عبد الظاهر السقا
17-03-2008, 03:36 PM
أولئك الذين يلبسون الباطل ثوب الحق، ويكذبون كما يتنفسون ويخدعون الشعب المصري في الصباح وفي المساء، وفيما بين ذلك وما يخدعون إلا أنفسهم، أولئك جميعاً أليس لهم ضمير يستيقظ مرة أو يقض مضاجعهم مرة، أو يتصور أن هناك رباً يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
كنت أقول دائماً ومازلت أقول: إن هذا شعب ذكي وفراز ويصعب خداعه، قد يكون بحكم التاريخ الطويل والتجارب المريرة الكثيرة أقرب إلي اليأس أو إلي السلبية أو إلي الهم، ولكنه يقيناً ليس شعباً غبياً.
في الفترة بين ١٩٢٤ و١٩٥٢ ما أجريت انتخابات حرة إلا وفاز حزب الوفد -حزب الوفد الأصلي عام ١٩١٩- لأنه كان الحزب الذي يدافع عن الشعب ويدافع عن الدستور ويقف في مواجهة الملك والإنجليز. وكانت هناك أحزاب أخري تملك الأرض ويساندها القصر وتؤازرها سلطة الاحتلال، ولكن الشعب المصري لم يكن يثق فيها ولم يكن يعطيها ثقته ولا صوته لأنه كان يدرك أنها ليست له ولا تدافع عن مصالحه، وإنما عن مصالحها هي.
أقول هذا الكلام لأن الأبواق الرخيصة التي تتحدث عن الديمقراطية، وعن الانتخابات الحرة، وعن دولة القانون والمؤسسات، هم أنفسهم يعلمون أنهم يكذبون ويخادعون، والشعب كله يعلم أنهم كاذبون مخادعون مضللون، حتي وإن أحسن الاستماع إليهم من باب السخرية بهم، وليس من باب الاقتناع بأوهامهم.
إن هذا الذي حدث خلال الأسبوعين الماضيين في ترشيحات المجالس المحلية ينبئ عن ذعر شديد من أن تظهر إرادة الشعب علي حقيقتها ولذلك اتبعت كل السبل لحجب الناس جميعاً عن التقدم بأوراق ترشيحهم إلا قلة محدودة معروفة سلفاً، ورغم كل ما تقوله الصحف ورغم صدور أحكام قضائية،
ورغم الاعتصامات والاحتجاجات، فإن أجهزة الدولة لا تري ولا تسمع إلا ما تريده أجهزة الدولة نفسها، ويبدو أنه منذ أجريت انتخابات المرحلة الأولي لمجلس الشعب عام ٢٠٠٥ بقدر من الحرية وتحت إشراف قضائي -غير كامل- وما أسفرت عنه تلك الانتخابات من فشل ذريع للحزب الوطني ومن نجاح عدد غير قليل من المرشحين المعارضين - يبدو أنه منذ ذلك الوقت حدث ندم شديد علي ما جري من بعض الصدق وبعض الحرية،
وتقرر أنه لا صدق بعد ذلك ولا حرية ولا قضاء. وجرت المرحلتان الثانية والثالثة لمجلس الشعب بهذا التوجه ثم جرت انتخابات مجلس الشوري بالتوجه نفسه، وفيها جميعاً فاز الحزب الوطني -الذي فشل قبل أيام- بكل المقاعد وبأغلبيات كاسحة لا وجود لها في صناديق الانتخاب.
ويبدو أن التوجه نفسه هو الذي سيحكم انتخابات المحليات، بل من المقطوع به حسبما وضح من كل الإجراءات التي صاحبت تقديم أوراق الترشيح أن الأمور محسومة سلفاً علي نحو ما حسمت من قبل.
إن الذين اعتقلوا أو أوقفوا في الأسبوعين الأخيرين وصلوا إلي عدد غير مسبوق في مثل هذه الفترة وما ذلك إلا لكي يخلو الجو لفريق بعينه من أعضاء الحزب الحاكم، وليس لكل أعضاء الحزب علي قدم المساواة ودليل ذلك هذا الغليان، والاحتجاجات في قواعد ذلك الحزب ضد القلة المحظوظة التي تحظي برضا بعض الكبار. صحيح من حق كل حزب أن يختار مرشحيه، ولكن الاختيار يجب أن يكون بمعايير واضحة، وليس اختياراً تعسفياً.
لقد أتيح لي في الشهور الأخيرة أن أقترب من تجربة انتخابية في واحدة من دوائر القاهرة لمجلس الشعب ورأيت العجب يوم الانتخاب، ولست أريد أن أعود للكتابة عن هذه التجربة فقد كتبت عنها من قبل ولكن الشيء الذي لا أستطيع أن أنساه أن لجان الانتخاب كانت خالية باعتراف الجميع ومع ذلك وبقدرة قادر وجدوا أربعة عشر ألف صوت في الصناديق الفارغة، كلها لمرشح الحزب الحاكم. صحيح في مصر أمور لم يسمع بها أحد من أهل الأرض.
ولست من الذين يحبون الاستشهاد بمواقف أمريكية ذلك أني أعتقد أن مواقف هذه الإدارة في جملتها هي مواقف غير موضوعية، ولكن البيان الذي صدر أخيراً عن البيت الأبيض لا نستطيع أن ننكر أنه يطابق الواقع الذي نعيشه تماماً، والذي يعرفه كل أهل مصر معرفة المعايشة والمعاينة،
وجاء في البيان أن البيت الأبيض قد أصيب بالقلق جراء حملة الاعتقالات المتواصلة في مصر للأفراد المعارضين للحزب الحاكم ويريدون المشاركة في الانتخابات المحلية القادمة.. ونحن نحث الحكومة المصرية علي أن تكف عن أي أفعال قد تحد من قدرة أفراد الشعب المصري علي ممارسة حقوقهم الإنسانية المعترف بها عالمياً، والمشاركة في انتخابات حرة ونزيهة.
صحيح من حقنا وحق غيرنا أن نتشكك في الدوافع التي تقف وراء بيان البيت الأبيض الأمريكي، ومن حقنا أن نقول لهم أين كنتم من زمان ولكن الذي لا شبهة فيه أن البيان الأخير كان مطابقاً للواقع الذي نراه أمام أعيننا ولما وصفته الجرائد المستقلة والمعارضة بغير استثناء.
* لماذا يفعل الحزب الحاكم ذلك؟
* وما نتيجته؟
اعتقادي -مخلصاً- أن النظرة القصيرة، وعدم قراءة المستقبل، والاستهتار بالشعب المصري هي التي تقف وراء ما يفعله الحزب الحاكم.
وتقديري أن النتيجة ستكون وبالاً علي الجميع، وفي المقدمة الحزب الحاكم الذي لا يريد أبداً وبإصرار أن يفتح أي طاقة لإصلاح سياسي حقيقي، ويصر إصراراً عجيباً علي إغلاق كل النوافذ، وكل المنافذ حتي ينفجر كل شيء، وحتي تقع كارثة لا تصيب الذين ظلموا منا خاصة، وإنما تصيب الجميع والعياذ بالله.
وقد أعذر من أنذر وقد أنذرت مراراً وتكراراً ولكن علي قلوب أقفالها، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
كنت أقول دائماً ومازلت أقول: إن هذا شعب ذكي وفراز ويصعب خداعه، قد يكون بحكم التاريخ الطويل والتجارب المريرة الكثيرة أقرب إلي اليأس أو إلي السلبية أو إلي الهم، ولكنه يقيناً ليس شعباً غبياً.
في الفترة بين ١٩٢٤ و١٩٥٢ ما أجريت انتخابات حرة إلا وفاز حزب الوفد -حزب الوفد الأصلي عام ١٩١٩- لأنه كان الحزب الذي يدافع عن الشعب ويدافع عن الدستور ويقف في مواجهة الملك والإنجليز. وكانت هناك أحزاب أخري تملك الأرض ويساندها القصر وتؤازرها سلطة الاحتلال، ولكن الشعب المصري لم يكن يثق فيها ولم يكن يعطيها ثقته ولا صوته لأنه كان يدرك أنها ليست له ولا تدافع عن مصالحه، وإنما عن مصالحها هي.
أقول هذا الكلام لأن الأبواق الرخيصة التي تتحدث عن الديمقراطية، وعن الانتخابات الحرة، وعن دولة القانون والمؤسسات، هم أنفسهم يعلمون أنهم يكذبون ويخادعون، والشعب كله يعلم أنهم كاذبون مخادعون مضللون، حتي وإن أحسن الاستماع إليهم من باب السخرية بهم، وليس من باب الاقتناع بأوهامهم.
إن هذا الذي حدث خلال الأسبوعين الماضيين في ترشيحات المجالس المحلية ينبئ عن ذعر شديد من أن تظهر إرادة الشعب علي حقيقتها ولذلك اتبعت كل السبل لحجب الناس جميعاً عن التقدم بأوراق ترشيحهم إلا قلة محدودة معروفة سلفاً، ورغم كل ما تقوله الصحف ورغم صدور أحكام قضائية،
ورغم الاعتصامات والاحتجاجات، فإن أجهزة الدولة لا تري ولا تسمع إلا ما تريده أجهزة الدولة نفسها، ويبدو أنه منذ أجريت انتخابات المرحلة الأولي لمجلس الشعب عام ٢٠٠٥ بقدر من الحرية وتحت إشراف قضائي -غير كامل- وما أسفرت عنه تلك الانتخابات من فشل ذريع للحزب الوطني ومن نجاح عدد غير قليل من المرشحين المعارضين - يبدو أنه منذ ذلك الوقت حدث ندم شديد علي ما جري من بعض الصدق وبعض الحرية،
وتقرر أنه لا صدق بعد ذلك ولا حرية ولا قضاء. وجرت المرحلتان الثانية والثالثة لمجلس الشعب بهذا التوجه ثم جرت انتخابات مجلس الشوري بالتوجه نفسه، وفيها جميعاً فاز الحزب الوطني -الذي فشل قبل أيام- بكل المقاعد وبأغلبيات كاسحة لا وجود لها في صناديق الانتخاب.
ويبدو أن التوجه نفسه هو الذي سيحكم انتخابات المحليات، بل من المقطوع به حسبما وضح من كل الإجراءات التي صاحبت تقديم أوراق الترشيح أن الأمور محسومة سلفاً علي نحو ما حسمت من قبل.
إن الذين اعتقلوا أو أوقفوا في الأسبوعين الأخيرين وصلوا إلي عدد غير مسبوق في مثل هذه الفترة وما ذلك إلا لكي يخلو الجو لفريق بعينه من أعضاء الحزب الحاكم، وليس لكل أعضاء الحزب علي قدم المساواة ودليل ذلك هذا الغليان، والاحتجاجات في قواعد ذلك الحزب ضد القلة المحظوظة التي تحظي برضا بعض الكبار. صحيح من حق كل حزب أن يختار مرشحيه، ولكن الاختيار يجب أن يكون بمعايير واضحة، وليس اختياراً تعسفياً.
لقد أتيح لي في الشهور الأخيرة أن أقترب من تجربة انتخابية في واحدة من دوائر القاهرة لمجلس الشعب ورأيت العجب يوم الانتخاب، ولست أريد أن أعود للكتابة عن هذه التجربة فقد كتبت عنها من قبل ولكن الشيء الذي لا أستطيع أن أنساه أن لجان الانتخاب كانت خالية باعتراف الجميع ومع ذلك وبقدرة قادر وجدوا أربعة عشر ألف صوت في الصناديق الفارغة، كلها لمرشح الحزب الحاكم. صحيح في مصر أمور لم يسمع بها أحد من أهل الأرض.
ولست من الذين يحبون الاستشهاد بمواقف أمريكية ذلك أني أعتقد أن مواقف هذه الإدارة في جملتها هي مواقف غير موضوعية، ولكن البيان الذي صدر أخيراً عن البيت الأبيض لا نستطيع أن ننكر أنه يطابق الواقع الذي نعيشه تماماً، والذي يعرفه كل أهل مصر معرفة المعايشة والمعاينة،
وجاء في البيان أن البيت الأبيض قد أصيب بالقلق جراء حملة الاعتقالات المتواصلة في مصر للأفراد المعارضين للحزب الحاكم ويريدون المشاركة في الانتخابات المحلية القادمة.. ونحن نحث الحكومة المصرية علي أن تكف عن أي أفعال قد تحد من قدرة أفراد الشعب المصري علي ممارسة حقوقهم الإنسانية المعترف بها عالمياً، والمشاركة في انتخابات حرة ونزيهة.
صحيح من حقنا وحق غيرنا أن نتشكك في الدوافع التي تقف وراء بيان البيت الأبيض الأمريكي، ومن حقنا أن نقول لهم أين كنتم من زمان ولكن الذي لا شبهة فيه أن البيان الأخير كان مطابقاً للواقع الذي نراه أمام أعيننا ولما وصفته الجرائد المستقلة والمعارضة بغير استثناء.
* لماذا يفعل الحزب الحاكم ذلك؟
* وما نتيجته؟
اعتقادي -مخلصاً- أن النظرة القصيرة، وعدم قراءة المستقبل، والاستهتار بالشعب المصري هي التي تقف وراء ما يفعله الحزب الحاكم.
وتقديري أن النتيجة ستكون وبالاً علي الجميع، وفي المقدمة الحزب الحاكم الذي لا يريد أبداً وبإصرار أن يفتح أي طاقة لإصلاح سياسي حقيقي، ويصر إصراراً عجيباً علي إغلاق كل النوافذ، وكل المنافذ حتي ينفجر كل شيء، وحتي تقع كارثة لا تصيب الذين ظلموا منا خاصة، وإنما تصيب الجميع والعياذ بالله.
وقد أعذر من أنذر وقد أنذرت مراراً وتكراراً ولكن علي قلوب أقفالها، ولا حول ولا قوة إلا بالله.