مشاهدة النسخة كاملة : القصص في السنة النبويه-ابتسامات نبوية
محمد رافع 52 26-03-2012, 09:01 PM القصص في السنة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد...
فإن الحادثة المرتبطة بالأسباب والنتائج يهفو إليها السمع، فإذا تخللتها مواطن العبرة في أخبار الماضين كان حب الاستطلاع لمعرفتها من أقوى العوامل على رسوخ عبرتها في النفس، وقد أصبح أدب القصة اليوم فنًا خاصًا من فنون اللغة وآدابها، ومن أبلغ صوره القصص في الكتاب والسنة.
معنى القصص:
القص تتبع الأثر، يقال: قصصت أثره: أي تتبعته، والقصص مصدر، قال تعالى: ((فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا)) [الكهف:64]. وقال على لسان أم موسى: ((وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ)) [القصص:11]، أي تتبعي أثره حتى تنظري من يأخذه،
والقصص كذلك: الأخبار المتتبعة، قال تعالى: ((إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ)) [ آل عمران:62]، وقال: ((لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ)) [يوسف:111].
والقصة: الأمر، والخبر، والشأن، والحال.
وقصص السنة: أخبارها عن أحوال الأمم الماضية، والنبوات السابقة، والحوادث الواقعة، وقد اشتملت السنة على كثير من وقائع الماضي، وأحوال الناس وأخبارهم، وما جرى لهم، وحكت عنهم صورة ناطقة لما كانوا عليه.
أنواع القصص في السنة:
والقصص في السنة على أنواع منها:
النوع الأول: قصص الأنبياء، بذكر شيء مما وقع لهم من الحوادث؛ كقصة إبراهيم مع زوجته وابنه إسماعيل في قدومهما إلى مكة، وموسى مع الخضر وغيرهما.
النوع الثاني: قصص تتعلق بالحوادث الغابرة, والأخبار الماضية, كقصة أصحاب الغار، والرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً، ومن كان يتجاوز من الموسر ويخفف عن المعسر ونحوهم.
فوائد القصص:
وللقصص فوائد كثيرة، منها ما يلي:
1- تصديق الأنبياء، وإحياء ذكراهم، وبيان فضائلهم، كما في قصة إبراهيم في بناء الكعبة.
2- أنها ضرب من ضروب الأدب، يصغي إليه السمع، وترسخ عبره في النفس، ((لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ)) [يوسف:111].
3- الحث على الأعمال الصالحة والترغيب فيها، بذكر ثمراتها العاجلة والآجلة، كما في قصة أصحاب الغار.
4- التنفير من الأعمال السيئة، وبيان سوء عاقبتها، كما في قصة النفر الثلاثة، ومنهم الأقرع والأبرص.
القصص في السنة حقيقة لا خيال:
إننا نؤمن إيمانًا جازِمًا بأن محمدًا صلى الله عليه وسلم صادق في نبوته وصادق في دعوته وصادق في كلامه، إذ ما ينطق فهو من الوحي، كما قال تعالى: ((وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)) [النجم:3-4].
وبالتالي فالحقائق التي توجد في القصص كلها حقيقة لا خيال، بل القصص في السنة الصحيحة من أوثق المصادر، وما ورد فيها فهو موافق للواقع تمامًا.
محمد رافع 52 26-03-2012, 09:03 PM أثر القصص في التربية والتهذيب:
مما لا شك فيه أن القصة المحكمة الدقيقة تطرق المسامع بشغف، وتنفذ إلى النفس البشرية بسهولة ويسر، والدروس التلقينية والإلقائية تورث الملل، ولا تستطيع الناشئة أن تتابعها وتستوعب عناصرها إلا بصعوبة، وإلى أمد قصير، ولذا كان الأسلوب القصصي أجدى نفعًا، وأكثر فائدةً.
والمعهود من النفوس أنها تميل إلى سماع الحكايات والقصص، وهي أطول أمداً في الذاكرة ولذا ينبغي للمربين أن يفيدوا منها في مجالات التعليم والتربية.
وفي القصص النبوية مادة خصبة تساعد المربين على النجاح في مهمتهم، وتمدهم بزاد تهذيبي، من سيرة النبيين، وأخبار الماضين.
ويستطيع المربي أن يصوغ القصص النبوية بالأسلوب الذي يلائم المستوى الفكري للمتعلمين، في كل مرحلة من مراحل التعليم.
ولأهميته القصص في السنة النبوية اخترنا طرفاً صالحاً منها من كتب السنة، وفق المنهج الأتي:
1- الاقتصار على ما صح سنده منها، ففيها الكفاية والغنية.
2- تخريج الأحاديث من كتب السنة المعتمدة.
3- شرح المفردات الغريبة في متن الحديث، مع شرح إجمالي للحديث عند الحاجة إلى ذلك.
4- ذكر أهم الفوائد المستنبطة من القصة.
5- الرجوع إلى المصادر الرئيسة، من شروح السنة، وغريب الحديث، وكتب اللغة، مع الإشارة إلى ذلك في الحاشية.
هذا ونسأل الله تعالى أن ينفع بها إنه جواد كريم، والحمد لله رب العالمين.
محمد رافع 52 26-03-2012, 09:04 PM قصة خلق آدم عليه السلام
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا, ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ مِن الْمَلَائِكَةِ, فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ, فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ. فَقَالُوا: السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّه, فَزَادُوهُ: وَرَحْمَةُ اللَّهِ, فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ, فَلَمْ يَزَل الْخَلْقُ يَنْقُصُ حَتَّى الْآنَ(1).
شرح المفردات:
(آدَمَ): وهو أبو البشر عليه السلام. و(الأدمة): السمرة، و(الآدم) من الناس: الأسمر. ومن الإبل: الشديد البياض, وقيل: الأبيض الأسود المقلتين. يقال: بعير (آدم)، وناقة (أدماء)(2).
(ذِرَاعًا): ذراع اليد، يذكر ويؤنث. وهو: ما بين طرف المرفق إلى طرف الإصبع الوسطى(3).
(سِتُّونَ ذِرَاعًا) قال ابن التين: المراد ذراعنا لأن ذراع كل أحد مثل ربعه ولو كانت بذراعه لكانت يده قصيرة في جنب طول جسمه.
(يُحَيُّونَكَ): فعل مضارع منالتحية، وهي: السلام.قال تعالى: ((وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله على كل شيء حسيبًا)), [سورة النساء: 86].
يقول ابن كثير: " أي: إذا سلّم عليكم المسلم فردّوا عليه أفضل مما سلّم، أو ردّوا عليه بمثل ما سلّم(4).
(ذُرِّيَّتكَ): ذرأ: خلق، ومنه الذرية: وهي: نسل الثقلين، وذرية الرجل: ولده، والجمع: الذراري، والذريات(5).
(السَّلَامُ): الاسم من التسليم، والسلام اسم من أسماء الله تعالى(6).
(الْخَلْقُ): أي: المخلوق، والمراد بنو آدم.
(يَنْقُصُ): من نقص الشيءُ، من باب نصر، يتعدى ويلزم(7).
شرح الحديث(8):
في الحديث إشارة إلى خلق آدم، وأنه خلقه الله تعالى بيديه الشريفتين وطوله ستون ذراعاً, ولم ينتقل في النشأة أحوالاً كما هو حال أولاده، بل خلقه الله على الهيئة التي هو عليها.
قال ابن حجر: وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَوْجَدَهُ عَلَى الْهَيْئَة الَّتِي خَلَقَهُ عَلَيْهَا لَمْ يَنْتَقِل فِي النَّشْأَة أَحْوَالًا وَلَا تَرَدَّدَ فِي الْأَرْحَام أَطْوَارًا كَذُرِّيَّتِهِ, بَلْ خَلَقَهُ اللَّه رَجُلًا كَامِلًا سَوِيًّا مِنْ أَوَّل مَا نَفَخَ فِيهِ الرُّوح.
(فَكُلّ مَنْ يَدْخُل الْجَنَّة عَلَى صُورَة آدَم) أَيْ عَلَى صِفَته, وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ صِفَات النَّقْص مِنْ سَوَاد وَغَيْره تَنْتِفِي عِنْد دُخُول الْجَنَّة, وَوَقَعَ عِنْد أَحْمَد مِنْ طَرِيق سَعِيد بْن الْمُسَيَّب عَنْ أَبِي هُرَيْرَة مَرْفُوعًا " كَانَ طُول آدَم سِتِّينَ ذِرَاعًا فِي سَبْعَة أَذْرُع عَرْضًا "(9):.
(فَلَمْ يَزَل الْخَلْقُ يَنْقُص حَتَّى الْآن) أَي: أَنَّ كُلّ قَرْن يَكُون نَشَأْته فِي الطُّول أَقْصَر مِن الْقَرْن الَّذِي قَبْله, فَانْتَهَى تَنَاقُص الطُّول إِلَى هَذِهِ الْأُمَّة وَاسْتَقَرَّ الْأَمْر عَلَى ذَلِكَ.
وَقَالَ ابن التِّين قَوْله: " فَلَمْ يَزَل الْخَلْق يَنْقُص " أَي: كَمَا يَزِيد الشَّخْص شَيْئًا فَشَيْئًا, وَلَا يَتَبَيَّن ذَلِكَ فِيمَا بَيْن السَّاعَتَيْنِ وَلَا الْيَوْمَيْنِ حَتَّى إِذَا كَثُرَت الْأَيَّام تَبَيَّنَ, فَكَذَلِكَ هَذَا الْحُكْم فِي النَّقْص, وَيَشْكُل عَلَى هَذَا مَا يُوجَد الْآن مِنْ آثَار الْأُمَم السَّالِفَة كَدِيَارِ ثَمُود فَإِنَّ مَسَاكِنهمْ تَدُلّ عَلَى أَنَّ قَامَاتهمْ لَمْ تَكُنْ مُفْرِطَة الطُّول عَلَى حَسَب مَا يَقْتَضِيه التَّرْتِيب السَّابِق, وَلَا شَكَّ أَنَّ عَهْدهمْ قَدِيم, وَأَنَّ الزَّمَان الَّذِي بَيْنهمْ وَبَيْن آدَم دُون الزَّمَان الَّذِي بَيْنهمْ وَبَيْن أَوَّل هَذِهِ الْأُمَّة.
(قال ابن حجر): وَلَمْ يَظْهَر لِي إِلَى الْآن مَا يُزِيل هَذَا الْإِشْكَال.
من فوائد الحديث:
1- كمال قدرة الله عز وجل وبالغ حكمته، فهو سبحانه يخلق ما يشاء ويختار.
2- مشروعة السلام, وأنه تحية أهل الإسلام, من آدم عليه السلام, إلى محمد عليه الصلاة والسلام وأمته.
3- في الحديث دليل على فساد النظريات الغربية التي تحدثت عن أصل الإنسان، رجماً بالغيب، وقد جلت النصوص الشرعية ذلك وبينته غاية البيان، كما في هذا الحديث وغيره.
________________
الهوامش:
(1) صحيح البخاري، برقم: (3326), وصحيح مسلم، ح: ( 2841).
(2) مختار الصحاح للرازي، ص:10.
(3) مختار الصحاح، ص: 221، ولسان العرب 5/ 447. حرف العين، فصل الذال.
(4) تفسير ابن كثير، 2/324.
(5) مختار الصحاح للرازي، ص: 220-221 بتصرف.
(6) المرجع السابق، ص: 311.
(7) مختار الصحاح للرازي، ص: 676 بتصرف.
(8) ينظر: فتح الباري شرح صحيح البخاري للعسقلاني، 6 / 367.
(9) روا أحمد 2/ 535، وصححه الألباني، مشكاة المصابيح رقم 5736 .
محمد رافع 52 26-03-2012, 09:06 PM قصة إبراهيم عليه السلام
عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: أَوَّلَ مَا اتَّخَذَ النِّسَاءُ الْمِنْطَقَ مِنْ قِبَلِ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ؛ اتَّخَذَتْ مِنْطَقًا لَتُعَفِّيَ أَثَرَهَا عَلَى سَارَةَ، ثُمَّ جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ، وَهِيَ تُرْضِعُهُ حَتَّى وَضَعَهُمَا عِنْدَ الْبَيْتِ عِنْدَ دَوْحَةٍ فَوْقَ زَمْزَمَ فِي أَعْلَى الْمَسْجِدِ، وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ، فَوَضَعَهُمَا هُنَالِكَ، وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ، وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ، ثُمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا، فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ، فَقَالَتْ: يَا إِبْرَاهِيمُ أَيْنَ تَذْهَبُ؟ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ؟ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا، وَجَعَلَ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ لَهُ: آللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَتْ: إِذَنْ لَا يُضَيِّعُنَا ثُمَّ رَجَعَتْ، فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ حَيْثُ لَا يَرَوْنَهُ؛ اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الْبَيْتَ ثُمَّ دَعَا بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: ((رَبِّ إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ)) حَتَّى بَلَغَ ((يَشْكُرُونَ)) وَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تُرْضِعُ إِسْمَاعِيلَ، وَتَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ، حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا فِي السِّقَاءِ عَطِشَتْ وَعَطِشَ ابْنُهَا، وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ يَتَلَوَّى، أَوْ قَالَ: يَتَلَبَّطُ، فَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَوَجَدَت الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ فِي الْأَرْضِ يَلِيهَا، فَقَامَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَت الْوَادِيَ تَنْظُرُ هَلْ تَرَى أَحَدًا، فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَهَبَطَتْ مِن الصَّفَا حَتَّى إِذَا بَلَغَت الْوَادِيَ رَفَعَتْ طَرَفَ دِرْعِهَا ثُمَّ سَعَتْ سَعْيَ الْإِنْسَانِ الْمَجْهُودِ حَتَّى جَاوَزَت الْوَادِيَ، ثُمَّ أَتَت الْمَرْوَةَ فَقَامَتْ عَلَيْهَا وَنَظَرَتْ هَلْ تَرَى أَحَدًا فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَذَلِكَ سَعْيُ النَّاسِ بَيْنَهُمَا"، فَلَمَّا أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَرْوَةِ سَمِعَتْ صَوْتًا، فَقَالَتْ: صَهٍ؛ تُرِيدُ نَفْسَهَا ثُمَّ تَسَمَّعَتْ فَسَمِعَتْ أَيْضًا، فَقَالَتْ: قَدْ أَسْمَعْتَ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ غِوَاثٌ؛ فَإِذَا هِيَ بِالْمَلَكِ عِنْدَ مَوْضِعِ زَمْزَمَ فَبَحَثَ بِعَقِبِهِ أَوْ قَالَ: بِجَنَاحِهِ حَتَّى ظَهَرَ الْمَاءُ، فَجَعَلَتْ تُحَوِّضُهُ وَتَقُولُ بِيَدِهَا هَكَذَا، وَجَعَلَتْ تَغْرِفُ مِن الْمَاءِ فِي سِقَائِهَا وَهُوَ يَفُورُ بَعْدَ مَا تَغْرِفُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ أَوْ قَالَ: لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِن الْمَاءِ لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا"، قَالَ: فَشَرِبَتْ وَأَرْضَعَتْ وَلَدَهَا، فَقَالَ لَهَا الْمَلَكُ: لَا تَخَافُوا الضَّيْعَةَ فَإِنَّ هَا هُنَا بَيْتَ اللَّهِ يَبْنِي هَذَا الْغُلَامُ وَأَبُوهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَهْلَهُ، وَكَانَ الْبَيْتُ مُرْتَفِعًا مِن الْأَرْضِ كَالرَّابِيَةِ تَأْتِيهِ السُّيُولُ فَتَأْخُذُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، فَكَانَتْ كَذَلِكَ حَتَّى مَرَّتْ بِهِمْ رُفْقَةٌ مِنْ جُرْهُمَ أَوْ أَهْلُ بَيْتٍ مِنْ جُرْهُمَ مُقْبِلِينَ مِنْ طَرِيقِ كَدَاءٍ، فَنَزَلُوا فِي أَسْفَلِ مَكَّةَ فَرَأَوْا طَائِرًا عَائِفًا، فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا الطَّائِرَ لَيَدُورُ عَلَى مَاءٍ لَعَهْدُنَا بِهَذَا الْوَادِي وَمَا فِيهِ مَاءٌ! فَأَرْسَلُوا جَرِيًّا أَوْ جَرِيَّيْنِ، فَإِذَا هُمْ بِالْمَاءِ فَرَجَعُوا فَأَخْبَرُوهُمْ بِالْمَاءِ، فَأَقْبَلُوا، قَالَ: وَأُمُّ إِسْمَاعِيلَ عِنْدَ الْمَاءِ، فَقَالُوا: أَتَأْذَنِينَ لَنَا أَنْ نَنْزِلَ عِنْدَكِ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ؛ وَلَكِنْ لَا حَقَّ لَكُمْ فِي الْمَاءِ، قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَأَلْفَى ذَلِكَ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُحِبُّ الْإِنْسَ، فَنَزَلُوا وَأَرْسَلُوا إِلَى أَهْلِيهِمْ فَنَزَلُوا مَعَهُمْ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِهَا أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْهُمْ وَشَبَّ الْغُلَامُ وَتَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ مِنْهُمْ وَأَنْفَسَهُمْ وَأَعْجَبَهُمْ حِينَ شَبَّ، فَلَمَّا أَدْرَكَ زَوَّجُوهُ امْرَأَةً مِنْهُمْ، وَمَاتَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ، فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ بَعْدَمَا تَزَوَّجَ إِسْمَاعِيلُ يُطَالِعُ تَرِكَتَهُ، فَلَمْ يَجِدْ إِسْمَاعِيلَ فَسَأَلَ امْرَأَتَهُ عَنْهُ، فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا. ثُمَّ سَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ فَقَالَتْ: نَحْنُ بِشَرٍّ، نَحْنُ فِي ضِيقٍ وَشِدَّةٍ، فَشَكَتْ إِلَيْهِ، قَالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلَامَ وَقُولِي لَهُ يُغَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ، فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ كَأَنَّهُ آنَسَ شَيْئًا، فَقَالَ: هَلْ جَاءَكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ جَاءَنَا شَيْخٌ كَذَا وَكَذَا، فَسَأَلَنَا عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ، وَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا، فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا فِي جَهْدٍ وَشِدَّةٍ، قَالَ: فَهَلْ أَوْصَاكِ بِشَيْءٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ: غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ، قَالَ: ذَاكِ أَبِي وَقَدْ أَمَرَنِي أَنْ أُفَارِقَكِ الْحَقِي بِأَهْلِكِ، فَطَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ أُخْرَى، فَلَبِثَ عَنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَتَاهُمْ بَعْدُ فَلَمْ يَجِدْهُ، فَدَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ فَسَأَلَهَا عَنْهُ، فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا. قَالَ: كَيْفَ أَنْتُمْ؟ وَسَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ، فَقَالَتْ: نَحْنُ بِخَيْرٍ وَسَعَةٍ وَأَثْنَتْ عَلَى اللَّهِ، فَقَالَ: مَا طَعَامُكُمْ؟ قَالَت: اللَّحْمُ. قَالَ: فَمَا شَرَابُكُمْ؟ قَالَت: الْمَاءُ. قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي اللَّحْمِ وَالْمَاءِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ حَبٌّ وَلَوْ كَانَ لَهُمْ دَعَا لَهُمْ فِيهِ، قَالَ: فَهُمَا لَا يَخْلُو عَلَيْهِمَا أَحَدٌ بِغَيْرِ مَكَّةَ إِلَّا لَمْ يُوَافِقَاهُ" قَالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلَامَ وَمُرِيهِ يُثْبِتُ عَتَبَةَ بَابِهِ، فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ قَالَ: هَلْ أَتَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. أَتَانَا شَيْخٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ وَأَثْنَتْ عَلَيْهِ، فَسَأَلَنِي عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا بِخَيْرٍ، قَالَ: فَأَوْصَاكِ بِشَيْءٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، هُوَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَيَأْمُرُكَ أَنْ تُثْبِتَ عَتَبَةَ بَابِكَ، قَالَ: ذَاكِ أَبِي وَأَنْتِ الْعَتَبَةُ أَمَرَنِي أَنْ أُمْسِكَكِ، ثُمَّ لَبِثَ عَنْهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِسْمَاعِيلُ يَبْرِي نَبْلًا لَهُ تَحْتَ دَوْحَةٍ قَرِيبًا مِنْ زَمْزَمَ ،فَلَمَّا رَآهُ قَامَ إِلَيْهِ فَصَنَعَا كَمَا يَصْنَعُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ، ثُمَّ قَالَ: يَا إِسْمَاعِيلُ! إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِأَمْرٍ قَالَ: فَاصْنَعْ مَا أَمَرَكَ رَبُّكَ، قَالَ: وَتُعِينُنِي؟ قَالَ: وَأُعِينُكَ، قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ هَا هُنَا بَيْتًا وَأَشَارَ إِلَى أَكَمَةٍ مُرْتَفِعَةٍ عَلَى مَا حَوْلَهَا، قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ رَفَعَا الْقَوَاعِدَ مِن الْبَيْتِ فَجَعَلَ إِسْمَاعِيلُ يَأْتِي بِالْحِجَارَةِ وَإِبْرَاهِيمُ يَبْنِي، حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ جَاءَ بِهَذَا الْحَجَرِ فَوَضَعَهُ لَهُ، فَقَامَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَبْنِي وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ، وَهُمَا يَقُولَانِ: ((رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ))قَالَ: فَجَعَلَا يَبْنِيَانِ حَتَّى يَدُورَا حَوْلَ الْبَيْتِ وَهُمَا يَقُولَانِ: ((رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ))(1).
الهوامش:
(1) صحيح البخاري، برقم: (3364)، ص: (561-563).
محمد رافع 52 26-03-2012, 09:07 PM شرح المفردات
(الْمِنْطَق): بِكَسْرِ الْمِيم وَسُكُون النُّون وَفَتْح الطَّاء هُوَ مَا يُشَدّ بِهِ الْوَسَط.
(عِنْد دَوْحَة): بِفَتْح الْمُهْمَلَة وَسُكُون الْوَاو ثُمَّ مُهْمَلَة: الشَّجَرَة الْكَبِيرَة.
(فِي أَعْلَى الْمَسْجِد): أي: مَكَان الْمَسْجِد، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ بُنِيَ.
(وَسِقَاء): السِّقَاء بِكَسْرِ أَوَّله؛ قِرْبَة صَغِيرَة.
(ثُمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيم): أي: وَلَّى رَاجِعًا إِلَى الشَّام.
(يَتَلَوَّى أَوْ قَالَ يَتَلَبَّط): وَمَعْنَى "يَتَلَبَّط" وَهُوَ بِمُوَحَّدَةٍ وَمُهْمَلَة يَتَمَرَّغ وَيَضْرِب بِنَفْسِهِ الْأَرْض.
(ثُمَّ سَعَتْ سَعْيَ الْإِنْسَانِ الْمَجْهُودِ): أي: الَّذِي أَصَابَهُ الْجَهْد وَهُوَ الْأَمْر الْمُشِقُّ.
(فَقَالَتْ: صَهٍ): بِفَتْح الْمُهْمَلَة وَسُكُون الْهَاء وَبِكَسْرِهَا مُنَوَّنَة، كَأَنَّهَا خَاطَبَتْ نَفْسهَا فَقَالَتْ لَهَا: اُسْكُتِي.
(غَوَاثٍ): بِفَتْح أَوَّله لِلْأَكْثَرِ وَتَخْفِيف الْوَاو وَآخِره مُثَلَّثَة، قِيلَ: وَلَيْسَ فِي الْأَصْوَات فَعَالٍ بِفَتْح أَوَّله غَيْره، وَحَكَى ابن الْأَثِير ضَمَّ أَوَّله، وَالْمُرَاد بِهِ عَلَى هَذَا الْمُسْتَغِيث، وَجَزَاء الشَّرْط مَحْذُوف تَقْدِيره فَأَغِثْنِي.
(فَجَعَلَتْ تُحَوِّضهُ): بِحَاءٍ مُهْمَلَة وَضَاد مُعْجَمَة وَتَشْدِيد، أي: تَجْعَلهُ مِثْل الْحَوْض.
(لَوْ تَرَكْت زَمْزَم، أَوْ قَالَ: لَوْ لَمْ تَغْرِف مِنْ زَمْزَم): شَكّ مِن الرَّاوِي، وَهَذَا الْقَدْر صَرَّحَ ابن عَبَّاس بِرَفْعِهِ عَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيهِ إِشْعَار بِأَنَّ جَمِيع الْحَدِيث مَرْفُوع.
(عَيْنًا مَعِينًا): أي: ظَاهِرًا جَارِيًا عَلَى وَجْه الْأَرْض.
(لَا تَخَافُوا الضَّيْعَة): بِفَتْح الْمُعْجَمَة وَسُكُون التَّحْتَانِيَّة أي: الْهَلَاك.
(رُفْقَة): بِضَمِّ الرَّاء وَسُكُون الْفَاء ثُمَّ قَاف وَهُم الْجَمَاعَة المخْتَلِطُونَ سَوَاء كَانُوا فِي سَفَر أَمْ لَا.
(عَائِفًا): بِالْمُهْمَلَةِ وَالْفَاء هُوَ الَّذِي يَحُوم عَلَى الْمَاء وَيَتَرَدَّد وَلَا يَمْضِي عَنْهُ.
(فَأَرْسَلُوا جَرِيًّا): بِفَتْح الْجِيم وَكَسْر الرَّاء وَتَشْدِيد التَّحْتَانِيَّة أيْ رَسُولًا، وَقَدْ يُطْلَق عَلَى الْوَكِيل وَعَلَى الْأَجِير، قِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى مُرْسِله أَوْ مُوَكِّله، أَوْ لِأَنَّهُ يَجْرِي مُسْرِعًا فِي حَوَائِجه.
(فَأَلْفَى ذَلِكَ): بِالْفَاءِ أَي: وَجَدَ.
(وَهِيَ تُحِبّ الْأُنْسَ): بِضَمِّ الْهَمْزَة ضِدّ الْوَحْشَة، وَيَجُوز الْكَسْر أي: تُحِبّ جِنْسَهَا.
(وَأَنْفَسهمْ): بِفَتْح الْفَاء بِلَفْظِ أَفْعَل التَّفْضِيل مِن النَّفَاسَة، أي: كَثُرَتْ رَغْبَتهمْ فِيهِ.
(يُطَالِع تَرِكَته): بِكَسْرِ الرَّاء أي، يَتَفَقَّد حَال مَا تَرَكَهُ هُنَاكَ.
(خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا): أي: يَطْلُب لَنَا الرِّزْق.
(عَتَبَة بَابك): بِفَتْح الْمُهْمَلَة وَالْمُثَنَّاة وَالْمُوَحَّدَة كِنَايَة عَن الْمَرْأَة، وَسَمَّاهَا بِذَلِكَ لِمَا فِيهَا مِن الصِّفَات الْمُوَافِقَة لَهَا؛ وَهُوَ حِفْظ الْبَاب، وَصَوْن مَا هُوَ دَاخِله، وَكَوْنهَا مَحَلّ الْوَطْء.
(يَبْرِي نَبْلًا): بِفَتْحِ أَوَّله وَسُكُون الْمُوَحَّدَة، وَالنَّبْل بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْمُوَحَّدَة السَّهْم قَبْل أَنْ يُرَكَّب فِيهِ نَصْله وَرِيشه، وَهُوَ السَّهْم الْعَرَبِيّ.
(فَصَنَعَا كَمَا يَصْنَع الْوَالِد بِالْوَلَدِ وَالْوَلَد بِالْوَالِدِ): يَعْنِي: مِن الِاعْتِنَاق وَالْمُصَافَحَة وَتَقْبِيل الْيَد وَنَحْو ذَلِكَ.
(جَاءَ بِهَذَا الْحَجَر): يَعْنِي الْمَقَام.
الهوامش:
(1) ينظر: فتح الباري لابن حجر العسقلاني، 6/ 400- 406.
محمد رافع 52 26-03-2012, 09:08 PM من فوائد الحديث
1- المؤمن يستسلم لأوامر الله، ويؤثر طاعته ومحبته على كل شئ، ولو كان الزوجة الصالحة أو الولد الوحيد، فإبراهيم ينفذ أمر الله تعالى حينما أمره أن يحمل زوجته (هاجر) وولدها الرضيع (إسماعيل) إلى واد غير ذي زرع، لا أنيس فيه ولا زاد.
2- أن هاجرة كانت مطيعةً لزوجها ومؤمنةً بربها، ومتوكلةً عليه حق التوكل، حيث صبرت وصابرت، ورضيت بالإقامة في واد غير ذي زرع لا أنيس فيه ولا زاد، بعد أن اطمأنت أن إبراهيم عليه السلام أسكنها في هذا الوادي بأمر من الله تبارك وتعالى، ففي الحديث: " ثُمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا, فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ, فَقَالَتْ: يَا إِبْرَاهِيمُ أَيْنَ تَذْهَبُ؟ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ؟ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا, وَجَعَلَ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا, فَقَالَتْ لَهُ: آللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَتْ: إِذَنْ لَا يُضَيِّعُنَا ثُمَّ رَجَعَتْ".
وهكذا المرأة الصالحة تستجيب لأمر الله، على قضائه، وتعين زوجها على طاعة الله تعالى.
3- إبراهيم يترك زوجته الوفية، وولده الصغير في الوادي بعد أن زودهم بكيس من التمر، وسقاء فيه ماء، ثم دعا لهم: (ربنا إني أسكنت من ذريتي بوادي غير ذي زرع عند بيتك المحرم). وبذلك يعلمنا إبراهيم عليه السلام أن نجمع بين الدعاء والأخذ بالأسباب.
4- أن الله تعالى سنّ للحجاج والمعتمرين أن يسعوا بين الصفا والمروة لكي يتذكروا ما جرى لأمهم هاجر، فصار ذلك الفعل منسكًا إلى يوم القيامة يتعبد ويتقرب به إلى الله تبارك وتعالى.
5- أم إسماعيل تبحث عن الماء عندما نفد من عندها، وتأخذ بالأسباب وتسعى بين الصفا والمروة عدة مرات حتى يسر الله تعالى لها ولولدها الماء (زمزم).
6- أن الله تبارك وتعالى لا يضيع أجر من أحسن عملاً، حيث إن إبراهيم ترك أهله في مكة امتثالاً لربه تعالى، ومؤمنًا به ومتوكلاً عليه، ولا يوجد يومئذ هناك أحد من بني آدم غيرهم، فلم يضيع الله أهله، بل رزقهم من عنده، وأجرى لهم بئر زمزم ماءً مباركاً يستقي منه الناس إلى اليوم، وجاء بأناس من قبيلة جرهم لكي يسكنوا معهم فيأنسون بهم، وتذهب وحشتهم.
7- يجوز للإنسان أن يطلب الغوث والعون من غيره فيما يقدر عليه كما فعلت أم إسماعيل، وأما سؤال الميت والغائب، أو فيما لا يقدر عليه الإنسان فلا يجوز ذلك وهو من الشرك.
8- إن الله اصطفى آل إبراهيم، وجعل من ذريته الأنبياء والمرسلين، فكيف يرضى إبراهيم لولده إسماعيل بزوجة لا تحيا بروحها، بل تعيش لجسدها، ولا يهمها إلا الطعام والشراب، فتزدري ضيفها أبا زوجها، فتجحد نعمة ربها، وتشكو سوء معيشتها، لذلك أشار إبراهيم على ولده إسماعيل بفراقها، والتخلص منها.
9- الزوجة الثانية لإسماعيل صالحة، تحترم ضيفها، وتشكر نعمة ربها، لذلك يشير إبراهيم على ولده إسماعيل بإمساكها ورعايتها.
10- الطاعة والصبر لهما عاقبة محمودة، وذكرى خالدة، فالمكان الموحش الذي نزلت فيه هاجر أم إسماعيل، وهو مجدب يصبح فيما بعد حرماً آمناً، وبلداً مسكوناً، فيه ماء مبارك)زمزم) تهوي إليه أفئدة الناس، وتأتيه الثمرات، وتقصده الوفود للحج من كل فج عميق، ليشهدوا المنافع الدنيوية والآخروية.
11- أن التربية الحسنة لها أثر كبير في صلاح الأولاد - بعد توفيق الله تبارك وتعالى - وقد تجلى هذا في امتثال إسماعيل أوامر أبيه إبراهيم - عليهما السلام-؛ في طلاق زوجته، وفي إعانته على بناء الكعبة، وقبل ذلك حين قال له أبوه: ((يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)) [الصافات:102].
12- مشروعية سؤال الله تعالى قبول الأعمال الصالحة فقد بنى إبراهيم الكعبة بيديه وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يدعوان الله تبارك وتعالى أن يتقبل منهما، قال عز وجل: ((وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)) [البقرة:127-128]. فتقبل الله منهم هذا الدعاء ورفع شأنهم، وأعلى منزلتهم.
محمد رافع 52 26-03-2012, 09:11 PM قصة الأعمى والأقرع والأبرص
عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ ثَلَاثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ: أَبْرَصَ، وَأَقْرَعَ، وَأَعْمَى، بَدَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا، فَأَتَى الْأَبْرَصَ، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: لَوْنٌ حَسَنٌ وَجِلْدٌ حَسَنٌ قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ، قَالَ: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ فَأُعْطِيَ لَوْنًا حَسَنًا وَجِلْدًا حَسَنًا، فَقَالَ: أَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الْإِبِلُ أَوْ قَالَ: الْبَقَرُ، هُوَ شَكَّ فِي ذَلِكَ إِنَّ الْأَبْرَصَ وَالْأَقْرَعَ قَالَ أَحَدُهُمَا: الْإِبِلُ، وَقَالَ الْآخَرُ: الْبَقَرُ؛ فَأُعْطِيَ نَاقَةً عُشَرَاءَ، فَقَالَ: يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا، وَأَتَى الْأَقْرَعَ فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: شَعَرٌ حَسَنٌ وَيَذْهَبُ عَنِّي هَذَا قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ، قَالَ: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ وَأُعْطِيَ شَعَرًا حَسَنًا، قَالَ: فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الْبَقَرُ. قَالَ: فَأَعْطَاهُ بَقَرَةً حَامِلًا، وَقَالَ: يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا، وَأَتَى الْأَعْمَى، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: يَرُدُّ اللَّهُ إِلَيَّ بَصَرِي فَأُبْصِرُ بِهِ النَّاسَ، قَالَ: فَمَسَحَهُ فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ، قَالَ: فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الْغَنَمُ، فَأَعْطَاهُ شَاةً وَالِدًا، فَأُنْتِجَ هَذَانِ وَوَلَّدَ هَذَا، فَكَانَ لِهَذَا وَادٍ مِنْ إِبِلٍ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ بَقَرٍ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ غَنَمٍ، ثُمَّ إِنَّهُ أَتَى الْأَبْرَصَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ، تَقَطَّعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي، فَلَا بَلَاغَ الْيَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الْحَسَنَ وَالْجِلْدَ الْحَسَنَ وَالْمَالَ بَعِيرًا؛ أَتَبَلَّغُ عَلَيْهِ فِي سَفَرِي، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ الْحُقُوقَ كَثِيرَةٌ، فَقَالَ لَهُ: كَأَنِّي أَعْرِفُكَ؛ أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ، فَقِيرًا فَأَعْطَاكَ اللَّهُ، فَقَالَ: لَقَدْ وَرِثْتُ لِكَابِرٍ عَنْ كَابِرٍ، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ، وَأَتَى الْأَقْرَعَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذَا، فَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا رَدَّ عَلَيْهِ هَذَا، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ، وَأَتَى الْأَعْمَى فِي صُورَتِهِ فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ، وَابْنُ سَبِيلٍ، وَتَقَطَّعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي، فَلَا بَلَاغَ الْيَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا فِي سَفَرِي، فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ اللَّهُ بَصَرِي، وَفَقِيرًا فَقَدْ أَغْنَانِي، فَخُذْ مَا شِئْتَ، فَوَاللَّهِ لَا أَجْهَدُكَ الْيَوْمَ بِشَيْءٍ أَخَذْتَهُ لِلَّهِ، فَقَالَ: أَمْسِكْ مَالَكَ؛ فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ فَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ، وَسَخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ(1).
شرح المفردات(2):
(بَدَا لِلَّهِ): بِتَخْفِيفِ الدَّال الْمُهْمَلَة بِغَيْرِ هَمْز، أَي: سَبَقَ فِي عِلْم اللَّه فَأَرَادَ إِظْهَاره، وَلَيْسَ الْمُرَاد أَنَّهُ ظَهَرَ لَهُ بَعْد أَنْ كَانَ خَافِيًا لِأَنَّ ذَلِكَ مُحَال فِي حَقّ اللَّه تَعَالَى.
(قَذِرَنِي النَّاس): بِفَتْحِ الْقَاف وَالذَّال الْمُعْجَمَة الْمَكْسُورَة أَي: اشمَأَزُّوا مِنْ رُؤْيَتِي.
(فَمَسَحَهُ): أَي: مَسَحَ عَلَى جِسْمه.
(فَأُعْطِيَ نَاقَة عُشَرَاء): أَي: الَّذِي تَمَنَّى الْإِبِل، وَالْعُشَرَاء بِضَمِّ الْعَيْن الْمُهْمَلَة وَفَتْح الشِّين الْمُعْجَمَة مَعَ الْمَدّ هِيَ الْحَامِل الَّتِي أَتَى عَلَيْهَا فِي حَمْلهَا عَشْرَة أَشْهُر مِنْ يَوْم طَرَقَهَا الْفَحْل، وَقِيلَ: يُقَال لَهَا ذَلِكَ إِلَى أَنْ تَلِد وَبَعْدَمَا تَضَع، وَهِيَ مِنْ أَنْفَس الْمَال.
(فَمَسَحَهُ): أي: مَسَحَ عَلَى عَيْنَيْهِ.
(شَاة وَالِدًا): أي: ذَات وَلَد، وَيُقَال: حَامِل.
(فَأَنْتَجَ هَذَانِ): أي: صَاحِب الْإِبِل وَالْبَقَر.
(وَوَلَّدَ هَذَا): أي: صَاحِب الشَّاة، وَهُوَ بِتَشْدِيدِ اللَّام.
(ثُمَّ إِنَّهُ أَتَى الْأَبْرَص فِي صُورَته): أي: فِي الصُّورَة الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا لَمَّا اجْتَمَعَ بِهِ وَهُوَ أَبْرَص؛ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَبْلَغَ فِي إِقَامَة الْحُجَّة عَلَيْهِ.
(تَقَطَّعَتْ بِهِ الْحِبَال فِي سَفَره): الحِبَال بِكَسْرِ الْمُهْمَلَة بَعْدهَا مُوَحَّدَة خَفِيفَة جَمْع حَبْل، أَي: الأسْبَاب الَّتِي يَقْطَعُهَا فِي طَلَب الرِّزْق، وَقِيلَ: الْعَقَبَات، وَقِيلَ: الْحَبْل؛ هُوَ الْمُسْتَطِيل مِن الرَّمْل.
(رَجُل مِسْكِين): قال ابن التِّين: قَوْل الْمَلَك لَهُ " رَجُل مِسْكِين إِلَخ " أَرَادَ أَنَّك كُنْت هَكَذَا، وَهُوَ مِن الْمَعَارِيض، وَالْمُرَاد بِهِ ضَرْب الْمَثَل لِيَتَيَقَّظ الْمُخَاطَب.
(أَتَبَلَّغ عَلَيْهِ): بِالْغَيْن الْمُعْجَمَة مِن الْبُلْغَة، وَهِيَ الْكِفَايَة. وَالْمَعْنَى: أَتَوَصَّل بِهِ إِلَى مُرَادِي.
(لَقَدْ وَرِثْت لِكَابِرِ عَنْ كَابِر): فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيِّ " كَابِرًا عَنْ كَابِر " وَفِي رِوَايَة شَيْبَانَ " إِنَّمَا وَرِثْت هَذَا الْمَال كَابِرًا عَنْ كَابِر " أي: كَبِير عَنْ كَبِير فِي الْعِزّ وَالشَّرَف.
(فَقَالَ: إِنْ كُنْت كَاذِبًا فَصَيَّرَك اللَّهُ) أَوْرَدَهُ بِلَفْظِ الْفِعْل الْمَاضِي لِأَنَّهُ أَرَادَ الْمُبَالَغَة فِي الدُّعَاء عَلَيْهِ.
(لَا أَجْهَدُك الْيَوْم بِشَيْء أَخَذْتَهُ لِلَّهِ) وَالْمَعْنَى: لَا أَحْمَدك عَلَى تَرْك شَيْء تَحْتَاج إِلَيْهِ مِنْ مَالِي، كَمَا قَالَ الشَّاعِر وَلَيْسَ عَلَى طُول الْحَيَاة تَنَدُّم، أي: فَوْت طُول الْحَيَاة، وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة وَأَكْثَر رِوَايَات مُسْلِم " لَا أُجْهِدك " بِالْجِيمِ وَالْهَاء، أي: لَا أَشُقّ عَلَيْك فِي رَدّ شَيْء تَطْلُبهُ مِنِّي أَوْ تَأْخُذهُ.
(فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ): أي: اُمْتُحِنْتُمْ.
الهوامش:
(1) صحيح البخاري، برقم: (3464)، وصحيح مسلم، ح: ( 2964).
(2) ينظر: فتح الباري شرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني، 6/ 502-503.
محمد رافع 52 26-03-2012, 09:12 PM من فوائد الحديث:
1- اختبار الله لعباده، وامتحانه لهم ليتبين الصادق من الكاذب.
2- أن الابتلاء يكون في النفس والمال والأولاد وغيرها .
3- لا شيء أحب للمبتلى بالمرض من ذهاب مرضه ومعافاته .
4- أن الله تعالى هو الذي يعطي ويمنع ، ويغني ويفقر ، بتقديره وحكمته، فعلى المسلم أن يعلق قلبه بالله تعالى فلا يخاف إلا منه ولا يرجو إلا إياه.
5- من التوحيد والأدب أن تنسب الشفاء والغنى إلى الله وحده (قد كنت أعمى فرد الله بصري).
6- الإنسان الجاهل يبخل وقت الغنى ، والعاقل يعطى بسخاء متذكراً قول النبي صلى الله عليه وسلم (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان ، فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقاً خلفاً ، ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكاً تلفاً)(1).
7- بعض الأغنياء ينسون ماضيهم وأيام بؤسهم وفقرهم ويغضبون ممن يذكرهم به، مع ما فيه من الخير لهم بتذكر نعمة الله تعالى والزيادة في شكرها .
8- من شَكَر النعمة، وأعطى الفقراء زاده الله غنى ، وبارك له ، ومن بخل فقد عرض نفسه لزوال النعمة وسخط الرب القائل : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [سورة إبراهيم: 7].
9- الكرم وبذل الحقوق الواجبة يجلب النعمة ويذهب بالنقمة ، ويرضي الرب ، والبخل ومنع الحقوق الواجبة يجلب السوء ويسخط الرب كما قال تعالى: (هَاْ أَنْتُمْ هَؤُلاَءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوْا فِيْ سَبِيْلِ اللهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلُ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللهُ الغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاْءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُوْنُوْا أَمْثَاْلَكُمْ)[سورة محمد: 38].
10- وَفِي الْحَدِيث جَوَاز ذِكْر مَا اتَّفَقَ لِمَنْ مَضَى لِيَتَّعِظ بِهِ مَنْ سَمِعَهُ وَلاَ يَكُون ذَلِكَ غِيبَة فِيهِمْ, وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السِّرّ فِي تَرْك تَسْمِيَتهمْ, وَلَمْ يُفْصِح بِمَا اِتَّفَقَ لَهُمْ بَعْد ذَلِكَ, وَالَّذِي يَظْهَر أَنَّ الأَمْر فِيهِمْ وَقَعَ كَمَا قَالَ الْمَلَك.
11- وَفِيهِ التَّحْذِير مِنْ كُفْرَان النِّعَم وَالتَّرْغِيب فِي شُكْرهَا وَالإِعْتِرَاف بِهَا وَحَمْد اللَّه عَلَيْهَا.
12- وَفِيهِ فَضْل الصَّدَقَة وَالْحَثّ عَلَى الرِّفْق بِالضُّعَفَاءِ وَإِكْرَامهمْ وَتَبْلِيغهمْ مَآرِبهمْ.
13- وَفِيهِ الزَّجْر عَن الْبُخْل, لأَنَّهُ حَمَلَ صَاحِبه عَلَى الْكَذِب, وَعَلَى جَحْد نِعْمَة اللَّه تَعَالَى(2).
__________________
(1) أخرجه البخاري، في الزكاة, باب قول الله تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىْ وَاتَّقَىْ . وَصَدَّقَ بِالحْسُنْىَ . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى . وَأَمَّاْ مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَىْ . وَكَذَّبَ بِاْلْحُسْنَىْ . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىْ)، ومسلم في الزكاة باب في المنفق والممسك رقم 1010.
(2) ينظر: فتح الباري شرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني، 6/ 503.
محمد رافع 52 26-03-2012, 09:22 PM القصص في السنة النبوية
أهمية القصص النبوي1
بقلم: د. علي جمعة
لقد ذخرت السنة النبوية بالكثير من النصوص ذات الطابع القصصي لترشد الناس نحو مبادئ الدين وتعاليمه السامية, متعاونة في هذا مع وسائل الدعوة الأخري في إيجاد الفرد الصالح والمجتمع السليم,
كما أسهمت القصة في التأكيد علي كثير من مبادئ العقيدة والعبادة والأخلاق, بحيث يمكن لأي إنسان ـ فضلا عن أن يكون عالما ـ أن يستلهم من نصوص السنة القصصية الصحيحة ماينفعه في دينه ودنياه.
ولم يكن غريبا أن تحتذي السنة النبوية بالقرآن الكريم في اشتمالها علي عدد كثير من القصص, فقد استحوذت القصة علي جانب كبير من توجيهات القرآن الكريم, وأسهمت في تأسيس قواعد الدين وتوضيح معالمه, يقول الله تعالي: نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين,( يوسف:3) وفي بيان الغاية من سوق القصص في القرآن يقول سبحانه: فاقصص القصص لعلهم يتفكرون,( الأعراف:176), ويقول: لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفتري ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدي ورحمة لقوم يؤمنون, يوسف:111, وإنما اتجه القرآن الكريم إلي أسلوب القصص في ترسيخ مبادئ الدعوة لما له من فوائد في تحقيق المراد من هداية العباد, فضلا عن رغبة العربي في القصص واستملاحه لها, فقد اورد الزمخشري في تفسير قوله تعالي: ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا,( لقمان:6), أن النضر بن الحارث كان يشتري كتب الاعاجم ويحدث بما قريشا ويقول: إن محمدا يحدثكم بحديث عاد وثمود وأنا أحدثكم بأحداث رستم وبهرام والأكاسرة وملوك الحيرة, فيستمحلون حديثه ويتركون استماع القرآن,( تفسير الكشاف:239/3).
وكان لجوء القرآن الكريم إلي استخدام القصة كأسلوب من اساليب الدعوة مشجعا لكل من ارتبط بالقرآن لينهج نهجه في توظيف القصة لخدمة الدعوة, وبدا هذا واضحا في سنته ـ صلي الله عليه وسلم ـ فقد ظهر تأثره صلي الله عليه وسلم بقصص القرآن في سلوكه وأخلاقه, ومن أمثلة ذلك ماورد: أنه صلي الله عليه وسلم قسم يوم حنين الغنائم فآثر ناسا, فقال رجل: والله, إن هذه القسمة ماعدل فيها, وما أريد بها وجه الله, فقال عليه الصلاة والسلام, فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله؟ رحم الله موسي فقد أوذي بأكثر من هذا فصبر,( صحيح البخاري1148/3).
كما ظهر اقتداؤه صلي الله عليه وسلم بالقصص القرآني في طريقة عرضه, فكان يختار القصص من تاريخ السابقين ليشرح لنا مايريد من المعاني بالأمثلة التي تجسد الواقع في صورة الماضي المعروف سلفا ليرسخ في ذهن المتلقي فلاينساه.
وإنما كان هذا الاهتمام البالغ بالقصة لما لها من اثر واضح في التوجيه والتربية وايصال المفاهيم, إذ الإنسان يولع بالقصص ويميل بفطرته إليها, وإذا ماقص عليه جزء من قصة حرص علي متابعة أحداثها ليعرف مدي ماوصلت إليه, فغريزة حب الاستطلاع تعلق عين السامع وأذنه وانتباهه بشفتي القصصي البارع استشرافا لمعرفة ماخفي من بقيتها, ومما يدل علي هذا الميل الفطري نحو القصة والرغبة في تتبع أحداثها ماورد عنه صلي الله عليه وسلم أنه لما ذكر قصة موسي مع الخضر قال: وددنا لو أن موسي صبر فقص الله علينا من خبرهما,( صحيح البخاري1347/3).
والقصص أسلوب تربية عملية يشد من أزر المتمسكين بالحق والثابتين عليه, أسوة بمن سبقوهم علي الطريق, ومن ثم كان النبي صلي الله عليه وسلم يوجه أصحابه إلي استقراء تاريخ الثابتين علي الحق إذا أراد أن يقوي عزائمهم, ويشد من أزرهم في مواجهة الصعاب. فعن خباب بن الارت قال: شكونا إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو متوسد بردة في ظل الكعبة, قلنا له: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ قال: كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه, فيجاء بالمنشار فيوضع علي رأسه, فيشق اثنتين, ومايصده ذلك دينه, ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه,( صحيح البخاري1322/3).
إن القصة أداة سهلة الفهم تحظي بالقبول من العامة والخاصة علي السواء, ومن ثم فقد لازمت الإنسان منذ وجوده, ومازالت تؤدي دورها في عالمنا المعاصر بصورة كبيرة جعلتها صاحبة المكانة الأولي في عالم الأدب اليوم, وما من شك هنا ان إقبال الناس علي القصص النبوي وتعلقهم بأحداثها يعمق مضامينها في نفوسهم ويمكنهم من الاستيعاب الجيد والتأثر بالأحداث واستخراج العبر والعظات, فضلا عن إستنباط الأحكام الشرعية والقيم النبيلة من السنة النبوية والتي لاتختلف لدي الإنسان عبر الزمان والمكان.
http://www.ahram.org.eg/The-Writers/News/images/bolet.jpg
محمد رافع 52 26-03-2012, 09:29 PM القصص في السنة النبوية2
التوبة باب الله الواسع
بقلم: د. علي جمعة
دلت النصوص الشرعية من القران الكريم والسنة النبوية الشريفة علي أن باب التوبة لا يغلق أمام أحد, وتواترت الأدلة علي أن الإنسان مهما فعل من آثام فإن هذا لا يسلبه ثوب التقي إذا أفاق من غفلته وبادر بالرجوع إلي ربه, كما قال تعالي:,
إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون],الأعراف:201], وقال:, وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدي, طه:82], وهذه الأهمية القصوي للتوبة
وتأكيدا علي فضل الله الواسع في قبول التائبين إليه أوردت لنا سنة النبي صلي الله عليه وسلم بعضا من القصص في هذا الجانب ليعيش الناس الواقع العملي مدعما بالكثير من شواهد القرآن والسنة في الجانب النظري. فعن أبي سعيد الخدري أن نبي الله صلي الله عليه وسلم قال: كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا فسأل عن أعلم الأرض فدل علي راهب, فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفسا فهل له من توبه؟ قال: لا. فقتله, فكمل به مائة. ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل علي رجل عالم, فقال: إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة ؟ فقال: نعم, ومن يحول بينه وبين التوبة؟انطلق إلي أرض كذا وكذا, فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم, ولا ترجع إلي أرضك فإنها أرض سوء فانطلق حتي إذا نصف الطريق أتاه الموت, فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب, فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبا مقبلا بقلبه إلي الله. وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرا قط. فقالوا: قيسوا ما بين الأرضين, فإلي أيتهما كان أدني فهو له, فأوحي الله إلي هذه أن تقربي وأوحي الله إلي هذه أن تباعدي; فقاسوه فوجدوه أدني إلي الارض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمة., صحيح البخاري1280/3, ومسلم2118/4]. وهذه القصة أصل عظيم في الدلالة علي قبول التوبة من المذنب, وإن تفاحش ذنبه وتعاظم إثمه, طالما صلحت سريرته ووافقتها علانيته. وقد نطقت بذلك آيات القرآن وأحاديث النبي صلي الله عليه وسلم, فالله تعالي يقول:قل يا عبادي الذين أسرفوا علي أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم, الزمر:53], وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله علبه وسلم: والذي نفسي بيده لو لم تذنبو ذهب الله بكم,ولجاءبقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم, صحيح مسلم2106/4]. وتدل قصة هذا الرجل علي سعه رحمة الله تعالي وأنها تغلب غضبه,أن صدق العبد في التوجه إلي الله يمنحه, فوق قبول الله له, توفيقا وهداية إلي الطريق المستقيم; فما ورد في الحديث من تقريب أرض التوبة يشعر بأن الله لايقبل التوبة عن عباده فحسب, بل يزيدهم فوق القبول من فضله, وإن كانت الرحمة من الله واسعة كما أرادها رب العزة فمن الخذلان أن يضيق أحد من الناس ما وسعة الله لفساد في عقله وسوء في فكره, وهذا ما أشارت إليه القصة. ويستفاد من هذه القصة أيضا فضل العلم علي العبادة,وذلك لأن إنقاذ هذا الرجل التائب من الهلكة ودلالته علي طريق الحق كانت علي يد العالم, في حين أن العاكف علي العبادة قد ضل عن وجه الصواب فعرض نفسه للهلاك بجهله, وكاد العبد التائب أن يقنط بسببه من رحمة الله; ولهذا فإن من أهم فوائد تلك القصة ضرورة التحري عمن يستفتيهم الإنسان في أمر دينه حتي لا يضل, فعن محمد بن سيرين قال: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم, وهو ما يمكن أن نسميه الفرق بين الدين كعلم, وهذا شأن العلماء, وبين التدين كسلوك شخصي, وهذا قد يجيده غير العلماء, ولكنه يظل خاصا بصاحبه. وفي إشارة العالم علي العابد التائب بمفارقة أرضه والتحويل إلي أخري فيها رجال صالحون ليعبد الله معهم, فيها ما فيها ما يفيد أن من كمال التوبة مفارقة مواطن المعصية وأصدقاء السوء, ليكون في مأمن من الانزلاق مرة ثانية, وليجد من حول من يقيل عثرته, ويعلي همته; إذ للبيئة أثر كبير في تكوين شخصية الفرد وجدير بالبيان أن نفع التوبة
في تلك القصة كان منوطا بما بين العبد وربه, وحقوق الله مبنية علي المساحة. وهذا من باب الديانه, أمام من باب القضاء فقد أبانت الشريعة الإسلامية أن حقوق العباد مبينة
علي المشاححة, وهذا شأن أهل القضاء, ثم بعد ذلك: فمن عفا وأصلح فأجره علي الله], الشوري:40]. فيلغتنم كل امريء باب التوبة المفتوح دائما إلي الله.
محمد رافع 52 26-03-2012, 09:33 PM القصص في السنة النبوية3
السبيل إلي شكر النعم
بقلم: د. علي جمعة
إن شكر نعم الله ـ تعالي علينا واجب في كل حين فما من نفس نبديه إلا ولله علينا منة فيه, وسبيل شكر النعمة يكون بالعمل فيها بما يحبه تعالي,
وقد بين صلي الله عليه وسلم لنا فضل استعمال نعم الله ـ تعالي فيما يحب في أحاديث عدة, ومن ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه ـ أنه سمع رسول الله صلي الله عليه وسلم ـ يقول: إن ثلاثة في بني إسرائيل: أبرص وأقرع وأعمي, بدا لله أن يبتليهم, فبعث إليهم ملكا, فأتي الأبرص فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: لون حسن وجلد حسن, قد قذرني الناس. قال: فمسحه, فذهب عنه فأعطي لونا حسنا وجلدا حسنا, فقال: أي المال أحب إليك؟ قال: الإبل, فأعطي ناقة عشراء, فقال: يبارك لك فيها, وأتي الأقرع فقال له مثل ذلك, فطلب شعرا حسنا وبقرا فأعطي ما طلب. وأتي الأعمي فقال له مثل ذلك, فطلب أن يرد الله له بصره وغنما, فأعطي ما طلب.
قال: فأنتج هذان, وولد هذا, كان لهذا واد من إبل, ولهذا واد من بقر, ولهذا واد من غنم. ثم أتي الأبرص في صورته وهيئته, فقال: رجل مسكين تقطعت بي الحبال في سفري فلا بلاغ اليوم إلابالله ثم بك. أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال بعيرا أتبلغ عليه في سفري. فقال له: إن الحقوق كثيرة. فقال له: كأني أعرفك, ألم تكن أبرص يقذرك الناس, فقيرا فأعطاك الله؟ فقال: لقد ورثت لكابر عن كابر. فقال: إن كنت كاذبا فصيرك الله إلي ما كنت. وأتي الأقرع في صورته وهيئته, فقال له مثل ما قال لهذا, فرد عليه مثل ما رد عليه هذا. فقال: إن كنت كاذبا فصيرك الله إلي ما كنت. وأتي الأعمي في صورته, فقال: رجل مسكين وابن سبيل وتقطعت بي الحبال في سفري, فلا بلاغ اليوم إلا بالله ثم بك, أسألك بالذي رد عليك بصرك شاة أتبلغ بها في سفري, فقال: قد كنت أعمي فرد الله بصري, وفقيرا فقد أغناني, فخذ ما شئت, فوالله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله. فقال: أمسك مالك, فإنما ابتليتم فقد رضي الله عنك وسخط علي صاحبيك, صحيح البخاري1276/3]
بهذه القصة علم صلي الله عليه وسلم أصحابه وأمته من بعده أن الله تعالي يبتلي عباده أحيانا بإسباغ النعم ليري أيشكرونها أم يكفرونها, قال تعالي: فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن, الفجر:15]. وإنما يكون الحفاظ علي النعمة كما تعلمنا القصة بدوام شكرها, فبشكر النعمة نحافظ بها علي الموجود ونستجلب المفقود, وقد وعدنا سبحانه بالزيادة إن شكرنا نعمه, فقال تعالي: وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد, إبراهيم:7]
والقصة ترسم لنا طريقين لشكر النعمة, أولهما: أن يكثر من أنعم الله عليه بالثناء علي الله صاحب النعمة, وألا يتلفظ بلفظ أو يصنع شيئا يدل علي نكرانه لهذه النعمة, وأن يقر بأنها في الحقيقة من عند الله ـ تعالي ولا يد له فيها. وقد قيل: من كتم النعمة فقد كفرها, ومن أظهرها ونشرها فقد شكرها. وأولي خطوات ذكرها الوقوف عليها ومعرفتها, يقول الإمام الغزالي: اعلم أنه لم يقصر بالخلق عن شكر النعمة إلا الجهل والغفلة, فإنهم منعوا بالجهل والغفلة عن معرفة النعم, ولا يتصور شكر النعمة إلا بعد معرفتها, إحياء علوم227/2]
والطريق الثاني: أن يسخر النعمة فيما خلقت له, فإن أنعم الله عليه بمال فلينفق مما أعطاه الله, وإن أنعم الله عليه بقوة فليعن من يستعين به, وإذا أنعم الله عليه بجاه فليشفع في الخير وفي إعطاء المظلوم حقه. والله ـ تعالي يشير إلي هذا الطريق العملي من الشكر في قوله عز وجل: اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور, سبأ:13]. وقد بينت القصة نسبة تلك القلة المذكورة في الآية علي سبيل بيان المحمل فذكرت أن ثلثي الخلق ـ علي وجه التقريب ـ لا يتحققون بخلق شكر النعمة, في حين لا يقوم به إلا الثلث الباقي, والثلث في مقابل الثلثين قليل, إذا ما نظر إلي حجم النعم وعظمة معطيها.
ولذا وجب علي كل إنسان أن يحمد الله ويشكره علي نعمه التي لا تحصي, وأن يتبع المنهج الذي أبانه صلي الله عليه وسلم في القصة للحفاظ عليها بشكرها واستخدامها في طاعة الله حتي لا يعرضها للزوال, قال ابن عطاء الله السكندري:( من لم يشكر النعم فقد تعرض لزوالها, ومن شكرها فقيد قيدها بعقالها).. فاللهم اجعلنا من الشاكرين لنعمك, العاملين فيها بما تحب.
محمد رافع 52 27-03-2012, 12:27 AM قصة أم زرع
قال الإمام البخاري -رحمه الله-: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ, قَلاَ: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ, حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ, عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ, عَنْ عُرْوَةَ, عَنْ عَائِشَةَ, قَالَتْ: جَلَسَ إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً فَتَعَاهَدْنَ وَتَعَاقَدْنَ أَنْ لاَ يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ شَيْئًا, قَالَت الْأُولَى: زَوْجِي لَحْمُ جَمَلٍ غَثّ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ, لاَ سَهْل فَيُرْتَقَى وَلاَ سَمِين فَيُنْتَقَلُ, قَالَت الثَّانِيَةُ: زَوْجِي لاَ أَبُثُّ خَبَرَهُ, إِنِّي أَخَافُ أَنْ لاَ أَذَرَهُ, إِنْ أَذْكُرْهُ أَذْكُرْ عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ, قَالَت الثَّالِثَةُ: زَوْجِي الْعَشَنَّقُ؛ إِنْ أَنْطِقْ أُطَلَّقْ, وَإِنْ أَسْكُتْ أُعَلَّقْ, قَالَت الرَّابِعَةُ: زَوْجِي كَلَيْلِ تِهَامَةَ؛ لاَ حَرٌّ وَلاَ قُرٌّ, وَلاَ مَخَافَةَ وَلاَ سَآمَةَ, قَالَت الْخَامِسَةُ: زَوْجِي إِنْ دَخَلَ فَهِدَ, وَإِنْ خَرَجَ أَسِدَ, وَلاَ يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ, قَالَت السَّادِسَةُ: زَوْجِي إِنْ أَكَلَ لَفَّ, وَإِنْ شَرِبَ اشْتَفَّ, وَإِن اضْطَجَعَ الْتَفَّ, وَلاَ يُولِجُ الْكَفَّ لِيَعْلَمَ الْبَثَّ, قَالَت السَّابِعَةُ: زَوْجِي غَيَايَاءُ أَوْ عَيَايَاءُ طَبَاقَاءُ, كُلُّ دَاءٍ لَهُ دَاءٌ, شَجَّكِ أَوْ فَلَّكِ أَوْ جَمَعَ كُلًّا لَكِ, قَالَت الثَّامِنَةُ: زَوْجِي الْمَسُّ مَسُّ أَرْنَبٍ, وَالرِّيحُ رِيحُ زَرْنَبٍ, قَالَت التَّاسِعَةُ: زَوْجِي رَفِيعُ الْعِمَادِ, طَوِيلُ النِّجَادِ, عَظِيمُ الرَّمَادِ, قَرِيبُ الْبَيْتِ مِن النَّادِ, قَالَت الْعَاشِرَةُ: زَوْجِي مَالِكٌ! وَمَا مَالِكٌ؟ مَالِكٌ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكِ, لَهُ إِبِلٌ كَثِيرَاتُ الْمَبَارِكِ, قَلِيلاَتُ الْمَسَارِحِ, وَإِذَا سَمِعْنَ صَوْتَ الْمِزْهَرِ أَيْقَنَّ أَنَّهُنَّ هَوَالِكُ, قَالَت الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: زَوْجِي أَبُو زَرْعٍ! وَمَا أَبُو زَرْعٍ؟ أَنَاسَ مِنْ حُلِيٍّ أُذُنَيَّ, وَمَلاَ مِنْ شَحْمٍ عَضُدَيَّ, وَبَجَّحَنِي فَبَجِحَتْ إِلَيَّ نَفْسِي, وَجَدَنِي فِي أَهْلِ غُنَيْمَةٍ بِشِقٍّ فَجَعَلَنِي فِي أَهْلِ صَهِيلٍ وَأَطِيطٍ وَدَائِسٍ وَمُنَقٍّ, فَعِنْدَهُ أَقُولُ فَلاَ أُقَبَّحُ, وَأَرْقُدُ فَأَتَصَبَّحُ, وَأَشْرَبُ فَأَتَقَنَّحُ. أُمُّ أَبِي زَرْعٍ؛ فَمَا أُمُّ أَبِي زَرْعٍ؟ عُكُومُهَا رَدَاحٌ, وَبَيْتُهَا فَسَاحٌ. ابْنُ أَبِي زَرْعٍ؛ فَمَا ابْنُ أَبِي زَرْعٍ؟ مَضْجَعُهُ كَمَسَلِّ شَطْبَةٍ, وَيُشْبِعُهُ ذِرَاعُ الْجَفْرَةِ. بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ؛ فَمَا بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ؟ طَوْعُ أَبِيهَا وَطَوْعُ أُمِّهَا, وَمِلْءُ كِسَائِهَا وَغَيْظُ جَارَتِهَا. جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ؛ فَمَا جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ؟ لاَ تَبُثُّ حَدِيثَنَا تَبْثِيثًا, وَلاَ تُنَقِّثُ مِيرَتَنَا تَنْقِيثًا, وَلاَ تَمْلاَ بَيْتَنَا تَعْشِيشًا, قَالَت: خَرَجَ أَبُو زَرْعٍ وَالْأَوْطَابُ تُمْخَضُ؛ فَلَقِيَ امْرَأَةً مَعَهَا وَلَدَانِ لَهَا كَالْفَهْدَيْنِ, يَلْعَبَانِ مِنْ تَحْتِ خَصْرِهَا بِرُمَّانَتَيْنِ, فَطَلَّقَنِي وَنَكَحَهَا, فَنَكَحْتُ بَعْدَهُ رَجُلًا سَرِيًّا, رَكِبَ شَرِيًّا, وَأَخَذَ خَطِّيًّا, وَأَرَاحَ عَلَيَّ نَعَمًا ثَرِيًّا, وَأَعْطَانِي مِنْ كُلِّ رَائِحَةٍ زَوْجًا, وَقَالَ: كُلِي أُمَّ زَرْعٍ, وَمِيرِي أَهْلَكِ, قَالَتْ: فَلَوْ جَمَعْتُ كُلَّ شَيْءٍ أَعْطَانِيهِ مَا بَلَغَ أَصْغَرَ آنِيَةِ أَبِي زَرْعٍ! قَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ.
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامٍ: وَلاَ تُعَشِّشُ بَيْتَنَا تَعْشِيشًا, قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَأَتَقَمَّحُ بِالْمِيمِ وَهَذَا أَصَحُّ (1).
محمد رافع 52 27-03-2012, 12:28 AM قصة كسوف الشمس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَسَفَت الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْحَرِّ, فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصْحَابِهِ, فَأَطَالَ الْقِيَامَ حَتَّى جَعَلُوا يَخِرُّونَ, ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ, ثُمَّ رَفَعَ فَأَطَالَ, ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ, ثُمَّ رَفَعَ فَأَطَالَ, ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ, ثُمَّ قَامَ فَصَنَعَ نَحْوًا مِنْ ذَاكَ, فَكَانَتْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ, ثُمَّ قَالَ: إِنَّهُ عُرِضَ عَلَيَّ كُلُّ شَيْءٍ تُولَجُونَهُ, فَعُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ حَتَّى لَوْ تَنَاوَلْتُ مِنْهَا قِطْفًا أَخَذْتُهُ أَوْ قَالَ: تَنَاوَلْتُ مِنْهَا قِطْفًا فَقَصُرَتْ يَدِي عَنْهُ وَعُرِضَتْ عَلَيَّ النَّارُ, فَرَأَيْتُ فِيهَا امْرَأَةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ تُعَذَّبُ فِي هِرَّةٍ لَهَا رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ, وَرَأَيْتُ أَبَا ثُمَامَةَ عَمْرَو بْنَ مَالِكٍ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ, وَإِنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لاَ يَخْسِفَانِ إِلَّا لِمَوْتِ عَظِيمٍ, وَإِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يُرِيكُمُوهُمَا, فَإِذَا خَسَفَا فَصَلُّوا حَتَّى تَنْجَلِيَ(1).
شرح المفردات:
(عُرِضَ عَلَيَّ كُلّ شَيْء تُولَجُونَهُ) أَيْ: تَدْخُلُونَهُ مِنْ جَنَّة وَنَار وَقَبْر وَمَحْشَر وَغَيْرهَا.
(فَعُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّة وَعُرِضَتْ عَلَيَّ النَّار) قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: قَالَ الْعُلَمَاء : تَحْتَمِل أَنَّهُ رَآهُمَا رُؤْيَة عَيْن كَشَفَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَأَزَالَ الْحُجُب بَيْنه وَبَيْنهمَا كَمَا فَرَّجَ لَهُ عَن الْمَسْجِد الْأَقْصَى حِين وَصَفَهُ, وَيَكُون قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فِي عُرْض هَذَا الْحَائِط) أَيْ فِي جِهَته وَنَاحِيَته, أَوْ فِي التَّمْثِيل لِقُرْبِ الْمُشَاهَدَة, قَالُوا: وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون رُؤْيَة عِلْم وَعَرْض وَحْي بِاطِّلَاعِهِ وَتَعْرِيفه مِنْ أُمُورهَا تَفْصِيلًا مَا لَمْ يَعْرِفهُ قَبْل ذَلِكَ وَمِنْ عَظِيم شَأْنهمَا مَا زَادَهُ عِلْمًا بِأَمْرِهِمَا وَخَشْيَة وَتَحْذِيرًا وَدَوَام ذِكْر.
(وَالْقِطْف): بِكَسْرِ الْقَاف الْعُنْقُود, وَهُوَ فِعْل بِمَعْنَى مَفْعُول كَالذِّبْحِ بِمَعْنَى الْمَذْبُوح.
(فِي هِرَّة): أَي: بِسَبَبِ هِرَّة.
(تَأْكُل مِنْ خَشَاش الأرْض): بِفَتْحِ الْخَاء الْمُعْجَمَة وَهِيَ هَوَامّهَا وَحَشَرَاتها, وَقِيلَ: صِغَار الطَّيْر.
(يَجُرّ قُصْبه فِي النَّار): هُوَ بِضَمِّ الْقَاف وَإِسْكَان الصَّاد وَهِيَ الْأَمْعَاء.
من فوائد الحديث:
1- المبادرة إلى طاعة الله عز وجل عند حصول ما يخاف منه وما يحذر عنه، وطلب دفع البلاء بذكر الله تعالى وتمجيده وأنواع طاعته.
2- مشروعية صلاة الكسوف عند كسوف الشمس أو خسوف القمر، على الصفة المذكورة في الحديث.
3- وفيه معجزة ظاهرة للنبي وما كان عليه من نصح أمته وتعليمهم ما ينفعهم وتحذيرهم عما يضرهم.
4- بيان تعذيب أهل التوحيد لأجل المعاصي، كما في جرى للمرأة من بني إسرائيل.
5- وفيه جواز العمل اليسير في الصلاة(2).
6- إبطال ما كان أهل الجاهلية يعتقدونه من تأثير الكواكب في الأرض، حيث بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت عظيم من العظماء،- لأن الكسوف وافق يوم موت إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم - فبين أَنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يُخوف الله تعالى بهما عباده, قال الخطابي: كانوا في الجاهلية يعتقدون أن الكسوف يوجب حدوث تغير في الأرض من موت أو ضرر، فأعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنه اعتقاد باطل، وأن الشمس والقمر خلقان مسخران لله ليس لهما سلطان في غيرهما ولا قدرة على الدفع عن أنفسهما(3).
___________
(1) صحيح البخاري، ح: 1046، وصحيح مسلم، ح: 904, واللفظ له.
(2) انظر: عمدة القاري، جزء 7 - صفحة 85.
(3) فتح الباري - ابن حجر [ جزء 2 - صفحة 528 ]
محمد رافع 52 27-03-2012, 12:29 AM قصة الرجل الذي سقى السحاب أرضه
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلاةٍ مِن الأَرْضِ فَسَمِعَ صَوْتًا فِي سَحَابَةٍ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ؟ فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ, فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ, فَإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَد اسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ الْمَاءَ كُلَّهُ, فَتَتَبَّعَ الْمَاءَ فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الْمَاءَ بِمِسْحَاتِهِ, فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: فُلانٌ. لِلاسْمِ الَّذِي سَمِعَ فِي السَّحَابَةِ, فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ لِمَ تَسْأَلُنِي عَن اسْمِي؟ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا فِي السَّحَابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ يَقُولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ لاسْمِكَ, فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا؟ قَالَ: أَمَّا إِذْ قُلْتَ هَذَا فَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ, وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثًا, وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ)...وفي رواية: (وَأَجْعَلُ ثُلُثَهُ فِي الْمَسَاكِينِ وَالسَّائِلِينَ وَابْنِ السَّبِيلِ)(1).
شرح المفردات(2):
(اِسْقِ حَدِيقَة فُلان) الْحَدِيقَة الْقِطْعَة مِن النَّخِيل , وَيُطْلَق عَلَى الأَرْض ذَات الشَّجَر.
(تَنَحَّى) معناه: قَصَدَ, يُقَال: تَنَحَّيْت الشَّيْء وَانْتَحَيْته وَنَحَوْته إِذَا قَصَدْته, وَمِنْهُ سُمِّيَ عِلْم النَّحْو لأَنَّهُ قَصْد كَلام الْعَرَب.
(الْحَرَّة) بِفَتْحِ الْحَاء فَهِيَ أَرْض مُلَبَّسَة حِجَارَة سُودًا.
(وَالشَّرْجَة) بِفَتْحِ الشِّين الْمُعْجَمَة وَإِسْكَان الرَّاء, وَجَمْعهَا شِرَاج بِكَسْرِ الشِّين, وَهِيَ مَسَائِل الْمَاء فِي الْحِرَار.
من فوائد الحديث:
1-قال النووي: (وَفِي الْحَدِيث فَضْل الصَّدَقَة وَالإِحْسَان إِلَى الْمَسَاكِين وَأَبْنَاء السَّبِيل, وَفَضْل أَكْل الإِنْسَان مِنْ كَسْبه, وَالإِنْفَاق عَلَى الْعِيَال)(3).
2- لزوم البداءة بالنفس ومن تلزم نفقته، كما أوصى بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث أخرى، منها قوله صلى الله عليه وسلم: (خير الصدقة ما كان عن ظهر غني وابدأ بمن تعول)(4).
1-أن الصدقة سبب في نماء الأموال والزروع وحصول البركة فيها، وسلامتها من الآفات، كما أن البخل وإمساك اليد يستوجب رفع البركة منها، وحلول غضب الله على صاحبها،كما يجلب لها الدمار والهلاك.
_______________
(1) صحيح مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب الصدقة في المساكين، برقم: (5299).
(2) شرح النووي على مسلم [جزء 18 - صفحة 114].
(3) شرح النووي على مسلم [جزء 18 - صفحة 114].
(4) صحيح البخاري [2 /518] رقم: 1360، صحيح مسلم [2 /717] رقم: 1034.
محمد رافع 52 27-03-2012, 12:31 AM قصة تكلم البقرة والذئب
عَن سَعِيد بن الْمُسَيَّبِ وَأَبي سَلَمَةَ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً لَهُ قَدْ حَمَلَ عَلَيْهَا, التَفَتَتْ إِلَيْهِ الْبَقَرَةُ فَقَالَتْ: إِنِّي لَمْ أُخْلَقْ لِهَذَا وَلَكِنِّي إِنَّمَا خُلِقْتُ لِلْحَرْثِ, فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ! تَعَجُّبًا وَفَزَعًا أَبَقَرَةٌ تَكَلَّمُ!؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِنِّي أُومِنُ بِهِ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَيْنَا رَاعٍ فِي غَنَمِهِ عَدَا عَلَيْهِ الذِّئْبُ فَأَخَذَ مِنْهَا شَاةً, فَطَلَبَهُ الرَّاعِي حَتَّى اسْتَنْقَذَهَا مِنْهُ, فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ الذِّئْبُ فَقَالَ لَهُ: مَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ يَوْمَ لَيْسَ لَهَا رَاعٍ غَيْرِي؟ فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّه!ِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِنِّي أُومِنُ بِذَلِكَ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ). وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فَإِنِّي أُومِنُ بِهِ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. وَمَا هُمَا ثَمَّ(1).
شرح المفردات(2):
(يوم السَّبُع): بِضَمِّ الْبَاء, وهذا يكون عِنْد الْفِتَن حِين تَتْرُكهَا النَّاس هَمَلًا لَا رَاعِي لَهَا نُهْبَةً لِلسِّبَاعِ فَجَعَلَ السَّبُع لَهَا رَاعِيًا أَي: مُنْفَرِدًا بِهَا.
من فوائد الحديث:
1- قال النووي: قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَإِنِّي أُومِن بِهِ وَأَبُو بَكْر وَعُمَر وَمَا هُمَا ثم)، قَالَ الْعُلَمَاء: إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ ثِقَة بِهِمَا لِعِلْمِهِ بِصِدْقِ إِيمَانهمَا, وَقُوَّة يَقِينهمَا, وَكَمَال مَعْرِفَتهمَا لِعَظِيمِ سُلْطَان اللَّه وَكَمَال قُدْرَته. فَفِيهِ فَضِيلَة ظَاهِرَة لِأَبِي بَكْر وَعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا.
1- وَفِيهِ جَوَاز كَرَامَات الْأَوْلِيَاء وَخَرْق الْعَوَائِد, وَهُوَ مَذْهَب أَهْل الْحَقّ(3).
2- قال العلماء: كلام البقرة هنا لا يعتبر ولا يعمل به، فيجوز الحمل على البقرة كما يجوز الحرث عليها إذا كانت تطيق ذلك.
________________
(1) صحيح البخاري، ح: (2324), وصحيح مسلم، ح: (2388), واللفظ له.
(2) شرح النووي على مسلم [15/ 157].
(3) شرح النووي على مسلم [15/ 157].
محمد رافع 52 27-03-2012, 12:33 AM قصة أم زرع
شرح المفردات
(لَحْم جَمَل غَثّ): الْمُرَاد بِالْغَثِّ الْمَهْزُول.
(عَلَى رَأْس جَبَل وَعْر) أَي: صَعْب الْوُصُول إِلَيْهِ. فَالْمَعْنَى أَنَّهُ قَلِيلُ الْخَيْر مِنْ أَوْجُه: مِنْهَا كَوْنه كَلَحْمٍ لاَ كَلَحْمِ الضَّأْن, وَمِنْهَا أَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ غَثٌّ مَهْزُولٌ رَدِيءٌ, وَمِنْهَا أَنَّهُ صَعْبُ التَّنَاوُل لاَ يُوصَل إِلَيْهِ لاَ بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ.
(عَلَى رَأْس جَبَل): أَي: يَتَرَفَّعُ, وَيَتَكَبَّرُ, وَيَسْمُو بِنَفْسِهِ فَوْق مَوْضِعهَا كَثِيرًا, أَي: أَنَّهُ يَجْمَعُ إِلَى قِلَّةِ خَيْرِهِ تَكَبُّره وَسُوء الْخُلُق.
(وَلاَ سَمِين فَيُنْتَقَل) أَي: تَنْقُلُهُ النَّاس إِلَى بُيُوتهمْ لِيَأْكُلُوهُ, بَلْ يَتْرُكُوهُ رَغْبَة عَنْهُ لِرَدَاءَتِهِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَيْسَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ يَحْتَمِلُ سُوءُ عِشْرَته بِسَبَبِهَا.
(لاَ أَبُثُّ خَبَرَهُ) أَي: لاَ أَنْشُرهُ وَأُشِيعُهُ.
(إِنِّي أَخَاف أَنْ لاَ أَذَرَهُ): فِيهِ تَأْوِيلاَنِ أَحَدهمَا لِابْنِ السِّكِّيت وَغَيْره: أَنَّ الْهَاء عَائِدَة عَلَى خَبَره, فَالْمَعْنَى أَنَّ خَبَره طَوِيل إِنْ شَرَعْت فِي تَفْصِيله لاَ أَقْدِرُ عَلَى إِتْمَامه لِكَثْرَتِهِ.
وَالثَّانِيَة أَنَّ الْهَاء عَائِدَة عَلَى الزَّوْج, وَتَكُون (لاَ) زَائِدَة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: (مَا مَنَعَك أَنْ لاَ تَسْجُدَ) وَمَعْنَاهُ: إِنِّي أَخَاف أَنْ يُطَلِّقَنِي فَأَذَرَهُ.
(عُجَره وَبُجَره): فَالْمُرَاد بِهِمَا عُيُوبُهُ, وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْره: أَرَادَتْ بِهِمَا عُيُوبه الْبَاطِنَة, وَأَسْرَاره الْكَامِنَة.
وَأَصْلُ الْعُجَر: أَنْ يَعْتَقِدَ الْعَصَب أَو الْعُرُوق حَتَّى تَرَاهَا نَاتِئَة مِن الْجَسَد.
وَالْبُجَر: نَحْوهَا لاَ أَنَّهَا فِي الْبَطْن خَاصَّة, وَاحِدَتهَا بُجْرَة, وَمِنْهُ قِيلَ: رَجُل أَبْجَر إِذَا كَانَ نَاتِئ السُّرَّة عَظِيمهَا, وَيُقَالُ أَيْضًا: رَجُل أَنْجَر إِذَا كَانَ عَظِيمَ الْبَطْن, وَامْرَأَة بَجْرَاء وَالْجَمْع بُجَر. (فَالْعَشَنَّق): بِعَيْنٍ مُهْمَلَة مَفْتُوحَة ثُمَّ شِين مُعْجَمَة مَفْتُوحَة ثُمَّ نُون مُشَدَّدَة ثُمَّ قَاف, وَهُوَ الطَّوِيل, وَمَعْنَاهُ: لَيْسَ فِيهِ أَكْثَر مِنْ طُول بِلاَ نَفْع, فَإِنْ ذَكَرْت عُيُوبه طَلَّقَنِي, وَإِنْ سَكَتّ عَنْهَا عَلَّقَنِي, فَتَرَكَنِي لاَ عَزْبَاء وَلاَ مُزَوَّجَة.
(زَوْجِي كَلَيْلِ تِهَامَة لاَ حَرَّ وَلاَ قَرَّ, وَلاَ مَخَافَة وَلاَ سَآمَة): هَذَا مَدْح بَلِيغ, وَمَعْنَاهُ: لَيْسَ فِيهِ أَذَى, بَلْ هُوَ رَاحَة وَلَذَاذَة عَيْش, كَلَيْلِ تِهَامَة لَذِيذ مُعْتَدِل, لَيْسَ فِيهِ حَرّ, وَلاَ بَرْد مُفْرِط, وَلاَ أَخَافُ لَهُ غَائِلَة لِكَرمِ أَخْلاَقه, وَلاَ يَسْأَمُنِي وَيَمَلُّ صُحْبَتِي.
(زَوْجِي إِنْ دَخَلَ فَهِد, وَإِنْ خَرَجَ أَسِد, وَلاَ يَسْأَل عَمَّا عَهِدَ) هَذَا أَيْضًا مَدْح بَلِيغ , فَقَوْلهَا : فَهِد بِفَتْحِ الْفَاء وَكَسْر الْهَاء تَصِفُهُ إِذَا دَخَلَ الْبَيْت بِكَثْرَةِ النَّوْم وَالْغَفْلَة فِي مَنْزِله عَنْ تَعَهُّد مَا ذَهَبَ مِنْ مَتَاعه وَمَا بَقِيَ, وَشَبَّهَتْهُ بِالْفَهِدِ لِكَثْرَةِ نَوْمه, يُقَال: أَنْوَم مِنْ فَهِد.
(وَلاَ يَسْأَل عَمَّا عَهِدَ): أَي: لاَ يَسْأَلُ عَمَّا كَانَ عَهِدَهُ فِي الْبَيْت مِنْ مَاله وَمَتَاعه, وَإِذَا خَرَجَ أَسِد بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَكَسْر السِّين, وَهُوَ وَصْف لَهُ بِالشَّجَاعَةِ, وَمَعْنَاهُ: إِذَا صَارَ بَيْن النَّاس أَوْ خَالَطَ الْحَرْب كَانَ كَالْأَسَدِ, يُقَال: أَسِدَ وَاسْتَأْسَدَ.
قَالَ الْقَاضِي: وَقَال ابن أَبِي أُوَيْس: مَعْنَى فَهِد إِذَا دَخَلَ الْبَيْت وَثَبَ عَلَيَّ وُثُوب الْفَهد فَكَأَنَّهَا تُرِيدُ ضَرْبهَا, وَالْمُبَادَرَة بِجِمَاعِهَا, وَالصَّحِيح الْمَشْهُور التَّفْسِير الْأَوَّل.
(اللَّفّ): فِي الطَّعَام الْإِكْثَار مِنْهُ مَعَ التَّخْلِيط مِنْ صُنُوفه حَتَّى لاَ يَبْقَى مِنْهَا شَيْء.
(وَالاِشْتِفَاف): فِي الشُّرْب أَنْ يَسْتَوْعِبَ جَمِيع مَا فِي الْإِنَاء, مَأْخُوذ مِن الشُّفَافَة بِضَمِّ الشِّين, وَهِيَ مَا بَقِيَ فِي الْإِنَاء مِن الشَّرَاب, فَإِذَا شَرِبَهَا قِيلَ: اِشْتَفَّهَا, وَتَشَافَهَا.
(وَلاَ يُولِجُ الْكَفّ لِيَعْلَم الْبَثّ): قَالَ أَبُو عُبَيْد: أَحْسِبُهُ كَانَ بِجَسَدِهَا عَيْبٌ أَوْ دَاءٌ كنت بِهِ, لِأَنَّ الْبَثَّ الْحُزْنُ, فَكَانَ لاَ يُدْخِلُ يَده فِي ثَوْبِهَا لِيَمَسّ ذَلِكَ فَيَشُقّ عَلَيْهَا, فَوَصَفَتْهُ بِالْمُرُوءَةِ وَكَرَم الْخُلُق.
وَقَالَ الْهَرَوِيُّ: قَالَ ابن الْأَعْرَابِيّ: هَذَا ذَمّ لَهُ, أَرَادَت: وَإِن اضْطَجَعَ وَرَقَدَ اِلْتَفَّ فِي ثِيَابه فِي نَاحِيَةٍ, وَلَمْ يُضَاجِعْنِي لِيَعْلَمَ مَا عِنْدِي مِنْ مَحَبَّتِهِ. قَالَ: وَلاَ بَثَّ هُنَاكَ لاَ مَحَبَّتهَا الدُّنُوّ مِنْ زَوْجهَا.
وَقَالَ آخَرُونَ: أَرَادَتْ أَنَّهُ لاَ يَفْتَقِد أُمُورِي وَمَصَالِحِي.
(عَيَايَاء) بِالْمُهْمَلَةِ, وَفِي أَكْثَر الرِّوَايَات بِالْمُعْجَمَةِ, وَأَنْكَرَ أَبُو عُبَيْد وَغَيْره الْمُعْجَمَة, وَقَالُوا: الصَّوَاب الْمُهْمَلَة, وَهُوَ الَّذِي لاَ يُلْقِح.
وَقِيلَ: هُوَ الْعِنِّين الَّذِي تَعِيبُهُ مُبَاضَعَة النِّسَاء, وَيَعْجِز عَنْهَا.
(غَيَايَاء) بالغَيْنِ الْمُعْجَمَة؛ مِن الْغَيّ, وَهُوَ الِانْهِمَاك فِي الشَّرّ, أَوْ مِن الْغَيّ الَّذِي هُوَ الْخَيْبَة. قَالَ اللَّه تَعَالَى : (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا).
(طَبَاقَاء) فَمَعْنَاهُ: الْمُطْبَقَة عَلَيْهِ أُمُوره حُمْقًا.
وَقِيلَ: الَّذِي يَعْجِز عَن الْكَلاَم, فَتَنْطَبِق شَفَتَاهُ.
وَقِيلَ: هُوَ الْعِيّ الْأَحْمَق الْفَدْم.
(شَجَّك) أَي: جَرَحَك فِي الرَّأْس, فَالشِّجَاج جِرَاحَات الرَّأْس, وَالْجِرَاح فِيهِ وَفِي الْجَسَد.
(فَلَّك) الْفَلُّ الْكَسْر وَالضَّرْب.
وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا مَعَهُ بَيْن شَجّ رَأْس, وَضَرْب, وَكَسْر عُضْو, أَوْ جَمْع بَيْنهمَا. وَقِيلَ: الْمُرَاد بِالْفَلِّ هُنَا الْخُصُومَة.
(كُلّ دَاء لَهُ دَاء) أي: جَمِيع أَدْوَاء النَّاس مُجْتَمِعَة فِيهِ.
(الزَّرْنَب): نَوْع مِن الطِّيب مَعْرُوف. قِيلَ: أَرَادَتْ طِيب رِيح جَسَده.
وَقِيلَ: طِيب ثِيَابه فِي النَّاس.
وَقِيلَ: لِين خُلُقه وَحُسْن عِشْرَته.
(وَالْمَسّ مَسّ أَرْنَب) صَرِيح فِي لِين الْجَانِب, وَكَرَم الْخُلُق.
(رَفِيع الْعِمَاد): وَصْفه بِالشَّرَفِ, وَسَنَاء الذِّكْر. وَأَصْل الْعِمَاد عِمَاد الْبَيْت, وَجَمْعه عُمُد, وَهِيَ الْعِيدَانِ الَّتِي تُعْمَدُ بِهَا الْبُيُوت, أَي: بَيْته فِي الْحَسَب رَفِيع فِي قَوْمه.
وَقِيلَ: إِنَّ بَيْته الَّذِي يَسْكُنُهُ رَفِيع الْعِمَاد لِيَرَاهُ الضِّيفَان وَأَصْحَاب الْحَوَائِج فَيَقْصِدُوهُ, وَهَكَذَا بُيُوت الْأَجْوَاد.
(طَوِيل النِّجَاد): بِكَسْرِ النُّون تَصِفُهُ بِطُولِ الْقَامَة, وَالنِّجَاد حَمَائِل السَّيْف, فَالطَّوِيل يَحْتَاجُ إِلَى طُول حَمَائِل سَيْفه, وَالْعَرَب تَمْدَح بِذَلِكَ.
(عَظِيم الرَّمَاد): تَصِفُهُ بِالْجُودِ وَكَثْرَة الضِّيَافَة مِن اللُّحُوم وَالْخُبْز, فَيَكْثُرُ وَقُوده, فَيَكْثُر رَمَاده. وَقِيلَ: لِأَنَّ نَاره لاَ تُطْفَأُ بِاللَّيْلِ لِتَهْتَدِي بِهَا الضِّيفَان, وَالْأَجْوَاد يُعَظِّمُونَ النِّيرَان فِي ظَلاَم اللَّيْل, وَيُوقِدُونَهَا عَلَى التِّلاَل وَمَشَارِف الْأَرْض, وَيَرْفَعُونَ الْأَقْبَاس عَلَى الْأَيْدِي لِتَهْتَدِي بِهَا الضِّيفَان.
(قَرِيب الْبَيْت مِن النَّادِي) قَالَ أَهْل اللُّغَة: النَّادِي وَالنَّاد وَالنَّدَى وَالْمُنْتَدَى مَجْلِس الْقَوْم, وَصَفَتْهُ بِالْكَرَمِ وَالسُّؤْدُد, لِأَنَّهُ لاَ يَقْرُب الْبَيْت مِن النَّادِي لاَ مَنْ هَذِهِ صِفَته; لِأَنَّ الضِّيفَان يَقْصِدُونَ النَّادِي, وَلِأَنَّ أَصْحَاب النَّادِي يَأْخُذُونَ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي مَجْلِسهمْ مِنْ بَيْت قَرِيب النَّادِي, وَاللِّئَام يَتَبَاعَدُونَ مِن النَّادِي.
__________
(1) ينظر: شرح صحيح مسلم للنووي، 15/ 213-221.
محمد رافع 52 27-03-2012, 12:35 AM قصة أم زرع
قصة أم زرع
(قَالَت الْعَاشِرَة: زَوْجِي مَالِك, فَمَا مَالِك مَالِك خَيْر مِنْ ذَلِكَ, لَهُ إِبِل كَثِيرَات الْمَبَارِك, قَلِيلاَت الْمَسَارِح, إِذَا سَمِعْنَ صَوْت الْمِزْهَر أَيْقَنَ أَنَّهُنَّ هَوَالِك): مَعْنَاهُ: أَنَّ لَهُ إِبِلاً كَثِيرًا فَهِيَ بَارِكَة بِفِنَائِهِ, لاَ يُوَجِّهُهَا تَسْرَح لاَ قَلِيلاً قَدْر الضَّرُورَة, وَمُعْظَم أَوْقَاتهَا تَكُون بَارِكَة بِفِنَائِهِ, فَإِذَا نَزَلَ بِهِ الضِّيفَان كَانَت لأَبِل حَاضِرَة; فَيَقْرِيهِمْ مِنْ أَلْبَانهَا وَلُحُومهَا.
(وَالْمِزْهَر): بِكَسْرِ الْمِيم الْعُودُ الَّذِي يَضْرِبُ, أَرَادَتْ أَنَّ زَوْجهَا عَوَّدَ إِبِله إِذَا نَزَلَ بِهِ الضِّيفَان نَحَرَ لَهُمْ مِنْهَا, وَأَتَاهُمْ بِالْعِيدَانِ وَالْمَعَازِف وَالشَّرَاب, فَإِذَا سَمِعَت لأَبِل صَوْت الْمِزْهَر عَلِمْنَ أَنَّهُ قَدْ جَاءَهُ الضِّيفَان, وَأَنَّهُنَّ مَنْحُورَات هَوَالِك. هَذَا تَفْسِير أَبِي عُبَيْد وَالْجُمْهُور.
وَقِيلَ: مَبَارِكهَا كَثِيرَة لِكَثْرَةِ مَا يُنْحَرُ مِنْهَا لِلأَضْيَافِ, قَالَ هَؤُلاَءِ: وَلَوْ كَانَتْ كَمَا قَالَ لأَوَّلُونَ لَمَاتَتْ هُزَلاً, وَهَذَا لَيْسَ بِلاَزِمٍ; فَإِنَّهَا تَسْرَحُ وَقْتًا تَأْخُذُ فِيهِ حَاجَتهَا, ثُمَّ تَبْرُك بِالْفِنَاءِ.
وَقِيلَ: كَثِيرَات الْمَبَارِك أَيْ مَبَارِكهَا فِي الْحُقُوق وَالْعَطَايَا وَالْحِمَلاَت وَالضِّيفَان كَثِيرَة, مَرَاعِيهَا قَلِيلَة; لأَنَّهَا تُصْرَف فِي هَذِهِ الْوُجُوه. قَالَهُ اِبْن السِّكِّيت.
(أنَاس مِنْ حُلِيّ أُذُنَيّ) هُوَ بِتَشْدِيدِ الْيَاء مِنْ (أُذُنَيّ) عَلَى التَّثْنِيَة, وَالْحُلِيّ بِضَمِّ الْحَاء وَكَسْرهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ.
(وَالنَّوْس) بِالنُّونِ وَالسِّين المهْمَلَة الْحَرَكَة مِنْ كُلّ شَيْء مُتَدَلٍّ, يُقَالُ مِنْهُ: نَاسَ يَنُوسُ نَوْسًا, وَأَنَاسَهُ غَيْره أَنَاسَةً, وَمَعْنَاهُ حَلاَنِي قِرَطَة وَشُنُوفًا فَهُوَ تَنَوَّس أَيْ تَتَحَرَّك لِكَثْرَتِهَا.
(وَمَلاَ مِنْ شَحْم عَضُدِي) قَالَ الْعُلَمَاء: مَعْنَاهُ أَسْمَنَنِي, وَمَلاَ بَدَنِي شَحْمًا, وَلَمْ تُرِدْ اخْتِصَاص الْعَضُدَيْنِ, لَكِنْ إِذَا سَمِنَتَا سَمِنَ غَيْرهمَا.
(وَبَجَّحَنِي فَبَجِحَتْ إِلَيَّ نَفْسِي) هُوَ بِتَشْدِيدِ جِيم (بَجَّحَنِي), فَبَجِحَتْ بِكَسْرِ الْجِيم وَفَتْحهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ, أَفْصَحُهُمَا الْكَسْر, قَالَ الْجَوْهَرِيّ: الْفَتْح ضَعِيفَة, وَمَعْنَاهُ فَرَّحَنِي فَفَرِحْت, وَقَالَ ابن لأَنْبَارِيّ: وَعَظَّمَنِي فَعَظُمْت عِنْد نَفْسِي. يُقَالُ: فُلاَنٌ يَتَبَجَّحُ بِكَذَا أَي: يَتَعَظَّمُ وَيَفْتَخِرُ.
(فِي غُنَيْمَة) فَبِضَمِّ الْغَيْن تَصْغِير الْغَنَم, أَرَادَتْ أَنَّ أَهْلهَا كَانُوا أَصْحَاب غَنَم لاَ أَصْحَاب خَيْل وَإِبِل; لأَنَّ الصَّهِيل أَصْوَات الْخَيْل, وَلأَطِيط أَصْوَات لأَبِل وَحَنِينهَا, وَالْعَرَب لاَ تَعْتَدُّ بِأَصْحَابِ الْغَنَم, وَإِنَّمَا يَعْتَدُّونَ بِأَهْلِ الْخَيْل وَلأَبِل.
(بِشِقِّ) أَي: بِشَظَفٍ مِن الْعَيْش وَجَهْدٍ.
(وَدَائِس) هُوَ الَّذِي يَدُوسُ الزَّرْع فِي بَيْدَرِهِ.
(وَمُنَقٍّ) هُوَ بِضَمِّ الْمِيم وَفَتْح النُّون وَتَشْدِيد الْقَاف, وَالْمُرَاد بِهِ الَّذِي يُنَقِّي الطَّعَام أَي: يُخْرِجُهُ مِنْ بَيْته وَقُشُوره, وَالْمَقْصُود أَنَّهُ صَاحِب زَرْع, وَيَدُوسُهُ وَيُنَقِّيهِ.
(فَعِنْدَهُ أَقُولُ فَلاَ أُقَبَّح) مَعْنَاهُ لاَ يُقَبِّح قَوْلِي فَيَرُدُّ, بَلْ يَقْبَلُ مِنِّي.
(أَتَصَبَّحُ) معناه: أَنَام الصُّبْحَة, وَهِيَ بَعْد الصَّبَاح, أَيْ أَنَّهَا مَكْفِيَّة بِمَنْ يَخْدُمُهَا فَتَنَام.
(فَأَتَقَنَّح) بِالنُّونِ بَعْد الْقَاف, مَعْنَاهُ أُرْوَى حَتَّى أَدَعَ الشَّرَاب مِن الشِّدَّة الرِّي, وَمِنْهُ قَمَحَ الْبَعِير يَقْمَحُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِن الْمَاء بَعْد الرِّي, قَالَ أَبُو عُبَيْد: وَلاَ أَرَاهَا قَالَتْ هَذِهِ لاَ لِعِزَّةِ الْمَاء عِنْدهمْ.
(عُكُومُهَا): الْعُكُوم لأَعْدَال وَلأَوْعِيَة الَّتِي فِيهَا الطَّعَام وَلأَمْتِعَة, وَاحِدُهَا عِكْم بِكَسْرِ الْعَيْن.
(وَرَدَاح) أَي: عِظَام كَبِيرَة, وَمِنْهُ قِيلَ لِلْمَرْأَةِ: رَدَاح إِذَا كَانَتْ عَظِيمَة لأَكْفَال. فَإِنْ قِيلَ: رَدَاح مُفْرَدَة, فَكَيْف وَصَفَ بِهَا الْعُكُوم, وَالْجَمْعُ لاَ يَجُوزُ وَصْفه بِالْمُفْرَدِ: قَالَ الْقَاضِي: جَوَابه أَنَّهُ أَرَادَ كُلّ عِكْم مِنْهَا رَدَاح, أَوْ يَكُون رَدَاح هُنَا مَصْدَرًا كَالذَّهَابِ.
(وَبَيْتهَا فَسَاح) بِفَتْحِ الْفَاء وَتَخْفِيف السِّين الْمُهْمَلَة, أَي: وَاسِع, وَالْفَسِيح مِثْله, هَكَذَا فَسَّرَهُ الْجُمْهُور. قَالَ الْقَاضِي: وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا أَرَادَتْ كَثْرَة الْخَيْر وَالنِّعْمَة.
(مَضْجَعه كَمَسَلِّ شَطْبَة) الْمَسَلّ بِفَتْحِ الْمِيم وَالسِّين الْمُهْمَلَة وَتَشْدِيد اللاَم.
(شَطْبَة) بِشِينٍ مُعْجَمَة ثُمَّ طَاء مُهْمَلَة سَاكِنَة ثُمَّ مُوَحَّدَة ثُمَّ هَاء, وَهِيَ مَا شُطِبَ مِنْ جَرِيد النَّخْل, أَيْ شُقَّ, وَهِيَ السَّعَفَة لأَنَّ الْجَرِيدَة تُشَقَّقُ مِنْهَا قُضْبَان رِقَاق, مُرَادهَا: أَنَّهُ مُهَفْهَف خَفِيف اللَّحْم كَالشَّطْبَةِ, وَهُوَ مِمَّا يُمْدَحُ بِهِ الرَّجُل.
(الْمَسَلّ) هُنَا مَصْدَر بِمَعْنَى الْمَسْلُول, أَي: مَا سُلَّ مِنْ قِشْره, وَقَالَ اِبْن لأَعْرَابِيّ وَغَيْره: أَرَادَتْ بِقَوْلِهَا: ( كَمَسَلِّ شَطْبَة ) أَنَّهُ كَالسَّيْفِ سُلَّ مِنْ غِمْده.
(وَتُشْبِعُهُ ذِرَاع الْجَفْرَة) الذِّرَاع مُؤَنَّثَة, وَقَدْ تُذَكَّرُ, وَالْجَفْرَة بِفَتْحِ الْجِيم وَهِيَ لأَنْثَى مِنْ أَوْلاَد الْمَعْزِ, وَقِيلَ: مِن الضَّأْن, وَهِيَ مَا بَلَغَتْ أَرْبَعَة أَشْهُر وَفُصِلَتْ عَنْ أُمِّهَا, وَالذَّكَر جَفْر; لأَنَّهُ جَفَرَ جَنْبَاهُ, أي: عَظُمَا.
وَالْمُرَاد أَنَّهُ قَلِيل لأَكْل, وَالْعَرَب تَمْدَحُ بِهِ.
(طَوْع أَبِيهَا وَطَوْع أُمّهَا) أي: مُطِيعَة لَهُمَا مُنْقَادَة لأَمْرِهِمَا.
(وَمِلْء كِسَائِهَا) أي: مُمْتَلِئَة الْجِسْم سَمِينَة. وَقَالَتْ فِي الرِّوَايَة لأَخْرَى: ( صِفْر رِدَائِهَا ) بِكَسْرِ الصَّاد , وَالصِّفْر الْخَالِي, قَالَ الْهَرَوِيُّ: أَي: ضَامِرَة الْبَطْن, وَالرِّدَاء يَنْتَهِي إِلَى الْبَطْن. وَقَالَ غَيْره: مَعْنَاهُ أَنَّهَا خَفِيفَة أَعْلَى الْبَدَن, وَهُوَ مَوْضِع الرِّدَاء, مُمْتَلِئَة أَسْفَله, وَهُوَ مَوْضِع الْكِسَاء, وَيُؤَيِّد هَذَا أَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَة: ( وَمِلْء إِزَارهَا ). قَالَ الْقَاضِي: وَلأَوْلَى أَنَّ الْمُرَاد اِمْتِلاَء مَنْكِبَيْهَا, وَقِيَام نَهْدَيْهَا بِحَيْثُ يَرْفَعَانِ الرِّدَاء عَنْ أَعْلَى جَسَدهَا, فَلاَ يَمَسّهُ فَيَصِير خَالِيًا بِخِلاَفِ أَسْفَلهَا.
(وَغَيْظ جَارَتهَا) قَالُوا: الْمُرَاد بِجَارَتِهَا ضَرَّتهَا, يَغِيظهَا مَا تَرَى مِنْ حَسَنهَا وَجَمَالهَا وَعِفَّتهَا وَأَدَبهَا.
(لاَ تَبُثُّ حَدِيثنَا تَبْثِيثًا) هُوَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَة بَيْن الْمُثَنَّاة وَالْمُثَلَّثَة أَيْ لاَ تُشِيعُهُ وَتُظْهِرُهُ, بَلْ تَكْتُمُ سِرَّنَا وَحَدِيثنَا كُلّه.
(وَلاَ تُنَقِّثُ مِيرَتنَا تَنْقِيثًا) الْمِيرَة الطَّعَام الْمَجْلُوب, وَمَعْنَاهُ لاَ تُفْسِدُ, وَلاَ تَذْهَب بِهِ وَمَعْنَاهُ وَصْفُهَا بِلأَمَانَةِ.
(وَلاَ تَمْلاَ بَيْتنَا تَعْشِيشًا) هُوَ بِالْعَيْنِ بِالْمُهْمَلَةِ, أَيْ لاَ تَتْرُكُ الْكُنَاسَة وَالْقُمَامَة فِيهِ مُفَرَّقَة كَعُشِّ الطَّائِر, بَلْ هِيَ مُصْلِحَة لِلْبَيْتِ, مُعْتَنِيَة بِتَنْظِيفِهِ.
(وَلأَوْطَاب تُمْخَض) هُوَ جَمْع وَطْب بِفَتْحِ الْوَاو وَإِسْكَان الطَّاء, وَهُوَ جَمْعٌ قَلِيلُ النَّظِير. وَفِي رِوَايَة فِي غَيْر مُسْلِم: ( وَالْوِطَاب ), وَهُوَ الْجَمْعُ لأَصْلِيُّ, وَهِيَ سَقِيَّة اللَّبَن الَّتِي يُمْخَض فِيهَا.
( يَلْعَبَانِ مِنْ تَحْت خَصْرهَا بِرُمَّانَتَيْنِ) قَالَ أَبُو عُبَيْد: مَعْنَاهُ أَنَّهَا ذَات كِفْل عَظِيم, فَإِذَا اسْتَلْقَتْ عَلَى قَفَاهَا نَتَأَ الْكِفْل بِهَا مِن لأَرْض حَتَّى تَصِيرَ تَحْتَهَا فَجْوَةً يَجْرِي فِيهَا الرُّمَّان.
قَالَ الْقَاضِي: قَالَ بَعْضهم: المرَاد بِالرُّمَّانَتَيْنِ هُنَا ثَدْيَاهَا, وَمَعْنَاهُ أَنَّ لَهَا نَهْدَيْنِ حَسَنَيْنِ صَغِيرَيْنِ كَالرُّمَّانَتَيْنِ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا أَرْجَحُ لاَ سِيَّمَا وَقَدْ رُوِيَ: مِنْ تَحْت صَدْرهَا, وَمَنْ تَحْت دِرْعهَا, وَلأَنَّ الْعَادَة لَمْ تَجْرِ بِرَمْيِ الصِّبْيَان الرُّمَّان تَحْت ظُهُور أُمَّهَاتهمْ, وَلاَ جَرَت الْعَادَة أَيْضًا بِاسْتِلْقَاءِ النِّسَاء كَذَلِكَ حَتَّى يُشَاهِدَهُ مِنْهُنَّ الرِّجَال.
(سِرِّيًّا) بِالسِّينِ الْمُهْمَلَة عَلَى الْمَشْهُور, مَعْنَاهُ سَيِّدًا شَرِيفًا. وَقِيلَ: سَخِيًّا.
(شَرِيًّا) بِالشِّينِ الْمُعْجَمَة بِلاَ خِلاَف, هُوَ الْفَرَس الَّذِي يَسْتَشْرِي فِي سَيْره أَيْ يُلِحُّ وَيَمْضِي بِلاَ فُتُور, وَلاَ اِنْكِسَار.
(وَأَخَذَ خَطِّيًّا) هُوَ بِفَتْحِ الْخَاء وَكَسْرهَا, وَالْفَتْح أَشْهَر, وَالْخَطِّيّ الرُّمْح؛ مَنْسُوب إِلَى الْخَطّ قَرْيَة مِنْ سَيْف الْبَحْر أَيْ سَاحِله عِنْد عَمَّان وَالْبَحْرَيْنِ.
(وَأَرَاحَ عَلَيَّ نعَمًا ثَرِيًّا) أي: أَتَى بِهَا إِلَى مُرَاحهَا بِضَمِّ الْمِيم هُوَ مَوْضِع مَبِيتهَا. وَالنَّعَم لأَبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم, وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَاد هُنَا بَعْضهَا وَهِيَ لأَبِل.
(وَالثَّرِيّ) بِالْمُثَلَّثَةِ وَتَشْدِيد الْيَاء الْكَثِير مِن الْمَال وَغَيْره, وَمِنْهُ الثَّرْوَة فِي الْمَال وَهِيَ كَثْرَته.
(مِنْ كُلّ رَائِحَة) أي: مِمَّا يَرُوح مِن لأَبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم وَالْعَبِيد.
(زَوْجًا) أي: اِثْنَيْنِ, وَيَحْتَمِل أَنَّهَا أَرَادَتْ صِنْفًا.
(ذَابِحَة) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَة أي: مِنْ كُلّ مَا يَجُوزُ ذَبْحه مِن لأَبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم وَغَيْرهَا, وَهِيَ فَاعِلَة بِمَعْنَى مَفْعُولَة.
(مِيرِي أَهْلك) بِكَسْرِ الْمِيم مِن الْمِيرَة, أي: أَعْطِيهِمْ وَافْضُلِي عَلَيْهِمْ وَصِلِيهِمْ.
(تَنْقُث) بِفَتْحِ التَّاء وَإِسْكَان النُّون وَضَمّ الْقَاف, وَجَاءَ قَوْلهَا (تَنْقِيثًا) عَلَى غَيْر الْمَصْدَر, وَهُوَ جَائِز.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا: (كُنْت لَك كَأَبِي زَرْع لأَمِّ زَرْع) قَالَ الْعُلَمَاء: هُوَ تَطْيِيبٌ لِنَفْسِهَا, وَإِيضَاحٌ لِحُسْنِ عِشْرَته إِيَّاهَا, وَمَعْنَاهُ أَنَا لَك كَأَبِي زَرْع, (وَكَانَ) زَائِدَة, أَوْ لِلدَّوَامِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) أي: كَانَ فِيمَا مَضَى, وَهُوَ بَاقٍ كَذَلِكَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
من فوائد الحديث:
قَالَ الْعُلَمَاء: فِي حَدِيث أُمّ زَرْع هَذَا فَوَائِد مِنْهَا:
1- اسْتِحْبَاب حُسْن الْمُعَاشَرَة لِلأَهْلِ.
2- َجَوَاز لأَخْبَار عَن لأَمَم الْخَالِيَة.
3- َأَنَّ الْمُشَبَّه بِالشَّيْءِ لاَ يَلْزَمُ كَوْنُهُ مِثْله فِي كُلّ شَيْء.
4- وَمِنْهَا أَنَّ كِنَايَات الطَّلاَق لاَ يَقَعُ بِهَا طَلاَقٌ لاَ بِالنِّيَّةِ لأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَائِشَة: كُنْت لَك كَأَبِي زَرْع لأَمِّ زَرْع وَمِنْ جُمْلَة أَفْعَال أَبِي زَرْع أَنَّهُ طَلَّقَ اِمْرَأَته أُمّ زَرْع كَمَا سَبَقَ, وَلَمْ يَقَع عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلاَق بِتَشْبِيهِهِ لِكَوْنِهِ لَمْ يَنْوِ الطَّلاَق.
5- قَالَ الْمَازِرِيّ: قَالَ بَعْضهمْ: وَفِيهِ أَنَّ هَؤُلاَءِ النِّسْوَة ذَكَرَ بَعْضهنَّ أَزْوَاجهنَّ بِمَا يَكْرَه, وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ غِيبَة لِكَوْنِهِمْ لاَ يُعْرَفُونَ بِأَعْيَانِهِمْ أَوْ أَسْمَائِهِمْ, وَإِنَّمَا الْغِيبَة الْمُحَرَّمَة أَنْ يَذْكُر إِنْسَانًا بِعَيْنِهِ, أَوْ جَمَاعَة بِأَعْيَانِهِمْ.
محمد رافع 52 27-03-2012, 12:37 AM قصة الرجل الذي أوصى بإحراقه بعد موته
قصة رجل أوصى بنيه: إذا أنا مت فاحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في البحر:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَسْرَفَ رَجُلٌ عَلَى نَفْسِهِ, فَلَمَّا حَضَرَهُ لمَوْتُ أَوْصَى بَنِيهِ فَقَالَ: إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ اسْحَقُونِي ثُمَّ اذْرُونِي فِي الرِّيحِ فِي البَحْرِ؛ فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي لَيُعَذِّبُنِي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ بِهِ أَحَدًا, قَالَ: فَفَعَلُوا ذَلِكَ بِهِ, فَقَالَ: لِلأَرْضِ أَدِّي مَا أَخَذْتِ, فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ, فَقَالَ لَهُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ فَقَالَ: خَشْيَتُكَ يَا رَبِّ. أَوْ قَالَ: مَخَافَتُكَ, فغفر لَهُ بِذَلِكَ(1).
شرح المفردات(2):
(أسرف على نفسه): أي: ظلم على نفسه، وأسرف الرجل: إذا جاوز الحد، وإذا أخطأ.
(اذروني): طيِّروني. مِنْ قَوْله أَذْرَت الرِّيح الشَّيْء إِذَا فَرَّقَتْهُ بِهُبُوبِهَا.
(اسحقوني): سحق الشيء أي: سهكه. وبابه قطع، وَهُوَ الدَّقُّ وَالطَّحْنُ, أي:اجعلوني سحيقًا.
(أَدِّي): أَمْر مِن لأَدَاء.
شرح الحديث:
قال ابن حجر: قَالَ لخَطَّابِيُّ: قَدْ يُسْتَشْكَل هَذَا فَيُقَال كَيْف يُغْفَر لَهُ وَهُوَ مُنْكِر لِلبَعْثِ وَلقُدْرَة عَلَى إِحْيَاء لمَوْتَى ؟ وَلجَوَاب أَنَّهُ لَمْ يُنْكِر لبَعْث وَإِنَّمَا جَهِلَ فَظَنَّ أَنَّهُ إِذَا فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ لاَ يُعَاد فَلاَ يُعَذَّب , وَقَدْ ظَهَرَ إِيمَانه بِاعْتِرَافِهِ بِأَنَّهُ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَة اللَّه (3).
وقال النووي: اخْتَلَفَ لعُلَمَاء فِي تَأْوِيل هَذَا لحَدِيث, فَقَالَتْ طَائِفَة: لاَ يَصِحّ حَمْل هَذَا عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ نَفْيَ قُدْرَة اللَّه, فَإِنَّ الشَّاكّ فِي قُدْرَة اللَّه تَعَالَى كَافِر, وَقَدْ قَالَ فِي آخِر لحَدِيث: إِنَّهُ إِنَّمَا فَعَلَ هَذَا مِنْ خَشْيَة اللَّه تَعَالَى, وَلكَافِر لاَ يَخْشَى اللَّه تَعَالَى, وَلاَ يُغْفَر لَهُ, قَالَ هَؤُلاَءِ: فَيَكُون لَهُ تَأْوِيلاَنِ أَحَدهمَا أَنَّ مَعْنَاهُ: لَئِنْ قَدَّرَ عَلَيَّ لعَذَاب, أَيْ: قَضَاهُ, يُقَال مِنْهُ قَدَرَ بِالتَّخْفِيفِ, وَقَدَّرَ بِالتَّشْدِيدِ بِمَعْنًى وَاحِد. وَالثَّانِي: إِنْ قَدَرَ هُنَا بِمَعْنَى ضَيَّقَ عَلَيَّ, قَالَ اللَّه تَعَالَى: (فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَه) وَهُوَ أَحَد لأَقْوَال فِي قَوْله تَعَالَى: (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) وَقَالَتْ طَائِفَة: اللَّفْظ عَلَى ظَاهِره, وَلَكِنْ قَالَهُ هَذَا الرَّجُل وَهُوَ غَيْر ضَابِط لِكَلاَمِهِ, وَلاَ قَاصِد لِحَقِيقَةِ مَعْنَاهُ, وَمُعْتَقِد لَهَا, بَل قَالَهُ فِي حَالَة غَلَبَ عَلَيْهِ فِيهَا الدَّهْش وَلخَوْف وَشِدَّة لجَزَع, بِحَيْثُ ذَهَبَ تَيَقُّظه وَتَدَبُّر مَا يَقُولهُ, فَصَارَ فِي مَعْنَى لغَافِل وَالنَّاسِي, وَهَذِهِ لحَالَة لاَ يُؤَاخَذ فِيهَا, وَهُوَ نَحْو قَوْل لقَائِل لآخَر الَّذِي غَلَبَ عَلَيْهِ لفَرَح حِين وَجَدَ رَاحِلَته: "أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبّك", فَلَمْ يَكْفُر بِذَلِكَ الدَّهْش وَلغَلَبَة وَالسَّهْو.
وَقَالَتْ طَائِفَة: هَذَا مِنْ مَجَاز كَلاَم لعَرَب, وَبَدِيع اِسْتِعْمَالهَا, يُسَمُّونَهُ مَزْج الشَّكّ بِليَقِينِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً) فَصُورَته صُورَة شَكّ وَلمُرَاد بِهِ ليَقِين. وَقِيلَ: إِنَّمَا وَصَّى بِذَلِكَ تَحْقِيرًا لِنَفْسِهِ, وَعُقُوبَة لَهَا لِعِصْيَانِهَا, وَإِسْرَافهَا, رَجَاء أَنْ يَرْحَمهُ اللَّه تَعَالَى(4).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فهذا رجل شك فى قدرة الله وفى إعادته إذا ذري بل اعتقد أنه لا يعاد وهذا كفر باتفاق المسلمين لكن كان جاهلا لا يعلم ذلك وكان مؤمنا يخاف الله أن يعاقبه فغفر له بذلك)(5).
من فوائد الحديث:
1-سعة رحمة الله عز وجل بعباده، وتجاوزه عما صدر عنهم بسبب الجهل أو النسيان أو الإكراه، كما يدل عليه هذا الحديث وغيره.
2-الحذر من المسارعة إلى الحكم على الناس بمجرد صدور ما يستحقون اللوم عليه قبل النظر في أحوالهم وأعذارهم، وقبل إقامة الحجة عليهم.
3-أن القول قد يكون كفراً، أو فسقاً ولكن لا يلزم من ذلك الحكم على قائله بذلك حتى تقام عليه الحجة.
________________
(1) صحيح البخاري، ح: (3478)، وصحيح مسلم، ح: (2756)، واللفظ له.
(2) ينظر: فتح الباري لابن حجر, 6/ 522، وحاشية السندي على النسائي, 4/ 112- 113.
(3) فتح الباري لابن حجر, 6 / 522.
(4) شرح النووي على صحيح مسلم, 17/ 71 .
(5) مجموع الفتاوى (3/231).
محمد رافع 52 27-03-2012, 12:38 AM قصة الرجل الذي وجد الكنز من العقار الذي اشتراه
قصة الرجل الذي وجد الكنز من العقار الذي اشتراه
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَقَارًا لَهُ، فَوَجَدَ الرَّجُلُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ فِي عَقَارِهِ جَرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ، فَقَالَ لَهُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ: خُذْ ذَهَبَكَ مِنِّي إِنَّمَا اشْتَرَيْتُ مِنْكَ الأَرْضَ وَلَمْ أَبْتَعْ مِنْكَ الذَّهَبَ، وَقَالَ الَّذِي لَهُ الأَرْضُ: إِنَّمَا بِعْتُكَ الأَرْضَ وَمَا فِيهَا، فَتَحَاكَمَا إِلَى رَجُلٍ؛ فَقَالَ الَّذِي تَحَاكَمَا إِلَيْهِ: أَلَكُمَا وَلَدٌ؟ قَالَ أَحَدُهُمَا: لِي غُلامٌ. وَقَالَ الآخَرُ: لِي جَارِيَةٌ. قَالَ: أَنْكِحُوا الْغُلامَ الْجَارِيَةَ, وَأَنْفِقُوا عَلَى أَنْفُسِهِمَا مِنْهُ, وَتَصَدَّقَا(1).
شرح المفردات(2):
(عَقَارًا): الْعَقَار فِي اللُّغَة الْمَنْزِل وَالضَّيْعَة وَخَصَّهُ بَعْضهمْ بِالنَّخْلِ, وَيُقَال لِلْمَتَاعِ النَّفِيس الَّذِي لِلْمَنْزِلِ عَقَار أَيْضًا.
(جَرَّة): أي: قدر.
(أَلَكُمَا وَلَد؟): بِفَتْحِ الْوَاو وَاللاَم, وَالْمُرَاد الْجِنْس, لأَنَّهُ يَسْتَحِيل أَنْ يَكُون لِلرَّجُلَيْنِ جَمِيعًا وَلَد وَاحِد, وَالْمَعْنَى أَلِكُلِّ مِنْكُمَا وَلَد؟
(فَقَالَ أَحَدهمْ لِي غُلام): بَيَّنَ فِي رِوَايَة إِسْحَاق بْن بِشْر أَنَّ الَّذِي قَالَ لِي غُلاَم هُوَ الَّذِي اِشْتَرَى الْعَقَار.
شرح الحديث:
قال ابن حجر: وَالْحُكْم فِي شرعنا فِي مِثْل ذَلِكَ أَنَّ الْقَوْل قَوْل الْمُشْتَرِي وَأَنَّ الذَّهَب بَاقٍ عَلَى مِلْك الْبَائِع, وَيَحْتَمِل أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي صُورَة الْعَقْد بِأَنْ يَقُول الْمُشْتَرِي لَمْ يَقَع تَصْرِيح بِبَيْعِ الأَرْض وَمَا فِيهَا بَلْ يَبِيع الأَرْض خَاصَّة, وَالْبَائِع يَقُول وَقَعَ التَّصْرِيح بِذَلِكَ, وَالْحُكْم فِي هَذِهِ الصُّورَة أَنْ يَتَحَالَفَا وَيَسْتَرِدَّا الْمَبِيع وَهَذَا كُلّه بِنَاء عَلَى ظَاهِر اللَّفْظ أَنَّهُ وَجَدَ فِيهِ جَرَّة مِنْ ذَهَب, لَكِنْ فِي رِوَايَة إِسْحَاق بْن بِشْر أَنَّ الْمُشْتَرِي قَالَ إِنَّهُ اِشْتَرَى دَارًا فَعَمَّرَهَا فَوَجَدَ فِيهَا كَنْزًا, وَأَنَّ الْبَائِع قَالَ لَهُ لَمَّا دَعَاهُ إِلَى أَخْذه مَا دَفَنْت وَلاَ عَلِمْت , وَأَنَّهُمَا قَلاَ لِلْقَاضِي: اِبْعَثْ مَنْ يَقْبِضهُ وَتَضَعهُ حَيْثُ رَأَيْت, فَامْتَنَعَ, وَعَلَى هَذَا فَحُكْم هَذَا الْمَال حُكْم الرِّكَاز فِي هَذِهِ الشَّرِيعَة إِنْ عُرِفَ أَنَّهُ مِنْ دَفِين الْجَاهِلِيَّة, وَلاَ فَإِنْ عُرِفَ أَنَّهُ مِنْ دَفِين الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ لُقَطَة, وَإِنْ جُهِلَ فَحُكْمه حُكْم الْمَال الضَّائِع يُوضَع فِي بَيْت الْمَال, وَلَعَلَّهُمْ لَمْ يَكُنْ فِي شَرْعهمْ هَذَا التَّفْصِيل فَلِهَذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِمَا حَكَمَ بِهِ(3).
من فوائد الحديث:
1-فضل الاستعفاف والقناعة والزهد فيما يشتبه فيه.
2-مشروعية الصلح والتسامح بين المتنازعين، وفضل ذلك، كما يظهر من ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لها.
_________________
(1) صحيح البخاري، ح: (3472)، وصحيح مسلم، ح: (1721).
(2) فتح الباري لابن حجر, 6/ 519.
(3) المرجع السابق.
محمد رافع 52 27-03-2012, 12:40 AM كيفية الطهارة في شريعة بني إسرائيل
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَنَةَ, قَالَ: انطَلَقْتُ أَنَا وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَخَرَجَ وَمَعَهُ دَرَقَةٌ ثُمَّ اسْتَتَرَ بِهَا ثُمَّ بَالَ, فَقُلْنَا: انْظُرُوا إِلَيْهِ يَبُولُ كَمَا تَبُولُ الْمَرْأَةُ, فَسَمِعَ ذَلِكَ فَقَالَ: أَلَمْ تَعْلَمُوا مَا لَقِيَ صَاحِبُ بَنِي إِسْرَائِيلَ, كَانُوا إِذَا أَصَابَهُمْ الْبَوْلُ قَطَعُوا مَا أَصَابَهُ الْبَوْلُ مِنْهُمْ, فَنَهَاهُمْ فَعُذِّبَ فِي قَبْرِهِ(1).
شرح المفردات(2):
(دَرَقَة): بِفَتْحَتَيْنِ : التُّرْس مِنْ جُلُود لَيْسَ فِيهِ خَشَب وَلَا عَصَب.
(انظُرُوا إِلَيْهِ): تَعَجُّب وَإِنْكَار, وَهَذَا لَا يَقَع مِن الصَّحَابِيّ, فَلَعَلَّهُ كَانَ قَلِيل الْعِلْم.
(ذَلِكَ): الْكَلَام.
(فَقَالَ): النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(مَا لَقِيَ): مَا مَوْصُولَة وَالْمُرَاد بِهِ الْعَذَاب.
(صَاحِبُ بَنِي إِسْرَائِيل): بِالرَّفْعِ وَيَجُوز نَصْبه, أي: وَاحِد مِنْهُمْ بِسَبَبِ تَرْك التَّنَزُّه مِن الْبَوْل حَال الْبَوْل.
(كَانُوا): أي: بَنُو إِسْرَائِيل.
(إِذَا أَصَابَهُم الْبَوْل): مِنْ عَدَم الْمُرَاعَاة وَاهْتِمَام التَّنَزُّه.
(قَطَعُوا مَا): أي: الثَّوْب الَّذِي.
(مِنْهُمْ): أي: مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل وَكَانَ هَذَا الْقَطْع مَأْمُورًا بِهِ فِي دِينهمْ.
(فَنَهَاهُمْ): أي: نَهَى الرَّجُلُ الْمَذْكُورُ سَائِرَ بَنِي إِسْرَائِيل.
(فَعُذِّبَ): بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ, أي: الرَّجُل الْمَذْكُور بِسَبَبِ هَذِهِ الْمُخَالَفَة وَعِصْيَان حُكْم شَرْعه وَهُوَ تَرْك الْقَطْع.
شرح الحديث:
حَذَّرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنْكَار الِاحْتِرَاز مِن الْبَوْل لِئَلَّا يُصِيب مَا أَصَابَ الإِسْرَائِيلِيّ بِنَهْيِهِ عَن الْوَاجِب, وَشَبَّهَ نَهْي هَذَا الرَّجُل عَن الْمَعْرُوف عِنْد الْمُسْلِمِينَ بِنَهْيِ صَاحِب بَنِي إِسْرَائِيل عَنْ مَعْرُوف دِينهمْ, وَقَصْده فِيهِ تَوْبِيخه وَتَهْدِيده وَأَنَّهُ مِنْ أَصْحَاب النَّار, فَلَمَّا عَيَّرَ بِالْحَيَاءِ وَفِعْلِ النِّسَاء وَبَّخَهُ وَأَنَّهُ يُنْكِر مَا هُوَ مَعْرُوف بَيْن النَّاس مِن الْأُمَم السَّابِقَة وَاللَّاحِقَة (3).
من فوائد الحديث:
1-وجوب التنزه من البول، وقد جاء فيه الوعيد الشديد لمن تساهل في ذلك.
2-أنه لا يلزم من أراد البول الإبعاد إذا أمن انكشاف عورته، بخلاف الغائط الذي كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم فيه أنه يبعد ويستتر.
3-وجوب حفظ العورة وسترها عن نظر الناس.
4-مشروعية توبيخ من نهى عن معروف أو أمر بمنكر.
5-التحذير من مشابهة أهل الضلال، والتنفير من أفعالهم.
_______________
(1) سنن أبي داود، ح: (12). وصححه الألباني، ينظر:صحيح أبي داود, 1/ 7، برقم: 16.
(2) ينظر: عون المعبود شرح سنن أبي داود، 1/ 27.
(3) ينظر: عون المعبود للعظيم آبادي، 1/ 28.
محمد رافع 52 27-03-2012, 09:45 PM قصة التفاخر بالأنساب بين الرجلين على عهد موسى
عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: انْتَسَبَ رَجُلانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَنَا فُلانُ بْنُ فُلانٍ, فَمَنْ أَنْتَ لا أُمَّ لَكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انْتَسَبَ رَجُلانِ عَلَى عَهْدِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَنَا فُلانُ بْنُ فُلانٍ حَتَّى عَدَّ تِسْعَةً فَمَنْ أَنْتَ لا أُمَّ لَكَ؟ قَالَ: أَنَا فُلانُ بْنُ فُلانٍ ابْنُ الإِسْلامِ. قَالَ: فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلام أَنَّ هَذَيْنِ الْمُنْتَسِبَيْنِ أَمَّا أَنْتَ أَيُّهَا الْمُنْتَمِي أَوْ الْمُنْتَسِبُ إِلَى تِسْعَةٍ فِي النَّارِ فَأَنْتَ عَاشِرُهُمْ, وَأَمَّا أَنْتَ يَا هَذَا الْمُنْتَسِبُ إِلَى اثْنَيْنِ فِي الْجَنَّةِ فَأَنْتَ ثَالِثُهُمَا فِي الْجَنَّةِ(1).
شرح المفردات:
(انتسب): أي: اعتزى إلى أبيه(2).
(المنتمي): المنتسب.
(لا أم لك): هو ذَمٌّ وسَبٌّ أي أنت لَقِيطٌ لا تُعْرف لك أُمٌّ(3).
من فوائد الحديث:
1- النهي عن التفاخر بالنسب والحسب، أو بالمال، أو بالقبيلة، أو غيرها من الأمور الدنيوية ما عدا الإسلام. وقد جاء النهي عن التفاخر بالآباء، فعن عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِم الَّذِينَ مَاتُوا إِنَّمَا هُمْ فَحْمُ جَهَنَّمَ, أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِن الْجُعَلِ الَّذِي يُدَهْدِهُ الْخِرَاءَ بِأَنْفِهِ, إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالآبَاءِ, إِنَّمَا هُوَ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ, النَّاسُ كُلُّهُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ)(4). قَالَ الْخَطَّابِيُّ: إنَّ النَّاسَ رَجُلاَنِ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ فَهُوَ الْخَيْرُ الْفَاضِلُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَسِيبًا فِي قَوْمِهِ, وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ فَهُوَ الدَّنِيءُ وَإِنْ كَانَ فِي أَهْلِهِ شَرِيفًا رَفِيعًا, اِنْتَهَى(5).
2- أن الفضيلة ليست بالحسب والنسب والمال والجاه وغيرها من الفروق الدنيوية، بل المعيار الصحيح للتقديم التقوى وخشية الله جل وعلا في السر والعلانية، كما قال تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [سورة الحجرات: 13].
قال ابن حجر: هَذِهِ الآيَة فيها أَنَّ الْمَنَاقِب عِنْد اللَّه إِنَّمَا هِيَ بِالتَّقْوَى بِأَنْ يَعْمَل بِطَاعَتِهِ وَيَكُفّ عَنْ مَعْصِيَته(6).
3- يَنْبَغِي للمسلم أَلاَّ يَتَّكِل عَلَى شَرَف النَّسَب, وَيُقَصِّر فِي الْعَمَل فيقع في مثل حال هذا المتكبر.
____________
(1) مسند الإمام أحمد، برقم: (21178). وصححه الألباني، ينظر: السلسلة الصحيحة, 3/ 265، برقم:1270.
(2) مختار الصحاح للرازي، ص: 656.
(3) لسان العرب لابن منظور، 12 / 22.
(4) جامع الترمذي، ح: 3955, وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. والجامع الصغير وزيادته, 1/ 962, برقم: 9613. وصححه الألباني: ينظر حديث رقم: 5482 في صحيح الجامع.
(5) عون المعبود للعظيم آبادي، 14/ 16.
(6) فتح الباري شرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني، 6 / 527.
محمد رافع 52 27-03-2012, 09:46 PM قصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا, فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ, فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا, فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: لا, فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً, ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ, فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ, فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ, انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا؛ فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُد اللَّهَ مَعَهُمْ وَلا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ, فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ, فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلائِكَةُ الْعَذَابِ, فَقَالَتْ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ: جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلاً بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ, وَقَالَتْ مَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ: إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ, فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ, فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَ الأََرْضَيْنِ فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ, فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ, فَقَبَضَتْهُ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ, قَالَ قَتَادَةُ: فَقَالَ الْحَسَنُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ لَمَّا أَتَاهُ الْمَوْتُ نَأَى بِصَدْرِهِ(1).
شرح المفردات(2):
(راهب): عالم أهل الكتاب.
(نَصَفَ الطَّرِيق): هُوَ بِتَخْفِيفِ الصَّاد أَي: بَلَغَ نِصْفهَا.
(اخْتَصَمَتْ): أي: من الخصومة.
(قِيسُوا):انظروا المسافة بين المكانين.
(نَأَى بِصَدْرِهِ): أَي: نَهَضَ, وَيَجُوز تَقْدِيم الْأَلِف عَلَى الْهَمْزَة وَعَكْسه.
(فَقَبَضَتْهُ): أي: توفته ملائكة الرحمة.
شرح الحديث:
قال النووي: مَذْهَب أَهْل الْعِلْم, وَإِجْمَاعهمْ عَلَى صِحَّة تَوْبَة الْقَاتِل عَمْدًا, وَلَمْ يُخَالِف أَحَد مِنْهُمْ إِلَّا اِبْن عَبَّاس. وَأَمَّا مَا نُقِلَ عَنْ بَعْض السَّلَف مِنْ خِلَاف هَذَا, فَمُرَاد قَائِله الزَّجْر عَنْ سَبَب التَّوْبَة, لَا أَنَّهُ يَعْتَقِد بُطْلَان تَوْبَته. وَهَذَا الْحَدِيث ظَاهِر فِيهِ, وَهُوَ إِنْ كَانَ شَرْعًا لِمَنْ قَبْلنَا, وَفِي الِاحْتِجَاج بِهِ خِلَاف فَلَيْسَ مَوْضِع الْخِلَاف, وَإِنَّمَا مَوْضِعه إِذَا لَمْ يَرِدْ شَرْعنَا بِمُوَافَقَتِهِ وَتَقْرِيره, فَإِنْ وَرَدَ كَانَ شَرْعًا لَنَا بِلَا شَكٍّ, وَهَذَا قَدْ وَرَدَ شَرْعنَا بِهِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: (وَاَلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّه إِلَهًا آخَر وَلا يَقْتُلُونَ) إِلَى قَوْله: (إِلاَّ مَنْ تَابَ) الْآيَة وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: (وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم خَالِدًا فِيهَا) فَالصَّوَاب فِي مَعْنَاهَا: أَنَّ جَزَاءَهُ جَهَنَّم, وَقَدْ يُجَازَى بِهِ, وَقَدْ يُجَازَى بِغَيْرِهِ وَقَدْ لَا يُجَازَى بَلْ يُعْفَى عَنْهُ, فَإِنْ قَتَلَ عَمْدًا مُسْتَحِلًّا لَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا تَأْوِيل, فَهُوَ كَافِر مُرْتَدّ, يَخْلُد بِهِ فِي جَهَنَّم بِالْإِجْمَاعِ, وَإِنْ كَانَ غَيْر مُسْتَحِلّ بَلْ مُعْتَقِدًا تَحْرِيمه فَهُوَ فَاسِق عَاصٍ مُرْتَكِب كَبِيرَة, جَزَاؤُهُ جَهَنَّم خَالِدًا فِيهَا, لَكِنْ بِفَضْلِ اللَّه تَعَالَى ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يُخَلَّد مَنْ مَاتَ مُوَحِّدًا فِيهَا, فَلَا يَخْلُد هَذَا, وَلَكِنْ قَدْ يُعْفَى عَنْهُ, فَلَا يَدْخُل النَّار أَصْلًا, وَقَدْ لَا يُعْفَى عَنْهُ, بَلْ يُعَذَّب كَسَائِرِ الْعُصَاة الْمُوَحِّدِينَ, ثُمَّ يَخْرُج مَعَهُمْ إِلَى الْجَنَّة, وَلَا يُخَلَّد فِي النَّار, فَهَذَا هُوَ الصَّوَاب فِي مَعْنَى الْآيَة, وَلَا يَلْزَم مِنْ كَوْنه يَسْتَحِقّ أَنْ يُجَازَى بِعُقُوبَةٍ مَخْصُوصَة أَنْ يَتَحَتَّم ذَلِكَ الْجَزَاء, وَلَيْسَ فِي الْآيَة إِخْبَار بِأَنَّهُ يُخَلَّد فِي جَهَنَّم, وَإِنَّمَا فِيهَا أَنَّهَا جَزَاؤُهُ أَي: يَسْتَحِقّ أَنْ يُجَازَى بِذَلِكَ.
وقوله في الحديث: (وَلا تَرْجِع إِلَى أَرْضك فَإِنَّهَا أَرْض سُوء) قَالَ الْعُلَمَاء: فِي هَذَا اسْتِحْبَاب مُفَارَقَة التَّائِب الْمَوَاضِع الَّتِي أَصَابَ بِهَا الذُّنُوب, وَالأَخْدَان الْمُسَاعِدِينَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ وَمُقَاطَعَتهمْ مَا دَامُوا عَلَى حَالهمْ, وَأَنْ يَسْتَبْدِل بِهِمْ صُحْبَة أَهْل الْخَيْر وَالصَّلَاح وَالْعُلَمَاء وَالْمُتَعَبِّدِينَ الْوَرِعِينَ وَمَنْ يَقْتَدِي بِهِمْ, وَيَنْتَفِع بِصُحْبَتِهِمْ, وَتَتَأَكَّد بِذَلِكَ تَوْبَته(3).
من فوائد الحديث:
1- مشروعية التوبة من جميع الكبائر حتى من قتل الأنفس, ويحمل على أن الله تعالى إذا قبل توبة القاتل تكفل برضا خصمه.
2- فضل العالم على العابد لأن الذي أفتاه أولا بأن لا توبة له غلبت عليه العبادة فاستعظم وقوع ما وقع من ذلك القاتل من استجرائه على قتل هذا العدد الكثير, وأما الثاني فغلب عليه العلم فأفتاه بالصواب ودله على طريق النجاة.
3- في الحديث إشارة إلى قلة فطنة الراهب لأنه كان من حقه التحرز ممن اجترأ على القتل حتى صار له عادة بأن لا يواجهه بخلاف مراده وأن يستعمل معه المعاريض مداراة عن نفسه, هذا لو كان الحكم عنده صريحا في عدم قبول توبة القاتل فضلا عن أن الحكم لم يكن عنده إلا مظنونا.
4- فضل التحول من الأرض التي يصيب الإنسان فيها المعصية لما يغلب بحكم العادة على مثل ذلك،- يعني رجوعه للمعصية - إما لتذكره لأفعاله الصادرة قبل ذلك والفتنة بها, وإما لوجود من كان يعينه على ذلك ويحضه عليه, ولهذا قال له الأخير: (ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء) ففيه إشارة إلى أن التائب ينبغي له مفارقة الأحوال التي اعتادها في زمن المعصية والتحول منها كلها(4).
5- - أن باب التوبة مفتوح إلى أن يأتي الإنسان الموت، أو تطلع الشمس من مغربها، قال تعالى: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً) [سورة النساء: 17-18]، وفي الحديث: عَن ابن عُمَرَ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ)(5).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ)(6).
فعلى المذنب أن يستيقظ من غفلته، و يفيق من سباته ونومه، ويبادر إلى التوبة؛ لأنه لا يدري متى يفاجئه الموت، قال تعالى: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ)[سورة النساء: 78]، وقال تعالى: (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ)[سورة لقمان: 34]، وقال تعالى: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ)[سورة النحل: 61].
1-أن التوبة المقبولة عند الله هي التوبة النصوح، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) [سورة التحريم: 8] . والتوبة النصوح هي المجتمعة الأركان (شروط)، قال النووي: لِلتَّوْبَةِ ثَلَاثَة أَرْكَان : أَنْ يُقْلِع عَن الْمَعْصِيَة, وَيَنْدَم عَلَى فِعْلهَا, وَيَعْزِم أَنْ لَا يَعُود إِلَيْهَا, فَإِنْ تَابَ مِنْ ذَنْب ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ لَمْ تَبْطُل تَوْبَته, وَإِنْ تَابَ مِنْ ذَنْب وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِآخَر صَحَّتْ تَوْبَته. هَذَا مَذْهَب أَهْل الْحَقّ. وَخَالَفَت الْمُعْتَزِلَة فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. وَاَللَّه أَعْلَم(7).
_____________
(1) صحيح البخاري، ح: (3470). وصحيح مسلم، ح: (2766).
(2) ينظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 17 / 84.
(3) شرح النووي على صحيح مسلم, 17 / 82-83.
(4) فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني، 6 / 517.
(5) جامع الترمذي، كتاب الدعوات، باب: "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر" برقم: (3537)، ص: 807, وقال الترمذي: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ".
(6) صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب: استحباب الاستغفار والاستكثار منه، برقم: (2703)، ص: 1174.
(7) شرح النووي على صحيح مسلم، 2 / 45.
محمد رافع 52 27-03-2012, 09:47 PM قصة من كان يتجاوز عن الموسر ويخفف عن المعسر
عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَاتَ رَجُلٌ فَقِيلَ لَهُ قَالَ: كُنْتُ أُبَايِعُ النَّاسَ فَأَتَجَوَّزُ عَن الْمُوسِرِ وَأُخَفِّفُ عَن الْمُعْسِرِ فَغُفِرَ لَهُ, قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: سَمِعْتُهُ مِن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(1).
شرح المفردات(2):
( فقيل له ): أي: ماذا كنت تعمل من الخير في حياتك.
(أُبَايِعُ): أي: أبيعهم وأشتري منهم.
(أَتَجَوَّزُ): التجاوز المسامحة في الاقتضاء والاستيفاء.
(الْمُوسِرِ): صاحب اليد ومن يجد سعة في الرزق.
(أُخَفِّفُ): من التخفيف أي: أضع عنه.
(الْمُعْسِرِ): الذي يضيق عليه العيش، ومن لا يجد سعة.
من فوائد الحديث:
1- فضل إنظار للمعسر والتجاوز عن الموسر، وقد دعا نبينا صلى الله عليه وسلم لمن يكون ليناً وسمحاً مع الآخرين؛ فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ, وَإِذَا اشْتَرَى, وَإِذَا اقْتَضَى(3). فمن أحب أن تناله هذه الدعوة فليقتد به وليعمل بمثل عمله.
2- الحض على المسامحة وحسن المعاملة واستعمال محاسن الأخلاق ومكارمها وترك المشاحة في البيع، وترك التضييق على الناس في المطالبة وأخذ العفو منهم. قال ابن حبيب تستحب السهولة في البيع والشراء وليس هي ترك المطالبة فيه إنما هي ترك المضاجرة ونحوها(4).
__________________
(1) صحيح البخاري، ح: (2391). وصحيح مسلم، ح: (1560).
(2) ينظر: عمدة القاري للعيني، 11/ 190. ومنحة الباري على هامش صحيح البخاري، 2/ 843.
(3) صحيح البخاري، ح: 2076، بتصرف.
(4) عمدة القاري للعيني، 11 / 189.
محمد رافع 52 27-03-2012, 09:49 PM قصة من نكأ قرحته حتى مات
عن شَيْبَان قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: (إِنَّ رَجُلاً مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ خَرَجَتْ بِهِ قُرْحَةٌ, فَلَمَّا آذَتْهُ انْتَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ فَنَكَأَهَا, فَلَمْ يَرْقَأ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ, قَالَ رَبُّكُم: قَدْ حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ). الحديث(1).
شرح المفردات(2):
(القَرْحَة): بِفَتْحِ الْقَاف وَإِسْكَان الرَّاء وَهِيَ وَاحِدَة الْقُرُوح وَهِيَ: حَبَّاتٌ تَخْرُجُ فِي بَدَنِ الإِنْسَانِ.
(فَجَزِعَ): أَي: فَلَمْ يَصْبِر عَلَى أَلَم تِلْكَ الْقَرْحَة.
(نَكَأَهَا): قَشَرَهَا وَخَرَقَهَا وَفَتَحَهَا وَهُوَ مَهْمُوز.
(لَمْ يَرْقَأ الدَّم): أَي: لَمْ يَنْقَطِع وَهُوَ مَهْمُوز. يُقَال: رَقَأَ الدَّم وَالدَّمْع يَرْقَأ رُقُوءًا مِثْل: رَكَعَ يَرْكَع رُكُوعًا إِذَا سَكَنَ وَانْقَطَعَ.
من فوائد الحديث:
1- قال النووي: في الْحَدِيث بَيَان غِلَظ تَحْرِيم قَتْل النَّفْس, وشدة عقوبته في الآخرة، قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّه فِيهِ: يُحْتَمَل أَنَّهُ كَانَ مُسْتَحِلاَّ, أَوْ يُحْرَمهَا حِين يَدْخُلهَا السَّابِقُونَ وَالأَبْرَار, أَوْ يُطِيل حِسَابه, أَوْ يُحْبَس فِي الأَعْرَاف. هَذَا كَلام الْقَاضِي قُلْت: وَيُحْتَمَل أَنَّ شَرْع أَهْل ذَلِكَ الْعَصْر تَكْفِير أَصْحَاب الْكَبَائِر(3).
وقال النووي: إِنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ نَكَأَهَا اِسْتِعْجَالا لِلْمَوْتِ أَوْ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى طَرِيق الْمُدَاوَاة الَّتِي يَغْلِب عَلَى الظَّنِّ نَفْعُهَا لَمْ يَكُنْ حَرَامًا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ(4).
2- أن الاستعجال بالموت حرام، وعقوبته شديدة، فعلى المسلم أن لا يقدم على هذا الفعل الشنيع ولو نزل به أشد أنواع البلية وأشرها, فعن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا, وَمَنْ شَرِبَ سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا, وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا(5).
________
(1) صحيح البخاري، ح: 3469. وصحيح مسلم، ح: 113.
(2) شرح النووي على صحيح مسلم، 2 / 124.
(3) صحيح مسلم، ح: 109.
(4) شرح النووي على صحيح مسلم، 2/ 127.
(5) صحيح مسلم، ح: 109.
محمد رافع 52 27-03-2012, 09:50 PM قصة تكلم البقرة والذئب
عَن سَعِيد بن الْمُسَيَّبِ وَأَبي سَلَمَةَ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً لَهُ قَدْ حَمَلَ عَلَيْهَا, التَفَتَتْ إِلَيْهِ الْبَقَرَةُ فَقَالَتْ: إِنِّي لَمْ أُخْلَقْ لِهَذَا وَلَكِنِّي إِنَّمَا خُلِقْتُ لِلْحَرْثِ, فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ! تَعَجُّبًا وَفَزَعًا أَبَقَرَةٌ تَكَلَّمُ!؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِنِّي أُومِنُ بِهِ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَيْنَا رَاعٍ فِي غَنَمِهِ عَدَا عَلَيْهِ الذِّئْبُ فَأَخَذَ مِنْهَا شَاةً, فَطَلَبَهُ الرَّاعِي حَتَّى اسْتَنْقَذَهَا مِنْهُ, فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ الذِّئْبُ فَقَالَ لَهُ: مَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ يَوْمَ لَيْسَ لَهَا رَاعٍ غَيْرِي؟ فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّه!ِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِنِّي أُومِنُ بِذَلِكَ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ). وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فَإِنِّي أُومِنُ بِهِ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. وَمَا هُمَا ثَمَّ(1).
شرح المفردات(2):
(يوم السَّبُع): بِضَمِّ الْبَاء, وهذا يكون عِنْد الْفِتَن حِين تَتْرُكهَا النَّاس هَمَلًا لَا رَاعِي لَهَا نُهْبَةً لِلسِّبَاعِ فَجَعَلَ السَّبُع لَهَا رَاعِيًا أَي: مُنْفَرِدًا بِهَا.
من فوائد الحديث:
1- قال النووي: قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَإِنِّي أُومِن بِهِ وَأَبُو بَكْر وَعُمَر وَمَا هُمَا ثم)، قَالَ الْعُلَمَاء: إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ ثِقَة بِهِمَا لِعِلْمِهِ بِصِدْقِ إِيمَانهمَا, وَقُوَّة يَقِينهمَا, وَكَمَال مَعْرِفَتهمَا لِعَظِيمِ سُلْطَان اللَّه وَكَمَال قُدْرَته. فَفِيهِ فَضِيلَة ظَاهِرَة لِأَبِي بَكْر وَعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا.
1- وَفِيهِ جَوَاز كَرَامَات الْأَوْلِيَاء وَخَرْق الْعَوَائِد, وَهُوَ مَذْهَب أَهْل الْحَقّ(3).
2- قال العلماء: كلام البقرة هنا لا يعتبر ولا يعمل به، فيجوز الحمل على البقرة كما يجوز الحرث عليها إذا كانت تطيق ذلك.
________________
(1) صحيح البخاري، ح: (2324), وصحيح مسلم، ح: (2388), واللفظ له.
(2) شرح النووي على مسلم [15/ 157].
(3) شرح النووي على مسلم [15/ 157].
محمد رافع 52 27-03-2012, 09:51 PM قصة سقي الكلب العطشان
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَنَزَلَ بِئْرًا فَشَرِبَ مِنْهَا ثُمَّ خَرَجَ، فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِن الْعَطَشِ، فَقَالَ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي، فَمَلأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ، ثُمَّ رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا؟ قَالَ: فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ)(1).
وفي رواية أن هذه الواقعة حدثت لامرأة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (غُفِرَ لامْرَأَةٍ مُومِسَةٍ مَرَّتْ بِكَلْبٍ عَلَى رَأْسِ رَكِيٍّ يَلْهَثُ، قَالَ: كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ، فَنَزَعَتْ خُفَّهَا فَأَوْثَقَتْهُ بِخِمَارِهَا فَنَزَعَتْ لَهُ مِن الْمَاءِ، فَغُفِرَ لَهَا بِذَلِكَ)(2).
شرح المفردات(3):
(فِي كُلّ كَبِد رَطْبَة أَجْر) مَعْنَاهُ فِي الإِحْسَان إِلَى كُلّ حَيَوَان حَيّ بِسَقْيِهِ وَنَحْوه أَجْر، وَسُمِّيَ الْحَيّ ذَا كَبِد رَطْبَة، لِأَنَّ الْمَيِّت يَجِفّ جِسْمه وَكَبِده.
(الثَّرَى) التُّرَاب النَّدِيّ.
(مُومِسَةٍ) وهي الفاجرة.
(ركي) بمعنى البئر.
(يلهث) لَهَثَ بِفَتْحِ الْهَاء وَكَسْرهَ، يَلْهَث بِفَتْحِهَا لَا غَيْر، لَهْثًا بِإِسْكَانِهَ، وَرَجُل لَهْثَان، وَامْرَأَة لَهْثَى كَعَطْشَان وَعَطْشَى، وَهُوَ الَّذِي أَخَّرَج لِسَانه مِنْ شِدَّة الْعَطَش وَالْحَرّ.
(رَقِيَ) بِكَسْرِ الْقَاف عَلَى اللُّغَة الْفَصِيحَة الْمَشْهُورَة، وَحَكَى فَتْحهَ، وَهِيَ لُغَة طَيّ فِي كُلّ مَا أَشْبَهَ هَذَا.
(فَشَكَرَ اللَّه لَهُ فَغَفَرَ لَهُ) مَعْنَاهُ قَبِلَ عَمَله، وَأَثَابَهُ، وَغَفَرَ لَهُ.
من فوائد الحديث:
1- قال النووي: فِي الْحَدِيث الْحَثّ عَلَى الْإِحْسَان إِلَى الْحَيَوَان الْمُحْتَرَم، وَهُوَ مَا لَا يُؤْمَر بِقَتْلِهِ. فَأَمَّا الْمَأْمُور بِقَتْلِهِ فَيَمْتَثِل أَمْر الشَّرْع فِي قَتْله، وَالْمَأْمُور بِقَتْلِهِ كَالْكَافِرِ الْحَرْبِيّ وَالْمُرْتَدّ وَالْكَلْب الْعَقُور وَالْفَوَاسِق الْخَمْس الْمَذْكُورَات فِي الْحَدِيث وَمَا فِي مَعْنَاهُنَّ. وَأَمَّا الْمُحْتَرَم فَيَحْصُل الثَّوَاب بِسَقْيِهِ وَالْإِحْسَان إِلَيْهِ أَيْضًا بِإِطْعَامِهِ وَغَيْره سَوَاء كَانَ مَمْلُوكًا أَوْ مُبَاحً، وَسَوَاء كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَم(4).
2- فيه دليل على قبول عمل المرتكب للكبائر من المسلمين، وأن الله تعالى تجاوز عن هذا الرجل – أو المرأة- تفضلا منه، وإلا فالأصل أن الكبائر لابد فيها من التوبة الخاصة، والله تعالى أعلم.
3- على المسلم أن لا يغتر ويتمادى في معصيته، بل عليه إن كان عاصياً أن يبادر إلى التوبة، فقد دلت النصوص على أن طائفة من أهل الكبائر يعذبون بذنوبهم.
____________________-
(1) صحيح البخاري، ح: ( 2363). وصحيح مسلم، ح: (2244).
(2) صحيح البخاري، ح: (3321)، واللفظ له، وصحيح مسلم، ح:( 2242).
(3) عون المعبود للعظيم آبادي، 14/ 16.
(4) عون المعبود للعظيم آبادي، 14/ 16.
محمد رافع 52 27-03-2012, 09:58 PM القصص في السنة النبوية
الخوف المشبع بحب الله
بقلم: د. علي جمعة
إن خلق الخوف من الله تعالي وآثاره في تزكية الأخلاق والأعمال عظيم,كما أن دوام الخوف منه عز وجل دليل علي الإيمان والصدق, فالداعي إلي الخوف من الله هو معرفته عز وجل ومعرفة صفاته.
ويكون قدر قوة الخوف في نفس العبد بحسب معرفته بعيوب نفسه ومعرفته بجلال الله سبحانه واستغنائه, فأخوف الناس لربه أعرفهم بنفسه وبربه, ولذلك قال الله تعالي:إنما يخشي الله من عباده العلماء, فاطر:28]
وما ورد في قيمة الخوف في الآيات والأخبار شيء كثير, ومن ذلك ما جاء أن النبي صلي الله عليه وسلم قال:أسرف رجل علي نفسه فلما حضره الموت أوصي بنيه فقال:إذا أنا مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم اذروني في الريح في البحر, فوالله لئن قدر علي ربي ليعذبني عذابا ما عذبه به أحدا, قال:ففعلوا ذلك به, فقال للأرض:أدي ما أخذت فإذا هو قائم فقال له:ما حملك علي ما صنعت؟ فقال:خشيتك يا رب, أو قال مخافتك, فغفر له بذلك,صحيح البخاري1283/3].
فهذا الرجل رغم ذنوبه وتقصيره في الدنيا فإن إيمانه ظل حيا في قلبه بدليل اعترافه بذنوبه مع شدة خوفه من الله تعالي الذي لا يكون إلا لمؤمن; فأكرمه الله بالمغفرة.
إن المعرفة بالله تعالي وبعظم ذنوب العبد وبقدره إذا كملت أورثت الخوف, ثم يظهر أثر هذا الخوف علي الجوارح وعلي الصفات; أما في الجوارح فبكفها عن المعاصي وتقييدها بالطاعات تلافيا لما فرط فيه العبد واستعدادا للمستقبل, وأما في الصفات فبأن يقمع الشهوات الآثمة ويمنع اللذات الهادمة فتصير المعاصي المحبوبة عنده مكروهة,ويحصل في القلب الخشوع والاستكانة, ويفارقه الكبر والحقد والحسد وسائر الصفات المذمومة, ولا يكون له شغل إلا المراقبة والمحاسبة والمجاهدة ومؤاخذة النفس بالخطرات والكلمات.
وقد ورد في القرآن الكريم كثير مما يدل علي فضل الخوف, وآية ذلك أن الله جمع للخائفين الهدي والرحمة والعلم والرضوان, وهي من مجامع مقامات أهل الجنان, قال الله سبحانه:هدي ورحمة للذين هم لربهم يرهبون, الأعراف:154], وقال تعالي:رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه, البينة:8], وبالاستقراء نجد أن كل ما دل علي فضيلة العلم دل علي فضيلة الخوف; لأن الخوف ثمرة العلم. وفي مقام آخر أمر الله بالخوف وجعله شرطا في الإيمان فقال عز وجل: وخافون إن كنتم مؤمنين, آل عمران:175]; ولذلك لا يتصور أن ينفك مؤمن عن خوف وإن ضعف,ويكون ضعف خوفه بحسب ضعف معرفته وإيمانه.
والروايات عن مخاوف الأنبياء والصحابة والتابعين ومن بعدهم كثيرة; فمنها ما روت عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلي الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال:اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به, وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به.قالت:فإذا تخيلت السماء تغير لونه وخرج ودخل وأقبل وأدبر فإذا مطرت سري عنه(سنن البيهقي360/3), وورد أنه عليه السلام كان إذا دخل في الصلاة يسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل.(صحيح ابن خزيمة439/2).
ومما ورد في القرآن عن صالحي قوم موسي عليه السلام قول الله تعالي:(قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلي الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين)(المائدة:23). وقد ورد مثل ذلك عن الصحابة والتابعين وأولياء الله الصالحين.
وليس المطلوب من خوف العبد من ربه أن يصل إلي حد الفزع والرعب الذي يبعده منه;بل ينبغي أن يكون الخوف من الله سبحانه مشبعا بحبه, أما الرعب والفزع فيأتي من الخوف من الأذية والله سبحانه رحمان رحيم بر جميل,ولذلك فإن كثيرا من الناس إذا فهموا الخوف بمعني الفزع من الله فإنهم يملون, حتي تري العلاقة بين الإنسان وربه مع هذا الملل تؤدي إلي الاضطراب وتبدأ العلاقة في التراجع, في حين أنه لو فهم الخوف بأنه مليء بالحب لأدي ذلك إلي علاقة إيجابية تؤدي إلي التقوي وإلي السكينة والطمأنينة والركون إلي رحمة الله تعالي.
إن الخوف الحقيقي المشبع بالحب هو نوع من أنواع الهيبة والرهبة والجلال والقداسة وكلها معان تؤدي إلي مزيد الطلب وإلي دوام السير في طريق الله, وهذا هو الذي يساعد الإنسان علي أن ينهي النفس عن الهوي, ويشعر بلذة في صدره وقلبه فيزداد من التقوي, ويزول شعوره بالحرمان والمنع, وهذا هو الفرق الكبير بين من جعل العلاقة بينه وبين ربه مبنية علي الرعب والفزع, ومن جعلها مبنية علي الرحمة والحب. فاللهم اهدنا إلي الخوف منك بمعرفتك والإيمان بصفاتك, واجعل عاقبتنا خيرا, فأنت الموفق والمستعان.
محمد رافع 52 27-03-2012, 10:02 PM القصص في السنة النبوية
من غشنا فليس منا
بقلم: د. علي جمعة
حرص النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ علي توجيه المجتمع وتربيته بالأخلاق الحسنة, وكان السبيل إلي ذلك بتخلية النفس من التصرفات والأخلاق الذميمة وتحليتها بأضدادها من جميل الصفات,
واستخدم صلي الله عليه وسلم ـ بما أعطاه الله من الحكمة أساليب عدة لتربية أصحابه وأمته علي ذلك, ومنها أسلوب القصص; فعن خلق الأمانة والبعد عن غش الناس وخداعهم يروي أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم قال: إن رجلا حمل معه خمرا في سفينة يبيعه, ومعه قرد. قال: فكان الرجل إذا باع الخمر شابه بالماء ثم باعه. قال: فأخذ القرد الكيس, فصعد به فوق الدقل أي: الصاري- قال: فجعل يطرح دينارا في البحر, ودينارا في السفينة حتي قسمه,أخرجه أحمد2/306].
وإنما كان هذا الرجل يبيع الخمر لأنه كان جائزا في شريعتهم علي قول من يري ذلك, أما في شريعتنا فقد حرمت الخمر, ولكن نسوق القصة للعظة والاعتبار,ولندرك مدي اتساق الكون بمخلوقاته مع ثوابت الدين وقواعده.
ففي القصة يحذر النبي صلي الله عليه وسلم ـ من أحد ألوان الغش, وهو غش الناس ببيع ما لا ثمن له مع ما له ثمن,أو بيع منخفض الجودة علي أنه عالي الجودة,وفيها أضاف الرجل الماء الذي لا ثمن له علي المبيع وباعه كأنه خال من الماء,ومثل هذا في أيامنا من يخلط اللبن بالماء أو يبيع البضائع سيئة الصنع علي أنها جيدة الصنع.
وتتعدد صور الغش, ويجمعها أن يعلم صاحب السلعة أو نحوها عيبا فيها, بحيث لو اطلع عليه مريد أخذها لزهد فيها بالمرة,أو قلل من الثمن المدفوع فيها.
وأمثال هؤلاء حذرهم النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ في سياق هذه القصة من أن الله تعالي سيتلف مالهم بسبب غشهم وخداعهم; إذ الغش في المبايعات يؤدي إلي ذهاب بركة المال وانتزاع الخير منه, فهذا الرجل قد سلط الله عليه القرد فأتلف نصف ماله وخلص له النصف, ولا يظن أحد أن هذه قاعدة مطلقة للتعامل مع الغاش;بل الغالب أن الحرام يذهب جميعه ويجور أيضا علي غيره فيذهبه معه. وفي الحديث: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا, فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما, وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما, صحيح البخاري2/732].
إن القرآن الكريم يدل في آيات عدة علي أن رزق الإنسان قد كتبه الله تعالي في الأزل, وأنه لا يتخلف; فهو قد ضمن لكل مخلوق ما دامت فيه حياة, قال تعالي:وما من دابة في الأرض إلا علي الله رزقها, هود:6], وقال: وفي السماء رزقكم وما توعدون* فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون, الذاريات:23,22].
إن الغش قد يؤدي إلي ثراء الغاش في العاجلة, ولكن الثراء ليس هو الغاية المؤدية للسعادة في الدنيا; فقد يكون الإنسان واسع الرزق وافر المال ولكنه غير سعيد,وقد يكون حظه من متاع الدنيا قليلا ولكنه هادئ البال سعيد النفس. وسر هذا يرجع إلي ما يعرف لدي المسلمين بالبركة. يقول أبو حامد الغزالي:الدرهم الواحد قد يبارك فيه حتي يكون سببا لسعادة الإنسان في الدنيا والدين, والآلاف المؤلفة قد ينتزع الله البركة منها حتي تكون سببا لهلاك مالكها, بحيث يتمني الإفلاس منها, ويراه أصلح له في بعض أحواله,إحياء علوم الدين4/782].
فالعبرة ليست بالكثرة وإنما بالبركة,ويؤيد ذلك قول الله تعالي: يمحق الله الربا ويربي الصدقات, البقرة:276]; فعلي الرغم من وجود الكثرة العددية مع الربا فإن البركة تعدم منه ويصيبه النقص والزوال, وبالمقابل نجد الصدقة قد تنقص المال في الظاهر; ثم سرعان ما نجد الخلف والبركة تدب فيه فينمو ويزيد.
لقد استمرأ بعض الناس الغش اليوم; حتي ارتاب كل مشتر من البائع له وكل بائع من المشتري منه, وغلبت الريبة بدلا من الثقة, وتناسي الغاش أنه بغشه يساعد علي تقليص دينه ويبعد عن رحمة ربه; فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم ـ مر علي صبرة طعام, فأدخل يده فيها, فنالت أصابعه بللا, فقال:ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال:أصابته السماء يا رسول الله. قال:أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ من غش أمتي فليس مني, صحيح مسلم1/99].
لقد أحاط الإسلام التعاملات بين الناس في البيوع وغيرها بجميع الضمانات التي تسهم في تبادل الثقة وشيوع الأمانة بين أفراد الأمة, ليظل المجتمع سالما من التنازع, قائما علي التناصح والتعاون والتآخي, فيستقيم الأمر ويتقدم المجتمع ويتفرغ الناس إلي ما خلقوا لأجله من إعمار الدنيا وإقامة الدين ونشر مكارم الأخلاق في العالمين.
محمد رافع 52 30-03-2012, 08:44 PM http://downloads.almajdtv.tv/upload/userfiles/images/Hadeeth/Ebtsamat_Nabwiah/Ahl_Badia.jpg (http://almajdtv.tv/default.aspx?No=5127&type=2)
استأذن ربه في الزرع (http://almajdtv.tv/default.aspx?No=5127&type=2)
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوما يحدث وعنده رجل من أهل البادية أن رجلا من أهل الجنة استأذن...
http://almajdtv.tv/userTools/images/defaultImages/hadith/more.png (http://almajdtv.tv/default.aspx?No=5127&type=2)
محمد رافع 52 30-03-2012, 08:45 PM http://downloads.almajdtv.tv/upload/userfiles/images/Hadeeth/Ebtsamat_Nabwiah/akther_tbasma.jpg (http://almajdtv.tv/default.aspx?No=5128&type=2)
ما رأيت أحدا أكثر تبسما (http://almajdtv.tv/default.aspx?No=5128&type=2)
عن عبد الله بن الحارث بن جزءِ رضي الله عنه قال: ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
http://almajdtv.tv/userTools/images/defaultImages/hadith/more.png (http://almajdtv.tv/default.aspx?No=5128&type=2)
محمد رافع 52 30-03-2012, 08:46 PM http://downloads.almajdtv.tv/upload/userfiles/images/Hadeeth/Ebtsamat_Nabwiah/Aletemah.jpg (http://almajdtv.tv/default.aspx?No=5129&type=2)
كانت عند أم سليم يتيمة (http://almajdtv.tv/default.aspx?No=5129&type=2)
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كانت عند أم سليم يتيمة - وهي أم أنس - فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم اليتيمة فقال: آ...
http://almajdtv.tv/userTools/images/defaultImages/hadith/more.png (http://almajdtv.tv/default.aspx?No=5129&type=2)
محمد رافع 52 30-03-2012, 08:47 PM http://downloads.almajdtv.tv/upload/userfiles/images/Hadeeth/Ebtsamat_Nabwiah/Azel_harisa.jpg (http://almajdtv.tv/default.aspx?No=5131&type=2)
لم أزل حريصا أن أسأل عمر (http://almajdtv.tv/default.aspx?No=5131&type=2)
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لم أزل حريصا أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتين قال الله ت...
http://almajdtv.tv/userTools/images/defaultImages/hadith/more.png (http://almajdtv.tv/default.aspx?No=5131&type=2)
محمد رافع 52 02-04-2012, 11:54 PM http://downloads.almajdtv.tv/upload/userfiles/images/Hadeeth/Ebtsamat_Nabwiah/halakt.jpg (http://almajdtv.tv/default.aspx?No=5135&type=2)
يا رسول الله هلكت (http://almajdtv.tv/default.aspx?No=5135&type=2)
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
يا رسول الله هلكت قال: ويحك قال: وقعت على أهلي...
http://almajdtv.tv/userTools/images/defaultImages/hadith/more.png (http://almajdtv.tv/default.aspx?No=5135&type=2)
محمد رافع 52 02-04-2012, 11:56 PM http://downloads.almajdtv.tv/upload/userfiles/images/Hadeeth/Ebtsamat_Nabwiah/Refaa_talgueni.jpg (http://almajdtv.tv/default.aspx?No=5140&type=2)
إن رفاعة طلقني (http://almajdtv.tv/default.aspx?No=5140&type=2)
عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت امرأة رفاعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت:
إن رفاعة طلقني فأبت طلاقي وأني تزو...
http://almajdtv.tv/userTools/images/defaultImages/hadith/more.png (http://almajdtv.tv/default.aspx?No=5140&type=2)
محمد رافع 52 02-04-2012, 11:57 PM http://downloads.almajdtv.tv/upload/userfiles/images/Hadeeth/Ebtsamat_Nabwiah/tho_Aaloznin.jpg (http://almajdtv.tv/default.aspx?No=5144&type=2)
يا ذا الأذنين (http://almajdtv.tv/default.aspx?No=5144&type=2)
عن أبي أسامة حماد بن أسامة عن شريك عن عاصم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:
يا ذا الأذنين...
http://almajdtv.tv/userTools/images/defaultImages/hadith/more.png (http://almajdtv.tv/default.aspx?No=5144&type=2)
محمد رافع 52 02-04-2012, 11:58 PM http://downloads.almajdtv.tv/upload/userfiles/images/Hadeeth/Ebtsamat_Nabwiah/Uadkhal_aljanh.jpg (http://almajdtv.tv/default.aspx?No=5145&type=2)
آخر من يدخل الجنة (http://almajdtv.tv/default.aspx?No=5145&type=2)
عن أبن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
آخر من يدخل الجنة رجل فهو يمشي مرة ويكبو مرة...
http://almajdtv.tv/userTools/images/defaultImages/hadith/more.png (http://almajdtv.tv/default.aspx?No=5145&type=2)
محمد رافع 52 04-04-2012, 11:32 AM http://downloads.almajdtv.tv/upload/userfiles/images/Hadeeth/Ebtsamat_Nabwiah/wabin_yadeh_khubz_watmr.jpg (http://almajdtv.tv/default.aspx?No=5146&type=2)
وبين يديه خبز وتمر (http://almajdtv.tv/default.aspx?No=5146&type=2)
عن عبد الحميد بن صيفي من ولد صهيب عن أبيه عن جده صهيب قال: قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم وبين يديه خبز وتمر فقال الن...
http://almajdtv.tv/userTools/images/defaultImages/hadith/more.png (http://almajdtv.tv/default.aspx?No=5146&type=2)
محمد رافع 52 04-04-2012, 11:33 AM http://downloads.almajdtv.tv/upload/userfiles/images/Hadeeth/Ebtsamat_Nabwiah/Wagh_akhik.jpg (http://almajdtv.tv/default.aspx?No=5147&type=2)
تبسمك في وجه أخيك صدقة (http://almajdtv.tv/default.aspx?No=5147&type=2)
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
تبسمك في وجه أخيك صدقة وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة...
http://almajdtv.tv/userTools/images/defaultImages/hadith/more.png (http://almajdtv.tv/default.aspx?No=5147&type=2)
محمد رافع 52 04-04-2012, 11:34 AM http://downloads.almajdtv.tv/upload/userfiles/images/Hadeeth/Ebtsamat_Nabwiah/Wahia_hably.jpg (http://almajdtv.tv/default.aspx?No=5149&type=2)
خرجت أسماء بنت أبي بكر حين هاج... (http://almajdtv.tv/default.aspx?No=5149&type=2)
عن عروة بن الزبير وفاطمة بنت المنذر بن الزبير أنهما قالا: خرجت أسماء بنت أبي بكر حين هاجرت وهي حبلى بعبد الله بن الزبير ...
http://almajdtv.tv/userTools/images/defaultImages/hadith/more.png (http://almajdtv.tv/default.aspx?No=5149&type=2)
محمد رافع 52 04-04-2012, 11:35 AM http://downloads.almajdtv.tv/upload/userfiles/images/Hadeeth/Ebtsamat_Nabwiah/agblt_ana_wsahban_li.jpg (http://almajdtv.tv/default.aspx?No=7019&type=2)
أقبلت أنا وصاحبان لي وقد ذهبت ... (http://almajdtv.tv/default.aspx?No=7019&type=2)
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن المقداد رضي الله عنه قال:
أقبلت أنا وصاحبان لي وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد فجعلنا نع...
http://almajdtv.tv/userTools/images/defaultImages/hadith/more.png (http://almajdtv.tv/default.aspx?No=7019&type=2)
أسير الخير 09-04-2012, 06:39 PM جزاك الله خير أخي الكريم وجعلة الله في ميزان حسناتك
محمد رافع 52 09-04-2012, 08:04 PM جزاك الله خير أخي الكريم وجعلة الله في ميزان حسناتك
غفر الله لك ولوالديك
|