مشاهدة النسخة كاملة : سعيد سالم يكتب: كيف نوفى المُعلم التبجيلا؟!


omda2008
13-09-2012, 02:15 AM
سعيد سالم يكتب: كيف نوفى المُعلم التبجيلا؟!

الأربعاء، 12 سبتمبر 2012 - 12:53
http://img.youm7.com/images/NewsPics/large/s112009573327.jpg صورة أرشيفية


ليس هناك أدنى شك فى أن ثورة المُعلمين المشتعلة أمام مجلس الوزراء لها أسانيدها ومبرراتها القوية، حيث إنه- ومن المؤكد – أن جميع المُعلمين المُتظاهرين والمُعتصمين لا يتعاطون الدروس الخصوصية، وبالتالى فهُم جميعاً لا ينعمون بأى دخل إضافى لمرتباتهم الزهيدة والهزيلة والضئيلة، والتى تُسبب لهم العناء الاقتصادى والاجتماعى فى حياتهم وحياة أسرهم الكريمة، ومن ثم فإن صراخهم يجب أن يكون مقبولاً، كما أن تلبيته والاستجابة إليه يجب أن يكون فى حسبان أولى الأمر منا..

وإذا انتقلنا إلى كيفية الاستجابة لصراخ المُعلمين فى ثورتهم، وكيفية العمل على إيفائهم التبجيلا، فلابد لنا أن نطرُق أكثر من باب، وأن نطرح أكثر من قضية بغية الغوص فى بحر الحلول غوصاً منطقياً عاقلاً، لا يُسبب الغرق للمدرس، ولا للطالب، ولا لموارد الدولة، ولا لميزانيتها العرجاء!!

أول وأهم هذه الأبواب، هو باب الجمعية التأسيسية المنعقدة الآن لوضع دستور جديد لمصر النهضة! فإنه لعجباً من عجب أن نرى انشغالاً كبيراً من مختلف القوى السياسية فى مصر بمسألة تشكيلها ومسألة اعتذارات أعضائها، مع انشغال مساو منهم بمواد الدستور إلغاءً أوتعديلاً أو صياغةً، دون إدراك أن الأهم من هذا وذاك هو تفعيل هذه المواد بعيداً عن نصوصها الجامدة وقوالبها المتينة!!

وأول وأهم هذه القضايا هى قضية مجانية التعليم!!
فالتعليم فى جميع دساتير مصر منذ دستور 23 وحتى دستور 71 وتعديلاته كان (مجاناً) فى نصوصها، فهل حصلت مصر من هذه المجانية طوال تلك الأعوام إلا خراباً وتدميراً فى مبانيه، وخواءً فى عقول طلابه؟!

فتباً لها مجانية تلك التى ساعدت بشكل كبير فى أن تخلق بيننا هذا الأخطبوط القادر والفاجر المُسمى بالدروس الخصوصية، التى تستنزف ميزانية مُختلف الأسر المصرية طوال العام.

وتباً لها مجانية تلك التى ساعدت على أن تصبح المدرسة بالنسبة لغالبية من الطلبة والطالبات – خاصة طلاب الثانوية العامة بمرحلتيها - مُجرد مقهى للقاء والسمر، لا مكان للتربية والتعليم وتحصيل العلوم!!

فلا طابور صباحى فيها جاذب أو جذاب من خلال ما يُقدم فيه من فقرات ثقافية وسياسية واجتماعية، ولا انضباط فى مسألة الحضور والانصراف سواء للطلبة أو للمُدرسين، ولا احترام ولا توقير لناظر أو لمدير مدرسة من مدرس أو من طالب، ولا متابعة دورية لمجهودات طالب متفوق أو مُدرس مثالى، ولا تكريم لطالب ثبت تفوقه إلا نادراً! ولا ملاعب تُمارس فيها اللعبات المختلفة واكتشاف المواهب منها، ولا مكتبات تروى عطش الباحثين عن التثقيف الذاتى، ولا أنشطة ثقافية ولا اجتماعية!! ولا مجالس آباء!!

من الطبيعى أن تحقيق وتوفير كل هذه المتطلبات لن يتأتى إلا من خلال ميزانية تساوى أربعة أو خمسة أضعاف ميزانية التعليم الحالية، وهو حلم كان ومازال بعيد المنال نظراً لموارد الدولة المحدودة!! وهو حُلم – بلا شك - يجب التخطيط له، وتوفير التمويل اللازم لتنشيطه، وتفعيل آليات الرقابة لتحقيقه..
ومن هذه المنطلقات، فاسمحوا لى أن أرى أن أحد أهم الخطوط العريضة لتحقيق هذا الحلم يتمثل فى المطالبة بإلغاء مجانية التعليم أو على الأقل تقنينها.

فإن كان الدكتور/ طه حسين قد أعلن فى عصره اعتبار التعليم كالماء والهواء على أساس أنهما – كانا - بالمجان!! فإنهما لم يصبحا كذلك، فها نحن الآن نتصارع من أجل قطرة الماء بل، وننتظر حروباً قد تُشن من أجلها! أما الهواء فقد أنشأنا وزارة للبيئة لتعمل على تنظيفه بعد فساده وتلوثه بمخلفات مصانعنا وعوادم سيارتنا الخاصة، وسيارات النقل بشقيها – ركاب وبضائع!

إذن - فما جاز أن يُنادى به ويُطبق فى عصر الدكتور/ طه حسين، لا يجوز أن يُطبق فى عصرنا ولا يجوز كذلك المناداة به.. وعلى ذلك فإن القوانين الحالية المُنظمة لمجانية التعليم المصرى بالصورة التى عليها الآن إنما هى قوانين سيئة السُمعة، غبية!

فعار علينا أن نُبقى مصروفات المدارس "الحكومية" فى جميع مراحل التعليم بمتوسط من 50 إلى 100 جنيه (سنوياً)، ونترك 90% من الأسر المصرية تنوء بحمل سداد من 500 إلى 1000 جم (شهرياً) إلى جيوب السادة المدرسين الخصوصيين "غير المُحاسبين ضرائبياً"!!

وعار علينا كذلك أن نُصمم على نظام مجانية تعليم أظهرت التجارب وراء التجارب عدم جديته وعدم فائدته..

وبناءً عليه- ولأننى ممن يرون أن المشكلة الكبرى التى تحياها منظومة التعليم فى مصر هى بُعدها، وبُعد القائمين عليها عن مواكبة العصر ومواكبة آلياته، وذلك من منطلق أن عصرنا الآن (مادى) كل ما فيه يساوى ثمن – حتى (الشرف والأخلاق والشُهرة) لهم زبائن لمن أراد البيع أو الشراء!! ولمن أراد الدليل على ذلك فعليه مقارنة مُخرجات المدارس ذات المصروفات العالية بمثيلاتها من المدارس ذات المصروفات المُتدنية، فشتان الفرق بينهما من حيث التحصيل، ومن حيث الناتج، ومن حيث التوظيف!!

فهل يجرؤ أعضاء الجمعية التأسيسية على إلغاء نص (مجانية التعليم) من الدستور؟!
هل يجرأون على إحالة أمر التعليم بعد ذلك لقانون يتم مناقشته مُتحرراً من المجانية الملعونة التى أصابت التعليم طوال 50 سنة مضت فى مقتل؟!
أما الأمر بعد ذلك، فما أسهله، فلا مانع وقتئذ من نص القانون على تمويل ميزانية الدولة عن طريق زيادة موازنة التعليم إلى (4) أو (5 ) أضعاف الموازنة الحالية – مثلاً - من خلال زيادة مصروفات المدارس الحكومية وفقاً لمراحل التعليم المختلفة إلى مستويات لا تقل أبداً عن 500 جم (فى السنة)؟!

وإنى إذ أعتقد أن غالبية من أولياء أمور التلاميذ والطلبة فى المدارس الحكومية سيكونون أكثر قبولاً لهذا المقترح، وأكثر سعادة لأن يدفعوا هذا المبلغ (سنوياً) فى مقابل عدم دفعهم مئات الجنيهات للدروس الخصوصية (شهرياً)، وفى مُقابل أهم، وهو تفرغ المُدرس لمدرسته، وتأهيله نفسياً، واقتصادياً، واجتماعياً لأداء واجبه خير أداء نحو أبنائهم!!

أما غير القادرين على تحمل هذه المصروفات، فعلى الدولة كفالتهم وإعفاؤهم من المصروفات بأى آلية يتم وضعها لتحقيق ذلك، وما أكثر هذه الآليات!!
أن تحصيل هذه المبالغ سوف تؤدى بالضرورة إلى ملء خزينة الدولة، ومن ثم زيادة مرتبات المُدرسين زيادات محترمة تصل لأربعة أو خمسة أضعاف دخولهم الحالية، تحفظ لهم الحق فى الحياة الكريمة، وتُمكن الدولة من إيفائهم التبجيلا، دون نظر أى منهم إلى حصص الدروس الخصوصية، التى يعوضون بها النقص الحاد بين مرتباتهم واحتياجاتهم، واحتياجات أُسرهم..

بشرط أساسى أن تقوم الدولة بتشريع قانون تجريم الدروس الخصوصية بداية من الإيقاف حتى الفصل من الخدمة، وإن استدعى الأمر الحبس أو السجن، فلا مانع!!