abomokhtar
14-12-2011, 12:24 PM
ليس من الصواب في شيء أن نظن بأن الركائز الرئيسة التي بنيت عليها استراتيجية أمريكا الخاصة بالبلدان العربية والإسلامية المنتجة للنفط، أو حتى تلك المعنية باستراتيجيتها الكونية، يمكن أن تتغير لمجرد قدوم رئيس أمريكي جديد يجعل من شعار التغيير أيقونته الانتخابية، مثل ما فعل الرئيس الأمريكي الحالي "باراك أوباما". ذلك أن صناعة القرار في أمريكا لا تخضع (بالمطلق) لإرادة الرئيس أو رؤيته الخاصة للقضايا والمشكلات التي تواجه البلاد، وإنما يقوم على تنفيذ سياسات تضعها مؤسسات متخصصة، تواضع الساسة والمجتمع الأمريكي على توليها لهذه المسئولية على الصعيدين الداخلي والخارجي.
أضف إلى ذلك، أنه ليس صحيحاً أن كل ما يعد به المرشحون أثناء حملاتهم الانتخابية، يستطيعون أو يعملون على تنفيذه بعد فوزهم، ليس لاعتقادهم المسبق بعجزهم في تحقيق ذلك، وإنما لخشيتهم من أن يفاجأوا بظروف تجبرهم على تغيير المواقف، كما حدث لبعض وعود التغيير التي قطعها الرئيس الأمريكي "أوباما" على نفسه أثناء حملته الانتخابية، وبخاصة ما يتعلق بمواقفه من القضايا العربية بعامة والقضية الفلسطينية بصورة خاصة.
غير أن هذا لا يعني تجريد الرئيس الأمريكي من أي صلاحيات، فثمة قوانين عديدة تثبت بما لا يدع مجالاً للشك، أنه قادر على اتخاذ قرارات تنفيذية كما يمتلك صلاحيات مهمة .. لكنها- في العموم- محكومة بقواعد ومحددات تسمح للرئيس أو تمنعه من استخدامها، وبخاصة ما يتصل منها بقرار الحرب أو السلام بحكم أنه القائد الأعلى للجيش.
لكن هذا لا يعني أن السياسات التي تضعها تلك المؤسسات تظل ثابتة لا تخضع للتغيير أو التحوير، وإنما تتعرض للمراجعة من وقت لآخر، ويجري تعديلها تبعاً لمتطلبات الأحداث التي تستجد داخل البلاد وخارجها، وبخاصة تلك التي تتصل بأمن أمريكا القومي واقتصادها ومصالحها الحيوية في الداخل والخارج.
وقبل أن نسترسل في مناقشة استراتيجية أمريكا نحو بلدان العالمين العربي والإسلامي، لا بد أن نستذكر بعض الحقائق التي تلقي بعض الضوء على الثوابت للمواقف الأمريكية بخاصة والدول الأوروبية بعامة، عن ما يقال عن حتمية الصدام بين الحضارتين الإسلامية والغربية، وعما يسمى بظاهرة "الإسلام فوبيا" التي بدأت تنتشر في المجتمعات الغربية بشكل لافت.
ولعل أول تلك الثوابت، ما يقال عن أن أمريكا لا تستطيع العيش دون أن يكون لها عدو. ويبدو أن العدو البديل الذي اعتمده الأمريكيون بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ومن بعده الشيوعية العالمية، هو الحضارة الإسلامية. وهذا ما يجعل من المجتمعات الإسلامية بعامة العدو القادم للغرب، بدعوى أن مبادئ الحضارة الإسلامية وقيمها تمثل الخطر الداهم على الحضارة الغربية المعاصرة، وأن الصدام بين الحضارتين بات أمراً حتمياً.
وهذا ما حاولت مقولة "صدام الحضارات" لصموئيل هنتنجتون قوله، كما حاول فرنسيس فوكوياما أن يثبت في مقولته "نهاية التاريخ" أن النصر سيكون حليف الحضارة الغربية، بدعوى أن هذه الحضارة تمثل نهاية التاريخ الإنساني.
وليس من الغرابة في شيء أن تتحالف دول أوروبا مع أمريكا في الحرب على الإرهاب، خشية أن تستحوذ الأخيرة (أمريكا) وحدها على أكبر قدر من احتياط النفط في العالم الذي يُعد المحرك الرئيس للاقتصاد العالمي.
لكن هذه المقولات وقريناتها من التقارير والدراسات الاستشارية التي يعدها بعض العلماء والمستشارين والمؤسسات البحثية في أمريكا وخارجها، ينبغي أن تؤخذ بحذر شديد، ذلك أن العديد منها يخدم سياسات (البنتاجون)، وتخدم مخططاته التي يقوم على وضعها في إطار استراتيجية أمريكا الكونية، واستراتيجياتها الإقليمية، والتي تستهدف منهما السيطرة على أكبر قدر من احتياط النفط في العالم، والتحكم في نمو اقتصاداته لصالح الاقتصاد الأمريكي.
ولم يأت هذا الاختيار (اختيار الحضارة الإسلامية عدوا جديداً لأمريكا) من فراغ، وإنما صدر عن أصحاب (مواقف عقائدية وأخرى لاهوتية) نحسب أنهم ما زالوا يستحوذون على نفوذ قوي في أمريكا، وتتبنى تلك العقائد منظمات في كل القارة الأمريكية، وتدعمه مصالح مشتركة مع مجموعات الضغط الصهيونية التي تتمتع بنفوذ كبير حيال أعضاء الكونجرس ورجال السياسة الأمريكيين.
كما تدعمه الرساميل اليهودية والمنظمات الصهيونية العالمية وإسرائيل، فضلاً عن دعم شركات النفط الكبرى وصناعة السلاح في أمريكا والشركات العالمية التي تمثل في مجموعها، "الاتجاه النفعي" الذي يلقى قبولاً من قطاعات واسعة من الرأي العام الأمريكي على ما ذكرنا.
لكن أخطر ما تعمل تلك المؤسسات على تحقيقه (في إطار استراتيجية أمريكا الكونية)، هو الهيمنة على الاقتصاد العالمي والتحكم في معدلات نموه، الأمر الذي لا يتحقق- في نظرها- إلاَّ بالاستحواذ على الجزء الأكبر من احتياط النفط العالمي. فبتحقق هذه الاستراتيجية تستطيع أمريكا- في نظر صناع القرار في البيت الأبيض- التفرد في اتخاذ القرارات الهامة التي تتصل بالشأن العالمي وباقتصاداته.
وليس من المتوقع أن تتغير هذه السياسات في عهد "أوباما" حتى لو امتدت ولايته لفترة ثانية، والتي يبدو أنها كانت المحرك الرئيس للحروب النفطية التي أشعلها الأمريكيون في عهد إدارة الرئيس الأمريكي بوش الابن والإدارات الأمريكية السابقة عليها. وإذا ما كان ثمة تغييرات جرت على هذه السياسات في ظل شعار "التغيير" الذي اتخذ منه أوباما أيقونته في انتخابات الرئاسة الأمريكية، فهي لن تتعدى التعديل أو التحوير أو الإضافة أو الحذف، الذي لا يستهدف أكثر من إجراء عمليات تجميل تجعلها أكثر قبولاً لدى منتجي النفط في العالمين العربي والإسلامي.
والواقع أنه عند قدومه للبيت الأبيض رئيساً للولايات المتحدة، أوضح أوباما لحلفائه في أوربا (قبل حلفائه من الدول العربية والإسلامية المنتجة للنفط)، أن السياسة التي اتبعها بوش مع أوروبا هي قيد التغيير، مبرراً ذلك بالأسلوب الاستفزازي الذي كان يتعامل به معهم ومع المجتمع الدولي. وهذا يذكرنا بوصف وزير خارجية بوش "كولن باول" لألمانيا وفرنسا، بأوروبا العجوز أثناء الأزمة العراقية .. ما أساء لصورة أمريكا ومكانتها، ليس لدى المجتمع الدولي فحسب، وإنما لدى حلفائها التقليديين في أوروبا.
والواقع أن هذا المخزون الهائل من النفط في المنطقة (أكثر من 62% من احتياط النفط في العالم)، والذي تصادف وجوده في أراضي الدول العربية والإسلامية، يبدو أنه وضع هذه الدول في بؤرة أطماع أمريكا والدول الأوروبية ، الأمر الذي لم نعد نعرف ما إذا كان هذا الوضع يعد نعمة أم نقمة عليها، وبخاصة في ظل الأوضاع المالية العالمية التي تتصف بعدم الثبات والاستقرار، وفي ظل أحداث ما يسمى بالربيع العربي الذي تعيشه بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا!!.
لكن هناك مؤشرات لا يمكن تجاهلها مؤداها: "أن المحرك الرئيس لمراجعة السياسات الأمريكية نحو المنطقة (التي تجتاحها رياح التغيير باتجاه إسقاط النظم الرسمية الاستبدادية المؤيدة لأمريكا ودول أوروبا) وإجراء تعديلات عليها، ما زال يخضع- في تقدير عدد من المحللين السياسيين- لمدى التوافق بين (الاتجاه العقائدي) الذي يستهدف القضاء على الحضارة الإسلامية وقيمها ومبادئها والذي يتبناه المحافظون الجدد ومؤيدوهم، وبين الاتجاه البراجماتي (النفعي) الذي تمثله شركات النفط الكبرى وصناعة السلاح والاستثمارات الأمريكية في الخارج.
فالسياسة التي دفعت بالرئيس السابق بوش والمحافظين الجدد إلى اجتياح أفغانستان واحتلال العراق لم تكن من صنع خيالاتهم، وإنما هي تنفيذ لاستراتيجية مدروسة ومعتمدة مسبقاً كما ذكرنا. وقد بدأت تظهر بوضوح بعد هزيمة الجيش السوفييتي في أفغانستان على يد الأفغان ومن أسموهم بالأفغان العرب. فبعد أن كان هؤلاء يلقون الدعم المالي واللوجستي والتسليحي دون حدود من أمريكا وبعض الأنظمة العربية، شعروا فجأة ودون سابق إنذار، أنهم خارج اهتمامات أمريكا ووعودها، بعد أن تم اندحار الجيش السوفييتي وخروجه من أفغانستان.
وهكذا نرى أن جل ما فعله بوش والمحافظون الجدد عقب وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ليس أكثر من التسريع في تنفيذ مخططات استراتيجية أمريكا في المنطقة، برغم يقينهم من أن اتهامهم لـ "بن لادن" وما يسمى بـ "تنظيم القاعدة" بأنهم المسئولون عن وقوع تلك الأحداث، غير صحيح.
فهم يعلمون أن ثمة شكوكاً منطقية ما زالت تحوم حول هوية المخططين الحقيقيين لتلك الجريمة البشعة والمشرفين على تنفيذها، والذين لا يخرجون- في تقدير كثير من المراقبين- عن دائرة الصهيونية العالمية والأمريكيين المتصهينين إضافة للمحافظين الجدد، فضلاً عن ذوي الاتجاه النفعي من أباطرة الشركات النفطية الكبرى وصناع السلاح وشركات ما وراء البحار.
لكن ما يهيمن على الغرب الآن، الاعتقاد بأن الحضارة الإسلامية باتت تمثل الخطر الحقيقي والداهم على الحضارة الغربية، وأن هذا الاعتقاد يظل الهاجس الأكبر الذي يدفع بأمريكا ودول أوروبا لاتخاذ مواقف حذرة إزاء ما يجري في البلدان العربية التي تجتاحها رياح التغيير، وبخاصة أن كل الشواهد تفيد بأن الإسلاميين هم المرشحون للإمساك بزمام الأمور في البلدان التي جرى خلع رموز النظم الاستبدادية فيها، وتلك التي ما زالت شعوبها تطالب بتنحي رؤسائها ومحاكمتهم بل وإعدامهم كما الحال في سوريا واليمن.
غير أن الهاجس الأكبر الآخر الذي بات يهيمن على الغرب بعامة هو- بدون شك- أن تصيب رياح التغيير الدول الخليجية المنتجة للنفط، الأمر الذي يدفعه لبذل أقصى ما يستطيع للاستحواذ على الثورات التي تجتاح بعض البلدان العربية، والعمل الدءوب على كسب صداقة الثوار فيها، والظهور بمظهر الداعم لمطالبهم الداعية لتنحي رؤساء الدول التي تجتاحها رياح التغيير مثل سوريا واليمن.
والسؤال الذي يواجه المحللين السياسيين الآن، يدور حول ما إذا كانت الأهداف التي يسعى الغرب لتحقيقها من الحرب ضد ما يسمى بالإرهاب، تستهدف الحد من سعي الإسلاميين للوصول إلى السلطة عن طريق الانتخابات الحرة التي طالما نادى الغرب باتباعها، والتي تنتهي بإقامة الدولة المدنية التي تنتهج الأسلوب الديمقراطي في الحكم.. أم أن في هذا التساؤل قدراً من المغالاة؟.
ليس من شك أن الوصول لتقويم موضوعي حول هذه المسألة، يتطلب الوقوف أولاً على الأهداف المعلنة والخفية من الحرب التي ما زالت أمريكا تشنها على دول عربية وإسلامية (بصورة مباشرة أو غير مباشرة) بدعوى محاربة ما يسمى بالإرهاب، وهذا ما يحتاج لتناول لا يتسع له المقام هنا
http://www.moheet.com/2011/12/13/%D8%AA%D8%AE%D9%88%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B1%D8%A8-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D8%AD%D8%AA%D9%85%D8%A7%D9%84-%D9%88%D8%B5%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D 9%8A%D9%86-%D9%84/
أضف إلى ذلك، أنه ليس صحيحاً أن كل ما يعد به المرشحون أثناء حملاتهم الانتخابية، يستطيعون أو يعملون على تنفيذه بعد فوزهم، ليس لاعتقادهم المسبق بعجزهم في تحقيق ذلك، وإنما لخشيتهم من أن يفاجأوا بظروف تجبرهم على تغيير المواقف، كما حدث لبعض وعود التغيير التي قطعها الرئيس الأمريكي "أوباما" على نفسه أثناء حملته الانتخابية، وبخاصة ما يتعلق بمواقفه من القضايا العربية بعامة والقضية الفلسطينية بصورة خاصة.
غير أن هذا لا يعني تجريد الرئيس الأمريكي من أي صلاحيات، فثمة قوانين عديدة تثبت بما لا يدع مجالاً للشك، أنه قادر على اتخاذ قرارات تنفيذية كما يمتلك صلاحيات مهمة .. لكنها- في العموم- محكومة بقواعد ومحددات تسمح للرئيس أو تمنعه من استخدامها، وبخاصة ما يتصل منها بقرار الحرب أو السلام بحكم أنه القائد الأعلى للجيش.
لكن هذا لا يعني أن السياسات التي تضعها تلك المؤسسات تظل ثابتة لا تخضع للتغيير أو التحوير، وإنما تتعرض للمراجعة من وقت لآخر، ويجري تعديلها تبعاً لمتطلبات الأحداث التي تستجد داخل البلاد وخارجها، وبخاصة تلك التي تتصل بأمن أمريكا القومي واقتصادها ومصالحها الحيوية في الداخل والخارج.
وقبل أن نسترسل في مناقشة استراتيجية أمريكا نحو بلدان العالمين العربي والإسلامي، لا بد أن نستذكر بعض الحقائق التي تلقي بعض الضوء على الثوابت للمواقف الأمريكية بخاصة والدول الأوروبية بعامة، عن ما يقال عن حتمية الصدام بين الحضارتين الإسلامية والغربية، وعما يسمى بظاهرة "الإسلام فوبيا" التي بدأت تنتشر في المجتمعات الغربية بشكل لافت.
ولعل أول تلك الثوابت، ما يقال عن أن أمريكا لا تستطيع العيش دون أن يكون لها عدو. ويبدو أن العدو البديل الذي اعتمده الأمريكيون بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ومن بعده الشيوعية العالمية، هو الحضارة الإسلامية. وهذا ما يجعل من المجتمعات الإسلامية بعامة العدو القادم للغرب، بدعوى أن مبادئ الحضارة الإسلامية وقيمها تمثل الخطر الداهم على الحضارة الغربية المعاصرة، وأن الصدام بين الحضارتين بات أمراً حتمياً.
وهذا ما حاولت مقولة "صدام الحضارات" لصموئيل هنتنجتون قوله، كما حاول فرنسيس فوكوياما أن يثبت في مقولته "نهاية التاريخ" أن النصر سيكون حليف الحضارة الغربية، بدعوى أن هذه الحضارة تمثل نهاية التاريخ الإنساني.
وليس من الغرابة في شيء أن تتحالف دول أوروبا مع أمريكا في الحرب على الإرهاب، خشية أن تستحوذ الأخيرة (أمريكا) وحدها على أكبر قدر من احتياط النفط في العالم الذي يُعد المحرك الرئيس للاقتصاد العالمي.
لكن هذه المقولات وقريناتها من التقارير والدراسات الاستشارية التي يعدها بعض العلماء والمستشارين والمؤسسات البحثية في أمريكا وخارجها، ينبغي أن تؤخذ بحذر شديد، ذلك أن العديد منها يخدم سياسات (البنتاجون)، وتخدم مخططاته التي يقوم على وضعها في إطار استراتيجية أمريكا الكونية، واستراتيجياتها الإقليمية، والتي تستهدف منهما السيطرة على أكبر قدر من احتياط النفط في العالم، والتحكم في نمو اقتصاداته لصالح الاقتصاد الأمريكي.
ولم يأت هذا الاختيار (اختيار الحضارة الإسلامية عدوا جديداً لأمريكا) من فراغ، وإنما صدر عن أصحاب (مواقف عقائدية وأخرى لاهوتية) نحسب أنهم ما زالوا يستحوذون على نفوذ قوي في أمريكا، وتتبنى تلك العقائد منظمات في كل القارة الأمريكية، وتدعمه مصالح مشتركة مع مجموعات الضغط الصهيونية التي تتمتع بنفوذ كبير حيال أعضاء الكونجرس ورجال السياسة الأمريكيين.
كما تدعمه الرساميل اليهودية والمنظمات الصهيونية العالمية وإسرائيل، فضلاً عن دعم شركات النفط الكبرى وصناعة السلاح في أمريكا والشركات العالمية التي تمثل في مجموعها، "الاتجاه النفعي" الذي يلقى قبولاً من قطاعات واسعة من الرأي العام الأمريكي على ما ذكرنا.
لكن أخطر ما تعمل تلك المؤسسات على تحقيقه (في إطار استراتيجية أمريكا الكونية)، هو الهيمنة على الاقتصاد العالمي والتحكم في معدلات نموه، الأمر الذي لا يتحقق- في نظرها- إلاَّ بالاستحواذ على الجزء الأكبر من احتياط النفط العالمي. فبتحقق هذه الاستراتيجية تستطيع أمريكا- في نظر صناع القرار في البيت الأبيض- التفرد في اتخاذ القرارات الهامة التي تتصل بالشأن العالمي وباقتصاداته.
وليس من المتوقع أن تتغير هذه السياسات في عهد "أوباما" حتى لو امتدت ولايته لفترة ثانية، والتي يبدو أنها كانت المحرك الرئيس للحروب النفطية التي أشعلها الأمريكيون في عهد إدارة الرئيس الأمريكي بوش الابن والإدارات الأمريكية السابقة عليها. وإذا ما كان ثمة تغييرات جرت على هذه السياسات في ظل شعار "التغيير" الذي اتخذ منه أوباما أيقونته في انتخابات الرئاسة الأمريكية، فهي لن تتعدى التعديل أو التحوير أو الإضافة أو الحذف، الذي لا يستهدف أكثر من إجراء عمليات تجميل تجعلها أكثر قبولاً لدى منتجي النفط في العالمين العربي والإسلامي.
والواقع أنه عند قدومه للبيت الأبيض رئيساً للولايات المتحدة، أوضح أوباما لحلفائه في أوربا (قبل حلفائه من الدول العربية والإسلامية المنتجة للنفط)، أن السياسة التي اتبعها بوش مع أوروبا هي قيد التغيير، مبرراً ذلك بالأسلوب الاستفزازي الذي كان يتعامل به معهم ومع المجتمع الدولي. وهذا يذكرنا بوصف وزير خارجية بوش "كولن باول" لألمانيا وفرنسا، بأوروبا العجوز أثناء الأزمة العراقية .. ما أساء لصورة أمريكا ومكانتها، ليس لدى المجتمع الدولي فحسب، وإنما لدى حلفائها التقليديين في أوروبا.
والواقع أن هذا المخزون الهائل من النفط في المنطقة (أكثر من 62% من احتياط النفط في العالم)، والذي تصادف وجوده في أراضي الدول العربية والإسلامية، يبدو أنه وضع هذه الدول في بؤرة أطماع أمريكا والدول الأوروبية ، الأمر الذي لم نعد نعرف ما إذا كان هذا الوضع يعد نعمة أم نقمة عليها، وبخاصة في ظل الأوضاع المالية العالمية التي تتصف بعدم الثبات والاستقرار، وفي ظل أحداث ما يسمى بالربيع العربي الذي تعيشه بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا!!.
لكن هناك مؤشرات لا يمكن تجاهلها مؤداها: "أن المحرك الرئيس لمراجعة السياسات الأمريكية نحو المنطقة (التي تجتاحها رياح التغيير باتجاه إسقاط النظم الرسمية الاستبدادية المؤيدة لأمريكا ودول أوروبا) وإجراء تعديلات عليها، ما زال يخضع- في تقدير عدد من المحللين السياسيين- لمدى التوافق بين (الاتجاه العقائدي) الذي يستهدف القضاء على الحضارة الإسلامية وقيمها ومبادئها والذي يتبناه المحافظون الجدد ومؤيدوهم، وبين الاتجاه البراجماتي (النفعي) الذي تمثله شركات النفط الكبرى وصناعة السلاح والاستثمارات الأمريكية في الخارج.
فالسياسة التي دفعت بالرئيس السابق بوش والمحافظين الجدد إلى اجتياح أفغانستان واحتلال العراق لم تكن من صنع خيالاتهم، وإنما هي تنفيذ لاستراتيجية مدروسة ومعتمدة مسبقاً كما ذكرنا. وقد بدأت تظهر بوضوح بعد هزيمة الجيش السوفييتي في أفغانستان على يد الأفغان ومن أسموهم بالأفغان العرب. فبعد أن كان هؤلاء يلقون الدعم المالي واللوجستي والتسليحي دون حدود من أمريكا وبعض الأنظمة العربية، شعروا فجأة ودون سابق إنذار، أنهم خارج اهتمامات أمريكا ووعودها، بعد أن تم اندحار الجيش السوفييتي وخروجه من أفغانستان.
وهكذا نرى أن جل ما فعله بوش والمحافظون الجدد عقب وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ليس أكثر من التسريع في تنفيذ مخططات استراتيجية أمريكا في المنطقة، برغم يقينهم من أن اتهامهم لـ "بن لادن" وما يسمى بـ "تنظيم القاعدة" بأنهم المسئولون عن وقوع تلك الأحداث، غير صحيح.
فهم يعلمون أن ثمة شكوكاً منطقية ما زالت تحوم حول هوية المخططين الحقيقيين لتلك الجريمة البشعة والمشرفين على تنفيذها، والذين لا يخرجون- في تقدير كثير من المراقبين- عن دائرة الصهيونية العالمية والأمريكيين المتصهينين إضافة للمحافظين الجدد، فضلاً عن ذوي الاتجاه النفعي من أباطرة الشركات النفطية الكبرى وصناع السلاح وشركات ما وراء البحار.
لكن ما يهيمن على الغرب الآن، الاعتقاد بأن الحضارة الإسلامية باتت تمثل الخطر الحقيقي والداهم على الحضارة الغربية، وأن هذا الاعتقاد يظل الهاجس الأكبر الذي يدفع بأمريكا ودول أوروبا لاتخاذ مواقف حذرة إزاء ما يجري في البلدان العربية التي تجتاحها رياح التغيير، وبخاصة أن كل الشواهد تفيد بأن الإسلاميين هم المرشحون للإمساك بزمام الأمور في البلدان التي جرى خلع رموز النظم الاستبدادية فيها، وتلك التي ما زالت شعوبها تطالب بتنحي رؤسائها ومحاكمتهم بل وإعدامهم كما الحال في سوريا واليمن.
غير أن الهاجس الأكبر الآخر الذي بات يهيمن على الغرب بعامة هو- بدون شك- أن تصيب رياح التغيير الدول الخليجية المنتجة للنفط، الأمر الذي يدفعه لبذل أقصى ما يستطيع للاستحواذ على الثورات التي تجتاح بعض البلدان العربية، والعمل الدءوب على كسب صداقة الثوار فيها، والظهور بمظهر الداعم لمطالبهم الداعية لتنحي رؤساء الدول التي تجتاحها رياح التغيير مثل سوريا واليمن.
والسؤال الذي يواجه المحللين السياسيين الآن، يدور حول ما إذا كانت الأهداف التي يسعى الغرب لتحقيقها من الحرب ضد ما يسمى بالإرهاب، تستهدف الحد من سعي الإسلاميين للوصول إلى السلطة عن طريق الانتخابات الحرة التي طالما نادى الغرب باتباعها، والتي تنتهي بإقامة الدولة المدنية التي تنتهج الأسلوب الديمقراطي في الحكم.. أم أن في هذا التساؤل قدراً من المغالاة؟.
ليس من شك أن الوصول لتقويم موضوعي حول هذه المسألة، يتطلب الوقوف أولاً على الأهداف المعلنة والخفية من الحرب التي ما زالت أمريكا تشنها على دول عربية وإسلامية (بصورة مباشرة أو غير مباشرة) بدعوى محاربة ما يسمى بالإرهاب، وهذا ما يحتاج لتناول لا يتسع له المقام هنا
http://www.moheet.com/2011/12/13/%D8%AA%D8%AE%D9%88%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B1%D8%A8-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D8%AD%D8%AA%D9%85%D8%A7%D9%84-%D9%88%D8%B5%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D 9%8A%D9%86-%D9%84/