داخل بيوت الصعيد وفي أذهان العجائز الذين يقاومون النسيان، عاشت ذكري محمد حسين القنائي سيرة أقدم مراسل صحفي في محافظة قنا والذي كانت تورد إليه المجلات والصحف بلقب "شيرول" دون أن يتاح لذكراه ولمجهوداته العميقة في الصحافة الإقليمية والمحلية أن يكتشفها أحد.

وذلك برغم قيامه بتغطية حوادث مهمة أشهرها قضية كوكب الشرق أم كلثوم -التي مرت ذكرى 113 عاما على مولدها أمس- مع عاشقها عبدالستار الهلالي الذي ادعى أنها زوجته ورفع دعوى " طاعة" لإجبارها على العيش معه، حيث توهم العاشق أنها زوجته من شدة وجده بصوتها.

وكان لا بد من استكشاف خزائن الصحفي محمد حسين القنائى أفندي ابن محافظة قنا والذي كانت تورد إليه صحف ومجلات مصر من بداية عشرينات القرن الماضي حتى 1954م باللقب "شيرول"، ظاهرة تستحق التوقف عندها كثيرا لأسباب عديدة. فهو لم يختر أن يتقرب من ذوى السلطان ومارس حرفيته في رصد الكثير من الظواهر في محافظته التي كانت تضم طوائف وقبائل دون أن يظهر في رصده لها شيئا للقبلية أو العنصرية.
الأشد دهشة أن المراسل الأقدم في قنا استطاع إدخال المجلات والصحف التي كانت تورد إليه، إلي معظم بيوتات الصعيد المثقفة وهى الخزائن التي ترصد العالم السياسي والاجتماعي والاقتصادي لمصر التي تجبرك وأنت تقرأها أن تتخيل الآتي أن تلقى صحف هذه الخزائن نفسها في أرض الوطن الخصيب ليبعث أشخاصها ثانية، فهنا في الخزائن تكتشف عالما آخر لايعرفهم الوطن حالياً.

تري ماالعوالم التي رصدها "شيرول" في عام 1931م وفي الصحف والمجلات التي كان يراسلها؟!.

إنه يتحدث عن القبطي برتان ديمتري من أعيان قرية بجهورة بنجع حمادي والذي حاز على الجائزة الذهبية في عام 1931 لجودة عدسه الإسنارى والذي جلب الفخر لأبناء منطقته المسلمين والمسيحيين وفي ذات العدد يتحدث عن سينما محافظة قنا، فهو يقول سينما فريال بقنا رئيس مجلس إدارة الشركة حضرة الدكتور بشاي خليل شارع الجميلي ثم يكشف لك أن المحافظة التي خاصمت السينما كانت تتواجد بها 3 سينمات مشهورة بجانب سينما فاروق لصاحبها السيد يوسف حامد أفندي وسينما الحاج عبدالرحيم خطاب.

في ثلاثينيات القرن الماضي كان علي حسين القنائي أن يرصد أهم حادث هز مصر والعالم العربي من اجل قضية كانت تنظرها محاكم محافظة قنا والتي كانت تخص قضية السيدة أم كلثوم والتي ادعي عبدالستار الهلالي أنها زوجته، حيث قام برصد الحادث في القضية التي قامت المحكمة بشطبها لعدم حضور الزوج ثم تابع القضية حتى الحكم علي ابن محافظة قنا بالسجن وهي القضية التي جعلت الكاتب الكبير يطلق علي عشاق الفنانين مسمي العاشق النجمي.

في العالم العربي رصدت خزائن "شيرول" الكثير من عالم السياسية والحرب العالمية الثانية، حيث رصدت عالم خط السكة الحديد الذي يربط بين الحجاز وسوريا، كما رصدت عالم النقابات المستقلة في مصر والتي كانت بها نقابات للحلاقين ونقابات لعمال السجائر "اللف" مثلما رصدت في الصعيد عناوين الأطباء القادمين من الخارج والمصورين وغيرهم.

الدكتور عيسي عبدالباقي مدرس الصحافة بآداب قنا قال لـ"بوابة الأهرام" إن الصحفي محمد حسين القنائى لا يتم تدريس تجربته للأسف في كليات الصحافة في الأقاليم، لأسباب كثيرة أهمها عدم الاهتمام بالإعلام المحلي برغم خصوصيته وأهميته في مصر وخاصة بعد ثورة 25 يناير، مشيرا أن النظرة الدونية التي يتم بها النظر للمراسل الصحفي في الإقليم الذي يعيش فيه مازلت متحكمة من خلال الإعلام المركزي بالقاهرة.

أضاف عبدالباقي أنه لم يسمع كثيرا بهذا المراسل إلا أن خزائنه وما تحوى من صحف ومجلات مصرية وعربية ترصد عوالم بعيدة عنا فهي تدل على أن النهضة المصرية والحداثة كانت في طور كبير من الرقي والتقدم والدليل على ذلك حيوية المجتمع وخاصة في الصعيد الذي كان يقدم رجال أعمال ينشئون سينما وزراع يحصدون الجوائز العالمية وغيرهما.

أكد عبدالباقي أن أفضل مايميز المراسل الصحفي القنائي حالة الذهد والتقشف الشديدة، مشيرا أنه كان على ما أظن يؤمن انه يريد أن يبقى للحياة شيئا كي تحولها الحياة بدورها لتاريخ رائع يقرأ ويبعث على الدهشة دون أن يستفيد من القرب من المسؤلين والقيادات في محافظته.
http://gate.ahram.org.eg/NewsContent/5/38/154709/%D9%85%D8%AD%D8%A7%D9%81%D8%B8%D8%A7%D8%AA/%D9%86%D8%A7%D8%B3-%D9%85%D9%86-%D8%A8%D9%84%D8%AF%D9%86%D8%A7/%D8%B4%D9%8A%D8%B1%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%86%D8%A7%D8%A6%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%87%D9%88%D9%84-%D9%8A%D8%B3%D8%AC%D9%84-%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D8%B9%D8%A7%D8%B4%D9%82-%D8%A3%D9%85-%D9%83%D9%84%D8%AB.aspx