مشاهدة النسخة كاملة : الفصل الثانى من كتاب الأ يام طه حسين


farag
10-12-2005, 12:17 AM
لقد كان الصبى مطمئناً أن الدنيا تنتهى عن يمينه بهذه القناة ، التى لم يكن بينه وبينها إلا خطوات نعدودة ، ولم لا ؟ ، وهو لم يكن يرى عرض هذه القناة الضيئل بحيث يستطيع الشاب النشيط أن يقفز من إحدى الحافتين فيبلغ الأخرى 0 ولم يكن يقدر أن حياة الناس والحيوان والنبات تتصل من وراء هذه القناة على نحو ما هو دونها 0 وأن الماء ينقطع من حين لآخر عن هذه القناة فتصير حفرة مستطيلة يعبث فيها الصبيان 0

وكان الصبى يعلم أن هذه القناة عالم مستقل عن العالم الذى يعيش فيه هو ، تغمره كائنات غريبة مختلفة لا تكاد تحصى منها التماسيح التى تبتلع الناس ومنها المسحورون الذين يعيشون تحت الماء بياض النهار وسواد الليل ، ومنها الأسماك الضخمة التى تبتلع الأطفال ، والتى قد يتاح لبعض الأطفال أن يظفروا فى بطونها بخاتم الملك ذلك الخاتم الذى لا يكاد الإنسان يديره فى أصبعه حتى يسعى إليه خادمان من الجن يقضيان له ماشاء ، ذلك الخاتم الذى كان يختتمه سليمان فيسخر به الجن 0
وكم تمنى الصبى أن يهبط فى هذه القناة لعل سمكة تبتلعه فيظفر فى بطنها بخاتم سليمان 0 فقد كان فى حاجة شديدة إليه فعسى أن يحمله أحد الخادمين إلى ما وراء القناة ليرى بعض ما هناك من الأعاجيب 0

ولم يكن من السهل على الفتى أن يتفحص من هذه القناة مسافة بعيدة لأنها كانت محفوفة بالمخاطر فمن يمينه كان ( العدويون ) وأمام دارهم كلبان عظيمان لا ينقطع نباحهما لا ينجو المار منهم إلا بمشقة وعن شماله ( سعيد الأعرابى ) الذى كان الناس يتحدثون بشره وحرصه على سفك الدماء ،وامرأته (كوابس ) التى كان خزامها – حلقة من الذهب فى أنفها – يؤذيه حين كانت تقبله 0

ذاكرة الأطفال أو قل إن ذاكرة الإنسان غريبة ، أنها تتمثل بعض الحوادث وكأنها واضحة وتمحى بعض الذكريات الأخرى ، فصاحبنا يذكر المزرعة والسياج وسعيد وكوابس وكلاب العدويين ، ولكنه يحاول أن يتذكر مصير هذا كله فلا يظفر من ذلك بشىء ، كأنه نام ذات ليلة وأفاق فلم يجد سعيد ولا كوابس ولا سياجاً ولا مزرعة ، وإنما وجد مكان السياج والمزرعة بيوتاً وشوارع منظمة وهو يذكر كثيراً من الذين كانوا يسكنون هذه البيوت 0 والأطفال الذين كانوا يلعبون فى هذه الشوارع 0

غير أن الصبى مازال يذكر بعض الذكريات التى لاتخلو من السرور فقد كان يمضى ساعات على شاطئ القناة مبتهجاً سعيد بسماع نغمات ( حسن ) الشاعر ، ويذكر أنه استطاع غير مرة أن يعبر هذه القناة على كتف أحد إخوته دون أن يحتاج إلأى خاتم الملك وأنه ذهب إلى الشجيرات التى كانت وراء القناة فأكل من توتها ثمرات لذيذة ، ويذكر أنه ذهب إلى حديقة المعلم وأكل فيها غير مرة تفاحاً ويذكر ماكان يقطف منها من نعناع وريحان 0

الأستاذ / فرج علوان
مدرس أول لغة عربية

coo_girl_ool
10-12-2005, 01:58 PM
شكرا على مجهودك

على العربى
04-08-2016, 05:30 AM
جزاك الله خيرا