إلى ذلك، والذى نشره بدوره، وبالمصادفة المحضة أيضا، بعد أيام قليلة جدا من نشر جهاد الخازن مقاله فى جريدة “الحياة”، أقول: قرأت مقالا فى جريدة “المصريون” الضوئية عنوانه “استبعدَ أن تكون الحكومة القادمة ليبرالية. رئيس الموساد الأسبق: ما يحدث في مصر هو التمهيد لعودة الخلافة الإسلامية على يد الإخوان المسلمين” جاء فيه: “يبدو أن الإشارات التي أرسلتها جماعة “الإخوان المسلمين” في صورة تطمينات للداخل والخارج بعدم السعي للهيمنة على السلطة لم يتم قراءتها على هذا النحو في الأوساط الإسرائيلية في ظل نظرة المحللين الإسرائيليين لما يجري على الساحة في مصر على أنه مؤشر على وصول الجماعة للحكم في مصر.
وكان آخر من أشار إلى ذلك شبتي شافيط رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلية (الموساد) الأسبق (بين عامي 1989 و1996) في مقابلة مع موقع “بورت تي بورت” الإخباري الإسرائيلي نُشِرَت الثلاثاء، مستبعدًا أن تكون الحكومة المصرية المقبلة حكومة ديمقراطية أو ليبرالية، واعتبر أن ما يجري الآن في مصر هو التمهيد للخلافة الإسلامية على يد “الإخوان المسلمين”. وقال شافيط إن “العالم العربي، وفي ظل ما يشهده من ثورات، شعبية أصبح مليئا بالصراعات بشكل لم يسبق له مثيل”، معربا عن تشاؤمه من نتائج تلك الثورات، مشيرا إلى أنه “من الصعب خروج أنظمة ديمقراطية وليبرالية عربية من ثورتي مصر وتونس. رغم نجاح الجماهير الشعبية في تلك الدولتين في إسقاط الحكام لا توجد أي مؤشرات على تغير ديمقراطي” على حد زعمه.
وأعرب عن اعتقاده بأنه لن يكون هناك حكم ديمقراطي في مصر، ورأى أن ما يحدث الآن هو تمهيد للخلافة الإسلامية على يد “الإخوان المسلمين”، الذين وصفهم بأنهم الأكثر أهمية وفعالية وتنظيما في مصر، كما أن لديهم الفرصة في التحول لكتلة برلمانية قوية بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة، وهو ما حذر منه قائلا إن ذلك سيبعد مصر عن طريق الديمقراطية على حد قوله. يذكر أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي يدير شئون البلاد منذ الإطاحة بحسني مبارك من الحكم في 11 فبراير الماضي، أكد غير مرة التزامه بالاتفاقات الدولية بما فيها معاهدة السلام مع إسرائيل. كما أن جماعة “الإخوان” أكدت ما يشير إلى عدم عزمها إلغاء الاتفاقية، وإن صدرت إشارات بإمكانية إعادة النظر في بعض بنودها، على أن يكون ذلك وفق رغبة الشعب المصري”.
والآن هل يستطيع القارئ الكريم أن يجد مِنْ فَرْقٍ بين ما قاله د. علاء الأسوانى وما قاله قبله جهاد الخازن بأيام وما قاله شبتي شافيط الرئيس الأسبق للموساد بعده بأيام أيضا؟ الواقع أن الثلاثة يبدون وكأنهم ينزعون جميعا عن قوس واحدة. إلا أننا نعود فنقول إنها “المصادفة المحضة”، وكم للمصادفات المحضة من تحكمات غريبة. أما مالك بن نبى، الذى يجتهد فى تفسير أحداث التاريخ الإسلامى تفسيرا علميا وكأنها بعض ظواهر الطبيعة فتجرى عليها من ثم قوانين الفيزياء والكيمياء وما إليها فمن المؤكد، لو أنه لا يزال بيننا حيا الآن، أن يكون له فى هذا الأمر، الذى تقع فيه لندن والقاهرة وتل أبيب على خط واحد، توجيه آخر. أما أنا فلست، فى أقصى مداى، سوى ناقد أدبى، وإلى حد ما مفكر إسلامى إن سمح نقاد الأدب ومفكرو الإسلام بأن يتنازلوا فيفسحوا مكانا لى بينهم. أى أنى رجل على قد حاله. وهنا تدرك شهرزاد الصباح فتسكت عن الكلام المباح والمستباح.
رجب 1432 هجرية
__________________
إن عرفتَ أنك مُخلط ، مُخبط ، مهملٌ لحدود الله ، فأرحنا منك ؛ فبعد قليل ينكشف البهرج ، وَيَنْكَبُّ الزغلُ ، ولا يحيقُ المكرُ السيء إلا بأهلِهِ . [ الذهبي ، تذكرة الحفاظ 1 / 4 ].
قال من قد سلف : ( لا ترد على أحد جواباً حتى تفهم كلامه ، فإن ذلك يصرفك عن جواب كلامه إلى غيره ، و يؤكد الجهل عليك ، و لكن افهم عنه ، فإذا فهمته فأجبه ولا تعجل بالجواب قبل الاستفهام ، ولا تستح أن تستفهم إذا لم تفهم فإن الجواب قبل الفهم حُمُق ) . [ جامع بيان العلم و فضله 1/148 ].
مسيو إيهاب 30-08-2011, 03:44 AM :: علاء الأسواني نزل بحر التاريخ ... وهو لا يجيد السباحة ::
عاتبني أحد القراء قائلا "ما دمت تكتب عن أهمية الحوار الفكري الهادئ بين الإسلاميين والعلمانيين وتضرب أمثلة عن تجارب ناجحة وأخرى فاشلة من تاريخنا القديم والحديث، فلماذا لا تضرب مثالا من واقعنا الحالي ؟ ها هو علاء الأسواني يكتب عن التاريخ الإسلامي ويقدم صورة شديدة السواد لهذا التاريخ، لماذا لا تناقشه ؟؟". رأيت عتاب القارئ منطقيا فلم أتردد وقلت له "لبيك".
قرأت المقال الذي أشار إليه القارئ فازدادت قناعتي بضرورة مناقشته. كتب الأستاذ الأديب الدكتور علاء الأسواني مقالا بعنوان (هل نحارب طواحين الهواء..؟!) ونشره في جريدة المصري اليوم في 31 مايو 2011 وملخص مقاله ثلاثة أمور:
1. الإسلام قدم فعلاً حضارة عظيمة للعالم، فعلى مدى قرون نبغ المسلمون وتفوقوا في المجالات الإنسانية كلها بدءا من الفن والفلسفة وحتى الكيمياء والجبر والهندسة.
2. تاريخ الحكم الإسلامي على امتداد 1400 سنة لا وجود فيه لمبادئ أو مُثُل نبيلة، وإنما هو صراع دموي على السلطة يستباح فيه كل شىء، اللهم إلا في فترة زمنية محدودة جدا مدتها 31 سنة هي زمن الخلافة الراشدة وحتى هذه لم تخل من مظالم.
3. الذين ينادون أو يحلمون بعودة الخلافة الإسلامية نوعان من الناس: بعض المسلمين الذين لم يقرأوا التاريخ الإسلامي من أساسه، أو أنهم قرأوه وتهربوا من رؤية الحقيقة، لأن عواطفهم الدينية قد غلبت عليهم فأصبحوا بالإضافة إلى تقديس الإسلام يقدسون التاريخ الإسلامي نفسه، ويحاولون إعادة تخيله بما ليس فيه. أما الفريق الآخر من المنادين بالخلافة فهم أعضاء جماعات الإسلام السياسي الذين يلعبون على عواطف البسطاء الدينية من أجل أن يصلوا إلى السلطة بأي طريقة.
وبالإضافة لذلك فقد لطخ الأستاذ الأسواني قلمه بالخوض في اثنين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هما عثمان ومعاوية رضي الله عنهما، ولكني أؤخر الكلام عن هذا وأبدأ أولا بمناقشة المقال في نقاط محدودة معدودة حتى لا يتشعب الكلام:
1. أول ملاحظة تعجبت منها هي إلقاء الأحكام المطلقة بصورة ساذجة على حقبة تاريخية مدتها 1400 سنة، يختزلها الأستاذ الأسواني ببساطة شديدة ويصفها بأن (نظام الحكم فيها لم يكن متفقا قط مع مبادئ الدين)، 1400 سنة من الحكم الإسلامي خالفت فيها أنظمة الحكم مبادئ الدين التي يصفها الأسواني بأنها (مبادئ الإسلام الحقيقية: الحرية والعدل والمساواة). هل يتصور أحد 1400 سنة من حكم بلا حرية ولا عدل ولا مساواة ؟!. إننا نطالب حتى في عصور الانحطاط والاستبداد والقهر الحديثة أن ندقق في أحكامنا، فمثلا نقول عن فترة حكم عبد الناصر إنها لم تكن شرا كلها ولا خيرا كلها، وكذا عهد السادات وحتى عهد مبارك الذي دمر البلاد ربما لا يخلو عهده من حسنات، فكيف بألف وأربعمائة عام من الحكم الإسلامي بجرة قلم يصمها الأسواني بأنها لم تتفق أبدا مع مبادئ دين الإسلام.
2. أول أمرين ذكرهما الأسواني ضدان متناقضان ولا يمكن أن يجتمعا. وكنا نتصور في الأستاذ الأسواني الأديب الذي يعرف النفس البشرية وحركة المجتمعات أنه لا يمكن لمجتمعات سادتها الصراعات الدموية التي تستبيح كل شيء وتخلو من الحرية والعدل والمساواة، لا يمكن أن تنتج حضارة عظيمة في العلوم والفنون والآداب. العكس هو الصحيح أن إنتاج تلك الحضارة العظيمة الراقية التي افتخر بها الأسواني عندما كان يدرس الأدب في إسبانيا لا يمكن أن تخرج من بلاد قد أطبق عليها الظلم والقهر والاستبداد وتستباح فيها كل الحرمات، هذا هو المستحيل بعينه. وليدلنا الأسواني على أمة من الأمم حكمت بدون الحرية والعدل والمساواة وظل حكمها مستمرا قرونا متطاولة، وأكثر من ذلك أنتجت حضارة عظيمة غيرت وجه البشرية. إن هذا ليس من طبيعة الأشياء وضد حركة التاريخ وقبل ذلك ضد سنن الله في خلقه (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد).
3. ولو تفكر الأستاذ الأسواني في عبارة أستاذه الإسباني عندما قال له (يجب أن تفخروا بما أنجزه أجدادكم من حضارة في الأندلس..) وتذكر أن سبعة قرون من الحكم الإسلامي في إسبانيا أبقت على الدين المسيحي فيها وعلى من تمسكوا به، بينما قضى الأوروبيون على كل مسلم في تلك البلاد خلال سنوات قليلة من استردادهم لحكم الأندلس ولم يبقوا على مسلم واحد في أشهر محاكم تفتيش عرفتها البشرية. الحكم الإسلامي هو نفسه الذي عامل بالسماحة وبالحرية والعدل والمساواة نصارى الأندلس فاحتفظوا بدينهم لسبعة قرون.
4. وهنا لا يمكن بطبيعة الحال أن نستعرض كل التاريخ الإسلامي، ولكن سأناقشه فقط في الفترة التي ضرب منها الأمثلة البشعة وهي فترة الحكم الأموي لتكون دليلا أقوى على غيرها من أزمنة الحكم الإسلامي.
5. بداية فإن الأمثلة التي ذكرها الأستاذ الأسواني عن الدولة الأموية أكثرها صحيح وبشع ولا يجوز لمسلم عاقل أن يدافع عنها، ولكنها جزء مقتطع من الصورة الكاملة للحكم الأموي، واقتطاعها على هذا النحو يعطي صورة مغلوطة تماما ويكون أشبه بفعل الشيعة عندما يأخذون هذه الأمثلة الصارخة ويعممونها على أهل السنة. وفي الحقيقة فإن التصور الذي يعطيه الأستاذ الأسواني لانقلاب الحال مع بداية حكم معاوية رضي الله عنه تصور عجيب ومضحك ولا يتفق أبدا مع الطبيعة البشرية. إنه يصور حال الأمة الإسلامية وقد أشرقت عليها أنوار الحرية والعدل والمساواة ثم فجأة انطفأت هذه الأنوار وأغرقت الأمة في ظلم وظلمات لمدة 1400 سنة، وهو تصور لا يستقيم أبدا. إنه يتصور أن سنة (41هـ) التي قامت فيها الدولة الأموية، وكأنها السنة التي انتهى فيها جيل الصحابة؛ الذين رباهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أو انقرض التابعون؛ الذين تتلمذوا على يد التلامذة الأول للنبي محمد صلى الله عليه وسلم. إن بعض الصحابة قد عاشوا إلى ما بعد العقد التاسع (90 هـ)، أي بعد عام الجماعة بأكثر من نصف قرن كامل. أما التابعون فقد عاش بعضهم إلى ما بعد سقوط الدولة الأموية سنة (132هـ). إن ما حدث بالضبط هو أن أسلوب انتقال الحكم قد تغير من شورى مطلقة إلى استبداد بالرأي أو إلى شورى مقيدة؛... أما نهر الحضارة الإسلامية فقد ظل يشق مجراه ... وظلت الأمة هي الأمة والمبادئ هي المبادئ. ولذلك نشر الأمويون الإسلام في أقطار الأرض ، في المغرب الأقصى والأوسط والأدنى وطرابلس وبرقة وإسبانيا والصين والهند وبلاد آسيا الوسطى وأفغانستان وغيرها، وفي عهدهم وقعت عملية التعريب ، وتم تنظيم الدواوين ، وسك العملة، وبدأت العلوم العربية والإسلامية تكتمل صورها وتنحت معارف جديدة للبشرية.
6. استشهد هنا بمؤرخ غربي من كبار الدارسين للتاريخ الإنساني كله لعل شهادته تكون أكثر قبولا لدى المدرسة العلمانية التي تتعسف مع تاريخنا. يقول المؤرخ الأمريكي الأشهر ويل ديورانت (1885-1981م) في موسوعته الشهيرة (قصة الحضارة)، في المجلد الخامس:
(يجب علينا ألا نظلم معاوية. لقد استحوذ على السلطة في بادئ الأمر حين عينه الخليفة الفاضل النزيه "عمر بن الخطاب" والياً على الشام، ثم بتزعمه الثورة التي أوقد نارها مقتل عثمان، ثم بما دبره من الدسائس البارعة التي أغنته عن الالتجاء إلى القوة إلا في ظروف جد نادرة، ومن أقواله في هذا المعنى "لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت" قيل: وكيف يا أمير المؤمنين؟ قال: "إذا مدوها خليتها وإن خلوها مددته". ولقد كان طريقه إلى السلطة أقل تخضباً بالدماء من طرق معظم من أسسوا أسراً حاكمة جديدة. وكان يجلس للناس خمس مرات في اليوم، وقد استؤنفت الفتوحات الإسلامية في عهده بعد توقف، وكان يسمع المدح في منافسه في مجلسه؛ بل ويسمع بفضله عليه ولا يعاقب على ذلك (وهي صورة من أعلى مظاهر حرية الرأي والتعبير)...
وجاء بعد ابنه يزيد فحكم لثلاث سنوات امتلأت بالفتن والاقتتال الداخلي وأعقب موت يزيد سنتان سادت فيهما الفوضى وتولى الخلافة فيها ثلاثة من الخلفاء جاء بعدهم عبد الملك بن مروان ابن عم معاوية فقضى على هذا الاضطراب وأخمد الفتنة بشجاعة وقسوة، فلما استتب له الأمر حكم البلاد بكثير من الرأفة، والحكمة والعدالة (وكانت مدة حكمه 20 سنة). وسار عبد الملك بن مروان على خطى معاوية، وحاول أن يطبق سياسته الداخلية في الجلوس للناس، وكان من فقهاء المدينة المعروفين، وقد احتج مالك في الموطأ بعمل عبد الملك، وكان من فاتحي إفريقية قبل الخلافة، وقد استقرت قواعد الدولة في عهده، وظهر طابعها العربي واستقلالها الحضاري.
أما ابنه الوليد الأول ففي عهده واصل العرب فتوحاتهم فاستولوا على بلخ في عام (86هـ ـ 705م) ، أما الوليد نفسه فكان مثلاً طيباً للحكام، يعني بشئون الإدارة أكثر من عنايته بالحرب، ويشجع الصناعة والتجارة؛ بفتح الأسواق الجديدة ، وإصلاح الطرق، وينشئ المدارس والمستشفيات ـ ومنها أول مستشفى معروف للأمراض المعدية ـ وملاجئ للشيوخ، والعجزة، والمكفوفين، ويوسع مساجد مكة والمدينة وبيت القدس، ويجملها، وينشئ في دمشق مسجداً أعظم من هذه المساجد وأفخم، ولا يزال باقياً فيها حتى اليوم.
وتولى عمر بن عبد العزيز الخلافة لأقل من ثلاث سنوات (99 /101هـ ـ717 / 719م) أعاد سيرة الراشدين، .. وجعل حياته كلها وقفاً على إحياء شعائر الدين ونشره فتقشف في لباسه، وارتدى الثياب المرقعة حتى لم يكن أحد يظن أنه هو خليفة المسلمين، وأمر زوجته بأن ترد إلى بيت المال ما أهداه إليها والدها من الحلي النفيسة فُصدعت بالأمر، وقرب إليه أتقى العلماء في الدولة وأتخذهم له أعواناً ومستشارين. وعقد الصلح مع الدول الأجنبية، وأمر برفع الحصار عن القسطنطينية وعودة الجيش الذي كان يحاصرها، واستدعى الحاميات التي كانت قائمة في المدن الإسلامية المعادية لحكم الأمويين. وبينما كان أسلافه من خلفاء الأمويين لا يشجعون غير المسلمين في بلاد الدولة على اعتناق الإسلام، حتى لا تقل الضرائب المفروضة عليهم، فإن عمر قد شجع المسيحيين، واليهود، والزرادشتيين على اعتناقه، ولما شكا إليه عماله القائمون على شؤون المال من هذه السياسة ستفقر بيت المال أجابهم بقولهِ "والله لوددت أن الناس كلهم أسلموا حتى نكون أنا وأنت حراثين نأكل من كسب أيدينا".
وحكم هشام بن عبد الملك الدولة تسعة عشر عاماً (106 – 125 هـ ، 724-743 م) حكماً عادلاً ساد فيه السلم، وأصلح خلاله الشئون الإدارية، وخفض الضرائب، وترك ـ بعد وفاته ـ بيت المال مليئاً بالأموال.
لقد استمرت الدولة الأموية مائة عام، وهؤلاء ـ كما نرى ـ (معاوية ، وعبد الملك ، والوليد، وعمر ، وهشام) خمسة من خلفاء بني أمية، حكموا بنحو ثلاثة أرباع عمر الدولة، وقدموا خدمات كثيرة للحضارة الإسلامية، باعتراف مؤرخ غربي كبير، يحاول أن يقترب من الإنصاف، وذلك ضمن رصد شامل للحضارة الإنسانية.
7. هذا فقط عن فترة الدولة الأموية التي اقتطع منها الأسواني أمثلة صارخة على الظلم وتعمد التغافل عن الصورة بكاملها، وهذا اقتطاع غير أمين وفيه تلبيس على قرائه. إننا لو تصورنا تاريخ الحكم الإسلامي حضاريا من 1400 صفحة، سنجد منها 1300 صفحة بيضاء ناصعة وحوالي 100 صفحة سوداء مظلمة، فإذا بالأسواني يمعن النظر في هذه الصفحات السوداء ويركز عليها ويتغافل عن باقي الكتاب، ثم لا يكتفي بهذا فيزعم أن الكتاب كله أسود مخالف لمبادئ الدين إلا نحو ثلاثين صفحة فقط، وحتى هذه الورقات القليلة لم تسلم من الظلم، وكلام الأسواني هو عين الظلم.
8. وكنت أريد أن أكتفي بهذا، ولكن أزعجني أيضا أنه قفز على فترة الحكم العباسي واقتبس مقولة عن الخليفة أبي جعفر المنصور أنه قال (أيها الناس لقد أصبحنا لكم قادة وعنكم ذادة (حماة) نحكمكم بحق الله الذي أولانا وسلطانه الذي أعطانا، وأنا خليفة الله في أرضه وحارسه على ماله..). لو ثبت أن المنصور قائل هذه العبارة فقد أخطأ وقد منع جمهور الفقهاء أن يقال "خليفة الله" ونسبوا قائل ذلك إلى الفجور لأن الاستخلاف لا يكون إلا في حالة الموت أو الغيبة والله تعالى منزه عن ذلك. وبالمناسبة فإن حديث (السلطان ظل الله في أرضه، من نصحه هدي ، ومن غشه ضل) لا يصح وحديث موضوع، حكم بوضعه الشوكاني والألباني وغيرهما.
ولقد اجتهدت أن أجد أصل العبارة المنسوبة للمنصور دون جدوى، ولكن وجدت عبارة قريبة منها نقلها ابن كثير في البداية والنهاية عن إسماعيل الفهري قال (سمعت المنصور على منبر عرفة يوم عرفة يقول: أيها الناس ، إنما أنا سلطان الله في أرضه ، أسوسكم بتوفيقه ورشده ، وخازنه على ماله ، أقسمه بإرادته ، وأعطيه بإذنه ، وقد جعلني الله عليه قفلا ، إذا شاء أن يفتحني لإعطائكم وقسم أرزاقكم فتحني ، وإذا شاء أن يقفلني عليه أقفلني ، فارغبوا إلى الله أيها الناس ، وسلوه - في هذا اليوم الشريف الذي وهب لكم فيه من فضله ما أعلمكم به في كتابه ، إذ يقول : اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا. أن يوفقني للصواب ، ويسددني للرشاد ، ويلهمني الرأفة بكم ، والإحسان إليكم ، ويفتحني لإعطائكم ، وقسم أرزاقكم بالعدل عليكم ، فإنه سميع مجيب) . وهذه الألفاظ أقرب في شرح مقصوده، وقد قال الإمام الغزالي في الإحياء (فالدِّين أصل والسلطان حارس، وما لا أصل له فمهدوم، وما لا حارس له فضائع، ولا يتم المُلك والضبط إلا بالسلطان، وطريق الضبط في فصل الحكومات بالفقه).
9. وهنا أحيل مرة أخرى إلى نفس المصدر الغربي الذي بطبيعة الحال لا يجامل المسلمين، لنرى كيف يصفون أبا جعفر المنصور. يقول ويل ديورانت في ترجمة المنصور –المجلد الخامس ص 4518 – ما نصه (... وكان الخليفة الجديد في سن الأربعين، طويل القامة، نحيف الجسم، ملتحياً، أسمر البشرة، شديداً في معاملاته. ولم يكن أسيرا لجمال النساء أو مدمنا للخمر أو مولعاً بالغناء. ولكنه كان يناصر الآداب، والعلوم، والفنون، ويمتاز بعظيم قدرته، وحزمه، وشدة بطشه، وبفضل هذه الصفات ثبت دعائم أسرة حاكمة لولاه لماتت بموت السفاح. وقد وجه جهوده لتنظيم الأداة الحكومية، وبنى مدينة فخمة هي مدينة بغداد واتخذها عاصمة للدولة، وأعاد تنظيم الحكومة والجيش في صورتيهما اللتين احتفظا بهما إلى آخر أيام الدولة. وكان يشرف بنفسه على كل إدارة في دولاب الحكومة، وعلى جميع أعمال هذه الإدارات، وأرغم الموظفين المرتشين الفاسدين - ومنهم أخوه نفسه - على أن يردوا إلى بيت المال ما ابتزوه من أموال الدولة. وكان يراعي جانب الاقتصاد بل قل الحرص الشديد في إنفاق الأموال العامة، حتى نفر منه الأصدقاء، وأطلق عليه لشحه لقب "أبي الدوانق". وقد أنشأ في بداية حكمه نظام الوزارة الذي أخذه عن الفرس، وكان له شأن عظيم في تاريخ العباسيين. وكان أول من شغل منصب الوزير في عهده خالد ابن برمك. وقد اضطلع بواجب خطير في حكم الدولة، وكان له شأن فيما وقع في أيام الدولة العباسية من أحداث جسام. وعمل المنصور وخالد على إيجاد النظام والرخاء اللذين جنى ثمارهما هارون الرشيد.
ومات المنصور بعد أن حكم البلاد حكماً صالحاً دام اثنتين وعشرين سنة وكان موته وهو في طريقه إلى مكة لأداء فريضة الحج. ولم يكن في وسع ابنه المهدي (775-785) إلا أن يسلك في حكمه سبيل الخير. وقد شمل عفوه جميع المذنبين إلا أشدهم خطراً على الدولة.) اهـ.
قارن هذه السيرة بقلم مؤرخ غربي لخليفة حكم الأمة لاثنتي وعشرين سنة بذلك الاقتباس الذي أورده الأسواني لترى تعمد التشويه والتضليل.
10. الأمر الثالث الذي تعرض له الأستاذ الأسواني في مقاله كان سخريته واستخفافه بالذين ينادون أو يحلمون بعودة الخلافة الإسلامية وجعلهم نوعين من الناس: إما جاهل غافل أو سياسي مراوغ يريد الوصول إلى السلطة بأي طريقة. يصعب مناقشة رأي يساق بهذا الاستخفاف، وعلى أي حال فالخلافة الإسلامية حقيقة ظلت قائمة لأربعة عشر قرنا تقريبا وانتابتها فترات قوة وضعف لكنها ظلت دائما رمزا لوحدة المسلمين مع بقاء معظم أقطار المسلمين في غالب الأحيان بأنظمة حكم وإدارة تناسب ظروفها وبيئاتها. وهل يرفض أحد فكرة وحدة الأقطار الإسلامية حتى لو كانت حلما في ظروفنا الراهنة ؟. إننا نشهد الخطوات المتلاحقة في بنية الاتحاد الأوروبي المثير للإعجاب ونرى أحد قادته وهو الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي يرفض رفضا باتا انضمام تركيا لهذا "النادي المسيحي" ويقول بصراحة وصرامة (إنني لا أستطيع اعتبار دولة غالبية سكانها مسلمون دولةً أوروبية حتى وإن كانت تتبنى النظام العلماني الديمقراطي).
11. بقي كلام الأسواني وتعريضه باثنين من الصحابة الكرام هما عثمان ومعاوية رضي الله عنهما، وهو أمر مؤسف للغاية، وواضح أن الرجل ليس لديه أدنى دراية عما ينبغي مراعاته عند تناول أخطاء الصحابة. وبداية ننبه على أن الصحابة ليسوا معصومين من الأخطاء بل وقع منهم أشياء وهنات ولكنهم أفضل البشر بعد الأنبياء وتزكيتهم من عند الله تعالى مباشرة فقد رضي عنهم ورضوا عنه. ولذلك فإن أكثر الراسخين من أهل العلم أمسكوا عن الخوض في أخطاء الصحابة تقديرا لمقامهم وقدرهم، وتكلم فيها البعض من باب التعليم والاحتراز من تقليدهم في تلك الأخطاء منهم الحسن البصري وشيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ الذهبي ، وكانوا إذا أرادوا ذكر شيء من ذلك قدموا له بالتنبيه على مكانة الصحب الكرام وأن سيئاتهم القليلة تتلاشى مع بحار حسناتهم وجهدهم وتضحياتهم من أجل دين الله. هذا كله فيما يخص كبار أهل العلم، أما من دونهم علما وفقها فلا يجوز لهم التعرض لهذا الباب أصلا، ولو فعلوا فمثلهم كمثل تلميذ صغير في الروضة يريد أن يناقش أخطاء علماء في الفيزياء مثلا حاصلين على جائزة نوبل، هل يُقبل هذا من التلميذ الصغير ؟ وهل يقبل أن يقال من باب حرية الرأي أن نسمع للتلميذ الصغير رأيه في أخطاء هؤلاء الكبار ؟ هذا هو عين العبث. إن المسافة بين كاتبنا الأسواني وأصحاب رسول الله أكبر وأعمق وأبعد من تلك التي بين ذلك التلميذ الصغير والحاصلين على نوبل.
12. إن التعريض بسلفنا الصالح ليس مجرد مسألة تاريخية وإنما هدفه أبعد من ذلك، إنه يُسقط مكانة ذلك الجيل الرفيع الذي اختاره الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وليكون جسرا ينتقل عليه الإسلام لمشارق الأرض ومغاربها، وإن معرفة مقامهم ومكانتهم يظل حافزا للمسلمين دوما للنهضة والتقدم. يقول الأستاذ محمد قطب في كتابه "كيف نكتب التاريخ الإسلامي - ص 88" (.. وهذه الأمة ـ أو قل بالتحديد قرونها المفضلة الأولى ـ قامت بتطبيق مثالي لهذا الدين في عالم الواقع ، فارتفعت إلى عالم المثال ـ مع بشريتها الكاملة ـ وأثبتت في الوقت ذاته واقعية هذا الدين ، وقابليته للتطبيق في عالم الواقع . وتلك هي القيمة الحقيقة لهذه الفترة من التاريخ .
إن هذه الأجيال الأولى ـ وخاصة الجيل الأول الفريد ـ قد لا يتكرر مرة أخرى في واقع الأرض . ولكنها تبقى مع ذلك رصيدا واقعيا لهذه الأمة في جميع أجيالها ، يحفزها على محاولة العودة إلى تطبيق الإسلام . وهذه المحاولة ذاتها عمل إيجابي مثمر ، ولو لم يصل إلى كل النتيجة المطلوبة .
تصور إنسانا عند سفح جبل ، يعلم يقينا إن هناك من صعد هذا الجبل إلى قمته ، فهو يحاول أن يصعد مثله ، وقد يصل إلى منتصفه وقد يصل إلى ربعه ، وقد يفلس جهده بعد أن يرقى بضع درجات ...
وتصور إنسانا آخر وقف على سفح جبل يتطلع إلى قمته وهو يقول في نفسه : إن هذا مستحيل مستحيل أن يفكر إنسان في صعود هذا الجبل الشاهق ، فلنكف عن التطلع ، ولنرض بالبقاء في السفح أيهما أنفع للبشرية ؟ وأيهما أفضل في ذات نفسه؟.
ثم .. أي دور يؤده ذلك الذي صعد إلى القمة أول مرة ، في حياة كل الذين يجيئون بعده ، ويحاولون أن يصعدوا مثله ، ولو وصلوا إلى المنتصف ، ولو إلى ربع الطريق .. ولو أفلس جهدهم بعد رقي بعض الدرجات ؟
إنه دور ضخم في عالم الواقع ..
ولهذا نحتفي حفاوة بالغة بذلك الجيل الفريد ، وبتلك القرون المفضلة ،لأنها المدد الحي الذي يدفع الأجيال كلها إلى محاولة الصعود ، بدلا من أن تتنتكس إلى أسفل ، وتخلد إلى الأرض عند السفح وربما كان هذا هو السبب الذي يجعل المستشرقين يجهدون أنفسهم لمحاولة تشويه تلك الفترة بالذات ، لعلهم يطفئون بريقها ، ويحجبون نورها عن الأجيال المتأخرة لكي لا تفكر أبدا في معاودة الصعود من جديد). اهـ.
لقد قرأت مقالا آخر لكاتب علماني مشهور أيضا هو الأستاذ جهاد الخازن في جريدة الحياة قبل مقال الأسواني بثلاثة أيام فقط، كتب عن نفس الموضوع وبنفس الروح والاختلاف الوحيد أن الأسواني استثنى من الـ 1432 عاما 31 فقط التي رضي عنها، أما الخازن فلم يعجبه إلا سنتين فقط لا غير هما فترة خلافة أبي بكر رضي الله عنه !. لكن الخازن رجع في اليوم التالي مباشرة واعتذر واعترف بخطأه وندم على ما فعل وسحب مقالته وقال في اليوم التالي تحت عنوان : أسحب مقالتي... وأعتذر (أثار مقالي يوم الاثنين الماضي عن الخلافة في الإسلام عاصفة من النقد لم تهدأ بعد، ولن أركب رأسي وأقول إنني مصيب والناس على خطأ، بل أقول إنني أخطأت وأسحب المقال، وأرجو من القراء أن يعتبروا انه لم ينشر، لأنني سأخرجه من مجموعة مقالاتي وأتلفه.
هذه أول مرة في حياتي أسحب مقالاً، بل إنني قبل مقال الاثنين لم أسحب سطراً واحداً في مقال أو أعتذر عنه، فأنا حذر جداً، إلا أن الحذِر يؤتى من مكمنه، والمقال كُتب الأحد، وهو يوم إجازة في لندن، وليس عندي الباحثون الذين أعتمد عليهم عادة في مراجعة المادة والتحقق من صحة النقل).
هل قرأ الأسواني مقال الخازن وقرأ تراجعه فأراد أن يكون أكثر جرأة منه على تشويه تاريخنا والعبث به؟ أم تراه كتب ما كتب بسوء فهم أو قلة علم أو بكليهما؟. لقد لمست في بعض عباراته عاطفة إسلامية أرجو ألا تسلمه إلا إلى خير وأن تدفعه للتراجع عن مقاله الذي لا يعلم إلا الله وحده كم صد شبابا عن دين الإسلام وكم أثار في أذهانهم الغضة من شبه باطلة.
إن أزمة الأسواني الفكرية أنه وقف أمام صفحات سوداء من تاريخنا وجعلها حصريا مصدر تفكيره منها يبدأ وإليها ينتهي، ولو جعل تلك الصفحات موضع تفكيره (وليس مصدر تفكيره) لزال الغبش عن فكره والغشاوة عن بصره.
كتبه
د. محمد هشام راغب
المصريون
د ابراهيم عوض يفضح جهالات علاء الأسوانى
دون كيشوت الأسوانى .. وطواحين الخلافة !
د. إبراهيم عوض
..
كتب د. علاء الأسوانى، فى جريدة “المصرى اليوم” بتاريخ 31 مايو 2011م، مقالا عنوانه: “هل نحارب طواحين الهواء؟” سخر فيه ممن يحنّون إلى إقامة نظام الخلافة الإسلامية وقسمهم إلى فريقين: واضعا فريقا منهم فى خانة السذاجة السياسية وغلبة العاطفة الدينية على تفكيرهم، والفريق الآخر فى خانة المكر والرغبة فى استغفال الجماهير واستغلال الدين بغية الوصول إلى كرسى الحكم، ومتهما حكام الإسلام كلهم على بكرة أبيهم تقريبا منذ قيام الخلافة فى عهد الصديق حتى آخر خليفة عثمانى فى منتصف عشرينات القرن العشرين بأنهم كانوا مستبدين جبارين دمويين لا يخشَوْن شيئا أو أحدا ولا يراعون أى مبدإ خلقى فى حكمهم ولا فى الطريقة التى يصلون بها إلى دَسْت السلطة.
وقد بدأ الأسوانى مقاله قائلا: “لقد عاش المسلمون أزهى عصورهم وحكموا العالم وأبدعوا حضارتهم العظيمة عندما كانوا يعيشون فى ظل الخلافة الإسلامية التى تحكم بشريعة الله. فى العصر الحديث نجح الاستعمار فى إسقاط الخلافة وتلويث عقول المسلمين بالأفكار الغربية، عندئذ تدهورت أحوالهم وتعرضوا إلى الضعف والتخلف. الحل الوحيد لنهضة المسلمين هو استعادة الخلافة الإسلامية”. ثم عقَّب قائلا إنه كثيرا ما استمع إلى هذه الجملة من بعض خطباء المساجد وأعضاء الجماعات الإسلامية. وبما أن كثيرين فى مصر والعالم العربى يؤمنون بصحة هذه المقولة فإنه يرى من الواجب مناقشتها وتفنيدها، وهو ما سخر له المقال كله.
ولسوف أسارع إلى القول بأن تفنيد الأسوانى لتلك المقالة هو تفنيد متهافت. ذلك أنه لا يشكك البتة فى أن الحضارة الإسلامية حضارة عظيمة، بل يؤكد تأكيدا شديدا أن الإسلام قد أبدع فعلا حضارة عظيمة ما فى ذلك أدنى ريب. وإذن هل يمكنه الزعم بأن المسلمين كانوا يُحْكَمون بغير شريعة الإسلام؟ فما تلك الشريعة يا ترى؟ أهى شريعة النصارى؟. أهى شريعة اليهود؟ أهى شريعة الهندوس؟ أهى شريعة البوذيين؟ أهى شريعة المجوس؟ فليقل لنا بأية شريعة كان المسلمون يُحْكَمون؟ لقد كانوا يحكمون بشريعة الإسلام بطبيعة الحال، وإن رغمت أنوف! باستطاعته هو أو سواه أن يقول إن الحكام لم يكونوا دائما يلتزمون التطبيق المخلص لتلك الشريعة، فأقول له: لقد صدقت. أما أن يقال إنهم لم يكونوا يحكمون بشريعة الله فهذا جهل غليظ بالتاريخ وبالإسلام وبالمسلمين.
وهذا كلامه نصا: “الحقيقة أن الإسلام قدم فعلاً حضارة عظيمة للعالم، فعلى مدى قرون نبغ المسلمون وتفوقوا فى المجالات الإنسانية كلها بدءا من الفن والفلسفة وحتى الكيمياء والجبر والهندسة. أذكر أننى كنت أدرس الأدب الإسبانى فى مدريد، وكان الأستاذ يدرسنا تاريخ الأندلس، وفى بداية المحاضرة عرف أن هناك ثلاثة طلبة عرب فى الفصل فابتسم وقال لنا: “يجب أن تفخروا بما أنجزه أجدادكم من حضارة فى الأندلس”. الجزء الأول من الجملة عن عظمة الحضارة الإسلامية صحيح تماما. المشكلة فى الجزء الثانى. هل كانت الدول الإسلامية المتعاقبة تطبق مبادئ الإسلام سواء فى طريقة توليها الحكم أو تداولها السلطة أو معاملتها للرعية؟”.
هذا ما قاله. لكن هل كان من الممكن أن ينجز المسلمون تلك الحضارة التى يقر هو نفسه أنها حضارة عظيمة بناءً على شهادة الأستاذ الأسبانى (وإلا ما قالها، بل ربما لم يعرف بها) لو كان الحكم بهذا السوء البشع الذى يريد إيهامنا به، فضلا عن أن تستمر تلك الحضارة قرونا طوالا تكون فيها الدولة قوية مهيبة تخشاها دول العالم، وعلى رأسها الدول الأوربية التى تضرب المسلمين اليوم بالأحذية دون أن يجرؤ أى حاكم من حكامها تقريبا أن يقول لهم: “بِمْ” معتمدة، ضمن ما تعتمد، على طابور من العملاء الأنجاس الأرجاس فى جميع المجالات نظيرَ عَرَضٍ من الدنيا قليل من مال أو دعوة إلى هذا المؤتمر أو ذاك أو تلميع إعلامى لمن لا يستحقون فى الواقع أن يكونوا ماسحى جِزَم فى أى مُقْهًى من مقاهى الثقافة؟ وتنتهج الدوائر الغربية أسلوبا مريبا مع هؤلاء الشداة لم ينتهجوه مع العمالقة أمثال العقاد، إذ ما إن يكتب أى هلفوت من هلافيتنا رواية إلا ويترجمونها له فى الحال إلى عدد من اللغات الأوربية، على حين أنى لا أعرف أنهم ترجموا للعقاد مثلا روايته: “سارة”، وهى رواية تصمد للمقارنة مع أية رواية لفطاحل الأدباء الغربيين إن لم تتفوق على كثير من إنتاجهم. وكلُّ ما سمعتُه عن ترجمتها ما أخبرَناه مدرس اللغة الإنجليزية فى مدرسة الأحمدية الثانوية الأستاذ الأديب محمد حلمى محمود فى منتصف ستينات القرن المنصرم من أنه ترجمها إلى الإنجليزية ثم عرض عمله على أنيس منصور، فأثنى عليه، وإن كنت لا أدرى هل ظهرت تلك الترجمة أو لا.
كذلك يذكّرنى قوله إنه كثيرا ما سمع هذه المقالة من خطباء الجمعة بسارد أحداث روايته: “عمارة يعقوبيان”، التى تتفنن فى وَصْف اللواط وَصْف العليم الخبير بناء على ما لاحظه القراء والنقاد. وسر تذكيره لى بسارد “عمارة يعقوبيان” هو قول ذلك السارد إن المصلين كانوا يقاطعون خطيب الجمعة فى المسجد فيهتفون بصوت يهز أرجاء المكان وينشدون الأناشيد المجلجلة، فى الوقت الذى تنطلق من مقصورة النساء عشرات الزغاريد. وهو كلام يدل على أن صاحبه لا يعرف شيئا عن المساجد، ولا عن خطبة الجمعة، فكأنه غير مسلم، إذ لا أحد من المصلين يقاطع الخطيب أو يهتف أثناء الخطبة، لأننا لسنا فى هايد بارك كورنر.
ولكى يكون القارئ معى على الخط أذكر له أن الخطيب المشار إليه فى الرواية قد ردد الكلام الذى يؤكد الأسوانى فى مقاله هذا أنه كثيرا ما سمعه من خطباء المساجد يوم الجمعة (ص134 وما بعدها من “عمارة يعقوبيان”/ مكتبة مدبولى). فإذا كان الأسوانى الذى يزعم أنه سمع هذا الكلام من خطباء الجمعة هو ذاته الذى ادعى على لسان السارد فى “عمارة يعقوبيان” أن المصلين كانوا يقاطعون الخطيب فيهتفون الهتافات المجلجِلَة، ويكبّرون وينشدون الأناشيد التى ترج المسجد رجًّا فى الوقت الذى تنطلق فيه عشرات الزغاريد من مقصورة النساء (ص136- 137) فلا ريب أن لى كل الحق فى ارتيابى أن يكون قد سمع هذا الكلام أصلا من الخطباء.
أرأيتم، أيها القراء، المصلين يهتفون ويكبرون وينشدون الأناشيد أثناء خطبة الجمعة؟ ذلك أننا نحن المسلمين نعرف أن الكلام أثناء الخطبة لا يجوز دينا، وأنه “إذا قلتَ لصاحبك والإمام يخطب يوم الجمعة: “أَنْصِتْ” فقد لَغَوْتَ. ومَنْ لَغَا فلا جمعة له”. أم تراكم سمعتم أن مسجدا قد ارتجت جنباته أثناء خطبة الجمعة من الهتاف والتكبير؟ أرأيتم مصليات فى المسجد يطلقن الزغاريد؟ الحمد لله أنه لم يقل إن الرجال كانوا يطبلون ويزمرون، والنساء يدققن الصناجات ويرقصن رقصا شرقيا على سنة ولية الله الصالحة بمبة كشر. واضح أن قائل هذا الكلام لا يعرف شيئا عن المساجد ولا عن خطبة الجمعة. ولو أنه أتى من بلاد الإسكيمو من آخر الدنيا لما قال هذا السخف الماسخ. أرجو أن يكون قد تبين لكم الآن أن لى كل الحق فى التشكك فى أن يكون الأسوانى قد سمع ما قاله من خطباء الجمعة؟
ويقول د. الأسوانى أيضا فى ذلك المقال: “الحقيقة أن الإسلام قدم فعلاً حضارة عظيمة للعالم، فعلى مدى قرون نبغ المسلمون وتفوقوا فى المجالات الإنسانية كلها بدءا من الفن والفلسفة وحتى الكيمياء والجبر والهندسة. أذكر أننى كنت أدرس الأدب الإسبانى فى مدريد، وكان الأستاذ يدرّسنا تاريخ الأندلس، وفى بداية المحاضرة عرف أن هناك ثلاثة طلبة عرب فى الفصل فابتسم وقال لنا: “يجب أن تفخروا بما أنجزه أجدادكم من حضارة فى الأندلس”.الجزء الأول من الجملة عن عظمة الحضارة الإسلامية صحيح تماما. المشكلة فى الجزء الثانى. هل كانت الدول الإسلامية المتعاقبة تطبق مبادئ الإسلام سواء فى طريقة توليها الحكم أو تداولها السلطة أو معاملتها للرعية؟ إن قراءة التاريخ الإسلامى تحمل لنا إجابة مختلفة. فبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعرف العالم الإسلامى الحكم الرشيد العادل إلا لمدة ٣١ عاما هى مجموع فترات حكم الخلفاء الراشدين الأربعة: أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلى بن أبى طالب، الذين حكموا جميعا لمدة ٢٩ عاما (١١هـ- ٤٠هـ)، ثم الخليفة الأموى عمر بن عبدالعزيز الذى حكم لفترة عامين (٩٩هـ- ١٠١هـ). ٣١ عاما فقط من ١٤ قرنا من الزمان، كان الحكم خلالها عادلاً رشيدًا نقيًّا متوافقا مع مبادئ الإسلام الحقيقية. أما بقية التاريخ الإسلامى فإن نظام الحكم فيه لم يكن متفقا قط مع مبادئ الدين.
حتى خلال الـ٣١ عاما الأفضل حدثت مخالفات من الخليفة عثمان بن عفان، الذى لم يعدل بين المسلمين وآثر أقاربه بالمناصب والعطايا، فثار عليه الناس وقتلوه، ولم يكتفوا بذلك بل هاجموا جنازته وأخرجوا جثته واعتدوا عليها حتى تهشم أحد أضلاعه وهو ميت. ثم جاءت الفتنة الكبرى التى قسمت المسلمين إلى ثلاث فرق: أهل سنة وشيعة وخوارج، وانتهت بمقتل على بن أبى طالب، وهو من أعظم المسلمين وأفقههم وأقربهم للرسول صلى الله عليه وسلم، على يد أحد الخوارج، وهو عبد الرحمن بن ملجم. ثم أقام معاوية بن سفيان حكما استبداديا دمويا أخذ فيه البيعة من الناس كرها لابنه يزيد من بعده ليقضى إلى الأبد على حق المسلمين فى اختيار من يحكمهم ويحيل الحكم من وظيفة لإقامة العدل إلى مُلْكٍ عضوض (يُعَضّ عليه بالنواجذ). والقارئ لتاريخ الدولة الأموية ستفاجئه حقيقة أن الأمويين لم يتورعوا عن ارتكاب أبشع الجرائم من أجل المحافظة على الحكم، فقد هاجم الأمويون المدينة المنورة وقتلوا كثيرا من أهلها لإخضاعهم فى موقعة الـحَرَّة. بل إن الخليفة عبدالملك بن مروان أرسل جيشا بقيادة الحجاج بن يوسف لإخضاع عبدالله بن الزبير، الذى تمرد على الحكم الأموى، واعتصم فى المسجد الحرام. ولقد حاصر الحجاج مكة بجيشه وضرب الكعبة بالمنجنيق حتى تهدمت بعض أركانها، ثم اقتحم المسجد الحرام وقتل عبدالله بن الزبير داخله. كل شىء إذن مباح من أجل المحافظة على السلطة، حتى الاعتداء على الكعبة، أقدس مكان فى الإسلام.
وإذا انتقلنا إلى الدولة العباسية ستطالعنا صفحة جديدة من المجازر التى استولى بها العباسيون على السلطة وحافظوا عليها. فقد تعقب العباسيون الأمويين وقتلوهم جميعا بلا ذنب ولا محاكمة ونبشوا قبور الخلفاء الأمويين وعبثوا بجثثهم انتقاما منهم. الخليفة العباسى الثانى أبوجعفر المنصور قتل عمه عبد الله خوفا من أن ينازعه فى الحكم، ثم انقلب على أبى مسلم الخرسانى، الذى كان سببا فى إقامة الدولة العباسية، فقتله. أما أول الخلفاء العباسيين فهو أبو العباس السفاح الذى سُمِّىَ بـ”السفاح” لكثرة من قتلهم من الناس. وله قصة شهيرة جمع فيها من تبقى من الأمراء الأمويين وأمر بذبحهم أمام عينيه ثم غطى جثثهم ببساط ودعا بطعام وأخذ يأكل ويشرب بينما لا يزالون يتحركون فى النزع الأخير، ثم قال: والله ما أكلت أشهى من هذه الأكلة قط”.
والآن إلى مناقشة بعض ما كتبه د. الأسوانى فى الفقرة السابقة: لقد تهور زاعمًا أنه “باستثناء بضعة ملوك اشتهروا بالورع… كان معظم الملوك الأمويين والعباسيين يشربون الخمر مع ندمائهم على الملأ كل ليلة”. ياه؟ “معظمهم” حتة واحدة؟ وكل ليلة؟ وعلى الملإ أيضا؟ أتعرف بالله عليك، يا د. علاء، معنى عبارة “على الملإ” حين نستخدمها الآن؟ معناها أنهم كانوا يشربونها أمام الناس جميعا. فحتى لو كانوا يشربون الخمر كما تزعم فهل كانوا يتجاهرون بشربها على مرأى ومسمع من جماهير البشر؟ يا رجل، إنها ليست رواية فى اللواط، بل تاريخا يا رجل، أَىْ منطقة بعيدة عما تخصصت فيه روايتاك وبرعتا، ومن ثم لا تستطيع أن تسد فيها مسدًّا.
كان طه حسين أشطر! لكنْ وقف له بالمرصاد فطاحلُ العلماء من أمثال رفيق العظم رحمه الله فأعادوه إلى الجحر الذى خرج منه حين زعم أن القرن الثالث الهجرى كان عصر شك ومجون وإلحاد، اعتمادا منه على كتاب “الأغانى”، الذى تعتمد أنت عليه (سماعا لا قراءة حسبما أتصور) فى قول ما تقوله عن تاريخ المسلمين السياسى وأخلاق حكامهم، وهو كتاب أدبى ألفه صاحبه لإمتاع القراء وتسليتهم بكل سبيل، ولم ينتهج فيه نهج التحقيق والتدقيق على ما هو بَيِّنٌ لمن يقرأ الكتاب، إذ يجده ممتعا فى أسلوبه العجيب وفى أقاصيصه التى يأخذ بعضها برقاب بعض فلا يقدر القارئ على أن يفلت من إسارها. لكن الزعم بأنه كتاب يُعْتَمَد عليه فى التاريخ هو زعم غبى. لقد كانت مجالس الخلفاء الأمويين فى معظمها مجالس علم وأدب وفقه. وهذا لا يمنع أن يكون هناك غناء أيضا فى بعض الأحيان. أما الخمر فإنى لا أصدق أبا الفرج أبدا فى مزاعمه حولها، ولا أضع فى اعتبارى على الإطلاق من ينقل عنه نقلا غشيما. ربما كان بعض الخلفاء يشرب الخمر، لكنهم لم يكونوا يتعاطونها على الملإ، فضلا عن أن يكونوا لها من المدمنين.
إن صنيع الأسوانى فى مقاله هذا ليذكّرنى بصنيع أخت له من قبل هى سلوى بكر، التى ألفت رواية متهافتة لا يصح صدروها عن قلم مبتدئة فى دنيا الأدب اسمها: “البشمورى”، فجعلت عصر المأمون كله كتلة من المظالم. فهل يصح اختزال عصر المأمون، وهو من أزهى عصور الازدهار الحضارى فى تاريخ العالم، فى تلك المظالم التى ركزت عليها الكاتبة بالباطل؟ أين التفتح الثقافى؟ أين الرواج الاقتصادى والنعمة التى كان يعيش فيها الناس بوجه عام؟ لقد انتقل راوى “البشمورى” إلى بغداد، بل لقد دخل قصر الخلافة يشتغل مساعدا لكبير الطباخين، فلم نر من قصر الخلافة إلا مجلسا للخليفة ترقص فيه امرأة لعوب تثير الشهوات. فهل هذا هو كل ما كان يجرى فى مجلس المأمون، إن كان مجلس المأمون يعرف الراقصات العاريات أصلا؟ ألم يكن هناك علماء يتناقشون فى حضرته ويشاركهم مداولاتهم الفكرية؟ ألم يكن هناك رجال دولة يستشيرهم الخليفة ويتناول معهم شؤون الأمة وكيفية تدبيرها؟ ألم يكن هناك أصحاب شكاوى يلجأون إليه لإنصافهم؟ أليس إلا الراقصات؟ وعلى نفس الشاكلة نجد الرواية تركز فى عصر المعتصم على العيارين والتذمر والفتن وحدها، وكأن الدولة فى عهد ذلك الخليفة العظيم لم تك تحتوى على أى خير. الحق أنه لو لم يكن له من فضل إلا أنه أدب الروم وغزا بلادهم وجعلهم يتلفتون حولهم فى ذعر لكان ذلك حسبه من المجد والفخار والخلود فى صحائف التاريخ المنيرة.
وعن المأمون يقول السير وليم موير المستشرق البريطانى المعروف: “كان حكم المأمون مجيدا عادلا، وكان عصره مزدهرا بأنواع العلوم والفنون والفلسفة. وكان أديبا مولعا بالشعر متمكنا منه… وكان مجلسه حافلا بالعلماء والأدباء والشعراء والفلاسفة، إذ كان يقرّبهم إليه ويُجْزِل لهم العطاء. وكما كان عصره عامرا بالعلماء والأدباء والنحاة فإنه كان كذلك حافلا بجماعة المحدِّثين والمؤرخين والفقهاء كالبخارى والواقدى، الذى نحن مدينون له بأوثق السِّيَر عن حياة النبى، والشافعى وابن حنبل. وكان المأمون يجلّ علماء اليهود والنصارى ويحتفى بهم فى مجلسه لا لعلمهم فحسب، بل لثقافتهم فى لغة العرب وحذقهم فى معرفة لغة اليونان وآدابها. ولقد أخرجوا من أديرة سورية وآسيا الصغرى كتبا خَطِّيّة فى الفلسفة والتاريخ وعلم الهندسة لعلماء اليونان وفلاسفتهم، ثم ترجموها إلى العربية بدقة وعناية عظيمة. وبهذه الوسيلة انتقلت علوم العرب إلى العالم الإسلامى. ولم تقتصر جهود هؤلاء الجهابذة على نقل هذه الكتب القديمة إلى اللغة العربية، بل توسعوا وأضافوا إليها ما اكتسبوه من مباحثهم واطلاعهم، وأقاموا مرصدا فى سهل تدمر مجهزا بجميع الآلات التى تمكنهم من النجاح فى دراسة علمى الفلك والهندسة والتوسع فيهما. وقد صنفوا كتبا فى الرحلات والتاريخ، ولا سيما كتب الطب، وعُنُوا عناية كبيرة ببعض علوم تافهة، إلا أنها كانت أكثر ذيوعا وانتشارا كالتنجيم والكيمياء. وكان لمجهود هؤلاء العلماء الأثر الأكبر فى نهضة أوروبا، التى كانت غارقة فى بحار الجهالة فى العصور الوسطى حيث أيقظتهم من غفلتهم وأنارت لهم سبل علومهم التى كانوا أغفلوها، وهى علوم اليونان وفلسفتها” (د. أحمد فريد رفاعى/ عصر المأمون/ ط2/ مطبعة دار الكتب المصرية/ 1346هـ- 1927م/ 1/ 399- 400).
وأصل هذا الكلام موجود فى كتاب موير: “the caliphate: Its rise, decline, and fall from original sources”، وهو متاح لمن يريد مراجعته بنفسه فى الفصل السادس والستين المخصص للحديث عن المأمون وعصره تحت عنوان فرعى هو: “development of science and literature”.
أبو الفرج إذن أديب صاحب أسلوب وسَرْد ساحر، أما مؤرخًا فلا يساوى الكثير، بل ينبغى التعامل معه بحذر ويقظة. ومن لا يعرف هذا فهو جاهل وذو نسب فى الجاهلين عريق، وعليه أن يبحث له عن شغلة أخرى غير القلم والكتابة. أقول هذا رغم ما ابتُلِينا به هذه الأيام من أن كل من هب ودب يمسك بالقلم وينشر صورة له وقد وضع يده على خده ونظر أمامه فى الفراغ لا يركز على شىء كأنه يستوحى ربة الإلهام ولا ينتمى إلى دنيانا، فيقال عنه: الأديب الكبير، مع أنه لا يزيد عن أن يكون عَيِّلاً صغيرًا لا يزال يلعب فى…
وكعادة الأسوانى فى الكتابة من مخه مباشرة دون محاولة التمحيص أبدا نراه يسمى حكام بنى أمية وبنى العباس بـ”الملوك”، لا يذكر لهم لقبا آخر البتَّة رغم تكراره الكلام عنهم، وهو ما لم يستعمل سواه أيضا جهاد الخازن، الذى كان قد كتب (بالمصادفة المحضة العجيبة طبعا!) قبل الأسوانى بأيام قليلة جدا مقالا فى ذات الموضوع، ويتجه ذات الاتجاه فى الهجوم على الخلافة والسخرية ممن يتمنَّوْن عودتها إلى الحياة، مما سوف نأتى إليه لاحقا. فبأية أمارة يا ترى يستعمل د. الأسوانى للأمويين والعباسيين لقب “الملوك”؟ يبدو أنه يجهل لقبهم المعروف الذى يعلمه القاصى والدانى، ألا وهو لقب “الخلفاء”. لكن ما وجه العجب، وهو لا يعرف شيئا عن قيمة الحضارة الإسلامية العظيمة، فيما يبدو، إلا من الأستاذ الأسبانى الذى يقول إنه كان يحاضرهم فى أدب بلاده، والعهدة عليه. وجهله بلقب الحكام الأمويين والعباسيين هو لون من خذلان القدر، بالضبط مثلما خذله الله فجعله يزعم فى “عمارة يعقوبيان” أن المسلمين يوم الجمعة يهتفون فى المساجد ويهللون ويكبرون وينشدون الأناشيد، وتنطلق زغاريد النساء خلال ذلك بالعشرات، وكأننا فى صالة أفراح. فهذا من ذاك.
والآن إلى عينة مما فى كتاب أبى الفرج الأصفهانى، الذى اعتمد عليه بالدرجة الأولى طه حسين فى التدليس الزاعم بأن القرن الثالث الهجرى كان عصر شك ومجون وإلحاد، وهى عينة ضئيلة جدا: “أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال: حدثني حمزة النوفلي قال: صلى الدلال المخنَّث إلى جانبي في المسجد، فضرط ضرطةً هائلةً سمعها من في المسجد، فرفعنا رؤوسنا وهو ساجد، وهو يقول في سجوده رافعًا بذلك صوته: سَبَّح لك أعلاي وأسفلي. فلم يبق في المسجد أحدٌ إلا فُتِن وقطع صلاته بالضحك”.
ومما كتبه أبو الفرج على هذا المنوال فى نفس الكتاب: “أخبرني الحسن بن علي الخفاف وعبد الباقي بن قانع قالا: حدثنا محمد بن زكريا الغلابي قال حدثني مهدي بن سابق قال: حدثني سليمان بن غزوان مولى هشام قال: حدثني عمر القاري بن عيد قال: قال الوليد بن يزيد يوما: لقد اشتقتُ إلى معبد. فوُجِّه البريد إلى المدينة فأتى بمعبد. وأمر الوليد ببركةٍ قد هيئت له فملئت بالخمر والماء، وأُتِيَ بمعبد فأمر به فأُجْلِس والبركة بينهما، وبينهما ستر قد أُرْخِيَ، فقال له: غنني يا معبد:
لهفي على فتية ذل الزمان لهم فما أصابهمو إلا بما شاءوا
ما زال يعدو عليهم ريب دهرهمو حتى تَفَانَوْا ورَيْبُ الدهر عَدَّاءُ
أبكى فراقُهمو عَيْنِي وأَرَّقَها إن التفرُّق للأحباب بَكَّاءُ
… فغناه إياه، فرفع الوليد الستر ونزع ملاءةً مطيبة كانت عليه وقذف نفسه في تلك البركة، فنهل فيها نهلةً، ثم أُتِيَ بأثوابٍ غيرها وتلقَّوْه بالمجامر والطيب، ثم قال: غنني:
يا ربع، مالك لا تجيب متيَّما قد عاج نحوك زائرًا ومسلِّما؟
جادتك كل سحابةٍ هَطّالةٍ حتى تُرَى عن زهرةٍ متبسما
… فغناه، فدعا له بخمسة عشر ألف دينارٍ فصبها بين يديه ثم قال: انصرف إلى أهلك واكتم ما رأيت.
وأخبرني بهذا الخبر عمي فجاء ببعض معانيه وزاد فيه ونقص، قال: حدثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال حدثني سليمان بن سعد الحلبي قال: سمعت القاري بن عدي يقول: اشتاق الوليد بن يزيد إلى معبد، فوجه إليه إلى المدينة فأُحْضِر. وبلغ الوليدَ قدومُه فأمر ببركةٍ بين يدي مجلسه، فمُلِئت ماء وردٍ قد خُلِط بمسك وزعفران، ثم فرش للوليد في داخل البيت على حافة البركة، وبسط لمعبد مقابله على حافة البركة، ليس معهما ثالثٌ، وجيء بمعبد فرأى سترا مُرْخًى ومجلس رجل واحد. فقال له الحاجب: يا معبد، سلم على أمير المؤمنين واجلس في هذا الموضع. فسلم، فرد عليه الوليد السلام من خلف الستر ثم قال له: حياك الله يا معبد! أتدري لم وَجَّهْتُ إليك؟ قال: الله أعلم وأمير المؤمنين. قال: ذكرتك فأحببت أن أسمع منك. قال معبد: أأغني ما حضر أم ما يقترحه أمير المؤمنين؟ قال: بل غنني:
ما زال يعدو عليهم رَيْبُ دهرهمو حتى تفانَوْا، ورَيْبُ الدهر عَدّاءُ
فغناه، فما فرغ منه حتى رفع الجواري السجف، ثم خرج الوليد فألقى نفسه في البركة فغاص فيها ثم خرج منها، فاستقبله الجواري بثيابٍ غير الثياب الأولى، ثم شرب وسقى معبدا، ثم قال له: غنني يا معبد:
يا ربع، مالك لا تجيب متيما قد عاج نحوك زائرا ومسلِّما؟
جادتك كل سحابة هَطّالة حتى ترى عن زهرةٍ متبسما
لو كنت تدري مَنْ دعاك أجبتَه وبكيتَ من حُرَقٍ عليه إذًا دما
قال: فغناه، وأقبل الجواري فرفعن الستر، وخرج الوليد فألقى نفسه في البركة فغاص فيها ثم خرج فلبس ثيابًا غير تلك، ثم شرب وسقى معبدًا، ثم قال له: غنني. فقال: بماذا يا أمير المؤمنين؟ قال غنني:
عجبتْ لما رأتني أَنْدُب الرَّبْع الـمُحِيلا
واقفًا في الدار أبكي لا أرى إلا الطُّلُولا
كيف تبكي لأناسٍ لا يَمَلُّون الذَّمِيلا؟
كلما قلت: اطمأنتْ دارهم قالوا: الرحيلا
قال: فلما غناه رمى نفسه في البركة ثم خرج، فردوا عليه ثيابه، ثم شرب وسقى معبدا، ثم أقبل عليه الوليد فقال له: يا معبد، مَنْ أراد أن يزداد عند الملوك حظوةً فَلْيَكْتُم أسرارهم. فقلت: ذلك ما لا يحتاج أمير المؤمنين إلى إيصائي به. فقال: يا غلام، احمل إلى معبدٍ عشرة آلاف دينار تحصل له في بلده وألفي دينار لنفقة طريقه. فحُمِلَتْ إليه كلها، وحُمِل على البريد من وقته إلى المدينة”.
وقال أبو الفرج أيضا: “اجتمع يحيى بن زياد ومطيع بن إياس وجميع أصحابهم، فشربوا أيامًا تِبَاعًا، فقال لهم يحيى ليلة من الليالي وهم سكارى: ويحكم! ما صلينا منذ ثلاثة أيام، فقوموا بنا حتى نصلي. فقالوا: نعم. فقام مطيع فأذَّن وأقام، ثم قالوا: من يتقدم؟ فتدافعوا ذلك، فقال مطيع للمغنية: تقدمي فصلي بنا. فتقدمت تصلي بهم عليها غلالة رقيقة مطيَّبة بلا سراويل، فلما سجدتْ بان فرجها، فوثب مطيع وهي ساجدة فكشف عنه وقبَّله وقطع صلاته، ثم قال:
ولما بدا فرجها جاثمًا كرأسِ حليقٍ ولم تعتمد
سجدتُ إليه وقبَّلْتُه كما يفعل الساجد المجتهد
فقطعوا صلاتهم، وضحكوا وعادوا إلى شربهم”. وهذا كله، كما يرى القارئ العزيز، فَشْرٌ ولا فَشْر أبى لمعة الأصلى، وهو مُسَلٍّ وممتع كما كان فَشْر أبى لمعة يسلينا أيام “ساعة لقلبك”، وإن كان هذا تمثيلا، وذاك أدبا، علاوة على أن أبا لمعة لم يكن ينحو هذا النحو العارى البذىء.
أما معاوية وتحويله الحكم فى الإسلام من شورى إلى ملك عضوض فلا جدال لنا فيه، إذ إن ترك الناس يختارون حكامهم بملء حريتهم لهو أفضل كثيرا من فرض حاكم معين عليهم، وإن كان من المستطاع المجادلة بأن معاوية وأمثاله كانوا يأخذون البيعة لمن يريدون توليته من أولادهم على المسلمين، إلا أن الرد على ذلك سهل أيضا، فمثل تلك البيعة إنما هى بيعة شكلية. ولقد غبر علىّ زمان كنت أقرب إلى سوء الظن فى ذلك الصحابى الجليل لخلافه مع على، رضى الله عنهما جميعا، وبخاصة بعدما قرأت الكتابين اللذين وضعهما العقاد العملاق الأثير إلى قلبى عن هذين العَلَمين الكبيرين: “عبقرية الإمام” و”معاوية بن أبى سفيان فى الميزان”، فجعل الإمام عليًّا عبقريا، بينما وضع معاوية على المحك ليمتحنه ويحكم عليه، وأقام كليهما فى مواجهة الآخر على نحو لا يمكن معه أن يلتقيا أبدا. إلا أن الأيام قد لطّفت من حدة موقفى، إذ أرتنى معاوية إنسانا حليما طويل الأناة، وسياسيا باقعة فتح البلاد أمام نور الإسلام فأبصرت العيون أضواء الحق بعدما انقشع عنها غشاء الظلام، وأعز الله به دينه وأمة نبيه. ولا يوجد إنسان مبرأ من المآخذ أبدا، والعبرة بالمحصلة النهائية وما يغلب على الشخص من أخلاق وتصرفات ومواقف. ولست أظن معاوية يمكن أن يرسب فى أى امتحان يُعْقَد له بعد أن نجمع حسناته، وهى كثيرة، ونسقط منها مآخذه، وهى قليلة. ولا ننس أن الحكم فى العصور القديمة كلها كان قائما على التوريث. ثم إننا لو فكرنا قليلا فى الأسلوب الذى يمكن أن ننظم على أساسه عملية استفتاء الجماهير فى الشخص الذى سوف يتولى أمورهم لوجدنا الأمر فى ذلك الوقت غاية فى الصعوبة، اللهم إلا إذا كانت الدولة فى حجم مدينة (كما كان الحال فى انتخابات أثينا) لا إمبراطورية شاسعة مترامية الأطراف كان هذا أول عهد أهلها بالحكم، إذ كيف تؤخذ الأصوات ويُحْصَى من قالوا: “نعم”، ومن قالوا: “لا”، وتُنْقَل النتائج سريعا إلى عاصمة الدولة؟ ومن ثَمّ لم يكن أمامهم إلا نظام أهل الحل والعقد، وهو يختلف عن نظام الانتخابات كما نعرفه الآن. وهذا إن كان نظام الانتخابات هو النظام الأمثل الخالى من العيوب. صحيح أننا كنا نفضل لو بقى الحكم فى الإسلام شورى حسبما يتسق مع روح الإسلام وكما وضع الرسول العظيم أسسه، لكن القدر كانت له كلمة أخرى.
بيد أن هذا لا ينبغى أبدا أن يدفعنا إلى التنقص من شأن معاوية رضى الله عنه، فقد قدم رغم هذا كله للإسلام، أثناء الخلافة وقبلها، خدمات جليلة تُكْتَب بحروف من نور على صفحات من ذهب، فقد حكم رعاياه بحلم وسعة صدر وتواضع، كما تولى القيادة العسكرية فى عهد الصديق، وولاية الشام فى عهد عمر، وكان ناجحا فى كلا العملين نجاحا كبيرا. وناهيك بشخص يرضى عنه الصديق والفاروق كلاهما، وفى ميدانين مختلفين. وبالمناسبة فقد كان الهاشميون أنفسهم يرون الحكم من حقهم وراثة عن النبى عليه السلام، إلا أن هذا لا يجعلنا نسوى بين على ومعاوية، بل يبقى على، رغم فضل الاثنين كليهما، أعلى هامة. ومع ذلك فلو افترضنا أننا خلطنا حسنات هذا بشىء من حسنات ذاك، فأضفنا إلى مثالية علىٍّ الحادة بعضا من مرونة معاوية ودهائه وأناته وقدرته على ترتيب الأولويات حسب متطلبات السياق لكان لدينا شخص فذ ليس له ضريب.
وقد كتب يوحنا الفينيقى، وهو راهب نسطورى عراقى معاصر لمعاوية، يصف حكمه فأكد أن العدل كان مستتبًّا فى عصره، وأن السلم قد شاع فى البلاد لدرجة ليس لها مثيل، وأن أحدا لم يشاهد أو يسمع شيئا مثل هذا من قبل: “justice flourished in his time, and there was great peace in the regions under his control. Once mu’awya had come to the throne, the peace throughout the world was such that we have never heard, either from our fathers or from our grandparents, or seen that there had ever been any like it” (نقلا عن مادة “mu’awiya i” فى الطبعة الجديدة من “the encyclopaedia of islam”).
وفى المادة المخصصة له فى ط2011م من الـ”encyclopædia britannica” نقرأ أن معاوية، رغم ما تعرض له من انتقاد كثير من الكتاب والعلماء بسبب تحويله الحكم إلى ملك عضوض، كان صاحب إنجازات عظيمة تتمثل قبل كل شىء فى ميدانى القيادة الحربية والإدارة السياسية، إذ استطاع أن يعيد بناء الدولة الإسلامية، التى كانت قد سادتها الفوضى، وأن يفتح جبهات الحرب من جديد ضد أعداء الإسلام: “a person whose actual accomplishments were of great magnitude quite apart from partisan value judgments and interpretations. These accomplishments lay primarily in political and military administration, through which mu’āwiyah was able to rebuild a muslim state that had fallen into anarchy and to renew the arab–muslim military offensive against unbelievers”.
حتى توريث الحكم قد سوغه ول ديورانت فى “قصة الحضارة” بأن العاهل الأموى قد ظنه السبيل الوحيد للحفاظ على تماسك الدولة وإنقاذها من الصراع والفوضى المترتبين على انتخاب خليفة لها، وإن ذكر أن صراعا قد نشب بسبب الحكم عقب وفاته رغم ذلك: “thinking the hereditary principle the sole alternative to chaotic struggles for an elective caliphate, he declared his son yezid heir apparent, and exacted an oath of fealty to him from all the realm. Nevertheless, when muawiya died (680), a war of successionrepeated the early history of his reign”.
أما ما أورده د. الأسوانى من كلام منسوب إلى معاوية يقول فيه إن “الأرض لله، وأنا خليفة الله: فما أخذتُ فَلِى، وما تركتُه للناس فبفضلٍ منى” فهو كلام لا يدخل العقل، إذ كان معاوية صحابيا جليلا يعرف حدوده جيدا فلا يمكنه أن يقول مثل تلك الكلمة الغريبة التى لا تتسق مع تفكير العرب والمسلمين فى ذلك الوقت المبكر من تاريخ الإسلام بالذات، وبخاصة تفكير واحد كمعاوية كان يكتب الوحى والرسائل النبوية، فضلا عن كونه صهر الرسول، إذ هو أخو أم المؤمنين رملة بنت أبى سفيان المكناة بـ”أم حبيبة”. ولسوف نرى أن الكلمة المنسوبة للخليفة العباسى أبى جعفر المنصور بشأن المال ومهمته تجاهه لا تبلغ أبدا المدى الذى بلغته الكلمة المنسوبة إلى معاوية رغم أنه متأخر كثيرا جدا عن معاوية، ومن ثم كانت تفصل بينه وبين الرسول فترة زمنية طويلة بما يرجح أن يكون تأثره بمبادئ الإسلام أخف من تأثر معاوية. فكيف نصدق أن معاوية يمكن أن يكون قد نطق بهذا الهراء؟
كذلك ينقل الأسوانى عن عبد الملك بن مروان كلمة منسوبة إليه يقال إنه خطب بها على منبر النبى، وهى: “والله لا يأمرنى أحد بتقوى الله بعد مقامى هذا إلا ضربت عنقه”. وهى كلمة لا تدخل العقل، بل يصعب أن نصدق صدور مثلها عن حاكم كافر مجرم، فما بالنا بحاكم مسلم عالم فقية محدّث؟ ذلك أنه لا يمكن أن تواتى الحاكمَ نفسُه على التلفظ بمثل تلك الكلمة مهما كان فى أعماقه كافرا بالله مجترئا على محارمه لا يبالى بخير أو بشر ولا يؤمن بأية قيمة خلقية، اللهم إلا إذا كان مجنونًا أو أحمقَ بَيِّن الـحُمْق. فما بالنا لو كان المنسوبة إليه هذه الكلمة هو عبد الملك بن مروان الحاكم عالم الفقه والحديث السابق؟ إن الحكام الفسقة العهرة أنفسهم ليعملون عادة على الظهور بمظهر الصالحين الطاهرين، فكيف نصدق أن عبد الملك يعكس الآية فيُظْهِر جحوده وفسوقه على هذا النحو الفِجّ، وهو العالم الورع، أو الذى كان ورعا فى أقل تقدير؟ وقد رُوِى عنه أنه “لما حضره الموت جعل يضرب على رأسه بيده، ويقول: وددت أني كنت منذ وُلِدْتُ إلى يومي هذا حمالاً” (“فوات الوفيات” لابن شاكر الكتبى، وكذلك “الفرج بعد الشدة” للقاضى التنوخى نقلا عن “تاريخ الخلفاء” للسيوطى، و”الكامل” لابن الأثير). وليس هذا كلام رجل يهدد من يذكّره بتقوى الله بالإطاحة بعنقه.
ولقد أكد د. ضياء الدين الريس فى كتابه عنه أنه كان حريصا على ترسم خطا عمر بن الخطاب فى “شدته ونزاهته ورعايته لواجبه وحرصه على صالح الدولة” (د. ضياء الدين الريس/ عبد الملك بن مروان موحّد الدولة العربية- حياته وعصره/ أعلام العرب/ العدد 10/ 309). كما أُثِر عنه قوله لبعض الشعراء فى مجلسه: “تشبّهوننا بالأسد، والأسدُ أبْخر، وبالبحر، والبحرُ أُجَاج، وبالجبل مرّةً، والجبلُ أوعر! ألاَّ قلتم كما قال أيمن بن خُرَيْم ابن فاتك لبنى هاشم:
نهاركُمو مكابدةٌ وصومٌ وليلكمُو صلاةٌ واقتراءُ
…” (أبو أحمد العسكرى/ المصون فى الأدب). فهو يفضل أن يوصف بأنه يقضى وقته فى الصلاة والصوم وقراءة القرآن. ومثل ذلك ما أورده أبو الفرج فى “الأغانى”، والصفدى فى “فوات الوفيات”، والقاضى التنوخى فى “الفرج بعد الشدة”، وابن سنان الخفاجى فى “سر الفصاحة”، وغيرهم من أن ابن قيسِ الرُّقَيّات مدحه ذات مرة فقال:
يعتدل التاج فوق مفرقه على جبين كأنه الذهب
فقال له غاضبا: يا ابن قيس، تمدحني بالتاج كأني من العجم، وتقول في مصعب:
إنما مصعب شهاب من الـلــــــــــه تجلت عن وجهه الظلماءُ
ملكه ملك عزة ليس فيه جبروتٌ منه ولا كبرياءُ؟
وعلى نفس الشاكلة يصعب على نفسى أن تتقبل الرواية التى تقول إن أبا العباس السفاح قد أتى بأمراء بنى أمية فأمر بقتلهم ثم أحضر غطاء كبيرا بسطه عليهم، وجلس فوقه، وكانوا لا يزالون يضطربون، ثم شرع يأكل. وها هى ذى الرواية كما أوردها أبو الفرج فى “أغانيه”: “أخبرني عمي عن الكراني عن النصر بن عمرو عن المعيطي أن أبا العباس دعا بالغَدَاء حين قُتِلوا، وأمر ببساطٍ فبُسِط عليهم، وجلس فوقه يأكل، وهم يضطربون تحته. فلما فرغ من الأكل قال: ما أَعْلَمُني أكلتُ أكلةً قَطُّ أهنأ ولا أطيب لنفسي منها. فلما فرغ قال: جُرُّوا بأرجلهم. فأُلْقُوا في الطريق يلعنهم الناس أمواتًا كما لعنوهم أحياء. قال: فرأيت الكلاب تجر بأرجلهم، وعليهم سراويلات الوَشْى، حتى أنتنوا. ثم حُفِرَتْ لهم بئرٌ فأُلْقُوا فيها”. وهناك روايات مختلفة التفاصيل لتلك الواقعة، أيا كان نصيبها من الصحة، موجودة فى كتب أخرى كـ”العقد الفريد” لابن عبد ربه، و”غُرَر الخصائص الواضحة وعُرَر النقائض الفاضحة” للوطواط، و”نهاية الأرب فى فنون الأدب” للنويرى. على أن الأمر هنا إنما يتجاوز القسوة إلى شىء آخر يتعلق بالذوق والمشاعر الإنسانية الطبيعية، وهو ما لا أتخيل السفاح يمكن أن يقدم عليه بأى حال من الأحوال مهما قيل عن قسوته وشدته مع أعدائه.
وبالمثل يقول د. الأسوانى عن أبى جعفر المنصور مدللا على أنه كان يحكم بالتفويض الإلهى الذى عرفته أوربا فى العصور الوسطى إبّان كانت متخلفة أشد التخلف فى جميع ميادين الحياة، وكانت شعوبها ترزح تحت وطأة الاستبداد الإجرامى الغليظ: “أيها الناس لقد أصبحنا لكم قادة، وعنكم ذادة، نحكمكم بحق الله الذي أولانا، وسلطانه الذي أعطانا، وأنا خليفة الله في أرضه وحارسه على ماله”. ولقد أورد ابن عبد ربه مثلا فى كتاب “العقد الفريد” خطبة خطبها المنصور بمكة تجرى على النحو التالى: “أيها الناس، إنما أنا سلطان اللهّ في أرضه، أَسُوسكم بتوْفيقه، وتَسْدِيده وتأييده، وحارسُه على ماله، أعمل فيه بمشيئته وإرادته، وأُعطيه بإذنه، فقد جَعلني اللهّ عليه قُفلاً، إذا شاء أن يَفتحني فَتَحَني لإعطائكم، وقَسْم أَرزاقكم، وإذا شاء أَنْ يُقْفِلني عليها أَقْفَلني. فارغبوا إلى اللّه وسَلُوه في هذا اليومِ الشريفِ الذي وَهَب لكم من فَضْله ما أَعْلَمكم به في كتابه إذ يقول: “اليومَ أكْمَلتُ لكم دِينَكم وأتمَمْتُ عليْكمْ نِعْمَتي ورَضِيتُ لكم الإسلامَ دينا” أن يُوَفِّقني للرَّشاد والصواب، وأن يُلْهمني الرأفة بكمَ والإحسان إليكم”.
وأغلب الظن أنها هى الخطبة التى أشار إليها الأسوانى. ومن يتمعن فى كلمات أبى جعفر، إذا سلمنا أنه قال ذلك فعلا ولم يُحْمَل عليه حملا، يجده مؤمنا بالله سبحانه وتعالى، إذ يرجع كل توفيق فى حياته وسياسته إلى الله وحده، جاعلا من نفسه مجرد حارس على المال الذى وهبه الله أمة الإسلام، مؤكدا أنه بحاجة ماسة إلى دعوة الله له بالتوفيق، إذ هو من غير هذا التوفيق لاشىء. ولكى يطمئن القارئ إلى صحة توجيهى لعبارة “حارسه على ماله” أذكره بما مر قبلا من أن عبد الملك بن مروان قد استعمل عبارة شبيهة بتلك العبارة وشفعها بما يدل على المعنى المراد، إذ كان الحجاج قد أسرف فى إنفاق المال فأمره أن يرده إلى أصحابه، “فإنما المال مال الله، ونحن خُزّانُه” بنص كلامه (انظر “عبد الملك بن مروان موحّد الدولة العربية- حياته وعصره ” للدكتور ضياء الدين الريس/ 306). أما “سلطان الله فى أرضه” فمعناها أنه عبد لله قد ألقى الله عليه مسؤولية الحكم وتدبير شؤون الرعية، وأن الأرض التى يحكمها ليست إلا أرض الله. وهو ما لا يمكن أن يقوله جبار غشوم كالذى يصوره لنا الأسوانى. والخطبة كلها تدور من أولها إلى منتهاها حول معنى واحد هو أن إرادة الله فوق كل إرادة، وأن كل شىء إنما هو من عنده عز وعلا، وأنه هو نفسه لا يملك من أمر نفسه شيئا. هذا، وليست غايتى أن أجعل من المنصور ملاكا مبرأ من العيوب، بل غايتى أن أبين أن كلامه، إن صح أنه كلامه حقا، لا يدل على ما يريد الأسوانى أن يحمّله إياه من معانٍ عقيدية وسياسية لم يكن حكامنا المسلمون يعرفونها، بل عواهل أوربا.
واستئناسا بمؤرخ غربى نورد هذه السطور التى يرسم بها وِلْ دُيُورَنْت (will durant) المؤرخ الأمريكى صورة لذلك الخليفة العباسى فى كتابه عن “قصة الحضارة”، ونصها فى الترجمة العربية: “كان الخليفة الجديد في سن الأربعين، طويل القامة، نحيف الجسم، ملتحيا أسمر البشرة، شديدا في معاملاته. ولم يكن أسيرا لجمال النساء أو مدمنا للخمر أو مولعا بالغناء، ولكنه كان يناصر الآداب والعلوم والفنون، ويمتاز بعظيم قدرته وحزمه وشدة بطشه. وبفضل هذه الصفات ثبت دعائم أسرة حاكمة لولاه لماتت بموت السفاح. وقد وجه جهوده لتنظيم الأداة الحكومية، وبنى مدينة فخمة هي مدينة بغداد واتخذها عاصمة للدولة، وأعاد تنظيم الحكومة والجيش في صورتيهما اللتين احتفظا بهما إلى آخر أيام الدولة. وكان يشرف بنفسه على كل إدارة في دولاب الحكومة وعلى جميع أعمال هذه الإدارات. وأرغم الموظفين المرتشين الفاسدين، ومنهم أخوه نفسه، على أن يردوا إلى بيت المال ما ابتزوه من أموال الدولة. وكان يراعي جانب الاقتصاد، بل قل: الحرص الشديد، في إنفاق الأموال العامة حتى نفر منه الأصدقاء، وأُطْلِق عليه لشُحِّه لقب “أبي الدوانق”. وقد أنشأ في بداية حكمه نظام الوزارة الذي أخذه عن الفرس، وكان له شأن عظيم في تاريخ العباسيين. وكان أولَ من شغل منصب الوزير في عهده خالدُ بن برمك. وقد اضطلع بواجب خطير في حكم الدولة، وكان له شأن فيما وقع في أيام الدولة العباسية من أحداث جسام. وعمل المنصور وخالد على إيجاد النظام والرخاء اللذين جنى ثمارهما هارون الرشيد. ومات المنصور بعد أن حكم البلاد حكما صالحا دام اثنتين وعشرين سنة. وكان موته وهو في طريقه إلى مكة لأداء فريضة الحج. ولم يكن في وسع ابنه المهدي (775-785) إلا أن يسلك في حكمه سبيل الخير. وقد شمل عفوه جميع المذنبين إلا أشدهم خطرا على الدولة”.
وهذا هو النص فى أصله الإنجليزى لمن يريده، وهو موجود فى المجلد الرابع من “the story of civilization”:
“the new caliph was forty, tall, slender, bearded, dark, austere; no slave to woman’s beauty, no friend of wine or song, but a generous patron of letters, sciences, and arts. A man of great ability and little scruple, by his firm statesmanship he established a dynasty that might else have died at al-saffah’s death. He gave himself sedulously to administration, built a splendid new capital at baghdad, reorganized the government and the army into their lasting form, kept a keen eye on every department and almost every transaction, periodically forced corrupt officials- including his brother- to disgorge their peculations into the treasury, and dispensed the funds of the state with a conscientious parsimony that won him no friends, but the title of “father of farthings.” at the outset of his reign he established on a persian model an institution- the vizierate- which was to play a major role in abbasid history. As his first vizier he appointed khalid, son of barmak; this family of barmakids was cast for a heavy part in the abbasid drama. Al-mansur and khalid created the order and prosperity whose full fruits were to fall into the lap of harun al-rashid. After a beneficent reign of twenty-two years al-mansur died on a pilgrimage to mecca “.
وينتهى الأسوانى إلى القول بأن “فلسفة الحكم إذن لم يكن لها علاقة بالدين من قريب أو بعيد، بل هى صراع شرس دموى على السلطة والنفوذ والمال لا يتورعون فيه عن شىء حتى لو كان الاعتداء على الكعبة وهدم أركانها. فلا يحدّثْنا أحد عن الدولة الإسلامية الرشيدة التى أخذت بالشريعة لأن ذلك ببساطة لم يحدث على مدى ١٤ قرنا إلا لفترة ٣١ عاما فقط. السؤال هنا: ما الفرق بين الحكم الإسلامى الرشيد، الذى استمر لسنوات قليلة، وبين ذلك التاريخ الطويل من الاستبداد باسم الإسلام؟
إنه الفرق بين العدل والظلم، بين الديمقراطية والاستبداد. إن الإسلام الحقيقى قد طبق الديمقراطية الحديثة قبل أن يطبقها الغرب بقرون طويلة. فقد امتنع الرسول صلى الله عليه وسلم عن اختيار من يخلفه فى حكم المسلمين، واكتفى بأن ينتدب أبا بكر لكى يصلى بالمسلمين بدلاً منه وكأنه صلى الله عليه وسلم يريد أن يرسل الإشارة أنه يفضل أبا بكر لخلافته دون أن يحرم المسلمين من حقهم فى اختيار الحاكم. وعندما توفى الرسول صلى الله عليه وسلم اجتمع زعماء المسلمين فى سقيفة بنى ساعدة ليختاروا الخليفة. هذا الاجتماع بلغتنا الحديثة اجتماع برلمانى بامتياز تداول فيه نواب المسلمين الأمر ثم انتخبوا أبا بكر ليتولى الحكم. وقد ألقى أبو بكر على المسلمين خطبة قال فيها: يا أيها الناس، لقد وُلّيت عليكم، ولست بخيركم. أطيعونى ما أطعت الله ورسوله. فإن عصيتهما فلا طاعة لى عليكم.
هذه الخطبة بمثابة دستور حقيقى يحدد العلاقة بين الحاكم والمواطنين كأفضل دستور ديمقراطى. نلاحظ هنا أن أبا بكر لم يقل إنه خليفة الله، ولم يتحدث عن حق إلهى فى الحكم، بل أكد أنه مجرد واحد من الناس، وليس أفضلهم. هذا المفهوم الديمقراطى الذى هو جوهر الإسلام سيستمر سنوات قليلة ثم يتحول إلى مفهوم آخر مناقض يعتبر الحاكم ظل الله على الأرض. فيقول معاوية بن أبى سفيان: الأرض لله، وأنا خليفة الله: فما أخذتُ فَلِى، وما تركتُه للناس فبفضلٍ منى. ويقول أبو جعفر المنصور العباسى: أيها الناس، لقد أصبحنا لكم قادة، وعنكم ذادة (حُمَاة). نحكمكم بحق الله الذى أولانا، وسلطانه الذى أعطانا. وأنا خليفة الله فى أرضه وحارسه على ماله. ويقول عبدالملك بن مروان، وهو يخطب على منبر النبى: والله لا يأمرنى أحد بتقوى الله بعد مقامى هذا إلا ضربت عنقه.
انقلب المفهوم الديمقراطى الذى يمثل جوهر الإسلام إلى حكم بالحق الإلهى يعتبر المعترضين عليه كفارًا مرتدين عن الدين يجب قتلهم. يقتضينا الإنصاف هنا أن نذكر حقيقتين: أوّلاً أن الخلفاء الذين تولوا الحكم عن طريق القتل والمؤامرت كانوا فى أحيان كثيرة حكاما أكفاء أحسنوا إدارة الدولة الإسلامية حتى أصبحت إمبراطورية ممتدة الأطراف. لكن طريقتهم فى تولى السلطة والحفاظ عليها لا يمكن بأى حال اعتبارها نموذجا يتفق مع مبادئ الإسلام. ثانياً: إن الصراع الدموى على السلطة لم يقتصر على حكام المسلمين فى ذلك العصر، وإنما كان يحدث بين ملوك أوروبا بنفس الطريقة من أجل انتزاع العروش والمحافظة عليها.
الفرق أن الغربيين الآن يعتبرون هذه الصراعات الدموية مرحلة كان لابد من اجتيازها من أجل الوصول إلى الديمقراطية، بينما ما زال بيننا نحن العرب والمسلمين من يدعو إلى استعادة نظام الخلافة الإسلامية، ويزعم أنها كانت عادلة تتبع شريعة الله. إن التاريخ الرهيب للصراع السياسى فى الدولة الإسلامية منشور ومعروف، وهو أبعد ما يكون عن شريعة الإسلام الحقيقية. وقد احترت فى هذه الدعوة الغريبة إلى استعادة الخلافة الإسلامية فوجدت من يتحمسون لها نوعين من الناس: بعض المسلمين الذين لم يقرأوا التاريخ الإسلامى من أساسه، أو أنهم قرأوه وتهربوا من رؤية الحقيقة لأن عواطفهم الدينية قد غلبت عليهم فأصبحوا بالإضافة إلى تقديس الإسلام يقدسون التاريخ الإسلامى نفسه، ويحاولون إعادة تخيله بما ليس فيه. أما الفريق الآخر من المنادين بالخلافة فهم أعضاء جماعات الإسلام السياسى الذين يلعبون على عواطف البسطاء الدينية من أجل أن يصلوا إلى السلطة بأى طريقة. وهم يخيرونك عادة بين طريقين: إما أن توافق على صورتهم الخيالية عن الخلافة، وإما أن يتهموك بأنك علمانى عدو الإسلام. إما أن تساعدهم على الوصول إلى الحكم عن طريق نشر أكاذيب وضلالات عن التاريخ، وإلا فإن سيف التكفير فى أيديهم سيهوون به على عنقك فى أى لحظة. جوهر الإسلام العدل والحرية والمساواة. وهذا الجوهر تحقق لفترة قصيرة عندما تم الأخذ بمبادئ الديمقراطية. أما بقية تاريخ الحكم الإسلامى فلا وجود فيه لمبادئ أو مُثُل نبيلة، وإنما هو صراع دموى على السلطة يستباح فيه كل شىء حتى ولو ضُرِبَت الكعبة وتهدمت أركانها. هذه الحقيقة شئنا أم أبينا. أما السعى لإنتاج تاريخ خيالى للخلافة الإسلامية الرشيدة فلن يخرج عن كونه محاولة لتأليف صور ذهنية قد تكون جميلة لكنها للأسف غير حقيقية كتلك التى وصفها الكاتب الإسبانى الكبير ميجيل دى سرفانتس فى قصته الشهيرة: “دون كيخوته” حيث يعيش البطل العجوز فى الماضى مستغرقا فى قراءة الكتب القديمة حتى تستبد به الرغبة فى أن يكون فارسا بعد أن انقضى زمن الفرسان فيرتدى الدرع ويمتشق السيف، ثم يتخيل أن طواحين الهواء جيوش الأعداء، فيهجم عليهم ليهزمهم”.
والحق أنه ليس لهذا من معنى إلا أن الإسلام هو هذا الوهم السخيف الذى كان يعيش فيه دون كيشوت مستغرقا تمام الاستغراق دون أن يتنبه إلى أنه وهم، بل ووهم سخيف. فهل الإسلام وهم سخيف غير قابل للتحقيق والتنفيذ؟ فلم أنزله الله؟ ولم اختار له نبيه محمدا؟ ولم قال سيدنا محمد إنه قد ترك فينا ما إن تمسكنا به فلن نَضِلّ بعده أبدا: كتاب الله وسنته، دون أن يفرق بين العبادة وبين السياسة والاقتصاد والاجتماع، إذ تشمل نصوص القرآن والحديث كل هذه الأمور ولا تقتصر على العبادة والمسجد فحسب؟ ولاحظ أن اسمه محمد بن عبد الله لا علاء الأسوانى. ونحن نصدق سيدنا محمدا، ولا نصدق سيدنا الأسوانى، فنحن نؤمن بأن الأول نبى، أما الثانى فليس سوى كاتب لروايتين تهتمان اهتماما غريبا بالشذوذ الجنسى، ومن المستحيل أن نؤمن بهذا ونكذّب ذاك، وإلا فقل: على الدنيا السلام.
ولكننا نمضى مع د. الأسوانى فنُلْفِيه يقول إن “الطريق الوحيد للنهضة هو تطبيق مبادئ الإسلام الحقيقية: الحرية والعدل والمساواة. وهذه لن تتحقق إلا بإقامة الدولة المدنية التى يتساوى فيها المواطنون جميعا أمام القانون، بغض النظر عن الدين والجنس واللون”. جميل، جميل جدا! ولكن هل يقول المسلمون شيئا غير هذا؟ هل فى مبادئ الإسلام ما يميز بين مواطنى الدولة الإسلامية؟ إذن فما المشكلة؟ المشكلة هى أن د. الأسوانى ينطلق من مقدمة رائعة وحقيقية ونبيلة وسامية، إلا أنه سرعان ما يروغ منك عند أول منعطف فلا تجده إلى جانبك. يا رجل يا طيب، أنت تقول إن الإسلام قد سبق الديمقراطية وتفوق عليها. عظيم! وتقول أيضا إن السبيل الوحيد للتقدم والنهوض هو اتباع طريق الديمقراطية. عظيم جدا. لكن إذا كان عندنا ما سبق الديمقراطية وتفوق عليها، فلم بالله عليك، وعلينا نحن أيضا معك، نترك الذى هو خير، ونروح للذى هو أدنى؟ فانظر، أيها القارئ الكريم، كيف أمضى أنا بسلاسة من المقدمة التى وضعها هو بنفسه إلى النتيجة المنطقية التى لا يمكن أن تؤدى هذه المقدمة إلا إليها، على حين يروغ هو من الطريق الذى تؤدى إليه تلك المقدمة إلى طريق آخر ليس له بها علاقة؟ إنه الروغان مع سبق الإصرار والترصد. والأمر من الوضوح بمكان بحيث لا يحتاج إلى كثير كلام.
سيقول إن الخلافة الإسلامية لم تلتزم بالإسلام بتاتا. ولسوف أريحه وأريح نفسى معه وأسلّم بما يزعمه رغم أن التاريخ يكذّبه تكذيبا، وأقول: دعنا يا أخى من الخلافة، لعنة الله على خلافةٍ بالصفة التى وسمتَها بها، وتعال إلى مبادئ الإسلام، التى تقول أنت بعظمة لسانك إنها مبادئ عظيمة وإنها هى التى تكفل لنا التقدم والنهوض، ولْنُشّيِّد نظام حكمنا عليها، وليس شرطا أن نسميها: خلافة، بل يمكننا أن نسميها: “بقدونس، كرفس، جرجير” كما كان يحلو لإسماعيل يس أن يسمى نفسه فى بعض أفلامه، علاوة على أن الخلافة من شأنها أن تعيد توحيد الدول الإسلامية بدلا من هذا التشرذم الذى نعانى من شروره. وليس شرطا أن يكون نظام الخلافة هو ذات النظام القديم، فهناك صور كثيرة يمكن أن تأخذها تلك الوحدة المبتغاة. والمهم أن تكون لدينا الرغبة والهمة والطموح والنفس الطويل والصبر على لأواء التجربة، التى لا بد أن يكون بعض ثمارها مريرا غاية المرارة. فما رأيك أيها القارئ الكريم؟ أليست هذه، يا عزيزى القارئى، هى النتيجة التى تلزم من المقدمة التى انطلق منها د. علاء الأسوانى؟ فلم حاد عنها إذن، ويصر على أن يحيد عنها دائما؟
سيقول: ومن يضمن لنا أن الحاكم المسلم لن يخرج على مبادئ الإسلام؟ وسوف أقول له بدورى: ومن يضمن لنا أن الحاكم، أى حاكم، لن يخرج على مبادئ النظام الذى تقترحه أنت؟ الواقع أنه ليس هناك أى ضمان إلا وَعْىُ الأمة واستعدادها للنضال من أجل اكتساب حقوقها والحفاظ عليها. ودائما ما أقول فى كتاباتى ومحاضراتى إن المشكلة ليست فى الحكام بالدرجة الأولى رغم أن حكام المسلمين فى الفترة التاريخية الحالية هم بوجه عام أوسخ حكام الأرض، بل المشكلة فى الشعوب، إذ الشعوب هى صاحبة المصلحة فى استقامة الحاكم وطهارته، وإلا فما مصلحة الحاكم فى أن يقف له شعبه بالمرصاد ويأخذ على يده كلما شام منه انحرافا أو رغبة فى الانحراف؟ المصلحة كل المصلحة للشعب، لأنه لو ترك الشعب للحاكم الحبل على الغارب فلسوف يستولى الحاكم على أموال الشعب ويهينه ويضربه ويعتقله ويعذبه ويمسخ عقيدته ويسلّم أزمة الدولة إلى الأعداء ويجمع حوله العُهّار والفُسّاق والقوادين والشواذ واللصوص والقتلة والجواسيس والساديين والكذابين فيسومون الأمة سوء العذاب ويُرُونها النجوم فى عز الظهر، فتستغيث، وما من مغيث. فإذا لم يتنبه الشعب إلى حقوقه ويدافع عن مصالحه ويَكُنْ على استعداد دائم للمنافحة عنها والثورة على أى حاكم حقير تسول له نفسه خيانته، فلا أمل فى أى شىء. بل إننى لأزيد على ذلك فأقول: لو افترضنا أن مَلَكًا نزل ليحكم أمة من الأمم، ثم وجد أن هذه الأمة لا تبالى بمراقبته، بل تترامى على قدميه تهتف بحياته وتفدّيه “بالروح، بالدم” (هذا إن كان عندها دم) فلسوف ينتهى به الأمر معها إلى التأله والانحراف والاستبداد بها وقهرها وإذلالها إذلالا ليس بعده إذلال. أريد أن أقول إن هذه هى الضمانة الوحيدة. وهذا هو ما يقوله الإسلام، وبغيره لا أمل ولا ضمان.
ولقد دخلت الديمقراطية بكل مؤسساتها وأنظمتها بلاد المسلمين، فهل أجدتهم نفعا؟ أبدا والله. وسِرُّ ذلك أن الشعوب لم تكن تهتم بالدفاع عن مصالحها ومنع الحكام الظلمة من اجتيال هذه المصالح، بل كانت تخنع لهم وترتعب منهم. والآن، وقد ثارت الشعوب على جلاديها بعد يأس، فالمرجوّ أن تستمر على يقظتها واعتزازها بنفسها وحرصها على كرامتها وعدم السماح لأى وغد لئيم أن يخدعها فيصل إلى السلطة وينكّل بها، وإلا استحقت ما سوف يصيبها من الهوان والإذلال والضرب والتعذيب، ولا تلومن حينئذ إلا نفسها. وإن حكام المسلمين عموما لهم أشد الحكام جهلا وتخلفا واستبدادا رغم كل هذه المؤسسات والأنظمة الديمقراطية التى نراها من حولنا فى كل مكان. والسبب؟ السبب هو أن الشعب كان نائما فى العسل، أو كما أقول دائما: فى المجارى!
بل إننى لأقول لطلابى وأصدقائى الآن بعد أن نجحت الثورة المصرية نجاحا عجيبا فى دهورة نظام حسنى مبارك: إن الشعب إذا لم يفهم أن ما حدث ليس سوى ثورة صغرى لا بد أن تتلوها الثورة الكبرى (جريا على قول الرسول العظيم: “رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر”) فلسوف تعود الحال إلى ما كنا عليه، وسوف يعود حسنى مبارك من جديد، وعلى نحو أسوأ من ذى قبل، ليس بشخصه بالضرورة، بل بنظامه وروحه على أقل تقدير. فإذا ظللنا نرمى بالقمامة فى الشارع ونكره القراءة والعلم والتفكير ونتلذذ بالخروج على النظام ونبغض الإتقان ونؤثر القبح على الجمال ولا نراعى أصول الذوق الراقى فى كلامنا وتصرفاتنا ولا نهتم بالإبداع ولا بالعمل والإنتاج ولا نتوقف عن الضجة التى تصم الآذان فى كل مكان ولا نكف عن كثرة الكلام والجدال، وتركنا الحاكم يصنع بنا ما يشاء دون أن نفرمله بل دون أن نسحقه سحقا إذا لم يرعو عما نأخذه عليه وننهاه عنه، فلن تنفعنا الثورة التى تمت بشَرْوَى نقير.
وهذه بعض من النصوص التى تستحث المسلمين إلى الحفاظ على مصالحهم وحقوقهم وعدم ترك الظلمة والمستبدين والحكام المجرمين يتحكمون فى مصائرهم ويسرقونهم ويقتلونهم ويخونونهم ويسلمون مقاديرهم إلى أعدائهم لقاء مساعدتهم على البقاء فى كرسى السلطة، لعنة الله عليهم: قال الله تعالى: “فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ” (آل عمران/ 159). “وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” (آل عمران/ 104). “كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ” (آل عمران/ 110).ومن صفات المؤمنين الناجين أنهم هم “الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ” (الشورى/ 38).
ويورد القرآن الكريم قصة موسى وفرعون وسحرته وإيمانهم بما جاء به نبى الله وصمودهم فى وجه تهديدات فرعون وتحمّلهم بإيمانٍ وعزمٍ لا يتزعزع تصليب المستبد لهم فى جذوع النخل كى تكون تلك القصة عبرة يتعلم منها المؤمنون وجوب الوقوف فى وجه الظلم والاستبداد والطغيان ومصادرة الحريات وعدم التهاون فى ذلك ولو للحظة مهما كانت التضحيات. يقول سبحانه وتعالى لموسى وهارون: “اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى * قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى * فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى * إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى * … * وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آَيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى * قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى * فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى * قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى * فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى * قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى * فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى * قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى * فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى * قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى * قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى * فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى * فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى * قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى * قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا” (طه/ 43- 72).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا، فجالسوهم في مجالسهم وواكلوهم وشاربوهم، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم عليهما السلام. “ذلك بما عَصَوْا وكانوا يعتدون”. قال: فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان متكئا، فقال: لا والذي نفسي بيده حتى تَأْطِروهم أَطْرًا”، وفي رواية: “كلا والله لتأمُرُنَّ بالمعروف ولتَنْهَوُنَّ عن المنكر ولتأخُذُنَّ على يَدَيِ الظالم ولتَأْطِرُنَّه على الحق أَطْرًا أو لتَقْصِرُنَّه على الحق قصرا أو ليضربنَّ الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعننَّكم كما لعنهم”. “أفضل الجهاد كلمةُ عدلٍ عند سلطانٍ جائر”. “مَنْ قُتِل دون ماله فهو شهيد، ومَنْ قُتِل دون نفسه فهو شهيد، ومَنْ قُتِل دون أخيه فهو شهيد، ومَنْ قُتِل دون جاره فهو شهيد، والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر شهيد”. “أفضل شهداء أمتي رجلٌ قام إلى إمامٍ جائرٍ فأمره بالمعروف ونهاه عن المنكر، فقتله على ذلك. فذلك الشهيد: منزلته في الجنة بين حمزة وجعفر”. “ألا لا يمنعنَّ أحدَكم هيبةُ الناس أن يقول الحق إذا رآه أو شهده، فإنه لا يقرّب من أجل ولا يباعد من رزق أن يقول بحق أو يذكِّر بعظيم”. “(قال صلى الله عليه وسلم يصبح على كل مِيسَمٍ من الإنسان صلاة. فقال رجل من القوم: ومن يطيق هذا؟ فقال: أَمْرٌ بالمعروف صلاةٌ، ونَهْيٌ عن المنكر صلاةٌ. وإنَّ حَمْلاً عن الضعيف صلاة، وإن كل خطوة يخطوها أحدكم إلى صلاةٍ صلاةٌ”. “مَثَلُ القائم على حدود الله والواقع فيها كمَثَلِ قوم اسْتَهَمُوا على سفينة: فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا اسْتَقَوْا من الماء مروا على مَنْ فوقهم، فقالوا: لو أنَّا خرقنا في نصيبنا خَرْقًا، ولم نؤذ مَنْ فوقنا. فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نَجَوْا ونَجَوْا جميعا”.
وقال أبو بكر رضي الله عنه: “أيها الناس، فإني قد وُلِّيتُ عليكم، ولست بخيركم: فان أحسنتُ فأعينوني، وإن أسأتُ فقَوِّموني”. “قال رجل للخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه: اتق الله. فقال رجل ممن حضر ذلك المجلس: أتقول لأمير المؤمنين: اتق الله؟ فأجابه عمر رضى الله عنه: دَعْه يَقُلْها، فلا خير فيكم إذا لم تقولوها لنا، ولا خير فينا إذا لم نقبلها منكم”. “وقف عمر يخطب الناس وعليه ثوب طويل فقال: أيها الناس، اسمعوا وَعُوا. فقال سلمان الفارسي: والله لا نسمع ولا نعي. فقال عمر: ولِمَ يا سلمان؟ قال: تلبس ثوبين، وتُلْبِسُنا ثوبا. فقال عمر لابنه عبد الله: يا عبد الله، قُمْ أَجِبْ سلمان. فقال عبد الله: إنّ أبي رجل طويل، فأخذ ثوبي الذي هو قسمي مع المسلمين ووصله بثوبه. فقال سلمان: الآن قُلْ يا أمير المؤمنين نَسْمَعْ، وأْمُرْ نُطِعْ”. “قال عمر مرة على المنبر للناس: ما أنتم فاعلون لو حِدْتُ على الطريق هكذا؟ وحَرَفَ يده. فقام رجل من آخر الناس وسَلَّ سيفه وقال: والله لو حِدْتَ عن الطريق هكذا لقُلْنا بالسيوف هكذا. فقال عمر: الحمد لله، الذي جعل في رعيتي مَنْ لو حِدْتُ على الطريق قَوَّمَني”.”طالب عمر على المنبر بتقليل مهور النساء، فقامت امرأة من آخر المسجد فقالت: يا أمير المؤمنين، إنّ الله يقول: “وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئا”. فقال عمر: أصابت امرأة، وأخطأ عمر”.
ويختتم د. الأسوانى مقاله مؤكدا أن “الديمقراطية هى الحل”. وتعقيبنا على هذا الشعار هو نفسه ما قلناه مرارا فى هذا الرد، إذ ليست العبرة فى الديمقراطية فى حد ذاتها، لأن الديمقراطية ليست سوى نصوص لا تتحقق من تلقاء نفسها، بل لا بد لها من ناس يؤمنون بها ويجتهدون فى تطبيقها ولا يَنُون لحظة فى الدفاع عنها إذا ما شاموا خطرا يحدق بها بل يكونون على استعداد تام للموت فى سبيلها. لكن نعود فنقول: ما دام الإسلام، كما قال علاء الأسوانى هو نفسه، قد سبق الديمقراطية وتفوق عليها فلِمَ نترك الإسلام ونأخذ بالديمقراطية؟ وفوق ذلك فالإسلام هو ديننا، والديمقراطية نتاج غربى، وهذا سبب آخر يستحثنا استحثاثا إلى أن نُؤْثِر الإسلام على الديمقراطية، إذ نجد فيه شخصيتنا وماضينا وتطلعاتنا، ونُرْضِى به ربنا ونريح به ضمائرنا ونحقق من خلاله ذاتنا بدلا من هوان التبعية والذيلية التى يريد فريق منا أن نرضى بها وننظر إليها بوصفها غاية المنى. كما أن الإسلام هو دين الله الحق، وهذا كفيل بأن يجعل تحمسنا لمبادئه أقوى من تحسمنا لمبادئ الديمقراطية المستوردة من الغرب، الذى أذلنا واحتل أوطاننا واعتدى علينا وعلى نسائنا وأموالنا وكرامتنا.
ولا ننس أن استعادة نظام الخلافة هو مطلب الأمة أجمع: مصلحيها وجماهيرها على السواء. وهو ليس وليد اليوم حتى يقول القائلون إنه مطلب فريق من الساسة البكاشين الذين يعملون على خداع السذَّج للفوز بكراسى المجلس النيابى ورئاسة الجمهورية، بل يعود إلى أوائل الربع الثانى من القرن البائد عقيب إلغاء الخنزير مصطفى كمال له فى ذلك التاريخ. ومنذ ذلك الوقت والمسلمون يتطلعون إلى اليوم الذى تعود فيه الخلافة، إذ يرون فيها رمز عزهم ومجدهم والعروة الوثقى التى تحميهم من التهافت والضعف والضياع.
أما ما يزعمه د. الأسوانى من أن دولة الخلافة من شأنها التضييق على الحريات واتهام من يخرج عليها بالكفر، فالرد عليه أنه يعرف جيدا ألا أحد فى الإسلام معصوم، بل نحن كلنا بشر نصيب ونخطئ. ولقد كان الصحابة يراجعون الرسول فى كل أمر من أمور دنياهم فيأخذ بما يثبت أنه صواب، ويرجع عما كان بسبيل عمله حين يتبين له أنه لا يوصل إلى المراد. بل ها هو ذا الأسوانى نفسه يرى معنا كيف أن شيخ الأزهر والمفتى لا يسلمان من سهام النقد تنهال عليهما من كل جانب، ويكاد ألا يرضى عنهما أحد حتى فى أمور الدين والشريعة.
فالمشكلة ليست عندنا بل عند غيرنا ممن يؤمنون بعصمة رؤسائهم الدينيين وينحنون على أقدامهم يقبلونها ولا يجرؤ أحد على مخالفتهم فى صغيرة أو كبيرة، فضلا عن الخروج عليهم، وإلا كان مصيره أسود من القطران لدرجة أنه، حين يموت، لا يجد من يحن عليه ويصلى له، بل يتركونه يموت ميتة الكلاب حتى لو دار أهله بجثته على دور عبادتهم دارا دارا. وعلاوة على ذلك فإن رؤساءهم الدينيين الذين يُفْتَرَض، بنص دينهم نفسه، ألا يتدخلوا فى أمور الدنيا والسياسة وتدابير قيصر يمارسون القيصرة ذاتها بكل توحشها وإجرامها واستبدادها وعسفها. ولو بدا لهم أن يَنْهَوْا أتباعهم عن التنفس إلا من فتحة أنف واحدة، وفى ساعات معلومة من النهار لا يعدونها، لالتزم أولئك الأتباع بما يَنْهَوْنَهم عنه مهما كان من سخفه وتنطعه وتعذيبه لهم وتحويله حياتهم إلى جحيم لا يطاق. ولا يستطيع أحد من أتباعهم أن يتحول إلى دين آخر، وإلا كانت عاقبته بشعة، فالخطف والسجن ينتظر النساء، أما الرجال فنصيبهم القتل، فى الوقت الذى يُتَّهَم المسلمون والإسلام بالإرهاب ومصادرة حرية المعتقد رغم أن من يريد من المسلمين والمسلمات أن يتنصر فإنه يفعل ذلك بحرية تامة لا يراجعه أحد فى قراره. ومع هذا كله لا تجد أحدا من المفاليك الصعاليك يجرؤ على أن يبربش بعينه فى وجه أى من هؤلاء الجلادين الذين يركبون البشر ركوبهم للدواب ويذلونهم باسم الدين، بل ترى أولئك المفاليك الصعاليك وقد صاروا عميانا لا يبصرون، وطرشا لا يسمعون، وبكما لا ينطقون، وأصناما لا يشعرون، ووقحين معنا نحن المسلمين فقط لا يستحون ولا يخجلون!
وعودا إلى ما قاله د. الأسوانى فى المقارنة بين الديمقراطية ونظام الحكم الإسلامى نقول: هل منع النظام الديمقراطى الأمريكانَ مثلا من إبادة الهنود الحمر؟ أما خلافة الإسلام، التى لاتعجبه، فقد عاش فى ظلها اليهود والنصارى والصابئة والدروز والبوذيون والهنادكة وغير ذلك من أصحاب النحل والمذاهب والأديان عيشة الكرامة لا يمس أحد لهم طرفا من أطراف ثيابهم ولا اعتدى أحد على دار من دور عبادتهم ولا صادر أحد قنينة خمر من خمورهم. كذلك هل منعت الديمقراطية الاستعماريين البيض من التنكيل بأصحاب البلاد السود فى جنوب أفريقيا وغيرها من بلاد القارة السوداء وتقتيلهم واعتقالهم وتعذيبهم واستعبادهم وسرقة ثرواتهم؟ أو هل منعت الديمقراطية أصحابها أن يظلموا المسلمين الذين يعيشون معهم فى ذات المجتمع كما هو الحال مثلا فى فرنسا أم الحريات والأنوار، التى تضيّق على مواطنيها المسلمين فتمنعهم من بناء ما يحتاجونه من مساجد مما يضطرهم إلى تأدية صلاة الجمعة على الأرصفة فيهيج بسبب ذلك الفرنسيون ويتهمونهم بأنهم يريدون تغيير مظهر البلاد. عجيبة! لا هذا نافع ولا هذا نافع. ترى ماذا يفعل المسلمون؟ وفى سويسرا تمنع الديمقراطية المسلمين من بناء مآذن لمساجدهم. بأى حق بالله تفعل سويسرا هذا، وهى من البلاد الديمقراطية جدا؟ لماذا المسلمون بالذات يمنعون من بناء مآذنهم؟ وأين المساواة التى يصدعنا الديمقراطيون بها؟
كما أن المسلمات ممنوعات فى فرنسا وبعض البلاد الأوربية الأخرى من تغطية شعورهن. ترى ما دخل الحكومة الفرنسية فى تغطية المسلمات شعورهن؟ ومنذ متى كانت الديمقراطيات تتدخل فى ملابس النساء؟ إن فرنسا تترك النساء يفعلن بأنفسهن ما يشأن من عرى، لكنها لا تترك المرأة المسلمة تستتر طبقا لما يأمرها بها دينها. لماذا؟ ولماذا أيضا لا نرى متصايحينا المصريين الكارهين لكل شىء إسلامى يخطئون ولو مرة يتيمة فيدافعون عن هؤلاء المسلمين المساكين فى بلاد الغرب، لا من باب الدفاع عن مسلمين (لا سمح الله، فهذا تخلف ورجعية)، ولكن من باب الدفاع عن الديمقراطية وحق بعض بنى البشر فى أن يرتدوا ما يحبون، على الأقل: قياسا على حق بعض بنى البشر فى التعرى كما يحبون؟ كذلك هل سوت الديمقراطية بين البيض والسود فى فرنسا؟ أبدا، ولا فى أمريكا، التى كانت، إلى وقت قريب، تعامل رعاياها السود معاملة أخس من معاملة الحيوانات، بل وتقتلهم فى كثير من الأحيان دون أى ذنب، ودون أى خالجة من ضمير. وما زال البيض حتى الآن فى كل بلاد الغرب يرفضون رفضا باتا زواج بناتهم من السود رغم أنهم يتغاضَوْن عن زناهم بهن. وهو ما يحتاج إلى دراسة نفسية لهذا الشذوذ الخلقى والاجتماعى. وفى بعض البلاد الأوربية يهيج الناس هيجان الثيران المتوحشة ضد التزام المسلمين بأوامر شريعتهم فى ذبح الحيوانات، ويريدون إجبارهم على اتباع أساليبهم هم بخنقها أو كهربتها أو ضربها على رأسها. ترى لم كل هذا التعنت يا أهل الديمقراطية؟
كذلك هل منعت الديمقراطية انفجار الحرب المهلكة بين شمال الولايات المتحدة وجنوبها؟ أو هل منعت الديمقراطية اشتعال المعارك الرهيبة فى الحربين الكونيتين بين الدول الغربية ذاتها التى ظلت سنين عددا تتناحر وتتبادل التدمير الساحق الماحق لكل شىء ولكل نفس حية تطولها المدافع والقنابل والبنادق والصواريخ والدبابات والطائرات؟ أو هل منعت الديمقراطية ظهور هتلر وموسولينى وما جره كل منهما على بلاده والبلاد الأخرى من دمار وخسار؟ أو هل منعت الديمقراطية احتلال بلاد الآخرين واستعبادهم والاستبداد بهم والعمل على إبقائهم متخلفين لا يتقدمون، وفقراء لا يغتنون، ومحتقَرين لا يَعِزّون، ومفككين لا يتَّحِدون؟ أو هل منعت الديمقراطية الشعبية فى الكتلة الشرقية شعوبها من أن تعانى على أيدى حكامها من العسف والقهر والإبادة الجماعية وغير ذلك من ضروب البطش والسحق؟ وهل منعت الديمقراطية جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسنى مبارك من تزييف الاستفتاءات والانتخابات والفساد البشع الذى عرفته بلادنا الموكوسة، أو من الاعتقالات الجماعية (التى بلغت فى عهد المخلوع عشرات الآلاف)، بالإضافة إلى القتل دون جريمة أو محاكمة؟ وهل منعت الديمقراطية أنبياءها الزائفين من أبناء جلدتنا الذين نراهم حولنا يتشمسون ويُفَلُّون أنفسهم لصق جدران ما يسمى: “حقوق الإنسان” من المناداة بشطب نتائج الاستفتاء الأخير بحجة أن الشعب غير مؤهل للإدلاء برأى صائب فيما يراد استفتاؤه فيه؟ فهل نقول نحن أيضا: دعونا من الديمقراطية، ولا تقلدوا دون كيشوت فى محاربة طواحين الهواء؟
إننا لا نقول إن من يدعون إلى العمل على استعادة نظام الخلافة سوف يكونون بالضرورة حكاما صالحين، بل نعرف عرفان اليقين أنهم يمكن أن يُصْلِحوا، ويمكن أن يُفْسِدوا. وهذا أو ذاك إنما يتوقف على مدى إخلاصهم وتجردهم واستحصاد خبرتهم ومرونتهم ودهائهم السياسى وابتعادهم عن الديماجوجية التى يبرع فيها سياسيونا الحاليون وتنتهى دائما بالكوارث، وكذلك على موقف الشعب منهم وهل سيتركهم يعملون ما يشاؤون دون حسيب أو رقيب أو سيظل يقظا واعيا ممسكا بسيف النقد والتوجيه والتقويم، وعلى موقف الدول الأخرى منا، وبخاصة الدول الغربية، التى لن تتركنا فى حالنا، بل ستبذل كل جهودها لعرقلتنا وإضعافنا وبذر بذور الشقاق بيننا وتجنيد العملاء من بين ظَهْرَانَيْنا ليكتبوا ضد ديننا ويخذلونا عن التمسك به واستلهامه فى نظامنا السياسى ويسخروا منه ومن رموزه ويضعوا يدهم فى يد الشيطان حربا علينا وعلى قيمنا ومصالحنا ويدعوا إلى إلغاء المادة الثانية من الدستور حتى لا تكون منطلقا لآمالنا نحو التحليق عاليا، ولحماستنا نحو الاشتعال والتوهج، ولثقتنا نحو النمو والازدياد… وهكذا.
لكنْ مما يطمئننا أنه سوف تكون هناك انتخابات حرة، وأن المجالس النيابية بعد ثورة يناير العظيمة سوف تكون شيئا آخر، كما سيكون رؤساء الجمهورية من طينة مغايرة لما عهدناه فى رؤسائنا حتى الآن، أو هذا على الأقل ما نرجوه وما نظن أنه سيكون. وهذا ما تنبه إليه المستعرب الصينى تشونج جى كون، الذى قال فى حوار له مع صحيفة “المصرى اليوم” فى 15 مايو 2011م إنه “لا يخشى وصول التيارات الإسلامية إلى السلطة مادام حدث ذلك فى انتخابات حرة ديمقراطية”. لقد سئل الرجل: “تيارات كثيرة داخل وخارج مصر الآن متخوفة من وصول الإسلاميين إلى السلطة بعد زوال النظام السابق، هل تؤيد هذا التخوف؟”، فكان جوابه: “لا أتخوف من وصول التيارات الدينية للسلطة ما دامت أنها ستأتى عبر انتخابات ديمقراطية تعبر عن رأى الشعب”. أما إذا كانت الأخرى وتقاعس نواب الأمة عن محاسبة المسؤولين، وتقاعست الأمة بدورها عن محاسبة نوابها المقصرين، فلا يلومن الشعب حينئذ إلا نفسه، فإن الله لا يظلم الناس مثقال ذرّة، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون كما أكد القرآن الكريم مرارا.
هذا، وهناك من يتهم الأسوانى بأنه سرق مقاله الحالىّ من جهاد الخازن الصحفى بجريدة “الحياة” اللندنية، الذى كان قد كتب مقالا مشابها (وكالعادة بالمصادفة المحضة أيضا) قبل ذلك بأيام قليلة جدا. ويمكن القارئ أن يرجع فى ذلك إلى مقال فى جريدة “المصريون” الضوئية (عدد الاثنين 6/ 6/ 2011م) بقلم أحمد سعد البحيرى اسمه: “تاب المسروق منه ولم يتب السارق- علاء الأسواني يسطو على مقالة لجهاد الخازن في هجاء التاريخ الإسلامي وينشرها معدلة وينسبها لنفسه”.
وهذا مقال الخازن لمن يريد المقارنة بين الكاتبين وما كتباه، وإنها لمقارنة ممتعة ومغرية، وهو بعنوان: “أيُّ خلافة هي التي يتحدثون عنها؟”: “بعض الجماعات المتطرفة في البلدان العربية والخارج جعل إحياء الخلافة الإسلامية هدفه لو وصل الى الحكم يوما. أيُّ خلافة هي التي يتحدثون عنها؟ هل هناك تاريخ غير ما درسنا في المدارس والجامعات؟ نحن في السنة الهجرية 1432، وهذا تاريخ لا يضم سوى سنتين يستطيع المسلم أن يفاخر بهما هما خلافة أبي بكر الصديق، فهو أخضع الجزيرة العربية كلها للمسلمين، ومنها انطلق عصر الفتوحات الذي كان بين بدء خلافته سنة 632 ميلادية حتى فتح الأندلس سنة 711، أي 79 سنة فقط، ولا نزال حتى اليوم نخسر ونخسر. قد نفيق يومًا ولم يبقَ لنا شيء.
عمر بن الخطاب أراد أن يفاوض المرتدّين، وقال له أبو بكر: أجبّارٌ في الجاهلية خوّارٌ في الإسلام يا عمر؟ والله لو أنهم نازعوني عقالاً كانوا يؤدونه رسول الله لقاتلتهم عليه. والفاروق عمر كان عادلاً جدًّا، إلا أنه كان شديدا قسا على ابنه لسُكْره، وجَلَدَه وهو مريض فمات. وكان أول قرار له بعد خلافته أبي بكر عزْل خالد بن الوليد أعظم قائد عسكري في تاريخ العالم كله لخلاف بينهما وهما صغيران. أما عثمان بن عفان فقدم أقاربه. ويلخص سنوات حكمه قول الإمام علي: أثَر عثمان فأساء الأثَرَة، وجزعتم فأسأتم الجزع (الجزع عدم الصبر وليس الخوف كما يفهمها العامة). وكان علي بن أبي طالب عبقريا في كل شيء سوى التعامل مع الناس ربما لصغر سنه.
ثلاثة خلفاء راشدين من أربعةٍ مجموعُ حكمِهم 29 سنة من أصل 1432 سنة هجرية من قُتِلوا غدرا. والأمويون الذين أسلم كبيرهم أبو سفيان عام الفتح خوْفَ السيف اغتصبوا الحكم، وكانوا ملوكًا لا خلفاء. يزيد بن معاوية قتل حفيد الرسول. ويزيد الثالث سُمِّي يـ”زيد الناقص” بعد أن خفض أعطيات الناس. وابنه الوليد رمى القرآن الكريم بسهم بعد أن فتحه ووجده يتوعد كل جبار عنيد. وله شعر عن الموضوع حفظتْه لنا كتب التراث لن أكرره هنا.
العباسيون حاربوا باسم آل البيت، وعندما حكموا تفردوا بالحكم. وهم بدأوا بالسفاح، وخَلَفه أبو جعفر المنصور فقتل قائد قواته أبا مسلم الخراساني وبسط فوق جثته سجادة أكل عليها مع رجاله. وبطش هارون الرشيد بالبرامكة ضِيقًا بحب الناس لهم، وربما لأنهم شيعة. وجعفر البرمكي قُطِّع ثلاث قطع عُلِّق كل منها على جذع. والأمين كان شاذا حتى إن نساء عصره لبسن ثياب الرجال، فكان اسمهن “الغلمانيات”. والمأمون قتل أخاه الأمين، وقتل أو عذب شيوخ عصره الذين خالفوا آراءه في الدين والفلسفة، وأصبح الشاعر يقول:
ألم ترَ الخلافة كيف حالت حتى صارت لأبناء السراري
(صحة البيت على النحو التالى:
ألم تر للخلافة كيف ضاعت إذا كانت بأبناء السّراري؟)
ومن السفاح الى المتوكل أقل من مئة سنة هي كل حكم العباسيين الحقيقي، وبعد ذلك كان الخليفة اسما، والحكم للبويهيين أو السلاجقة، ولدويلات انتهت بهولاكو، الذي دمر بغداد وقتل الخليفة المستعصم وأهل بيته والسكان وأحرق مدينتهم.
قبل أن أنسى: طارق بن زياد فتح الأندلس سنة 711 ميلادية، وتبعه قائده موسى بن نصير فكافأه بعزله، وحمل موسى معه الى دمشق غنائم لم يرَ المسلمون مثلها. وعندما وصل الى طبرية طلب منه سليمان بن عبدالملك أن ينتظر حتى يموت أخوه الوليد الخليفة المريض، فلم يفعل، وسلم الغنائم ومعها أمراء القوط الى الوليد، فخلفه سليمان وعاقب موسى بن نصير أشد عقاب فأوقفه في الشمس يوما حتى غُشِيَ عليه. وقيل إنه شوهد في آخر أيامه يستعطي على طريق المدينة أو في وادي القرى من أعمال الحجاز. هكذا كوفئ خالد وطارق وموسى وأبو مسلم.
التفاصيل أفظع ألف مرة من العناوين السابقة، إلا ان التاريخ السياسي للخلافة لا يلغي أن العرب بنوا نهضة فكرية وحضارة من أرقى مستوى عالمي، وكانوا الجسر الذي عبرت به أوروبا من عصور الظلام الى عصر النهضة. وأكتفي بالورق مثلاً، فقد وصل الى العرب من الصين سنة 751 ميلادية، وهم طوروا صناعته ونشروا استعماله، ومن دونه كان يستحيل أن تقوم أي نهضة.
في الجامعة درستُ العلوم السياسية، ثم الأدب العربي والدين الإسلامي، وعملتُ لدكتوراه لم أكملها في تاريخ الشرق الأوسط. وقد وجدت طالبًا وكاتبًا أن قراءتنا التاريخ انتقائية، فنحن نختار منه ما يناسبنا من إيجابيات، ونعمى عن الجرائم. الخلافة الوحيدة التي أفاخر بها هي خلافة أبي بكر، ولا أريد أن أرى في أي بلد عربي دولة الخلافة، وإنما دولة مدنية تتسع لجميع المواطنين تستهدي قوانينها من القرآن والسنّة، ولا تخالف الشريعة، دولة قانون عصرية، الحكم فيها للشعب لا لديكتاتور حتى لو كان متنوّرا”.
وأخيرا فقد شاءت المصادفة المحضة أيضا، وكم للمصادفات من مشيئات بل تحكمات عجيبة، أن يتوافق الأسوانى كذلك مع الصهاينة فى التخويف من الجماعات السياسية الإسلامية بالقول بأنهم يسعون إلى إعادة الخلافة عند وصولهم إلى السلطة، والتشنيع عليهم بأنهم يعادون الديمقراطية. ذلك أنى قرأت، أثناء مراجعتى الأخيرة لهذا الرد، أى بعد أيام قليلة جدا من نشر د. علاء مقاله الذى يهاجم فيه الخلافة ويسخر ممن يفكرون فى إحيائها ردا على تكتل دول الغرب فى أنظمة سياسية وعسكرية كحلف شمال الأطلنطى والسوق الأوربية المشتركة وما إلى ذلك، والذى نشره بدوره، وبالمصادفة المحضة أيضا، بعد أيام قليلة جدا من نشر جهاد الخازن مقاله فى جريدة “الحياة”، أقول: قرأت مقالا فى جريدة “المصريون” الضوئية عنوانه “استبعدَ أن تكون الحكومة القادمة ليبرالية. رئيس الموساد الأسبق: ما يحدث في مصر هو التمهيد لعودة الخلافة الإسلامية على يد الإخوان المسلمين” جاء فيه: “يبدو أن الإشارات التي أرسلتها جماعة “الإخوان المسلمين” في صورة تطمينات للداخل والخارج بعدم السعي للهيمنة على السلطة لم يتم قراءتها على هذا النحو في الأوساط الإسرائيلية في ظل نظرة المحللين الإسرائيليين لما يجري على الساحة في مصر على أنه مؤشر على وصول الجماعة للحكم في مصر.
وكان آخر من أشار إلى ذلك شبتي شافيط رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلية (الموساد) الأسبق (بين عامي 1989 و1996) في مقابلة مع موقع “بورت تي بورت” الإخباري الإسرائيلي نُشِرَت الثلاثاء، مستبعدًا أن تكون الحكومة المصرية المقبلة حكومة ديمقراطية أو ليبرالية، واعتبر أن ما يجري الآن في مصر هو التمهيد للخلافة الإسلامية على يد “الإخوان المسلمين”. وقال شافيط إن “العالم العربي، وفي ظل ما يشهده من ثورات، شعبية أصبح مليئا بالصراعات بشكل لم يسبق له مثيل”، معربا عن تشاؤمه من نتائج تلك الثورات، مشيرا إلى أنه “من الصعب خروج أنظمة ديمقراطية وليبرالية عربية من ثورتي مصر وتونس. رغم نجاح الجماهير الشعبية في تلك الدولتين في إسقاط الحكام لا توجد أي مؤشرات على تغير ديمقراطي” على حد زعمه.
وأعرب عن اعتقاده بأنه لن يكون هناك حكم ديمقراطي في مصر، ورأى أن ما يحدث الآن هو تمهيد للخلافة الإسلامية على يد “الإخوان المسلمين”، الذين وصفهم بأنهم الأكثر أهمية وفعالية وتنظيما في مصر، كما أن لديهم الفرصة في التحول لكتلة برلمانية قوية بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة، وهو ما حذر منه قائلا إن ذلك سيبعد مصر عن طريق الديمقراطية على حد قوله. يذكر أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي يدير شئون البلاد منذ الإطاحة بحسني مبارك من الحكم في 11 فبراير الماضي، أكد غير مرة التزامه بالاتفاقات الدولية بما فيها معاهدة السلام مع إسرائيل. كما أن جماعة “الإخوان” أكدت ما يشير إلى عدم عزمها إلغاء الاتفاقية، وإن صدرت إشارات بإمكانية إعادة النظر في بعض بنودها، على أن يكون ذلك وفق رغبة الشعب المصري”.
والآن هل يستطيع القارئ الكريم أن يجد مِنْ فَرْقٍ بين ما قاله د. علاء الأسوانى وما قاله قبله جهاد الخازن بأيام وما قاله شبتي شافيط الرئيس الأسبق للموساد بعده بأيام أيضا؟ الواقع أن الثلاثة يبدون وكأنهم ينزعون جميعا عن قوس واحدة. إلا أننا نعود فنقول إنها “المصادفة المحضة”، وكم للمصادفات المحضة من تحكمات غريبة. أما مالك بن نبى، الذى يجتهد فى تفسير أحداث التاريخ الإسلامى تفسيرا علميا وكأنها بعض ظواهر الطبيعة فتجرى عليها من ثم قوانين الفيزياء والكيمياء وما إليها فمن المؤكد، لو أنه لا يزال بيننا حيا الآن، أن يكون له فى هذا الأمر، الذى تقع فيه لندن والقاهرة وتل أبيب على خط واحد، توجيه آخر. أما أنا فلست، فى أقصى مداى، سوى ناقد أدبى، وإلى حد ما مفكر إسلامى إن سمح نقاد الأدب ومفكرو الإسلام بأن يتنازلوا فيفسحوا مكانا لى بينهم. أى أنى رجل على قد حاله. وهنا تدرك شهرزاد الصباح فتسكت عن الكلام المباح والمستباح.
رجب 1432 هجرية
__________________
إن عرفتَ أنك مُخلط ، مُخبط ، مهملٌ لحدود الله ، فأرحنا منك ؛ فبعد قليل ينكشف البهرج ، وَيَنْكَبُّ الزغلُ ، ولا يحيقُ المكرُ السيء إلا بأهلِهِ . [ الذهبي ، تذكرة الحفاظ 1 / 4 ].
قال من قد سلف : ( لا ترد على أحد جواباً حتى تفهم كلامه ، فإن ذلك يصرفك عن جواب كلامه إلى غيره ، و يؤكد الجهل عليك ، و لكن افهم عنه ، فإذا فهمته فأجبه ولا تعجل بالجواب قبل الاستفهام ، ولا تستح أن تستفهم إذا لم تفهم فإن الجواب قبل الفهم حُمُق ) . [ جامع بيان العلم و فضله 1/148 ].
جزاك الله خيرا على توضيح الحقائق
hragaey 30-08-2011, 04:39 AM ههههههههههههههههههههه
حلوة اى كلمة تيجى مجموعة الشتمين يشتمو اى واحد يتكلم
على فكرة راجعوا فى ظلال القران وكلام سيد قطب عن سيدنا عثمان
ههههههههههههههههههههههههههههههههههههه
على سبيل الحق 30-08-2011, 03:13 PM ههههههههههههههههههههه
حلوة اى كلمة تيجى مجموعة الشتمين يشتمو اى واحد يتكلم
على فكرة راجعوا فى ظلال القران وكلام سيد قطب عن سيدنا عثمان
ههههههههههههههههههههههههههههههههههههه
لا لن نراجع فنحن نعلم ما فيه من الباطل المتراكم المتدافع من سب كثير من الصحابة والانتقاص منهم وعرض القرآن كأنه مسرحية
والتلميح إلى عقيدة الحلول والاتحاد من حيث يدري أو لا يدري
وهذا الكتاب من سوءات سيد قطب غفر الله لنا وله
ياسيدي لقد كان الأستاذ سيد قطب رحمه الله رجل بلاغة لا رجل شريعة وعلم وهذا معلوم لكل أحد يفقه في دين الله شيئا
ثم واعجباه لك!!!!!!أتستدل بقول سيد وقطب وغيره ممن هم أشد منه وأسد على أمير المؤمنين عثمان رضوان الله عليه الذي مات رسول الله وهو عنه راض بل وأمره ألا يترك الأمر الذي ولاه الله
أيبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا بالجنة يفعل ما أخبر به صاحبك
ثم يقف الصحابة جميعهم أمام هذا الظلم-وحاشاه أن يكون وقع فيه- لا يأمرون بمعروف ولا ينكرون منكرا.
تعلم يأخي يرحمك الله
ولا تمش وراء كل ناعق بسوء
الرجل هذا ليس له هم إلا صنع ما يتلاعب فيه الرجل والنساء ويركب بعضهم بعضا!!!أهذا ياسيدي يتحدث في الإسلام وفي تاريخ المسلمين وفي أشرف جيل صنعه الله؟!!!!!!!!!!!!
على سبيل الحق 30-08-2011, 03:15 PM وحسبك بما قال أستاذي جهاد ونقولاته المنمازة
hragaey 30-08-2011, 08:21 PM لا لن نراجع فنحن نعلم ما فيه من الباطل المتراكم المتدافع من سب كثير من الصحابة والانتقاص منهم وعرض القرآن كأنه مسرحية
والتلميح إلى عقيدة الحلول والاتحاد من حيث يدري أو لا يدري
وهذا الكتاب من سوءات سيد قطب غفر الله لنا وله
ياسيدي لقد كان الأستاذ سيد قطب رحمه الله رجل بلاغة لا رجل شريعة وعلم وهذا معلوم لكل أحد يفقه في دين الله شيئا
ثم واعجباه لك!!!!!!أتستدل بقول سيد وقطب وغيره ممن هم أشد منه وأسد على أمير المؤمنين عثمان رضوان الله عليه الذي مات رسول الله وهو عنه راض بل وأمره ألا يترك الأمر الذي ولاه الله
أيبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا بالجنة يفعل ما أخبر به صاحبك
ثم يقف الصحابة جميعهم أمام هذا الظلم-وحاشاه أن يكون وقع فيه- لا يأمرون بمعروف ولا ينكرون منكرا.
تعلم يأخي يرحمك الله
ولا تمش وراء كل ناعق بسوء
الرجل هذا ليس له هم إلا صنع ما يتلاعب فيه الرجل والنساء ويركب بعضهم بعضا!!!أهذا ياسيدي يتحدث في الإسلام وفي تاريخ المسلمين وفي أشرف جيل صنعه الله؟!!!!!!!!!!!!
[/color][/size]قد أثير كلام كثير حول مقتل الخليفة عثمان، وتضاربت الأقوال والروايات في ذلك، وخصوصاً بما يتعلق بالفئة التي كانت تحرّض على قتله، والأسباب التي كانت تدفعهم لذلك الأمر، وبلوغ تلك الأحداث ذروتها بمقتله.على أنّ أرجح التفسيرات لذلك تكمن في الممارسات على صعيد سدة الحكم، وتعيين الولاة من أقرباء الخليفة عثمان وصرف الأموال لهم من خزينة الدولة الأمر الذي أثار ضده ملامة اللائمين وثورات الثائرين. يقول الكاتب المعروف خالد محمد خالد: "بل لانكاد نشك في أنّ عثمان كان يدرك أيضاً أنّ أكثر الذين رحبوا باختياره للخلافة دون علي كرم الله وجهه.... إنّما فعلوا ذلك رغبة منهم في الانعتاق من تزمت الحياة وتقشف المعيشة اللذين طالت معاناة الناس لهما، واللذين سيفرضان عناءهما من جديد لو تسنم الأمر علي بن أبي طالب الذي كان بمنهجه الصارم وعدله المكين وتقشفه وورعه يمثل امتداداً لصرامة عمر وعدله وتقشفه وورعه..."(1).
وقد لعبت أيادي أقرباء الخليفة عثمان من بني أمية بأموال الدولة لدرجة أنّ البعض يعتقد بأنّ الدولة الأموية بدأ حكمها منذ اختيار الخليفة عثمان ومبايعته، وهذا أبو سفيان يؤكد هذا الرأي أيضاً بقوله للخليفة عثمان بعد أن عقدت البيعة له: "يا بني أمية تلقفوها تلقف الكرة، فوالذي يحلف به أبو سفيان ما زلت أرجوها لكم، ولتصيرن إلى صبيانكم وراثة" (2). وفي رواية أخرى: "تلقفوها تلقف الكرة فما هناك جنة ولا نار" (3).
وكان من ضمن الذين اعترضوا على الخليفة عثمان فضلاء الصحابة: كأبي ذر الغفاري، وعبدالله بن مسعود، وعمار بن ياسر،
____________
1- خلفاء الرسول لخالد محمد خالد ص276 ط الثامنة.
2- مروج الذهب للمسعودي ج2 ص351، الاستيعاب ج4 ص1679.
3- شرح نهج البلاغة ج9 ص38.
حيث وقف منهم الخليفة موقفاً متشدداً، وأجرى عليهم عقاباً مريراً. فأما أبوذر فقد لاقى النفي إلى الربذة عقاباً له بسبب اعتراضه على معاوية ـ والي الخليفة على الشام ـ في كنزه للذهب وتبذيره للمال على حساب بيت مال المسلمين.
فعن زيد بن وهبة قال: "مررت بالربذة فإذا أنا بأبي ذر رضي الله عنه، فقلت له: ما أنزلك منزلك هذا؟ قال: كنت بالشام فاختلفت أنا ومعاوية في ـ (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله)(1) ـ. قال معاوية: نزلت في أهل الكتاب. فقلت: نزلت فينا وفيهم. فكان بيني وبينه في ذلك، وكتب إلى عثمان(رضي الله عنه)يشكوني. فكتب إليّ عثمان: أن أقدم المدينة فقدمتها: فكثر علي الناس حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك.
فذكرت ذلك لعثمان، فقال لي: إن شئت تنحيت فكنت قريباً. فذاك الذي أنزلني هذا المنزل، ولو أمّروا علي حبشياً لسمعت وأطعت"(2).
وأمّا عبدالله بن مسعود صاحب بيت المال في الكوفة، فقد لاقى كسراً في أضلاعه بعد أن ضربه غلام عثمان عقاباً بسبب اعتراضه على الوليد بن عقبة بن أبي معيط ـ أخ الخليفة عثمان لأمه
____________
1- سورة التوبة: 34.
2- صحيح البخاري ج2 ص133 كتاب الزكاة.
وأمّا عمار بن ياسر، فقد لاقى الفتق نتيجة للضرب المبرح من غلام عثمان عقاباً له لصلاته على ابن مسعود ودفنه دون إعلام الخليفة عثمان بذلك. إلاّ أنّ عمار فعل ذلك بوصية من ابن مسعود حتى لا يصلي عليه الخليفة (2)!
وغيرهم الكثيرون ممن اعترضوا على تبذير أقرباء الخليفة من بني أمية لأموال الدولة العامة، فمروان بن الحكم مثلاً أخذ لوحده خمس خراج افريقيا! وراجع المزيد عن الخليفة عثمان من كتاب "خلافة وملوكية" للعلامة المودودي.
وقد كان لغضب أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنه) واعتراضها على الخليفه عثمان، بل وتحريضها على قتله بقولها: "اقتلوا نعثلاً فقد كفر" (3) بعد أن اتهمته بتغيير سنة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ما عمل على ازدياد
____________
1- البلاذري في أنساب الأشراف ج6 ص147، تاريخ اليعقوبي ج2 ص170، شرح نهج البلاغة ج1 ص154.
2- شرح ابن أبي الحديد ج3 ص42 و47 و50، تاريخ اليعقوبي ج2 ص170 ـ 171.
3- الطبري ج4 ص459، النهاية لابن الأثير ج5 ص80، وغيرها من المصادر.
hragaey 30-08-2011, 08:25 PM ابرز من حرض على قتل عثمان :
تحريض عائشة على قتل عثمان
تاريخ الطبري - الجزء : ( 3 ) - رقم الصفحة : ( 477 )
[ النص طويل لذا إستقطع منه موضع الشاهد ]
- فإنصرفت إلى مكة وهي تقول : قتل والله عثمان مظلوماًً والله لأطلبن بدمه ، فقال لها إبن أم كلاب : ولم فوالله إن أول من أمال حرفه لأنت ولقد كنت تقولين : إقتلوا نعثلاً فقد كفر ، قالت : إنهم إستتابوه ثم قتلوه وقد قلت ، وقالوا : وقولي الأخير خير من قولي الأول فقال لها إبن أم كلاب :
منك البداء ومنك الغير * ومنك الرياح ومنك المطر
وأنت أمرت بقتل الإمام * وقلت لنا إنه قد كفر
فهبنا أطعناك في قتله * وقاتله عندنا من أمر
ولم يسقط السقف من فوقنا * ولم ينكسف شمسنا والقمر
وقد بايع الناس ذا تدرأ * يزيل الشبا ويقيم الصعر
ويلبس للحرب أثوابها * وما من وفى مثل من قد غدر
إبن قتيبة الدينوري - الإمامة والسياسة - تحقيق الشيري - الجزء : ( 1 ) - رقم الصفحة : ( 71 )
[ النص طويل لذا إستقطع منه موضع الشاهد ]
- قال : وذكروا أن عائشة لما أتاها أنه بويع لعلي ، وكانت خارجة ، عن المدينة ، فقيل لها : قتل عثمان ، وبايع الناس علياًً ، فقالت : ما كنت أبالي أن تقع السماء على الأرض ، قتل والله مظلوماًً ، وأنا طالبة بدمه ، فقال لها عبيد : إن أول من طعن عليه وأطمع الناس فيه لأنت ، ولقد قلت : إقتلوا نعثلاً فقد فجر ، فقالت عائشة : قد والله قلت وقال الناس ، وآخر قولي خير من أوله.
إبن منظور - لسان العرب - الجزء : ( 11 ) - رقم الصفحة : ( 669 - 670 )
[ النص طويل لذا إستقطع منه موضع الشاهد ]
- نعثل : النعثل : الشيخ الأحمق ، ويقال : فيه نعثلة أي حمق ، والنعثل : الذيخ وهو الذكر من الضباع ، ونعثل : جمع ، والنعثلة .
- ونعثل : رجل من أهل مصر كان طويل اللحية ، قيل : إنه كان يشبه عثمان (ر) هذا قول أبي عبيد ، وشاتمو عثمان (ر) يسمونه نعثلاً .
- وفي حديث عائشة : إقتلوا نعثلاً قتل الله نعثلاً تعني عثمان ، وكان هذا منها لما غاضبته وذهبت إلى مكة .
الزبيدي - تاج العروس - الجزء : ( 8 ) - رقم الصفحة : ( 141 )
[ النص طويل لذا إستقطع منه موضع الشاهد ]
- ( النعثل كجعفر ) : الذيخ وهو الذكر من الضباع وقال : الليث النعثل الشيخ الأحمق و نعثل يهودى كان بالمدينة ، قيل به شبه عثمان (ر) كما في التبصير ، وقيل نعثل رجل لحيانى أي طويل اللحية من أهل مصر كان يشبه به عثمان (ر) إذا نيل منه لطول لحيته ، ولم يكونوا يجدوا فيه عيباً غير هذا هذا قول أبى عبيد.
- وفي حديث عائشة : إقتلوا نعثلاً قتل الله نعثلاً يعنى عثمان وكان هذا منها لما غاضبته
إبن أبي الحديد - شرح نهج البلاغة - الجزء : ( 6 ) - رقم الصفحة : ( 215 )
[ النص طويل لذا إستقطع منه موضع الشاهد ]
- قالوا : أول من سمى عثمان نعثلاً عائشة ، والنعثل : الكثير شعر اللحية والجسد ، وكانت تقول : إقتلوا نعثلاً ، قتل الله نعثلاً !.
- وروى المدائني في كتاب الجمل ، قال : لما قتل عثمان ، كانت عائشة بمكة ، وبلغ قتله إليها وهى بشراف ، فلم تشك في أن طلحة هو صاحب الأمر ، وقالت : بعداً لنعثل وسحقاً ! إيه ذا الإصبع ! إيه أبا شبل ! إيه يابن عم ! لكانى إنظر إلى إصبعه وهو يبايع له : حثوا الإبل ودعدعوها.
إبن أبي الحديد - شرح نهج البلاغة - الجزء : ( 20 ) - رقم الصفحة : ( 17 )
[ النص طويل لذا إستقطع منه موضع الشاهد ]
- ولقد كان كثير من الصحابة يلعن عثمان وهو خليفة ، منهم عائشة كانت تقول : إقتلوا نعثلاً ، لعن الله نعثلاً ، ومنهم عبد الله بن مسعود.
إبن أبي الحديد - شرح نهج البلاغة - الجزء : ( 20 ) - رقم الصفحة : ( 22 )
[ النص طويل لذا إستقطع منه موضع الشاهد ]
- ثم نعود إلى ما كنا فيه فنقول : وهذه عائشة أم المؤمنين ، خرجت بقميص رسول الله (ص) ، فقال ت للناس : هذا قميص رسول الله لم يبل ، وعثمان قد أبلى سنته ، ثم تقول : إقتلوا نعثلاً ، قتل الله نعثلاً ، ثم لم ترض بذلك حتى قالت : أشهد أن عثمان جيفة على الصراط غداً ، فمن الناس من يقول : روت في ذلك خبراً.
طلحة يحرض الناس على عثمان
إبن شبة النميري - تاريخ المدينة - ماروي من إختلاف في معونة علي وسعد
1944 - حدثنا : علي بن محمد ، عن أبي عمرو ، والزهري ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن عبد الله بن الزبير (ر) قال : كنت مع أبي فتلقانا : علي في بني غنم ، فقال لأبي : إني أستشيرك في أمرنا هذا ؟ فقلت له : أنا أشير عليك أن تطيع إمامك ، فقال أبي : بني خل ، عن خالك يقض حاجته ، ودعني وجوابه ، فقال علي (ر) : إن إبن الحضرمية قد قبض المفاتيح وإستولى على الأمر ، فقال أبي : دع إبن الحضرمية فإنه لو قد فرغ من الأمر لم تكن منه بسبيل ، الزم بيتك قال : قد قبلت ، وإنصرف وأتى أبي منزله فلم ألبث أن جاءني رسوله فأتيته ، فإذا وسادة ملقاة ، فقال : أتدري من كان على الوسادة ؟ ، قلت : لا ، قال علي آتاني فقال : قد بدا لك أني لا أدع إبن الحضرمية وما يريد ، فلما كان يوم العيد صلى علي (ر) بالناس ، فمال الناس إليه وتركوا طلحة ، فجاء طلحة إلى عثمان (ر) يعتذر ، فقال عثمان : الآن يا إبن الحضرمية ألبت الناس علي حتى إذا غلبك علي على الأمر ، وفاتك ما أردت جئت تعتذر ، لا قبل الله منك.
الرابط:
http://www.sonnaonline.com/Hadith.aspx?HadithID=194420
إبن شبة النميري - تاريخ المدينة - ماروي من إختلاف في معونة علي وسعد
[ النص طويل لذا إستقطع منه موضع الشاهد ]
1951 - حدثنا : هارون بن عمر قال : ، حدثنا : أسد بن موسى قال : ، حدثنا : جامع بن صبيح ، عن الكلبي قال : أرسل عثمان إلى علي (ر) يقرئه السلام ويقول : إن فلاناً ، يعني طلحة ، قد قتلني بالعطش ، والقتل بالسلاح أجمل من القتل بالعطش ، فخرج علي (ر) يتوكأ على يد المسور بن مخرمة حتى دخل على ذلك الرجل وهو يترامى بالنبل ، عليه قميص هروي ، فلما رآه تنحى ، عن صدر الفراش ورحب به ، فقال له علي (ر) : إن عثمان أرسل إلي إنكم قد قتلتموه بالعطش ، وإن ذلك ليس يحسن ، وأنا أحب أن تدخل عليه الماء ، فقال : لا والله ولا نعمة عين ، لا نتركه يأكل ويشرب ، فقال علي (ر) : ما كنت أرى أني أكلم أحداً من قريش في شيء فلا يفعل فقال : والله لا أفعل ، وما أنت من ذلك في شيء يا علي ، فقام علي (ر) غضبان وقال : لتعلمن بعد قليل أكون من ذلك في شيء أم لا ، حدثنا : علي بن محمد ، عن الشرفي بن قطامي ، عن عمه إبن السائب بمثله ، إلاّ أنه قال علي : ستعلم يا إبن الحضرمية أكون في ذلك من شيء أم لا ، وخرج علي (ر) متوكئاً على المسور ، فلما إنتهى إلى منزله إلتفت إلى المسور فقال : أما والله ليصلين حرها ، وليكونن بردها وحرها لغيره ، ولتتركن يداه منها صفراً وبعث إبنه إلى عثمان براوية من ماء.
الرابط:
http://www.sonnaonline.com/Hadith.aspx?HadithID=194427
إبن قتيبة - الإمامة والسياسة - الجزء : ( 1 ) - رقم الصفحة : ( 34 / 64 )
[ النص طويل لذا إستقطع منه موضع الشاهد ]
- أقام أهل الكوفة وأهل مصر بباب عثمان ليلاًً ونهاراًً ، وطلحة يحرض الفريقين جميعاًًً على عثمان ، ثم إن طلحة قال لهم : إن عثمان لا يبالي : ما حصرتموه ، وهو يدخل إليه الطعام والشراب فامنعوه الماء أن يدخل عليه !.
البلاذري - أنساب الأشراف - الجزء : ( 5 ) - رقم الصفحة : ( 81 )
[ النص طويل لذا إستقطع منه موضع الشاهد ]
- عن إبن سيرين : لم يكن من أصحاب النبي (ص) أشد على عثمان من طلحة
ومن الواضح مما سبق وبالرغم من التشكك فى بعض المصادر وجود لغط وتشابك كثير فى عهد عثمان (ر) وهو لم يحدث فيما سبق وهو ما أدى لقتله
hragaey 30-08-2011, 08:26 PM من قتلة عثمان :
( التابعي : محمد إبن أبابكر )
المشاقص : جمع المشقص بالكسر نصل عريض يرمى به الوحش.
إبن حجر - الإصابة - الجزء : ( 6 ) - رقم الصفحة : ( 193 )
( 8313 ) - محمد بن أبي بكر الصديق : تقدم نسبه في ترجمة والده عبد الله بن عثمان ، وأمه أسماء بنت عميس الخثعمية ، ولدته في طريق المدينة إلى مكة في حجة الوداع كما ثبت عند مسلم في حديث جابر الطويل.
الرابط:
http://www.al-eman.com/Islamlib/viewchp.asp?BID=397&CID=85&SW=الخثعمية#SR1
إبن حجر - تهذيب التهذيب - الجزء : ( 9 ) - رقم الصفحة : ( 70 )
101 - س ق ( النسائي وإبن ماجة ) محمد بن أبي بكر الصديق القرشي التيمي أبو القاسم المدني ، ولد عام حجة الوداع ، روى عن أبيه مرسلاً ، وعن أمه أسماء بنت عميس ، روى عنه إبنه القاسم ، قال إبن يونس : قدم مصر أميراً عليها من قبل علي بن أبي طالب وجمع له صلاتها وخراجها فدخل في رمضان سنة ( 37 ) وقيل في صفر سنة ( 83 ) ، قتل يوم المسناة لما إنهزم المصريون ، فقيل إنه إختفى في بيت إمرأة من غافق آواه فيه أخوها ، وكان الذي يطلبه معاوية بن حديج فلقيتهم أخت الرجل الذي كان آواه وكانت ناقصة العقل فظنت أنهم يطلبون أخاها ، فقالت : أدلكم على محمد بن أبي بكر على أن لا تقتلوا أخي ، قالوا : نعم فدلتهم عليه ، فقال : إحفظوني لأبي بكر ، فقال معاوية : قتلت ثمانين من قومي في دم عثمان ، وأتركك وأنت صاحبه فقتله ، حدثنا : بذلك من أمره حسن بن محمد المدني ، عن يحيى إبن بكير ، عن الليث ، عن عبد الكريم بن الحارث بهذا ونحوه ، له عندهما في حج أبيه في حجة الوداع ، قلت : وقال إبن عبد البر في الإستيعاب : كان علي يثني عليه ويفضله لأنه كانت له عبادة وإجتهاد وكان على رجالة علي يوم صفين ، وقال إبن حبان قيل إن محمدا قتل في المعركة وقيل إن عمرو بن العاص قتله بعد أن أسره.
التابعي : محمد إبن أبابكر ضرب عثمان بمشقص
إبن كثير - البداية والنهاية - الجزء : ( 7 ) - رقم الصفحة : ( 206 )
[ النص طويل لذا إستقطع منه موضع الشاهد ]
- وقال خليفة بن خياط : ، حدثنا : إبن علية ، ثنا : إبن عوف ، عن الحسن قال : أنبأني : رباب ، قال : بعثني عثمان فدعوت له الأشتر فقال : ما يريد الناس؟ ، قال : ثلاث ليس من إحداهن بد ، قال : ما هن ؟. قال : يخيرونك بين أن تخلع لهم أمرهم فتقول : هذا أمركم فإختاروا من شئتم ، وبين أن تقتص من نفسك ، فأن أبيت فإن القوم قاتلوك ، فقال : أما إن أخلع لهم أمرهم فما كنت لأخلع سربالاً سربلنيه الله ، وأما إن إقتص لهم من نفسي ، فوالله لئن قتلتموني لا تحابون بعدي ، ولا تصلون بعدي جميعاًًً ، ولا تقاتلون بعدي جميعاًًً عدواً أبداً ، قال : وجاء رويجل كأنه ذئب فإطلع من باب ورجع ، وجاء محمد بن أبي بكر في ثلاثة عشر رجلاًًً ، فأخذ بلحيته فعال بها حتى سمعت وقع أضراسه ، فقال : ما أغنى عنك معاوية ، وما أغنى عنك إبن عامر ، وما أغنت عنك كتبك ، قال : أرسل لحيتي يا إبن أخي ، قال : فأنا رأيته إستعدى رجلاًًً من القوم بعينه يعني أشار إليه ، فقام إليه بمشقص فوجئ به رأسه ، قلت : ثم مه ؟ ، قال : ثم تعاوروا عليه حتى قتلوه.
الرابط:
http://www.al-eman.com/Islamlib/viewchp.asp?BID=251&CID=114&SW=رباب#SR1
الطبراني - المعجم الكبير - سن عثمان ووفاته
المشاقص : جمع المشقص بالكسر نصل عريض يرمى به الوحش.
114 - حدثنا : سليمان بن الحسن العطار البصري ، ثنا : أبو كامل الجحدري ، ثنا : إسماعيل بن إبراهيم ، أنا : إبن عون ، عن الحسن ، قال : أخبرني : وثاب ، وكان ممن أدركه عتق عثمان (ر) ، فكان يقوم بين يدي عثمان ، قال : بعثني عثمان فدعوت له الأشتر - فقال إبن عون : فأظنه قال فطرحت لأمير المؤمنين وسادة ، وله وسادة - فقال : يا أشتر ما يريد الناس مني ؟ ، قال : ثلاثاًً ما من إحداهن بد ، قال : ما هن ؟ ، قال : يخيرونك بين أن تخلع لهم أمرهم ، فتقول : هذا أمركم ، فإختاروا له من شئتم ، وبين أن تقص من نفسك ، فإن أبيت هذين فإن القوم قاتلوك ، قال : ما من إحداهن بد ؟ ، قال : ما من إحداهن بد قال : أما إن أخلع لهم أمرهم فما كنت لأخلع سربالاً سربلته قال : وقال الحسن : قال : والله لأن أقدم فيضرب عنقي أحب إلي : من أن أخلع أمر أمة محمد (ص) بعضها على بعض - قال إبن عون : وهذا أشبه بكلام عثمان - وأما إن أقص من نفسي ، فوالله لقد علمت أن صاحبي بين يدي كانا يعاقبان ، وما يقوم بدني للقصاص ، وأما إن تقتلوني فوالله لئن قتلتموني لا تحابون بعدي أبداً ، ولا تقاتلون بعدي عدواً جميعاًًً أبداً ، فقام الأشتر فإنطلق ، فمكثنا ، فقلنا : لعل الناس إذ جاء رجل كأنه ذئب فإطلع من باب ، ثم رجع ، ثم جاء محمد بن أبي بكر في ثلاثة عشر رجلاًًً حتى إنتهوا إلى عثمان (ر) ، فأخذ بلحيته ، فقال : بها ، وقال : بها ، حتى سمعت وقع أضراسه ، وقال : ما أغنى عنك معاوية ، ما أغنى عنك إبن عامر ، ما أغنى عنك كتبك ، قال : أرسل لحيتي يا إبن أخي ، أرسل لحيتي يا إبن أخي ، قال : فأنا رأيته إستدعى رجلاًًً من القوم بعينه فقام إليه بمشقص حتى وجأه به في رأسه ، قلت : ثم مه قال : ثم تعانوا عليه ، والله حتى قتلوه.
الرابط:
http://www.sonnaonline.com/Hadith.aspx?HadithID=461182
أبي نعيم الإصبهاني - معرفة الصحابة - معرفة سنه وولايته وقتله والصلاة عليه ودفنه
المشاقص : جمع المشقص بالكسر نصل عريض يرمى به الوحش.
241 - حدثنا : أبو حامد أحمد بن محمد بن جبلة ، ثنا : أبو العباس الثقفي ، ثنا : يعقوب بن إبراهيم ، ثنا : إسماعيل إبن علية ، عن إبن عون ، قال : ، ثنا : الحسن ، قال : أنبأني : وثاب ، وكان ، فيمن أدركه عتق أمير المؤمنين ، فكان بعد يكون بين يدي عثمان ، قال : جاء رجل كأنه ذئب فإطلع من الباب ، ثم رجع وجاء محمد بن أبي بكر في ثلاثة عشر رجلاًًً ، حتى إنتهى إلى عثمان ، فأخذ بلحيته فقال : بها حتى سمعت وقع أضراسه ، قال : أرسل لحيتي يا إبن أخي أرسل لحيتي ، فأنا رأيته إستعدى رجلاًًً من القوم بعينه ، فقام إليه بمشقص حتى وجأه به ، قلت : ثم مه ، قال : ثم تغاووا والله عليه حتى قتلوه.
( الصحابي : عبدالرحمن بن عديس البلوي )
عدد الروايات : ( 48 )
نكتفي برويتين فقط لعدم الاطالة
محمد بن سعد - الطبقات الكبرى - الجزء : ( 7 ) - رقم الصفحة : ( 509 )
- عبد الرحمن بن عديس البلوي من صحب النبي (ص) وسمع منه ، وكان فيمن رحل إلى عثمان حين حصر حتى قتل وكان رأساً فيهم.
الرابط:
http://www.sonnaonline.com/Hadith.aspx?HadithID=75602&book=
إبن شبة النميري - تاريخ المدينة - الجزء : ( 4 ) - رقم الصفحة : ( 1155 )
1868 - حدثنا : هارون بن عمر قال : ، حدثنا : أسد بن موسى ، عن أبي لهيعة قال : ، حدثنا : يزيد بن أبي حبيب قال : كان الركب الذين ساروا إلى عثمان (ر) فقتلوه من أهل مصر ستمائة رجل ، وكان عليهم عبد الرحمن بن عديس البلوي ، وكان ممن بايع رسول الله (ص) تحت الشجرة.
الرابط:
http://www.sonnaonline.com/Hadith.aspx?HadithID=194341
إبن عبدالبر - الإستيعاب - الجزء : ( 2 ) - رقم الصفحة : ( 411 )
[ النص طويل لذا إستقطع منه موضع الشاهد ]
- عبد الرحمن بن عديس البلوي ، مصري شهد الحديبية .... ممن بايع تحت الشجرة رسول الله (ص) ، قال أبوعمر : هو كان الأمير على الجيش الذين حصروا عثمان وقتلوه .
الرابط:
http://www.al-eman.com/Islamlib/viewchp.asp?BID=170&CID=31&SW=حصروا#SR1
( الصحابي : عمرو إبن الحمق الخزاعي )
عدد الروايات : ( 29 )
نكتفي بثلاثة لعدم الاطالة
الذهبي - تاريخ الإسلام - الجزء : ( 4 ) - رقم الصفحة : ( 87 / 89 )
4 - ( عمرو بن الحمق ن ق الخزاعي ) له صحبة ورواية ، وبايع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، وسمع منه ، روى عنه : رفاعة بن شداد ، وجبير بن نفير ، وعبد الله بن عامر المعافري ، وقال ابن سعد : كان أحد الرؤوس الذين ساروا إلى عثمان ، وقتله ابن أم الحكم بالجزيرة . وقال خليفة : كان عمرو بن الحمق يوم صفين على خزاعة مع علي . وعن الشعبي قال : لما قدم زياد الكوفة أثاره عمارة بن عقبة بن أبي معيط فقال : إن عمرو بن الحمق من شيعة علي ، فسير إليه يقول : ما هذه الزرافات التي تجتمع عندك من أرادك أو أردت كلامه ففي المسجد . ) وعنه قال : تطلب زياد رؤساء أصحاب حجر ، فخرج عمرو إلى الموصل هو ورفاعة بن شداد ، فكمنا في جل ، فبلغ عامل ذلك الرستاق ، فاستنكر شأنهما ، فسار إليهما في الخيل ، فأما عمرو بن الحمق فكان مريضا ، فلم يكن عنده امتناع ، وأما رفاعة فكان شابا ، فركب وحمل عليهم ، فأفرجوا له ، ثم طلبته الخيل ، وكان راميا فرماهم فانصرفوا ، وبعثوا بعمرو إلى عبد الرحمن بن أم الحكم أمير الموصل ، فكتب فيه إلى معاوية ، فكتب إليه معاوية إنه زعم أنه طعن عثمان تسع طعنات بمشاقص ، ونحن لا نتعدى عليه فاطعنه كذلك ، ففعل به ذلك ، فمات في الثانية ، وقال أبو إسحاق ، عن هنيدة الخزاعي قال : أول رأس أهدي في الإسلام رأس عمرو بن الحمق . وقال عمار الدهني : أول رأس نقل رأس ابن الحمق ، وذلك لأنه لدغ فمات ، فخشيت الرسل أن تتهم به ، فحزوا رأسه وحملوه . ‹ صفحة 89 › وقلت : هذا أصح مما مر ، فإن ذاك من رواية ابن الكلبي ، فالله أعلم هل قتل أو لدغ . وقال خليفة : قتل سنة خمسين .
الذهبي - الكاشف في معرفة من له رواية في كتب الستة - الجزء : ( 2 ) - رقم الصفحة : ( 75 )
4146 - عمرو بن الحمق الخزاعي ، صحابي ، عنه جبير بن نفير ، ورفاعة بن شداد ، وجماعة ، قتل بالموصل.
البخاري - التاريخ الكبير - الجزء : ( 3 ) - رقم الصفحة : ( 322 / 323 )
1093 - .... وقال محمد أبو يحيى ، أخبرنا : عبد الصمد بن النعمان قال : ، حدثنا : أسباط ، عن السدى ، عن رفاعة بن عامر ، حدثني : أخى عمرو بن الحمق صاحب النبي (ص) : من آمن رجلاً على دمه فأنا برئ من القاتل وإن كان المقتول كافرا ....
( الصحابة تقتل عثمان وترميه في كناسة )
الطبراني - المعجم الكبير - الجزء : ( 1 ) - رقم الصفحة : ( 78 )
107 - حدثنا : عمرو بن أبي الطاهر بن السرح المصري ، ثنا : عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم ، ثنا : عبد الملك الماجشون ، قال : سمعت مالكاًً ، يقول : قتل عثمان (ر) ، فأقام مطروحاًً على كناسة بني فلان ثلاثاًً ، فأتاه إثنا عشر رجلاًًً ، فيهم جدي مالك بن أبي عامر ، وحويطب بن عبد العزى ، وحكيم بن حزام ، وعبد الله بن الزبير ، وعائشة بنت عثمان معهم مصباح في حق فحملوه على باب ، وإن رأسه يقول على الباب طق طق حتى أتوا به البقيع ، فإختلفوا في الصلاة عليه ، فصلى عليه حكيم بن حزام أو حويطب بن عبد العزى - شك عبد الرحمن - ثم أرادوا دفنه ، فقام رجل من بني مازن فقال : والله لئن دفنتموه مع المسلمين ، لأخبرن الناس ، فحملوه حتى أتوا به إلى حش كوكب ، فلما دلوه في قبره صاحت عائشة بنت عثمان ، فقال لها إبن الزبير : إسكتي فوالله لئن عدت لأضربن الذي فيه عيناك ، فلما دفنوه وسووا عليه التراب قال لها إبن الزبير : صيحي ما بدا لك أن تصيحي ، قال مالك وكان عثمان بن عفان (ر) ، قبل ذلك يمر بحش كوكب فيقول : ليدفنن ههنا رجل صالح قال أبو القاسم : الحش : البستان .
الرابط:
http://www.sonnaonline.com/Hadith.aspx?HadithID=461175
أبي نعيم الإصبهاني - معرفة الصحابة - معرفة سنه وولايته وقتله والصلاة عليه ودفنه
247 - حدثنا : أبو محمد بن حيان ، ثنا : محمد بن سليمان ، ثنا : المسروقي ، ثنا : عبيد بن الصباح ، ثنا : حفص بن غياث ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال : مكث عثمان في حش كوكب مطروحاًً ثلاثاًً ، لا يصلى عليه حتى هتف بهم هاتف : إدفنوه ، ولا تصلوا عليه فإن الله عز وجل قد صلى عليه.
الرابط:
http://www.sonnaonline.com/Hadith.aspx?HadithID=557739
أبي نعيم الإصبهاني - معرفة الصحابة - معرفة سنه وولايته وقتله والصلاة عليه ودفنه
248 - حدثنا : سليمان بن أحمد ، ثنا : عمرو بن أبي الطاهر بن السرح ، ثنا : عبد الرحمن بن عبد الله بن الحكم ، ثنا : عبد الملك الماجشون ، قال : سمعت مالكاًً يقول : قتل عثمان فأقام مطروحاًً على كناسة بني فلان ثلاثاًً ، فأتاه إثنا عشر رجلاًًً ، فيهم جدي مالك بن أبي عامر ، وحويطب بن عبد العزى ، وحكيم بن حزام ، وعبد الله بن الزبير ، وعائشة بنت عثمان ، معهم مصباح في حق ، فحملوه على باب وإن رأسه يقول على الباب : طق طق حتى أتوا به البقيع فإختلفوا في الصلاة عليه فصلى عليه حكيم بن حزام أو حويطب بن عبد العزى ، شك عبد الرحمن ، ثم أرادوا دفنه فقام رجل من بني مازن فقال : والله لئن دفنتموه مع المسلمين لأخبرن الناس ، فحملوه حتى أتوا به إلى حش كوكب ، ولما دلوه في قبره صاحت عائشة بنت عثمان ، فقال لها إبن الزبير : إسكتي فوالله لئن عدت لأضربن الذي فيه عيناك ، فلما دفنوه وسووا عليه التراب ، قال لها إبن الزبير : صيحي ما بدا لك أن تصيحي ، قال مالك : وكان عثمان بن عفان (ر) قبل ذلك يمر بحش كوكب ، فيقول : ليدفنن ها هنا رجل صالح.
الرابط:
http://www.sonnaonline.com/Hadith.aspx?HadithID=557740
بيعة الإمام علي(ر):
بعد مقتل الخليفة عثمان، تهافت الناس على الإمام علي( ر)يطلبون يده للبيعة، فقالوا له: إنّ هذا الرجل قد قتل، ولابدّ للناس من إمام، ولا نجد اليوم أحقّ بهذا الأمر منك. وتمت البيعة.
ولما أراد الإمام علي(ر) أن يقيم العدل بين الناس فيجعل الضعيف يساوي القوي لا فرق بينهما، وأن يقيم الحدود التي أنزلها الله في كتابه، فعارضه بعضهم، وقاموا ضده وأثاروا الفتن وسيّروا الجيوش معلنين العصيان والتمرد عليه، وكان ذلك في عدة مواقع أهمها موقعتا الجمل وصفين.
موقعة الجمل وخروج اُمّ المؤمنين:
هل وصى الرسول عائشة ان لاتخرج لحرب علي ؟؟؟؟
( قصة عائشة مع الجمل الأحدب وكلاب الحوئب )
إبن حجر - فتح الباري بشرح صحيح البخاري - الجزء : ( 13 ) - رقم الصفحة : ( 45 )
[ النص طويل لذا إستقطع منه موضع الشاهد ]
- وعند أحمد فقال لها الزبير : تقدمين فذكره ومن طريق عصام بن قدامة ، عن عكرمة ، عن بن عباس : أن رسول الله (ص) قال لنسائه : أيتكن صاحبة الجمل الأدبب بهمزة مفتوحة ودال ساكنة ثم موحدتين الأولى مفتوحة ، تخرج حتى تنبحها كلاب الحوأب يقتل عن يمينها وعن شمالها قتلى كثيرة وتنجوا من بعد ما كادت ، وهذا رواه البزار ورجاله ثقات .
الرابط:
http://www.al-eman.com/hadeeth/viewchp.asp?BID=12&CID=630&SW=صاحبة#SR1
مسند أحمد - حديث السيدة عائشة - باقي مسند ... - رقم الحديث : ( 23120 )
- حدثنا : يحيى ، عن إسماعيل ، حدثنا : قيس قال : لما أقبلت عائشة بلغت مياه بني عامر ليلاًً نبحت الكلاب قالت : أي ماء هذا قالوا : ماء الحوأب قالت : ما أظنني إلا أني راجعة فقال بعض من كان معها : بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله عز وجل ذات بينهم ، قال ت : أن رسول الله (ص) قال : لنا ذات يوم كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب.
الرابط:
http://hadith.al-islam.com/Display/Display.asp?hnum=23120&doc=6
المتقي الهندي - كنز العمال - الجزء : ( 11 ) - رقم الصفحة : ( 334 )
31671 - عن طاوس أن رسول الله (ص) قال لنسائه : أيتكن التي تنبحها كلاب كذا وكذا ؟ إياك يا حميراء ، وسنده صحيح .
الرابط:
http://www.al-eman.com/Islamlib/viewchp.asp?BID=137&CID=391&SW=31667#SR1
خروج عائشة لقتال الامير
عندما علمت أم المؤمنين بمقتل الخليفة عثمان ومبايعة الناس لعلي قالت لعبيدالله بن كلاب الذي أخبرها بذلك: "والله ليت هذه انطبقت على هذه إن تم الأمر لصاحبك، ويحك أنظر ما تقول" فقال لها عبيد: هو ما قلت لك يا أم المؤمنين. فولولت، فقال لها: ما شأنك يا أم المؤمنين، والله ما أعرف أحداً أولى بها منه، فلماذا تكرهين ولايته؟ وصاحت أم المؤمنين: ردوني، ردوني. فانصرفت إلى مكة وهي تقول: قتل والله عثمان مظلوماً، والله لأطلبن بدمه! فقال لها عبيد: ولم؟ فوالله أول من أمال حرفه لأنت، فقد كنت تقولين "اقتلوا نعثلاً فقد كفر"، قالت: إنّهم استتابوه ثم قتلوه، وقد قلت وقالوا، وقولي الأخير خير من قولي الأول، فانصرفت إلى مكة فنزلت على باب المسجد واجتمع الناس إليها وقالت: يا أيها الناس، إنّ عثمان قتل مظلوماً، والله لأطلبن بدمه (1).
1- الطبري ج4 ص459، ابن الأثير ج3 ص206.
وقد وافق غضب أم المؤمنين عائشة غضب طلحة والزبير بعد أن استردّ الإمام علي(ر) عهد ولايتي اليمن والبحرين منهما، فنكثا عهديهما للإمام علي(ر)، وذهبا إلى مكة يحثون أم المؤمنين للسير إلى قتال علي، فخرجوا وقد سار معهم جيش كبير بقيادة أم المؤمنين متوجهين نحو البصرة حيث دارت رحى معركة عرفت باسم (معركة الجمل)، وقد كان الظفر فيها بجانب جيش الإمام وقتل فيها طلحة والزبير وثلاثة عشر ألفاً من المسلمين، وكل هؤلاء ذهبوا ضحية دعوة أم المؤمنين بالإقتصاص من قتلة عثمان والذين ادعت أنهم اندسّوا في جيش الإمام.
ومهما يكن الأمر، أولم يكن الأجدر بها أن تدع كل ذلك لولي الأمر؟
وخصوصاً أنّ الله تعالى أمرها (وقرن في بيوتكنَّ)(1). وما هي وذاك؟ فعثمان رجل من بني أمية، وهي من تيم. إلاّ إذا كان لخروجها سبب آخر غير ذلك!؟
وبالرغم من أن واقع هذه الحادثة يُجيب على هذه التساؤلات بوضوح فإنّه يضاف إلى ذلك تنبؤ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لهذه الفتنة وإشارته إلى مسببيها. فعن عبدالله قال: "قام النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) خطيباً فأشار نحو مسكن عائشة فقال: هاهنا الفتنة، ثلاثاً، من حيث يطلع قرن الشيطان"(2).
وقد اعتبر عمار بن ياسر أنّ طاعة عائشة في هذا الفعل كانت على حساب طاعة الله جل وعلا. فعن ابن زياد الأسدي قال:
"....فسمعت عماراً يقول: إنّ عائشة قد سارت إلى البصرة، ووالله إنّها لزوجة نبيكم(صلى الله عليه وآله وسلم) في الدنيا والآخرة، ولكن الله تبارك وتعالى ابتلاكم ليعلم إياه تطيعون أم هي؟"(3).
____________
1- الأحزاب: 32.
2- صحيح البخاري ج4 ص100 كتاب الخمس باب ما جاء في بيوت أزواج النبي.
3- صحيح البخاري ج9 ص70 كتاب الفتن باب الفتنة التي تموج كموج البحر.
وحتى قبل هذه الحادثة بأمد بعيد، فإنّ عائشة(رضي الله عنه) عُرف عنها غيرتها الشديدة من علي، وكانت لاتطيق حتى ذكر اسمه. فعن عبيدالله بن عتبة (إنّ عائشة قالت: لما ثقل النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) واشتد به وجعه استأذن أزواجه في أن يمرض في بيتي فأذنّ له، فخرج النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)بين رجلين تخط رجلاه في الأرض، بين عباس ورجل آخر، قال عبيدالله: فأخبرت عبدالله بن عباس فقال: أتدري من الرجل الآخر؟ قلت: لا، قال: هو علي) (1).
ولعل ما سمعته عائشة(رضي الله عنه) من قول علي لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بشأنها في حادثة الافك كان سبباً لهذه الغيرة والضغينة، فعن عبيدالله بن مسعود قال: "...وأمّا علي بن أبي طالب فقال: يا رسول الله، لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير" (2).
وقد وصف أمير الشعراء أحمد شوقي غيرة عائشة من خلال أبيات يخاطب بها الإمام علي(ر):
____________
1- صحيح البخاري ج1 ص61 كتاب الوضوء باب صب النبي وضوءه على المغمى عليه.
2- صحيح البخاري ج6 ص129 كتاب التفسير باب ـ لولا إذ سمعتموه ـ.
( الله إبتلاكم ليعلم إياه تطيعون أم عائشة )
صحيح البخاري - المناقب - فضل عائشة.. - رقم الحديث : ( 3488 )
- حدثنا : محمد بن بشار ، حدثنا : غندر ، حدثنا : شعبة ، عن الحكم سمعت أبا وائل قال : لما بعث علي عماراًً والحسن إلى الكوفة ليستنفرهم خطب عمار ، فقال : إني لأعلم أنها زوجته في الدنيا والآخرة ، ولكن الله إبتلاكم لتتبعوه أو إياها.
الرابط :
http://hadith.al-islam.com/Display/Display.asp?hnum=3488&doc=0
صحيح البخاري - الفتن - الفتنة التي تموج كموج البحر - رقم الحديث : ( 6571 )
- حدثنا : عبد الله بن محمد ، حدثنا : يحيى بن آدم ، حدثنا : أبوبكر بن عياش ، حدثنا : أبو حصين ، حدثنا : أبو مريم عبد الله بن زياد الأسدي قال : لما سار طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة بعث علي عمار بن ياسر وحسن بن علي ، فقدما علينا الكوفة فصعدا المنبر فكان الحسن بن علي فوق المنبر في أعلاه ، وقام عمار أسفل من الحسن فإجتمعنا إليه فسمعت عماراًً يقول : إن عائشة قد سارت إلى البصرة ووالله إنها لزوجة نبيكم (ص) في الدنيا والآخرة ، ولكن الله تبارك وتعالى إبتلاكم ليعلم إياه تطيعون أم هي .
الرابط :
http://hadith.al-islam.com/Display/Display.asp?hnum=6571&doc=0
( عذر عائشة في الخروج على الإمام علي (ع) )
المتقي الهندي - كنز العمال - الجزء : ( 11 ) - رقم الصفحة : ( 197 إلى 334 )
31670 - عن عروة قال : قلت لعائشة : من كان أحب الناس إلى رسول الله (ص) ؟ ، قالت : علي بن أبي طالب ، قلت : أي شئ كان سبب خروجك عليه ؟ ، قالت : لم تزوج أبوك أمك ؟ ، قلت : ذلك من قدر الله ، قالت : وكان ذلك من قدر الله.
الرابط:
http://www.al-eman.com/Islamlib/viewchp.asp?BID=137&CID=391&SW=31670#SR1
إبن قتيبة الدينوري - الإمامة والسياسة - تحقيق الشيري - الجزء : ( 1 ) - رقم الصفحة : ( 82 )
[ النص طويل لذا إستقطع منه موضع الشاهد ]
- قال : ولما نزل طلحة والزبير وعائشة بأوطاس ، من أرض خيبر ، أقبل عليهم سعيد بن العاصي على نجيب له ، فأشرف على الناس ، ومعه المغيرة بن شعبة ، فنزل وتوكأ على قوس له سوداء ، فأتى عائشة ، فقال لها : أين تريدين يا أم المؤمنين ؟ ، قالت : أريد البصرة ، قال : وما تصنعين بالبصرة ؟ ، قالت : أطلب بدم عثمان قال : فهؤلاء قتلة عثمان معك ، ثم أقبل على مروان فقال له : وأنت أين تريد أيضاًً ؟ ، قال : البصرة ، قال : وما تصنع بها ؟ ، قال : أطلب قتلة عثمان ، قال : فهؤلاء قتلة عثمان معك ، إن هذين الرجلين قتلاً عثمان طلحة والزبير ، وهما يريدان الأمر لأنفسهما ، فلما غلبا عليه قالا : نغسل الدم بالدم.
- ثم قال : المغيرة بن شعبة : أيها الناس ، إن كنتم إنما خرجتم مع أمكم ، فإرجعوا بها خيراًًً لكم ، وإن كنتم غضبتم لعثمان ، فرؤساؤكم قتلوا عثمان ، وإن كنتم نقمتم على علي شيئاًً ، فبينوا ما نقمتم عليه.
( ندم عائشة بعد حرب الجمل )
أحمد بن حنبل - زهد - زهد عائشة
920 - حدثنا : عبد الله ، حدثنا : أبي ، حدثنا : عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، حدثنا : من سمع عائشة تقرأ : وقرن في بيوتكن ، فتبكي حتى تبل خمارها.
الرابط :
http://www.sonnaonline.com/Hadith.aspx?HadithID=127028
تفسير القرطبي - وقرن في بيوتكنّ ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى - الأحزاب : ( 33 )
[ النص طويل لذا إستقطع منه موضع الشاهد ]
- ذكر الثعلبي وغيره : أن عائشة (ر) كانت إذا قرأت هذه الآية تبكي حتى تبل خمارها ، وذكر أن سودة قيل لها : لم لا تحجين ولا تعتمرين كما يفعل أخواتك ؟ ، فقالت : قد حججت وإعتمرت ، وأمرني الله أن أقر في بيتي ، قال الراوي : فوالله ما خرجت من باب حجرتها حتى أخرجت جنازتها رضوان الله عليها.
- قال إبن عطية : بكاء عائشة (ر) : أنما كان بسبب سفرها أيام الجمل ، وحينئذ قال لها عمار : إن الله : قد أمرك أن تقري في بيتك.
hragaey 30-08-2011, 08:27 PM خد كمان
اليس عمار بن ياسر من المبشرين بالجنة
صحيح البخاري - الفتن - الفتنة التي تموج كموج البحر - رقم الحديث : ( 6571 )
- حدثنا : عبد الله بن محمد ، حدثنا : يحيى بن آدم ، حدثنا : أبوبكر بن عياش ، حدثنا : أبو حصين ، حدثنا : أبو مريم عبد الله بن زياد الأسدي قال : لما سار طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة بعث علي عمار بن ياسر وحسن بن علي ، فقدما علينا الكوفة فصعدا المنبر فكان الحسن بن علي فوق المنبر في أعلاه ، وقام عمار أسفل من الحسن فإجتمعنا إليه فسمعت عماراًً يقول : إن عائشة قد سارت إلى البصرة ووالله إنها لزوجة نبيكم (ص) في الدنيا والآخرة ، ولكن الله تبارك وتعالى إبتلاكم ليعلم إياه تطيعون أم هي .
hragaey 30-08-2011, 09:01 PM ما لا تعلمه ان هناك فرق بين عثمان رضى الله عنه وارضاه عثمان الصحابى وعثمان الحاكم
فكيف تقولون انه لا كهنوت فى الاسلام ثم تصنعون كهنوتا من أى شخص
اليسوا بشرل يخطأوا ويصيبوا
فرق بين عائشة زوجة الرسول (ص) وعائشة التى تدخلت فى السياسة تسببت فى قتل كثير من الصحابة
ولا دليل اكثر من رجوعها بيتها بعد المعركة واغلقت بابها على نفسها تتعبد لربها
حتى انتم مجدتم معاوية الذى أفسد الحياة السياسية (فهو من جغل الخلافة لابنه وهذا ليس فى الاسلام التوريث) فى الدولة الاسلامية فقط نكاية فى الشيعة فقط
ولو قراتم لوجدتوا معاوية (الحاكم ما اتحدث عنه)(وليس الصحابى كاتب الوحى وقائد الجيوش الذى فتح الله به مدن كثيرة)
(حادثة ابو موسى الاشعرى وعمرو بن العاص (والتلاعب فى الخلافة)- قاتل الصحابة)
مسند أحمد : عن أبي سعيد الخدري قال : كنا نحمل في بناء المسجد لِبنة لِبنة وعمار بن ياسر يحمل لِبنتين لِبنتين ، قال : فرآه رسول الله « ص » فجل يَنفض التراب عنه ويقول : يا عمار ألاتحمل لِبنة كما يحمل اصحابك ؟ قال : اني أريد الأجر من الله . قال : فجعل يَنفض التراب عنه ويقول : ويحَ عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم الى الجنة ويدعونه الى النار
واراه سياسى محنك وهى تلك أصول السياسة لا أخلاق (فلو انت حاكم مصر وتكره حكام اسرائيل ولكنك مضطر لماتقابلهم ومصافحتهم بل حتى الاطراء عليهم فى مواقف معينة ) بل مصلحة فقط وهو اول من عبر عن فهمه لضرورات السياسة وتغير البيئة والمجتمع وعمل على تطوير السياسة واليات الحكم حتى شبهه عمر (ر)بدهاء كيثرا وقيصر
ولا أقول انه اخطأ أو أصاب فكلهم ارادو توحيد كلمة الاسلام والبعد عن الانشقاق
hragaey 30-08-2011, 09:06 PM فيه ايه
حاجة غربية بدأ مرحلة تشويه رموز المجتمع الذين وقفوا ضد النظام الفاسد
حد يفهمنى أيه الخطأ لأنى بصراحة مش فاهم حاجة
أنا من عشاق أسلوب الروائى علاء الأسوانى
بس مش فاهم حاجة من المقالة ياريت اللى فاهم يفهمنى
تسمح لى افهمك
فيه ناس قروا كتابين معينين
واعتقدوا انفسهم حامى حمى الاسلام
وكل ما يخالف اراؤهم وحشين وكذا وكذا
واى فكر غير فكرهم استلم منهم سب وشتيمة وتخوين و و و و
كل همهم اثبات انهم على حق وغيرهم على باطل ليس عن طريق الحجة والمناقشة
بل التشويه
حتى انت مشرف الازهر لم يسلم الازهر منهم
هم يريدون كهنوتا ويجعلونا مثل اوروبا فى العصور الوسطى (أوعى تفتح بقك)
عملها امن الدولة
ونفس الممارسات الان ولكن تحت عباءة الدين والدين ليس كذلك
فسيد قطب مش حلو لو ناقضهم
عايز تعرف الحقيقة اقرا الفكر الوهابى لتعرف من تجادل
ولا تستقى معلومات من اى شخص
ابحث وارقا لتصل للحقيقة
واتحداك ان ينصحك احد بذلك بل يجبروك على فكرهم وكل الكتب الاخرى مكروهة بل تصل لحد الحرام عندهم
الحقيقة كلنا بشر قد نخطئ أو نصيب ذلك هو الاساس فهات لى بشر لم يخطئ من اول سيدنا ادم فسيدنا عثمان (ر) يريد صالح المسلمين ولكنه قد أخطا، وكذلك كل الصحابة فليس معنى ذلك انه ليس صحابى وليس مسلم ولكنه اجتهد فأخطأ
وما اراه ان سيدنا عثمان (ر) لم يكن رجل دولة او رجل سياسة مقارنة بمعاوية فاغلب المؤرخين يقسمون عهد عثمان (ر) الاثنى عشر عاما الى فترتين
الفترة الاولى 6 سنوات وكانت بدون اية مشاكل
الفترة الثانية لم يدرك عثمان (ر) المتغيرات التى طرأت على المجتمع
1- وهى افتتان الناس بالدنيا وتنافسهم عليها
2- التحول الاجتماعى فى عهده نظرا لتوسع الدولة الاسلامية ودخول اجناس اخرى وثقافات وعادات ولكنه ظل معتقدا انه خليفة على الصحابة
3- ظهور اجيال جديدة لم تعهد النبى (ص)
4- حكمه بعد عمر (ر) واختلافه عنه فى الطباع
5- ازدياد العصبية بين الناس
6- توقف الفتوحات مما جعل الناس تنظر للداخل وتلك السياسة الان يستخدمها البعض (يضع عدو خارجى لنسيان ما يحدث داخليا)
7- الفتن من مدعى الاسلام (عبد الله بن سبأ)
8- بعض الاختلافات مع بعض الصحابة الاخرين
وقد أكون انا العبد الفقير الى الله اجتهدت فأخطأت فليس أحد معصوم
المشكلة انك عندما تتحدث عن عثمان او معاوية (الحكام) يصور لك البعض ان خضت او اخطأت فى الذات الالاهية
استغفر الله العظيم
ولكنك تتحدث عن شخصية الحاكم يكون س أو ص وليس الصحابى
وبالدليل لم يتناول بالنقض الصحابة الذين لم يشاركوا فى السياسة والحكم
هات لى واحد انتقد بلال بن رباح مثلا
ودليل اخر فى احداث الحرب بين على (ر) ومعوية هجم الروم على الشام واحتلو جزء مستغلين انشغال معاوية بالحرب فأرسل معاوية خطابا لملك الروم قال فيه " لئن لم تنته وترجع لبلادك يا لعين لاصطلحن انا وابن عمى عليك ولاخرجنك من جميع بلادك" فخاف كلك الروم وطلب الصلح (البداية والنهائية ج 8/ ص 128)
مما يوضح ان الخلاف لم يكن عقائدى كما يصوره البعض ولكن سياسى
hragaey 30-08-2011, 11:05 PM أما حرية انتقادهم
فنهى على (ر) سب معاوية ومن معه وجاء له نفر يقولون اليسوا على باطل قال على بلى ورب الكعبة، ولكنى اكره ان تكونو لعانيين ،( الاخبار الطوال ص 163، تحقيق مواقف الصحابة فى الفتنة ج 2 / ص232)
فقول على (ر) انى اكره ان تكونو سبابين، ولكنكم لو وصفتم اعمالهم وذكرتم حالهم، كان اصوب فى القول وابلغ فى العذر (نهج البلاغة ص 323)
وفى الفتنة يجب على كل مسلم ان يحب الجميع ويترضى عنهم ويحفظ لهم فضائلهم، والذى حدث اجتهاد والجميع مثابون المخطئ والمصيب (عقيدة اهل السنة والجماعة ج 2 ص 727)
على سبيل الحق 31-08-2011, 03:20 AM ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا***ويأتيك بالأخبار من لم تزود
ويأتيك بالأخبار من لم تبع له بتاتا***ولم تضرب له وقت موعد
سأضرب لك وقت موعد
انتظرني في التاسعة صباحا إن شاء الله- هداني الله وإياك سواء السبيل
وأرجو ألا تزيد شيئا فإني أخشى أن يختم لك وأنت تكتب هذي الكلمات سلمني الله وإياك من خاتمة السوء
osama_mma14 31-08-2011, 03:56 AM أما حرية انتقادهم
فنهى على (ر) سب معاوية ومن معه وجاء له نفر يقولون اليسوا على باطل قال على بلى ورب الكعبة، ولكنى اكره ان تكونو لعانيين ،( الاخبار الطوال ص 163، تحقيق مواقف الصحابة فى الفتنة ج 2 / ص232)
فقول على (ر) انى اكره ان تكونو سبابين، ولكنكم لو وصفتم اعمالهم وذكرتم حالهم، كان اصوب فى القول وابلغ فى العذر (نهج البلاغة ص 323)
وفى الفتنة يجب على كل مسلم ان يحب الجميع ويترضى عنهم ويحفظ لهم فضائلهم، والذى حدث اجتهاد والجميع مثابون المخطئ والمصيب (عقيدة اهل السنة والجماعة ج 2 ص 727)
عقيدتنا فى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم جميعا عدول كلهم نجوم
كلهم نجوم
بأيهم اقتدينا اهتدينا
===================
أضيف على اقتباسك من كتب الشيعة
أقتبس من مراجعكم يا زميلى ما يؤكد عكس الذى أوردته ((بالحرف الواحد)) فى حق معاوية رضى الله عنه
=========================
اقوالهم في معاوية وطلحة والزبير رضي الله عنهم اجمعين - عن زيد بن وهب الجهني، قال: لما طعن الحسن بن علي عليهما السلام بالمدائن أتيته وهو متوجع، فقلت: ما ترى يا بن رسول الله! فإن الناس متحيرون؟ فقال عليه السلام: «أرى -والله- أن معاوية خير لي من هؤلاء، يزعمون أنهم لي شيعة، ابتغوا قتلي وانتهبوا ثقلي، وأخذوا مالي، والله! لئن آخذ من معاوية عهداً أحقن به دمي، وآمن به في أهلي، خير من أن يقتلوني فيضيع أهل بيتي وأهلي» (الاحتجاج: (2/69)).
وكذلك قال أمير المؤمنين عليه السلام في سيف الزبير: «طال -والله- ما جلّى به الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم» (الاحتجاج: (1/380)).
- ولقد نهى الإمام علي عليه السلام أصحابه عن سب أهل الشام أيام صفين حيث قال: «إني أكره لكم أن تكونوا سبابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم، وذكرتم حالهم؛ كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبكم إياهم: اللهم! أحقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم، حتى يَعرف الحق من جهله، ويرعوي عن الغيّ والعدوان من لهج به» (نهج البلاغة: (2/469)).
osama_mma14 31-08-2011, 04:11 AM تسمح لى افهمك
فيه ناس قروا كتابين معينين
واعتقدوا انفسهم حامى حمى الاسلام
وكل ما يخالف اراؤهم وحشين وكذا وكذا
واى فكر غير فكرهم استلم منهم سب وشتيمة وتخوين و و و و
كل همهم اثبات انهم على حق وغيرهم على باطل ليس عن طريق الحجة والمناقشة
بل التشويه
حتى انت مشرف الازهر لم يسلم الازهر منهم
هم يريدون كهنوتا ويجعلونا مثل اوروبا فى العصور الوسطى (أوعى تفتح بقك)
عملها امن الدولة
ونفس الممارسات الان ولكن تحت عباءة الدين والدين ليس كذلك
فسيد قطب مش حلو لو ناقضهم
عايز تعرف الحقيقة اقرا الفكر الوهابى لتعرف من تجادل
ولا تستقى معلومات من اى شخص
ابحث وارقا لتصل للحقيقة
واتحداك ان ينصحك احد بذلك بل يجبروك على فكرهم وكل الكتب الاخرى مكروهة بل تصل لحد الحرام عندهم
الحقيقة كلنا بشر قد نخطئ أو نصيب ذلك هو الاساس فهات لى بشر لم يخطئ من اول سيدنا ادم فسيدنا عثمان (ر) يريد صالح المسلمين ولكنه قد أخطا، وكذلك كل الصحابة فليس معنى ذلك انه ليس صحابى وليس مسلم ولكنه اجتهد فأخطأ
وما اراه ان سيدنا عثمان (ر) لم يكن رجل دولة او رجل سياسة مقارنة بمعاوية فاغلب المؤرخين يقسمون عهد عثمان (ر) الاثنى عشر عاما الى فترتين
الفترة الاولى 6 سنوات وكانت بدون اية مشاكل
الفترة الثانية لم يدرك عثمان (ر) المتغيرات التى طرأت على المجتمع
1- وهى افتتان الناس بالدنيا وتنافسهم عليها
2- التحول الاجتماعى فى عهده نظرا لتوسع الدولة الاسلامية ودخول اجناس اخرى وثقافات وعادات ولكنه ظل معتقدا انه خليفة على الصحابة
3- ظهور اجيال جديدة لم تعهد النبى (ص)
4- حكمه بعد عمر (ر) واختلافه عنه فى الطباع
5- ازدياد العصبية بين الناس
6- توقف الفتوحات مما جعل الناس تنظر للداخل وتلك السياسة الان يستخدمها البعض (يضع عدو خارجى لنسيان ما يحدث داخليا)
7- الفتن من مدعى الاسلام (عبد الله بن سبأ)
8- بعض الاختلافات مع بعض الصحابة الاخرين
وقد أكون انا العبد الفقير الى الله اجتهدت فأخطأت فليس أحد معصوم
المشكلة انك عندما تتحدث عن عثمان او معاوية (الحكام) يصور لك البعض ان خضت او اخطأت فى الذات الالاهية
استغفر الله العظيم
ولكنك تتحدث عن شخصية الحاكم يكون س أو ص وليس الصحابى
وبالدليل لم يتناول بالنقض الصحابة الذين لم يشاركوا فى السياسة والحكم
هات لى واحد انتقد بلال بن رباح مثلا
ودليل اخر فى احداث الحرب بين على (ر) ومعوية هجم الروم على الشام واحتلو جزء مستغلين انشغال معاوية بالحرب فأرسل معاوية خطابا لملك الروم قال فيه " لئن لم تنته وترجع لبلادك يا لعين لاصطلحن انا وابن عمى عليك ولاخرجنك من جميع بلادك" فخاف كلك الروم وطلب الصلح (البداية والنهائية ج 8/ ص 128)
مما يوضح ان الخلاف لم يكن عقائدى كما يصوره البعض ولكن سياسى
لماذا تقرأ علينا تاريخنا من المنظور الشيعى؟
تابع مداخلتى السابقة لتعلم انك تتعمد ان تسئ للصحابة بطريقة غير مباشرة(( فتقول اجتهد فاخطا ثم تسهب وتحللل وتدمر الشخصية فقولك انك ترى ان عثمان ليس برجل دوله ،، هذا بهتان عظيم ،،فأين دليلك من السنة والنبى صلى الله عليه وسلم يقول وسنة الخفاء الراشدين المهديين ((أمهدى من الله ليس برجل دولة ))
ولو تابعت مداخلتى السابقة لأيقنت أن كلامكم معشر الشيعة يعارض بعضه بعضا وينقض بعضه بعضا
ولكنك آثرت إلا ان تأخذا من كلام الشيعة اتجاه واحد فقط كون لك مرجعية فكريه نسجت بها حرفك هنا تلبس علينا تاريخ الصحابة بطريقة ناعمة ماكرة يخيل للقارئ انك تريد بها خيرا ...
وهاا هى ا اقوالهم في معاوية وطلحة والزبير رضي الله عنهم اجمعين - عن زيد بن وهب الجهني، قال: لما طعن الحسن بن علي عليهما السلام بالمدائن أتيته وهو متوجع، فقلت: ما ترى يا بن رسول الله! فإن الناس متحيرون؟ فقال عليه السلام: «أرى -والله- أن معاوية خير لي من هؤلاء، يزعمون أنهم لي شيعة، ابتغوا قتلي وانتهبوا ثقلي، وأخذوا مالي، والله! لئن آخذ من معاوية عهداً أحقن به دمي، وآمن به في أهلي، خير من أن يقتلوني فيضيع أهل بيتي وأهلي» (الاحتجاج: (2/69)).
وكذلك قال أمير المؤمنين عليه السلام في سيف الزبير: «طال -والله- ما جلّى به الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم» (الاحتجاج: (1/380)).
- ولقد نهى الإمام علي عليه السلام أصحابه عن سب أهل الشام أيام صفين حيث قال: «إني أكره لكم أن تكونوا سبابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم، وذكرتم حالهم؛ كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبكم إياهم: اللهم! أحقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم، حتى يَعرف الحق من جهله، ويرعوي عن الغيّ والعدوان من لهج به» (نهج البلاغة: (2/469)).
osama_mma14 31-08-2011, 04:16 AM أيهما تختار يا هريجى
تصدق قول النبى صلى الله عليه وسلم و تكذب تاريخك ورأيك الذى سردته علينا أم تصدق تاريخك ورايك وتكذب النبى صلى الله عليه وسلم
====
الله المستعان
Mr.Salama 31-08-2011, 05:14 AM اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها و ما بطن
د.عبدالله محمود 31-08-2011, 08:33 AM يبدو ان حضرتك فقط تتكلم دون ان تقرأ حرف واحد مما كتبه الرجل
أولاً أنا تكلمت عن الجرأة على الصحابي كمبدأ ودونما الخوض فيما ذهب إليه في مقالته
وأنك تتفق معى أنه لو هاجم رجلاً عادي كجدك أو جدي كنا سنقول له : " الله يرحمه , ثم نضيف " أذكروا محاسن موتاكم " . هذا عن أولاً
ثانياً .. وأنا لا أعلم من أسمك ما ديانتك - كي أحدد كيفية خطابي إليك
فإن كنت نصرانياً فسأقول لك : يكفيك أن تستمتع برؤية خلافاتنا ولاتقحم نفسك فيما لا تفهمه .
وإن كنت مسلماً سأقول لك : اقرأ ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم
واقرأ التاريخ وأعمل فكرك جيداً
التاريخ يكتبه الأقوى .. التاريخ يظلم كثيراً
وما ظلم أحداً فى التاريخ بقدر عثمان بن عفان وهارون الرشيد ذلك الزاهد الذي نسب اليه المجون كله والعياذ بالله .
ورغم ذلك فسيدنا عثمان رضى الله عنه اختلف فيه تاريخياً
أعني هناك من الكتب ما أنصفه ومنها ما ظلمه
إذن نحتاج لمن يفصل بينهما
والفصل يكون بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم الذى كتب صفحات من تاريخ عثمان دون أن يرى أحداثها
بما علمه ربه .. فما كان نبينا صلى الله عليه وسلم يدعي علم الغيب وما نسبه لنفسه بل نفاه ..والمجال لا يتسع لسرد
وإن كنت مسلماً فستعلم بالبديهة أن قتل ذي النورين كان بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بزمن طويل
ونحن نعد ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم بشأن ما لاقاه سيدنا عثمان من معجزات النبوة
وهى ثابتة لدينا نحن المسلمون ثبوتاً عظيماً وواضحة لنا وضوح الشمس فى عقولنا لمنطقيتها قبلما تكون راسخة فى القلوب
وإن كنت مسلماً فأنت تعرف إن الإسلام هو الدين الأوحد الذى يعرض على العقل فيعانقه .. لشدة الإتفاق
ثالثاً : إسلامنا يأبى علينا أن نجحد حق أصحاب الفضل علينا وبأمثال عثمان شمخ الدين وارتفع وبأموال عثمان نال أجدادنا الأوائل عزتهم وكرامتهم .
ألا ليت لنا عند ربنا قدر أنملة مما لعثمان رضي الله عنه عند ربه
وحتى لا أطيل كان على علاء الأسواني من وجهة نظري أن لا يتعرض للصحابي الجليل فإن كان لابد فليقرأ الحقائق جيداً .. يعود إلى المصادر الأقوى ليستقي منها شواهده .. ولايجعل من تاريخ الرجل الذي تستحي منه الملائكة مطيته ليلمع نجمه ولن يستطيع فصحابة رسول الله .. الله ناصرهم
د.عبدالله محمود 31-08-2011, 09:15 AM أقول لمن غرهم إعجابهم بمنطقهم
حاذروا فالكلمات قد توردكم موارد التهلكة
وما أنا ولا أنتم وما علاء الأسواني ولا أحمد زويل فى الدين إلا من عوام البشر
وعلماء الدين هم رجاله فليذهب لهم كل ذي مسألة ليسأل مسألته
ولا تسيروا سيرة أتباع بن سبأ الروافض
فتقولون بما لا يقوله أهل السنة
لقد قتل الموضوع بحثاً
وأياً كانت نتيجته فلن تعلو بالدين أو تخفض
وليس لبشر فى الإسلام قداسة
وما قلنا إلا ما قال به نبينا صلى الله عليه وسلم
وأنتم تخوضون في سيرة رجل تستحي منه الملائكة
ألا تنتهـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــو ن
د.عبدالله محمود 31-08-2011, 09:26 AM بعض فضائل عثمان بن عفان رضي الله عنه { منقولة }
وهذه بعض فضائله نقدمها للأخوة القراء ولنا أولا ؛ لنعرف للرجل قدره فنزداد له حبا ، فحب الصحابة واجب علينا ، فكيف بذي النورين ؟!! ..
ـ الفضيلة الأولى : أنه تزوج ببنتين من بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد قال العلماء : ولا يعرف أحد تزوج ببنتي نبي غيره ، ولذلك سمي ذا النورين ، وقد قال علي رضي الله عنه : ذاك امرؤ يُدعى في الملأ الأعلى ذا النورين ، كان ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنتيه. .
ـ الفضيلة الثانية : أنه من السابقين الأولين ، وأول المهاجرين ، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة ، وأحد الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ ، وأحد الصحابة الذين جمعوا القرآن ، بل قال ابن عباد: لم يجمع القرآن من الخلفاء إلا هو والمأمون).
الفضيلة الثالثة : أنه روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث وستة وأربعين حديثاً ، وقد قال صلى الله عليه وسلم "
نضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ " . فكيف بمن بلّغ عنه هذا العدد الوفير ؟!! .
وقد كان رضي الله عنه كما شُهد له متقنا في تحديثه ، فقد أخرج ابن سعد عن عبد الرحمن بن حاطب قال : ما رأيت أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حدث أتم حديثاً ولا أحسن من عثمان بن عفان.
الفضيلة الرابعة : أن أمه أروى بنت كريز بن ربيعة كانت عمة النبي صلى الله عليه وسلم ، وبذلك نال فضل القربة إلى رسول الله كما نال فضل الصهر والصحبة .
الفضيلة الخامسة : أنه كما قال ابن إسحاق : أول الناس إسلاماً بعد أبي بكر وعلي وزيد بن حارثة ، كما كان ممن تحمل وصبر على الإيمان ، فقد أخرج ابن سعد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي قال: لما أسلم عثمان بن عفان أخذه عمه الحكم بن أبي العاص بن أمية فأوثقه رباطاً ، وقال : ترغب عن ملة آبائك إلى دين محدث ؟ والله لا أدعك أبداً حتى تدع ما أنت عليه ، فقال عثمان : والله لا أدعه أبداً ولا أفارقه ، فلما رأى الحكم صلابته في دينه تركه.
الفضيلة السابعة : أنه أول من هاجر من المسلمين إلى الحبشة بأهله ، ولذا قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن عثمان لأول من هاجر إلى الله بأهله بعد لوط " .
الفضيلة الثامنة : أن رسول الله شهد له أنه كان أشبه الناس بإبراهيم عليه السلام ، كما جاء عن عائشة رضي الله عنها ، حيث قالت: لما زوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنته أم كلثوم قال لها: " إن بعلك أشبه الناس بجدك إبراهيم وأبيك محمد " وجاء عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إنا نشبه عثمان بأبينا إبراهيم " وهذا الشبه بالطبع كان في حسن الخلق والتقرب إلى الله .
الفضيلة التاسعة : أن رسول الله أشاد بحيائه ، فقد أخرج الشيخان عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع ثيابه حين دخل عثمان وقال : " ألا أستحيي من رجل تستحي منه الملائكة " .
الفضيلة العاشرة : أن رسول الله بشره بالجنة في أكثر من مرة ، من ذلك ما ذكره البخاري عن أبي عبد الرحمن السلمي أن عثمان حين حوصر أشرف على الناس فقال : أنشدكم بالله ! ولا أنشد إلا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ! ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من جهز جيش العسرة فله الجنة فجهزتهم ؟ ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من حفر بئر رومة فله الجنة ؟ فحفرتها ، فصدقوه بما قال.
وما ذكره الترمذي عن عبد الرحمن بن خباب أنه قال: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحث على جيش العسرة ، فقال عثمان بن عفان : يا رسول الله علي مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله ، ثم حض على الجيش فقال عثمان: يا رسول علي مائتا بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله ، ثم حض على الجيش فقال عثمان : يا رسول الله علي ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله ، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول :" ما على عثمان ما عمل بعد هذه شيء " .
الفضيلة الحادية عشر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خصه بالسفارة إلى قريش يوم الحديبية ، ولما حضرت بيعة الرضوان جعل صلى الله عليه وسلم نفسه نائبا في البيعة عن عثمان ، فقد أخرج الترمذي عن أنس أنه قال: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ببيعة الرضوان كان عثمان بن عفان رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة ، فبايع الناس ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن عثمان بن عفان في حاجة الله وحاجة رسوله ، فضرب بإحدى يديه على الأخرى ، فكانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان خيراً من أيديهم لأنفسهم.
الفضيلة الثانية عشر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد له أنه يُقتل مظلوما ، فقد أخرج الترمذي عن ابن عمر أنه قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة فقال : يُقتل فيها هذا مظلوماً لعثمان .
وأخرج الترمذي أيضا والحاكم وصححه وابن ماجة عن مرة بن كعب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر فتنة يقربها ، فمر رجل مقنع في ثوب فقال: هذا يومئذ على الهدى ، فقمت إليه ، فإذا هو عثمان بن عفان ، فأقبلت إليه بوجهي فقلت هذا قال ( أي رسول الله ) : نعم.
وأكد رسول الله أن من سيخرجون عليه ليسوا مسلمين وإن تظاهروا بالإسلام ، فقد أخرج الترمذي والحاكم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يا عثمان ! إنه لعل الله يقمصك قميصاً ، فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه حتى تلقاني " .
الفضيلة الثالثة عشر: أنه قام بتوسعة المسجد بعد أن اشترى المنازل المحيطة به وضمها إليه ، كما زاد في مسجد المدينة ووسعه وبناه بالحجارة المنقوشة.
الفضيلة الرابعة عشر : أن المسلمين لم يعرفوا الغزو بحرا إلا في عهده ، بعد أن أقيم أول أسطول إٍسلامي للمسلمين في مصر والشام ، وفتحت في عهده بعض جزر البحر المتوسط التي كانت تتحكم في تجارة البحر ، وقد دعا رسول الله لأول جيش يركب البحر ، وبالطبع شمل الدعاء من أرسل هذا الجيش ؛ لأنه صاحب الفضل في إرساله .
الفضيلة الخامسة عشر : أن الأموال قد كثرت في عصره بسبب الفتوحات الإسلامية الشاسعة ، مثل قبرص وإصطخر وفسا ، وبلاد كثيرة من أرض خراسان وطوس وسرخس ومرو وبيهق ، والحبشة حتى اتخذ للمال الخزائن ، وأدر الأرزاق ، وصار يأمر للرجل بمائة ألف بدرة ( صرة ) في كل بدرة أربعة آلاف أوقية.
ونكتفي بتلك الفضائل خشية الإطالة ، سألين الله سبحانه وتعالى أن يجزيه وسائر الصحابة عن الإسلام خير الجزاء ، وأن يوسع له في نزله ، وأن يزرقنا حبه وحب سائر الصحابة ، وأن يرزقنا الاقتداء به ، اللهم آمين !!
على سبيل الحق 31-08-2011, 09:43 AM هذا الرد كله على (هريجي أو هراجائي أو ها رجائي لا أدري -والله- لعله يفيدنا بذلك) الذي وعدته بالأمس أن أرد عليه التاسعة صباحا ولم يأت ونحن في الانتظار. وعليه إذا جاء أن يقرأ كل حرف سطرته كما فعلت أنا في كلامه.
وجزى الله أخي طالب الفردوس خير الجزاء.
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله الصالحين وصحابته الغرّ الميامين؛ أما بعد،
(اللهم افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين)
أولا:
بعد أن قرأت الكلام الذي سطرتَه هنالك وجدت ثلاثة أمور:
1)لا يمكن للمرء أن يتبين من كلامك أشيعي أنت أم سني؟!!!ولعمر الله تلك سوءة عظمى، وفضيحة كبرى.
2)المرء لا يستطيع أن يقف لك على رأي، تسبهم ثم تقول لكن هم صحابة وكل الناس تصيب وتخطئ.!!!!!!!!!!!!!!!!
3)أنت لا تمتلك فلترة للأخبار ولا للكتب التي تقرأها هذا إن أحسنت بك الظن.
بعض نقولاتك من كتب الشيعة المتعصبين أمثال مروج الذهب للمسعودي أو من كتب القصاصين أمثال خالد محمد خالد أو من كتب البلاغييين أمثال سيد قطب وأنت في غير ذلك تنقل من مواقع على الشبكة ما خف وثقل وما ضل ولم يهتد من الأخبار مثل هذا الموقع الشبكة الشيعية العالمية!!
http://www.shiaweb.org/books/haqiqa/pa14.html.
ثانيا:قلت:"من مثالب عثمان أنه ولى أقرباءه وصرف الأموال لهم وضرب عمارا وابن مسعود ونفى أبا ذر رضي الله عنهم جميعا".
الرد:أولا: اعلم أن النبي (صلى الله عليه وسلم) بشر عثمان بالشهادة.
روي البخاري بسنده عن أنس رضوان الله عليه: أن النبي (صلى الله عليه وسلم) صعد أُحدا وأبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم، فضربه برجله وقال: اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان".
وحديث أبي موسى الأشعري في البخاري كذلك قال له رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حين جاء عثمان: "ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه".
عن مُرَّةَ بن كعب قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وذكر الفتن فقربها، فمر رجل مقنع في ثوب، فقال : هذا يومئذ على الهدى، فقمت إليه فإذا هو عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ، قال : فأقبلت عليه بوجهه ؛ فقلت : هذا ؟ ! قال : نعم . والحديث حسن صحيح كما في مشكاة المصابيح.
ندلف إلى دحض الشبهة
قال الإمام ابن العربي رحمه الله في كتابه العواصم من القواصم:
"هذا كله باطل سندا ومتنا...وأما ضربه لعمار وابن مسعود ومنعه عطاءه فزور، وضربه لعمار إفك مثله ولو فتق أمعاءه ما عاش أبدا!!!
وقد اعتذر عن ذلك العلماء بوجوه لا ينبغي أن تشتغل بها؛ لأنها مبنية على باطل، ولا يُبنى حق على باطل ولا تذهب الزمان في مماشاة الجهال فإن ذلك لا آخر له(...وفيه قول ابن مسعود رضي الله عنه:بايعنا خيرنا ولم نَأْلُ""ولينا أعلانا ذا فوق ولم نأل" في عثمان).....
وأما نفيه أبا ذر إلى الربذة فلم يفعل، كان أبو ذر زاهدا وكان يقرع عمال عثمان ويقول لهم :"والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم"،
ويراهم يتسعون في المراكب والملابس حين وجدوا فينكر ذلك عليهم، ويريد تفريق جميع ذلك من بين أيديهم وهو غير لازم؛ قال ابن عمر وغيره من الصحابة- رضوان الله عليهم- (وهو الحق): "ما أديت زكاته فليس بكنز"،
فوقع بين أبي ذر ومعاوية كلام بالشام فخرج إلى المدينة فاجتمع إليه الناس، فجعل يسلك تلك الطرق، فقال له عثمان: "لو اعتزلت" ،معناه إنك على مذهب لا يصلح لمخالطة الناس فإن للخلطة شروطا وللعزلة مثلها، ومن كان على طريقة أبي ذر فحاله يقتضى أن ينفرد بنفسه أو يخالط ويسلم لكل أحد حاله مما ليس بحرام في الشريعة، فخرج إلى الربذة زاهدا فاضلا وترك جلة فضلاء، وكل على خير وبركة وفضل، وحال أبي ذر أفضل، ولا تمكن لجميع الخلق، ولو كانوا عليها لهلكوا...........
(وأما توليته أقرباءه) ..وأما معاوية فعمر ولاه بل جمع له الشامات كلها، وأقره عثمان بل إنما ولاه أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- لأنه ولى أخاه يزيد فاستخلفه يزيد فأقره عمر لتعلقه بولاية أبي بكر لأجل استخلاف وليه له، فتعلق عثمان بعمر وأقره، فانظروا إلى هذه السلسلة ما أوثق عراها وأشد سردها!! وليس بعدها مثلها أبدا.!!
وأما عبد الله بن كريز فولاه كما قال:" لأنه كريم العمات والخالات"(من آل البيت)..
وأما تولية الوليد بن عقبة.....قال عثمان:"ما وليته لأنه أخي وإنما وليته لأنه ابن أم حكيم البيضاء عمة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وتوأمة أبيه".
(وكان الوليد يلي لأبي بكر صدقات قضاعة وكان منه بمنزلة عمرو بن العاص في الحرمة والثقة والكرامة وكان قائده إلى شرق الأردن ثم كان أميرا على بلاد بني تغلب ثم صدرا من خلافة عمر ثم ولاه عثمان الكوفة )
والولاية اجتهاد وقد عزل عمر سعد بن أبي وقاص وقدم أقل منه درجة"
إلى آخر هذا الذي حاصله بطلان كل هذه الروايات إذا كلها من إخباريين وقصاصين من روايات أبي مخنف والواقدي وغيرهما
وأما هذه الكلمة الباطلة التي نقلتها عن أبي سفيان رضي الله عنه فلا وجود لها إلا في مروج الذهب لللمسعودي الشيعي المتعصب
وأما محمد بن أبي بكر
فقد ثبت يقيناً أن أحداً من الصحابة لم يرض بما حلّ لعثمان ?، فضلاً أن يكون قد أعان على قتله. فقد ثبت عن الحسن البصري رحمه الله –و هو شاهد عيان كان عمره وقتها أربع عشرة سنة– عندما سُئِل «أكان فيمن قتل عثمان أحد من المهاجرين و الأنصار؟». فقال: «لا! كانو أعلاجاً من أهل مصر» (تاريخ خليفة (ص 176) بسند صحيح).
و كذلك الثابت الصحيح عن قيس بن أبي حازم أن الذين قتلو عثمان ليس فيهم من الصحابة أحد. أخرجه ابن عساكر في تاريخه، ترجمة عثمان (ص408).
و لكن عثمان أمرهم بعدم القتال و شدّد عليهم في ذلك.
وهذا لا ينقض أن منهم محمد بن أبي بكر، فإن هذا الأخير ليس من المهاجرين ولا من الأنصار ولا حتى من الصحابة أصلاً وإن كانت له رؤية(في رأي بعض أهل العلم)(على افتراض أنه قتله أصلا)، وإنما هو من التابعين. ولم يكن له فضل، ولا عرف بجهاد ولا فقه ولا زهد. وليراجع مع ذكره شيخ الإسلام عنه في منهاج السنة.
وكان الحسن البصري لا يسميه إلا الفاسق، كما روى ابن سعد في الطبقات بإسناد صحيح. بل روى الخلال بإسناده، عن ربيع بن مسلم، قال: سمعت الحسن بن أبي الحسن يقول: العنوا قتلة عثمان، فيقال له: قتله محمد بن أبي بكر، فيقول: «العنوا قتلة عثمان، قتله من قتله».
وأما عمرو بن الحمق الخزاعي فهو له حديثان عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وليس فيمن دخل على عثمان إلا من رواية من طريق الواقدي الكذاب والكلبي السبأي الكذاب وابن أَبي مِخْنَف الرافضي. وقد جاءت مرسلة عن رجل مجهول حدث عبد الكريم بن الحارث. وجاءت من مرسل صالح بن كيسان، ولا تصح فإن الراوي عنه عيسى بن يزيد لم يدركه. وجاءت من مرسل الزهري، ولا تصح فإن الراوي عنه عثمان بن عبد الرحمن ممن يضع الحديث.
ذكر ابن كثير في كتابه البداية والنهاية كلاماً فقال:
"وأما ما يذكره بعض الناس من أن بعض الصحابة أسلمه ورضي بقتله، فهذا لا يصح عن أحد من الصحابة أنه رضي بقتل عثمان رضي الله عنه، بل كلهم كرهه، ومقته، وسب من فعله".
رقـم الفتوى : 23900
عنوان الفتوى :محمد بن أبي بكر بريء من دم عثمان "رضي الله عن الجميع"
تاريخ الفتوى :10 شعبان 1423 / 17-10-2002
السؤال :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين أما بعد ،،،،
السؤال هو : هل صحيح أن الصحابي "محمد بن أبي بكر" قتل الخليفة الثالث "عثمان بن عفان" رضي الله عنه وأرضاه وما كان دوره بالفتنة إن وجد ؟
الفتوى :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمحمد بن أبكر الصديق من صغار الصحابة إذ ولدته أمه أسماء بنت عميس في طريقها من المدينة إلى مكة في حجة الوداع، وقد تربى في حجر علي بن أبي طالب رضي الله عنه، لأنه كان تزوج أمه.
قال ابن عبد البر : كان علي يثني عليه ويفضله، وكانت له عبادة واجتهاد، ولما بلغ عائشة قتله حزنت عليه جداً، وتولت تربية ولده القاسم ، فنشأ في حجرها فكان من أفضل أهل زمانه. انتهى
وكان محمد بن أبي بكر أخذ على عثمان وخرج عليه، والصحيح انه لم يقتله ولم يشترك في قتله، بل إنه لما دخل على عثمان في الدار ذكره بمكانته من أبيه، فخرج عنه نادماً على فعله.
قال ابن كثير في البداية والنهاية: فقال: أي عثمان مهلاً يا ابن أخي فوالله لقد أخذت مأخذاً ما كان أبوك ليأخذ به، فتركه وانصرف مستحيياً نادماً، فاستقبله القوم على باب الصفة فردهم طويلاً فدخلوا، وخرج محمد راجعاً. انتهى
وقد ذكرت بعض الروايات أن محمد بن أبي بكر شارك في قتل عثمان أو قتله، فقال ابن كثير بعد ذكرها: والصحيح أن الذي فعل ذلك غيره، وأنه استحى ورجع حين قال له عثمان: لقد أخذت بلحية كان أبوك يكرمها، فتندم من ذلك وغطى وجهه ورجع، وحاجز دونه فلم يقدر، وكان أمر الله قدراً مقدوراً، وكان ذلك في الكتاب مسطوراً. انتهى
والله أعلم.
المفتـــي: مركز الفتوى
وأما قول عائشة فقد رواه ابن تيمية في منهاج السنة وقال كذب.
وفي الرواية نصر بن مزاحم وهو رافضي جلد تركوه وفي حديثه خطأ واضطراب كثير وفيه سيف بن عمر قيل فيه: فلس خير منه، واتهم بالزندقة.
على سبيل الحق 31-08-2011, 09:49 AM ادخل هنا واستمع إلى قول أئمتك المهاجر والكاظمي والشيرازي
http://www.alburhan.com/multimedia_view.aspx?type=1
على سبيل الحق 31-08-2011, 09:52 AM أقوال الصحابة في عثمان:
السيدة عائشة رضي الله عنها
"عَنْ عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْيَشْكُرِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أُمِّي تُحَدِّثُ أَنَّ أُمَّهَا انْطَلَقَتْ إِلَى الْبَيْتِ حَاجَّةً، وَالْبَيْتُ يَوْمَئِذٍ لَهُ بَابَانِ، قَالَتْ: فَلَمَّا قَضَيْتُ طَوَافِي دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ. قَالَتْ: قُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ بَعْضَ بَنِيكِ بَعَثَ يُقْرِئُكِ السَّلاَمَ، وَإِنَّ النَّاسَ قَدْ أَكْثَرُوا فِي عُثْمَانَ، فَمَا تَقُولِينَ فِيهِ؟ قَالَتْ: لَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَهُ -لاَ أَحْسِبُهَا إِلاَّ قَالَتْ ثَلاَثَ مِرَارٍ- لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ، وَهُوَ مُسْنِدٌ فَخِذَهُ إِلَى عُثْمَانَ، وَإِنِّي لأَمْسَحُ الْعَرَقَ عَنْ جَبِينِ رَسُولِ اللَّهِ، وَإِنَّ الْوَحْيَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ، وَلَقَدْ زَوَّجَهُ ابْنَتَيْهِ إِحْدَاهُمَا عَلَى إِثْرِ الأُخْرَى، وَإِنَّهُ لَيَقُولُ: اكْتُبْ عُثْمَانُ. قَالَتْ: مَا كَانَ اللَّهُ لِيُنْزِلَ عَبْدًا مِنْ نَبِيِّهِ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ إِلاَّ عَبْدًا عَلَيْهِ كَرِيمًا".
علي بن أبي طالب رضي الله عنه
"عن النزال بن سبرة الهلالي قال: قلنا لعلي: يا أمير المؤمنين، فحدثنا عن عثمان بن عفان. فقال: ذاك امرؤ يُدعى في الملأ الأعلى ذا النورين، كان خَتن رسول الله على ابنتيه (أي: زوج ابنتيه)، ضمن له بيتًا في الجنة".
وروى الإمام أحمد بسنده عن محمد بن الحنفية قال: "بلغ عليًّا أن عائشة تلعن قتلة عثمان في المربد، قال: فرفع يديه حتى بلغ بهما وجهه فقال: وأنا ألعن قتلة عثمان، لعنهم الله في السهل والجبل. قال مرتين أو ثلاثًا".
وروى الحاكم بإسناده عن قيس بن عباد قال: "سمعت عليًّا رضي الله عنه يوم الجمل يقول: اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان، ولقد طاش عقلي يوم قُتِل عثمان، وأنكرت نفسي وجاءوني للبيعة، فقلت: والله إني لأستحي من الله أن أبايع، وعثمان قتيل على الأرض، لم يدفن بعدُ، فانصرفوا، فلما دفن رجع الناس، فسألوني البيعة فقلت: اللهم إني مشفق مما أقدم عليه، ثم جاءت عزيمة فبايعت، فلقد قالوا: يا أمير المؤمنين. فكأنما صدع قلبي، وقلت: اللهم خذ مني لعثمان حتى ترضى".
وروى الإمام أحمد في مسنده عن محمد بن حاطب قال: سمعت عليًّا يقول: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101]. منهم عثمان.
عبد الله بن عباس رضي الله عنهما
قال في مدح عثمان وذم من ينتقصه: "رحم الله أبا عمرو، كان والله أكرم الحفدة، وأفضل البررة، هجادًا بالأسحار، كثير الدموع عند ذكر النار، نهاضًا عند كل مكرمة، سباقًا إلى كل منحة، حبيبًا أبيًّا وفيًّا، صاحب جيش العسرة، ختن رسول الله، فأعقب الله على من يلعنه لعنة الملاعين إلى يوم الدين".
أنس بن مالك رضي الله عنه
قيل لأنس بن مالك: إن حب علي وعثمان لا يجتمعان في قلب. فقال أنس: كذبوا، لقد اجتمع حبهما في قلوبنا.
أبو هريرة رضي الله عنهما
عن أبي مريم قال: "رأيت أبا هريرة يوم قتل عثمان وله ضفيرتان وهو ممسك بهما، وهو يقول: قتل والله عثمان على غير وجه الحق".
عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما
أخرج أبو نعيم في معرفة الصحابة بسنده إلى عبد الله بن عمرو بن العاص قال: عثمان بن عفان ذو النورين قُتل مظلومًا، أوتي كِفْلَيْن من الأجر.
عبد الله بن عمر رضي الله عنهما
عن سعد بن عبيدة قال: "جاء رجل إلى ابن عمر، فسأله عن عثمان، فذكر عن محاسن عمله. قال: لعل ذاك يسوءك؟ قال: نعم. قال: فأرغم الله بأنفك. ثم سأله عن علي، فذكر محاسن عمله، قال: هو ذاك بيته، أوسط بيوت النبي. ثم قال: لعل ذاك يسوءك؟ قال: أجل. قال: فأرغم الله بأنفك، انطلق فاجهد عليَّ جهدك".
وعن أبي حازم قال: "كنت عن عبد الله بن عمر بن الخطاب، فذكر عثمان، فذكر فضله ومناقبه وقرابته، حتى تركه أنقى من الزجاجة، ثم ذكر علي بن أبي طالب، فذكر فضله وسابقته، وقرابته، حتى تركه أنقى من الزجاجة، ثم قال: من أراد أن يذكر هذين فليذكرهما هكذا، أو فليدع".
على سبيل الحق 31-08-2011, 09:57 AM وهذا مقال حسبك به
لا تسبوا أصحابي
للأستاذ محمود محمد شاكر
مجلة المسلمون -العدد الثالث ، سنة 1371هـ
حسب امرئ مسلم لله أن يبلغه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تسبوا أصحابي ، لا تسبوا أصحابي؛ فوالذي نفسي بيده ، لو أن أحدكم أنفق مثل أحدٍ ذهباً ؛ ما أدرك مد أحدكم ولا نصيفه))؛ حتى يخشع لرب العالمين ، ويسمع لنبي الله ويطيع ، فَيَكُفَّ عَرْبَ لسانه وضراوة فكره عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ثم يعلم علماً لا يشوبه شكّ ولا ريبة: أن لا سبيل لأحد من أهل الأرض – ماضيهم وحاضرهم – أن يلحق أقل أصحابه درجة ، مهما جهد في عبادته ، ومهما تورع في دينه ، ومهما أخلص قلبه من خواطر السوء في سره وعلانيته.
و أين يشك وكيف يطمع ورسول الله لا ينطق عن الهوى ، ولا يداهن في دين ، ولا يأمر الناس بما يعلم أن الحق في خلافه ، ولا يحدث بخبر ولا ينعت أحداً بصفة ؛ إلا بما علمه ربه وبما نبأه؟! وربه الذي يقول له ولأصحابه : ] والّذي جاءَ بالصِّدقِ وَصدَّقَ به أولِئكَ هُمُ المُتَّقون . لَهُمْ ما يَشاؤونَ عِنْدَ رَبِّهمْ ذَلِكَ جَزاءُ المُحْسِنِينَ . لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُم أَسْوَأَ الذي عَمِلوا ويَجْزِيَهُمْ بأَحسَنِ الذِي كانوا يَعْمَلونَ [ .
ثم يبين صلى الله عليه وسلم كتاب ربه ، فيقول : ((خير الناس قرني ، ثم الذي يلونهم ، ثم الذي يلونهم ، ثم يجيء قومُ تسبق شهادة أحدهم يمينه ، ويمينه شهادته)).
ثم يزيد الأمر بيانا صلى الله عليه وسلم ، فيدل المؤمنين على المنزلة التي أنزلها الله أصحابَ محمد رسول الله ، فيقول: ((يأتي على الناس زمان ، فيغزو فئام فيفتح لهم ، ثم يأتي على الناس زمان ، فيغزو فئام من الناس ، فيقال: هل فيكم من صاحب من صاحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم ، فيفتح لهم)).
فإذا كان هذا مبلغ صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأي مسلم يطيق بعد هذا أن يبسط لسانه في أحد من صحابة محمد رسول الله ؟! وبأي لسان يعتذر يوم يخاصمه بين يدي ربهم ؟! وما يقول وقد قامت عليه الحجة من كتاب الله ومن خبر نبيه ؟! وأين يفر امرؤ يومئذ من عذاب ربه؟!
وليس معنى هذا أن أصحاب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم معصومون عصمة الأنبياء ، ولا أنهم لم يخطئوا قط ولم يسيئوا ؛ فهم لم يدّعوا هذا ، وليس يدّعيه أحد لهم ، فهم يخطئون ويصيبون ، ولكن الله فضلهم بصحبة رسوله ، فتأدبوا بما أدبهم به ، وحرصوا على أن يأتوا من الحق ما استطاعوا ، وذلك حسبهم ، وهو الذي أمروا به ، وكانوا بعدُ توابين أوابين ، كما وصفهم في محكم كتابه ، فإذا أخطأ أحدهم ، فليس يحل لهم ولا لأحد ممن بعدهم أن يجعل الخطأ ذريعة إلى سبهم والطعن عليهم.
هذا مجمل ما أدبنا به الله ورسوله ، بيد أن هذا المجمل أصبح مجهولاً مطروحاً عند أكثر من يتصدى لكتابة تاريخ الإسلام من أهل زماننا ، فإذا قرأ أحدهم شيئاً فيه مطعن على رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، سارع إلى التوغل في الطعن والسب بلا تقوى ولا ورع ، كلا ، بل تراهم يحيط بها من الريب والشكوك ، وما الأسباب الداعية إلى الكذب في الأخبار ، ومن العلل الدافعة إلى وضع الأحاديث المكذوبة على هؤلاء الصحابة .
ولن أضرب المثل بما يكتبه المستشرقون ومن لف لفهم؛ فهم كما نعلم ، ولا بأهل الزيغ والضلال والضغينة على أهل الإسلام؛ كصاحب كتاب الفتنة الكبرى) وأشباهه من المؤلفين بل سآتيك بالمثل من كلام بعض المتحمسين لدين ربهم ، المعلنين بالذب عنه والجهاد في سبيله ، وأن سمة الحضارة الوثنية الأوروبية ، تنفجر أحياناً – في قلب من لم يحذر ولم يتق – بكل ضغائن القرن العشرين ، وبأسوأ سخائم هذه الحضارة المعتدية لحدود الله ، التي كتب على عباده – مسلمهم وكفارهم – أن لا يتعدوها .
أربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هم : أبو سفيان بن حرب ، ومعاوية بن أبي سفيان ، وعمرو بن العاص ، وهند بنت عتبة بن ربيعة ؛ أم معاوية ، رضي الله عنهم ، كيف يتكلم أحد الناس عنهم ؟!
1- ((فلما جاء معاوية ، وصير الخلافة الإسلامية ملكاً عضوضاً في بني أمية ؛ لم يكن ذلك من وحي الإسلام ، إنما كان من وحي الجاهلية]]
ولم يكتف بهذا ، بل شمل بني أمية جميعاً ، فقال: ((فأمية بصفة عامة لم يعمر الإيمان قلوبهم ، وما كان الإسلام لها إلا رداء تخلعه وتلبسه حسب المصالح والملابسات]]
2- ثم يذكر يزيد بن معاوية بأسوأ الذكر ، ثم يقول: ((وهذا هو الخليفة الذي يفرضه معاوية على الناس ، مدفوعاً إلى ذلك بدافع لا يعرفه الإسلام ، دافع العصبية العائلية القبلية ، وما هي بكثيرة على معاوية ولا بغريبة عليه؛ فمعاوية هو ابن أبي سفيان وابن هند بنت عتبة ، وهو وريث أحد قومه جميعاً ، وأشبه شيء بهم في بعد روحه عن حقيقة الإسلام ؛ فلا يأخذ أحد الإسلام بمعاوية أو بني أمية؛ فهو منه ومنهم بريء]]
3- ((ولسنا ننكر على معاوية في سياسة الحكم ابتداعه نظام الوراثة وقهر الناس عليها فحسب ، إنما ننكر عليه أولاً وقبل كل شيء إقصاءه العنصر الأخلاقي في صراعه مع علي وفي سيرته في الحكم بعد ذلك إقصاءً كاملاً لأول مرة في تاريخ الإسلام …فكانت جريمة معاوية الأولى التي حكمت روح الإسلام في أوائل عهده هي نفي العنصر الأخلاقي من سياسته نفياً باتاً ، ومما ضاعف الجريمة أن هذه الكارثة باكرت الإسلام ولم تنقض إلا ثلاثون سنة على سننه الرفيع…ولكي ندرك عمق هذه الحقيقة يجب أن نستعرض صوراً من سياسة الحكم في العهود المختلفة على أيدي ابي بكر وعمر ، وعلى أيدي عثمان ومروان …ثم على أيدي الملوك من أمية …ومن بعدهم من بني العباس ، بعد أن خُنقت روح الإسلام خنقاً على أيدي معاوية وبني أمية]]
4- (( ومضى علي إلى رحمة ربه ، وجاء معاوية بن هند وبن ابي سفيان]]
وأنا استغفر الله من نقل هذا الكلام ، بمثل هذه العبارة النابية ؛ فإنه أبشع ما رأيته .
ثم يقول: ((فلئن كان إيمان عثمان وورعه ورقته كانت تقف حاجزاً أمام أمية؛ لقد انهار هذا الحاجز ، وانساح ذلك السد ، وارتدت أمية طليقة حرة إلى وراثاتها في الجاهلية والإسلام ، وجاء معاوية تعاونه العصبة التي على شاكلته ، وعلى رأسها عمرو بن العاص ، قوم تجمعهم المطامع والمآرب ، وتدفعهم المطامح والرغائب ، ولا يمسكهم خلق ولا دين ولا ضمير ]]
وأنا أستغفر الله وأبرأ إليه .
ثم قال: ((ولا حاجة بنا للحديث عن معاوية؛ فنحن لا نؤرخ له هنا ، وبحسبنا تصرفه في توريث يزيد الملك لنعلم أي رجل هو ، ثم بحسبنا سيرة يزيد لنقدر أية جريمة كانت تعيش في أسلاخ أمية على الإسلام والمسلمين]]
ثم ينقل خطبة يزعم أنها لمعاوية في أهل الكوفة بعد الصلح ، يجيء فيها قول معاوية : ((وكل شرط شرطته ؛ فتحت قدمي هاتين )) ، ثم يعقب عليه مستدركاً: ((والله تعالى يقول : ] وأوْفُوا بالعَهْدِ إنَّ العَهْدَ كانَ مسؤولاً [ والله يقول: ] وإِنِ اسْتنصروكم في الدِّينِ فَعَليكُم النصر إلا على قومٍ بَينَكُم وَبَيْنَهُم ميْثَاقٌ [ ؛ فيؤثر الوفاء بالميثاق للمشركين المعاهدين على نصرة المسلمين لإخوانهم في الدين ، أما معاوية ؛ فيخيس بعهده للمسلمين ، ويجهر بهذه الكبيرة جهرة المتبجحين ، إنه من أمية ، التي أبت نحيزتها أن تدخل في حلف الفضول ]]
5- ثم يذكر خطبة أخرى لمعاوية في أهل المدينة: ((أما بعد؛ فإني والله ما وليتها بمحبة علمتها منكم ]]]
ثم يعلق عليها فيقول: ((أجل ، ما وليها بمحبة منهم ، وإنه ليعلم أن الخلافة بيعة الرضى في دين الإسلام ، ولكن ما لمعاوية وهذا الإسلام ، وهو ابن هند وابن ابي سفيان؟!]]
6- وأما معاوية بعد علي ؛ فقد سار سياسة المال سيرته التي ينتفي منها العنصر الأخلاقي ، فجعله للرشى واللهى وشراء الأمم(1) في البيعة ليزيد ، وما أشبه هذه الأغراض ، بجانب مطالب الدولة والأجناد والفتوح بطبيعة الحال]] )
7- ثم قال شاملاً لبني أمية : ((هذا هو الإسلام ، على الرغم ما اعترض خطواته العملية الأولى من غلبة أسرة لم تعمر روح الإسلام نفوسها؛ فأمنت على حرف حين غلب الإسلام ، وظلت تحلم بالملك الموروث العضوض حتى نالته ، فسارت بالأمر سيرة لا يعرفها الإسلام ]] .
هذا ما جاء في ذكر معاوية ، وما أضفى الكاتب من ذيوله على بني أمية وعلى عمرو بن العاص ، وأما ما جاء عن أبي سفيان بن حرب؛ فانظر ماذا يقول:
8- ((أبو سفيان هو ذلك الرجل الذي لقي الإسلام منه والمسلمون ما حفلت به صفحات التاريخ ، والذي لم يسلم إلا وقد تقررت غلبة الإسلام ؛ فهو إسلام الشفة واللسان ، لا إيمان القلب والوجدان ، وما نفذ الإسلام إلى قلب ذلك الرجل؛ فلقد ظل يتمنى هزيمة المسلمين ويستبشر لها في يوم حنين ، وفي قتال المسلمين والروم فيما بعد ، بينما يتظاهر بالإسلام ، ولقد ظلت العصبية الجاهلية تسطير على فؤاده…وقد كان سفيان يحقد على الإسلام والمسلمين ، فما تعرض فرصة للفتنة إلا انتهزها]]
9- ((ولقد كان أبو سفيان يحلم بملك وراثي في بني أمية منذ تولى الخلافة عثمان ؛ فهو يقول : ((يا بني أمية …تلقفوها تلقف الكرة؛ فو الذي يحلف به أبو سفيان ؛ ما زلت أرجوها لكم ، ولتصيرن إلى صبيانكم وراثة!) ، وما كان يتصور حكم المسلمين إلا ملكاً ، حتى أيام محمد ، (وأظن أنا أنه من الأدب أن أقول: صلى الله عليه وسلم )؛ فقد وقف ينظر إلى جيوش الإسلام يوم فتح مكة ، ويقول للعباس بن عبد المطلب : ((والله يا أبا الفضل؛ لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم عظيماً)) ، فلما قال له العباس : إنها النبوة ، فما كان مثل هذا القلب ليفقه إلا معنى الملك والسلطان]] )
ثم يقول عن هند بن عتبة أم معاوية:
10- ((ذلك أبو معاوية ، فأما أمه هند بنت عتبة ، فهي تلك التي وقفت يوم أحد تلغ في الدم إذ تنهش كبد حمزة كاللبؤة المتوحشة ، لا يشفع لها في هذه الفعلة الشنيعة حق الثأر على حمزة؛ فقد كان قد مات ، وهي التي وقفت بعد إسلام زوجها كرها بعد إذ تقررت غلبة الإسلام تصيح: ((اقتلوا الخبيث الدنس الذي لا خير فيه ، قبح من طليعة قوم ، هلا قاتلتم ودفعتم عن أنفسكم وبلادكم؟]]
هؤلاء أربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يذكرهم كاتب مسلم بمثل هذه العبارات الغريبة النابية ، بل زاد ، فلم يعصم كثرة بني أمية من قلمه ، فطرح عليهم كل ما استطاع من صفات تجعلهم جملة واحدة براء من دين الله ، ينافقون في إسلامهم ، ونفون من حياتهم كل عنصر أخلاقي – كما سماه - .
وأنا لن أناقش الأن هذا المنهج التاريخي ؛ فإن كل مدع يستطيع أن يقول: هذا منهجي ، وهذه دراستي!! بل غاية ما أنا فاعل أن أنظر كيف كان أهل هذا الدين ينظرون إلى هؤلاء الأربعة بأعيانهم ، وكيف كانوا – هؤلاء الأربعة – عند من عاصرهم ومن جاء بعدهم من أئمة المسلمين وعلمائهم.
وأيضا ، فإني لن أحقق هذه الكلمة فساد ما بُني عليه الحكم التاريخي العجيب ، الذي استحدثه لنا هذا الكاتب ، بل أدعه إلى حينه .
فمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أسلم عام القضية ، ولقي رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلماً ، وكتم إسلامه عن أبيه وأمه ، ولما جاءت الردة الكبرى؛ خرج معاوية في هذه القلة المؤمنة التي قاتلت المرتدين ، فلما استقر أمر الإسلام ، وسير أبو بكر الجيوش إلى الشام ؛ سار معاوية مع أخيه يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه ، فلما مات يزيد في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ؛ قال لأبي سفيان رضي الله عنه : أحسن الله عزاءك في يزيد .فقال أبوسفيان : من وليت مكانه ؟ قال: أخاه معاوية . قال: وصلتك رحم يا أمير المؤمنين . وبقي معاوية والياً لعمر على عمل دمشق ، ثم ولاه عثمان الشام كلها ، حتى جاءت فتنة مقتل عثمان ، فولي معاوية دم عثمان لقرابته ، ثم كان بينه وبين علي ما كان.
ويروي البخاري (5/28) أن معاوية أوتر بعد العشاء بركعة ، وعنده مولى لابن عباس ، فأتى ابن عباس ، فقال: دعه؛ فإنه صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال في خير آخر: هل لك في أمير المؤمنين معاوية؛ فإنه أوتر بواحدة؟ فقال ابن عباس : إنه فقيه.
وروى أحمد في ((مسند)) (4/102) عن مجاهد وعطاء عن ابن عباس: أن معاوية أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قصر شعره بمشقص فقلت لابن عباس : ما بلغنا هذا الأمر إلا عن معاوية ! فقال: ما كان معاوية على رسول الله صلى الله عليه وسلم متهماً.
وعن ابي الدرداء : ما رأيت أحداً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من أميركم هذا (يعني معاوية) . مجمع الزوائد (9/357).
وروى أحمد في ((مسنده)) (4/101) عن أبي أمية عمرو بن يحيى ابن سعيد عن جده: أن معاوية أخذ الإداوة بعد أبي هريرة يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم بها ، واشتكى أبو هريرة ، فينا هو يوضئ رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ رفع رأسه إليه مرة أو مرتين ، فقال: ((يا معاوية ! إن وليت أمراً؛ فاتق الله عز وجل واعدل)) . قال معاوية : فما زلت أظن أني مبتلى بعمل لقول النبي صلى الله عليه وسلم حتى ابتليت .
وروى أحمد في مسنده (4/127) عن العرباض بن سارية السلمي؛ قال: سمعت رسول الله وهو يدعونا إلى السحور في شهر رمضان : ((هلموا إلى الغداء المبارك)) ثم سمعته يقول: ((اللهم علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب)).
وروى أحمد في مسنده (4/216) عن عبد الرحمن ابن أبي عميرة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه ذكر معاوية ، فقال: ((اللهم اجعله هادياً مهدياً ، واهد به )).
هذا بعض ما قيل في معاوية رضي الله عنه ، وفي دينه وإسلامه.
فإن كان هذا الكاتب قد عرف واستيقن أن الروايات المتلقفة من أطراف الكتب تنقض هذا نقضاً ، حتى يقول: إن الإسلام بريء منه! فهو وما عرف!!.
وإن كان يعلم أنه أحسن نظراً ومعرفة بقريش من أبي بكر حين ولّي يزيد بن أبي سفيان ، وهو من بني أمية ، وأنفذ بصراً من عمر حين ولي معاوية؛ فهو وما علم !!
وإن كان يعلم أن معاوية لم يقاتل في حروب الردة إلا وهو يضمر النفاق والغدر؛ فله ما علم !!
وإن كان يرى ما هو أعظم من ذلك ؛ أنه أعرف بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من رسول الله الذي كان يأتيه الخبر من السماء بأسماء المنافقين بأعيانهم ؛ فذلك ما أعيذه منه أن يعتقده أو يقوله !!
ولكن لينظر فرق ما بين كلامه وكلام أصحاب رسول الله عن رجل آخر من أصحابه ، ثم ليقطع لنفسه ما شاء من رحمة الله أو من عذابه ، ولينظر أيهما أقوى برهاناً في الرواية ، هذا الذي حدثنا به أئمة ديننا ، أم ما انضمت عليه دفتا كتاب من عرض كتب التاريخ كما يزعمون ، ولينظر لنفسه حتى يرجح رواية على رواية وحديثاً على حديث وخبراً على خبر ، وليعلم أن الله تعالى أدب المسلمين أدباً لم يزالوا عليه منذ كانت لدين الله الغلبة حتى ضرب الله على أهل الإسلام الذلة بمعاصيهم وخروجهم عن حد دينهم واتباعهم الأمم في أخلاقها وفي فكرها وفي تصورها للحياة الإنسانية .
يقول ربنا سبحانه : ] يا أيَّها الذِينَ آمنُوا إِن جاءَ كم فاسِقٌ بِنَبَإٍ فتَبَيَّنوا أن تُصيبوا قَوماً بِجَهالةٍ فتُصْبِحوا على ما فَعَلتُم نادِمين [
ويقول: ] يا أيُّها الذِينَ آمنوا اجتنِبُوا كثيراً مِنَ الظّنِ إنّ بعْضَ الظِّنِّ إِثم [
ويقول: ] ولا تَقْفُ ما لَيْسَ لك بِهِ عِلْمٌ إِنّ السَّمعَ والبَصَرَ والفُؤادَ كُلُ أُولَئكَ كانَ عنه مسؤولاً [
ولينظر أنى له أن يعرف أن معاوية كان يعمل بوحي الجاهلية لا الإسلام ، وأنه بعيد الروح عن حقيقة الإسلام وأن الإسلام لم يَعمُر قلبه ، وأنه خنق روح الإسلام هو وبنو أبيه ، وأنه هو وعمرو بن العاص ومن على شاكلتهم لا يمسكهم خلق ولا دين ولا ضمير ، وأن في أسلاخ معاوية وبني أمية جريمة أي جريمة على الإسلام والمسلمين ، وأنه يخيس بالعهد ويجهر بالكبيرة جهرة المتبجحين ، وأنه ما لمعاوية وهذا الإسلام وأنه ينفي العنصر الأخلاقي من سيرته ويجعل مال الله للرشى واللهى وشراء الذمم ، وأنه هو وبنو أمية آمنوا على حرف حين غلب الإسلام .
أما أبو سفيان رضي الله عنه ؛ فقد أسلم ليلة الفتح ، وأعطاه رسول الله من غنائم حنين كما أعطى سائر المؤلفة قلوبهم ، فقال له : (( والله ؛ إنك لكريم فداك أبي وأمي ، والله؛ لقد حاربتك فلنعم المحارب كنت ، ولقد سالمتك فلنعم المسالم أنت ، جزاك الله خيراً)).
ثم شهد الطائف مع رسول الله ، وفقئت عينه في القتال.
ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم نجران ، ورسول الله لا يولي منافقاً على المسلمين .
وشهد اليرموك ، وكان هو الذي يحرض الناس ويحثهم على القتال.
وقد ذكر الكاتب فيما استدل به على إبطان أبي سفيان النفاق والكفر أنه كان يستبشر بهزيمة المسلمين في يوم حنين ، وفي قتال المسلمين والروم فيما بعد ، وهذا باطل مكذوب ، وسأذكر بعد تفصيل ذلك .
أما قول أبي سفيان للعباس: ((لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم عظيماً )) فقال العباس: إنها النبوة فقال أبو سفيان: فنعم إذن. فهذا خبر طويل في فتح مكة ، قبل إسلامه ، وكانت هذه الكلمة : ((نعم إذن)) أول إيذان باستجابته لداعي الله ، فأسلم رضي الله عنه ، وليست كما أولها الكاتب: ((نعم إذن ، وإنها كلمة يسمعها بأذنه فلا يفقهها قلبه ، فما كان مثل هذا القلب ليفقه إلا معنى الملك والسلطان)) إلا أن يكون الله كشف له ما لم يكشف للعباس ولا لأبي بكر ولا لعمر ولا لأصحاب رسول الله من المهاجرين والأنصار ،وأعوذ بالله من أن أقول ما لم يكشف لرسول الله ونبيه صلى الله عليه وسلم.
وعن ابن عباس : أن أبا سفيان قال: يا رسول الله ثلاثاً أعطنيهن ، قال: ((نعم )) ، قال: تؤمرني حتى أقاتل الكفار كما قاتلت المسلمين ، قال: ((نعم)) ، قال: ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك ، قال: ((نعم)) ، وذكر الثالثة ، وهو أنه أراد أن يزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بابتنته الأخرى عزة بنت أبي سفيان ، واستعان على ذلك بأختها أم حبيبة ، فقال: ((إن ذلك لا يحل لي)).
وأما هند بنت عتبة أم معاوية رضي الله عنهما ، فقد روي عن عبد الله بن الزبير (ابن سعد :8/171) (2) ؛ قال: لما كان يوم الفتح ؛ أسلمت هند بن عتبة ونساء معها ، وأتين رسول الله وهو بالأبطح ، فبايعنه ، فتكلمت هند ، فقالت: يا رسول الله الحمد الله الذي أظهر الدين الذي اختاره لنفسه ، لتنفعني رحمك يا محمد ، إني امرأة مؤمنة بالله مصدقة برسوله ، ثم كشفت عن نقابها ، وقالت: أنا هند بنت عتبة ، فقال رسول الله : ((مرحباً بك)) ، فقالت: والله ؛ ما كان على الأرض أهل خباء أحب إلي من أن يذلوا من خبائك ، ولقد أصبحت وما على الأرض أهل خباء أحب إلي من أن يعزوا من خبائك ، فقال رسول الله : وزيادة …
وروى البخاري(3) هذا الخبر عن أم المؤمنين عائشة (5/40).
فهل يعلم عالم أن إسلام أبى سفيان وهند كان نفاقاً وكذباً وضغينة؟ لا أدري ، ولكن أئمتنا من أهل هذا الدين لم يطعنوا فيهم ، وارتضاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وارتضى إسلامهم ، وأما ما كان من شأن الجاهلية؛ فقل رجل وامرأة من المسلمين لم يكن له في جاهليته مثل ما فعل أبو سفيان أو شبيه بما يروى عن هند إن صح.
وأما عمرو بن العاص ؛ فقد أسلم عام خيبر ، قد مهاجراً إلى الله ورسوله ، ثم أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على سرية إلى ذات السلاسل يدعو بليّاً إلى الإسلام ، ثم استعمله رسول الله على عمان ، فلم يزل والياً عليها إلى أن توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أقره عليها أبو بكر رضي الله عنه ، ثم استعمله عمر.
وروى الإمام أحمد في (مسنده) (2/327 ،353 ، 354) من حديث أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ابنا العاص مؤمنان) ؛ يعني: هشاماً وعمراً.
وروى الترمذي وأحمد في مسنده (4/155) عن عقبة بن عامر الجهني : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص)).
وروى أحمد في مسنده (1/161) عن طلحة بن عبيد الله ؛ قال: ألا أخبركم عن رسول الله بشيء ؟ ألا إني سمعته يقول: ((عمرو بن العاص من صالحي قريش ، ونعم أهل البيت أبو عبد الله وأم عبد الله وعبد الله )).
فإذا كان جهاد عمرو ، وشهادة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم له ، وتولية رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أبى بكر ثم عمر؛ لا تدل على شيء من فضل عمرو بن العاص ، ولا تدل على نفي النفاق في دين الله عنه؛ فلا ندري بعد ما الذي ينفع عمراً في دنياه وآخرته ؟!
ولست أتصدى هنا لتزييف ما كتبه الكاتب من جهة التاريخ ، ولا من جهة المنهاج ، ولكني أردت – كما قلت – أن أبين أن الأصل في ديننا هو تقوى الله وتصديق خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن أصحاب محمد e ليسوا لعانين ولا طعانين ولا أهل إفحاش ولا أصحاب جرأة وتهجم على غيب الضمائر ، وأن هذا الذي كانوا عليه أصل لا يمكن الخروج منه؛ لا بحجة التاريخ ، ولا بحجة النظر في أعمال السابقين للعبرة واتقاء ما وقعوا فيه من الخطأ.
ولو صح كل ما يذكر مما اعتمد عليه الكاتب في تمييز صفات هؤلاء الأربعة وصفة بني أمية عامة؛ لكان طريق أهل الإسلام أن يحملوه على الخطأ في الاجتهاد من الصحابي المخطيء ، ولا يدفعهم داء العصر أن يوغلوا من أجل خبر أو خبرين في نفي الدين والخلق والضمير عن قوم هم لقرب زمانهم وصحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم أولى أهل الإسلام بأن يعرفوا حق الله وحق رسوله ، وأن يعلموا من دين الله ما لم يعلمه مجترئ عليهم طعان فيهم.
وأختم كلمتي هذه بقول النووي في شرح مسلم (16/93): ((اعلم أن سب الصحابة رضي الله عنهم حرام من فواحش المحرمات ، سواء من لابس الفتن منهم وغيره؛ لأنهم مجتهدون في تلك الحروب متأولون ، وقال القاضي: سب أحدهم من المعاصي الكبائر ، ومذهبنا ومذهب الجمهور أن يعزر ولا يقتل ، وقال بعض المالكية يقتل)).
وأسدي النصحية لمن كتب هذا وشبهه أن يبرأ إلى الله علانية مما كتب ، وأن يتوب توبة المؤمنين مما فرط منه ، وأن ينزه لسانه ويعصم نفسه ويطهر قلبه ، وأن يدعو بدعاء أهل الإيمان: ] رَبَّنا اغفِرْ لَنا ولإخوانِنا الَذينَ سَبَقُونا بالإيمانِ ولا تَجعَل في قُلوبِنا غِلا للذينَ آمَنُوا رَبّنا إنَكَ رَؤوفٌ رحِيمٌ [
من أجل هذا أقول: إن خلق الإسلام هو أصل كل منهاج في العلم والفهم ، سواء كان العلم تاريخاً أو أدباً أو اجتماعاً أو سياسة ، وإلا ؛ فنحن صائرون إلى الخروج عن هذا الدين ، وصائرون إلى تهديم ما بناه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإلى جعل تاريخ الإسلام حشداً من الأكاذيب الملفقة والأهواء المتناقضة ، والعبث بكل شيء شريف ورثتنا إياه رحمة الله لهم ، وفتح الله عليهم ، ورضاه عن أعمالهم الصالحة ، ومغفرته لهم ما أساءوا رضي الله عنهم ، وغفر لهم وأثابهم بما جاهدوا وصبروا وعَلِموا وعلّموا ، وأستغفر الله وأتوب إليه.
د.عبدالله محمود 31-08-2011, 10:00 AM أخي على سبيل الحق بارك الله فيك
يجب أن تقتبس ممن سترد عليه حتى لا يظن البعض أن كلامك موجه إليّ
رجاء عدل المشاركة التى تلى مشاركاتى .. جزاك الله خيراً
على سبيل الحق 31-08-2011, 10:05 AM قد فعلت أخي طالب الفردوس المبارك وجزاك الله خيرا
د.عبدالله محمود 31-08-2011, 10:11 AM وجزاك خيراً مثله .. مشكور أخي
د.عبدالله محمود 31-08-2011, 02:24 PM حضرتك فين يا أستاذ h___h http://www.thanwya.com/vb/life/buttons/viewpost.gif (http://www.thanwya.com/vb/showthread.php?p=3909102#post3909102)
osama_mma14 31-08-2011, 02:42 PM الأخوة الأفاضل
على سبيل الحق (http://www.thanwya.com/vb/member.php?u=503375) و طالب الفردوس
بارك الله فيكما
========
osama_mma14 31-08-2011, 02:46 PM ما يحدث فى المنتدى حاليا من بعض الأعضاء الشيعة يتناسق مع الحملة التى تشن الآن فى مصر لنشر الفكر الشيعى المنحرف وبث السموم وترويج الاكاذيب ولى الحقائق وتزوير التاريخ
د.عبدالله محمود 31-08-2011, 04:18 PM ما يحدث فى المنتدى حاليا من بعض الأعضاء الشيعة يتناسق مع الحملة التى تشن الآن فى مصر لنشر الفكر الشيعى المنحرف وبث السموم وترويج الاكاذيب ولى الحقائق وتزوير التاريخ
فاعلم أخي الفاضل أن الروافض لا يمكنهم البيع لدينا
فللسنة حراسها الأسود
مشكور على غيرتك
و بارك الله فيك أخي
على سبيل الحق 31-08-2011, 05:06 PM ما زلنا في الانتظار
نحن في الانتظار وقد مر على الموعد ثماني ساعات
|