abomokhtar
23-08-2012, 09:13 PM
(الاقتصاد الإسلامى ليس مجرد مذهب دينى يمثل اتجاهاً إسلامياً لمعتنقى الدين الإسلامى فقط، فقد أثبتت الأزمة الاقتصادية المعاصرة أن الاقتصاد الإسلامى هو الصواب الذى لابد أن يعود إليه الجميع فى النهاية).
الاقتصاد الإسلامى مصطلح فرض نفسه كأحد إفرازات النهضة الإسلامية المعاصرة، والتى من خلالها يسعى المخلصون إلى أسلمة كل مظاهر الحياة اليومية للمسلم، وهذا المصطلح كان يمكن أن يكون بألفاظ أخرى لولا وجود المصطلح العالمى الذى ارتضاه الناس ليدلل على أحد الجوانب الحياتية التى تشغل الأمم ولها انعكاسات مباشرة على حياة الأفراد.
ولقد دار جدل عميق حول مدى وجود مجال يسمى بالاقتصاد الإسلامى فى الواقع الحقيقى، وتبع هذا الجدل نشوء فئة تنظر إلى الاقتصاد الإسلامى على أنه فكر بشرى متناثر المواضيع والمجالات ضمن مجالات أخرى لها أسماء محددة مثل العلوم الشرعية، وفئة ثانية تنظر إليه كنظام وهيكل مبنى على مكونات جزئية تتعلق بنظام مستهدف أو جارى العمل على تنفيذه، أما الفئة الثالثة وهم العلماء المتخصصون فيرون أن المصطلح ينصب على علم نموذجى، فهو علم لتوافر أركان العلم الصحيح فيه فهو ينطوى على مجموعة مسائل وأصول تقوم على الإدراك الكلى والمركب لشىء بحقيقته نموذجى واليقين بمعرفته، وهو نموذجى لأن أصله علم إلهى المصدر، ويتميز عن غيره باشتماله على شق ثابت يتمثل فى الأصول الشرعية من قرآن وسنة، كما أنه يراعى حق الإنسان فى الفكر والإبداع والتكيف المرن مع الأحداث.
وهناك نظرة قاصرة بخلاف ما سبق تعتبر الاقتصاد الإسلامى مجرد مذهب دينى يمثل اتجاهاً إسلامياً يقتصر على معتنقى الدين الإسلامى فقط، ووجه القصور أن المصطلح يتعلق أصلاً بجانب دنيوى وبمسائل مادية وهو يستهدف الوصول للوضع المثالى النموذجى من خلال معالجته من منظور استقرائى تحليلى تطبيقى مع الاستعانة بالتوجيهات الإلهية فهى بمثابة الدليل الذى يقدمه الصانع لتوضيح أفضل طرق التعامل مع صنعته.
وإن المتتبع لأحداث الأزمة الاقتصادية الراهنة التى تكاد تعصف بالعالم بأسره ليشهد على صدق هذه الحقيقة، فقد أكدت دعوة خبراء الاقتصاد العالميين بل ورؤساء الدول لتبنى النسق الاقتصادى الإسلامى لحل المشكلة الاقتصادية وتفادى تكرارها مستقبلاً، إن الاقتصاد الإسلامى ليس فقط قادراً على منافسة صور الاقتصاد الأخرى؛ بل هو الصواب الذى لابد أن يعود إليه الجميع فى النهاية.
إن الاقتصاد الإسلامى علم اقتصادى متخصص يقوم على التوجيه الإلهى مع وجود مساحة واسعة للفكر البشرى يُتوصل من خلالها إلى قوانين ومبادئ وفروض ونظريات فى أفضل وضع تصلح للتطبيق الإيجابى الفعال على أكبر نطاق ممكن بشكل يتحقق معه أكبر قدر إجمالى من المنافع لأكبر عدد ممكن من البشر بأقل تكلفة ممكنة، ومن خصائصه أنه يقوم على شقين أحدهما ثابت إلهى المصدر والآخر متغير بشرى، فالباحث فى مجال الاقتصاد الإسلامى يجمع بين العقل والنقل.
ومن خصائصه أيضاً الدقة التامة فى الثوابت لأنها إلهية، مع الدقة الملائمة فى التطبيقات البحثية البشرية، إذ تزداد درجة دقة الباحث بقدر اتباعه للتوجيهات الإلهية مع توافر قدراته فى الاستيعاب والتحليل والإدراك، ويتبع هذه الخصيصة خصيصة أخرى وهى من معالم الاقتصاد الإسلامى وقوامها الالتزام بحدود معينة للمسائل المسموح للإنسان بالبحث فيها على عكس الاقتصاد الوضعى، ومن هذه الحدود أو الضوابط عدم المبالغة فى التساؤلات غير المبررة والتركيز على الأمور التى تتضمن فوائد علمية فعلية مستهدفة.
وهناك العديد من الخصائص المتعلقة بنظرية الاقتصاد الإسلامى من ناحية الفكرة ذاتها، وإن من أجَّل خصائصها الطبيعة المثالية للنظرية التى يقوم عليها، فثبات مصدرها الإلهى يجعلها صالحة للتطبيق فى كل زمان ومكان، ومن آثارها الإيجابية أنها توفر نتائج نهائية أو حقائق لا تحتمل الخطأ أو التأويل، ومن خصائصها أيضاً الارتكاز على فقه الأولويات والتصنيف التفصيلى والمتسلسل للأمور والأوضاع ؛ ومن أولوياتها الاهتمام بتحقيق المصالح السلبية درء المفاسد ثم تحقيق المصالح الإيجابية جلب المنافع فى مرحلة لاحقة إذا تعذر الجمع فى الوقت نفسه بين المصلحتين، كما أنها تصنف الأمور والمعاملات وفقاً للحلال والحرام مع تحديد درجات لكل، وأخيراً فإن من خصائص النظرية أن الوضع الأمثل والتوازنى يختلف، ففى الاقتصاد الوضعى الوضع التوازنى يتحدد عند نقطة تلاقى رغبات المشترين مع رغبات البائعين، وهذا فى الحقيقة يعنى حالة الركود لأن الوضع بعدها يهدأ، بينما الوضع التوازنى فى المنهج الإسلامى يعنى المواءمة بين الاحتياجات الروحية والمادية.
وعند التطبيق تتضح خصائص أخرى للمنهج الاقتصادى الإسلامى، من أبرزها مراعاة النواحى الروحية مع المصالح المادية معاً وفى نفس الوقت وبنفس درجة الأهمية، ومن تلك الخصائص أيضاً التى يثبتها التطبيق أن الاقتصاد الإسلامى يقوم على الوسطية والاعتدال وهذا ما يجعله أكثر قبولاً من جميع الأطراف غير المتحيزة، مثلا فهو الذى يقر الملكية الخاصة ويدافع عنها كما يراعى مصلحة الجماعة فى نفس الوقت، ومن الخصائص أيضاً أنه يقوم على العدالة وعدم التحيز، فتحقيق المصلحة للفقير والغنى هدف أصيل ولا يتحيز لفريق على حساب الآخر، ومن تلك الخصائص أيضاً أن العمار والتقدم ركيزته كما أن السلام والقوة وسيلته والكون كله مجال تطبيقه؛ فالعمار والتقدم هدف جوهرى للإسلام ومن وسائل تحقيقه الحث على العمل الجاد وتشجيع الاستثمار والإنفاق وإجلال العلم.
إن الأفكار والجوانب الاقتصادية جزء لا يتجزأ من تاريخ البشرية، وقد ظهرت أفكار اقتصادية كثيرة قبل ظهور الرسالة المحمدية، نقل لنا القرآن الكريم أطرافاً متعددة منها، ولأن الإسلام هو دين الفطرة المتأصل فى أعماق كل البشر فقد كانت تلك الأفكار الاقتصادية تتسم بطبيعة إسلامية من حيث اتفاقها مع ما جاء فى النصوص الإسلامية من قرآن وسنة، غير أن أكثر تلك الأفكار وأوضحها هو ما احتوى عليه التراث الإسلامى ؛ إذ توجد جوانب وتجارب اقتصادية تطبيقية عديدة يزخر بها تراثنا الإسلامى، فنموذج عمر بن الخطاب القائم على التخصيص الاقتصادى للوقت، ومعايير الشخصية الصالحة لتولى المناصب القيادية، ومنظور نبذ العنصرية بين أفراد المجتمع مع الاعتراف بوجود الفوارق بين أفراد المجتمع، ودفع أفراد المجتمع إلى العمل من أجل التكسب، ووضع آلية لتلبية احتياجات ذوى الظروف الخاصة، والسلوك المنهجى النموذجى لأخلاق الأمة فى وقت الكوارث والنوازل والأزمات، وترسيخ مبدأ المحافظة على المال العام للدولة بآليات فعالة وليس بمطالبات ومناشدات، مع استخدام الإجراءات الفعالة لاستخدامات تلك الأموال ومحاسبة ولاته على الأموال التى اكتسبوها أثناء فترة ولايتهم، كل ذلك شكل نموذجاً رائعاً ومثالياً لمجموعة الأفكار والجوانب الاقتصادية التطبيقية المنبثقة من المنهج الإسلامى.
وبالمقابل فقد كانت النظرية التجريبية لأبى ذر الغفارى فى التعامل مع قضية الفقر، حيث عاب على المسئولين تكدس الثروات فى أيديهم وشيوع مظاهر البذخ والترف فى بعض فئات المجتمع المسلم، كما اقترح إطلاق اسم مال الأمة على المال العام الذى يقال عنه مال الله ليذكر الخليفة بحقوق كل الأمة فى هذا المال، داعياً فى الوقت نفسه إلى الفصل التام بين مالية الحاكم ومالية الأمة، ودعا إلى وجود رقابة شعبية محكمة على أموال الأمة وكيفية إدارتها.
وعن قدرة المنهج الإسلامى على تحقيق الإصلاح وبخاصة بعد انتشار الفساد تأتى تجربة هو غازان خان وهو أول ملك مغولى لإيران، لم يكتف باتخاذ الإسلام كعقيدة ولكنه شرع فى إحلاله فى جميع مناحى الحياة، فبدأ بعد إسلامه فى إعادة النظر فى كل النظم الفاسدة التى أدت إلى التعثر الكبير فى مالية الدولة والتدهور الاقتصادى وهروب المواطنين الجماعى من البلاد، فبدأ بإصلاح الجهاز الضريبى فانتعش العمران والازدهار، كما اهتم بالإصلاح الزراعى وإصلاح السياسة النقدية واهتم كثيراً بإصلاح مجال الموازين والمكاييل والمقاييس.
وإلى جانب تلك الأفكار الاقتصادية التطبيقية المنسوبة إلى فاعليها، والتى شكلت جزءاً ثابتاً من تراث الأمة، فهناك الريادات العلمية الاقتصادية، فكتاب الإشارة إلى محاسن التجارة لأبى الفضل جعفر على الدمشقى عاش فى القرنين الخامس والسادس الهجريين المقابلين للقرنين الحادى عشر والثانى عشر الميلاديين قد تضمن جرعات مركزة من الفروض والمبادئ الاقتصادية وهو بهذه الأفكار جدير بحمل لقب أبو الاقتصاديين وليس آدم سميث، فهو الكتاب الذى حوى تعريف المال وتصنيفه، وتحدث عن وحدة الثمن النقود وعن نسبية القيمة والثمن، وعن تفضيل بعض المهن على بعض، وحمل وصايا فى المعاملات التجارية السليمة.
ومن قبل كان كتاب (الاكتساب فى الرزق المستطاب) لمؤلفه محمد بن الحسن الشيبانى تلميذ الإمام أبى حنيفة (عاش فى القرنين الثامن والتاسع الميلاديين)، والذى ناهض فيه جهالة أهل التقشف وحماقة المتواكلين، ودعا إلى تحصيل المال بما يحل من الأسباب.
هناك تجارب اقتصادية تطبيقية يزخر بها تراثنا الإسلامى مثل نموذج عمر بن الخطاب القائم على التخصيص الاقتصادى للوقت ومعايير الشخصية الصالحة لتولى المناصب القيادية ونبذ العنصرية بين أفراد المجتمع والسلوك النموذجى وقت الكوارث والنوازل والمحافظة على المال العام
تأليف الدكتورة/ زينب صالح الأشوح
عرض الشيخ: مرسى بسيونى مرسى
الاقتصاد الإسلامى مصطلح فرض نفسه كأحد إفرازات النهضة الإسلامية المعاصرة، والتى من خلالها يسعى المخلصون إلى أسلمة كل مظاهر الحياة اليومية للمسلم، وهذا المصطلح كان يمكن أن يكون بألفاظ أخرى لولا وجود المصطلح العالمى الذى ارتضاه الناس ليدلل على أحد الجوانب الحياتية التى تشغل الأمم ولها انعكاسات مباشرة على حياة الأفراد.
ولقد دار جدل عميق حول مدى وجود مجال يسمى بالاقتصاد الإسلامى فى الواقع الحقيقى، وتبع هذا الجدل نشوء فئة تنظر إلى الاقتصاد الإسلامى على أنه فكر بشرى متناثر المواضيع والمجالات ضمن مجالات أخرى لها أسماء محددة مثل العلوم الشرعية، وفئة ثانية تنظر إليه كنظام وهيكل مبنى على مكونات جزئية تتعلق بنظام مستهدف أو جارى العمل على تنفيذه، أما الفئة الثالثة وهم العلماء المتخصصون فيرون أن المصطلح ينصب على علم نموذجى، فهو علم لتوافر أركان العلم الصحيح فيه فهو ينطوى على مجموعة مسائل وأصول تقوم على الإدراك الكلى والمركب لشىء بحقيقته نموذجى واليقين بمعرفته، وهو نموذجى لأن أصله علم إلهى المصدر، ويتميز عن غيره باشتماله على شق ثابت يتمثل فى الأصول الشرعية من قرآن وسنة، كما أنه يراعى حق الإنسان فى الفكر والإبداع والتكيف المرن مع الأحداث.
وهناك نظرة قاصرة بخلاف ما سبق تعتبر الاقتصاد الإسلامى مجرد مذهب دينى يمثل اتجاهاً إسلامياً يقتصر على معتنقى الدين الإسلامى فقط، ووجه القصور أن المصطلح يتعلق أصلاً بجانب دنيوى وبمسائل مادية وهو يستهدف الوصول للوضع المثالى النموذجى من خلال معالجته من منظور استقرائى تحليلى تطبيقى مع الاستعانة بالتوجيهات الإلهية فهى بمثابة الدليل الذى يقدمه الصانع لتوضيح أفضل طرق التعامل مع صنعته.
وإن المتتبع لأحداث الأزمة الاقتصادية الراهنة التى تكاد تعصف بالعالم بأسره ليشهد على صدق هذه الحقيقة، فقد أكدت دعوة خبراء الاقتصاد العالميين بل ورؤساء الدول لتبنى النسق الاقتصادى الإسلامى لحل المشكلة الاقتصادية وتفادى تكرارها مستقبلاً، إن الاقتصاد الإسلامى ليس فقط قادراً على منافسة صور الاقتصاد الأخرى؛ بل هو الصواب الذى لابد أن يعود إليه الجميع فى النهاية.
إن الاقتصاد الإسلامى علم اقتصادى متخصص يقوم على التوجيه الإلهى مع وجود مساحة واسعة للفكر البشرى يُتوصل من خلالها إلى قوانين ومبادئ وفروض ونظريات فى أفضل وضع تصلح للتطبيق الإيجابى الفعال على أكبر نطاق ممكن بشكل يتحقق معه أكبر قدر إجمالى من المنافع لأكبر عدد ممكن من البشر بأقل تكلفة ممكنة، ومن خصائصه أنه يقوم على شقين أحدهما ثابت إلهى المصدر والآخر متغير بشرى، فالباحث فى مجال الاقتصاد الإسلامى يجمع بين العقل والنقل.
ومن خصائصه أيضاً الدقة التامة فى الثوابت لأنها إلهية، مع الدقة الملائمة فى التطبيقات البحثية البشرية، إذ تزداد درجة دقة الباحث بقدر اتباعه للتوجيهات الإلهية مع توافر قدراته فى الاستيعاب والتحليل والإدراك، ويتبع هذه الخصيصة خصيصة أخرى وهى من معالم الاقتصاد الإسلامى وقوامها الالتزام بحدود معينة للمسائل المسموح للإنسان بالبحث فيها على عكس الاقتصاد الوضعى، ومن هذه الحدود أو الضوابط عدم المبالغة فى التساؤلات غير المبررة والتركيز على الأمور التى تتضمن فوائد علمية فعلية مستهدفة.
وهناك العديد من الخصائص المتعلقة بنظرية الاقتصاد الإسلامى من ناحية الفكرة ذاتها، وإن من أجَّل خصائصها الطبيعة المثالية للنظرية التى يقوم عليها، فثبات مصدرها الإلهى يجعلها صالحة للتطبيق فى كل زمان ومكان، ومن آثارها الإيجابية أنها توفر نتائج نهائية أو حقائق لا تحتمل الخطأ أو التأويل، ومن خصائصها أيضاً الارتكاز على فقه الأولويات والتصنيف التفصيلى والمتسلسل للأمور والأوضاع ؛ ومن أولوياتها الاهتمام بتحقيق المصالح السلبية درء المفاسد ثم تحقيق المصالح الإيجابية جلب المنافع فى مرحلة لاحقة إذا تعذر الجمع فى الوقت نفسه بين المصلحتين، كما أنها تصنف الأمور والمعاملات وفقاً للحلال والحرام مع تحديد درجات لكل، وأخيراً فإن من خصائص النظرية أن الوضع الأمثل والتوازنى يختلف، ففى الاقتصاد الوضعى الوضع التوازنى يتحدد عند نقطة تلاقى رغبات المشترين مع رغبات البائعين، وهذا فى الحقيقة يعنى حالة الركود لأن الوضع بعدها يهدأ، بينما الوضع التوازنى فى المنهج الإسلامى يعنى المواءمة بين الاحتياجات الروحية والمادية.
وعند التطبيق تتضح خصائص أخرى للمنهج الاقتصادى الإسلامى، من أبرزها مراعاة النواحى الروحية مع المصالح المادية معاً وفى نفس الوقت وبنفس درجة الأهمية، ومن تلك الخصائص أيضاً التى يثبتها التطبيق أن الاقتصاد الإسلامى يقوم على الوسطية والاعتدال وهذا ما يجعله أكثر قبولاً من جميع الأطراف غير المتحيزة، مثلا فهو الذى يقر الملكية الخاصة ويدافع عنها كما يراعى مصلحة الجماعة فى نفس الوقت، ومن الخصائص أيضاً أنه يقوم على العدالة وعدم التحيز، فتحقيق المصلحة للفقير والغنى هدف أصيل ولا يتحيز لفريق على حساب الآخر، ومن تلك الخصائص أيضاً أن العمار والتقدم ركيزته كما أن السلام والقوة وسيلته والكون كله مجال تطبيقه؛ فالعمار والتقدم هدف جوهرى للإسلام ومن وسائل تحقيقه الحث على العمل الجاد وتشجيع الاستثمار والإنفاق وإجلال العلم.
إن الأفكار والجوانب الاقتصادية جزء لا يتجزأ من تاريخ البشرية، وقد ظهرت أفكار اقتصادية كثيرة قبل ظهور الرسالة المحمدية، نقل لنا القرآن الكريم أطرافاً متعددة منها، ولأن الإسلام هو دين الفطرة المتأصل فى أعماق كل البشر فقد كانت تلك الأفكار الاقتصادية تتسم بطبيعة إسلامية من حيث اتفاقها مع ما جاء فى النصوص الإسلامية من قرآن وسنة، غير أن أكثر تلك الأفكار وأوضحها هو ما احتوى عليه التراث الإسلامى ؛ إذ توجد جوانب وتجارب اقتصادية تطبيقية عديدة يزخر بها تراثنا الإسلامى، فنموذج عمر بن الخطاب القائم على التخصيص الاقتصادى للوقت، ومعايير الشخصية الصالحة لتولى المناصب القيادية، ومنظور نبذ العنصرية بين أفراد المجتمع مع الاعتراف بوجود الفوارق بين أفراد المجتمع، ودفع أفراد المجتمع إلى العمل من أجل التكسب، ووضع آلية لتلبية احتياجات ذوى الظروف الخاصة، والسلوك المنهجى النموذجى لأخلاق الأمة فى وقت الكوارث والنوازل والأزمات، وترسيخ مبدأ المحافظة على المال العام للدولة بآليات فعالة وليس بمطالبات ومناشدات، مع استخدام الإجراءات الفعالة لاستخدامات تلك الأموال ومحاسبة ولاته على الأموال التى اكتسبوها أثناء فترة ولايتهم، كل ذلك شكل نموذجاً رائعاً ومثالياً لمجموعة الأفكار والجوانب الاقتصادية التطبيقية المنبثقة من المنهج الإسلامى.
وبالمقابل فقد كانت النظرية التجريبية لأبى ذر الغفارى فى التعامل مع قضية الفقر، حيث عاب على المسئولين تكدس الثروات فى أيديهم وشيوع مظاهر البذخ والترف فى بعض فئات المجتمع المسلم، كما اقترح إطلاق اسم مال الأمة على المال العام الذى يقال عنه مال الله ليذكر الخليفة بحقوق كل الأمة فى هذا المال، داعياً فى الوقت نفسه إلى الفصل التام بين مالية الحاكم ومالية الأمة، ودعا إلى وجود رقابة شعبية محكمة على أموال الأمة وكيفية إدارتها.
وعن قدرة المنهج الإسلامى على تحقيق الإصلاح وبخاصة بعد انتشار الفساد تأتى تجربة هو غازان خان وهو أول ملك مغولى لإيران، لم يكتف باتخاذ الإسلام كعقيدة ولكنه شرع فى إحلاله فى جميع مناحى الحياة، فبدأ بعد إسلامه فى إعادة النظر فى كل النظم الفاسدة التى أدت إلى التعثر الكبير فى مالية الدولة والتدهور الاقتصادى وهروب المواطنين الجماعى من البلاد، فبدأ بإصلاح الجهاز الضريبى فانتعش العمران والازدهار، كما اهتم بالإصلاح الزراعى وإصلاح السياسة النقدية واهتم كثيراً بإصلاح مجال الموازين والمكاييل والمقاييس.
وإلى جانب تلك الأفكار الاقتصادية التطبيقية المنسوبة إلى فاعليها، والتى شكلت جزءاً ثابتاً من تراث الأمة، فهناك الريادات العلمية الاقتصادية، فكتاب الإشارة إلى محاسن التجارة لأبى الفضل جعفر على الدمشقى عاش فى القرنين الخامس والسادس الهجريين المقابلين للقرنين الحادى عشر والثانى عشر الميلاديين قد تضمن جرعات مركزة من الفروض والمبادئ الاقتصادية وهو بهذه الأفكار جدير بحمل لقب أبو الاقتصاديين وليس آدم سميث، فهو الكتاب الذى حوى تعريف المال وتصنيفه، وتحدث عن وحدة الثمن النقود وعن نسبية القيمة والثمن، وعن تفضيل بعض المهن على بعض، وحمل وصايا فى المعاملات التجارية السليمة.
ومن قبل كان كتاب (الاكتساب فى الرزق المستطاب) لمؤلفه محمد بن الحسن الشيبانى تلميذ الإمام أبى حنيفة (عاش فى القرنين الثامن والتاسع الميلاديين)، والذى ناهض فيه جهالة أهل التقشف وحماقة المتواكلين، ودعا إلى تحصيل المال بما يحل من الأسباب.
هناك تجارب اقتصادية تطبيقية يزخر بها تراثنا الإسلامى مثل نموذج عمر بن الخطاب القائم على التخصيص الاقتصادى للوقت ومعايير الشخصية الصالحة لتولى المناصب القيادية ونبذ العنصرية بين أفراد المجتمع والسلوك النموذجى وقت الكوارث والنوازل والمحافظة على المال العام
تأليف الدكتورة/ زينب صالح الأشوح
عرض الشيخ: مرسى بسيونى مرسى