اسحاق نيوتن
07-05-2012, 11:59 PM
لَّما تابعْتُ الأحداثَ الْجارية في مِصْر على مدى خَمسةَ عشر يومًا، شعرْتُ بالفخر الشَّديد، إلاَّ أنَّه ينتابُنِي خوفٌ مِمَّا ستَؤول إليه الأحداثُ خلال الأيام القادمة التي يحوم حولَها غموضٌ يُوجِب الْحَذر.
على ما يَقْرب مِن أسبوعين والشَّباب صامدون في الْمَيدان، شبابٌ سجَّل أسماءَهم التَّاريخُ من الآن سيَفْتخر بِهم كلُّ مصريٌّ، ومن ناحيةٍ أخرى ترى الْهُجوم الإعلاميَّ الشديد على هؤلاء الشَّباب الذين عرفوا هدَفَهم واضحًا تَمامًا، وهو القضاء على هذا النِّظام، وإسقاط رمْزِه، ومن ناحيةٍ أخرى يلعب الإعلامُ المستقِلُّ دورًا كبيرًا جدًّا في نَقْل الأحداث.
لا نُبالغ حين نقول: إنَّ العالَمَ كُلَّه خرج عن بَكْرة أبيه لأجل مِصْر، لَم يَخرج المواطنون الإسلاميُّون في تلك البلاد فقط، بل خرج علمانيُّون ويساريُّون وليبراليُّون.
لقد كان إصرار هؤلاء الشَّباب على ما يقولونه مِنْ إسقاط النِّظام ورحيل "مبارك" مهِمٌّ جدًّا، وتتمثَّل أهميته في إسقاط رمز الدِّيكتاتورية الذي حاول الانتقام لنفْسِه أكثرَ من مرَّة بالْمَذابح التي قامتْ بِها زبانِيَتُه قبل أيام.
خلال الفترة الماضية، ومنذ اندلاع الأحداث ليس هناك عاقلٌ يستطيع القول بأنَّ أمريكا وإسرائيل غائبةٌ عن الأحداث، أو لا تُخَطِّط على الأقلِّ لإيجاد بديلٍ للنِّظام الذي سيَسْقط لا مَحالة؛ بسبب هذا الإصرار والعزيمة وقوَّة الإرادة التي يتحلَّى بها هؤلاء الشباب.
ترنَّحَت غالِبُ الأنظمة العالَمِيَّة في ردَّة فعْلِها عندما خرجَت الأحداث يوم 25 يناير، ولَم تَخْرج التَّصريحاتُ إلاَّ بعد أن ظهر رجوحُ كفَّة المتظاهرين، وانتصارهم في الصُّمود أمام البطش الأمني المصري، وتَحويل المظاهرات إلى اعتصامٍ مليوني، ما زال قائمًا وصامدًا في ميدان التحرير، وهذا يدلُّ على وهْمِيَّة مبادئ هذا العالَمِ، وقيامه على الْمَصالِح، وبالطَّبع ليس هذا جديدًا على النُّخبة، إنَّما يكشف أنَّ هذا النِّظام العالَمِيَّ يبيع حتَّى مَن خدمه ثلاثين عامًا، وليستْ أيَّ خدمة؛ فالنِّظام المصريُّ هو النِّظام الأكثر إخلاصًا لأمريكا وإسرائيل دون مُنازِع.
فهذه الثَّورة وما سيترتَّب عليها من نتائج ستُغَيِّر مَجْرى الأحداث، هذا ليس كلامًا إنشائيًّا، وذلك خاصَّة في القضية الفلسطينيَّة والعلاقة مع أمريكا، فهناك حدودٌ مع إسرائيل، وهناك اتفاقِيَّةُ سلامٍ، وهناك مَعْبَر رفَح وغزَّة، وهناك حَماس، فالْحُكم المزلزل الآن هو الحامي لكلِّ ذلك، فمن يأتي بعد ذلك إن لَم يكن في يد أمريكا وإسرائيل سيهدِّد الوجود الإسرائيليَّ في المنطقة، وسيغير شكل الصِّراع معه.
وما قامَتْ به بعضُ الطَّوائف السِّياسية بِما سَمَّوه الحوار أو الْمُفاوضات مع "عمر سليمان" قد يكون خطأً أو إيجابيًّا سيظهر آثارُه في الأيَّام القادمة؛ وذلك لأنَّه كان بمثابة إعطاءُ فرصةٍ للنِّظام أن يتنفَّس، أمَّا الضغط الشبابي والعالَمِيُّ والإعلامي الذي فضحه على مستوى العالَم ليس بالأدوات الإعلاميَّة المتطوِّرة، بل بكاميرات شعبيَّة، غطَّت الأحداث كما هي، وقد يكون هذا الحوار إيجابيًّا في رأي مَن أجرى ذلك الحوار.
ولَم يَتَورَّع الإعلام المصريُّ وبائِعو الضَّمائر قبل التنحِّي مِن تَكرار ودندنة قصَّة الأجندات الخارجيَّة هَمزًا ولَمزًا، خاصَّة من ناحية الإخوان المسلمين، وبعض الطَّوائف السياسية الأخرى، ونسي هؤلاء أجندة النِّظام لِمُدَّة 30 عامًا التي لَم تَصُبَّ يومًا في مصلحة شعْبِهم، إنَّما في مصلحة أمريكا وإسرائيل.
يكتب الكثيرون، وينادي الْمُفكِّرون: احْذَروا من سرقة الثَّورة، ونحن للأسف مِن كثْرَة سَماع الْمُصطلحات تعوَّدْنا عليها، ولا نعرف مدى خُطورَتِها، ففِعْلاً لو سُرِقَت الثَّورة المصريَّة فسوف تعيش مصرُ تَجربةً مؤْلِمة، قد تُتاح الْحُرِّيات، وتَحْدث ديمقراطيَّة تحت رقابة أمريكيَّة عالَمِيَّة، ويَتْرك حريَّة كبيرة للإسلاميِّين، ولكن ذلك دون الْمَساس بالْمَصالح الأمريكية والإسرائيلية، مثلها مثل ما حدَث في التَّجربة التُّركية بعد انقلاب 28 شوباط.
أمريكا والغرب يُدْرِكان الآن أنَّ الأنظمة التي وضعَتْها في الشَّرق بسياستها القَمْعيَّة والظَّالِمة لرعاية مصالِحِها هُناك تتهاوى الواحدةَ تِلْوَ الأخرى؛ لذلك سنرى في أيَّامٍ ليست عنَّا ببعيدةٍ وُجوهًا جديدةً توفِّر قدرًا كبيرًا من الْحُرِّيات، وتتحاوَر مع الإسلاميِّين، وتَتْرك لَهُم الفرصة في تأسيس الأحزاب، ومُشاركةٍ فعَّالة في الحياة السِّياسية.
الحركة الإسلامية في مصر معرَّضة لامتحانٍ كبير جدًّا، عليها أن تتخطَّاه بكلِّ حذَر ودِقَّة؛ حتَّى لا يُستدرَجوا إلى خُطَط قَذِرة تَمسُّ سمعة الإسلاميِّين وتاريخَهم، فهناك علاقات خارجيَّة، وهناك مَن لا يَقْبل الفكرة الإسلاميَّة، فلا بُدَّ أن تُقيم الحركةُ منهجًا واضحًا لوجودها في السُّلطة؛ حتَّى لا تتكرَّر تَجارِبُ مؤْلِمة للإسلاميِّين مرَّةً أخرى، وأن تنظر الحركة وبكلِّ دقَّة ما أنتجَتْه التَّجربةُ التُّركية الإسلامية خلال 40 عامًا من الصِّراع مع الصَّنَم العلماني، وأن تتعلَّم من أخطاء تلك التَّجربة، وأنَّ إهمالَها للجانب التَّربوي أدَّى إلى وقوعها في انقساماتٍ ما زالَتْ موجودةً حتَّى الآن.
ونقطة أخرى خطيرة جدًّا وهو تثقيف هذا الشَّعب وتوعيته؛ لأنَّ هذه الثَّورة قد تكون اندلعت عفَوِيًّا؛ لذلك يجب أن يَعْلم الشَّعب المعنى الحقيقيَّ للحُرِّية، وما تتطلَّبه المرحلةُ القادمة من صبْرٍ شديد، فهي مرحلةٌ مليئةٌ بالأشواك والعوائق، وليست فترةً سهلة كما يظنُّ البعض، ليست الفكرة فقط في ذهاب "حسني مبارك" الذي كان يسير تَحْتَ تَحكُّم أمريكا، إنَّما من سيأتي بعده ومَن سيتولَّى بعده، فقد تَدْخل مصر في فترة الفِتَن الدَّاخلية الْمُصطنَعة، مثلما حدَث في العراق والسُّودان، وعندها يقول الشَّعب: لو كان "مبارك" موجودًا لَم يحدث ذلك، فعلى المصريِّين والسِّياسيِّين أن يكونوا أكثر يقَظةً وذكاءً من القُوَى الخارجيَّة: الأمريكيَّة منها والإسرائيلية.
على ما يَقْرب مِن أسبوعين والشَّباب صامدون في الْمَيدان، شبابٌ سجَّل أسماءَهم التَّاريخُ من الآن سيَفْتخر بِهم كلُّ مصريٌّ، ومن ناحيةٍ أخرى ترى الْهُجوم الإعلاميَّ الشديد على هؤلاء الشَّباب الذين عرفوا هدَفَهم واضحًا تَمامًا، وهو القضاء على هذا النِّظام، وإسقاط رمْزِه، ومن ناحيةٍ أخرى يلعب الإعلامُ المستقِلُّ دورًا كبيرًا جدًّا في نَقْل الأحداث.
لا نُبالغ حين نقول: إنَّ العالَمَ كُلَّه خرج عن بَكْرة أبيه لأجل مِصْر، لَم يَخرج المواطنون الإسلاميُّون في تلك البلاد فقط، بل خرج علمانيُّون ويساريُّون وليبراليُّون.
لقد كان إصرار هؤلاء الشَّباب على ما يقولونه مِنْ إسقاط النِّظام ورحيل "مبارك" مهِمٌّ جدًّا، وتتمثَّل أهميته في إسقاط رمز الدِّيكتاتورية الذي حاول الانتقام لنفْسِه أكثرَ من مرَّة بالْمَذابح التي قامتْ بِها زبانِيَتُه قبل أيام.
خلال الفترة الماضية، ومنذ اندلاع الأحداث ليس هناك عاقلٌ يستطيع القول بأنَّ أمريكا وإسرائيل غائبةٌ عن الأحداث، أو لا تُخَطِّط على الأقلِّ لإيجاد بديلٍ للنِّظام الذي سيَسْقط لا مَحالة؛ بسبب هذا الإصرار والعزيمة وقوَّة الإرادة التي يتحلَّى بها هؤلاء الشباب.
ترنَّحَت غالِبُ الأنظمة العالَمِيَّة في ردَّة فعْلِها عندما خرجَت الأحداث يوم 25 يناير، ولَم تَخْرج التَّصريحاتُ إلاَّ بعد أن ظهر رجوحُ كفَّة المتظاهرين، وانتصارهم في الصُّمود أمام البطش الأمني المصري، وتَحويل المظاهرات إلى اعتصامٍ مليوني، ما زال قائمًا وصامدًا في ميدان التحرير، وهذا يدلُّ على وهْمِيَّة مبادئ هذا العالَمِ، وقيامه على الْمَصالِح، وبالطَّبع ليس هذا جديدًا على النُّخبة، إنَّما يكشف أنَّ هذا النِّظام العالَمِيَّ يبيع حتَّى مَن خدمه ثلاثين عامًا، وليستْ أيَّ خدمة؛ فالنِّظام المصريُّ هو النِّظام الأكثر إخلاصًا لأمريكا وإسرائيل دون مُنازِع.
فهذه الثَّورة وما سيترتَّب عليها من نتائج ستُغَيِّر مَجْرى الأحداث، هذا ليس كلامًا إنشائيًّا، وذلك خاصَّة في القضية الفلسطينيَّة والعلاقة مع أمريكا، فهناك حدودٌ مع إسرائيل، وهناك اتفاقِيَّةُ سلامٍ، وهناك مَعْبَر رفَح وغزَّة، وهناك حَماس، فالْحُكم المزلزل الآن هو الحامي لكلِّ ذلك، فمن يأتي بعد ذلك إن لَم يكن في يد أمريكا وإسرائيل سيهدِّد الوجود الإسرائيليَّ في المنطقة، وسيغير شكل الصِّراع معه.
وما قامَتْ به بعضُ الطَّوائف السِّياسية بِما سَمَّوه الحوار أو الْمُفاوضات مع "عمر سليمان" قد يكون خطأً أو إيجابيًّا سيظهر آثارُه في الأيَّام القادمة؛ وذلك لأنَّه كان بمثابة إعطاءُ فرصةٍ للنِّظام أن يتنفَّس، أمَّا الضغط الشبابي والعالَمِيُّ والإعلامي الذي فضحه على مستوى العالَم ليس بالأدوات الإعلاميَّة المتطوِّرة، بل بكاميرات شعبيَّة، غطَّت الأحداث كما هي، وقد يكون هذا الحوار إيجابيًّا في رأي مَن أجرى ذلك الحوار.
ولَم يَتَورَّع الإعلام المصريُّ وبائِعو الضَّمائر قبل التنحِّي مِن تَكرار ودندنة قصَّة الأجندات الخارجيَّة هَمزًا ولَمزًا، خاصَّة من ناحية الإخوان المسلمين، وبعض الطَّوائف السياسية الأخرى، ونسي هؤلاء أجندة النِّظام لِمُدَّة 30 عامًا التي لَم تَصُبَّ يومًا في مصلحة شعْبِهم، إنَّما في مصلحة أمريكا وإسرائيل.
يكتب الكثيرون، وينادي الْمُفكِّرون: احْذَروا من سرقة الثَّورة، ونحن للأسف مِن كثْرَة سَماع الْمُصطلحات تعوَّدْنا عليها، ولا نعرف مدى خُطورَتِها، ففِعْلاً لو سُرِقَت الثَّورة المصريَّة فسوف تعيش مصرُ تَجربةً مؤْلِمة، قد تُتاح الْحُرِّيات، وتَحْدث ديمقراطيَّة تحت رقابة أمريكيَّة عالَمِيَّة، ويَتْرك حريَّة كبيرة للإسلاميِّين، ولكن ذلك دون الْمَساس بالْمَصالح الأمريكية والإسرائيلية، مثلها مثل ما حدَث في التَّجربة التُّركية بعد انقلاب 28 شوباط.
أمريكا والغرب يُدْرِكان الآن أنَّ الأنظمة التي وضعَتْها في الشَّرق بسياستها القَمْعيَّة والظَّالِمة لرعاية مصالِحِها هُناك تتهاوى الواحدةَ تِلْوَ الأخرى؛ لذلك سنرى في أيَّامٍ ليست عنَّا ببعيدةٍ وُجوهًا جديدةً توفِّر قدرًا كبيرًا من الْحُرِّيات، وتتحاوَر مع الإسلاميِّين، وتَتْرك لَهُم الفرصة في تأسيس الأحزاب، ومُشاركةٍ فعَّالة في الحياة السِّياسية.
الحركة الإسلامية في مصر معرَّضة لامتحانٍ كبير جدًّا، عليها أن تتخطَّاه بكلِّ حذَر ودِقَّة؛ حتَّى لا يُستدرَجوا إلى خُطَط قَذِرة تَمسُّ سمعة الإسلاميِّين وتاريخَهم، فهناك علاقات خارجيَّة، وهناك مَن لا يَقْبل الفكرة الإسلاميَّة، فلا بُدَّ أن تُقيم الحركةُ منهجًا واضحًا لوجودها في السُّلطة؛ حتَّى لا تتكرَّر تَجارِبُ مؤْلِمة للإسلاميِّين مرَّةً أخرى، وأن تنظر الحركة وبكلِّ دقَّة ما أنتجَتْه التَّجربةُ التُّركية الإسلامية خلال 40 عامًا من الصِّراع مع الصَّنَم العلماني، وأن تتعلَّم من أخطاء تلك التَّجربة، وأنَّ إهمالَها للجانب التَّربوي أدَّى إلى وقوعها في انقساماتٍ ما زالَتْ موجودةً حتَّى الآن.
ونقطة أخرى خطيرة جدًّا وهو تثقيف هذا الشَّعب وتوعيته؛ لأنَّ هذه الثَّورة قد تكون اندلعت عفَوِيًّا؛ لذلك يجب أن يَعْلم الشَّعب المعنى الحقيقيَّ للحُرِّية، وما تتطلَّبه المرحلةُ القادمة من صبْرٍ شديد، فهي مرحلةٌ مليئةٌ بالأشواك والعوائق، وليست فترةً سهلة كما يظنُّ البعض، ليست الفكرة فقط في ذهاب "حسني مبارك" الذي كان يسير تَحْتَ تَحكُّم أمريكا، إنَّما من سيأتي بعده ومَن سيتولَّى بعده، فقد تَدْخل مصر في فترة الفِتَن الدَّاخلية الْمُصطنَعة، مثلما حدَث في العراق والسُّودان، وعندها يقول الشَّعب: لو كان "مبارك" موجودًا لَم يحدث ذلك، فعلى المصريِّين والسِّياسيِّين أن يكونوا أكثر يقَظةً وذكاءً من القُوَى الخارجيَّة: الأمريكيَّة منها والإسرائيلية.