aymaan noor
04-04-2012, 11:18 AM
الصعود إلي الهاوية!
هذا العنوان هو اسم لفيلم مصري شهير من أفلام الجاسوسية,
ولكني لم أجد ما هو أفضل منه للتعبير عن الموضوع الذي أتناوله اليوم, أي: تقييم المسار السياسي الراهن للإخوان المسلمين, جماعة وحزبا. فالإخوان المسلمون اليوم يشعرون بالنشوة والانتفاخ: فقد دان لهم مجلسا البرلمان( الشعب والشوري), ثم كونوا بطريقة عشوائية مشينة, لا سابقة لها, لجنة لصياغة دستور البلاد ذات أغلبية إخوانية بصرف النظر عن قدرات ومؤهلات أعضائها ثم لم يكتفوا بذلك فساقتهم الثقة بالنفس( أو هو الغرور؟) أيضا لترشيح أحد كوادرهم في الانتخابات الرئاسية! وهنا يحق للمرء أن يتساءل: هل تلك هي الذروة التي سوف ينحدر الإخوان بعدها؟
وابتداء, وقبل أن أعرض وجهة نظري, لابد أن انوه إلي أنني احتفيت شأني شأن أي مواطن مصري مهتم بترسيخ الديمقراطية كإحدي أولويات ثورتنا العظيمة بدخول الإخوان إلي معترك السياسة الشرعية العلنية, كاحدي القوي الوطنية الرئيسية في بلادنا, جنبا إلي جنب مع القوي الأخري: الليبرالية والاشتراكية والقومية, فوجود أحزاب سياسية ذات مرجعية إسلامية هو أمر بديهي في بلد عربي أغلبيته الساحقة من المسلمين! فما بالك بجماعة ذات تاريخ يفوق الأعوام الثمانين, وذات تاريخ سياسي ونضالي حافل؟ ذلك ما جاء في مقالات ثلاث سابقة لي في مايو وأكتوبر وديسمبر من العام الماضي.
غير أن تأمل السلوك الحالي للإخوان, يدفعنا دفعا للعودة إلي الوراء قليلا لكي نستطيع أن نفهم أبعاد ودوافع ذلك السلوك! والسؤال الأول هنا: ماذا كان إسهام الإخوان المسلمين في ثورة25 يناير العظيمة؟ الإجابة بكل وضوح ودقة: لقد شارك الإخوان في الثورة ولكنهم لم يكونوا بالقطع القوة المبادرة بالثورة, ولم يكونوا قيادتها, ولا غالبيتها! وأقول ذلك ليس علي سبيل الانطباع وإنما استنادا علي خبرتي المباشرة في قلب الميدان, حينما كنت اوجد مع مئات الألوف من المصريين- الذين نزلوا ميدان التحرير بالقاهرة, مع ميادين التحرير الأخري في بقية إنحاء مصر طوال أيام الثورة, وأتذكر الأخ الفاضل د. محمد البلتاجي القيادي بالإخوان- عندما كنا نتبادل مخاطبة الجماهير في إنحاء الميدان, ومن علي منصات الثورة المختلفة!
لكن الإخوان وفي غمار أحداث الثورة- كانوا دائما لأسبابهم الخاصة- علي استعداد للتفاهم مع النظام القديم. وأتذكر هنا, عندما كنا مجتمعين في عيادة الأستاذ د. عبدالجليل مصطفي( منسق الجمعية الوطنية للتغيير, وأحد الذين لعبوا دورا أساسيا في صمت وهدوء) في أحد الأيام الأخيرة للثورة, أن جاءتنا الأنباء بطلب اللواء عمر سليمان للتفاوض مع بعض ممثلي الثورة, من الكبار, ومن الشباب, فهب ممثلو الإخوان فقط( وكانوا ثلاثة) للذهاب إليه, وأذكر في ذلك اليوم أنني قلت عبارة لا تفاوض قبل الرحيل ويشرفني أنها انتقلت بعد ذلك بسرعة إلي الميدان, ليرددها بقوة شباب الثورة وجماهيرها!
غير أن الأمر المثير, والذي يبدو أن ما نعرفه بشأنه لا يزال أقل بكثير مما لا نعرفه, هو حقيقة العلاقة بين المجلس الأعلي للقوات المسلحة والإخوان المسلمين, عقب تنحي الرئيس السابق مبارك! حقا, أن المجلس الأعلي وقف إلي جانب الثورة, ضد استمرار رأس النظام( مبارك) وضد مشروع التوريث, ولكنه فعل ذلك كما قلت مرارا- ليس لإسقاط النظام نفسه وإنما للحفاظ عليه! وفي سبيل تحقيق هذا الهدف كان من الطبيعي أن يتصل بالجماعة( المشاركة في الثورة) ولكنها أيضا المستعدة دوما للحوار, والتي حرصت علي ابقاء خيوط الاتصال معه, أي الإخوان المسلمين!
وإذا كنا ندرك دلالة تكوين اللجنة التي أعدت وثيقة التعديلات الدستورية برئاسة المستشار طارق البشري وعضوية السيد صبحي صالح عضو جماعة الإخوان, التي تم استفتاء19 مارس الشهير عليها, والتي كانت أول بادرة علنية أثارت الشكوك حول العلاقة الإخوانية العسكرية, فإن الكثير من التفاصيل بشأنها ما تزال خافية وتتكشف يوما بعد يوم! أقول هذا بمناسبة الحديث الهام الذي أدلي به د. علي الغتيت إلي المصري اليوم, ونشر يوم السبت الماضي(31 مارس) حيث يقول بالنص: حاولت باستماته إثناء عزم القائمين علي إدارة البلاد بعد ثورة يناير عن فكرة الاستفتاء علي التعديلات الدستورية, لأن فكرة التعديل كانت خطة الرئيس السابق لمصالحة الشعب, كما أننا أعلنا إسقاط العمل بالدستور, فكيف نجري عليه تعديلات؟ وكان الرد الذي تلقيته هو أنني لو أردت ذلك فعلي إقناع المستشار البشري.. وكذلك د. محمد سليم العوا(....) وحاولت إقناعه أي العوا- بخطورة الأمر وضرورة تأجيل الاستفتاء(....) ولكنه قال أنه مكلف من المجلس العسكري بأن يجوب المحافظات للترويج لتأييد الاستفتاء وحث الجماهير علي التصويت بنعم!!
وكان من الطبيعي بعد ذلك, وعندما ثار الجدال الشهير: الانتخابات أولا, أم الدستور أولا؟ أن يستميت الإخوان المسلمون لخيار الانتخابات أولا.. لأنهم للأسف- كانوا يعلمون تماما أن تلك فرصتهم الذهبية غير المسبوقة لاقتناص أغلبية برلمانية لاشك فيها, ليس فقط لحل الحزب الوطني السابق, وتلاشي فلوله, وإنما الأهم لان القوي الجديدة التي كانت وقود الثورة ومحركها.. كانت لا تزال غضة تحتاج بعض الوقت, وبعض الدعم لترسيخ أقدامها وتقوية بنيانها! ولا أجد هنا أبلغ من كلمات د. محمد أبو الغار( المصري اليوم1 أبريل) في تقييم تلك الانتخابات: حدثت مخالفات رهيبة أثناء الانتخابات البرلمانية, استخدم فيها سلاح الدين والتكفير بكل قوة وعلانية وصراحة غير مسبوقة.. وقدمت آلاف الشكاوي للجنة الانتخابات ولم تفعل شيئا ولم يتحرك المجلس العسكري لتطبيق القانون الذي يمنع الشعارات الدينية بهذه الطريقة!
علي أية حال, حدث ما حدث, وأكتسح الإخوانيون وحلفاؤهم الانتخابات البرلمانية, وتقبل الجميع نتائجها برغم كل الملاحظات عليها- أملا في إن الإخوان يدركون أن الفوز بالأغلبية في أي ممارسة ديمقراطية حقيقية هو مسألة ليست أبدا دائمة, وإنما هي مرهونة بحسن أداء الحزب الفائز, وقدرته علي كسب ثقة الشعب. وبالفعل قال الإخوانيون كلاما جميلا ورفعوا شعارا جذابا مشاركة لا مغالبة!! وكنت شخصيا في مقدمة السعداء بهذا التطور, انطلاقا من أملي في استكمال ملامح نظام ديمقراطي حقيقي تستحقه مصر بعد الثورة. ولكن للأسف وكما يقول المثل الشعبي المصري- عادت ريما لعادتها القديمة!! واتحفنا الإخوان بصفعتين متواليتين: الصفعة الأولي, كانت في اختيار لجنة الدستور, نعم الدستور, أهم وثيقة سياسية في بلد له تاريخه المشرف والقديم في بناء الدساتير! واستنادا إلي نص المادة(60) من الإعلان الدستوري!! قررت الأغلبية الإخوانية أن تشكل لجنة إعداد الدستور بنسبة50% من البرلمان, و50% من خارجه, في سابقة تخالف كافة الأعراف الدولية الرصينة, ثم كانت المهزلة الأكبر في طريقة اختيار أعضاء اللجنة من الجانبين! وأنه لأمر سوف يلطخ تاريخ الإخوان دوما إنهم عندما تصدوا لوضع دستور مصر بدوا وكأنهم لم يكونوا أبدا علي مستوي تلك المسئولية الجسيمة, وكونوا بطريقة عشوائية لا تليق حتي ببلد هامشي حديث, ولا إحدي جمهوريات الموز في أمريكا اللاتينية, لجنة قد تكون لها علاقة بأي شيء, إلا الدستور! وبعبارة أخري, قدم الإخوانيون أول لجنة دستورية في تاريخ مصر, تعرف بمن خرجوا منها ومن عارضوها, وليس بمن بقوا فيها أو أيدوها! إنها لجنة الدستور الفريدة التي رفضها كل الحقوقيين, وانسحب منها ممثلو الأزهر والكنائس, وقاطعها كل أساتذة القانون الدستوري الثقاه, أنها لجنة رفضها أو ترافع في المحكمة رافضا لها د. يحيي الجمل, ود. ثروت بدوي, ود. إبراهيم درويش, ود. جابر نصار, ود. شوقي السيد ونقيب المحامين سامح عاشور, ورفضها واستقال منها المجموعة المحدودة من الأسماء الرصينة التي وضعت فيها ذرا للرماد في العيون!
أما ثالثة الأثافي كما يقال- فكانت هي مفاجأة تقديم الإخوان لمرشحهم في الانتخابات الرئاسية, المهندس خيرت الشاطر! وأنا هنا بالقطع لا انتقد شخص السيد الشاطر نفسه, فأنا لا أعرفه شخصيا ولكن إنطباعي عنه طيب كمهندس وكمناضل وكرجل أعمال ناجح, ولكن القضية هي ما يوحي به هذا الإجراء من احياء أو تأكيد الشكوك السلبية المتعلقة بالإخوان بدءا من الإنتهازية ونكث الوعود والمراوغة من جماعة يفترض فيها الالتزام الاخلاقي والديني في سلوكها! وحتي الرغبة في التكويش والاستحواز, والحديث المنمق عن المشاركة والتوجه فعليا نحو المغالبة. ومع أن قيادات الجماعة أعلنت تبريراتها الرسمية المحكمة, لاتجاهها لترشيح أحد قياديها في الانتخابات الرئاسية, عكس كل التزاماتهم القديمة, إلا أن الأمر المشرق في الموضوع هو أن هذا التبرير لم يقنع أبدا بعضا من أفضل كوادرها أو المتعاطفين معها. ويكفي هنا الإشارة إلي موقف الدكتور كمال الهلباوي, القيادة الإخوانية التاريخية, الذي استقال من الإخوان احتجاجا علي ترشيح الشاطر, وإلي الدكتور محمد حبيب الذي أبدي بكل شجاعة اعتراضه علي ذلك الترشيح, باعتبار أن الشاطر ليس الشخص المؤهل للمنصب الرئاسي. أو الاستاذ فهمي هويدي الذي قال مقارنا بالحالة التونسية وتعليقا علي الموقف من قضية الدستور- أن الإخوان مع السلفيين أسهموا في تعميق الشرخ في مصر, في حين كان بوسعهم بقدر من التواضع الحرص علي وحدة الجماعة الوطنية أن يجنبوا مصر التوتر الذي شهدته, وكنا قد انتهينا من مسألة تشكيل اللجنة, وكانت عملية الدستور قد بدأت بالفعل.
غير أن أكثر ما أثر في نفسي إلي أقصي حد, كان مشهد ذلك الشاب الإخواني الذي ظهر في برنامج تليفزيوني مع أحد قيادات الإخوان( د. جمال نصار) وهو يعلن اعتراضه علي ترشيح السيد الشاطر باعتباره اخلالا بالتزام أدبي, وبوعد قطعته الجماعة علي نفسها, معتبرا ذلك سقطة أخلاقية, وابتعادا عن قيم الجماعة, والمبادئ التي وضعها مؤسسها الأول الإمام حسن البنا!
المصدر (http://www.ahram.org.eg/Issues-Views/News/141306.aspx)
هذا العنوان هو اسم لفيلم مصري شهير من أفلام الجاسوسية,
ولكني لم أجد ما هو أفضل منه للتعبير عن الموضوع الذي أتناوله اليوم, أي: تقييم المسار السياسي الراهن للإخوان المسلمين, جماعة وحزبا. فالإخوان المسلمون اليوم يشعرون بالنشوة والانتفاخ: فقد دان لهم مجلسا البرلمان( الشعب والشوري), ثم كونوا بطريقة عشوائية مشينة, لا سابقة لها, لجنة لصياغة دستور البلاد ذات أغلبية إخوانية بصرف النظر عن قدرات ومؤهلات أعضائها ثم لم يكتفوا بذلك فساقتهم الثقة بالنفس( أو هو الغرور؟) أيضا لترشيح أحد كوادرهم في الانتخابات الرئاسية! وهنا يحق للمرء أن يتساءل: هل تلك هي الذروة التي سوف ينحدر الإخوان بعدها؟
وابتداء, وقبل أن أعرض وجهة نظري, لابد أن انوه إلي أنني احتفيت شأني شأن أي مواطن مصري مهتم بترسيخ الديمقراطية كإحدي أولويات ثورتنا العظيمة بدخول الإخوان إلي معترك السياسة الشرعية العلنية, كاحدي القوي الوطنية الرئيسية في بلادنا, جنبا إلي جنب مع القوي الأخري: الليبرالية والاشتراكية والقومية, فوجود أحزاب سياسية ذات مرجعية إسلامية هو أمر بديهي في بلد عربي أغلبيته الساحقة من المسلمين! فما بالك بجماعة ذات تاريخ يفوق الأعوام الثمانين, وذات تاريخ سياسي ونضالي حافل؟ ذلك ما جاء في مقالات ثلاث سابقة لي في مايو وأكتوبر وديسمبر من العام الماضي.
غير أن تأمل السلوك الحالي للإخوان, يدفعنا دفعا للعودة إلي الوراء قليلا لكي نستطيع أن نفهم أبعاد ودوافع ذلك السلوك! والسؤال الأول هنا: ماذا كان إسهام الإخوان المسلمين في ثورة25 يناير العظيمة؟ الإجابة بكل وضوح ودقة: لقد شارك الإخوان في الثورة ولكنهم لم يكونوا بالقطع القوة المبادرة بالثورة, ولم يكونوا قيادتها, ولا غالبيتها! وأقول ذلك ليس علي سبيل الانطباع وإنما استنادا علي خبرتي المباشرة في قلب الميدان, حينما كنت اوجد مع مئات الألوف من المصريين- الذين نزلوا ميدان التحرير بالقاهرة, مع ميادين التحرير الأخري في بقية إنحاء مصر طوال أيام الثورة, وأتذكر الأخ الفاضل د. محمد البلتاجي القيادي بالإخوان- عندما كنا نتبادل مخاطبة الجماهير في إنحاء الميدان, ومن علي منصات الثورة المختلفة!
لكن الإخوان وفي غمار أحداث الثورة- كانوا دائما لأسبابهم الخاصة- علي استعداد للتفاهم مع النظام القديم. وأتذكر هنا, عندما كنا مجتمعين في عيادة الأستاذ د. عبدالجليل مصطفي( منسق الجمعية الوطنية للتغيير, وأحد الذين لعبوا دورا أساسيا في صمت وهدوء) في أحد الأيام الأخيرة للثورة, أن جاءتنا الأنباء بطلب اللواء عمر سليمان للتفاوض مع بعض ممثلي الثورة, من الكبار, ومن الشباب, فهب ممثلو الإخوان فقط( وكانوا ثلاثة) للذهاب إليه, وأذكر في ذلك اليوم أنني قلت عبارة لا تفاوض قبل الرحيل ويشرفني أنها انتقلت بعد ذلك بسرعة إلي الميدان, ليرددها بقوة شباب الثورة وجماهيرها!
غير أن الأمر المثير, والذي يبدو أن ما نعرفه بشأنه لا يزال أقل بكثير مما لا نعرفه, هو حقيقة العلاقة بين المجلس الأعلي للقوات المسلحة والإخوان المسلمين, عقب تنحي الرئيس السابق مبارك! حقا, أن المجلس الأعلي وقف إلي جانب الثورة, ضد استمرار رأس النظام( مبارك) وضد مشروع التوريث, ولكنه فعل ذلك كما قلت مرارا- ليس لإسقاط النظام نفسه وإنما للحفاظ عليه! وفي سبيل تحقيق هذا الهدف كان من الطبيعي أن يتصل بالجماعة( المشاركة في الثورة) ولكنها أيضا المستعدة دوما للحوار, والتي حرصت علي ابقاء خيوط الاتصال معه, أي الإخوان المسلمين!
وإذا كنا ندرك دلالة تكوين اللجنة التي أعدت وثيقة التعديلات الدستورية برئاسة المستشار طارق البشري وعضوية السيد صبحي صالح عضو جماعة الإخوان, التي تم استفتاء19 مارس الشهير عليها, والتي كانت أول بادرة علنية أثارت الشكوك حول العلاقة الإخوانية العسكرية, فإن الكثير من التفاصيل بشأنها ما تزال خافية وتتكشف يوما بعد يوم! أقول هذا بمناسبة الحديث الهام الذي أدلي به د. علي الغتيت إلي المصري اليوم, ونشر يوم السبت الماضي(31 مارس) حيث يقول بالنص: حاولت باستماته إثناء عزم القائمين علي إدارة البلاد بعد ثورة يناير عن فكرة الاستفتاء علي التعديلات الدستورية, لأن فكرة التعديل كانت خطة الرئيس السابق لمصالحة الشعب, كما أننا أعلنا إسقاط العمل بالدستور, فكيف نجري عليه تعديلات؟ وكان الرد الذي تلقيته هو أنني لو أردت ذلك فعلي إقناع المستشار البشري.. وكذلك د. محمد سليم العوا(....) وحاولت إقناعه أي العوا- بخطورة الأمر وضرورة تأجيل الاستفتاء(....) ولكنه قال أنه مكلف من المجلس العسكري بأن يجوب المحافظات للترويج لتأييد الاستفتاء وحث الجماهير علي التصويت بنعم!!
وكان من الطبيعي بعد ذلك, وعندما ثار الجدال الشهير: الانتخابات أولا, أم الدستور أولا؟ أن يستميت الإخوان المسلمون لخيار الانتخابات أولا.. لأنهم للأسف- كانوا يعلمون تماما أن تلك فرصتهم الذهبية غير المسبوقة لاقتناص أغلبية برلمانية لاشك فيها, ليس فقط لحل الحزب الوطني السابق, وتلاشي فلوله, وإنما الأهم لان القوي الجديدة التي كانت وقود الثورة ومحركها.. كانت لا تزال غضة تحتاج بعض الوقت, وبعض الدعم لترسيخ أقدامها وتقوية بنيانها! ولا أجد هنا أبلغ من كلمات د. محمد أبو الغار( المصري اليوم1 أبريل) في تقييم تلك الانتخابات: حدثت مخالفات رهيبة أثناء الانتخابات البرلمانية, استخدم فيها سلاح الدين والتكفير بكل قوة وعلانية وصراحة غير مسبوقة.. وقدمت آلاف الشكاوي للجنة الانتخابات ولم تفعل شيئا ولم يتحرك المجلس العسكري لتطبيق القانون الذي يمنع الشعارات الدينية بهذه الطريقة!
علي أية حال, حدث ما حدث, وأكتسح الإخوانيون وحلفاؤهم الانتخابات البرلمانية, وتقبل الجميع نتائجها برغم كل الملاحظات عليها- أملا في إن الإخوان يدركون أن الفوز بالأغلبية في أي ممارسة ديمقراطية حقيقية هو مسألة ليست أبدا دائمة, وإنما هي مرهونة بحسن أداء الحزب الفائز, وقدرته علي كسب ثقة الشعب. وبالفعل قال الإخوانيون كلاما جميلا ورفعوا شعارا جذابا مشاركة لا مغالبة!! وكنت شخصيا في مقدمة السعداء بهذا التطور, انطلاقا من أملي في استكمال ملامح نظام ديمقراطي حقيقي تستحقه مصر بعد الثورة. ولكن للأسف وكما يقول المثل الشعبي المصري- عادت ريما لعادتها القديمة!! واتحفنا الإخوان بصفعتين متواليتين: الصفعة الأولي, كانت في اختيار لجنة الدستور, نعم الدستور, أهم وثيقة سياسية في بلد له تاريخه المشرف والقديم في بناء الدساتير! واستنادا إلي نص المادة(60) من الإعلان الدستوري!! قررت الأغلبية الإخوانية أن تشكل لجنة إعداد الدستور بنسبة50% من البرلمان, و50% من خارجه, في سابقة تخالف كافة الأعراف الدولية الرصينة, ثم كانت المهزلة الأكبر في طريقة اختيار أعضاء اللجنة من الجانبين! وأنه لأمر سوف يلطخ تاريخ الإخوان دوما إنهم عندما تصدوا لوضع دستور مصر بدوا وكأنهم لم يكونوا أبدا علي مستوي تلك المسئولية الجسيمة, وكونوا بطريقة عشوائية لا تليق حتي ببلد هامشي حديث, ولا إحدي جمهوريات الموز في أمريكا اللاتينية, لجنة قد تكون لها علاقة بأي شيء, إلا الدستور! وبعبارة أخري, قدم الإخوانيون أول لجنة دستورية في تاريخ مصر, تعرف بمن خرجوا منها ومن عارضوها, وليس بمن بقوا فيها أو أيدوها! إنها لجنة الدستور الفريدة التي رفضها كل الحقوقيين, وانسحب منها ممثلو الأزهر والكنائس, وقاطعها كل أساتذة القانون الدستوري الثقاه, أنها لجنة رفضها أو ترافع في المحكمة رافضا لها د. يحيي الجمل, ود. ثروت بدوي, ود. إبراهيم درويش, ود. جابر نصار, ود. شوقي السيد ونقيب المحامين سامح عاشور, ورفضها واستقال منها المجموعة المحدودة من الأسماء الرصينة التي وضعت فيها ذرا للرماد في العيون!
أما ثالثة الأثافي كما يقال- فكانت هي مفاجأة تقديم الإخوان لمرشحهم في الانتخابات الرئاسية, المهندس خيرت الشاطر! وأنا هنا بالقطع لا انتقد شخص السيد الشاطر نفسه, فأنا لا أعرفه شخصيا ولكن إنطباعي عنه طيب كمهندس وكمناضل وكرجل أعمال ناجح, ولكن القضية هي ما يوحي به هذا الإجراء من احياء أو تأكيد الشكوك السلبية المتعلقة بالإخوان بدءا من الإنتهازية ونكث الوعود والمراوغة من جماعة يفترض فيها الالتزام الاخلاقي والديني في سلوكها! وحتي الرغبة في التكويش والاستحواز, والحديث المنمق عن المشاركة والتوجه فعليا نحو المغالبة. ومع أن قيادات الجماعة أعلنت تبريراتها الرسمية المحكمة, لاتجاهها لترشيح أحد قياديها في الانتخابات الرئاسية, عكس كل التزاماتهم القديمة, إلا أن الأمر المشرق في الموضوع هو أن هذا التبرير لم يقنع أبدا بعضا من أفضل كوادرها أو المتعاطفين معها. ويكفي هنا الإشارة إلي موقف الدكتور كمال الهلباوي, القيادة الإخوانية التاريخية, الذي استقال من الإخوان احتجاجا علي ترشيح الشاطر, وإلي الدكتور محمد حبيب الذي أبدي بكل شجاعة اعتراضه علي ذلك الترشيح, باعتبار أن الشاطر ليس الشخص المؤهل للمنصب الرئاسي. أو الاستاذ فهمي هويدي الذي قال مقارنا بالحالة التونسية وتعليقا علي الموقف من قضية الدستور- أن الإخوان مع السلفيين أسهموا في تعميق الشرخ في مصر, في حين كان بوسعهم بقدر من التواضع الحرص علي وحدة الجماعة الوطنية أن يجنبوا مصر التوتر الذي شهدته, وكنا قد انتهينا من مسألة تشكيل اللجنة, وكانت عملية الدستور قد بدأت بالفعل.
غير أن أكثر ما أثر في نفسي إلي أقصي حد, كان مشهد ذلك الشاب الإخواني الذي ظهر في برنامج تليفزيوني مع أحد قيادات الإخوان( د. جمال نصار) وهو يعلن اعتراضه علي ترشيح السيد الشاطر باعتباره اخلالا بالتزام أدبي, وبوعد قطعته الجماعة علي نفسها, معتبرا ذلك سقطة أخلاقية, وابتعادا عن قيم الجماعة, والمبادئ التي وضعها مؤسسها الأول الإمام حسن البنا!
المصدر (http://www.ahram.org.eg/Issues-Views/News/141306.aspx)