شهاده الحجاج بن يوسف الثقفي عن المصريين [الأرشيف]

Mr.Hani

23-06-2012, 07:15 AM

الحجاج رمز التناقضات العربية

بقلم : الدكتور زهير محمد جميل كتبي

أديب وكاتب سعودي

الحجاج بن يوسف بن الحكم بن ابي عقيل الثقفي الذي خرج من مدينة الطائف بالحجاز ، وهو حافظ لكتاب الله ومعلم له . ليصبح في يوم من الأيام قائد جيوش الخليفة الاموي عبدالملك بن مروان ، والحجاج هو صاحب الخطبة الشهيرة المعروفة والتي القاها في المسجد الاعظم بالكوفة كما تقول الروايات التاريخية ، والتي جاء مطلعها : (( انا ابن جلا وطلاع الثنايا ، متى اضع العمامة تعرفوني . والله يا أهل العراق إني لارى رؤوسا قد اينعت وحان قطافها ، وإني لصاحبها ، والله لكأني انظر الى الدماء بين العمائم واللحي .
ثم قال : والله يا أهل العراق ، إن امير المؤمنين عبدالملك نثل كنانة بين يديه ، فعجم عيدانها عوداً عوداً ، فوجدني امرها عوداً ، واشدها مكسا ، فوجهني إليكم ، ورماكم بي . يا أهل العراق ، يا أهل النفاق والشقاق ومساوى الأخلاق ، إنكم طالما او ضعتم في الفتنة ، واضطجعتم في مناخ الضلال ، وسننتم سنن العي ، وايم الله لألحونكم لحو العود ، ولأقر عنكم قرع المروة ، ولأعصبنكم عصب السلمة ولا ضربنكم ضرب غرائب الإبل ، إني والله لا احلق إلا فريت ، ولا أعد إلا وفيت ، أياي وهذه الزرافات وقال وما يقول ، وكان وما يكون وما أنتم وذاك...... )) .
اردت ان اقول ان مطلع هذه الخطبة الشهيرة سبق الحجاج ان قالها الشاعر العربي المشهور / سحيم بن وثيل بن عمرو بن جوين بن اهيب بن حميري بن رياح ، احد فرسان بني تميم وشعرائها المعروفين . وادرك الاسلام واسلم ، واشتهر بجماله ، ويقال انه كان لا يدخل مكة المكرمة الا ملثم الوجه ، مخافة من فتنة النساء ، وقيل ان جماله يفوق جمال الزبرقان بن بدر . وقال قصيدته رداً على شاعرين صغيرين في السن من تميم هما الابيرد والاخوص وقصيدته جاء في مطلعها .

انا ابن جلا وطلاع الثنايا متى أضع العمامة تعرفونــــي
وإن مكاننا من حمـــــــيري مكان الليث من وسط العرين
وإني لا يعود إلى قرنــــــــي غداة الغب إلا في قريــــــــــــــــــــن
بعد هذا التوضيح المهم أردت ان اقول بعده ان : الحجاج بن يوسف اشتهر بذاكرة الحفظ ، فاستطاع ان يكون تلك الخطبة من حفظه لقصيدة سحيم وتطويرها لاغراضه السياسية الأرهابية ، كما اريد ان ابين ان شخصية الحجاج فيها الكثير من .. [ المتناقضات ] .. و .. [ التناقضات ] .. ،. والتي تجسد .. (([ تناقضات القيادة العربية ]))..،. فمثلاً : هو يحفظ القران الكريم كاملاً ، ولكنه لا يعمل به ، ولا بمبادئ وقيم القران الكريم . أي ينطبق عليه الآية الكريمة : (([ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ) (كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ])) 3 سورة الصف.
صحيح ان الحجاج قائد جيوش ، ولكنه اشتهر .. [ بالجبن ] .. و .. [ الخوف ] .. ، وتقول معظم الرويات التاريخية انه .. (([ جبان ] )).. فكادت ان ت***ه الفارسة غزاله في قصره ، لو لا ان ***ها من الخلف احد جنوده ، فلقد هرب الحجاج من امامها . فقوة الحجاج في عسكره وجنوده وقواده . ويمتاز قاموس الحجاج السياسي والعسكري ان كل مفردات قاموسه
.. (([ خشنة ] )).. بل انها ..(([متخشبة ]))..،. و رغم جاذبية شخصية الحجاج عند بعض المؤرخين كشرير الأحداث الاسلامية ، فإن قصة كارثة ضرب الكعبة المعظمة تنبع بنفس القدر من أفعال سيده عبدالملك بن مروان ، فهو حاكم عنيد ، الا انه صعب المراس وقليل الخبرة في اختيار رجال الدولة . هذا لغز لا استطيع له حلا .
كتب الاستاذ احمد الجار الله ، رئيس تحرير جريدة ، السياسة الكويتية بعددها (13652 ) في مقاله الاسبوعي حديث الافق . وتحت عنوان / غياب الرجال امثال الحجاج وصقر قريش اضاع الدولة الاموية في الشام وفي الاندلس ، حيث كتب يقول : (( الدولة الاموية أول كيان سياسي عر بي اسلامي .. لها وزراء وحكام ولها ولاة ولها ناشطون . من ولاة الدولة الاموية في العراق الحجاج بن يوسف الثقفي الذي حكم تلك البلاد بالحديد والنار وكانت له مبرراته في ذلك ، والتي كان يناقشك بها ويقنعك بها . فالحجاج هو الذي قمع التمرد الذي قام في مكة و*** صاحبه عبدالله بن الزبير الذي رفض الدخول في امرة الامويين الذين كان على رأسهم عبدالملك بن مروان )).
احسب إني لا اتفق تماماً مع الاستاذ الجار الله فيما قاله بان للحجاج مبرراته في ان يحكم تلك البلاد بالحديد والنار . فاجزم فاقول : ان بناء الدولة لا يكون بالحديد والنار . وخير مثال على ذلك ان سيدي محمد صلى الله عليه وسلم . بني اقوى دولة في التاريخ البشري ، بدون الحديد والنار . وهل نقبل كمسلمين ان يكون الحديد والنار ادوات لهدم وتدمير وتكسير وحرق رمزنا المقدس بل انها قداسة مقدساتنا الاسلامية،..[ الكعبة المعظمة ] .. مقابل اخماد الخصوم السياسين . انها النقطة الأسو والأسود في تاريخنا . كيف يحدث هذا التعدى من مسلم ذوي دراية وخبرة اسلامية . لقد خانه ذكاءه واجتمع على أخطاء هائله ومؤثرة في تاريخنا الاسلامي . مثل *** سيدنا عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما ، وسعيد بن الجبير رحمه الله.
ولكن حين يفعل ذلك مثل القائد الحجاج بن يوسف فيعود ذلك الى الرغبة في تحقيق النزعات الضيقة لسيده وحاكمه الخليفة الاموى عبدالملك بن مروان والذي اراد ان يصفي كل خصومه مبكراً ، بدون حوار أو مناقشة او تنازل . رفض المبدأ الإسلامي ولم يجادلهم بالتي هي أحسن . ونسى اجتماع سقيفة بني ساعده . فبدلا من استخدام الحجة بالحجة استخدم السيف والمنجنيق لتحقيق غاياته . كما فعل صدام حسين في غزو الكويت . وهذه التناقضات في الشخصية تدخل في باب الايد يولوجية العسكرية لا الحجة السياسية . ونسي عبدالملك ذاته ان دولة بني أمية قامت على الخديعة والغش وال*** والفتك . وعندما مراجعة السجل السياسي الاموي نجد انه فقد .. [ المصداقية السياسية ] .. في السلول السياسي . وان ..[صوت ال*** ] .. هو العالي في مفردات ذلك السجل . فلذلك غاب تماماً الصوت المعتدل في تأسيس الدولة الاموية . غياب هذا الصوت المعتدل جعل عبدالملك يفعل كل شيء من أجل بناء دولة، ولكنه لم يعرف من أين يبدأ ، ولم يعرف أين ينتهي ؟.
ولان قائد مثل الحجاج يفعل ذلك فانه يفعله نتيجة .. [ الاحتباس النفسي ] .. النابع من رغبة او نزعة التسلط . وسببه ان مثل الحجاج لا يملك مقومات .. [ النفس اللومة ] .. التي ذكرت في القران الكريم قال تعالى : (وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ)القيامة2. لان عجنية الحجاج النفسية ، تكونت من فكرة بناء .. (([ العضلات ] )).. , .. (([ الاظفار ] )).. التي تمكنه من العبث بارواح الابرياء من الشعوب . لان هذا القائد الحجاج لا يعرف معنى وقيمة واهمية
.. [ سلم القيم ].. في تأسيس وقيام الدول . وركض وانطلق في عمله الشريري تحت ادعاءات ودعايات تتسم بالمبالغة والتهويل من أخطاء خصوم الدولة . فغابت الرؤية العقلانية . وهذا هو .. [ العمى السياسي ] ..، الذي اصيب به الحجاج. كما انه وسيده عبدالملك لا يملكون ..(([ دبلوماسية العمل السياسي ])).. في التعامل مع الخصوم السياسين . الا عبر فكر ال*** والحرب والتدمير . بل انهم لم يكونوا راغبين في سماع صوت تلك الدبلوماسية . وهذا الحال نستطيع ان نسقطه اليوم على العراق وسوريا وايران ورفض حكامها مثل : صدام حسين وبشار الاسد واحمد نجاد التعامل مع الدبلوماسية ، بعقلانية وحكمة .
نعم ان الحجاج وغيره من القيادات العربية لديهم .. (( نزعة )).. مترسخة ارادوا من خلالها ان يقلدوا العرب في الجاهلية مثل : عنتر بن شداد والزير سالم ، وغيرهما . ولم يكن امامهم خيارات متعددة . الا هذا التقليد الجاهلي . لانه في تلك لم يعرفوا بعد ( رامبو ) وجمس بوند ) او جنرالات مثل : (هتلر ، ومنتجمبري ، وكولن بأول ) وغيرهم .
احسب اني قد توفقت حين استخدمت القائد الحجاج بن يوسف الثقفي كأنموذج للتناقض الكبير في ..(([ شخصية القائد العربي ])).. أي كانت وظيفية او مستواه الوظيفي . فهذا الخليفة عبدالملك بن مروان الذي صنع الحجاج بن يوسف يقول له احد ابنائه عندما غرس السهم في رأس سيدنا مصعب بن الزبير رضى الله عنهما : يا أبتي! ان هذا ويعني مصعب قلت لنا عنه : انه اخيك الذي لم تلده أمك ، وصديقك ... و ... ، . فكيف تصنع به
هكذا .. )) ؟. فرد عليه بالمقولة التي اوردتها في مقالي هذا . وقعت في عهد عبدالملك وقائده الحجاج مذابح ومآس محزنة ومخزية بعارها التاريخي . ولا يماري أحد في أن الحجاج عمل على تأجيج الخلافات والطغائن . لانه لم يحسب بدقة حساب المعاني السياسية لقراراته .
هذا هو .. (( [ التناقض العربي ])).. في فكر القيادات العربية . مبادئهم في واد ، وافعالهم واقوالهم في واد . يستخدمون .. ( المبادئ ).. و .. ( الاخلاق ).. و .. ( المثل ) .. فقط في
..(([ الفشخرة السياسية])).. كشعارات للضحك على الشعوب المسكينة والمغلوب على أمرها. فكان علينا ان نعتاد على ممارسة التناقضات في فكر قياداتنا وبكل مستوياتها فهو أمر طبيعي. ومن أخطر مظاهر حماقة مس سياسات القيادات ان تنقدها .
اذن .. اخي المتلقي هل استطعت ان اقنعك بان الحجاج بن يوسف الحافظ للقران الكريم فعل وفعل وفعل عكس كل ما حفظه من كتاب الله .
فعل ذلك لان الحجاج بن يوسف الثقفي وسيده الخليفة عبدالملك بن مروان هما اهم الاساتذة والمفكرين الذين ساعدوا المفكر الايطالي الشهير ( نيقولوميكافيكي ) صاحب كتاب الامير ، وواضع نظرية : الغاية تبرر الوسيلة . لان الحجاج استخدم الغايات لتبرير أفعاله . وهذا ما جعلني استخدم افعاله لشرح تناقضاته المتعددة في شخصيته .
وعند مراجعة وتفكيك شخصية الحجاج بن يوسف وما فيها من .. [ تناقضات ] .. نجدها موجودة ومتوفرة وساكنة في شخصية الكثير من القيادات العربية وبمختلف مستوياتها .

والله يسترنا فوق الأرض ، وتحت الأرض ، ويوم العرض وساعة العرض ، وأثناء العرض .

منقولة للفائدة