مشاهدة النسخة كاملة : *آفضل ما قيل عن الهمة *


هالة محمد 2
18-04-2012, 10:32 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

أيها الإخوة الكرام، النوع البشري شيءٌ عظيم، لو نظرْتَ إلى طبقٍ من البيْض، التفاوُت بين حبّات البيْض تفاوُتٌ بسيط، لا يزيدُ على بِضْع غرامات، ولكن في عالم البشر قد تجِدُ إنسانًا بِقَلبِهِ الكبير، وهِمَّتهِ العلِيّة وأهدافِهِ النبيلة كالجبل، وتجِدُ إنسانًا آخر، لِضَعفِ هِمَّتهِ ولِسُخْف مَطلبِهِ كأنّه ذُبابة، النوْع البشريّ نوعٌ مكرَّم، أُعْطِيَ الإنسان طاقات هائلة فالإنسانٌ الذي يستخدمُ هذه الطاقات الهائلة في معالي الأمور، سيكون عظيمًا من عُظماء البشَر، وإن كان معه رسالة فهو نبيّ كريم، أو رسول عظيم وهناك من لا يستخدم هذه الطاقات فيتحمّلُ من أجلها الحسرات إلى أبد الآبدين، وهناك من يستخدمُ هذه الطاقات في الشرّ فهُم المجرمون والطّغاة، النَّوْع البشريّ نَوْعٌ مُحَيِّر ‍! مِن إنسانٍ يكْبُر ولا ترى كِبَرَه فيتضاءلُ أمامهُ كلّ كبير، إلى إنسان يصْغُر ولا ترى صِغَره، فيتعاظَم عليه كلّ حقير،العامل المؤثّر في هذا الموضوع هو الهِمّة، لو سألْت إنسانًا ضعيف الهِمّة، ما هدَفُك ؟ أنْ يأكلَ وأن يشْرَبَ !! أن يسْكُن في بيتٍ وأن يتزوّج امرأة، فإذا حقّق هذه المطالب تنتهي كلُّ أهدافِهِ، أما النبي عليه الصلاة والسلام هَمُّه هِدايةُ الخلق، ومن هنا قال عليه الصلاة والسلام: لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرًا ولضحكتم قليلاً......." فالله عز وجل لا ينظرُ إلى شكلك، ولا إلى صورتك، ولكن إلى همِّكَ وهِمّتِكَ إنسانٌ جدُ همّه أن يأكل، ويستمتع بالحياة، همُّه أن يعيشَ وحيدًا مرتاحًا من كلّ همّ، لكنْ هناك من همُّه هِدايَة الخَلْق، فأنت تكْبُر عند الله بِقَدر ما تحْمِلُ من هُموم المسلمين، والإنسان كما قلتُ قبل قليل طاقات كبيرة جدًّا فقد تجدُ إنسانًا تركَ آثارًا عِلْميّة مُذْهلة، وعاشَ عُمْرًا محدودًا كأيّ عُمْر ترك مائتي مؤلّف، هناك علماء كِبار يُعَدُّون من المُجدِّدين في الدِّين، يعني فِكرُه وكتُبُه على كلِّ لِسانٍ، بعْد ألفِ عامٍ، وفي كلّ قُطرٍ من أقطار المسلمين، ما هذه الهِمة التي كان ينْطوي عليها يومَ كان حيًّا يرْزق، على كلٍّ الإنسان يصِلَ إلى أعلى عِلِيِّين إذا اسْتغلَّ هذه الطاقات التي أوْدَعَها الله فيه، فعلى مستوى الدّنيا، الإنسان شابّ في الأربعينات، ثرْوتهُ تزيدُ عن تِسعين مليار دولار، صاحبُ مايكروسوفت، شابّ بالأربعينات، هل حصَّل هذه الثَّرْوَة جُزافًا ؟ لا، هِمَّتهُ في تَحصيل المال مُذْهلة، وإنسانٌ آخر تركَ خمسين مليونًا قتيلاً مثل هتلر، في الحرب العالميّة الثانيّة وَحْش وطاغِيَة وجبّار، فالإنسان والنوْع البشري عجيب، هناك طاقات كبيرة جدًّا، وليس هناك حلّ وسَط إذا صعدت بهذه الطاقات فتكون أعلى من كلّ ملَكٍ كما قال الإمام عليّ كرّم الله وجهه: رُكِّبَ المَلَكُ من عقْلٍ ولا شهوَة، ورُكِّب الحيوان من شَهوةٍ ولا عقْل، ورُكِّبَ الإنسان من كِلَيْهِما فإن سما عقلهُ على شهوتِهِ كان فوق الملائكة، وإن سمَت شهوتهُ على عقله كان دون الحيوان.
ما الذي يهمّك ؟ وما الذي يقلقك ؟ ما الذي تصْبو إليه ؟ ما الذي ترجوه ؟ تعيشُ مع من؟ وتعيشُ لِمَن ؟ تُرضي مَن ؟ وتُغْضِبُ من ؟ تنفقُ على مَن ؟ تَصِلُ مَن ؟ تَقْطَعُ مَن ؟ مَن أنت؟ قلْ لي ما الذي يغضبُك أقول لك من أنت ؟ قل لي ما الذي يرضيك أقلْ لك من أنت ؟ قلْ لي ما مِقياسُ الفوز عندكَ أقل لك من أنت ؟ قلْ لي إلى ما تسْعى أقُل لك من أنت ؟ ما الذي يُحزنُكَ أقل لك من أنت ؟ أيُّ شخْصٍ ترنو إليه أقُلْ لك من أنت ؟ فالمسافات كبيرة جدًّا، والإنسان مخلوق، ومجبول، لِيَكون أعلى المخلوقات، قال تعالى:
﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70)﴾

لتصل إلى الله وسائل هي في متناوَل يدَيك، شرْعُ الله واضِحٌ لديك الحلال بيِّنٌ والحرام بيّن، بِمُجرّد أن تَدَعَ الحرام، وأن تقبلَ على الحلال فقد ارْتقيْت عند الله عز وجل، لا يزال ابن آدم يتقرَّبُ إليّ بالنوافل حتى أُحبّه، بالنوافل، بِصَلاة النافلة، بِصَدقة النافلة، بِطَلبِ العِلْم، وخِدمةِ أخٍ مؤمن بِتَرْبيَة ولدٍ، بدَعْوةٍ إلى الله تعالى، إذا أحْبَبْتُهُ كُنْتُ سمْعهُ الذي يسمعُ به وبصرهُ الذي يُبصرُ به، ويدهُ التي يبطشُ بها، ورِجلهُ التي يمشي بها ولئِن سألني لأعطينّه، ولئِن دعاني لأجيبه، فأنْ تكون عند الله محبوبًا شيءٌ في متناوَل يدك، هناك مُلوك بيَدِهم شُؤون كلّ الممْلكة، ولكنْ لن تستطيع أن تصلَ إليه، هو بيَدِهِ كلّ شيء، يمْلكُ مال ممْلكته، يمْلكُ كلّ شيءٍ فيها، ولكن لا سبيل إلى أن تصلَ إليه، لكنّ ملِكَ المُلوك قال:


﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110) ﴾

(سورة الكهف )
اِعْمَل عملاً صالحًا لا تبتغي به إلا وَجه الله تعالى، أقْرِض الله قرضًا حسنًا، أيّ إنسان، أيّ مخلوق، أيّ نبات، هو مخلوقٌ لله عز وجل إذا اعْتَنَيْت بِنباتٍ سقَيْتَهُ ماءً، إذا اعْتنيْتَ بِهِرّة عمل صالح، تعرف قصة المرأة التي غفرَ الله لها سقَتْ كلبًا في الصّحراء، طريق الوُصول إلى الله بين يديك، كلّ هؤلاء الذين هم أمامك مخلوقات لله عز وجل فإن أحْببْتَ الله أحببْتَ مخلوقاته فكُنْتَ بهم رحيمًا، وكنت بهم رؤوفًا، كنت لهم منصفًا، أعنْتَهُم على شؤون دينهم، الإنسان التافه هو الذي يعيشُ لِشَهوَتِهِ، تافِهٌ لا قيمة له، قال تعالى:

﴿ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124) ﴾
وقال تعالى:

﴿ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً (105) ﴾

(سورة الكهف)
قال تعالى:

﴿كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾

(سورة المنافقون )
قال تعالى:

﴿ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51) ﴾

(سورة المدثر )
قال تعالى:

﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (44)﴾

(سورة الفرقان )
قال تعالى:

﴿ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ﴾

(سورة الأعراف)
قال تعالى:

﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾
(سورة الإسراء)


فالقضيّة مصيريّة، والقضيّة خطيرة، أنت المخلوق الأوّل، أنت المخلوق المكرّم، وأنت المخلوق المكلّف، تجدُ إنسانًا همّه شيءٌ تافهٌ جدًّا همّه مركبة أحيانًا، وهمّه بيت، وهمّه زوجة، ولا يريد فوق ذلك شيئًا عُلُوّ الهِمّة من الإيمان، سيّدنا عمر رضي الله عنه ماذا أراد ؟ أراد أن يقيم الحقّ في الأرض، سيّدنا الصدّيق ؛ هذا الإنسان اللطيف الناعم الرقيق النحيل، جيَّشَ جيشًا بعد حُروب الردّة، وفتَحَ به بلاد المسلمين، وقال: والله لو منعوني عِقال بعيرٍ كانوا يُؤدُّونه لِرَسول الله صلى الله عليه وسلّم لقاتلْتُهم عليه، هِمَّة عاليَة، وهذا سيّدنا عثمان أنفقَ مالهُ كلّه، جيَّشَ جيشًا بأكمله، فقال عليه الصلاة والسلام: ما ضرّ ما فعل عثمان بعد اليوم إذا قرأنا تاريخ الصحابة، والله نجدُ أنفسنا لا شيءَ أبدًا،مرَّة رَكِبْت من المدينة إلى مكّة بِسَيّارة، طريق طويل، أربع مائة وخمسين كيلو متر والمركبة تسير على المائة والثمانين ومكيّفة، كيف قَطَعَ النبي هذا الطريق على ناقة، هل هناك ناقة مكيّفة ؟! لا، فكيف قَطَع الطريق على ناقةٍ وكان مطاردًا ؟ وكان مهدورًا دمُه، وقد وُضِعَت مئة ناقة لِمَن يأتي به حيًّا أو ميِّتًا، وكيف تبِعَهُ سُراقة؟ وقال: يا سُراقة كيف بِكَ إذا لبِسْت سِوارَي كِسرى ؟! إنسانٌ مُلاحقٌ ومهدورٌ دمُه يدفعُ لمَن ي***هُ مئة ناقةٍ، يقول لِسُراقة: يا سُراقة كيف بِكَ إذا لبِسْت سِوارَي كِسرى ؟! معنى ذلك أنّ النبي عليه الصلاة والسلام كان موقنًا أنّه سيَصِلُ إلى المدينة، وسيُنشأُ دولةً هناك، وسيُحاربُ الفرْس، وسوف تأتي الغنائم إلى المدينة، وهذا الذي حصلَ بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام جاءَت الغنائم إلى المدينة فلم ير الرجلان بعضَيْهما، وقد رفعا رُمْحيهِما من ارتفاع كتلة الغنائم، فسيِّدُنا عمر قال: والله إنّ الذي أدَّى هذا لأمينٌ، جواهر وتيجان وحليّ، فقال سيّدنا عليّ كرَّم الله وجهه: يا أمير المؤمنين أعَجبْت من أمانتهم؟ لقد عففْتَ فعَفُّوا، ولو ركعت لركَعوا، أُناسٌ عُظماء قال له: قلْ لي من الذي مات في نهونْد ؟ فقال الرسول: ماتَ خلق كثير لا تعرفهم، فبكى سيّدنا عمر وقال: ما ضرّني أن لا أعرفهم إذا كان الله يعرفهم ؟
أن يكون لك عمل عظيم لا يعرفهُ أحد تبتغي به وجه الله تعالى وكَخِدْمة للخلْق، تركْت بصمات في المجتمع، وتركْت أثرًا،
قال تعالى:


﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) ﴾