مشاهدة النسخة كاملة : كلمات نبوية لبناء الدولة الإسلامية


د.عبدالله محمود
23-12-2011, 01:44 AM
كلمات نبوية لبناء الدولة الإسلامية

http://184.173.180.114/Public/Media/2006-12-16_9EF5D920-5F37-4FE6-9C41-BD8A45B2F21A.jpg
لقد مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة ثلاث عشرة سنة يدعو الناس لعبادة الله وحده لا شريك له، وقد تحمل في سبيل ذلك أذى كثيراً من كفار مكة، ولم يؤمن بدعوته أكثر أهل مكة حتى أذن الله له بالهجرة من مكة إلى المدينة. فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم مهاجراً إلى المدينة فوجد أهلها ينتظرونه خير انتظار ويتشوقون إلى لقائه – و حُقَّ لهم ذلك رضي الله عنهم – .

إلا إنه قد كان من بين هؤلاء الناس رجل ينتظر لقاء النبي صلى الله عليه و سلم ليرى وجهه ويسمع كلامه حتى يعلم هل هو صادقٌ في دعواه "النبوة" أم لا ؟ هذا الرجل هو أحد علماء اليهود، بل هو أفضلهم بشهادة اليهود أنفسهم، الذين قالوا عنه قبل أن يعلموا بإسلامه: "خيرنا و ابن خيرنا، و أفضلنا و ابن أفضلنا"، فلما علموا بإسلامه قالوا: "شرنا و ابن شرنا، و تنقّصوه !" هذا الرجل هو عبد الله بن سلام رضي الله عنه. جاء ليرى النبى صلى الله عليه وسلم ويسمع كلامه! فما الذى رأى؟ وما الذى سمع؟ هذا ما سيحدثنا عنه عبد الله رضى الله عنه فلنترك له الحديث؛ يقول – رضي الله عنه -: "لما قَدِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه، وقيل: قَدِمَ رسول الله صلى الله عليه و سلم، فجئت في الناس لأنظر إليه، فلما استبنت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفتُ أن وجهه ليس بوجه كذاب، و كان أول شيء تكلم به أنْ قال: (يا أيها الناس افشوا السلام، و أطعموا الطعام، و صلُّوا و الناس نيام تدخلون الجنة بسلام)". [رواه الترمذي و صححه و كذا الألباني].

لقد عَلِمَ عبد الله بن سلام صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم فقط برؤية وجهه الشريف – بأبي هو و أمي – قبل أن يسمع منه و لو كلمة واحدة! و هذا شأن من يبحث عن الحق, يهتدي إليه برحمة الله بأقصر الطرق وأما من لم يرد الحق فلو أتيته بقراب الأرض حججاً وبينات لن يهتدى أبداً!!.

ونحن سوف نتوقف مع أولى كلمات النبي صلى الله عليه و سلم لأهل المدينة لتأسيس الدولة المسلمة، فإن الإنسان ليتعجب من قلة عدد هذه الكلمات، وكذلك من بساطتها؛ بحيث يفهمها كل أحد، بل و يعمل بها بلا مشقة عليه، ثم إنَّ فيها النفع العظيم في العاجل و الآجل وذلك لأن النبي صلى الله عليه و سلم أراد بذلك إصلاح الفرد في نفسه، وإفشاء المحبة بين المسلم وأخيه في المجتمع، ثم إنه يجعل نظر الفرد دائما للآخرة لا لهذه الدنيا فحسب.

لم يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمته بذكر ما حدث له مع أهل مكة، و ما لاقاه منهم طيلة هذه السنين؛ فإن كل ذلك يحتسبه عند الله فلن يضيع! المهم الآن النظر فيما هو آت، المهم الأن إصلاح الرعية لأجل أن يتحملوا مسئولية الإسلام!!.

فانظروا ماذا قال النبى صلى الله عليه وسلم؟ قال: (أفشوا السلام)، أكَّدَ النبي صلى الله عليه و سلم على ذلك و أمر به، لأن السلام هو أعظم الأمور التي تجلب المحبة بين المسلمين، وقد جاء في الحديث الآخر الذي رواه مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم: (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، و لا تؤمنوا حتى تحابُّوا ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؛ أفشوا السلام بينكم ). و جعل النبي صلى الله عليه وسلم من حق المسلم على المسلم أنه إذا لقيه سلَّمَ عليه. [متفق عليه].

ولقد تعلَّم الصحابة ذلك حتى انتشرت بينهم المحبة و المودة حتى كان ابن عمر رضي الله عنه ليبادر بالبدء بالسلام فلا يسبقه أحد بالسلام [كما عند البخاري في الأدب المفرد و صححه الألباني]. بل كان النبي صلى الله عليه و سلم يقول: (ما حسدكم اليهود على شيء ما حسدوكم على السلام و التأمين – يعني التأمين في الصلاة -.) (أخرجه ابن ماجه وصححه الألبانى).
إلى غير ذلك من الأحاديث التي تنص على أن إفشاء السلام يورث بين الخلق المحبة، و إذا سادت المحبة بيننا فسوف نتعاون مع بعضنا البعض في الخير، ويقبل المرء من أخيه النصيحة، ومن ثمَّ ينصلح حال المجتمع أجمع.

وأنت لو قرأت فقه السلام فى كتب الحديث وما ذكره العلماء من الأداب النبوية فى السلام لقلت أين هذا من واقع المسلمين اليوم ؟!! والله المستعان

ثم قال صلى الله عليه و سلم: (أطعموا الطعام)، و هذا من جملة مكارم الأخلاق التي تُشعر الفقراء بأن الأغنياء لم ينسوهم بل يسارعون بتقديم الطعام لهم، فيرى الفقير كم يبذل الغني من مالٍ لإطعامه فلا يحقد الفقير على الغني، و لا يغتر الغني بماله و يشكر نعمة الله عليه؛ فتطيب نفوس الجميع ويصفو المجتمع من التحاسد والأحقاد.

ثم قال صلى الله عليه و سلم: (و صلُّوا و الناس نيام)، و هنا إصلاح للفرد في نفسه فإن المسلم إذا اعتاد على القيام بالليل ولو باليسير يتغير حاله كثيراً، و يشعر بحلاوة الإيمان حقاً، خاصة وهو يناجي ربه بالليل تلاوةً و دعاءً وقد قال جبريل للنبي صلى الله عليه و سلم: "واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل ".

و هكذا ... إذا فعل المسلمون هذه الأمور سينصلح كل فرد في نفسه، ومن ثمَّ ينصلح الجميع فينصلح المجتمع المسلم .. و إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
و أخيراً يربط النبي صلى الله عليه و سلم قلوب أصحابه بالآخرة، فيجيب عن سؤال مقدَّر - ماذا لو فعلنا ذلك؟ - الجواب: (تدخلون الجنة بسلام).

ولعل أكبر الدروس التى نستفيدها من هذا الحديث أن بناء الدولة الإسلامية لا يحتاج لشعارات براقة ولا لمصطلحات معقدة لا يفهمها الناس يطلقها البعض ليقال هو عالم!! وإنما تُبنى الدولة الإسلامية بالصدق مع الله أولاً، وإحسان العمل الدينى والدنيوى والأخذ بأسباب الفلاح والنصر فى الدنيا والأخرة.

فليصلح كل واحد منا نفسه، ويتعاون مع غيره في البر والتقوى لإصلاح المجتمع، ونيته في ذلك التمكين للإسلام لعل الله برحمته ييسر لنا ذلك. فإن تحقق ما نريد فبها و نَعِمَت، و إن لم يتحقق لاقينا الله و نحن نسعى في ذلك.