المفكرة
24-03-2012, 09:39 AM
المقالة التالية من مجلة المختار الأمريكية عدد مارس 2001
نادوا دكتور كارسون
أمه لم تكن تقرأ ، لكنها عرفت أن الكتب ستأخذه في أنحاء العالم
في عام 1963 كنت في الصف الخامس الإبتدائي و كانت درجاتي بائسة . الأمر أنني لم أعي كفاية لأبالي بالدرجات الدراسية.
رحل والدي عن البيت منذ زمن بعيد . و كنت أقيم ، أنا و أخي الأكبر كيرتس مع والدتي في بيت متداعي في حي فقير بمدينة ديترويت الأمريكية. كنا فقراء ، لكن أمي وفرت لنا الطعام لأنها كانت تعمل في ثلاث وظائف مختلفة بتنظيف البيوت . لكنني و أخي كنا صغارا و لم نعي شقاءها لتوفير احتياجاتنا الضرورية.
كانت حياتنا عبارة عن العودة من المدرسة للعب كرة القدم أو السلة ثم مشاهدة التلفزيون في منزلنا. لم يلزمنا دليل لبرامج التلفاز لأنني و أخي كنا نحفظها عن ظهر قلب لكثرة ما شاهدناها لساعات متواصلة.
ذات يوم ، غيرت أمي حياتنا للأبد حين أغلقت التلفاز . دفعها لذلك درجاتي المدرسية السيئة. رغم أن أمي لم تكمل تعليمها لأبعد من الصف الثالث الإبتدائي إلا أنها كانت نبيهة و ذات فهم عميق كما أنها لاحظت شيئا هاما في البيوت التي كانت تنظفها في الضواحي الأكثر غنى و هو الكتب. لذلك أغلقت أمي التلفاز و أخبرتنا أن ابنيها سينجحان في الحياة. ثم أمرتنا أن يقرأ كل منا كتابين كل أسبوع و أن نكتب تقريرا عن الكتب التي قرأناها.
تضايقنا و تذمرنا كثيرا و اشتكينا أننا لا نملك كتبا. لكنها أشارت للمكتبة العامة و قادتنا إلى هناك. في المكتبة اخترت كتابا عن حيوان القندس الذي يبني سدودا في المجاري المائية. كان الكتاب ممتعا فشعرت أنني صرت جزءا من عالمه. التلفاز لم يمنحني هذا الإحساس من قبل. كلمات الكتاب أخذتني من مكاني إلى نهر بارد أتابع حيوانات تبني بيتها و رسمت صورا لذلك كله في مخيلتي و التلفاز لا يفعل ذلك.
بعد قليل صرت أتطلع للذهاب للمكتبة العامة و قراءة الكتب المختلفة. اكتشفت عالم الدينوصورات و الفرق بين الزواحف و الثدييات . كما اكتشفت أنني أحب القراءة و أنني اكتسب معلومات كثيرة من الكلمة المقروءة أكثر مما اكتسبه من الصور و الأصوات في التلفاز.
انتقلت من الحيوانات إلى النباتات . و بعدها طالعت كتب الجيولوجيا عن الصخور. ثم ملأت صندوقا بالصخور المختلفة و كنت أقارنها بما عرفته من الكتاب كي أتعرف على أسمائها و أنواعها.
بين دفتي كل كتاب عالم فريد شغلني و ملأني علما و فهما . هذا ما لاحظه أساتذني بالمدرسة و امتدحوني لأجله.
بعد زمن ، لانت أمي لنا و أذنت بمشاهدة التلفاز لساعات قليلة كل أسبوع ، حينها أيضا أدركنا أن أمنا كانت أمية و لم يكن بوسعها قراءة تلك التقارير التي كتبناها عن الكتب. بعد زمن أكملت أمي تعليمها و حصلت على شهادة الثانوية العامة.
أخي كرتيس صار مهندسًا. أما أنا فأرأس قسم جراحة الأعصاب للأطفال في مستشفى جون هوبكنز في بالتيمور بالولايات المتحدة.
بعض الأحيان لا أصدق رحلة حياتي حين أستعرضها في عقلي ، من طالب خائب و غير مبالي إلى طالب يحظى بمنحة دراسية من جامعة يال الأمريكية لتفوقه في الثانوية العامة ، إلى جامعة ميشيغين لدراسة الطب إلى هذا المنصب الذي جعلني أسافر في أنحاء العالم كي أحاضر و أجري العلمليات الحرجة.
لكنني أعرف متى بدأت تلك الرحلة ، إنه اليوم الذي أغلقت فيه أمي التلفاز و قادتنا إلى المكتبة العامة.
المفكرة
24-03-2012, 02:03 PM
العزف من القلب
بقلم بول إيرفين
صنعت أول بيان قيثاري (آلة موسيقية تشبه البيانو لكنها أصغر)عندما كنت في الثالثة و العشرين من عمري ، وقتها كنت في الجامعة و أعجبتني فتاة كانت تعزف البيان القيثاري فقررت أن أشتري لها واحدة كهدية لكن ثمنه كان أكثر مما أستطيع دفعه لذلك اشتريت عدة بها البيان مقطعا و معه طريقة للتركيب ، اشتريت تلك العدة بخمسمائة دولار ، مبلغا كان كبيرا وقتها (عام 1970) لكنه أقل كثيرا من ثمن الآلة الجاهزة.
و لأن عقلي يستطيع تصور آلية حركة الأجهزة فإنني تمكنت من تركيب تلك الآلة بنجاح ، بينما فشلت في كسب ود تلك الفتاة.
بعد التخرج عملت مدرسا في مدرسة لكن شغفي الحقيقي كان فنون القتال و بالذات التايكوندو و كنت أقضي وقت فراغي في التدرب عليه.
حينها التقيت إمرأة أعجبتني و أخبرتني أنها تحب العزف على البيان القيثاري. فاشتريت عدة أخرى كي أصنع لها واحدا . تلك المرة كانت العدة عبارة عن قطع خشبية تالفة و تعليمات التركيب غير متقنة. اتصلت بمدير الشركة أخبره أن العدة التي اشتريتها لا تصلح فأخبرني الرجل أنني أبالغ في انفعالي و أغلق الخط في وجهي . لكنني كنت في حالة حب و أردت أن أصنع لخطيبتي آلة فقررت أن أصمم واحدة بنفسي.
بالفعل نجحت في صناعة البيان و تزوجت المرأة. بعد أن سألني عدة أشخاص كم يتكلف صنع آلة كتلك بدأت أفكر في كسب مورد رزق بصناعة البيان القيثاري .
في الأعوام الثمانية التي تلت ذلك صنعت 25 آلة و صارت سمعتي طيبة في هذا المجال. حين بدأت في صنع الآلة السادسة و الشعرين تغيرت حياتي.
كنت قد تقدمت في التايكوندو و كلما تدربت أكثر كلما تحسنت و قد اكتسبت أحد مبادئه العميقة و هي أن يكون لك منظور أبعد من اللحظة الراهنة ، استوعبْ الفكرة العامة و عندها تصغر التفاصيل الضيئلة و تأخذ سياقها الملائم.
حين يتقدم المرء في التايكوندو ، بوسعه أن يقف أمام عدة مهاجمين و يصدهم لأنه يستجيب للصورة الأكبر و ليس للأشخاص كل على انفراد. لو أنه التفت لكل ضربة بمفردها و حاول اتقانها لما تصدى لمهاجميه. عليه أن يعتمد على السنين المطولة التي تدرب فيها كي يكتسب هذا الحس المجرد العالي.
طرأ ببالي أن الطريقة التي أصنع بها آلاتي طريقة مصطنعة لأن اهتمامي منصب على كل اتقان كل التفاصيل الصغيرة و التأكد من القياسات بدقة . لكنني قررت أن أثق بحسي و السنين الطويلة التي أكسبتني الخبرة في صناعة تلك الآلات.
الآلة رقم 26 كانت مختلفة ، صوتها دافىء ، نابض بالحياة و حر و هذا ما لم يشعرك به العزف على الآلات السابقة. بعدها صرت أثق باحساسي و أصنع آلاتي بقدر من الحرية الذي يجعلها تغني بانطلاق. آلاتي أكثر من مجموع أجزائها
لازلت أصنع تلك الآلات في حجرة في بيتي و لازلت أمارس التايكوندو لأنه يساعدني على فهم الصورة الكبيرة و بالتالي يجعل آلاتي تغني بشكل أفضل.
قمرمنير
06-04-2012, 06:38 PM
شكرا وبارك الله فيك
احترامى وتقديرى
المفكرة
08-04-2012, 08:21 PM
الإخوة و الأخوات الكرام الذين مروا بمقالي فمنحهم الوقت تعليقا و من لم يمنحهم ، جزاكم الله خيرا و وفقكم لما يحب و يرضى.
المفكرة
09-04-2012, 10:36 PM
نقطة تحول
مكالمة سام الهاتفية التي أيقظتني (بقلم روبرت ريك)
بالنسبة لابني الأصغر ، كانت لي وظيفة أهم من وظيفة وزير العمل
منذ عدة سنوات واجهتني مشكلة ، كنت لا أطيق صبرا كي أصل إلى عملي صباحًا و أتركه راغمًا في المساء . لم أرغب في وظيفة كما رغبت في وظيفتي تلك ، أن أكون وزيرا للعمل في مجلس الوزراء. في تلك الوظيفة ، شعرت أنني لا أكتفي منها .
بالطبع ، انكمشت بقية حياتي مثل حبة زبيب جافة . فقدت صلتي بأصدقائي القدامى و لم أعد أرى زوجتي و ولدي آدم 15 عامًا و سام 12 عامًأ آنذاك إلا قليلاً.
كل ليلة ، كان الولدان ينتظرانني و لا ينامان حتى أصل البيت و أجلس معهما ، لكنني هذه الليلة كما في ليالي كثيرة سابقة ، اتصلت أخبرهما أن يناما لأنني سأتأخر في المكتب.
حسنًا ، قال سام ، هل بإمكانك أن توقظني متى ما أتيت ؟
_ سيكون ذلك متأخرًا جدًا بعد نومك بكثير من الأفضل أن ألقاك في الصباح.
استمع سام ثم أصر أن أوقظه متى ما أتيت ليراني و يتحدث إلي.
أمر ما أصابني من جراء تلك المكالمة . لا أدري ما هو لكنني أدركت لحظتها أن عملي يمتص معظم وقتي و أن علي أن أتركه.
بعد أن أعلنت على الملأ أنني سأترك منصبي كوزير و قدمت استقالتي ، اتصل بي مواطنون عاديون ، معظمهم تعاطف معي ، لكن قلة لم تفعل.
بعضهم كتب يخبرني أن النساء اللواتي يحاولن أن يحتفظن بوظيفة مرهقة مع تربية أسرهن يتعرضن للنقد لأنهن يضحين بالكثير كي ينجحن و ها أنذا أخبر الجميع باستقالتي أن التوازن بين وظيفة تحتاج التفرغ و تربية العائلة ، أمر غير ممكن . آخرون أخبروني أن بوسعي أن أجد وظيفة ذات دخل طيب و تسمح لي بالتواجد مع أولادي و عائلتي ، لكنهم لا يملكون ذلك الاختيار مع وظائفهم . و أن استقالتي أرسلت رسالة خاطئة لمن هم مضطرون للعمل في وظائف تتطلب وقتًا طويلا يشغلهم عن عوائلهم.
كان علي أن أتوقع أن ترسل استقالتي العديد من الرسائل الرمزية و أن يكون لها ثقل عند الناس فقد كنت وزير العمل . لكنني لم أنوي باستقالتي أن أبعث برسالة للناس أخبرهم فيها كيف يحيون حياتهم .
كان طلب ابني سام البسيط هو المكالمة التي أيقظتني كي أحيا حياتي بالطريقة التي تناسبني.
لكن اختياري أثار المتاعب لأن العديدين يفشلون في موازنة العمل و الحياة الأسرية.
هذه الأيام ، يجني الأمريكي أكثر مما كان والده يكسبه ، لكن ذوي الدخول المتوسطة يعملون عدد ساعات أكثر من الجيل السابق. عدة ساعات العمل الزائدة مجموعها يكافىء شهرين من العمل لكل عام.
لم ذلك؟ بعض السبب يكمن في التقنيات الحديثة مثل الهاتف المحمول و الإنترنت التي تيسر على الأفراد الولوج لأعمالهم متى ما شاءوا مما يغري الكثيرين بالعمل لساعات أطول.
لكن الاقتصاد أيضًا تحول من الانتاج بكيات كبيرة على نحو ثابت إلى الابتكار المستمر. لكي تستمر في التجديد ، تربط الشركات مرتب العاملين لديها بالأرباح .
ما يكسبه الموظفون يعتمد على العلاوات و حصص الأسهم و الأجور الإضافية . و تلك الزيادة قابلة للنقص أو التلاشي. ليدفع الناس فواتيرهم فإنهم يندفعون للعمل بأقصى طاقتهم عندما تتوافر الفرصة.
صديق لي يعمل أربعة عشر ساعة في يوم العمل رغم أنه غير مرغم على ذلك. و لأنه أنجب ابنا فإنه حريص على وظيفته و لأن الشركة تقرن راتبه بأرباح الشركة فإنه يستغل تلك الفرصة ليجمع مالا ما دامت الفرصة قائمة.
هذا الوضع يتكرر مع كثيرين ، يتنازلون عن أجازاتهم مع العائلة للعمل ساعات أطول مهما يكن دخلهم عالي . يشعرون أن عليهم مواصلة العمل و أنهم لو توقفوا و أخذوا أجازاتهم فإنهم سيتوقفون بشكل دائم لذلك يستمرون بأقصى اندفاعهم في العمل.
واجهني عين الإغراء بعد أن تركت عملي ، كان ابني سام على وشك أن يبدأ سباقًا في المدرسة و عزمت أن لا أفوته . عندها عُرضت علي وظيفة في مشروع كبير . كان الأجر كريمًا و لكن كان يتعين علي أن أبدأ في نفس يوم السباق.
رفضت المشروع و كان ابني مسرورا أنني لم أفوت السباق ، فاز سام في ذلك السباق. كانت ابتسامته كبيرة و أحب أن أنسب لحضوري الفضل في فوزه و أخبر نفسي أن وجودي جعله يبذل جهدًا أعلى و أنني ساهمت في نجاح ابني.
أود لو أخبركم أنني لم أندم على الفرصة التي فوتتها ، لكن الندم على تفويت تلك الفرصة عاودني يوم السباق حتى رأيت وجه ابني المشرق و هو يعبر خط النهاية. استحق المشهد الثمن الذي دفعته فيه.
المفكرة
13-04-2012, 09:09 PM
حياتي (بقلم فرانك مكورت) (عدد نوفمبر 1999من مجلة Reader’s digest)
هذا الكاتب الناجح عانى في أول حياته كمدرس ثم فتح باب خزانة.
في صيف عام 1957 أنهيت دراستي الجامعية و في الخريف اجتزت الامتحان لأحظى بشهادة لتدريس اللغة الإنجليزية في المدارس الثانوية.
في الصحيفة اليومية صفحة بها إعلانات عن وظائف خالية للمدرسين. معظم الأماكن الشاغرة في مدارس مهنية ، و قد حذرني أصدقائي من تلك المدارس ، قالوا لي : لا تقرب تلك المدارس فالطلبة هناك قتلة ، سيمضغونك ثم يتفلونك!
أردت العمل في أحد مدارس الضواحي الغنية حيث الأولاد يبتسمون بفرح و بهجة و تخيلت نفسي أقرأ لهم كتب الأدب الإنجليزي القديم فيعجبون بإلقائي . و عندما ينجح الطلاب و الطالبات فإن آباءهم سيدعونني للعشاء في أفضل البيوت!
في المدارس التي تقدمت للعمل بها ، أخبروني أنني ذكي و متحمس لكن لكنتي الأيرلندية تحول بيني و بين الوظيفة. لم يوظفني أحد و انتهى بي الأمر بالعمل في وظائف أخرى.
في منتصف شهر مارس من عام 1958 وجدت إعلانًا في جريدة يطلب مدرسًا للغة الإنجليزية في مدرسة مهنية و ذهبت للتقدم لها. مساعد الناظر فحص رخصة التدريس ثم أخذني لرؤية الناظر الذي لم يتحرك من كرسيه و نفث دخان سيجارته في وجهي و أخبرني أن مدرس اللغة الإنجليزية تقاعد في منتصف الفصل الدراسي لذلك تعين مدرس بديل له لحل ذلك الأمر الطارىء. كما أخبرني أنه لا يمتلك منصبًا لمدرس يدرس اللغة الإنجليزية فقط لذلك يتعين علي أن أدرس الطلاب مادة الدراسات الاِجتماعية أيضًا.
_ لكنني لا أعرف أي شيء عن منهج الدراسات الاِجتماعية .
نفث دخان سيجارته ثم قال: لا تقلق لهذا الشأن . ثم ناولني كتاب (عالمك و أنت ) عن الاقتصاد الاجتماعي و ابتسم خلال الدخان قائلا: (عالمك و أنت ) سيغطي كل الأشياء.
أخبرته أنني لا أعرف شيء عن المواطنة أو الاقتصاد فقال لي: اقرأ عدة صفحات مقدمًا عن الطلاب و عندها يصبح كل ما تخبرهم به أخبارًا هامة.
علي أن أنسى الضواحي الغنية ، أمامي الآن كتاب (عالمك و أنت ) ليساعدني في يومي الأول في مهنة التدريس. تصفحت تاريخ الولايات المتحدة من وجهة نظر اقتصادية. فصول الكتاب عن الحكومة الأمريكية و نظام البنوك ، كيف تقرأ تقارير سوق البورصة و كيف تضبط موازنة المنزل و كيف تحصل على قرض و رهن عقار. ينتهي كل فصل من الكتاب بالحقائق و الأسئلة للمناقشة.
لا أدري كيف سأقف أمام المراهقين و أخبرهم حقائق الاقتصاد بينما أنا مدين بالمال للعديد من الأشخاص من أماكن مختلفة!
أخبرني الناظر أن تلك فرصتي الذهبية لأدخل عالم التدريس و أبدأ مهنتي به. سأحب الأولاد و يحبوني لأنني قريب من سنهم.
بالطبع وافقت ، سأكون في المدرسة اليوم التالي.
في يومي الأول بالمدرسة ، تدافع الطلاب حولي و كانوا يتحركون و هم يدفعون بعضهم البعض. الآ يدرون أنني مدرس ؟ ألا يرون كتاب (عالمك و أنت ) معي؟
توقعت أن يتوقفوا عن سوء التصرف و إلقاء الأشياء حين أدخل الفصل و أضع كتبي على مكتب المدرس. لم يفعلوا و لم أدرِ ماذا أفعل إلى أن خرجت من فمي أول كلماتي كمدرس ، ألا و هي : (توقفوا عن إلقاء الشطائر و الأطعمة!).
جلسوا في أماكنهم و صاروا يتهامسون ، ينظرون إلي ثم يتهامسون و يضحكون.
ماذا أفعل في أول مرة أدرس فيها و طلابي يلقون الشطائر و الطعام على بعضهم و أحدهم يميل من النافذة و يتحدث مع آخر في فناء الفصل؟ لا يريدون أن يقرأوا أو يكتبوا.
قال لي الطلاب : كل المدرسين السابقين طلبوا منا أن نكتب أشياء مملة مثل ماذا فعلنا في الصيف أو قصة حياتنا. منذ الأول الإبتدائي و نحن نكتب قصة حياتنا ثم يعطينا المدرسون درجات و هذا أمر ممل.
حين حان موعد الامتحان ، ساد الصمت القاعة و شعرت بنظرات الجمود تملأ أعين طلابي. بينما كنت أراقب عليهم ، أخذت استكشف خزانة كتب قديمة في خلفية الفصل لأجدها ممتلئة بالكتب و الصحف القديمة ومئات الأوراق مكتوب بها مواضيع الإنشاء التي لم يتم تصحيحها و يعود تاريخها للعام 1942.
كنت على وشك التخلص منها جميعًا في سلة المهملات لكنني بدأت بقراءة إحداها.
الأولاد وقتها (1942) كانوا يودون القتال للانتقام من مقتل إخوتهم و آبائهم في الحرب العالمية الثانية.
كتب أحدهم : (لا أريد خوض الحرب كي لا أقتل إيطاليًا فأنا أمريكي من أصل إيطالي ، من أقتلهم قد يكونون أبناء عمومة).
الفتيات كتبن يعبرن عن مشاعرهن أثناء الانتظار. إحداهن كتبت : أنتظر جوي لأتزوجه و ننتقل إلى جرسي بعيدًا عن أمه.
جمعت تلك المقالات و وضعتها على مكتبي ثم بدأت أقرأها في الأسابيع التالية في الفصل على الطلاب. عرفوا أسماء كاتبي المقالات من أقربائهم . أثناء القراءة تعرف طالب على قصة أبيه و قال: هذا والدي و قد قتل في الحرب. أثناء قراءة قصة أخرى ، قال طالب: هذا عمي و قد قتل في حرب أخرى.
كانت القصص عن عائلات كثيرة من هذا الحي. كانت المقالات مكتوبة على أوراق متداعية فخشينا أن تتفتت بين أيدينا أثناء القراءة. أردنا الحفاظ على مئات القصص فقررنا أن نكتب تلك القصص للحفاظ على التاريخ القريب لتلك العائلات . لم يعترض أحد. كل استخدم قلمه لنقل تلك المقالات لورق جديد و استغرق ذلك بقية الفصل الدراسي.
كانت الدموع تتخلل الكتابة و أحيانًا ما انفجرت المشاعر و سمعنا كلمات مثل : هذا والدي عندما كان في الخامسة عشر، أو تلك عمتي و قد ماتت و هي تلد طفلها.
فجأة اهتموا بمقالات عنوانها حياتي لأنها مثلت تاريخ أقربائهم. وددت لو أقول لهم : ما رأيكم لو كتبتم قصص حياتكم للجيل القادم ؟ لكنني تركت الموقف يمر بلا تعليق لأنني لم أرغب في قطع حبل الصمت الذي يعم الفصل. صمت أحضر الناظر يتفقد الأمر ثم تركنا و شأننا حين رآهم منهمكين في الكتابة.
في الصيف أعطيت جميع الطلاب درجات تؤهلهم للنجاح و شعرت بالامتنان للمقالات التي جعلتني أبقى على قيد الوظيفة في الأشهر الأولى من عملي كمدرس.
* Dr.Nour *
13-04-2012, 10:07 PM
موضوع رائع فعلاً
جزاكِ الله كل خير .
المفكرة
18-04-2012, 07:27 PM
المقايضة
غيرت أمي آراءها عن عمل المرأة و انتهى بي الأمر أدير دفة إي باي (أكبر موقع الكتروني للمقايضة على النت)
أثناء نموي في ستينات و سبعينات القرن العشرين كان لوالداي وجهة نظر فقد ربياني لأكون زوجة و ربة منزل لا غير. المهنة أمر لا تحتاجه المرأة إلا لو وقع مكروه لزوجها أو توفى.
لم تكن تلك الأيام بعيدة ، لكن الأفكار كانت مغايرة تماما لما هي عليه الآن.
لم تكن أمي زوجة تقليدية تماما ، حقا كان عملها رعايتنا في المنزل لكنها كانت تملك لمحة من المغامرة بين جنبات نفسها.
ذات صيف و عندما كنت في السادسة من عمري أخذتنا أمي أنا و إخوتي في رحلة عبر الولايات المتحدة و اصطحبت معها صديقة لها و أبناءها الخمسة و انطلقت المرأتان بثمانية أطفال لم يبلغوا الحلم بعد في مقطورة التخييم تاركين الأزواج في أعمالهم.
في العام التالي ذهبت نفس المجموعة السابقة في رحلة إلى آلاسكا لمدة شهرين.
عام 1973 و بينما كنت في المدرسة الثانوية أتيحت لأمي فرصة السفر إلى الصين. كان ذلك أول وفد أمريكي يسمح له رسميا أن يذهب إلى الصين الشيوعية بعد أن أذن الرئيس نيكسون لفريق كرة البينج بونغ بالذهاب في عام 1971.
تكون الوفد من اثني عشر امرأة و كانت أمي إحداهن و أمضين شهرا في الصين في تصوير فيلم وثائقي عن المرأة الصينية بعد الثورة الشيوعية.
كانت نظرة الصين لعمل المرأة أكثر تقدما و قد نسب للزعيم ماو قوله أن المرأة تمسك نصف السماء.
كانت الفرص و المسئوليات المتاحة للمرأة مساوية لتلك المتاحة للرجل في المجتمع الصيني للعمل في المصانع و المزارع حيث لم يميز المجتمع الشيوعي بين المرأة و الرجل و لازال الحال كذلك و هو ما لمسته عندما زرت الصين مؤخرا ثلاث مرات خلال العام الماضي بهدف الترويج للشركة التي أديرها. نصف شخصيات الحزب الهامة التي قابلتها كن نساء.
عادت أمي من الصين بأراء مغايرة عما تقدر النساء على فعله. أخبرتني أمي أن بوسعي أن أفعل ما أرغب فيه و أقدر عليه بالإضافة لكوني زوجة و أم. أمي وقتها كانت أكثر النساء تأثيرا في حياتي و لكلماتها تأثير قوي في نفسي.
بعد عودة أمي من الصين ، دعت فريق العمل الذي ذهبت معه إلى الصين للعشاء في منزلنا. و قد تحدثتُ مع نساء كن الأوائل في صناعة الأفلام الوثائقية ، تصويرا و إخراجا و خرجت بفكرة بشأن عمل المرأة : على المرأة العاملة أن تؤدي وظيفتها باتقان.
بعد ذلك تقدمت لكلية إدارة الأعمال في هارفرد و اجتزتها و تقدمت في عملي و لم أعتبر كوني إمرأة عقبة أمام النجاح في العمل رغم أنني مقتنعة أن كوني أم و زوجة وظيفة رائعة فأنا لي زوج و ابنين مراهقين و أحيانًا أتمنى أنهما عملي الوحيد.
بعد أن تخرجت من الكلية اتخذت أمي وظيفة ألا و هي الصين فقادت جولات سياحية إلى الصين 85 مرة!
و قد شجعتني أن يكون لشركتي دور في الصين.
و قد زرت الصين معها حين فازت الشركة التي أديرها بعقد مع شركة للمقايضة على الإنترنت في الصين.
حضر الاحتفال الشباب من موظفي الشركة ثم أطلت أمي ذات الاثنين و الثمانين خريفا. كانت لحظة بارزة كما لو أن حلقة الأمور اكتملت بتواجد شركتي هنا في الصين ، ما علمتني إياه أمي : أن الامكانيات متاحة بوفرة.
المفكرة
27-05-2012, 07:43 PM
من مجلة المختار الأمريكية عدد يناير 2001
اليوم الذي رسبت فيه في كلية الحقوق (بقلم شرمان فاينسلفر)
هذا القاضي الفيدرالي رأى الفشل ذات مرة
أدرك والدي أن أمرًا ما يسؤوني حين رآني جالسًا على شرفة المنزل . أخبرته أن عميد كلية الحقوق في جامعة كولورادو قرر أن يفصلني من الكلية لأن درجاتي ضعيفة.
أنصت والدي بهدوء ثم اتصل بالعميد لكن ذلك لم يغير قرار الرجل الذي أخبر والدي أنني شاب طيب لكنني لن أصبح محاميًا و حثني على أن أجد مجال عمل آخر و أن استمر بالعمل بالمحل الذي كنت أعمل به في عطلة نهاية الإسبوع.
حتى الآن لازلت مستاء مما حدث. فأنا لم أفشل قبل ذلك في أي أمر هام من أمور حياتي.في المدرسة الثانوية كنت لاعب كرة قدم جيد مما أتاح لي القبول في تلك الكلية المرموقة . بعد قبولي في كلية الحقوق لم أجهد نفسي بالدراسة.
والدي لم يتعلم أبعد من الصف السادس الإبتدائي و قد عمل موظفًا ببريد السكك الحديدية أربعين عامًا. لكنه أحب التعليم و كان يدرك كم أود أن أصبح محاميًا لذلك اقترح علي أن أتطلع لكلية حقوق وستمنستر حيث تعقد الفصول مساءًا.
كانت نصيحة والدي عملية و مفيدة و كانت أيضًا جارحة. كلية كولورادو التي كنت بها كانت مثل تاج محل و التخرج منها يفتح أبواب شركات المحاماة الكبرى. أما كلية وستمنستر فكانت كلية الفقراء ليس بها أساتذة مرموقون أو فرص عظيمة.
تصورت نفسي في كلية وستمنستر بعد أن كنت في كولورادو فشعرت بمرارة. في الحقيقة ، اهتزت ثقتي بنفسي بشدة ، لعلي لا أصلح لدراسة الحقوق . لكنني في النهاية ذهبت لمقابلة عميد كلية حقوق وستمنستر.
رفع الرجل رأسه من تقرير درجاتي ثم قال لي : الشيء الوحيد الذي أجدته في جامعة كولورادو هو نادي الطلاب و اللغة الإسبانية و لكنك رسبت في مواد الحقوق.
معه حق ، فالمذاكرة المتقطعة و عدم الاهتمام تسببا في رسوبي. سمح لي العميد بتسجيل اسمي في كلية وستمنستر بشرط أن أعيد مواد السنة الدراسية الأولى ، هذه المرة بانصات ، ثم قال لي سأراقبك عن كثب.
حين مُنحت فرصة ثانية ، اجتهدت و بهرني علم الأدلة الجنائية. في عامي الثاني بالكلية توفي الأستاذ الذي كان يدرس علم الأدلة الجنائية و طـُلب مني أن أحل محله . أمر لا يمكن تصوره في كليتي السابقة. صار علم الأدلة الجنائية تخصصًا ملأ عمري التالي. حيث درست هذا العلم لقضاة و محامين و طلاب حقوق على امتداد الولايات المتحدة. أثناء الدراسة عملت أثناء النهار في مكتب المدعي العام ككاتب. وظيفة ثانوية لكنها أوصلتني لوظيفة مساعد المدعي العام بعد تخرجي من كلية الحقوق.
أصبحت قاضيًا في الثامنة و العشرين من عمري و كنت من أصغر القضاة حينها. و ترقيت حتى صرت قاضيًا فيدراليًا و في المنتهى عدت لجامعة كولورادو للحصول على دكتوراة فخرية في القانون.
عاجلًا أم آجلًا سيخفق كل واحد في أمر يهمه سواء كان ذلك الأمر وظيفة أو حلم يتطلع إليه أو علاقة شخصية. الرسوب في كلية الحقوق الأولى جعلني قاضيًا أفضل فقد علمني أن النفس البشرية ضعيفة و أن الفرص الثانية مهمة للبشر.
لكن ذلك الفشل علمني أيضًا أن طريق الحياة تشعباته غير متوقعة.كي تستفيد من تلك الفرص المنثورة على طريق حياتك ، لا تدع الهزيمة تقهرك و لا تدع الآخرين يضعون حدودًا لما يمكن لقدرتك أن تحققه.