مشاهدة النسخة كاملة : العلم والدين في الحضارة الاسلامية


abomokhtar
07-09-2012, 08:59 AM
إن الصلة الوثيقة بين العلم والدين عبر الحضارة الاسلامية تظهر من خلال عدة مؤشرات ،منها اعتبار العلم والتعلم نوعا من العبادة والقربى إلى الله عزوجل كما ورد في الأحاديث النبوية الشريفة ،ومنها احتضان المساجد لجميع أنواع العلوم والمعارف ،وليس فقط العلوم الشرعية ،بل يمكن القول بأن المدارس لم تنفصل عن المساجد إلا في بدايات القرن الماضي ،في حين أن المساجد الشهيرة في المشرق والمغرب العربيين وفي بقية العالم الاسلامي كانت بالاضافة إلى كونها مساجد مدارس وجامعات تدرس فيها العلوم الشرعية والدنيوية، وكثيرا ما كان ينفق عليها من الدولة الاسلامية أو من الأوقاف الخيرية ،إن هذا يعني أن تقسيم العلوم الى دينية ودنيوية وانفصال المؤسسات التعليمية إلى مدنية وشرعية هو أمر غريب ولا يتفق مع تاريخ وهوية الأمة الاسلامية ،وقد عمل العلمانيون منذ عقود على إحداث هذه القسمة بما يتفق مع ميولهم الاقصائية للدين ،فهم يريدون أن يكون الدين في المسجد والبيت ،أما ماعدا ذلك فيجب ألا يصطبغ بأي صبغة دينية ، وقد نجح هذا الاقصاء في المؤسسات التعليمية والاعلامية وحتى في الآداب والفنون، بحيث صار هناك علم (اسلامي ) هو الشرعي فقط،و أدب (إسلامي ) هو التاريخي أو الذي يدعو لموضوعات دينية بحتة، وثقافة (اسلامية) هي الثقافة المتصلة بالقرآن الكريم والسنة والعلوم الشرعية البحتة ،وصحافة (اسلامية) لا تخرج عن هذه الموضوعات ،والحق هو أن المسلم لا يستطيع أن يمارس هذه الازدواجية أو القسمة والانفصال في حياته كما يريد العلمانيون ،فالمسلم يعيش كل مجالات عيشه بوجدانه وفكره وقيمه الاسلامية،وكما أن المسجد كان حاضنا للعلم والتعلم نجد أي مكان يتجمع به مسلمون ملتزمون كان يعتبر مسجدا حتى وإن كان ناديا أو سوقا ،ومن يطالع تاريخ التعليم في الحضارة الاسلامية يجد مصداق هذا الكلام في مدارس كالنظامية والأزهر والزيتونة وغيرها ،كما يجد أن كبار علماء الأمة كثيرا ما كانوا يمزجون بين مايسمى اليوم بالعلوم الشرعية والعلوم الدنيوية في مؤلفاتهم،ومثاله كتاب حياة الحيوان للجاحظ الذي حوى من الأدب والعلم الشرعي مالا يقل عن الملاحظات العلمية ،ومن يراجع مايسمى بالسماعات وهي دروس كانت تجرى على كتاب وشيخ معين ويحضرها لفيف من الناس حتى اذا انتهوا من سماع الكتاب بالكامل على الشيخ سجل على طرف المخطوط أسماء من استمع اليه بيد الشيخ أو واحد من طلابه ،أقول من يراجع هذه السماعات يرى أنها كثيرا ما كانت تجري في الدكاكين التجارية أو في طريق السفر أو في البساتين أثناء العمل بالفلاحة ،هكذا عاش المسلم عبر أكثر من ألف ومئتي عام لا يفرق بين دين ودنيا إلى أن جاء من يريد أن يقصي الاسلام عن الحياة فأراد للمسلم أن يعيش حياة خالية من الحوافز والمعاني والهوامش الدينية إلا في بيته إن أراد أو في المسجد،وهكذا تحول التدين إلى سلوك مؤقت ومعرفة معزولة عن العالم ،وتحول كثيرون من المتدينين إلى علماء بتفاصيل العلوم الشرعية والتي يكون بعضها زائدا عن الحاجة وجهلة في وجوه وأنواع المعارف الأخرى ،وقد راق لبعضهم أن يكونوا من أصحاب الاختصاص فاذا بهم يمعنون في الجهل بما هو خارج اختصاصهم ويتفاخرون به في الوقت نفسه ،ويحاربون إعادة شق القنوات بين الدين والحياة ،فمما لا يعتبر سرا الحروب التي شنها كثيرون من علماء الدين المنعزل عن الحياة على ادخال العلوم الأخرى إلى المؤسسات التعليمية ومنها الأزهر أيام الشيخ محمد عبده رحمه الله ،ومايزال البعض منهم يصر على ابقاء العلوم الشرعية وحدها في المؤسسات التعليمية الخاصة بها حتى وإن عنى ذلك جهل المتعلم بما تصلح به أمور دنياه ودنيا من حوله ،إن المسلم اليوم مدعو إلى أن يشارك في إدارة البلاد التي يعيش فيها ،وليس حقا أن يطالب بذلك ويحرص في الوقت نفسه على جهله بكل ما سوى دينه ،أما الاختصاص فأمره مقدر وله حدود لا يؤثر معها على القاعدة العامة.

spring rose
09-09-2012, 08:35 AM
راااااااااااااااااااااااائع لك جزيل الثواب