مشاهدة النسخة كاملة : رأي في ( بل وكسلت النفس ... ) من نص ( تربية الأبناء ) .


محمود شوشة
08-06-2012, 07:01 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

لقد كثر الجدل حول هذه القضية : قضية ( بل وكسلت النفس ... ) في نص ( تربية الأبناء ) ، وتعددت فيها آراء السادة الفضلاء معلمي اللغة العربية ؛ مما أربك كثيرا من أبنائنا الطلاب . ولقد عاب أكثرهم على الكاتب مبدأ الجمع بين حرفي العطف ( بل ) و ( الواو ) في هذا التركيب على أنه من الخطأ اللغوي ، وبنوا رأيهم هذا على عدم جواز الجمع بين حرفي عطف تحديدا أو بين حرفين عموما استنادا ـ كما أظن ـ على رأي أحد الكتب الخارجية المشهورة . ولكني لا أري خطأ في هذا الجمع سواء أكان بين حروف العطف أم كان بين الحروف على العموم ، وعندي ما يدعم رأيي ومنه :

أولا : بالرجوع إلى شروط عمل حروف العطف ( لكن ـ بل ـ لا ) نجد شرطا مشتركا لعملهم هو : ألا يقترن بهم حرف عطف آخر . وبالرجوع إلى قوانين حروف العطف نجد قانونا هاما يقول : إذا اجتمعت ( الواو ) العاطفة مع حرف آخر للعطف فالواو هي العاطفة ( مفتاح الإعراب ) .
وإذا تأملنا ما سبق بدقة لوجدنا معناه يؤكد أن اجتماع حرف العطف ( الواو ) مع ( لكن ـ بل ـ لا ) جائز ولا مانع منه غير أن هذا الاجتماع يبطل فقط عمل ( لكن ـ بل ـ لا ) فتكون الواو هي العاطفة و الحروف الثلاثة غير عاملة مع بقاء دلالاتها المعنوية الخاصة بها .

ثانيا : من الثابت المعروف أن مصادر التشريع اللغوي متعددة أولها وأقواها القرآن الكريم ، وأنه إذا ورد تركيب لغوي فيه فلا يجوز لأحد أن يرميه بالخطأ اللغوي ، وقد قال تعالى في سورة الأحزاب ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين ) .
فماذا تقولون في قوله تعالى ( ولكن ) وقد اجتمع فيه حرفا العطف ( الواو ـ لكن ) كما نرى ؟ أما زلتم ترون خطأ لغويا في الجمع بين حرفي عطف ؟ ومن يطالع كتاب الله وحديث رسوله الكريم وأشعار العرب الفصيحة يجد من ذلك كثيرا لا يحصى .

وعلي ذلك فلا خطأ لغويا ـ كما أرى ـ في قول ابن خلدون : ( بل وكسلت النفس ... ) على أساس خطأ الجمع بين حرفي عطف ، ولا معني لكثير من الأسئلة حول هذه القضية .

أما الجمع بين الحروف عامة فغير محظور على إطلاق الحظر فقد يجتمع حرف العطف مع حرف الجر أو مع حروف أخرى مما لا يخفى على الكثير ولا مناسبة الآن لتفصيله لاقتراب الامتحان .

هذا رأي رأيته صوابا ولكنه يحتمل الخطأ ، وإني لأدعو أساتذتي وإخوتي من أساتذة المنتدي العريق إلى التعليق عليه ؛ فما أراني إلا طالبا للعلم يخطئ وقد يصيب . جعلني الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته .

hema ismaeil
08-06-2012, 07:22 AM
طيب لو سمحت حضرتك هيكون ايه الخطأ البلاغي في النص وتحديدا في الفقره الثانيه علشان دا موجود سؤال في الدليل واجابته غير واضحه

عماد عبد الستار
12-10-2012, 02:35 PM
جزاك الله خيراً أستاذنا الفاضل، وبعض الكتب تأتي بالآراء علي سبيل الانفراد، والحقيقة أنه انقراض.
وإليك هذا المبحث.
مبحث في مجيء حرف العطف بعد (بل) (http://qawlma3rof.blogspot.com/2011/10/blog-post_6189.html)
الحمد لله وبعد ،
فهذا مبحث للشيخ المحدث : الشريف حاتم العوني يقرر فيه صحة مجيء ( واو العطف ) بعد ( بل ) خلافاً لمن زعم من اللغويين أن هذا الأسلوب لا يصح .

وهذا المبحث موجود في آخر شرح الشيخ لموقظة الإمام الذهبي ، الصادر عن دار ابن الجوزي .
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ... أما بعد :

فقد قرأت لمن يخطيء هذا الأسلوب بحجة أن توالي حرفي عطف غير جائز ، و (بل ) حرف عطف ، والواو كذلك .
وهذا إنما يقولونه لأنهم لم يجدوا هذا الأسلوب في كلام من يُحتج بكلامه ، ولو وجدوه لأخرجوا له وجها صحيحاً في اللغة ; وهذا من الإنصاف !!!
لكني أبشر غير المحتج بكلامهم أن التخاريج ستكون حاضرة ، بعد أن يسمعوا قول مالك بن الريب ، كما في الأغاني لأبي الفرج ( 293/22 ) :

يَا عَامِلاً تَحتَ الظلام مَطيَّهُ *** مُتَخايِلاً لا بل وغيرَ مُخايل

وقال صريع الغواني مسلم بن الوليد ( ت208 هـ ) في ديوانه ( 328 ) :

مصيبة نزلت كأنها قذفت *** لا بل وقد فعلت في القلب بالنار

كما يقول أديب العربية الجاحظ في الحيوان ( 36/1 ) : " وكما عُلِّم النَّحْلُ ، بل وعُرِّفَ التُّنَوِّط من بديع المعرفة " .

ويقول العلامة اللغوي الأديب أبو القاسم الزجاجي ( ت337 هـ ) في أخباره ( 202 ) : " فإذا كان الثوب مُخَرَّقاً لا خلاقة ، قيل : ثوب مرق ، وسماميط ، ورعاهل ، بل ومُرَدَّم "
فهاتوا التخريج إذن .... والتخريج الذي أتبرع به عليكم ، أن هناك محذوفاً مقدراً ، هو الفعل : أضيف ، أو أزيدك ، أو نحوها .
فمالك بن الريب يقول : متخايلاً لا بل ( أضيف ) وغير مخايل ، أي : أضيف إلى ذلك قولي : ( وغير مخايل ) ، لأن ( بل ) إنما تكون حرف عطف إذا كان الذي يليها ليس جملة ، أ/ا إذا كان الذي يليها جملة فإنها تكون حرف ابتداء . وإن عددت ( بل ) حرف عطف فأنت على هذا التقدير لم توال بين حرفي عطف ; لمجيء الفعل بينها وبينها ( الواو ) .

فإن قيل : إنما نتكلف التخريج لمن يُحتج بكلامه ، أما غيره فليس أهلاً لذلك ، وإلا تكلفنا تخريج أخطاء العوام ولُكْن الأعجام .

أقول : هذا شطط من القول ، فلا نحن بالذين نطلب تخريج كلام الناس كله ، ولا نحن بالمعرضين عنه كله . وإلا فبالله عليك ( يا أخا العرب ) ألم يكن في العرب العرباء تأتاء واحد ، يوالي بين واوات العطف لا بين ( بل ) و ( الواو ) فقط ؟! ما بال هذا لم ينقل ، ولم يعد لغة ، ولو شاذة ؟! فدعك من الغلو في الحديث والبعد في ضرب الأمثال ، فمن يكلمك في أخطاء العوام ولكن الأعجام ؟!

ألم تسمع أنه كلام أحد من يُحتج بكلامهم ( وهو مالك بن الريب ) وكلام أحد فحول شعراء العصر العباسي الأول ، ( وهو صريع الغواني ) ، وهو كلام أديب العربية الأوحد : ( الجاحظ ) ، وهو كلام أحد أئمة اللغة : ( أبي القاسم الزجاجي ) .

ضابط الكلام الذي يُخرَّج حتى لمن لا يُحتج بكلامه ، أن ندرك من خلال اقتداره على الكلام أو الكتابة ، ومن خلال ما لديه من السليقة العربية = أنه لا يقع في ذلك الخطأ جهلاً أو عُجْمة .هنا يوجب عليك الإنصاف أن تخرج كلامه ، ولا يقول لك منصف حينها : إن هذا تكلف في الاعتذار عن الأخطاء .

فمثلاً : هؤلاء الذين والوا بين ( بل ) و ( الواو ) ، هل رأيتموهم والوا بين ( الواو ) و ( الواو ) ، أو بين ( الواو ) و ( الفاء ) ؟ لم فعلوا الأول ، ولم يفعلوا الثاني ؟!
ل تالله لو قرأت للجاحظ واواتٍ متوالية ، لما فهمتها إلا على وجه الصواب من الكلام . أرأيت لو قرأت للجاحظ قولاً يقول فيه : " لقد نُصح فلان ، وذكر ، و و فما تاب ولا عقل " ، ألم يكن الصواب فيه بلا إشكال أنه قدّر محذوفات ، وكان الأولى أ، يكتب كلامه هكذا : لقد نصح فلان ، وذكر ، و ..... ، و ..... ، فما تاب ولا عقل . بل مثل هذا لو صدر من عامي ، لا على وجه التأتأة والحصر ، لكان هذا هو وجه كلامه ، من غير تكلف في التخريج والتأويل ، بل هو أبعد عن التكلف من كثير من تخاريج أصحاب الشطط لبعض كلام من يُحتج بكلامه في الضرورات الشعرية وغيرها .

فالإنصاف الإنصاف يا معشر اللغويين

المصدر: مدونة(قول معروف).