صوت الامة
17-04-2012, 12:36 PM
بقلم: د. أحمد الحاج علي
كنا نبحث عن لحظة التوازن، نتقدم إلى مشارفها ثم ما نلبث أن ننكفئ عنها، وما بيننا وبين هذه اللحظة نشأت حالة كر وفر ولم نفقد ذاكرتنا ولم نقع في مطب الانحراف بعيد المدى عن هذه اللحظة،
الآن نحن في جوف معركة أخرى إطارها العام لحظة انعدام الوزن وما بين المعركتين، أعني معركة التوازن ومعركة انعدام الوزن، زمان وظروف وأحوال وتقلبات والعرب جميعاً في المركب المتداعي وكل منهم يحتجز خشبة يزينها ويرممها بطريقته الخاصة دون أن يتنبه إلى أن المركب كله في حالة الاهتراء وقد وصل إلى مشارف الغرق براكبيه وحمولته، وما أحوجنا إلى الذاكرة الحية في هذه الأيام ليس بدوافع الارتداد إلى الإرث والموروث ولكن بمهام سيكولوجية لعلنا نجد في علم النفس ما يفسر التاريخ والواقع بعد أن كان التاريخ هو الذي يفسر الذين كانوا وهو الذي يفسر الذين مازالوا على قيد الحياة، وإني لأعجب في هذا الظرف العربي المتقلب كيف لا يدخل عليه ويتداخل معه علم النفس وعلم المجتمع وعلم السياسة وعلم العقل وعلم المصلحة، وما دمنا نتحدث عن ملامح أمة ومازلنا نحتفظ بذلك الطموح الحزين والمحبط نحو انتمائنا لأمة دون أن نعمل شيئاً أو أن ننجز خطوة ننقل فيها هذا الانتماء من الانطباع إلى الشعور بالمسؤولية وإلى الاقتراب من الواقع، مادمنا كذلك فكيف يحق لنا أن نعيش حالة انعدام الوزن وقد صرنا في حواشيها ونحوم حولها مثلما هي تحوم حولنا؟
والحكمة العربية القديمة تقول: من حام حول الحمى كاد أن يقع فيه.
كل عربي طبيعي يتملكه هذا الشعور وتخرج منه أسئلة مكبوتة: ما الذي يحدث؟ وماذا بعد؟ ولكن هذا العربي في لحظة السؤال يتخلى عن الجواب، ينكفئ ويتقوقع على ذاته ثم يذهب في ممارسة عادته اليومية، يقضي بعض وقته في المقهى المتخم بالأرواح التائهة وضجيج الأحاديث ودخان السجائر والأركيلة ويقضي أغلب وقته في الهذيان التقليدي متسمّراً أمام جهاز التلفزيون، يتابع الأحداث ينتقل من فضائية لأخرى وكأنه يدور على ذاته وحينما يصيبه الملل يستقر على برنامج خليع ثم يستسلم للنوم الإلزامي وهو مازال صاحياً، هدّه التعب في ذاته وهدّه الواقع العربي بما فيه ومن فيه وداهمته فوضى الأفكار والخيارات وهو يتكرر يومياً وهو يكرر طقوسه البائسة الموزعة ما بين الإحباط والإحباط، ويقولون في علم الإنسان إن هذه الحال ليست سواءً كلها لها حسنة إيجابية من مصدر واحد بتشعبين، تشعب موضوعي يدل على درجة إحساس العربي بالمأساة ونسبة الصدق فيما يشعر وليس فيما يقول أو يكتب أو يتشدق به في المقاهي وفي الخلوات الصامتة والباردة والإحساس هذا خير ولكن المهم ألاّ يطرده هذا الإحساس من المركز إلى الأطراف ومن السؤال إلى حيث لا سؤال ولا جواب.
والتشعب الثاني في المصدر الموحد هو أن هذا الحال هو مقدمة صغرى أو كبرى لا فرق، راهنة أو متوقعة لا فرق، المهم هو أن هناك مقدمة لتحول مازال جنيني الأبعاد ضبابي الموضوعات لكنه بالتأكيد يتخلق وهو قادم على إيقاع أنين البؤساء وجوع الفقراء وكرامة المؤمنين بالحياة الذين ما عادوا يملكون شيئاً سوى أن يتشبثوا بآخر أسماء هذه الكرامة ولا يلوم أحد أحداً، إذ حينما تتحول السياسة إلى خيارات معلبة تمتطي إرادة الإنسان بموافقته أو مع عدم الموافقة، في هذا الوضع تتشكل عادة أخصب اللحظات، صحيح أنها مؤلمة ومحاصرة لكن أحداً لا يقوى ولن يقوى على تدمير تلك اللحظة الخصبة والتي أخذت مساحتها في العقول المشعة والقلوب السليمة وفي الجوارح التي ما تدنست وما امتدت إلى حرام ولا مارست زنا الاستغلال ولا عرفت خطوة واحدة نحو نهب المال العام وقتل الوطن الذي استعصى قتله على مئات الغزوات الهمجية الخارجية، روم وفرس وتتار وصليبيون، فرنسيون وإنكليز وطليان، صهاينة جاؤوا في آخر الزمان يهوشون على الدنيا العربية، قاتلهم الآباء والأجداد في كل المساحة العربية ونازلهم عبر حروب منظمة نظامية، جيل بعضه قضى نحبه وبعضه ينتظر وجميع هذا الجيل لم يبدل تبديلاً.
أليس من حق كل عربي سوي أن يتفاعل مع ما يجري وأن يعرف الأسباب العامة على الأقل وأن تكون له الصلاحية في تصور التحولات القادمة على قاعدة الزمن وثوابت التاريخ.
إن مجمل المناهج السياسية العربية تقوم على قتل المسافة والروابط ما بين المقدمات والنتائج والمنهجية العالية والمنتجة معروفة لدينا في سورية ليس على لسان الأديب أو المفكر أو الإعلامي أو المسؤول الحزبي من أي حزب كان ولكن بمنطق قواعد البناء والتطوير والتحديث التي جاءت منهجاً متلازماً أساسه في الفكر والقناعة وتطبيقاته في الإرادة والاقتصاد والسياسة.
إن كل مقدمة لابد أن تنتج آثارها عبر نتيجة وكل نتيجة لابد أن تستمد وجودها الحيوي من مقدمات سابقة، هذا ملمح منهجي اشتهر به الرئيس بشار الأسد وهذا أوان الشد فاشتدي أيتها الزيم وتحركي أيتها الذمم فإن كل مافي وجودنا العربي ينبئ بالعاصفة ومن الجنون السياسي والاجتماعي أن يتحول العرب إلى مجرد كميات من الأجساد تمارس هواية السباحة والتعري على الشواطئ اللازوردية في زمن العاصفة المعتم والمظلم.
إن المسألة فيها نظر ولابد أن يأخذ هذا النظر مسربين يمضي بهما، مسرب يلح على حالة الديالوج الداخلي كدليل على أن الإنسان العربي مازال على قيد الحياة يشعر، يتألم ولا يتحول إلى مجرد مستمع أو متفرج أو متلذذ بشريط الأحداث إلى أن يصل إلى حالة الاعتناق للمأساة ويتحول إلى مدمن خطير للتناقض مع ذاته والانفصال على واقعه بطريقة الاكتفاء بالفرجة وإطلاق الآهات الحزينة تارة والمتشفية تارة أخرى، ومسرب ثان يأخذه بهلوسة الحلم إلى آفاق مجهولة لا يستفيق من الحذر فيها إلا عبر نداء الرغيف وصرخة طفل عاد للتو من مدرسته متفوقاً في دراسته ولا يجد من يعترف له بذلك.
إن الواقع العربي الآن يشكل منطقة جذب إلزامية للتفاعل وللأسئلة وللارتداد من حالة الهذيان إلى حيث موقع الإنسان بصيغته وحدوده الأولى، هذا هو واقعنا ولا مجال للتهرب منه، فلتكن الأسئلة كلها مسكوبة في سؤالين اثنين يقول الأول: لماذا حدث ويحدث كل هذا في الوطن العربي دون غيره؟ ويقول الثاني: ما الذي سوف يأتي بعد ذلك وعلى أي منطلقات وصيغ سوف يرسو المزاد؟ إنني أعتقد جازماً بأننا في سورية العربية نمتلك بحكم مواصفاتنا الراهنة القدرة الحية على أن نمارس مهاماً هي بمستوى المأساة العربية الراهنة ولدينا من مصادر الثقة ومن وقائع المشروعية ما يؤهلنا لذلك إذا أحسنّا التدقيق وصفّينا النية.
كنا نبحث عن لحظة التوازن، نتقدم إلى مشارفها ثم ما نلبث أن ننكفئ عنها، وما بيننا وبين هذه اللحظة نشأت حالة كر وفر ولم نفقد ذاكرتنا ولم نقع في مطب الانحراف بعيد المدى عن هذه اللحظة،
الآن نحن في جوف معركة أخرى إطارها العام لحظة انعدام الوزن وما بين المعركتين، أعني معركة التوازن ومعركة انعدام الوزن، زمان وظروف وأحوال وتقلبات والعرب جميعاً في المركب المتداعي وكل منهم يحتجز خشبة يزينها ويرممها بطريقته الخاصة دون أن يتنبه إلى أن المركب كله في حالة الاهتراء وقد وصل إلى مشارف الغرق براكبيه وحمولته، وما أحوجنا إلى الذاكرة الحية في هذه الأيام ليس بدوافع الارتداد إلى الإرث والموروث ولكن بمهام سيكولوجية لعلنا نجد في علم النفس ما يفسر التاريخ والواقع بعد أن كان التاريخ هو الذي يفسر الذين كانوا وهو الذي يفسر الذين مازالوا على قيد الحياة، وإني لأعجب في هذا الظرف العربي المتقلب كيف لا يدخل عليه ويتداخل معه علم النفس وعلم المجتمع وعلم السياسة وعلم العقل وعلم المصلحة، وما دمنا نتحدث عن ملامح أمة ومازلنا نحتفظ بذلك الطموح الحزين والمحبط نحو انتمائنا لأمة دون أن نعمل شيئاً أو أن ننجز خطوة ننقل فيها هذا الانتماء من الانطباع إلى الشعور بالمسؤولية وإلى الاقتراب من الواقع، مادمنا كذلك فكيف يحق لنا أن نعيش حالة انعدام الوزن وقد صرنا في حواشيها ونحوم حولها مثلما هي تحوم حولنا؟
والحكمة العربية القديمة تقول: من حام حول الحمى كاد أن يقع فيه.
كل عربي طبيعي يتملكه هذا الشعور وتخرج منه أسئلة مكبوتة: ما الذي يحدث؟ وماذا بعد؟ ولكن هذا العربي في لحظة السؤال يتخلى عن الجواب، ينكفئ ويتقوقع على ذاته ثم يذهب في ممارسة عادته اليومية، يقضي بعض وقته في المقهى المتخم بالأرواح التائهة وضجيج الأحاديث ودخان السجائر والأركيلة ويقضي أغلب وقته في الهذيان التقليدي متسمّراً أمام جهاز التلفزيون، يتابع الأحداث ينتقل من فضائية لأخرى وكأنه يدور على ذاته وحينما يصيبه الملل يستقر على برنامج خليع ثم يستسلم للنوم الإلزامي وهو مازال صاحياً، هدّه التعب في ذاته وهدّه الواقع العربي بما فيه ومن فيه وداهمته فوضى الأفكار والخيارات وهو يتكرر يومياً وهو يكرر طقوسه البائسة الموزعة ما بين الإحباط والإحباط، ويقولون في علم الإنسان إن هذه الحال ليست سواءً كلها لها حسنة إيجابية من مصدر واحد بتشعبين، تشعب موضوعي يدل على درجة إحساس العربي بالمأساة ونسبة الصدق فيما يشعر وليس فيما يقول أو يكتب أو يتشدق به في المقاهي وفي الخلوات الصامتة والباردة والإحساس هذا خير ولكن المهم ألاّ يطرده هذا الإحساس من المركز إلى الأطراف ومن السؤال إلى حيث لا سؤال ولا جواب.
والتشعب الثاني في المصدر الموحد هو أن هذا الحال هو مقدمة صغرى أو كبرى لا فرق، راهنة أو متوقعة لا فرق، المهم هو أن هناك مقدمة لتحول مازال جنيني الأبعاد ضبابي الموضوعات لكنه بالتأكيد يتخلق وهو قادم على إيقاع أنين البؤساء وجوع الفقراء وكرامة المؤمنين بالحياة الذين ما عادوا يملكون شيئاً سوى أن يتشبثوا بآخر أسماء هذه الكرامة ولا يلوم أحد أحداً، إذ حينما تتحول السياسة إلى خيارات معلبة تمتطي إرادة الإنسان بموافقته أو مع عدم الموافقة، في هذا الوضع تتشكل عادة أخصب اللحظات، صحيح أنها مؤلمة ومحاصرة لكن أحداً لا يقوى ولن يقوى على تدمير تلك اللحظة الخصبة والتي أخذت مساحتها في العقول المشعة والقلوب السليمة وفي الجوارح التي ما تدنست وما امتدت إلى حرام ولا مارست زنا الاستغلال ولا عرفت خطوة واحدة نحو نهب المال العام وقتل الوطن الذي استعصى قتله على مئات الغزوات الهمجية الخارجية، روم وفرس وتتار وصليبيون، فرنسيون وإنكليز وطليان، صهاينة جاؤوا في آخر الزمان يهوشون على الدنيا العربية، قاتلهم الآباء والأجداد في كل المساحة العربية ونازلهم عبر حروب منظمة نظامية، جيل بعضه قضى نحبه وبعضه ينتظر وجميع هذا الجيل لم يبدل تبديلاً.
أليس من حق كل عربي سوي أن يتفاعل مع ما يجري وأن يعرف الأسباب العامة على الأقل وأن تكون له الصلاحية في تصور التحولات القادمة على قاعدة الزمن وثوابت التاريخ.
إن مجمل المناهج السياسية العربية تقوم على قتل المسافة والروابط ما بين المقدمات والنتائج والمنهجية العالية والمنتجة معروفة لدينا في سورية ليس على لسان الأديب أو المفكر أو الإعلامي أو المسؤول الحزبي من أي حزب كان ولكن بمنطق قواعد البناء والتطوير والتحديث التي جاءت منهجاً متلازماً أساسه في الفكر والقناعة وتطبيقاته في الإرادة والاقتصاد والسياسة.
إن كل مقدمة لابد أن تنتج آثارها عبر نتيجة وكل نتيجة لابد أن تستمد وجودها الحيوي من مقدمات سابقة، هذا ملمح منهجي اشتهر به الرئيس بشار الأسد وهذا أوان الشد فاشتدي أيتها الزيم وتحركي أيتها الذمم فإن كل مافي وجودنا العربي ينبئ بالعاصفة ومن الجنون السياسي والاجتماعي أن يتحول العرب إلى مجرد كميات من الأجساد تمارس هواية السباحة والتعري على الشواطئ اللازوردية في زمن العاصفة المعتم والمظلم.
إن المسألة فيها نظر ولابد أن يأخذ هذا النظر مسربين يمضي بهما، مسرب يلح على حالة الديالوج الداخلي كدليل على أن الإنسان العربي مازال على قيد الحياة يشعر، يتألم ولا يتحول إلى مجرد مستمع أو متفرج أو متلذذ بشريط الأحداث إلى أن يصل إلى حالة الاعتناق للمأساة ويتحول إلى مدمن خطير للتناقض مع ذاته والانفصال على واقعه بطريقة الاكتفاء بالفرجة وإطلاق الآهات الحزينة تارة والمتشفية تارة أخرى، ومسرب ثان يأخذه بهلوسة الحلم إلى آفاق مجهولة لا يستفيق من الحذر فيها إلا عبر نداء الرغيف وصرخة طفل عاد للتو من مدرسته متفوقاً في دراسته ولا يجد من يعترف له بذلك.
إن الواقع العربي الآن يشكل منطقة جذب إلزامية للتفاعل وللأسئلة وللارتداد من حالة الهذيان إلى حيث موقع الإنسان بصيغته وحدوده الأولى، هذا هو واقعنا ولا مجال للتهرب منه، فلتكن الأسئلة كلها مسكوبة في سؤالين اثنين يقول الأول: لماذا حدث ويحدث كل هذا في الوطن العربي دون غيره؟ ويقول الثاني: ما الذي سوف يأتي بعد ذلك وعلى أي منطلقات وصيغ سوف يرسو المزاد؟ إنني أعتقد جازماً بأننا في سورية العربية نمتلك بحكم مواصفاتنا الراهنة القدرة الحية على أن نمارس مهاماً هي بمستوى المأساة العربية الراهنة ولدينا من مصادر الثقة ومن وقائع المشروعية ما يؤهلنا لذلك إذا أحسنّا التدقيق وصفّينا النية.