صوت الامة
04-08-2012, 10:02 PM
http://upload.wikimedia.org/wikipedia/ar/thumb/0/00/%D8%A7%D8%B3%D9%85_%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A8%D9%8A_ %D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF.jpg/220px-%D8%A7%D8%B3%D9%85_%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A8%D9%8A_ %D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF.jpg
كان نبينا صلى الله عليه وسلم بشرا صاغته يد العناية الإلهية صياغة خاصة، اصطنعه الله لنفسه، وصنعه على عينه، رباه فأكمل تربيته، وأدبه فأحسن تأديبه، وأودع فيه من حميد الخصال والخلال ما يجعله مميزا عن سائر الخلق، حتى فى تعامله مع أعدائه الذين آذوه لا يعرف الأذى، ولا يسعى فيه، ولا يعرف الحقد، ولا يأكل قلبه الغيظ، ليكون نبراسا للأمة وقدوة للأجيال فى أصول التعامل الإنسانى.
حين أوذى وأُخرج من مكة، وذهب إلى الطائف، وآذاه أهلها، وسلطوا عليه السفهاء والغلمان، يرمونه بالحجارة حتى سال الدم من أقدامه صلى الله عليه وسلم، فجلس فى ظل حائط (بستان)، ورفع يديه إلى الله رب العالمين، لا طلبا لإهلاك القوم، ولا انتقاما من الظالمين، إنما يرفع يديه بالشكوى وطلب المغفرة، يقول كما فى سيرة ابن هشام: «اللّهُمّ إلَيْك أَشْكُو ضَعْفَ قُوّتِى، وَقِلّةَ حِيلَتِى، وَهَوَانِى عَلَى النّاسِ يَا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ، أَنْتَ رَبّ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبّى، إلَى مَنْ تَكِلُنِى؟ إلَى بَعِيدٍ يَتَجَهّمُنِى؟ أَمْ إلَى عَدُوّ مَلّكْتَهُ أَمْرِى؟ إنْ لَمْ يَكُنْ بِك عَلَىّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِى، وَلَكِنّ عَافِيَتَك هِى أَوْسَعُ لِى، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِك الّذِى أَشْرَقَتْ لَهُ الظّلُمَاتُ وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدّنْيَا وَالآخِرَةِ مِنْ أَنْ تُنْزِلَ بِى غَضَبَك، أَوْ يَحِلّ عَلَىّ سَخَطُكَ، لَك الْعُتْبَى حَتّى تَرْضَى، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوّةَ إلّا بِك». وفى هذه اللحظة وهو مطَارَد، ينزل عليه ملك الجبال مع جبريل عليه السلام، ويقول جبريل: «إِنّ اللهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ»، فَنَادَاه مَلَكُ الْجِبَالِ، فقَالَ: «يَا مُحَمَّدُ ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِم الأَخْشَبَيْنِ (أى أَحمل الجبلين فأطبقهما على البلدة فيموت الجميع انتقاما لك)»، هنا نرى أن مصير أعدائه يتحدد فى كلمة تخرج من بين شفتيه، وفى وقت كان قلبُه صلى الله عليه وسلم يشكو من الضعف والهوان، ولكنه قَالَ: «بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً». (متفق عليه). أى قلب هذا؟! ألا يستحق صاحب مثل هذا القلب الكبير من البشرية أن تُترسم خطاه؟ ولئن كان هذا تصرفه حيال الذين أخرجوه وأصحابَه من ديارهم بغير حق، أفلا يكون من واجب المؤمنين به والمتبعين له أن تتسع صدورهم لمخالفيهم فى الرأى وإن اشتدوا فى العبارة واحتدوا فى النقد؟
غدا نكمل الحديث.
أ.د عبدالرحمن البر
كان نبينا صلى الله عليه وسلم بشرا صاغته يد العناية الإلهية صياغة خاصة، اصطنعه الله لنفسه، وصنعه على عينه، رباه فأكمل تربيته، وأدبه فأحسن تأديبه، وأودع فيه من حميد الخصال والخلال ما يجعله مميزا عن سائر الخلق، حتى فى تعامله مع أعدائه الذين آذوه لا يعرف الأذى، ولا يسعى فيه، ولا يعرف الحقد، ولا يأكل قلبه الغيظ، ليكون نبراسا للأمة وقدوة للأجيال فى أصول التعامل الإنسانى.
حين أوذى وأُخرج من مكة، وذهب إلى الطائف، وآذاه أهلها، وسلطوا عليه السفهاء والغلمان، يرمونه بالحجارة حتى سال الدم من أقدامه صلى الله عليه وسلم، فجلس فى ظل حائط (بستان)، ورفع يديه إلى الله رب العالمين، لا طلبا لإهلاك القوم، ولا انتقاما من الظالمين، إنما يرفع يديه بالشكوى وطلب المغفرة، يقول كما فى سيرة ابن هشام: «اللّهُمّ إلَيْك أَشْكُو ضَعْفَ قُوّتِى، وَقِلّةَ حِيلَتِى، وَهَوَانِى عَلَى النّاسِ يَا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ، أَنْتَ رَبّ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبّى، إلَى مَنْ تَكِلُنِى؟ إلَى بَعِيدٍ يَتَجَهّمُنِى؟ أَمْ إلَى عَدُوّ مَلّكْتَهُ أَمْرِى؟ إنْ لَمْ يَكُنْ بِك عَلَىّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِى، وَلَكِنّ عَافِيَتَك هِى أَوْسَعُ لِى، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِك الّذِى أَشْرَقَتْ لَهُ الظّلُمَاتُ وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدّنْيَا وَالآخِرَةِ مِنْ أَنْ تُنْزِلَ بِى غَضَبَك، أَوْ يَحِلّ عَلَىّ سَخَطُكَ، لَك الْعُتْبَى حَتّى تَرْضَى، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوّةَ إلّا بِك». وفى هذه اللحظة وهو مطَارَد، ينزل عليه ملك الجبال مع جبريل عليه السلام، ويقول جبريل: «إِنّ اللهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ»، فَنَادَاه مَلَكُ الْجِبَالِ، فقَالَ: «يَا مُحَمَّدُ ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِم الأَخْشَبَيْنِ (أى أَحمل الجبلين فأطبقهما على البلدة فيموت الجميع انتقاما لك)»، هنا نرى أن مصير أعدائه يتحدد فى كلمة تخرج من بين شفتيه، وفى وقت كان قلبُه صلى الله عليه وسلم يشكو من الضعف والهوان، ولكنه قَالَ: «بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً». (متفق عليه). أى قلب هذا؟! ألا يستحق صاحب مثل هذا القلب الكبير من البشرية أن تُترسم خطاه؟ ولئن كان هذا تصرفه حيال الذين أخرجوه وأصحابَه من ديارهم بغير حق، أفلا يكون من واجب المؤمنين به والمتبعين له أن تتسع صدورهم لمخالفيهم فى الرأى وإن اشتدوا فى العبارة واحتدوا فى النقد؟
غدا نكمل الحديث.
أ.د عبدالرحمن البر