مشاهدة النسخة كاملة : الجدل الإسرائيلي حول توجيه ضربة عسكرية لإيران


aymaan noor
21-09-2012, 01:29 AM
الجدل الإسرائيلي حول توجيه ضربة عسكرية لإيران
http://www.rcssmideast.org/media/k2/items/cache/f9bbdeb62248e2fc4418a6935e64cf4c_L.jpg
أحمد البهنسي - باحث متخصص في الشئون الإسرائيلية
"نتفرق في كل شيء ونجتمع على وحدة المصير المشترك". تلخص هذه العبارة لبن جوريون -أول رئيس وزراء لإسرائيل- حالة الانقسام والجدل التي تعتري الداخل الإسرائيلي حول ضرب إيران في المستقبل القريب

، فرغم وجود انقسام حول هذه القضية؛ إلا أنه انقسام يمكن وصفه بـ"الهش" نظرا لأن هناك حالة من الاتفاق في الداخل الإسرائيلي (رسميا وشعبيا) على وجود رابط يجمع بين جميع الإسرائيليين؛ وهو وحدة المصير المشترك في مواجهة أي تهديد خارجي.

تحول ضرب البرنامج النووي الإيراني -في الآونة الأخيرة- إلى الموضوع الأكثر جدلًا ليس بين القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية فقط، وإنما على صعيد الشارع الإسرائيلي أيضًا. فهذه القضية هي من قضايا الاختلاف بين وجهتي نظر متعارضتين: الأولى تقف مع توجيه الضربة، والأخرى تقف الضد من هذه المغامرة غير المحسوبة النتائج والتداعيات. ربما يعتبر هذا الاختلاف الأبرز في تاريخ إسرائيل؛ ففي كل الحروب التي خاضتها إسرائيل كان هناك شبه إجماع إسرائيلي على القيام بها، وصولًا إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية من كافة ألوان الطيف السياسي.

أهم الصحف الإسرائيلية: "يديعوت أحرونوت" و"هآرتس" و"معاريف" تكتب بشكل شبه يومي عن مخاطر الحرب. "يديعوت أحرونوت" كتبت مثلا عن المليارات الأخيرة التي رصدتها إسرائيل لتطوير سلاح الجو، لكنها تستطرد: "إنه ليس مضمونا أن الطائرات الإسرائيلية قادرة على تنفيذ العملية كاملة، والعودة من دون أضرار إن كان على مستوى الذخيرة أو التزود بالوقود".

وأضافت: إن هجوما على المنشآت النووية الإيرانية هو أكثر تعقيدا من الهجوم على المنشآت النووية العراقية في عام 1981. "هآرتس" كتبت عن أن أكثر من نصف السكان في إسرائيل من دون ملاجئ، حتى الكثير من الموجود لا يصلح للاستعمال. "معاريف" نقلت تصريحا لمسئول في وزارة الصحة قال فيه: "إن عملية إقامة أقسام خاصة في المستشفيات محصنة وقادرة على مواجهة أسلحة كيماوية وغير تقليدية أخرى تحتاج لثلاث سنوات أخرى". إدارة المطافئ صرّحت بأنه ليس لديها القدرة لمواجهة سلسلة من الحرائق في آن واحد، وكذا بالنسبة لدمار البنية التحتية.

الانقسام الرسمي

انقسم الداخل الإسرائيلي -على المستويين الرسمي والشعبي- فيما يتعلق بإمكانية توجيه ضربة إلى البرنامج النووي الإيراني إلى معسكرين، المعسكر الأول هو المؤيد لهذه الضربة، والمعادلة التي يطرحها مؤيدو الحرب بسيطة وهي أن اليوم التالي للهجوم على إيران سيكون صعبا جدًّا، ولكن اليوم الذي سيلي امتلاك إيران قنبلة نووية سيكون كارثيًّا.

في المقابل؛ فإن المعسكر الرافض لهذه الحرب يرى ضرورة إدارة الأزمة في هذه القضية برباطة جأش، والإصغاء لما يقوله قادة الأجهزة الأمنية، وإعطاء الجهود الدبلوماسية المبذولة من قبل المجتمع الدولي لمعالجة هذا الملف فرصتها الكاملة، والعمل بالتعاون مع الولايات المتحدة، وعدم الخروج إلى حرب عواقبها غير محسوبة.

معسكر المؤيدين

وبالنسبة للمعسكر الأول صار يعرف في الداخل الإسرائيلي بمعسكر "نتنياهو-باراك" إذ إن رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير دفاعه يتزعمان معسكر المؤيدين للحرب ضد إيران، حتى لو شنت إسرائيل بمفردها هذه الحرب.

وكانت أحدث التعليقات المنشورة في وسائل الإعلام الإسرائيلية تلك التي أشارت إليها القناة العاشرة الإسرائيلية على موقعها الإلكتروني بالعبرية يوم 9 سبتمبر، من أن نتنياهو بات مصممًا على ضرب إيران قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية، المقرر لها في شهر نوفمبر المقبل. وأوضحت القناة أنه قد مضى شهران على فرض العقوبات على إيران، مشيرة إلى أن نتنياهو ينظر إلى تلك العقوبات على أنها عديمة الفائدة، وأن الوقت لشن الهجوم على إيران آخذ في الاقتراب.

أما عمانوئيل روزين فقد أشار في مقاله بيديعوت أحرونوت يوم 9 سبتمبر أن معسكر المؤيدين للحرب ضد إيران بدأ يتخذ خطوات عملية نحو تنفيذ هدفه، وذلك بعدما قال القيادي تسحي هنجابي إن إسرائيل تفصلها خمسون يوما فقط عن قرارات حاسمة تتعلق بمستقبل الدولة، وتتعلق بإمكانية توجيه ضربة لإيران.

من جانبه؛ يرى عاموس هرئيل في مقاله بهآرتس يوم 4 سبتمبر، أن نتنياهو ومعسكره ينتظرون فقط الضوء الأخضر من الإدارة الأمريكية لضرب إيران، لأن نتنياهو لا يرغب في أن تخرج بلاده منفردة في مواجهة مع إيران، في الوقت الذي يوجد فيه توجه داخل الإدارة الأمريكية على رأسه رئيس أركان الجيوش الأمريكية الجنرال ديمبسي يعارض أن تتورط الولايات المتحدة في حرب ضد إيران تعرض المصالح الأمريكية للخطر.

وفي يوم 4 سبتمبر؛ نقلت الصحف الإسرائيلية تأكيدات لنتنياهو بأن التهديدات الموجهة إلى الجبهة الداخلية الإسرائيلية "تتقزم أمام" خطر حصول إيران على سلاح نووي. قائلا: "لو أن هناك لجنة تحقيق [بعد الهجوم] سأقول بأنني المسئول".

في السياق ذاته؛ كانت معاريف قد نقلت في عددها يوم 3 سبتمبر عن مصادر في حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو العديد من التأكيدات بأن الحزب وأعضاءه يؤيدون نتنياهو في توجيه ضربة لإيران، وربطت الصحيفة بين ذلك وبين ما أعلنته إذاعة الجيش الإسرائيلي في نفس اليوم من أن الحكومة الإسرائيلية قررت البدء بتدريبات سميت "بتحصين الجبهة الداخلية" تستمر لمدة أسبوع كامل، وفي مركز هذه التدريبات ضمان إرسال مئات آلاف الرسائل الإلكترونية وعبر الهواتف الخلوية لإبلاغ الجمهور بالمطلوب في حالات الطوارئ.

كما نقل الصحفي الإسرائيلي آري شافيت في صحيفة "هآرتس" أن وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك أورد حديثه عن أهداف الضربة الإسرائيلية الاستباقية، والأساس المنطقي لها، وعرض عددًا من المبررات لخطوة كهذه من بينها: التداعيات الكارثية لقيام إيران مسلحة نوويًّا، وعدم قدرة إسرائيل على الانتظار لفترة أطول، نظرا لخطر فقدان قدرتها على وقف إيران عسكريًّا، وحاجة إسرائيل إلى الاعتماد على نفسها -فيما يخص الجوانب الأكثر حساسية لأمنها القومي- وليس على أفضل أصدقائها وهي الولايات المتحدة، وفكرة أن احتواء إيران المسلحة نوويا على طول الطريق سوف يُعقد الأمر، ويجعله مكلفا جدا أكثر مما لو تم اللجوء الآن إلى المنع.

معسكر الرافضين

أما معسكر الرافضين لهذه الضربة فيتزعمه الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، الذي نقلت الإذاعة الإسرائيلية عنه يوم 8 سبتمبر قوله إنه يؤمن بأن أوباما سيمنع سلاحًا نوويًّا عن إيران، وذلك في أعقاب لقاء جمع بينه وبين نتنياهو، اعتبرته الصحف الإسرائيلية أنه "مفاجئ" نظرا للخلافات التي دبت بين الرجلين حول ضرب إيران، فمن جانبها علقت هآرتس على هذا اللقاء بأنه فيما يبدو محاولة أخيرة من نتنياهو لإقناع بيريز بأن الحرب على إيران ضرورية، في حين أن بيريز يرى عدم ضرورتها، وأن على الولايات المتحدة أن تتحمل عبء ذلك وليس إسرائيل بمفردها.

كما يقف على رأس المعارضين لضرب إيران شاؤول موفاز -زعيم حزب كاديما المعارض- الذي طالب يوم 8 سبتمبر بالكثير من الإيضاحات حول ضرب إيران، مؤكدًا ضرورة الانتظار ورؤية كيفية تطور الأمور بشأن إيران، قائلا: "لدينا المزيد من الوقت، وعلى الولايات المتحدة أن تقود حملة ضد إيران".

وذكرت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية في نبأ أوردته على موقعها الإلكتروني أن موفاز أكد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فقد ثقة قادة الأجهزة الأمنية قائلا: "الرئيس الأمريكي باراك أوباما والرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز يعتبرانه الآن قائدا مفلسًا".

وفي السياق ذاته؛ نقلت صحيفة "ماكور ريشون" الإسرائيلية بالعبرية يوم 8 سبتمبر، تحذير رئيس الاستخبارات الإسرائيلي السابق "أوري ساقي" مما وصفها بالهستيريا المدبرة التي أدخلت القلق والتوتر في صفوف الإسرائيليين التي يقودها كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع إيهود باراك من توجيه ضربة عسكرية ضد المفاعل النووي الإيراني خلال المرحلة المقبلة.

الانقسام الشعبي

تُشير حالة الجدل والحراك السياسي داخل إسرائيل إلى إدراك جماهيري بأن المنطقة تتجه نحو حرب وشيكة ستكون لها تداعيات داخلية وإقليمية ودولية غير محسوبة العواقب، وفي هذا الصدد يتفق الإسرائيليون على ضرورة إيقاف البرنامج النووي الإيراني، وعلى أنه قد حان وقت حسم الجدل القائم حول فعالية تكلفة الضربة، والتعجيل بها، وتأثيرها على العلاقات مع الولايات المتحدة، لكن الانقسام يبدو في تصاعد الجدل في إسرائيل (شعبيا) حول ما إذا كان من الأفضل شن ضربة أحادية الجانب على البرنامج النووي الإيراني المتطور، ومتى سيحدث ذلك؟. ويتصاعد هذا الجدل بخصوص فعالية تكلفة الضربة والتعجيل بها وتأثيرها على العلاقات مع الولايات المتحدة.

وأبرز المؤشرات الدالة على الانقسام الشعبي المتعلق بإمكانية ضرب إيران، ذلك الاستطلاع للرأي الذي نشر يوم 10 سبتمبر على موقع صحيفة معاريف بالعبرية إلى أن هناك انقساما شعبيا يوازي الانقسام الرسمي الإسرائيلي فيما يتعلق بإمكانية توجيه ضربة لإيران.

فقد كشف الاستطلاع أن 40% من الإسرائيليين يؤيدون توجيه ضربة إلى إيران، وفي الوقت ذاته رفض 35% من الإسرائيليين قيام إسرائيل بضرب إيران، مطالبين بأن يتم ترك هذا الأمر للولايات المتحدة.

اللافت أن 43% من المستطلع آراؤهم يعتقدون أن هناك احتمالا كبيرا بأن يقرر الرئيس الأمريكي باراك أوباما شن حرب على منشآت إيران النووية، لضمان عدم حصول إيران على السلاح النووي.

وقد قال 37% من الإسرائيليين إن استمرار امتلاك إيران للسلاح النووي يشبه تمامًا وجود هتلر جديد في العالم يهدد اليهود وإسرائيل، مطالبين العالم بالتحرك لإنقاذ إسرائيل مما أسمته الصحيفة الخطر الإيراني.

ورغم أن ثمة أغلبية تعتبر إيران المسلحة نوويا تهديدا وجوديا لإسرائيل؛ إلا أن 39 بالمائة من المستطلع آراؤهم فضلوا أن تتصرف إسرائيل بالتنسيق مع الولايات المتحدة، فيما عبَّر 35 بالمائة فقط بأنه ينبغي لإسرائيل أن تعمل بصورة مستقلة قبل فوات الأوان. أما بقية المشاركين فكانوا مترددين. وذلك وفق الاستطلاع.