أ/محمد ابراهيم
17-08-2012, 04:38 PM
غضبت المحكمة الدستورية العليا أول أمس وانتفخت أوداج قضاتها بعد تصريحات صحفية للمستشار أحمد مكى، وزير العدل الجديد، التى دعا فيها المحكمة إلى أن تنأى بنفسها عن الصراعات السياسية، وأن لا تكون طرفًا فيها، وقد اجتمعت الجمعية العمومية للمحكمة وأصدرت بيانا نددت فيه بما أسمته "الحملة الإعلامية المنظمة التى تستهدف النيل من المحكمة وقضاتها"، مضيفة قولها:"إن أحكام المحكمة يتجلى فيها الانحياز المطلق للشرعية الدستورية ولمبادئ الحرية والديمقراطية والمساواة وتكافؤ الفرص والعدالة، وحماية حقوق المواطن وحرياته، وكان دافعها الوحيد هو تحقيق العدالة وإرساء مبدأ سيادة الدستور والقانون، مع النأى عن الانخراط فى أى توجهات سياسية"، وهذه سابقة نادرًا ما تحدث من المحكمة الدستورية أن تنعقد بجمعيتها العمومية لكى ترد على وزير أو مسؤول، فهذا "شغل سياسة" وليس "شغل قضاء"، لكن المحكمة الدستورية العليا اعتادت خلال الأشهر الماضية على الاشتغال بالسياسة حتى أصبح ذلك كأنه قاعدة لها وشىء لا يلفت الانتباه لغرابته، تبدو أحيانا وكأنها حزب سياسى، والحقيقة أن غضبتها جاءت لسماعها الكلام هذه المرة من داخل البيت القضائى متهمًا إياها بوضوح كاف بأنها "تلعب سياسة" فجاء الكلام "على الوجيعة" كما يقولون، ولا يوجد أحد فى مصر ولا خارجها من مراقبى شأنها إلا ويعرف أنها محكمة "مسيسة"، لا يوجد أحد يقتنع بأن المحكمة التى تحتفظ فى أدراجها بقضايا لها خمسة عشر عامًا ترفض أن تبت فيها، من فرط حرصها على العدالة وحقوق المواطن وحرياته!!، وهو ما أدى إلى قطع رقاب عشرات المواطنين وتعليقهم على المشانق فى قضايا استثنائية ظالمة، لا يوجد أحد يقتنع بفعلها ذلك إذا قارنه بمسارعتها كالبرق للبت فى قضية مجلس الشعب المنتخب بعد الثورة لكى تبطله كله خلال شهرين، لا يوجد أحد يقتنع بأن المحكمة الدستورية وجمعيتها العمومية لم تسمع أو تقرأ تصريحات نائب رئيس المحكمة "تهانى الجبالى" لصحيفة أمريكية، والتى لطخت فيها المحكمة بالعار، عندما كشفت عن أن المحكمة تعمدت إسقاط البرلمان بكامله من أجل أن تتيح للمجلس العسكرى أن يشكل لجنة للدستور بعيدًا عن الأحزاب الإسلامية، التى حازت على غالبية البرلمان، ولم ينبض عرق كرامة واحد للمحكمة الدستورية لكى تخرج بتوضيح أو نفى، رغم أن ما نشر كان فى واحدة من أكبر صحف العالم وهى صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، وليس فى صحيفة الأهرام المصرية، ولا يوجد أحد يمكنه أن يفهم موقف المحكمة الدستورية صبيحة قرار الرئيس مرسى بوقف أو إلغاء قرار المشير طنطاوى بإلغاء البرلمان المنتخب حيث دعت الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية إلى اجتماع عاجل خلال يومين للرد على هذا القرار، رغم أن هذا ليس "شغلها" وأن هذا السلوك هو "شغل سياسة"، لأنها ليست طرفا فى صراعات سلطة سياسية تنفيذية مقسمة، وأنه لم يدعها أحد لإبداء الرأى أو الحكم بطريق قانونى، وأن دورها ينتهى عند إصدار الأحكام وليس الدخول فى صراعات سياسية من أجل تنفيذها وطريقة تنفيذها، ولكنها تصرفت بوصفها "خصمًا" للرئيس وأن معركة إبطال البرلمان هو معركتها "السياسية" المباشرة، ولن ننسى عندما ألمحت رئاسة الجمهورية إلى أنها قد تلجأ إلى إجراء استفتاء شعبى على إبقاء البرلمان أو إلغائه، حيث خرج المتحدث الرسمى باسم المحكمة الدستورية فى مؤتمر صحفى لكى يهاجم الاقتراح، ويؤكد أنه ليس شرعيًا وأنه مرفوض وأنه غير دستورى، رغم أن ذلك "إشكال دستورى" يمكن أن يعرض على المحكمة بعد ذلك للنظر فيه والقضاء فيه، فكيف تصبح خصمًا وحكمًا بعد أن أبدت رأيا مسبقا فيه، ولكنهم كانوا "مستعجلين" ومن فرط انغماسهم فى "الوحل السياسى" تورطوا فى إبداء رأى، هو حكم، بدون أى نظر أو مراجعة وبدون أن يطلب منهم أى جهة ذلك، هل هذا "شغل سياسة" أم شغل قضاء، تغضب المحكمة الدستورية من تصريحات لوزير العدل مسها فيها مسا خفيفا، ولم تغضب عندما تحول قضاتها إلى منصات إعلامية وتليفزيونية يومية يهاجمون أحزابا وقيادات سياسية ويهددون رئيس الجمهورية ويفتون فى الدنيا والدين معًا بصورة بالغة الاستهتار بأخلاقيات العدالة وقيمها وهيبتها، المحكمة الدستورية ـ بوضوح كاف ـ كانت أحد أدوات "الصراع السياسى" فى فترات طويلة من العهد البائد ومرحلة "الطرمخة" مع المجلس العسكرى، ولا يمكن لأى عاقل أو وطنى أو محب للعدالة أن ينكر احتياج هذه المؤسسة إلى إعادة نظر وهيكلة، لكى يضمن الشعب المصرى استقلالها الكامل وحيدتها ونزاهة رجالها من أول طريقة اختيارهم وحتى قطع كل أسباب ولاءاتهم لغير الحق والعدل ومصلحة الوطن.
بقلم / جمال سلطان
بقلم / جمال سلطان