Hamada Radwan
29-10-2011, 11:25 PM
التنبيه على خطأ شائع
فى تفسير قوله تعالى:
( وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا )
مع بيان حكم الصلاة التى يصليها الناس فى العشر الأواخر من رمضان
والتى يسمونها : (صلاة التهجد)
المقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه ومن والاه, وبعد:
فلما كثر الكلام فى هذه الأيام حول صلاة التهجد التى يقوم بعض الناس بأدائها فى العشر الأواخر من شهر رمضان, وتلقف الجهال وأنصاف المتعلمين هذا الأمر يتكلمون فيه بغير بصيرة ولا علم, وإنما بمحض الآراء والتشهى, وصاروا يوالون ويعادون عليه, بل ويطعنون على أهل العلم بسببه؛ لذا أحببت أن أبين و أوضح حكم هذه الصلاة فى ضوء الأدلة الشرعية والآثار السلفية، ومن المعلوم عند أهل العلم أن العبادة مبناها على التوقيف من أدلة الكتاب والسنة وليست محلاً للاجتهاد.
فالعلم الشرعى (إما نقل مصدق أوبحث محقق, وما سوى ذلك فباطل مزوق) كما قال شيخ الإسلام رحمه الله.
وقال ابن القيم:
العلم قال الله قال رسوله ... قال الصحابة ليس بالتمويه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة ... بين الرسول وبين راي فقيه
كلا ولا جحد الصفات ونفيها ... حذرا من التمثيل والتشبيه
وأسأل الله أن يرزقنا جميعاً العلم النافع والعمل الصالح والبصيرة النافذة, وصلى الله على محمد و آله وصحبه وسلم.
فصل في
معنى التهجد والتراويح وقيام الليل
التهجد فى اللغة هو: مصدر الفعل هجد يعني استيقظ للصلاة وغيرها وفي التنزيل العزيز: (ومن الليل فتهجد به نافلة لك).
والتهجد: صلاة الليل (المعجم الوسيط)
وفي لسان العرب لابن منظور:( وتَهَجَّدَ القوم: استيقظوا للصلاة أَو غيرها، وفي التنزيل العزيز (ومن الليل فَتَهَجَّدْ به نافلةً لك), وقال الجوهري: هَجَدَ وتهَجَّدَ أَي نام ليلاً وهَجَدَ وتَهَجَّدَ أَي سَهِرَ, وهو من الأَضدادِ, ومنه قيل لصلاة الليل التَّهَجُّدُّ)اهـ.
وقال أيضاً: (قال الأَزهري: والمعروف في كلام العرب أَن الهاجد هو النائم, وهَجَدَ هُجوداً إِذا نام, وأَما المُتَهَجِّدُ فهو القائم إِلى الصلاة من النوم, وكأَنه قيل له مُتَهَجِّد لإِلقائه الهُجُود عن نفسه كما يقال للعابد مُتَحَنِّثٌ لإِلقائه الحِنْثَ عن نفسه, وفي حديث يحيى بن زكريا عليهما السلام: فنظر إِلى مُتَهَجِّدي بيت المقدس, أَي المصلِّين بالليل, يقال تهجَّدت إِذا سَهِرْت وإِذا نِمْت وهو من الأَضداد)اهـ.
وأما التراويح فهي : جمع ترويحة وهي في الأصل اسم للجلسة مطلقاً, ثم سميت بها الجلسة التي بعد أربع ركعات في ليالي رمضان لاستراحة الناس بها, ثم سميت كل أربع ركعات ترويحة مجازاً و أصلها المصدر)اهـ.( المعجم الوسيط)
وفي لسان العرب لابن منظور :(والتَّرْوِيحةُ في شهر رمضان سمِّيت بذلك لاستراحة القوم بعد كل أَربع ركعات, وفي الحديث: صلاة التراويح لأَنهم كانوا يستريحون بين كل تسليمتين, والتراويح جمع تَرْوِيحة وهي المرة الواحدة من الراحة تَفْعِيلة منها مثل تسليمة من السَّلام والراحةُ)اهـ.
وفي معجم لغة الفقهاء: (التراويح: مفردها ترويحة، وهي الاستراحة في قيام شهر رمضان، وسمي بالتراويح لأنه يعقب كل أربع ركعات منه ترويحة (جلسة استراحة) )اهـ.
ومن ذلك يظهر أن التهجد وقيام الليل والترويح كلها فى الشرع أسماء على مسمى واحد وهو مايصلى بعد صلاة العشاء وحتى طلوع الفجر وهو قيام الليل سواء كان بعد نوم أم لا .
وقد فرض الله جل وعلا قيام الليل على المسلمين فى أول الإسلام كما قال تعال: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا) إلى أخر الآيات, ومكث المسلمون على ذلك سنة كاملة ثم نسخ الله ذلك وخفف عنهم وجعله نافلة مستحبة, وفرض الله على المسلمين الصلوات الخمس فى اليوم والليلة, ثم أنزل الله تعالى قوله : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا).
قال الحافظ ابن كثير فى تفسير سورة المزمل: "يأمر تعالى رسوله أن ينزك التزمل وهو التغطى وينهض الى القيام لربه عز وجل كما قال تعالى: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ), وكذلك كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ممتثلاً ما أمره الله تعالى به من قيام الليل, وقد كان واجباً عليه وحده كما قال تعالى: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا) وقد روى الإمام مسلم - رحمه الله- في صحيحه والإمام أحمد في مسنده وغيرهما من حديث سعيد بن هشام بن عامر أنه سأل عائشة عن قيام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا أم المؤمنين أنبئيني عن قيام نبي الله -صلى الله عليه وسلم- قالت: أليس تقرأ هذه السورة {يا أيها المزمل} قلت: بلى, قالت: فإن الله عز وجل افترض قيام الليل في أول هذه السورة فقام نبي الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه حولاً حتى انتفخت أقدامهم وأمسك الله عز وجل خاتمتها اثني عشر شهراً, ثم أنزل الله عز وجل التخفيف في آخر هذه السورة فصار قيام الليل تطوعاً بعد أن كان فريضة ... " الحديث.
وروى ابن أبي حاتم بسنده عن ابن عباس قال:" أول ما نزل أول المزمل كانوا يقومون نحواً من قيامهم فى شهر رمضان وكان بين أولها وآخرها قريب من سنة." وقد صح مثله عن قتادة وسعيد بن جبير وغيرهم من السلف, وقد بسط الإمام ابن جرير الطبري هذه الرويات وساقها بأسانيدها. (تفسير الطبري (29/78).
فقيام الليل كان كما فى رواية ابن عباس فريضة فى أول الأمر, فكانوا يقومون نحواً من قيامهم فى رمضان، والقيام فى رمضان هو الترويح, وفى غير رمضان يطلق عليه تهجد أو قيام ليل أو صلاة ليل, فكلها بمعنى واحد مع اختلاف الألفاظ, ومن نظر فى الصحيحن والسنن الأربعة وموطأ مالك وغيرهما من دواوين الإسلام وجد كل مصنف يعبر بواحد من هذه الألفاظ ويورد بقية الألفاظ الأخرى تحته وربما ذكروا الأبواب الخاصة بصلاة التراويح في رمضان والأبواب الخاصة بقيامه صلى الله عليه وسلم في بقية العام.
وفى تفسير قول الله تعالى: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا)
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: (وقوله : ( ومن الليل فتهجد به نافلة لك ) أمر له بقيام الليل بعد المكتوبة ، كما ورد في صحيح مسلم ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل : أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة ؟ قال : " صلاة الليل ", ولهذا أمر تعالى رسوله بعد المكتوبات بقيام الليل ، فإن التهجد : ما كان بعد نوم ؛ قاله علقمة ، والأسود وإبراهيم النخعي ، وغير واحد وهو المعروف في لغة العرب، وكذلك ثبتت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه كان يتهجد بعد نومه ، عن ابن عباس ، وعائشة ، وغير واحد من الصحابة ، رضي الله عنهم ، كما هو مبسوط في موضعه ، ولله الحمد والمنة .
وقال الحسن البصري : هو ما كان بعد العشاء, ويحمل على ما بعد النوم .
واختلف في معنى قوله : ( نافلة لك ) فقيل : معناه أنك مخصوص بوجوب ذلك وحدك ، فجعلوا قيام الليل واجباً في حقه دون الأمة، رواه العوفي عن ابن عباس ، وهو أحد قولي العلماء ، وأحد قولي الشافعي ، رحمه الله ، واختاره ابن جرير .
وقيل : إنما جعل قيام الليل في حقه نافلة على الخصوص ؛ لأنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وغيره من أمته إنما يكفر عنه صلواته النوافل الذنوب التي عليه ؛ قاله مجاهد ، وهو في المسند عن أبي أمامة الباهلي ، رضي الله عنه)اهـ .
وقال البغوى : (( ومن الليل فتهجد به ) أي : قم بعد نومك, والتهجد لا يكون إلا بعد النوم يقال : تهجد إذا قام بعدما نام وهجد إذا نام, والمراد من الآية : قيام الليل للصلاة)اهـ.
وقال السعدى :( وقوله: ( وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ ) أي: صل به في سائر أوقاته ( نَافِلَةً لَكَ ) أي: لتكون صلاة الليل زيادة لك في علو القدر، ورفع الدرجات، بخلاف غيرك، فإنها تكون كفارة لسيئاته)اهـ.
ومما سبق من كلام المفسرين من أهل العلم يظهر أن الأية فى بيان فضيلة النبي صلى الله عليه وسلم وأن قيام الليل فى حقه نافلة ترفع درجته فإن الله غفر له ماتقدم من ذنبه وما تأخر, وأما غيره من الأمة فقيام الليل فى حقهم تكفير للذنوب والمعاصي وليس فى الآية إشارة من قريب ومن بعيد إلى أن هناك صلاة كان يصليها النبي صلى الله عليه وسلم غير قيام الليل كما يسميها الناس اليوم بصلاة التهجد.
فإنه صلى الله عليه وسلم كان يصلى بين العشاء والفجر احدى عشر ركعة أو ثلاث عشرة ركعة بسنة الفجر أو سنة العشاء , فمن ادعى أنه كانت للنبي صلى الله عليه وسلم صلاتان بالليل إحداهما صلاة قيام الليل والأخرى صلاة التهجد, فهذا جاهل جهلاً مركباً ، ففي حديث عائشة فى صحيح مسلم: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يزيد فى رمضان ولافى غير رمضان عن احدى عشرة ركعة ... الحديث وسيأتي بتمامه.
فصلاته كانت احدى عشرة ركعة هى قيام الليل وهى صلاة الليل وهى صلاة التهجد وفى رمضان سماها المسلمون بصلاة الترويح لأنهم كانوا يتروحون من تعب القيام بعد كل أربع ركعات ويسمونها ترويحة ،وهذا كما ورد عن أهل العلم فى سبب تسمية التراويح.
قال النووى فى شرح صحيح مسلم (6/39): (باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح, قوله صلى الله عليه وسلم: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً", معنى إيماناً ؛ تصديقاً بأنه حق معتقد فضيلته ومعنى احتساباً أن يريد الله تعالى وحده لا يقصد رؤية الناس ولا غير ذلك مما يخالف الإخلاص, والمراد بقيام رمضان صلاة التراويح.)اهـ
وقال الحافظ فى الفتح (1/294): (كتاب صلاة التراويح) ثم قال:" سميت الصلاة في الجماعة في ليالي رمضان " التراويح " ؛ لأنهم أول ما اجتمعوا عليها كانوا يستريحون بين كل تسليمتين.)اﻫ وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرغب فى قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة يقول : "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ماتقدم من ذنبه", فتوفى الرسول صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك فى خلافة أبي بكر رضي الله عنه وصدر من خلافة عمر رضي الله عنه حتى جمعهم عمر على صلاة التراويح بالمسجد وأمر أبي بن كعب أن يؤمهم فيها.
وفى حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات ليلة من جوف اليل فصلى في المسجد فصلى رجال بصلاته فأصبح الناس فتحدثوا فاجتمع أكثر منهم فصلوا معه, فأصبح الناس فتحدثوا, فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة, فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلوا بصلاته, فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله, فلم يخرج إليهم, حتى خرج الصبح فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد ثم قال : أما بعد فإنه لم يخف على مكانكم لكن خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها )) متفق عليه وفي رواية مسلم قالت:" وذلك فى رمضان."
وهذا الحديث قد ورد بتفصيل أكثر فى رواية أبى ذر رضي الله عنه قال : « صُمْنا مع رسولِ الله- صلى الله عليه وسلم- رمضانَ ، فلم يَقُمْ بنا حتى بقي سبع من الشهر ، فقام بنا حتى ذَهَبَ ثلثُ الليل ، ثم لم يقم بنا في السادسة ، وقام بنا في الخامسة حتى ذهب شَطْرُ الليل، فقلنا له: يا رسولَ الله ، نَفَّلْتَنا بقيةَ ليلتنا هذه ، قال : إِنَّه من قام مع الإمام حتى ينصرفَ كُتِبَ له قيامُ ليلة ، ثم لم يقم بنا حتى بقي ثلاث ليال من الشهر ، فصلَّى بنا في الثالثةِ ، ودعا أَهلَه ونساءه ، فقام بنا حتى تخوّفْنا الفلاحَ ، قلتُ : وما الفلاحُ ؟ قال : السُّحورُ ». أخرجه الترمذي ، وأبو داود، والنسائي، إِلا أن أبا داود قال : « حتى خشينا أن يفوتَنا الفلاحُ » ، وزاد هو والنسائي « ثم لم يقم بنا بقية الشهر» وأخرجه النسائي بغير زيادة.
وقد ورد الحديث عند النسائى عن النعمان بن بشير رضي الله عنه وفيه تحديد الليالي وهى (ليلة ثلاث وعشرين،وخمس وعشرين، وسبع وعشرين).
وفى حديث جابر رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان ثمان ركعات وأوتر فلما كانت القابلة اجتمعنا في المسجد ورجونا أن يخرج فلم نزل فيه حتى أصبحنا, ثم دخلنا, فقلنا: يا رسول الله اجتمعنا البارحة في المسجد ورجونا أن تصلي بنا فقال : (إني خشيت أن يكتب عليكم ). رواه ابن خزيمة ،وابن حبان فى صحيحهما ، وأبو يعلى فى مسنده وحسنه العلامة الألبانى رحمه الله )اهـ.
وفي هذا الأحاديث من الفوائد:
1-أن النبي صلى الله عليه وسلم قام رمضان (التراويح) جماعة فى المسجد مع أصحابه، وهذا يدل على أن جمع عمر بن الخطاب للمسلمين لأداء صلاة التراويح كان اتباعاً للسنة العملية للنبي صلى الله عليه وسلم.
2- أن صلاة النبي صلي الله عليه وسلم فى سائر الليالي الثلاثة صلاة واحدة هى التراويح ولم يصل غيرها في آخر الليل {مايسمى بالتهجد} وكيف يفعل ذلك وهو يقول:" إِنَّه من قام مع الإمام حتى ينصرفَ كُتِبَ له قيامُ ليلة" ثم هو فى الليلة الثالثة (ليلة سبع وعشرين ) قام بهم حتى خافوا أن يفوتهم الفلاح (السحور) فمتى صلى هذه الصلاة الموهومة "التهجد" ؟
3- أن قيام رمضان هو التراويح وليس هناك صلاة أخرى كما يدعيه البعض فقد جمعهم النبي صلى الله عليه وسلم مرة واحدة فتنبه !!.
4-أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع أصحابة وصلى بهم مرة واحدة, وهذا يدل على بدعية تجمع الناس مرتين ، مرة للتراويح بعد العشاء -وهذا فعله صلى الله عليه وسلم وفعل أصحابه من بعده - ثم مرة أخرى ويسميها هؤلاء بالتهجد, فما هو الدليل عليها ؟؟ ومن الذي جمع الناس لأدائها من السلف الصالح ؟
ولاشك عند كل ذي عقل صحيح وفطرة سليمة أن هذا التجميع (التهجد) مخالف لفعل النبي وأصحابه تمام المخالفة, وهذا واضح بحمد الله من الأحاديث السابقة .
ويتضح مماسبق أن ما يعرف عند الناس اليوم بصلاة التهجد وهو تجميع الناس مرة أخرى بالليل بعد صلاة التراويح أن ذلك بدعة مخالفة لهدى النبي صلى الله عليه وسلم وهدى أصحابه وذلك من وجوه :
1-حديث عائشة رضي الله عنها:" ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يزيد فى رمضان ولا فى غير رمضان عن إحدى عشرة ركعة يصلى, أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلى ثلاثاً)), وقد ورد عنها أيضاً أنه كان يصلى ثلاثة عشرة ركعة بركعتا الفجر أو سنة العشاء .
وهذه الأحاديث وغيرها تبين أن قيامه بالليل فى رمضان كان مرة واحدة, ولم يكن يجمع المسلمين للصلاة مرة أخرى بعد أدائهم لصلاة التراويح, وكيف يفعل ذلك وهو يقول (من قام مع الإمام حتى يوتر كتب له قيام ليلة))
-قد ورد هذا التجميع الثاني فى عصر الصحابة وأنكروه وكرهوا فعله وهو مايسمى بالتعقيب ، وقد كرهه أنس بن مالك وسعيد بن جبير ومنعوا منه ، وقال الثورى: التعقيب محدث ،وفى رواية عن الإمام أحمد قال : أكرهه وأنس يُروى عنه أنه كرهه ، ويروى عن أبي مجلز وغيره أنهم كرهوه، وعن اسحاق بن راهويه أنه قال:إن أتم الإمام التراويح فى أول الليل كره له أن يصلى بهم فى آخره جماعة أخرى لما روى عن أنس وسعيد بن جبير من كراهته, وإن لم يتم بهم فى أول الليل وأخر تمامها إلى آخر الليل لم يكره. "وراجع فتح الباري لابن رجب الحنبلي رحمه الله .
4- ومما يبين بطلان هذا التجمع الثاني (التهجد) ما رواه الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه - قال : جاء ثلاثة رهط إلي بيوت أزواج النبي-صلى الله عليه وسلم- ، يسألون عن عبادته فلما أخبروا كأنهم تقالوها ،فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم، قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر .
قال أحدهم : أما أنا فإني أصلي الليل أبداً .
وقال الآخر : أنا أصوم الدهر ولا أفطر .
وقال الآخر : أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً .
فجاء الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : (( أنتم الذين قلتم كذا وكذا ، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني)).
ونحن نسأل هؤلاء الذين يتعبون أنفسهم وغيرهم بما يسمونه (صلاة التهجد): هل فعلكم هذا من أفعال الخير ؟ فلابد أن يجيبوا بنعم ، فنقول: هل فعله النبي صلى الله عليه وسلم أو أحد من أصحابه, والجواب قطعاً : لا!
فأقول: هل أنتم على ملة أهدى من ملة محمد وأصحابه أو مفتتحوا باب ضلالة ، وهو الغلو فى العبادة والزيادة على السنة؟
وهل فعلكم هذا وقيامكم بهذه الطريقة أفضل أم قيام النبي وصلاته؟؟
ولكن الأمر كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((إذا ضلت العقول لم يبق لضلالها حد معقول )).
وكثير من هؤلاء يصرح بأن فعل النبي صلى الله عليه وسلم أفضل قطعاً لكن فعلهم جائز !!، وهذا باطل قطعاً؛ إذ كيف يكون فعل النبي صلى الله عليه وسلم أفضل ثم أنتم تتركون سنته وتتبعون أهوائكم والله يقول (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ)؟ ثم أليس هذا من التقدم بين يدي الله ورسوله والله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " ؟؟ قال العلامة ابن القيم في إعلام الموقعين":" أي لا تقولوا حتى يقول ولا تأمروا حتى يأمر ولا تفتوا حتى يفتي ولا تقطعوا أمراً حتى يكون هو الذي يحكم فيه ويمضيه ؛ روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما:"لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة"، وروى العوفي عنه قال "نُهوا أن يتكلوا بين يدي كلامه."
والقول الجامع في معنى الآية: لا تعجلوا بقول ولا فعل قبل أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم - أو يفعل."اﻫ
وقال السعدي:" هذا متضمن للأدب، مع الله تعالى، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتعظيم له ، واحترامه، وإكرامه، فأمر الله عباده المؤمنين، بما يقتضيه الإيمان، بالله وبرسوله، من امتثال أوامر الله، واجتناب نواهيه، وأن يكونوا ماشين، خلف أوامر الله، متبعين لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في جميع أمورهم، وأن لا يتقدموا بين يدي الله ورسوله، ولا يقولوا، حتى يقول، ولا يأمروا، حتى يأمر، فإن هذا، حقيقة الأدب الواجب، مع الله ورسوله، وهو عنوان سعادة العبد وفلاحه، وبفواته، تفوته السعادة الأبدية، والنعيم السرمدي، وفي هذا، النهي الشديد عن تقديم قول غير الرسول صلى الله عليه وسلم، على قوله، فإنه متى استبانت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجب اتباعها، وتقديمها على غيرها، كائنا ما كان."اﻫ
ثم أرأيتم لو سألكم النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الصلاة ، وما دليلها ؟ فما هو جوابكم؟؟
وصدق من قال : ينبغى علينا أن نكون متشرعين لا مشرعين, متبعين لا مبتدعين, آخذين ما أوتيناه بقوة ،تاركين ما نهينا عنه, ولا يحل لأحد كائناً من كان أن يبتدع فى الدين ماليس منه ويستدرك على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
فصل شبهات وردود
ويستدل هؤلاء القائلون بتجميع الناس لما يسمى (صلاة التهجد) بشبهات يرونها أدلة منها:
الشبهة الأولى:
قولهم إن قيام الليل نفل مطلق ويجوز الزيادة فى صلاة التراويح عن احدى عشرة ركعة .
والجواب أن نقول :
أولاً : قد تنازع العلماء قديماً وحديثاً فى عدد صلاة التراويح على قولين وما ذكرتموه أحدهما, والثاني : أن صلاة التراويح نفل مقيد بفعل النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز الزيادة فيه على فعله, والعمل ببعض أفراد العام يعد تقيداً له كما هو مقرر فى علم الأصول.
وقد بسط أهل العلم الكلام على حكم الزيادة عن إحدى عشرة ركعة فى كثير من مصنفاتهم ، وراجع عون المعبود شرح سنن أبى داود ، وتحفة الأحوذى شرح جامع الترمذى، ورسالة المصابيح فى صلاة التراويح للسيوطى ، وللشيخ الألبانى رسالة بعنوان (صلاة التراويح) تناول فيها هذه المسألة سنداً ومتناً, فلتراجع فقد أربى فيها على الفائدة واتضح بها انفراده عن أقرانه فى هذا العلم النبوي الشريف فجزاه الله خيراً وغفر له .
على أننا نقول ليس فى هذا الكلام أى دليل على جواز هذا التجمع لأنه لم يرد عليه دليل من السنةالنبوية ولا من آثار الصحابة رضوان الله عليهم ؟ ولأن كل من قال بأن صلاة التراويح إحدى عشرة ركعة أو عشرين ركعة أو أكثر من ذلك ، يقولون بأنها تؤدى بعد صلاة العشاء ولم يقل أحد منهم بتجميع الناس مرة ثانية, فالاستدلال خارج موضوع البحث والكلام.
ثانياً: الكلام على صلاة التهجد وليس على صلاة التراويح ومن الواضح أنهم يفرقون بينهما فالليل عندهم فيه صلاتان الأولى : التراويح مع الإمام وهذه هى السنة سواء كانت إحدى عشرة ركعة (على الصواب من أقوال أهل العلم ) أم كانت أكثر من ذلك على قول بعض أهل العلم ,
والصلاة الثانية هى التهجد فى العشر الأواخر أو فى الخمس عشرة يوم الأخيرة من رمضان فهذه الصلاة ما دليلها؟ ومن الذي فعلها من الصحابة؟ ومن الذي جمع الناس لها ؟ فعجباً لمن يتركون الفرائض والسنن ويبتدعون البدع ويسعون فى نشرها ثم هم يحاربون من تركها واتبع السنة فإنا لله وإنا إليه راجعون.
الشبهة الثانية :
قولهم قد روى البخاري في صحيحه عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد المئزر"ولابد أن يكون قد زاد في صلاته .
والجواب : أن هذا الحديث لا دخل له في حكم الصلاة المذكورة وإنما هو في بيان اجتهاده صلى الله عليه وسلم في العبادة وليس هذا خاصاً بالصلاة فحسب بل يدخل في إحياء الليل مدارسة القرآن مع جبريل عليهما السلام كماورد في الصحيح "أن جبريل كان يدارسه القرآن في رمضان" ومن إحياء الليل أيضاً ذكر الله جل وعلا وتلاوة كتابه ومدارسة العلم وحفظ أبوابه وغيرها من العبادات.
ثانياً: قدورد أنه صلى الله عليه وسلم قام بأصحابه ثلاث ليال وكانت هذه الليالي الثلاث في العشر الأواخر من رمضان (ليلة ثلاث وعشرين وخمس وعشرين وسبع وعشرين كماذكرناه في الأحاديث السابقة) ولم يرد أنه جمع أصحابه مرتين !! فبطل الاستدلال من أصله وقد صلى بأصحابه في الليلة الأولى ثلث الليل وفي الثانية نصفه وفي الثالثة صلى بهم حتى خافوا أن يفوتهم الفلاح – السحور - فالسؤال الواضح هنا : هل صلى التهجد أم لا ؟ ومتى كان وقت تلك الصلاة المزعومة ؟؟ لعلها كانت بعد طلوع الفجر !!! فالله المستعان .
الشبهة الثالثة:
قولهم بأنها تصلى فى الحرم المكي وقد قال بجوزها بعض أهل العلم وإن كانت بدعة فأنتم تبدّعون هؤلاء؟
والجواب أن يقال : إن هذا قول أهل الجهل والهوى ؛ إذ من المعلوم أن أقوال العلماء وفتاواهم يُستدل لها ولا يستدل بها, فالأدلة الشرعية هي كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وليس قول فلان ولا فعله, فإن العالم يخطئ ويصيب, وفى الحديث:" إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران فإن أخطأ فله أجر واحد".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : (( إذ تطرق الخطأ إلى آراء العلماء أكثر من تطرقه إلى الأدلة الشرعية فإن الأدلة الشرعية هى حجة الله على جميع عباده بخلاف رأى العالم ))اهـ.
مجموع الفتاوى (20/250)
ومَن جعل أقوال العلماء حجة على الدين فهو جاهل بالدين غير موقر لأهل العلم الذين يذمون التقليد ويمنعون منهلاسيما إذا ظهر الدليل .
قال العلامة ابن القيم رحمه الله : " العالم يزل ولابد ، إذ ليس بمعصوم ، فلايجوز قبول كل ما يقوله, وينزل قوله منزلة قول المعصوم , فهذا الذي ذمه كل عالم على وجه الأرض وحرّموه وذموا أهله))اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: ((وكثير من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة ولم يعلموا أنه بدعة، إما لأحاديث ضعيفة ظنوها صحيحة، وإما لآيات فهموا منها ما لم يرد منها، وإما لرأي رأوه وفي المسألة نصوص لم تبلغهم، وإذا اتقى الرجل ربه ما استطاع دخل في قوله : (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا)، وفي الحديث أن الله قال : ((قد فعلت))اهـ.مجموع الفتاوى (19/192)
أقول: إن كان هؤلاء يعظمون العلماء ويحترمونهم حقاً فهلا عظموا الأدلة الشرعية وعظموا السنة النبوية؟
بل هلا عظموا من هو أعلم منهم من السلف كالثورى وأحمد وسعيد بن جبير ثم من قبلهم من الصحابة كأنس بن مالك فهؤلاء جميعاً قد قالوا ببدعية هذه الصلاة (التعقيب- التهجد-)؟
ثم أقول: لماذا يتمسك هؤلاء بهذه الصلاة ويجمعون لها الناس جاهدين ، ألا يعد هذا من التنطع الذي حرمه الله ورسوله ومن التشديد على الناس, والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه )), وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: (أن من قام مع الإمام حتى يوتر كتب له قيام ليلة )) فما بال هؤلاء لا يرضون بكلام النبي صلى الله عليه وسلم؟
ألا يدخل هؤلاء فى قوله عليه الصلاة والسلام وهو يذم أقواماً يزيدون فى العبادة ويخرجون عن سنته وهدي أصحابه فيقول فيهم: ((يخرج من ضئضئ هذا - يعني ذا الخويصرة رأس الخوارج- أقوام يحقر أحدكم صلاتهم إلى صلاتهم وصيامه إلى وصيامهم وقراءته إلى قراءتهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية))؟
نصيحة
فنصيحتى لهؤلاء أن يهتموا بطلب العلم النافع من الكتاب والسنة وهدي السلف الصالح وأن يشغلوا أنفسهم بتطبيق السنة دون تعمق أو تكلف ففى الحديث ((هلك المتنطعون)).
على إننا رغم قولنا ببدعية هذه الصلاة فنحن لانبدع من يصليها جهلاً منه, أو اجتهاداً قد أخطأ فيه, ولا نوالى ولا نعادى عليها, وإنما حررت هذا الكلام بياناً للحق الذي اعتقده بالأدلة الشرعية فهذا واجب أهل العلم فى كل زمان ومكان ((وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا)), وفي الحديث:"من سئل عن علم يعلمه فكتمه ألجم بلجام من نار يوم القيامة" .
وأسأل الله أن يوفقنا جميعاً للعلم النافع والعمل الصالح وأن يجنبنا الهوى والإعجاب بالنفس, إنه ولى ذلك والقادر عليه وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
وكتبه
أبو حمزة محمد بن عبد العليم ال ماضي
غفر الله له
فى تفسير قوله تعالى:
( وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا )
مع بيان حكم الصلاة التى يصليها الناس فى العشر الأواخر من رمضان
والتى يسمونها : (صلاة التهجد)
المقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه ومن والاه, وبعد:
فلما كثر الكلام فى هذه الأيام حول صلاة التهجد التى يقوم بعض الناس بأدائها فى العشر الأواخر من شهر رمضان, وتلقف الجهال وأنصاف المتعلمين هذا الأمر يتكلمون فيه بغير بصيرة ولا علم, وإنما بمحض الآراء والتشهى, وصاروا يوالون ويعادون عليه, بل ويطعنون على أهل العلم بسببه؛ لذا أحببت أن أبين و أوضح حكم هذه الصلاة فى ضوء الأدلة الشرعية والآثار السلفية، ومن المعلوم عند أهل العلم أن العبادة مبناها على التوقيف من أدلة الكتاب والسنة وليست محلاً للاجتهاد.
فالعلم الشرعى (إما نقل مصدق أوبحث محقق, وما سوى ذلك فباطل مزوق) كما قال شيخ الإسلام رحمه الله.
وقال ابن القيم:
العلم قال الله قال رسوله ... قال الصحابة ليس بالتمويه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة ... بين الرسول وبين راي فقيه
كلا ولا جحد الصفات ونفيها ... حذرا من التمثيل والتشبيه
وأسأل الله أن يرزقنا جميعاً العلم النافع والعمل الصالح والبصيرة النافذة, وصلى الله على محمد و آله وصحبه وسلم.
فصل في
معنى التهجد والتراويح وقيام الليل
التهجد فى اللغة هو: مصدر الفعل هجد يعني استيقظ للصلاة وغيرها وفي التنزيل العزيز: (ومن الليل فتهجد به نافلة لك).
والتهجد: صلاة الليل (المعجم الوسيط)
وفي لسان العرب لابن منظور:( وتَهَجَّدَ القوم: استيقظوا للصلاة أَو غيرها، وفي التنزيل العزيز (ومن الليل فَتَهَجَّدْ به نافلةً لك), وقال الجوهري: هَجَدَ وتهَجَّدَ أَي نام ليلاً وهَجَدَ وتَهَجَّدَ أَي سَهِرَ, وهو من الأَضدادِ, ومنه قيل لصلاة الليل التَّهَجُّدُّ)اهـ.
وقال أيضاً: (قال الأَزهري: والمعروف في كلام العرب أَن الهاجد هو النائم, وهَجَدَ هُجوداً إِذا نام, وأَما المُتَهَجِّدُ فهو القائم إِلى الصلاة من النوم, وكأَنه قيل له مُتَهَجِّد لإِلقائه الهُجُود عن نفسه كما يقال للعابد مُتَحَنِّثٌ لإِلقائه الحِنْثَ عن نفسه, وفي حديث يحيى بن زكريا عليهما السلام: فنظر إِلى مُتَهَجِّدي بيت المقدس, أَي المصلِّين بالليل, يقال تهجَّدت إِذا سَهِرْت وإِذا نِمْت وهو من الأَضداد)اهـ.
وأما التراويح فهي : جمع ترويحة وهي في الأصل اسم للجلسة مطلقاً, ثم سميت بها الجلسة التي بعد أربع ركعات في ليالي رمضان لاستراحة الناس بها, ثم سميت كل أربع ركعات ترويحة مجازاً و أصلها المصدر)اهـ.( المعجم الوسيط)
وفي لسان العرب لابن منظور :(والتَّرْوِيحةُ في شهر رمضان سمِّيت بذلك لاستراحة القوم بعد كل أَربع ركعات, وفي الحديث: صلاة التراويح لأَنهم كانوا يستريحون بين كل تسليمتين, والتراويح جمع تَرْوِيحة وهي المرة الواحدة من الراحة تَفْعِيلة منها مثل تسليمة من السَّلام والراحةُ)اهـ.
وفي معجم لغة الفقهاء: (التراويح: مفردها ترويحة، وهي الاستراحة في قيام شهر رمضان، وسمي بالتراويح لأنه يعقب كل أربع ركعات منه ترويحة (جلسة استراحة) )اهـ.
ومن ذلك يظهر أن التهجد وقيام الليل والترويح كلها فى الشرع أسماء على مسمى واحد وهو مايصلى بعد صلاة العشاء وحتى طلوع الفجر وهو قيام الليل سواء كان بعد نوم أم لا .
وقد فرض الله جل وعلا قيام الليل على المسلمين فى أول الإسلام كما قال تعال: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا) إلى أخر الآيات, ومكث المسلمون على ذلك سنة كاملة ثم نسخ الله ذلك وخفف عنهم وجعله نافلة مستحبة, وفرض الله على المسلمين الصلوات الخمس فى اليوم والليلة, ثم أنزل الله تعالى قوله : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا).
قال الحافظ ابن كثير فى تفسير سورة المزمل: "يأمر تعالى رسوله أن ينزك التزمل وهو التغطى وينهض الى القيام لربه عز وجل كما قال تعالى: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ), وكذلك كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ممتثلاً ما أمره الله تعالى به من قيام الليل, وقد كان واجباً عليه وحده كما قال تعالى: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا) وقد روى الإمام مسلم - رحمه الله- في صحيحه والإمام أحمد في مسنده وغيرهما من حديث سعيد بن هشام بن عامر أنه سأل عائشة عن قيام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا أم المؤمنين أنبئيني عن قيام نبي الله -صلى الله عليه وسلم- قالت: أليس تقرأ هذه السورة {يا أيها المزمل} قلت: بلى, قالت: فإن الله عز وجل افترض قيام الليل في أول هذه السورة فقام نبي الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه حولاً حتى انتفخت أقدامهم وأمسك الله عز وجل خاتمتها اثني عشر شهراً, ثم أنزل الله عز وجل التخفيف في آخر هذه السورة فصار قيام الليل تطوعاً بعد أن كان فريضة ... " الحديث.
وروى ابن أبي حاتم بسنده عن ابن عباس قال:" أول ما نزل أول المزمل كانوا يقومون نحواً من قيامهم فى شهر رمضان وكان بين أولها وآخرها قريب من سنة." وقد صح مثله عن قتادة وسعيد بن جبير وغيرهم من السلف, وقد بسط الإمام ابن جرير الطبري هذه الرويات وساقها بأسانيدها. (تفسير الطبري (29/78).
فقيام الليل كان كما فى رواية ابن عباس فريضة فى أول الأمر, فكانوا يقومون نحواً من قيامهم فى رمضان، والقيام فى رمضان هو الترويح, وفى غير رمضان يطلق عليه تهجد أو قيام ليل أو صلاة ليل, فكلها بمعنى واحد مع اختلاف الألفاظ, ومن نظر فى الصحيحن والسنن الأربعة وموطأ مالك وغيرهما من دواوين الإسلام وجد كل مصنف يعبر بواحد من هذه الألفاظ ويورد بقية الألفاظ الأخرى تحته وربما ذكروا الأبواب الخاصة بصلاة التراويح في رمضان والأبواب الخاصة بقيامه صلى الله عليه وسلم في بقية العام.
وفى تفسير قول الله تعالى: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا)
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: (وقوله : ( ومن الليل فتهجد به نافلة لك ) أمر له بقيام الليل بعد المكتوبة ، كما ورد في صحيح مسلم ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل : أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة ؟ قال : " صلاة الليل ", ولهذا أمر تعالى رسوله بعد المكتوبات بقيام الليل ، فإن التهجد : ما كان بعد نوم ؛ قاله علقمة ، والأسود وإبراهيم النخعي ، وغير واحد وهو المعروف في لغة العرب، وكذلك ثبتت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه كان يتهجد بعد نومه ، عن ابن عباس ، وعائشة ، وغير واحد من الصحابة ، رضي الله عنهم ، كما هو مبسوط في موضعه ، ولله الحمد والمنة .
وقال الحسن البصري : هو ما كان بعد العشاء, ويحمل على ما بعد النوم .
واختلف في معنى قوله : ( نافلة لك ) فقيل : معناه أنك مخصوص بوجوب ذلك وحدك ، فجعلوا قيام الليل واجباً في حقه دون الأمة، رواه العوفي عن ابن عباس ، وهو أحد قولي العلماء ، وأحد قولي الشافعي ، رحمه الله ، واختاره ابن جرير .
وقيل : إنما جعل قيام الليل في حقه نافلة على الخصوص ؛ لأنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وغيره من أمته إنما يكفر عنه صلواته النوافل الذنوب التي عليه ؛ قاله مجاهد ، وهو في المسند عن أبي أمامة الباهلي ، رضي الله عنه)اهـ .
وقال البغوى : (( ومن الليل فتهجد به ) أي : قم بعد نومك, والتهجد لا يكون إلا بعد النوم يقال : تهجد إذا قام بعدما نام وهجد إذا نام, والمراد من الآية : قيام الليل للصلاة)اهـ.
وقال السعدى :( وقوله: ( وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ ) أي: صل به في سائر أوقاته ( نَافِلَةً لَكَ ) أي: لتكون صلاة الليل زيادة لك في علو القدر، ورفع الدرجات، بخلاف غيرك، فإنها تكون كفارة لسيئاته)اهـ.
ومما سبق من كلام المفسرين من أهل العلم يظهر أن الأية فى بيان فضيلة النبي صلى الله عليه وسلم وأن قيام الليل فى حقه نافلة ترفع درجته فإن الله غفر له ماتقدم من ذنبه وما تأخر, وأما غيره من الأمة فقيام الليل فى حقهم تكفير للذنوب والمعاصي وليس فى الآية إشارة من قريب ومن بعيد إلى أن هناك صلاة كان يصليها النبي صلى الله عليه وسلم غير قيام الليل كما يسميها الناس اليوم بصلاة التهجد.
فإنه صلى الله عليه وسلم كان يصلى بين العشاء والفجر احدى عشر ركعة أو ثلاث عشرة ركعة بسنة الفجر أو سنة العشاء , فمن ادعى أنه كانت للنبي صلى الله عليه وسلم صلاتان بالليل إحداهما صلاة قيام الليل والأخرى صلاة التهجد, فهذا جاهل جهلاً مركباً ، ففي حديث عائشة فى صحيح مسلم: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يزيد فى رمضان ولافى غير رمضان عن احدى عشرة ركعة ... الحديث وسيأتي بتمامه.
فصلاته كانت احدى عشرة ركعة هى قيام الليل وهى صلاة الليل وهى صلاة التهجد وفى رمضان سماها المسلمون بصلاة الترويح لأنهم كانوا يتروحون من تعب القيام بعد كل أربع ركعات ويسمونها ترويحة ،وهذا كما ورد عن أهل العلم فى سبب تسمية التراويح.
قال النووى فى شرح صحيح مسلم (6/39): (باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح, قوله صلى الله عليه وسلم: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً", معنى إيماناً ؛ تصديقاً بأنه حق معتقد فضيلته ومعنى احتساباً أن يريد الله تعالى وحده لا يقصد رؤية الناس ولا غير ذلك مما يخالف الإخلاص, والمراد بقيام رمضان صلاة التراويح.)اهـ
وقال الحافظ فى الفتح (1/294): (كتاب صلاة التراويح) ثم قال:" سميت الصلاة في الجماعة في ليالي رمضان " التراويح " ؛ لأنهم أول ما اجتمعوا عليها كانوا يستريحون بين كل تسليمتين.)اﻫ وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرغب فى قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة يقول : "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ماتقدم من ذنبه", فتوفى الرسول صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك فى خلافة أبي بكر رضي الله عنه وصدر من خلافة عمر رضي الله عنه حتى جمعهم عمر على صلاة التراويح بالمسجد وأمر أبي بن كعب أن يؤمهم فيها.
وفى حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات ليلة من جوف اليل فصلى في المسجد فصلى رجال بصلاته فأصبح الناس فتحدثوا فاجتمع أكثر منهم فصلوا معه, فأصبح الناس فتحدثوا, فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة, فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلوا بصلاته, فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله, فلم يخرج إليهم, حتى خرج الصبح فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد ثم قال : أما بعد فإنه لم يخف على مكانكم لكن خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها )) متفق عليه وفي رواية مسلم قالت:" وذلك فى رمضان."
وهذا الحديث قد ورد بتفصيل أكثر فى رواية أبى ذر رضي الله عنه قال : « صُمْنا مع رسولِ الله- صلى الله عليه وسلم- رمضانَ ، فلم يَقُمْ بنا حتى بقي سبع من الشهر ، فقام بنا حتى ذَهَبَ ثلثُ الليل ، ثم لم يقم بنا في السادسة ، وقام بنا في الخامسة حتى ذهب شَطْرُ الليل، فقلنا له: يا رسولَ الله ، نَفَّلْتَنا بقيةَ ليلتنا هذه ، قال : إِنَّه من قام مع الإمام حتى ينصرفَ كُتِبَ له قيامُ ليلة ، ثم لم يقم بنا حتى بقي ثلاث ليال من الشهر ، فصلَّى بنا في الثالثةِ ، ودعا أَهلَه ونساءه ، فقام بنا حتى تخوّفْنا الفلاحَ ، قلتُ : وما الفلاحُ ؟ قال : السُّحورُ ». أخرجه الترمذي ، وأبو داود، والنسائي، إِلا أن أبا داود قال : « حتى خشينا أن يفوتَنا الفلاحُ » ، وزاد هو والنسائي « ثم لم يقم بنا بقية الشهر» وأخرجه النسائي بغير زيادة.
وقد ورد الحديث عند النسائى عن النعمان بن بشير رضي الله عنه وفيه تحديد الليالي وهى (ليلة ثلاث وعشرين،وخمس وعشرين، وسبع وعشرين).
وفى حديث جابر رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان ثمان ركعات وأوتر فلما كانت القابلة اجتمعنا في المسجد ورجونا أن يخرج فلم نزل فيه حتى أصبحنا, ثم دخلنا, فقلنا: يا رسول الله اجتمعنا البارحة في المسجد ورجونا أن تصلي بنا فقال : (إني خشيت أن يكتب عليكم ). رواه ابن خزيمة ،وابن حبان فى صحيحهما ، وأبو يعلى فى مسنده وحسنه العلامة الألبانى رحمه الله )اهـ.
وفي هذا الأحاديث من الفوائد:
1-أن النبي صلى الله عليه وسلم قام رمضان (التراويح) جماعة فى المسجد مع أصحابه، وهذا يدل على أن جمع عمر بن الخطاب للمسلمين لأداء صلاة التراويح كان اتباعاً للسنة العملية للنبي صلى الله عليه وسلم.
2- أن صلاة النبي صلي الله عليه وسلم فى سائر الليالي الثلاثة صلاة واحدة هى التراويح ولم يصل غيرها في آخر الليل {مايسمى بالتهجد} وكيف يفعل ذلك وهو يقول:" إِنَّه من قام مع الإمام حتى ينصرفَ كُتِبَ له قيامُ ليلة" ثم هو فى الليلة الثالثة (ليلة سبع وعشرين ) قام بهم حتى خافوا أن يفوتهم الفلاح (السحور) فمتى صلى هذه الصلاة الموهومة "التهجد" ؟
3- أن قيام رمضان هو التراويح وليس هناك صلاة أخرى كما يدعيه البعض فقد جمعهم النبي صلى الله عليه وسلم مرة واحدة فتنبه !!.
4-أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع أصحابة وصلى بهم مرة واحدة, وهذا يدل على بدعية تجمع الناس مرتين ، مرة للتراويح بعد العشاء -وهذا فعله صلى الله عليه وسلم وفعل أصحابه من بعده - ثم مرة أخرى ويسميها هؤلاء بالتهجد, فما هو الدليل عليها ؟؟ ومن الذي جمع الناس لأدائها من السلف الصالح ؟
ولاشك عند كل ذي عقل صحيح وفطرة سليمة أن هذا التجميع (التهجد) مخالف لفعل النبي وأصحابه تمام المخالفة, وهذا واضح بحمد الله من الأحاديث السابقة .
ويتضح مماسبق أن ما يعرف عند الناس اليوم بصلاة التهجد وهو تجميع الناس مرة أخرى بالليل بعد صلاة التراويح أن ذلك بدعة مخالفة لهدى النبي صلى الله عليه وسلم وهدى أصحابه وذلك من وجوه :
1-حديث عائشة رضي الله عنها:" ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يزيد فى رمضان ولا فى غير رمضان عن إحدى عشرة ركعة يصلى, أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلى ثلاثاً)), وقد ورد عنها أيضاً أنه كان يصلى ثلاثة عشرة ركعة بركعتا الفجر أو سنة العشاء .
وهذه الأحاديث وغيرها تبين أن قيامه بالليل فى رمضان كان مرة واحدة, ولم يكن يجمع المسلمين للصلاة مرة أخرى بعد أدائهم لصلاة التراويح, وكيف يفعل ذلك وهو يقول (من قام مع الإمام حتى يوتر كتب له قيام ليلة))
-قد ورد هذا التجميع الثاني فى عصر الصحابة وأنكروه وكرهوا فعله وهو مايسمى بالتعقيب ، وقد كرهه أنس بن مالك وسعيد بن جبير ومنعوا منه ، وقال الثورى: التعقيب محدث ،وفى رواية عن الإمام أحمد قال : أكرهه وأنس يُروى عنه أنه كرهه ، ويروى عن أبي مجلز وغيره أنهم كرهوه، وعن اسحاق بن راهويه أنه قال:إن أتم الإمام التراويح فى أول الليل كره له أن يصلى بهم فى آخره جماعة أخرى لما روى عن أنس وسعيد بن جبير من كراهته, وإن لم يتم بهم فى أول الليل وأخر تمامها إلى آخر الليل لم يكره. "وراجع فتح الباري لابن رجب الحنبلي رحمه الله .
4- ومما يبين بطلان هذا التجمع الثاني (التهجد) ما رواه الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه - قال : جاء ثلاثة رهط إلي بيوت أزواج النبي-صلى الله عليه وسلم- ، يسألون عن عبادته فلما أخبروا كأنهم تقالوها ،فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم، قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر .
قال أحدهم : أما أنا فإني أصلي الليل أبداً .
وقال الآخر : أنا أصوم الدهر ولا أفطر .
وقال الآخر : أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً .
فجاء الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : (( أنتم الذين قلتم كذا وكذا ، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني)).
ونحن نسأل هؤلاء الذين يتعبون أنفسهم وغيرهم بما يسمونه (صلاة التهجد): هل فعلكم هذا من أفعال الخير ؟ فلابد أن يجيبوا بنعم ، فنقول: هل فعله النبي صلى الله عليه وسلم أو أحد من أصحابه, والجواب قطعاً : لا!
فأقول: هل أنتم على ملة أهدى من ملة محمد وأصحابه أو مفتتحوا باب ضلالة ، وهو الغلو فى العبادة والزيادة على السنة؟
وهل فعلكم هذا وقيامكم بهذه الطريقة أفضل أم قيام النبي وصلاته؟؟
ولكن الأمر كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((إذا ضلت العقول لم يبق لضلالها حد معقول )).
وكثير من هؤلاء يصرح بأن فعل النبي صلى الله عليه وسلم أفضل قطعاً لكن فعلهم جائز !!، وهذا باطل قطعاً؛ إذ كيف يكون فعل النبي صلى الله عليه وسلم أفضل ثم أنتم تتركون سنته وتتبعون أهوائكم والله يقول (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ)؟ ثم أليس هذا من التقدم بين يدي الله ورسوله والله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " ؟؟ قال العلامة ابن القيم في إعلام الموقعين":" أي لا تقولوا حتى يقول ولا تأمروا حتى يأمر ولا تفتوا حتى يفتي ولا تقطعوا أمراً حتى يكون هو الذي يحكم فيه ويمضيه ؛ روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما:"لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة"، وروى العوفي عنه قال "نُهوا أن يتكلوا بين يدي كلامه."
والقول الجامع في معنى الآية: لا تعجلوا بقول ولا فعل قبل أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم - أو يفعل."اﻫ
وقال السعدي:" هذا متضمن للأدب، مع الله تعالى، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتعظيم له ، واحترامه، وإكرامه، فأمر الله عباده المؤمنين، بما يقتضيه الإيمان، بالله وبرسوله، من امتثال أوامر الله، واجتناب نواهيه، وأن يكونوا ماشين، خلف أوامر الله، متبعين لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في جميع أمورهم، وأن لا يتقدموا بين يدي الله ورسوله، ولا يقولوا، حتى يقول، ولا يأمروا، حتى يأمر، فإن هذا، حقيقة الأدب الواجب، مع الله ورسوله، وهو عنوان سعادة العبد وفلاحه، وبفواته، تفوته السعادة الأبدية، والنعيم السرمدي، وفي هذا، النهي الشديد عن تقديم قول غير الرسول صلى الله عليه وسلم، على قوله، فإنه متى استبانت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجب اتباعها، وتقديمها على غيرها، كائنا ما كان."اﻫ
ثم أرأيتم لو سألكم النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الصلاة ، وما دليلها ؟ فما هو جوابكم؟؟
وصدق من قال : ينبغى علينا أن نكون متشرعين لا مشرعين, متبعين لا مبتدعين, آخذين ما أوتيناه بقوة ،تاركين ما نهينا عنه, ولا يحل لأحد كائناً من كان أن يبتدع فى الدين ماليس منه ويستدرك على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
فصل شبهات وردود
ويستدل هؤلاء القائلون بتجميع الناس لما يسمى (صلاة التهجد) بشبهات يرونها أدلة منها:
الشبهة الأولى:
قولهم إن قيام الليل نفل مطلق ويجوز الزيادة فى صلاة التراويح عن احدى عشرة ركعة .
والجواب أن نقول :
أولاً : قد تنازع العلماء قديماً وحديثاً فى عدد صلاة التراويح على قولين وما ذكرتموه أحدهما, والثاني : أن صلاة التراويح نفل مقيد بفعل النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز الزيادة فيه على فعله, والعمل ببعض أفراد العام يعد تقيداً له كما هو مقرر فى علم الأصول.
وقد بسط أهل العلم الكلام على حكم الزيادة عن إحدى عشرة ركعة فى كثير من مصنفاتهم ، وراجع عون المعبود شرح سنن أبى داود ، وتحفة الأحوذى شرح جامع الترمذى، ورسالة المصابيح فى صلاة التراويح للسيوطى ، وللشيخ الألبانى رسالة بعنوان (صلاة التراويح) تناول فيها هذه المسألة سنداً ومتناً, فلتراجع فقد أربى فيها على الفائدة واتضح بها انفراده عن أقرانه فى هذا العلم النبوي الشريف فجزاه الله خيراً وغفر له .
على أننا نقول ليس فى هذا الكلام أى دليل على جواز هذا التجمع لأنه لم يرد عليه دليل من السنةالنبوية ولا من آثار الصحابة رضوان الله عليهم ؟ ولأن كل من قال بأن صلاة التراويح إحدى عشرة ركعة أو عشرين ركعة أو أكثر من ذلك ، يقولون بأنها تؤدى بعد صلاة العشاء ولم يقل أحد منهم بتجميع الناس مرة ثانية, فالاستدلال خارج موضوع البحث والكلام.
ثانياً: الكلام على صلاة التهجد وليس على صلاة التراويح ومن الواضح أنهم يفرقون بينهما فالليل عندهم فيه صلاتان الأولى : التراويح مع الإمام وهذه هى السنة سواء كانت إحدى عشرة ركعة (على الصواب من أقوال أهل العلم ) أم كانت أكثر من ذلك على قول بعض أهل العلم ,
والصلاة الثانية هى التهجد فى العشر الأواخر أو فى الخمس عشرة يوم الأخيرة من رمضان فهذه الصلاة ما دليلها؟ ومن الذي فعلها من الصحابة؟ ومن الذي جمع الناس لها ؟ فعجباً لمن يتركون الفرائض والسنن ويبتدعون البدع ويسعون فى نشرها ثم هم يحاربون من تركها واتبع السنة فإنا لله وإنا إليه راجعون.
الشبهة الثانية :
قولهم قد روى البخاري في صحيحه عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد المئزر"ولابد أن يكون قد زاد في صلاته .
والجواب : أن هذا الحديث لا دخل له في حكم الصلاة المذكورة وإنما هو في بيان اجتهاده صلى الله عليه وسلم في العبادة وليس هذا خاصاً بالصلاة فحسب بل يدخل في إحياء الليل مدارسة القرآن مع جبريل عليهما السلام كماورد في الصحيح "أن جبريل كان يدارسه القرآن في رمضان" ومن إحياء الليل أيضاً ذكر الله جل وعلا وتلاوة كتابه ومدارسة العلم وحفظ أبوابه وغيرها من العبادات.
ثانياً: قدورد أنه صلى الله عليه وسلم قام بأصحابه ثلاث ليال وكانت هذه الليالي الثلاث في العشر الأواخر من رمضان (ليلة ثلاث وعشرين وخمس وعشرين وسبع وعشرين كماذكرناه في الأحاديث السابقة) ولم يرد أنه جمع أصحابه مرتين !! فبطل الاستدلال من أصله وقد صلى بأصحابه في الليلة الأولى ثلث الليل وفي الثانية نصفه وفي الثالثة صلى بهم حتى خافوا أن يفوتهم الفلاح – السحور - فالسؤال الواضح هنا : هل صلى التهجد أم لا ؟ ومتى كان وقت تلك الصلاة المزعومة ؟؟ لعلها كانت بعد طلوع الفجر !!! فالله المستعان .
الشبهة الثالثة:
قولهم بأنها تصلى فى الحرم المكي وقد قال بجوزها بعض أهل العلم وإن كانت بدعة فأنتم تبدّعون هؤلاء؟
والجواب أن يقال : إن هذا قول أهل الجهل والهوى ؛ إذ من المعلوم أن أقوال العلماء وفتاواهم يُستدل لها ولا يستدل بها, فالأدلة الشرعية هي كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وليس قول فلان ولا فعله, فإن العالم يخطئ ويصيب, وفى الحديث:" إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران فإن أخطأ فله أجر واحد".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : (( إذ تطرق الخطأ إلى آراء العلماء أكثر من تطرقه إلى الأدلة الشرعية فإن الأدلة الشرعية هى حجة الله على جميع عباده بخلاف رأى العالم ))اهـ.
مجموع الفتاوى (20/250)
ومَن جعل أقوال العلماء حجة على الدين فهو جاهل بالدين غير موقر لأهل العلم الذين يذمون التقليد ويمنعون منهلاسيما إذا ظهر الدليل .
قال العلامة ابن القيم رحمه الله : " العالم يزل ولابد ، إذ ليس بمعصوم ، فلايجوز قبول كل ما يقوله, وينزل قوله منزلة قول المعصوم , فهذا الذي ذمه كل عالم على وجه الأرض وحرّموه وذموا أهله))اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: ((وكثير من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة ولم يعلموا أنه بدعة، إما لأحاديث ضعيفة ظنوها صحيحة، وإما لآيات فهموا منها ما لم يرد منها، وإما لرأي رأوه وفي المسألة نصوص لم تبلغهم، وإذا اتقى الرجل ربه ما استطاع دخل في قوله : (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا)، وفي الحديث أن الله قال : ((قد فعلت))اهـ.مجموع الفتاوى (19/192)
أقول: إن كان هؤلاء يعظمون العلماء ويحترمونهم حقاً فهلا عظموا الأدلة الشرعية وعظموا السنة النبوية؟
بل هلا عظموا من هو أعلم منهم من السلف كالثورى وأحمد وسعيد بن جبير ثم من قبلهم من الصحابة كأنس بن مالك فهؤلاء جميعاً قد قالوا ببدعية هذه الصلاة (التعقيب- التهجد-)؟
ثم أقول: لماذا يتمسك هؤلاء بهذه الصلاة ويجمعون لها الناس جاهدين ، ألا يعد هذا من التنطع الذي حرمه الله ورسوله ومن التشديد على الناس, والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه )), وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: (أن من قام مع الإمام حتى يوتر كتب له قيام ليلة )) فما بال هؤلاء لا يرضون بكلام النبي صلى الله عليه وسلم؟
ألا يدخل هؤلاء فى قوله عليه الصلاة والسلام وهو يذم أقواماً يزيدون فى العبادة ويخرجون عن سنته وهدي أصحابه فيقول فيهم: ((يخرج من ضئضئ هذا - يعني ذا الخويصرة رأس الخوارج- أقوام يحقر أحدكم صلاتهم إلى صلاتهم وصيامه إلى وصيامهم وقراءته إلى قراءتهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية))؟
نصيحة
فنصيحتى لهؤلاء أن يهتموا بطلب العلم النافع من الكتاب والسنة وهدي السلف الصالح وأن يشغلوا أنفسهم بتطبيق السنة دون تعمق أو تكلف ففى الحديث ((هلك المتنطعون)).
على إننا رغم قولنا ببدعية هذه الصلاة فنحن لانبدع من يصليها جهلاً منه, أو اجتهاداً قد أخطأ فيه, ولا نوالى ولا نعادى عليها, وإنما حررت هذا الكلام بياناً للحق الذي اعتقده بالأدلة الشرعية فهذا واجب أهل العلم فى كل زمان ومكان ((وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا)), وفي الحديث:"من سئل عن علم يعلمه فكتمه ألجم بلجام من نار يوم القيامة" .
وأسأل الله أن يوفقنا جميعاً للعلم النافع والعمل الصالح وأن يجنبنا الهوى والإعجاب بالنفس, إنه ولى ذلك والقادر عليه وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
وكتبه
أبو حمزة محمد بن عبد العليم ال ماضي
غفر الله له