abomokhtar
09-03-2012, 06:40 AM
لا صوت يعلو فوق صوت الدستور.. هذا هو الوضع الآن في مصر.. فمنذ أن وضعت المعركة الانتخابية أوزارها وظهر الخيط الأبيض من الأسود انصب الحديث عن الدستور الجديد (دستور الثورة).. وعن الجمعية التأسيسية.
ولا عجب أن تجد رجل الشارع الذي كان قبل عام مضى لا يلقى بالا ً بكل هذه الأحاديث يحدثك عن حق تواجد أعضاء البرلمان في لجنة وضع الدستور من عدمه.. أو تسمع أحاديث المقاهي قد تحولت بوصلتها من الاتجاه صوب الدوري العام ومشكلاته وتقلباته إلى الاتجاه صوب الدستور.. وما ينبغي أن يحوى كي يكون معبرا ًعن الشعب المصري بمكوناته السياسية والدينية والفكرية.
ومن المتوقع أن تشهد الأيام المقبلة مزيدا ً من الجدل حول الدستور والقضايا المتعلقة به.. خاصة بعد بدء الإجراءات الفعلية لوضع ملامح اللجنة التأسيسية.. والتي سيتم انتخابها رسميا ً يوم 24 مارس.. حسبما صرح به رئيس مجلس الشعب د/ سعد الكتاتني في الجلسة المشتركة التي جمعت بين مجلسي الشعب والشورى يوم السبت 3 مارس.. والتي خصصت لسماع الاقتراحات من الكتل الحزبية والشخصيات المستقلة.
ومن هنا فقد حرصنا على تقديم هذه الرؤية الدستورية التي تقدم بها الباحث/ حمزة مشهور القيادي المعروف في الجماعة الإسلامية من أجل نيل درجة الدكتوراه في القانون العام من كلية الحقوق – جامعة أسيوط والتي خصصها عن:
"الإصلاح الدستوري في مصر بين خياري التعديل والتغيير للدستور المصري 1971".
والتي يقدم من خلالها رؤيته الإصلاحية المرتكزة على ثلاثة محاور المحور:
الأول: الإصلاح الحزبي.
المحور الثاني: تشكيل المجلس الدستوري.
المحور الثالث: رؤية مقترحة لدستور جديد.
المحور الأول:
الإصلاح الحزبي
فلابد قبل عملية الإصلاح من وجود القوي السياسية التي تقوم بهذا الإصلاح أولاً.. ولكي يتم ذلك لابد من ترسيم الخارطة السياسية قبل كل شيء.. فلا يتم استبعاد أي من القوي السياسية من ممارسة حقه في العمل السياسي.. وفي هذا المجال يقترح الباحث الاكتفاء في الدستور بالنص علي التعددية الحزبية.. علي أن تترك كافة التفصيلات للقانون.. وعلي ذلك يقترح النص التالي في الدستور:
(يقوم النظام السياسي للدولة علي أساس الديمقراطية الإنسانية.. التي تحمي الوحدة الوطنية.. وترسخ التعددية الحزبية التي ينظمها القانون).
وهذا النص كاف - في وجهة نظره - في تقرير التعددية الحزبية.
وعلي ذلك فلابد من وضع قانون للأحزاب وقانون للانتخابات يتناسبان مع المرحلة الديمقراطية القادمة.. ولابد من إلغاء لجنة شئون الأحزاب والتي كانت تمثل لجنة للعزل السياسي لكافة القوي السياسية في الدولة.
وفي هذا الشأن أيضا يقترح مشهور في رؤيته أن يكون تشكيل الأحزاب السياسية بأحدي الطريقتين:
الأولي: وهي أن تقدم طلبات التأسيس للأحزاب إلي "المجلس الدستوري الأعلى" المنتخب الذي يقترحه كسلطة تأسيسية (وسيأتي ذكره).. والذي سيكون من وظائفه النظر في طلبات التأسيس والموافقة علي الأحزاب الجديدة بعد التأكد من قبول هذه الأحزاب للدستور الجديد والمشروعية الدستورية.. وابتعاد هذه الأحزاب عن الصبغة العسكرية أو شبه العسكرية.
وبالتالي يكون لهذا المجلس الدستوري المنتخب من الشعب أهم دور في ترتيب الحياة الحزبية.. واستبعاد أي حزب لا يعترف بالمشروعية الدستورية.. كذلك وضع شروط عددية وجغرافية مناسبة للموافقة علي أي حزب.. حتى لا يكون هناك عبث أو تلاعب بالحياة الحزبية.
وبعد ذلك فالحزب الذي يتم رفضه لأي سبب من الأسباب السابقة له أن يطعن علي ذلك أمام المحكمة الدستورية العليا.. وبالتالي نضمن استقرار الحياة الحزبية مع عدم الجور أو التعسف من المجلس الدستوري.. لأنه سيكون منتخباً من الشعب ويمثل السلطة التأسيسية في البلاد.. وسيكون هو الذي قد وضع الدستور.. ولا سلطان لأحد عليه.. هذه هي الطريقة الأولي التي يقترحها الباحث لقيام الأحزاب السياسية.. والتي يراها كفيلة بإنهاء حالة اللغط السياسي التي يثيرها البعض حول ما يسمي بالأحزاب الدينية أو الأحزاب ذات المرجعية الدينية.. وكل هذا لا وجود له في الواقع المصري.
إذ يكفي أن يعترف الحزب الجديد بالمشروعية الدستورية كشرط أساسي للموافقة عليه.. والدستور منصوص فيه علي مقومات الدولة وثوابتها المجمع عليها.. وكذلك الحقوق والحريات المقررة في الوثيقة الدستورية.. فلا يتنكر لها أحد.. وبعد ذلك فلا قيمة لأي دعوي حول مسميات لا وجود لها كالأحزاب الدينية.. وديكتاتورية الأغلبية وغيرها.
أما الطريقة الثانية: وهي تشكيل لجنة قضائية تتولي شئون الأحزاب.. وتقدم لها طلبات تأسيس الأحزاب.. وإذا لم تعترض في مدة محددة يكون الحزب قائماً بالفعل.. علي أن يتولي القضاء الإداري النظر في الطعون التي يتقدم بها الغير لإلغاء قرار الموافقة علي الحزب.
وأياً ما كان الأمر.. فإن كلتا الطريقتين تحققان ضماناً لحق الأفراد في تكوين الأحزاب بصورة ديمقراطية.
كذلك يرى الباحث أنه لابد من وجود نظام انتخابي عادل ودستوري ويضمن تشكيل كافة الأحزاب داخل البرلمان.. ونقترح بأن يكون الانتخاب بالتزاوج بين نظام القائمة النسبية والنظام الفردي.. وبنسبة متساوية حتى يحقق العدالة للأفراد ويدعم النظام الحزبي.
الهيئة التأسيسية لوضع الدستور (المجلس الدستوري)
ولعل أهم ما ورد في رسالة الباحث دعوته للتأني في عملية الإصلاح وعدم التعجل.. وذلك لأن الله تعالي قد أراد بهذه الأمة خيراً بقيام هذه الثورة المباركة.. التي قضت علي هذا النظام البائد.. وقد تهيأت كافة السبل للإصلاح الكامل.. وذلك بتوافر حالة الوعي السياسي والثقافي لكافة شرائح الشعب من النخب والعامة بما لم يتوافر من قبل.. وذلك مع التطور التكنولوجي في وسائل الاتصالات والمعلومات.. وكذلك التطور الهائل في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة.
كذلك في حالة التواصل وقبول الآخر والتوافق بين كافة الفصائل المصرية حول حتمية الحل الديمقراطي والرضا بنتائج الانتخابات سبيلاً لبناء مؤسسات الدولة الدستورية والتشريعية والتنفيذية والقضائية.
وعلي العموم فإن هذا المناخ المتاح هو أنسب مناخ للإصلاح.. وعلي ذلك يشدد الباحث على أن الإصلاح لابد وأن يكون هادئاً حتى نصل إلي أسمي درجة من درجات التقدم والمدنية،
ويؤكد الباحث على أن الإصلاح ـ تحت قرع الطبول وحالة التوتر التي يحاول البعض أن يصنعها ـ سوف يكون إصلاحاً منقوصاً ربما لا يستمر بضع سنين.. ولن يؤدي إلي الاستقرار السياسي ولا الدستوري المنشود.. فلا بد من تهيئة البيئة الملائمة للإصلاح.. وعدم إثارة المخاوف والوساوس من سيطرة الجيش المصري علي الحكم.. فهذه الأمور يراها مستبعدة.
والباحث يرى أن ذلك أسلم حتى لا يكون الإصلاح بالقطعة.. ولا يؤدى ذلك إلى أسلوب التجربة والخطأ في عملية الإصلاح السياسي والدستوري.. ولا كثرة الهدم والبناء في مجال النظم السياسية والدستورية.. لأن هذا كله يفسد المجتمعات ولا يصلحها..
لذا فإن الباحث يقترح بناء السلطة الدستورية التي هي أعلي سلطة في البلاد. وهي"المجلس الدستوري الأعلى".. والذي تتأتي أهميته من أنه كان كفيلاً بتجنيب الوطن كافة الأزمات الدستورية التي واجهته.. ومثال ذلك أزمة المشروعية.. والتي ظهرت بعد خلع الرئيس السابق.. فقد ترك زمام الحكم للمجلس الأعلى للقوات المسلحة.. فكان الجدل بين المصريين حول شرعية الرئيس المخلوع حتى يستخلف غيره.. إذ أن الرئيس السابق.. وقد انتهت شرعيته لا يصح أن يستخلف غيره .
كذلك ثار التساؤل حول سقوط دستور 1971هل سقط بالثورة.. أم بقرار المجلس العسكري.. وكان المنصوص في الدستور السابق في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية.. أن يتولي رئيس مجلس الشعب فإن لم يكن فرئيس المحكمة الدستورية العليا.. ولم يحدث ذلك.
ومن هنا فإن وجود المجلس الدستوري – كما يرى الباحث - كان بمثابة حل لهذه الإشكالية.. حيث كان سيتولى رئيس المجلس الدستوري رئاسة الدولة في حال خلو منصب الرئيس أو عجزه عن ممارسة وظيفته.. وكان هو الأجدر بالحكم من المجلس العسكري.
كذلك فإن المجلس الدستوري كان سيرسخ الشرعية الدستورية بدلاً من الشرعية الثورية.. حيث أن المخاوف كلها تتأتي من الشرعية الثورية التي لا معالم لها ولا حدود.. وهذا ما أثار حالة من الجدل حول الشرعية الثورية والشرعية الدستورية وما تقتضيه كل منهما.. ومن الذي يتولي حماية الشرعية الدستورية من الانقلاب عليها بعد صدور الدستور.. هل هو المجلس الأعلى للقوات المسلحة؟.. أم أن المجلس الدستوري الأعلى المنتخب من الشعب هو الجدير بحماية الشرعية الدستورية؟
كذلك في مسألة التشريع في الظروف الاستثنائية.. هل كان الأقدر عليها المجلس العسكري أم المجلس الدستوري الأعلى المنتخب من الشعب؟.. والمراسيم الصادرة عن المجلس العسكري.. وكذلك قراراته السياسية شاهد ودليل كما يرى الباحث.
وعن شكل المجلس الدستوري الأعلى فإن مقترح الرسالة أن يكون عدد أعضائه ثلاثين عضواً.. علي خلاف المجلس الدستوري الفرنسي.. وذلك لكثرة المهام التي يتولاها المجلس الدستوري المصري.. وخاصة عملية صياغة الدستور وتعديله عند الحاجة.. والقيام بدور الرقابة السابقة علي دستورية القوانين واللوائح.
ويرد الباحث على قول البعض بأن عملية وضع الدستور ربما تحتاج إلي المئات بأنه غير صحيح.. إذ أن ثلاثين من المتخصصين المنتخبين من الشعب قادرين علي إدراك مطالب الشعب وطموحاته وصياغة دستور علي أعلي المستويات.. ولا شك أن مجموعة الثلاثين هذه سوف تتواصل مع كافة شرائح المجتمع الدينية والثقافية والسياسية والاجتماعية من خلال الندوات والحوارات والتعاطي مع الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني وغيرها.
ويكمل الباحث مقترحه بأن يتم اختيار أعضاء المجلس بالانتخاب السري الحر المباشر.. وأن يتم اختيار رئيس المجلس الدستوري بالانتخاب من بين أعضائه.. وفي هذا الأمر إعمال لمبدأ سيادة الأمة وترسيخ للديمقراطية النيابية.. وفيه سمو علي المجلس الدستوري في فرنسا نفسه.. والذي يقول بتعيين المجلس الدستوري.
كما يقترح أن توضع شروط علمية وعمرية في أعضاء المجلس الدستوري.. فلابد أن يكونوا من الحاصلين علي أعلي المؤهلات القانونية.. وألا تقل أعمارهم عن خمسين عاماً علي الأقل.. وهذا بخلاف أعضاء البرلمان.. والذين يمكن أن تقل أعمارهم عن ذلك.
وأن يتم انتخاب أعضاء المجلس الدستوري الأعلى لمدة عشر سنين.. وذلك لتحقيق الاستقرار بعدم خلو البلاد من المجلس الدستوري.. وفي ذلك أيضاً سمو علي المجلس الدستوري الفرنسي الذي لا يضع أية شروط في أعضاء المجلس.. مما أثار الجدل حول المجلس الدستوري.. هل هو مجلس قانوني أم مجلس سياسي.. وكذلك عند قيام المجلس بممارسة دوره في الرقابة السابقة.. وهل هي رقابة سياسية أم رقابة قضائية؟
ولذلك فإن وضع شروط علمية بالحصول علي أعلي المؤهلات في القانون مع اختيار الشعب سوف تضفي درجة من الاطمئنان إلي سلامة الرقابة السابقة علي دستورية القوانين واللوائح.. وكذلك في القيام بدور التشريع في حالة غيبة البرلمان.. وكذلك في حالة الموافقة علي دستورية القرارات الرئاسية في الظروف الاستثنائية.. وكل ذلك يتطلب أعلي المؤهلات القانونية في أعضاء المجلس الدستوري الأعلى.
وعن دور المجلس الدستوري في عملية الرقابة السابقة علي القوانين.. فإن الباحث يقترح إقرار الرقابة السابقة علي اللوائح أيضا.. فبعد اقتراح مشروع القانون أو اللائحة ومناقشتهما في البرلمان من قبل اللجنة الدستورية يحال القانون أو اللائحة إلي المجلس الدستوري الأعلى.. فإذا أقرته الأغلبية وإلا أعيد إلي البرلمان مرة أخري لتعديل أو حذف المواد أو النصوص غير الدستورية.
وفي حالة صدور القانون أو اللائحة بعد إقرار المجلس الدستوري بدستوريته.. فإن هذا لا يعني عدم جواز الطعن عليهما بعدم الدستورية.. وذلك أمام المحكمة الدستورية العليا.
فالرقابة السابقة لا تلغي الرقابة القضائية اللاحقة.. وهذا ما حدث في فرنسا بعد تعديلات 2008..والتي أضافت إلي عمل المجلس الرقابة اللاحقة.. ويكون الوضع في مصر أحسن حالاً لوجود ثلاث درجات للرقابة:
أولهما رقابة اللجنة الدستورية في البرلمان.. والتي كانت فيما مضي تعمل وفق هوي الرئيس في تمرير مئات القوانين مطمئنة إلي أن تقضى المحكمة الدستورية العليا بعدم الدستورية بعد بضع سنين.. يكون النظام الديكتاتوري قد استخدم هذه القوانين أسوأ استخدام.
والرقابة الثانية هي الرقابة السابقة.. والتي يقوم بها المجلس الدستوري الأعلى وهو لا يقل في كفاءته عن المحكمة الدستورية العليا.. وحتماً لن يمرر أية قوانين أو لوائح غير دستورية.. وهو المنتخب من الشعب.. والذي يريد أن يحافظ علي الثقة الكبيرة التي أولاه الشعب إياها.
والرقابة الثالثة هي الرقابة اللاحقة.. والتي تقوم بها المحكمة الدستورية العليا.. وهي الرقابة القضائية من خلال الطعون المباشرة بعدم الدستورية أو الإحالة من الجهات القضائية المختلفة.. ولا شك أن في هذا سمواً علي الرقابة في فرنسا.
ويمكن أن يقوم المجلس الدستوري الأعلى بالإشراف علي انتخابات رئيس الجمهورية.. وفحص الطعون وإعلان نتائج الانتخابات.. وكذلك الفصل في صحة المنازعات المتعلقة بأعضاء البرلمان.. وبذلك ننهي حالة الجدل حول تنازع الاختصاص بين المحاكم في حالة الطعون علي نتائج الانتخابات سواء انتخابات الرئاسة أو البرلمان.
ويتضمن المقترح أن يقوم المجلس الدستوري بالحد من السلطات الاستثنائية لرئيس الجمهورية.. والتي كانت مقررة في المادة 74 من دستور 1971.. والتي كانت تنص علي أن (لرئيس الجمهورية إذا قام خطر يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها الدستوري أن يتخذ الإجراءات السريعة لمواجهة هذا الخطر.. ويوجه بياناً إلي الشعب.. ويجري الاستفتاء علي ما أتخذه من إجراءات خلال ستين يوماً من اتخاذها).
وهذه المادة تقليد للمادة 16 من الدستور الفرنسي 1958 مع الفارق في الضمانات.. ولو كانت هناك حاجة لمثل هذه المادة 74 فإن الباحث يقترح إلغاء المصطلحات الواسعة التي يمكن حملها علي أكثر من محمل مثل (خطر)، (الوحدة الوطنية)، (يعوق مؤسسات الدولة).
كذلك يقترح حصراً محدداً للظروف الاستثنائية يمكن القياس عليه.. مثل حالة الحرب أو الكوارث الطبيعية أو الانقلاب علي الشرعية.. وفي كل ذلك يكون الرجوع إلي رأي المجلس الدستوري وجوبياً.. ويمكن أن يكون النص هكذا:
(لرئيس الجمهورية في الظروف الاستثنائية كالحروب والكوارث الطبيعية وحالات الانقلاب علي الشرعية الدستورية.. وبعد موافقة المجلس الدستوري بالأغلبية أن يتخذ الإجراءات السريعة التي تحافظ علي سلامة الدولة.. ويكون ذلك لمدة محددة لا يتم تجديدها إلا بموافقة المجلس الدستوري وبالأغلبية).
وفي هذا ضمان أكثر من توجيه البيانات أو إجراء الاستفتاءات.. لأن الاستفتاء في الظروف الاستثنائية ليس بالأمر السهل اليسير.. بينما يمثل المجلس الدستوري المنتخب من الشعب ضماناً للحقوق والحريات.. وهكذا يتبين أهمية وجود هذا المجلس الدستوري في ضمان عدم إنفراد رئيس الجمهورية بأية سلطات استثنائية يمكن أن تجور علي حقوق الأفراد وحرياتهم.
وعن المهام المقترحة للمجلس الدستوري يطرح الباحث أن يتولي رئيس المجلس الدستوري الأعلى الحكم مؤقتاً في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية أو عجزه عن العمل.. علي أن يتولي إجراء الانتخابات الرئاسية في مدة لا تزيد عن شهرين.
دستور مقترح
آثر الباحث أن يختم رسالته بدستور مقترح يتكون من ثلاثة أبواب أساسية على النحو التالي:
الباب الأول:في مقومات الدولة المصرية:
وذلك في ثلاثة فصول:
الفصل الأول: المقومات الدينية والسياسية للدولة.
الفصل الثاني: المقومات الاقتصادية للدولة والمجتمع.
الفصل الثالث: المقومات الاجتماعية للدولة والمجتمع.
الباب الثاني: في نظام الحكم والسلطات العامة:
وذلك في خمسة فصول:
الفصل الأول: رئيس الجمهورية.
الفصل الثاني: في السلطة التنفيذية.
الفصل الثالث: في السلطة الدستورية.
الفصل الرابع: في السلطة التشريعية.
الفصل الخامس: في السلطة القضائية.
الباب الثالث: في الحريات والحقوق والواجبات العامة:
وذلك في فصلين:
الفصل الأول: في الحريات والحقوق العامة.
الفصل الثاني: في الواجبات العامة.
وبنظر للباب الثاني والذي قسمه إلى خمسة فصول جامعة.. وذلك بإضافة الفصل الخاص بالسلطة الدستورية.. والتي يعتبرها ضرورة سياسية ودستورية في بلد مثل مصر.. وخاصة بعد التطورات التي شهدتها الحياة السياسية في العقود الماضية.. وذلك علي مستوي الحركة الوطنية التي شهدت الكثير من الانقسامات الأيديولوجية والإستقطابات.. والتي وصلت في بعض الأحيان إلي صراعات مقيتة بين التيارات الليبرالية والتيارات الإسلامية.. حتى إن هذه القوي الوطنية بدأت تتبني من الأنظمة السياسية والدستورية ما يوافق مصالحها الواقعية.
فالتيار الذي يطمئن إلي الأكثرية في البرلمان يسعي إلي تأييد النظم البرلمانية التي تعطي البرلمان كافة الصلاحيات في تشكيل الحكومة.. وتقلص من صلاحيات رئيس الجمهورية.. بينما تسعي التيارات الليبرالية إلي تأييد النظام الرئاسي الذي يمكن رئيس الجمهورية من تشكيل الحكومة.
ومن هذا المنطلق كان لزاماً للتقريب بين القوي الوطنية والبعد عن الأزمات السياسية والدستورية التي قد تحدث مستقبلاً بين الحكومة والبرلمان.. والتي يمكن أن تهدد الاستقرار الدستوري.. كان لزاماً إنشاء سلطة دستورية متمثلة في المجلس الدستوري الأعلى تكون وظيفتها الأولي وضع الدستور وتعديله إذا اقتضي الأمر.. وكذلك الحد من سلطات رئيس الجمهورية.. والتي أدت في الماضي إلي ضياع الحقوق والحريات العامة للمواطنين.
وكذلك يكون هذا المجلس هو حامي المشروعية الدستورية للبلاد.. ولذا بينا في الفصل الثالث حقيقة هذا المجلس الدستوري والدور المنوط به.
وقد أفرد الباحث فصلاً لرئيس الجمهورية بصفته رئيساً للدولة وحكماً بين السلطات.. وفصلاً آخر لرئيس الجمهورية بصفته رئيساً للسلطة التنفيذية.. وأوصى فيه بتقليص السلطات التي منحها دستور 1971 لرئيس الجمهورية.
وفي الفصل الخاص بالسلطة التشريعية أوصي بحذف المواد التي يمكن أن ينظمها القانون.. وأبقي علي المواد التي تبين الدور الرئيسي للسلطة التشريعية.. والفصل بينها وبين السلطة التنفيذية.. وكيفية إنهاء النزاع بين السلطتين ودور المجلس الدستوري الأعلى في ذلك.
وفي الفصل الخاص بالسلطة القضائية أقترح ضم العديد من الفصول بعضها إلي بعض.. وبيان أهم المبادئ التي ترسخ استقلال القضاء.
كما استبعد كافة المواد الخاصة بالمدعي العام الاشتراكي.. وكذلك المواد الخاصة بمجلس الشورى لعدم أهميته في النظام الدستوري الجديد.. وكذلك المواد الخاصة بالمجالس القومية المتخصصة.. والتي يقوم بدورها المراكز البحثية والعلمية والجامعات المصرية.
الثورة عززت الرؤية الإصلاحية
وفى تصريحات خاصة قال الباحث/ حمزة مشهور صاحب الرسالة:
إن اندلاع ثورة 25 يناير حول رؤيتي وحلمي في الإصلاح الدستوري إلى حقيقة واقعية نقف على بعد خطوات من تحقيقها.. فقد بدأت العمل في هذه الرسالة عام 2003.. وكنت لا أزال رهن الاعتقال.. حيث تعرضت للاعتقال لسنوات طويلة في عهد المخلوع نظرا لانتمائي إلى الجماعة الإسلامية.. وحينها بدا لي ما أكتبه وما أخطه من رؤية إصلاحية حلما صعب المنال في ظل حاكم كان يجمع في يديه كل السلطات وحول مصر إلى ما يشبه الخاصة الملكية له ولأسرته.. ولن يسمح بأي إصلاح ينتقص من سلطاته أو يقف كعقبة في وجه التوريث لنجله.
ولكنى استعنت بالله ومضيت قدما في رسم رؤيتي الإصلاحية الدستورية لنيل رسالة الدكتوراه.. حتى قامت الثورة المصرية العظيمة.. فحمدت الله أن حلمي بات قاب قوسين أو أدنى للتحقق .
وعن الجهد الذي قام به من أجل إيصال رؤيته لمجلس الشعب قبل البدء في اتخاذ قراره النهائي في شأن الدستور والهيئة التأسيسية.. خاصة وأن رئيس المجلس أعلن فتح الباب لتلقى المقترحات.. أكد لنا أنه بالفعل بادر بمخاطبة د/ سعد الكتاتني وأرسل له رسالة (أطلعنا عليها) تحوى الخطوط الرئيسية لرؤيته الإصلاحية.. كما أرفق معها نسخة كاملة من الرسالة العلمية.
وختم حديثه بأنه يأمل بأن يتم النظر إلى هذه الرؤية نظرة اهتمام.. لأنها نتاج سنوات طويلة من البحث العلمي الشاق.. كما أنه توخي فيها التجرد والمصلحة العامة كما يقول.. دون النظر إلى أي تحيزات حزبية أو فكرية.
http://www.egyig.com/Public/articles/mobadra/14/31264825.shtml
ولا عجب أن تجد رجل الشارع الذي كان قبل عام مضى لا يلقى بالا ً بكل هذه الأحاديث يحدثك عن حق تواجد أعضاء البرلمان في لجنة وضع الدستور من عدمه.. أو تسمع أحاديث المقاهي قد تحولت بوصلتها من الاتجاه صوب الدوري العام ومشكلاته وتقلباته إلى الاتجاه صوب الدستور.. وما ينبغي أن يحوى كي يكون معبرا ًعن الشعب المصري بمكوناته السياسية والدينية والفكرية.
ومن المتوقع أن تشهد الأيام المقبلة مزيدا ً من الجدل حول الدستور والقضايا المتعلقة به.. خاصة بعد بدء الإجراءات الفعلية لوضع ملامح اللجنة التأسيسية.. والتي سيتم انتخابها رسميا ً يوم 24 مارس.. حسبما صرح به رئيس مجلس الشعب د/ سعد الكتاتني في الجلسة المشتركة التي جمعت بين مجلسي الشعب والشورى يوم السبت 3 مارس.. والتي خصصت لسماع الاقتراحات من الكتل الحزبية والشخصيات المستقلة.
ومن هنا فقد حرصنا على تقديم هذه الرؤية الدستورية التي تقدم بها الباحث/ حمزة مشهور القيادي المعروف في الجماعة الإسلامية من أجل نيل درجة الدكتوراه في القانون العام من كلية الحقوق – جامعة أسيوط والتي خصصها عن:
"الإصلاح الدستوري في مصر بين خياري التعديل والتغيير للدستور المصري 1971".
والتي يقدم من خلالها رؤيته الإصلاحية المرتكزة على ثلاثة محاور المحور:
الأول: الإصلاح الحزبي.
المحور الثاني: تشكيل المجلس الدستوري.
المحور الثالث: رؤية مقترحة لدستور جديد.
المحور الأول:
الإصلاح الحزبي
فلابد قبل عملية الإصلاح من وجود القوي السياسية التي تقوم بهذا الإصلاح أولاً.. ولكي يتم ذلك لابد من ترسيم الخارطة السياسية قبل كل شيء.. فلا يتم استبعاد أي من القوي السياسية من ممارسة حقه في العمل السياسي.. وفي هذا المجال يقترح الباحث الاكتفاء في الدستور بالنص علي التعددية الحزبية.. علي أن تترك كافة التفصيلات للقانون.. وعلي ذلك يقترح النص التالي في الدستور:
(يقوم النظام السياسي للدولة علي أساس الديمقراطية الإنسانية.. التي تحمي الوحدة الوطنية.. وترسخ التعددية الحزبية التي ينظمها القانون).
وهذا النص كاف - في وجهة نظره - في تقرير التعددية الحزبية.
وعلي ذلك فلابد من وضع قانون للأحزاب وقانون للانتخابات يتناسبان مع المرحلة الديمقراطية القادمة.. ولابد من إلغاء لجنة شئون الأحزاب والتي كانت تمثل لجنة للعزل السياسي لكافة القوي السياسية في الدولة.
وفي هذا الشأن أيضا يقترح مشهور في رؤيته أن يكون تشكيل الأحزاب السياسية بأحدي الطريقتين:
الأولي: وهي أن تقدم طلبات التأسيس للأحزاب إلي "المجلس الدستوري الأعلى" المنتخب الذي يقترحه كسلطة تأسيسية (وسيأتي ذكره).. والذي سيكون من وظائفه النظر في طلبات التأسيس والموافقة علي الأحزاب الجديدة بعد التأكد من قبول هذه الأحزاب للدستور الجديد والمشروعية الدستورية.. وابتعاد هذه الأحزاب عن الصبغة العسكرية أو شبه العسكرية.
وبالتالي يكون لهذا المجلس الدستوري المنتخب من الشعب أهم دور في ترتيب الحياة الحزبية.. واستبعاد أي حزب لا يعترف بالمشروعية الدستورية.. كذلك وضع شروط عددية وجغرافية مناسبة للموافقة علي أي حزب.. حتى لا يكون هناك عبث أو تلاعب بالحياة الحزبية.
وبعد ذلك فالحزب الذي يتم رفضه لأي سبب من الأسباب السابقة له أن يطعن علي ذلك أمام المحكمة الدستورية العليا.. وبالتالي نضمن استقرار الحياة الحزبية مع عدم الجور أو التعسف من المجلس الدستوري.. لأنه سيكون منتخباً من الشعب ويمثل السلطة التأسيسية في البلاد.. وسيكون هو الذي قد وضع الدستور.. ولا سلطان لأحد عليه.. هذه هي الطريقة الأولي التي يقترحها الباحث لقيام الأحزاب السياسية.. والتي يراها كفيلة بإنهاء حالة اللغط السياسي التي يثيرها البعض حول ما يسمي بالأحزاب الدينية أو الأحزاب ذات المرجعية الدينية.. وكل هذا لا وجود له في الواقع المصري.
إذ يكفي أن يعترف الحزب الجديد بالمشروعية الدستورية كشرط أساسي للموافقة عليه.. والدستور منصوص فيه علي مقومات الدولة وثوابتها المجمع عليها.. وكذلك الحقوق والحريات المقررة في الوثيقة الدستورية.. فلا يتنكر لها أحد.. وبعد ذلك فلا قيمة لأي دعوي حول مسميات لا وجود لها كالأحزاب الدينية.. وديكتاتورية الأغلبية وغيرها.
أما الطريقة الثانية: وهي تشكيل لجنة قضائية تتولي شئون الأحزاب.. وتقدم لها طلبات تأسيس الأحزاب.. وإذا لم تعترض في مدة محددة يكون الحزب قائماً بالفعل.. علي أن يتولي القضاء الإداري النظر في الطعون التي يتقدم بها الغير لإلغاء قرار الموافقة علي الحزب.
وأياً ما كان الأمر.. فإن كلتا الطريقتين تحققان ضماناً لحق الأفراد في تكوين الأحزاب بصورة ديمقراطية.
كذلك يرى الباحث أنه لابد من وجود نظام انتخابي عادل ودستوري ويضمن تشكيل كافة الأحزاب داخل البرلمان.. ونقترح بأن يكون الانتخاب بالتزاوج بين نظام القائمة النسبية والنظام الفردي.. وبنسبة متساوية حتى يحقق العدالة للأفراد ويدعم النظام الحزبي.
الهيئة التأسيسية لوضع الدستور (المجلس الدستوري)
ولعل أهم ما ورد في رسالة الباحث دعوته للتأني في عملية الإصلاح وعدم التعجل.. وذلك لأن الله تعالي قد أراد بهذه الأمة خيراً بقيام هذه الثورة المباركة.. التي قضت علي هذا النظام البائد.. وقد تهيأت كافة السبل للإصلاح الكامل.. وذلك بتوافر حالة الوعي السياسي والثقافي لكافة شرائح الشعب من النخب والعامة بما لم يتوافر من قبل.. وذلك مع التطور التكنولوجي في وسائل الاتصالات والمعلومات.. وكذلك التطور الهائل في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة.
كذلك في حالة التواصل وقبول الآخر والتوافق بين كافة الفصائل المصرية حول حتمية الحل الديمقراطي والرضا بنتائج الانتخابات سبيلاً لبناء مؤسسات الدولة الدستورية والتشريعية والتنفيذية والقضائية.
وعلي العموم فإن هذا المناخ المتاح هو أنسب مناخ للإصلاح.. وعلي ذلك يشدد الباحث على أن الإصلاح لابد وأن يكون هادئاً حتى نصل إلي أسمي درجة من درجات التقدم والمدنية،
ويؤكد الباحث على أن الإصلاح ـ تحت قرع الطبول وحالة التوتر التي يحاول البعض أن يصنعها ـ سوف يكون إصلاحاً منقوصاً ربما لا يستمر بضع سنين.. ولن يؤدي إلي الاستقرار السياسي ولا الدستوري المنشود.. فلا بد من تهيئة البيئة الملائمة للإصلاح.. وعدم إثارة المخاوف والوساوس من سيطرة الجيش المصري علي الحكم.. فهذه الأمور يراها مستبعدة.
والباحث يرى أن ذلك أسلم حتى لا يكون الإصلاح بالقطعة.. ولا يؤدى ذلك إلى أسلوب التجربة والخطأ في عملية الإصلاح السياسي والدستوري.. ولا كثرة الهدم والبناء في مجال النظم السياسية والدستورية.. لأن هذا كله يفسد المجتمعات ولا يصلحها..
لذا فإن الباحث يقترح بناء السلطة الدستورية التي هي أعلي سلطة في البلاد. وهي"المجلس الدستوري الأعلى".. والذي تتأتي أهميته من أنه كان كفيلاً بتجنيب الوطن كافة الأزمات الدستورية التي واجهته.. ومثال ذلك أزمة المشروعية.. والتي ظهرت بعد خلع الرئيس السابق.. فقد ترك زمام الحكم للمجلس الأعلى للقوات المسلحة.. فكان الجدل بين المصريين حول شرعية الرئيس المخلوع حتى يستخلف غيره.. إذ أن الرئيس السابق.. وقد انتهت شرعيته لا يصح أن يستخلف غيره .
كذلك ثار التساؤل حول سقوط دستور 1971هل سقط بالثورة.. أم بقرار المجلس العسكري.. وكان المنصوص في الدستور السابق في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية.. أن يتولي رئيس مجلس الشعب فإن لم يكن فرئيس المحكمة الدستورية العليا.. ولم يحدث ذلك.
ومن هنا فإن وجود المجلس الدستوري – كما يرى الباحث - كان بمثابة حل لهذه الإشكالية.. حيث كان سيتولى رئيس المجلس الدستوري رئاسة الدولة في حال خلو منصب الرئيس أو عجزه عن ممارسة وظيفته.. وكان هو الأجدر بالحكم من المجلس العسكري.
كذلك فإن المجلس الدستوري كان سيرسخ الشرعية الدستورية بدلاً من الشرعية الثورية.. حيث أن المخاوف كلها تتأتي من الشرعية الثورية التي لا معالم لها ولا حدود.. وهذا ما أثار حالة من الجدل حول الشرعية الثورية والشرعية الدستورية وما تقتضيه كل منهما.. ومن الذي يتولي حماية الشرعية الدستورية من الانقلاب عليها بعد صدور الدستور.. هل هو المجلس الأعلى للقوات المسلحة؟.. أم أن المجلس الدستوري الأعلى المنتخب من الشعب هو الجدير بحماية الشرعية الدستورية؟
كذلك في مسألة التشريع في الظروف الاستثنائية.. هل كان الأقدر عليها المجلس العسكري أم المجلس الدستوري الأعلى المنتخب من الشعب؟.. والمراسيم الصادرة عن المجلس العسكري.. وكذلك قراراته السياسية شاهد ودليل كما يرى الباحث.
وعن شكل المجلس الدستوري الأعلى فإن مقترح الرسالة أن يكون عدد أعضائه ثلاثين عضواً.. علي خلاف المجلس الدستوري الفرنسي.. وذلك لكثرة المهام التي يتولاها المجلس الدستوري المصري.. وخاصة عملية صياغة الدستور وتعديله عند الحاجة.. والقيام بدور الرقابة السابقة علي دستورية القوانين واللوائح.
ويرد الباحث على قول البعض بأن عملية وضع الدستور ربما تحتاج إلي المئات بأنه غير صحيح.. إذ أن ثلاثين من المتخصصين المنتخبين من الشعب قادرين علي إدراك مطالب الشعب وطموحاته وصياغة دستور علي أعلي المستويات.. ولا شك أن مجموعة الثلاثين هذه سوف تتواصل مع كافة شرائح المجتمع الدينية والثقافية والسياسية والاجتماعية من خلال الندوات والحوارات والتعاطي مع الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني وغيرها.
ويكمل الباحث مقترحه بأن يتم اختيار أعضاء المجلس بالانتخاب السري الحر المباشر.. وأن يتم اختيار رئيس المجلس الدستوري بالانتخاب من بين أعضائه.. وفي هذا الأمر إعمال لمبدأ سيادة الأمة وترسيخ للديمقراطية النيابية.. وفيه سمو علي المجلس الدستوري في فرنسا نفسه.. والذي يقول بتعيين المجلس الدستوري.
كما يقترح أن توضع شروط علمية وعمرية في أعضاء المجلس الدستوري.. فلابد أن يكونوا من الحاصلين علي أعلي المؤهلات القانونية.. وألا تقل أعمارهم عن خمسين عاماً علي الأقل.. وهذا بخلاف أعضاء البرلمان.. والذين يمكن أن تقل أعمارهم عن ذلك.
وأن يتم انتخاب أعضاء المجلس الدستوري الأعلى لمدة عشر سنين.. وذلك لتحقيق الاستقرار بعدم خلو البلاد من المجلس الدستوري.. وفي ذلك أيضاً سمو علي المجلس الدستوري الفرنسي الذي لا يضع أية شروط في أعضاء المجلس.. مما أثار الجدل حول المجلس الدستوري.. هل هو مجلس قانوني أم مجلس سياسي.. وكذلك عند قيام المجلس بممارسة دوره في الرقابة السابقة.. وهل هي رقابة سياسية أم رقابة قضائية؟
ولذلك فإن وضع شروط علمية بالحصول علي أعلي المؤهلات في القانون مع اختيار الشعب سوف تضفي درجة من الاطمئنان إلي سلامة الرقابة السابقة علي دستورية القوانين واللوائح.. وكذلك في القيام بدور التشريع في حالة غيبة البرلمان.. وكذلك في حالة الموافقة علي دستورية القرارات الرئاسية في الظروف الاستثنائية.. وكل ذلك يتطلب أعلي المؤهلات القانونية في أعضاء المجلس الدستوري الأعلى.
وعن دور المجلس الدستوري في عملية الرقابة السابقة علي القوانين.. فإن الباحث يقترح إقرار الرقابة السابقة علي اللوائح أيضا.. فبعد اقتراح مشروع القانون أو اللائحة ومناقشتهما في البرلمان من قبل اللجنة الدستورية يحال القانون أو اللائحة إلي المجلس الدستوري الأعلى.. فإذا أقرته الأغلبية وإلا أعيد إلي البرلمان مرة أخري لتعديل أو حذف المواد أو النصوص غير الدستورية.
وفي حالة صدور القانون أو اللائحة بعد إقرار المجلس الدستوري بدستوريته.. فإن هذا لا يعني عدم جواز الطعن عليهما بعدم الدستورية.. وذلك أمام المحكمة الدستورية العليا.
فالرقابة السابقة لا تلغي الرقابة القضائية اللاحقة.. وهذا ما حدث في فرنسا بعد تعديلات 2008..والتي أضافت إلي عمل المجلس الرقابة اللاحقة.. ويكون الوضع في مصر أحسن حالاً لوجود ثلاث درجات للرقابة:
أولهما رقابة اللجنة الدستورية في البرلمان.. والتي كانت فيما مضي تعمل وفق هوي الرئيس في تمرير مئات القوانين مطمئنة إلي أن تقضى المحكمة الدستورية العليا بعدم الدستورية بعد بضع سنين.. يكون النظام الديكتاتوري قد استخدم هذه القوانين أسوأ استخدام.
والرقابة الثانية هي الرقابة السابقة.. والتي يقوم بها المجلس الدستوري الأعلى وهو لا يقل في كفاءته عن المحكمة الدستورية العليا.. وحتماً لن يمرر أية قوانين أو لوائح غير دستورية.. وهو المنتخب من الشعب.. والذي يريد أن يحافظ علي الثقة الكبيرة التي أولاه الشعب إياها.
والرقابة الثالثة هي الرقابة اللاحقة.. والتي تقوم بها المحكمة الدستورية العليا.. وهي الرقابة القضائية من خلال الطعون المباشرة بعدم الدستورية أو الإحالة من الجهات القضائية المختلفة.. ولا شك أن في هذا سمواً علي الرقابة في فرنسا.
ويمكن أن يقوم المجلس الدستوري الأعلى بالإشراف علي انتخابات رئيس الجمهورية.. وفحص الطعون وإعلان نتائج الانتخابات.. وكذلك الفصل في صحة المنازعات المتعلقة بأعضاء البرلمان.. وبذلك ننهي حالة الجدل حول تنازع الاختصاص بين المحاكم في حالة الطعون علي نتائج الانتخابات سواء انتخابات الرئاسة أو البرلمان.
ويتضمن المقترح أن يقوم المجلس الدستوري بالحد من السلطات الاستثنائية لرئيس الجمهورية.. والتي كانت مقررة في المادة 74 من دستور 1971.. والتي كانت تنص علي أن (لرئيس الجمهورية إذا قام خطر يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها الدستوري أن يتخذ الإجراءات السريعة لمواجهة هذا الخطر.. ويوجه بياناً إلي الشعب.. ويجري الاستفتاء علي ما أتخذه من إجراءات خلال ستين يوماً من اتخاذها).
وهذه المادة تقليد للمادة 16 من الدستور الفرنسي 1958 مع الفارق في الضمانات.. ولو كانت هناك حاجة لمثل هذه المادة 74 فإن الباحث يقترح إلغاء المصطلحات الواسعة التي يمكن حملها علي أكثر من محمل مثل (خطر)، (الوحدة الوطنية)، (يعوق مؤسسات الدولة).
كذلك يقترح حصراً محدداً للظروف الاستثنائية يمكن القياس عليه.. مثل حالة الحرب أو الكوارث الطبيعية أو الانقلاب علي الشرعية.. وفي كل ذلك يكون الرجوع إلي رأي المجلس الدستوري وجوبياً.. ويمكن أن يكون النص هكذا:
(لرئيس الجمهورية في الظروف الاستثنائية كالحروب والكوارث الطبيعية وحالات الانقلاب علي الشرعية الدستورية.. وبعد موافقة المجلس الدستوري بالأغلبية أن يتخذ الإجراءات السريعة التي تحافظ علي سلامة الدولة.. ويكون ذلك لمدة محددة لا يتم تجديدها إلا بموافقة المجلس الدستوري وبالأغلبية).
وفي هذا ضمان أكثر من توجيه البيانات أو إجراء الاستفتاءات.. لأن الاستفتاء في الظروف الاستثنائية ليس بالأمر السهل اليسير.. بينما يمثل المجلس الدستوري المنتخب من الشعب ضماناً للحقوق والحريات.. وهكذا يتبين أهمية وجود هذا المجلس الدستوري في ضمان عدم إنفراد رئيس الجمهورية بأية سلطات استثنائية يمكن أن تجور علي حقوق الأفراد وحرياتهم.
وعن المهام المقترحة للمجلس الدستوري يطرح الباحث أن يتولي رئيس المجلس الدستوري الأعلى الحكم مؤقتاً في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية أو عجزه عن العمل.. علي أن يتولي إجراء الانتخابات الرئاسية في مدة لا تزيد عن شهرين.
دستور مقترح
آثر الباحث أن يختم رسالته بدستور مقترح يتكون من ثلاثة أبواب أساسية على النحو التالي:
الباب الأول:في مقومات الدولة المصرية:
وذلك في ثلاثة فصول:
الفصل الأول: المقومات الدينية والسياسية للدولة.
الفصل الثاني: المقومات الاقتصادية للدولة والمجتمع.
الفصل الثالث: المقومات الاجتماعية للدولة والمجتمع.
الباب الثاني: في نظام الحكم والسلطات العامة:
وذلك في خمسة فصول:
الفصل الأول: رئيس الجمهورية.
الفصل الثاني: في السلطة التنفيذية.
الفصل الثالث: في السلطة الدستورية.
الفصل الرابع: في السلطة التشريعية.
الفصل الخامس: في السلطة القضائية.
الباب الثالث: في الحريات والحقوق والواجبات العامة:
وذلك في فصلين:
الفصل الأول: في الحريات والحقوق العامة.
الفصل الثاني: في الواجبات العامة.
وبنظر للباب الثاني والذي قسمه إلى خمسة فصول جامعة.. وذلك بإضافة الفصل الخاص بالسلطة الدستورية.. والتي يعتبرها ضرورة سياسية ودستورية في بلد مثل مصر.. وخاصة بعد التطورات التي شهدتها الحياة السياسية في العقود الماضية.. وذلك علي مستوي الحركة الوطنية التي شهدت الكثير من الانقسامات الأيديولوجية والإستقطابات.. والتي وصلت في بعض الأحيان إلي صراعات مقيتة بين التيارات الليبرالية والتيارات الإسلامية.. حتى إن هذه القوي الوطنية بدأت تتبني من الأنظمة السياسية والدستورية ما يوافق مصالحها الواقعية.
فالتيار الذي يطمئن إلي الأكثرية في البرلمان يسعي إلي تأييد النظم البرلمانية التي تعطي البرلمان كافة الصلاحيات في تشكيل الحكومة.. وتقلص من صلاحيات رئيس الجمهورية.. بينما تسعي التيارات الليبرالية إلي تأييد النظام الرئاسي الذي يمكن رئيس الجمهورية من تشكيل الحكومة.
ومن هذا المنطلق كان لزاماً للتقريب بين القوي الوطنية والبعد عن الأزمات السياسية والدستورية التي قد تحدث مستقبلاً بين الحكومة والبرلمان.. والتي يمكن أن تهدد الاستقرار الدستوري.. كان لزاماً إنشاء سلطة دستورية متمثلة في المجلس الدستوري الأعلى تكون وظيفتها الأولي وضع الدستور وتعديله إذا اقتضي الأمر.. وكذلك الحد من سلطات رئيس الجمهورية.. والتي أدت في الماضي إلي ضياع الحقوق والحريات العامة للمواطنين.
وكذلك يكون هذا المجلس هو حامي المشروعية الدستورية للبلاد.. ولذا بينا في الفصل الثالث حقيقة هذا المجلس الدستوري والدور المنوط به.
وقد أفرد الباحث فصلاً لرئيس الجمهورية بصفته رئيساً للدولة وحكماً بين السلطات.. وفصلاً آخر لرئيس الجمهورية بصفته رئيساً للسلطة التنفيذية.. وأوصى فيه بتقليص السلطات التي منحها دستور 1971 لرئيس الجمهورية.
وفي الفصل الخاص بالسلطة التشريعية أوصي بحذف المواد التي يمكن أن ينظمها القانون.. وأبقي علي المواد التي تبين الدور الرئيسي للسلطة التشريعية.. والفصل بينها وبين السلطة التنفيذية.. وكيفية إنهاء النزاع بين السلطتين ودور المجلس الدستوري الأعلى في ذلك.
وفي الفصل الخاص بالسلطة القضائية أقترح ضم العديد من الفصول بعضها إلي بعض.. وبيان أهم المبادئ التي ترسخ استقلال القضاء.
كما استبعد كافة المواد الخاصة بالمدعي العام الاشتراكي.. وكذلك المواد الخاصة بمجلس الشورى لعدم أهميته في النظام الدستوري الجديد.. وكذلك المواد الخاصة بالمجالس القومية المتخصصة.. والتي يقوم بدورها المراكز البحثية والعلمية والجامعات المصرية.
الثورة عززت الرؤية الإصلاحية
وفى تصريحات خاصة قال الباحث/ حمزة مشهور صاحب الرسالة:
إن اندلاع ثورة 25 يناير حول رؤيتي وحلمي في الإصلاح الدستوري إلى حقيقة واقعية نقف على بعد خطوات من تحقيقها.. فقد بدأت العمل في هذه الرسالة عام 2003.. وكنت لا أزال رهن الاعتقال.. حيث تعرضت للاعتقال لسنوات طويلة في عهد المخلوع نظرا لانتمائي إلى الجماعة الإسلامية.. وحينها بدا لي ما أكتبه وما أخطه من رؤية إصلاحية حلما صعب المنال في ظل حاكم كان يجمع في يديه كل السلطات وحول مصر إلى ما يشبه الخاصة الملكية له ولأسرته.. ولن يسمح بأي إصلاح ينتقص من سلطاته أو يقف كعقبة في وجه التوريث لنجله.
ولكنى استعنت بالله ومضيت قدما في رسم رؤيتي الإصلاحية الدستورية لنيل رسالة الدكتوراه.. حتى قامت الثورة المصرية العظيمة.. فحمدت الله أن حلمي بات قاب قوسين أو أدنى للتحقق .
وعن الجهد الذي قام به من أجل إيصال رؤيته لمجلس الشعب قبل البدء في اتخاذ قراره النهائي في شأن الدستور والهيئة التأسيسية.. خاصة وأن رئيس المجلس أعلن فتح الباب لتلقى المقترحات.. أكد لنا أنه بالفعل بادر بمخاطبة د/ سعد الكتاتني وأرسل له رسالة (أطلعنا عليها) تحوى الخطوط الرئيسية لرؤيته الإصلاحية.. كما أرفق معها نسخة كاملة من الرسالة العلمية.
وختم حديثه بأنه يأمل بأن يتم النظر إلى هذه الرؤية نظرة اهتمام.. لأنها نتاج سنوات طويلة من البحث العلمي الشاق.. كما أنه توخي فيها التجرد والمصلحة العامة كما يقول.. دون النظر إلى أي تحيزات حزبية أو فكرية.
http://www.egyig.com/Public/articles/mobadra/14/31264825.shtml