مشاهدة النسخة كاملة : مفهوم المواطنة وحقوق المواطن


adel elshamy
10-10-2012, 03:27 PM
مفهوم المواطنة وحقوق المواطن
**********************************
كتبهاالاستاذ : شــــوكات

استهلال:
******
لن يكون المدخل إلى المواطــنة ســوى اجتماعية الإنسان الطــبيعية والضــرورية، لأن ( الاجتماع الإنساني ضروري )[1] لطبيعته الاحتياجية للغير ولخدماته من أجل تحصيل منافعه؛ بحكم قصور قدرة الفرد وإمكاناته على تحصيل هذه المنافع. ذلك أنه ( لابد من اجتماع القُدر الكثيرة من أبناء ***ه ليحصل القوتُ له ولهم؛ فيحصل بالتعاون قدر الكفاية من الحاجة لأكثر منهم بأضعاف. وكذلك يحتاج كل واحد منهم أيضا في الدفاع عن نفسه إلى الاستعانة بأبناء ***ه )[2]. وهو الأمر الذي يستدعي تكوين مجتمع إنساني، ينخرط الإنسان فيه ضمن أطر اجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية ودينية معينة. تستوجب على مستوى الأفراد إنتاج علاقات مختلفة فيما بينهم، مما يطلب خلق سلطة عامة مؤسساتية تدبر تلك العلاقات فيما بينهم، لأن ( الاجتماع إذا حصل للبشر … وتم عمران العالم بهم، فلابد من وازع يدفع بعضهم عن بعض، لما في طباعهم الحيوانية من العدوان والظلم )[3]. ولهذا ينتظم الفرد الإنساني في المجتمع ومؤسساته المختلفة الرسمية والمدنية بما ينقله من الحالة الطبيعية إلى الحالة المدنية، التي بموجب ( هذا الانتقال من حال الطبيعة إلى حال المدنية أوجد في الإنسان تبدلا ملحوظا، إذ أحل، في سلوكه، العدل محل الوهم الفطري، وأكسب فعاله أدبا كان يعوزه من قبل. عند ذاك فقط، إذ حل صوت الواجب محل الباعث المحرك الجسماني والحق محل الشهية، اضطر الإنسان، الذي ما كان إلى ذلك اليوم ينظر إلا إلى نفسه، أضطر أن يسير على مبادئ أخرى وأن يستشير عقله قبل أن يصغي إلى ميوله. إنه وإن يكن قد حرم، في هذا الحال، مزايا كثيرة استمدها من الطبيعة، فلقد اكتسب بدلا منها مزايا أخرى كبيرة: لقد انجلت قواه العقلية ونمت، واتسعت أفكاره، ونبلت عواطفه، وسمت نفسه كلها حتى إنه كان يجب عليه ـ لولا أنه تجاوز الحد وأسرف في هذه الحياة الجديدة، مما جعله أحط منزلة منه في الحياة التي خرج منها ـ كان يجب عليه أن يبارك، بلا انقطاع، الساعة السعيدة التي انتزعته من تلك الحياة إلى الأبد، والتي جعلت منه كائنا ذكيا ورجلا، بعد أن كان حيوانا بليدا محدود الفهم … إن ما يفقده الإنسان، بالعقد الاجتماعي، هو حريته الطبيعية، والحق غير المحدود الذي كان له على ما يستهويه ويجنيه ويمكنه الوصول إليه، وأما ما يكسبه فالحرية المدنية وملكية جميع ما يقتنيه … )[4]. كما تستوجب على مستوى السلطة العامة إنتاج علاقات بينها وبين الفرد في إطار تدبير تلك العلاقات البينفردية والبينجماعية، مما ينقل السلطة العامة للمجتمع على مستوى تدبير تلك العلاقة كطرف محايد إلى طرف فعلي وواقعي في هذه العلاقة قد يظلم هو الآخر، خاصة إذا شُخْصِنَتْ تلك السلطة العامة في الحاكم! فيصبح ( قهر الحاكم للمحكوم وخوف المحكوم من الحاكم، غدر بعضنا ببعض وتسلط بعضنا على بعض )[5] سمة مجتمعنا، ومن ثم يجب أن تنتظم هذه العلاقة في إطار قانوني يحدد ما للفرد من واجبات وحقوق وما للسلطة العامة التي تختزل في الدولة من حقوق وما عليها من واجبات.

والعلاقات في الفضاء المجتمعي والاجتماعي تفيد وجود وطن يحتوي هذا الفضاء؛ بما يعني أنه ( الحيز الجغرافي الذي تعيش وتعتاش عليه مجموعة بشرية معينة، حيث يتفاعل الأفراد مع بعضهم ومع الأرض التي يقطنون عليها، وذلك على مر الزمان. أي أن الوطن ليس علاقة عابرة، مؤقتة وقصيرة، بل هو مجموعة من العلاقات الإنسانية والعاطفية والثقافية والمادية، عموديا وأفقيا )[6]. التي تشكل بذاتها دواعي ضبطها؛ بخلق أطر قانونية تحدد مساحة تفاعلها ونتائج فعلها وثوابت وجودها سيما وأنها مرتكزات منطلق المجتمع نحو ذاته فهما وتنظيما وحراكا اجتماعيا، إذ أن المجتمع ( هو الإرادة الجمعية الحرة للمجتمع، التي يختار بها المجتمع منهج الحياة، وشكل البناء الاجتماعي، والعقيدة التي ينبثق منها البناء )[7] القائم على ( مجموعة من الأفراد، يربط بينها رابط مشترك، يجعلها تعيش عيشة مشتركة. وتنظم حياتها علاقات منتظمة معترف بها فيما بينهم. قد يكون هذا الرابط الأرض، وما يقوم عليها من مصالح مشتركة، كالمجتمع السويسري. وقد يكون ال*** والأصل، وما يتصل به من لغة، وثقافة، وتاريخ، ومبادئ، وهو المجتمع القومي، وقد يكون المبادئ السائدة والمعتقدات المشتركة، وما يتولد عنها من أفكار وعواطف وسلوك، وهو المجتمع العقائدي كالمجتمع الإسلامي )[8]. فالبناء هذا أخذ يتطور وفق ما اعتراه من مشاكل وقضايا، سعى التطور إلى معالجتها بخلق نظريات وممارسات تنفي عنه آثارها السلبية وانعكاساتها الخطيرة، ويخلص منها إلى التفاهم والشراكة والتشارك والانسجام والوحدة في إطار مفاهيم شاملة ومتجددة.

فتاريخ الإنسانية يشهد على التطورات الحاصلة في المجتمعات الإنسانية نتيجة أحداث كبرى وقعت فيها كالظلم والاستبداد والحروب والإقصاء والتهميش والاستئثار بالسلطة والشمولية في الحكم وغيرها، مما دفع بالإنسان إلى محاربتها ضمن مبادرات فردية أو جماعية بوسائل مختلفة ومتنوعة في الشكل والنتيجة. وتطلبت تحولات اجتماعية كبرى خصوصا على صعيد النظم الاجتماعية والقانونية للدول. الشيء الذي أدى إلى بلورة أفكار جديدة تحاصر كل فوضى أو كل قمع أو عنصرية ممارسة تجاه الإنسان داخل الوطن الذي يعيش فيه. وبذلك فالمواطنة لبس وليدة الصدفة وإنما هي نتاج تراكم تجارب وأحداث وأفكار، عملت في الأخير من أجل الخروج من الكوارث الاجتماعية والسياسية بما ينظم في الغالب البينية بين الدولة والفردـ في تجاه تحقيق ذاته من خلال حقوق وواجبات، وتحقيق ذات الدولة من خلال حقوق وواجبات كذلك.

فهذا المفهوم السحري ـ كما يحلو للبعض الإشارة إليه ـ هو من أحرز في ظل الديمقراطية قصب السبق في الحد من النزاعات المبنية على الاختلاف العرقي والإيديولوجي والعقائدي والقومي واللغوي والثقافي والاقتصادي داخل الوطن الواحد. الاختلاف الذي إذا لم يعالج ضمن إطار المواطنة والمشتركات الأخرى يهدد لحمة الوطن وتفتته. ونحن مازلنا أخيرا نعيش صدى هذا الاختلاف في لبنان. ومنه ألا يحق لنا التساؤل: ما المواطنة؟ كيف تطورت؟ ما أسسها؟ ما دورها في المجتمع خاصة منه السياسي؟ ما مكوناتها وتجلياتها؟ وكيف نغرسها ونحافظ عليها ونطورها؟

تلكم أسئلة مشروعة عند مقاربة المواطنة، ما دمنا أمام مجموعة من المفاهيم المتشاكلة والمتداخلة، التي تتبادر إلى الذهن عند المقاربة. وللمقاربة عناوين كبرى وأخرى صغرى تنتظم تحتها، لعلها تساعد على الفهم والاستيعاب بجانب التطبيق، الذي يشكل حجر الزاوية في ممارسة المواطنة. وقبل الإجابة عن هذه الأسئلة لابد من إطلالة عن راهنية المواطنة.

راهنية المواطنة:
***********
تشكل المواطنة في الوقت الحالي راهنية المواطنين والدولة على حد سواء، لما تعيشه المجتمعات الإنسانية في عصر العولمة من صراع داخلي بين الطبقات الاجتماعية والسياسية والعقائدية والثقافية والاقتصادية وصراع خارجي بين الدول خاصة في إطار محاولة استحواذ القطب الواحد على الشعوب والدولة وعولمة العالم وفق رؤاها وحيثياتها. الشيء الذي يؤدي إلى انتهاك حقوق الأفراد والدول.وهو ما يخلق اختلافات وخلافات واحتقانات بين الأفراد فيما بينهم، وبين الأفراد والدولة من جهة أخرى، وبين الدول فيما بينهم.

هذا الوضع المتشنج استدعى المواطنة كمرجع لحل تلك الإشكاليات، حيث في ظلها تدبر الاختلافات والخلافات، كما تدبر الحقوق والواجبات مما يخلق جو الارتياح والاطمئنان لدى المواطن والدولة. ومن ثم تتمركز المواطنة مركز الفكر الإنساني الحديث في مختلف مجالاته من كونها المدخل لاستقرار المجتمعات وتطورها ونمائها وترسيخ الديمقراطية بجانب ترسيخ ثقافة المؤسسات وفكرها. ذلك أنه ( يحتل مفهوم المواطنة موقعاً مركزياً في الفكر القانوني والدستوري المعاصر. إذ إن المواطنة، بما تشكل من شخصية اعتبارية لها حقوق وواجبات، وهي أحد الأعمدة الرئيسية للنظريات الدستورية والسياسية المعاصرة. إذ إن الفكر السياسي الحديث يعتمد في البناء القانوني للوطن على هذا المفهوم ويحدد له جملة من الإجراءات والاعتبارات. لذلك فإننا نعتقد أن تطوير واقعنا السياسي والقانوني اليوم، مرهون إلى حد بعيد على قدرتنا على المستويين النظري والعملي لبلورة هذا المفهوم كحقوق وواجبات في الفضاء الاجتماعي والوطني )[9].

فالمواطنة تشكل حاليا موضوع الساعة بما تتضمن من تحديدات للعلاقة بين المواطن والدولة من خلال الواجبات والحقوق. وهي التي تعتمد حاليا من كل الفعاليات لرفع التمييز بين المواطنين الواقع باسم العرق أو المذهب أو الدين أو ال*** أو السياسة أو النقابة أو الثقافة أو أي اعتبار آخر، يدخل الفرد إلى خانة معينة ويحاصره فيها بشدة. وبذلك تكون المواطنة المدخل لممارسة الحقوق وأداء الواجبات لكن ضمن مفهوم لها واضح وغير ملتبس لأن ( الوعي بالمفاهيم مسألة في غاية الأهمية لإزالة الخلاف بين المتحاورين ، أو على الأقل تضييق دائرته ولا يخف على أحد لتحديد المعاني والألفاظ من فائدة ، فكثيراً ما يثور الخلاف بيننا في مسألة ما ويشتد الجدال ، ومرد ذلك يكمن في عدم تحديد الألفاظ. يقول ابن تيميه رحمه اللّه " إن كثيراً من نزاع الناس سببه ألفاظ مجملة مبتدعة ومعان مشتبهة " )[10]. فهي ليست خلا كلمات وألفاظ تلفظ على اللسان وإنما هي مضامين تحمل حمولات تؤثر على الفرد وسلوكه وأنماط عيشه بل هي تشكيلات شخصية تعبر عن نفسها من خلال مظاهر الفعل والقول والمشاعر. كما أنها للتمييز بين لأشياء والمواضيع وتحديد حدودها بدقة، فتداخل المفاهيم من خلال دوالها الاصطلاحية تلبس الموضوع والمنهج والنتائج. وعليه بداية لابد من تحديد المواطنة؟

1 ـ ما المواطنة ؟:
**********
بما أن المنبت الحقيقي للمصطلح على المستوى اللغوي غربي وفق ما ذهب إليه أكثر من مختص في المواطنة وأكثر من باحث في شأنها، فقد اختلف فيه اختلافا كبيرا في التحديد والحصر غير أن أساسيات منطلقه البنيوية والمعنمية توحدهم فضلا الحمولة المفاهيمية التي تحيل عليها. والمواطنة تعتبر ( من المفاهيم الحضارية التي افرزها الفكر الحديث من خلال النتاج الفكري للإنسان والذي هو عماد وأساس هذا المفهوم وأيضا من خلال تراكم المنجزات الحضارية في الجانب العملي التطبيقي, عندما حَوّلَ المفاهيم المجردة إلى نظرية عمل تكللت هذه النظريات بمنجزات حية ساهمت في رفع شأن الإنسان وجعلته قيمة عليا. حيث الإنسان هو معيار الحضارة )[11]. وهذا المصطلح سيتم تحديده في مستويات ثلاث متلازمة هي: المستوى اللغوي والمستوى الاصطلاحي والمستوى الإجرائي.

1.1. المستوى اللغوي:
***************
فالبحث في المعجم اللغوي العربي يفيد أن لفظة " المواطنة " واردة من مزيد الثلاثي الخام المعجمي ( و ط ن ) من خلال الثلاثي المزيد بالألف من وطن، حيث نقول واطن من وطن،و ( الوطن: المنزل تقيم به، وهو موطن الإنسان ومحله؛ وقد خففه رؤية في قوله: ( أَوْطَنْتُ وَطْناً لم يكن من وَطَني، لو لم تَكُنْ عاملَها لم أَسْكُنِ بها، ولم أَرْجُنْ بها في الرُّجَّن قال ابن بري: الذي في شعر رؤبة: كَيْما تَرَى أَهلُ العِراقِ أَنني أَوْطَنْتُ أَرضاً لم تكن من وَطَني وقد ذكر في موضعه، والجمع أَوْطان. وأَوْطانُ الغنم والبقر: مَرَابِضُها وأَماكنها التي تأْوي إليها؛ قال الأَخْطَلُ: كُرُّوا إلى حَرَّتَيْكُمْ تَعْمُرُونَهُمَا، كما تَكُرُّ إلى أَوْطانها البَقَرُ

ومَوَاطِنُ مكة: مَوَافقها، وهو من ذلك. وَطَنَ بالمكان وأَوْطَنَ أَقام؛ الأَخيرة أَعلى. وأَوْطَنَهُ: اتخذه وَطَناً. يقال: أَوْطَنَ فلانٌ أَرض كذا وكذا أَي اتخذها محلاً ومُسْكَناً يقيم فيها. والمِيطانُ: الموضع الذي يُوَطَّنُ لترسل منه الخيل في السِّباق، وهو أول الغاية، والمِيتاء والمِيداء آخر الغاية؛ الأَصمعي: هو المَيْدانُ والمِيطانُ، بفتح الميم من الأول وكسرها من الثاني. وروى عمرو عن أَبيه قال: المَيَاطِينُ المَيادين. يقال: من أَين مِيطانك أَي غايتك. وفي صفته، صلى الله عليه وسلم: كان لا يُوطِنُ الأَماكن أََي لا يتخذ لنفسه مجلساً يُعْرَفُ به. والمَوْطِنُ: مَفْعِلٌ منه، ويسمى به المَشْهَدُ من مشَاهد الحرب، وجمعه مَوَاطن. والمَوْطِنُ: المَشْهَدُ من مَشَاهد الحرب. وفي التنزيل العزيز: لقد نصَركُمُ اللهُ في مَوَاطن كثيرة؛ وقال طَرَفَةُ: على مَوْطِنٍ يَخْشَى الفَتَى عنده الرَّدَى،

متى تَعْتَرِكْ فيه الفَرائصُ تُرْعَدِ وأَوطَنْتُ الأَرض ووَطَّنْتُها تَوطِيناً واسْتَوْطَنْتُها أَي اتخذتها وَطَناً، وكذلك الاتِّطانُ، وهو افْتِعال منه. غيره: أَما المَوَاطِنُ فكل مَقام قام به الإنسان لأَمر فهو مَوْطِنٌ له، كقولك: إذا أَتيت فوقفت في تلك المَوَاطِنِ فادْعُ الله لي ولإخواني. وفي الحديث: أَنه نَهَى عن نَقْرَة الغُراب وأَن يُوطِنَ الرجلُ في المكان بالمسجد كما يُوطِنُ البعيرُ؛ قيل: معناه أَن يأْلف الرجل مكاناً معلوماً من المسجد مخصوصاً به يصلي فيه كالبعير لا يأْوي من عَطَنٍ إلا إلى مَبْرَكٍ دَمِثٍ قد أَوْطَنَه واتخذه مُناخاً، وقيل: معناه أَن يَبْرُكَ على ركبتيه قبل يديه إذا أَراد السجودَ مثلَ بُرُوكِ البعير؛ ومنه الحديث: أَنه نَهَى عن إيطان المساجد أَي اتخاذها وَطَناً. وواطنَهُ على الأَمر: أَضمر فعله معه، فإن أَراد معنى وافقه قال: واطأَه. تقول: واطنْتُ فلاناً على هذا الأَمر إذا جعلتما في أَنفسكما أَن تفعلاه، وتَوْطِينُ النفس على الشيء: كالتمهيد. ابن سيده: وَطَّنَ نفسَهُ على الشيء وله فتَوَطَّنَتْ حملها عليه فتحَمَّلَتْ وذَلَّتْ له، وقيل: وَطَّنَ نفسه على الشيء وله فتَوَطَّنَت حملها عليه؛

قال كُثَيِّرٌ:

فقُلْتُ لها: يا عَزَّ، كلُّ مُصيبةٍ

إذا وُطِّنتْ يوماً لها النَّفْسُ، ذَلَّتِ )[12].

وقد أفاد المنجد في اللغة والأعلام من هذه المعاني ونقلها في قوله: ( وطن: يطن وطنا بالمكان: أقام به. وطّن نفسه على الأمر وللأمر: هيأها لفعله وحملها عليه / و ـ البلد: اتخذه وطنا. واطن ه على الأمر: أضمر أن يفعله معه. أوطن إيْطانا بالمكان: أقام به / و ـ واتطن واستوطن البلد: اتخذه وطنا. توطّن تْ نفسه على كذا: حملت عليه/ و ـ البلد: اتخذه وطنا. الوطن: ج أوطان: منزل إقامة الإنسان ولد فيه أو لم يولد/ مربط المواشي. الموطن ج مواطن: الوطن/ المشهد من مشاهد الحرب. المواطن: الذي نشأ معك في وطن واحد أو الذي يقيم معك فيه. الميطان: موضع ترسل منه الخيل في السباق/ الغابة )[13] ومنه فدلالة وطن متعددة؛ لكن تفيد في أغلبها مكان الولادة والإقامة والتحمل، وهذه تعني التواجد مع الغير في مكان واحد يستدعي المشاركة في تجليات تلك الإقامة والتحمل.

والمواطنة آتية من مزيد وطن بالألف " واطن " والذي يعني الموافقة والمصداقة على الأمر. الشيء الذي لم يذهب إليه بعض منظري المواطنة العرب، وقالوا بأن المواطنة قادمة من لفظة " وطن " بدل واطن. في حين ذهب بعضهم إلى عكس هذا المذهب، حيث ( لم ير أهل اللغة دلالة لهذا اللفظ على مفهومها الحديث إذ واطن في اللغة تعني مجرد الموافقة واطنت فلانا يعني وافقت مراده، لكن آخرين من المعاصرين رأوا إمكانية بناء دلالة مقاربة للمفهوم المعاصر بمعنى المعايشة في وطن واحد من لفظة " المواطنة " المشتقة من الفعل " واطن " فواطن فلان فلانا يعني عاش معه في وطن واحد كما هو ساكنة يعني ساكنه يعني سكن معه في مكان واحد )[14]. وهي لفظة على صيغة " مفاعلة " كمناقشة، وهي للمطاوعة والمشاركة[15]. وقيل أن ( لغة " المواطنة " صفة بصيغة دالة على المطاوعة والمشاركة، وهي مشتقة مباشرة من اسم الفاعل " مواطن " المشتق بدوره من الفعل الرباعي " واطن " المطاوع المزيد من الثلاثي " وطن " أي قطن وامن في مكان على بقعة من الأرض )[16]. وأذهب إلى الطرح القائل بأن لفظة " مواطنة " مشتقة من مزيد وطن.

وقد استغرب الدكتور محمد عابد الجابري غياب لفظة " مواطنة " عن المعاجم العربية القديمة، وراح يتقصى جذورها اللغوية والدلالية، حيث قال: (ولاشك أن القارئ سيستغرب معي غياب هذا اللفظ في معاجمنا القديمة المتداولة: "لسان العرب" و"القاموس المحيط"، و"الصحاح"، و"تاج العروس"… الخ. أما في نصوص الكُتاب والأدباء فاللفظ غائب أيضاً، ولم أعثر له على أثر إلا في كتاب "خريدة القصر وجريدة العصر": للعماد الإصبهاني الذي عاش في القرن السادس الهجري (ولد سنة 519 وتوفي سنة 597 هـ) وموضوعه: أعيان وفضلاء عصره من الخلفاء إلى الشعراء… الخ، منطلقاً من بغداد… إلى المغرب والأندلس. وقد وردت كلمة "مواطنة" مرة واحدة في هذا الكتاب الضخم في رسالة نقلها يمدح فيها كاتبها بيت من يمدح بقوله عنها: "مكتسبة من الأشباح القدسيّة علاءً، ومنتسبة إلى الأشخاص الإنسية ولاءً، مترفِّعة عن مواطَنَةِ الأَغفال، ومقارنة أهل السّفال".

وواضح أن معنى "المواطَنة" هنا هو: المصاحَبة والعيش مع… ولم يسعفني الحظ بالعثور على غير هذا النص فيما أمكنني البحث فيه من الكتب. ويكفي أن تكون الكلمة غائبة في المعاجم التي ذكرت… أما كلمة "مُواطِن" (بضم الميم) فهي أقل حظاً، إذ لم أعثر لها على أثر في أي قاموس أو نص (قبل عصر اليقظة العربية الحديثة). لقد وردت كلمة وطَن والجمع أوطان. ومَوْطِن، والجمع "مَواطن" (بفتح الميم). كما ورد لفظ واطَن "واطَنَهُ على الأمْرِ: أَضمر فعله معه، فإِن أَراد معنى وافقه قال: واطأَه - لسان العرب"، كما ورد لفظ "وطَّن" (بتشديد الطاء) إذ يقال: "وَطَّنَ نَفسَهُ على الشيء وله، فتَوَطَّنَتْ: حمَلها عليه".

إذن، لفظ "مواطَنة" ونسيبه "مُواطِن" ليس فيهما من العربية غير الصيغة (مفاعَلة، مُفاعِل) وهي للمشاركة: مقاتلة/ مقاتل، مضاربة/ مضارب. وقد حاولت أن أتعرف على اللفظ الذي كان يستعمله العرب قبل "عصر اليقظة العربية" لأداء مفهومي "المواطَنة" و"المواطِن" كما نستعملهما اليوم في خطابنا المعاصر فلم أجد.

أما قاموس "المنجد" لمؤلفه لويس معلوف، والذي ظهر في ظل "اليقظة العربية الحديثة"، إذ صدرت الطبعة الأولى منه عام 1909، فإننا لا نجد في طبعته الخامسة عشرة التي ظهرت عام 1956، العام الذي بدأ معه العصر الذهبي للوطنية العربية مشرِقاً ومغرِباً، أقول: لا نجد عنده حول مادة "و. ط. ن" إلا ما يلي: "وطن بالمكان: أقام به. وطَّن نفسه على الأمر وللأمر: هيأها لفعله، وطَن البلد: اتخذه موطناً. واطَنه على الأمر: أضمر أن يفعله معه. الوطَن: ج. أوطان: منزل إقامة الإنسان ولد فيه أم لم يولد"، وأيضاً: "مربط المواشي". "المُواطِن: الذي نشأ معك في وطن واحد، أو الذي يقيم معك فيه". وواضح أن الألفاظ السابقة ومعانيها منقولة عن القواميس القديمة. باستثناء لفظين:

- اللفظ ما قبل الأخير أعني "وَطن" ففي تعريفه إضافة لا أصل لها في المعاجم القديمة، وهي قوله "ولد فيه أم لم يولد"؛ فهذا الجزء من التعريف منقول من لغة أجنبية. أما قوله: "منزل إقامة الإنسان" و"مربط المواشي" فهو المعنى الأصيل في اللغة العربية، وقد سبق أن ذكرنا هذا في مقال الأسبوع الماضي.

- يبقى اللفظ الأخير أعني "المُواطن" فهو منقول كله لفظاً ومعنى. ولا يمكن أن يقال هو من "واطَنه" على الأمر، لأن المعنى يختلف. والفعل "وَطَنَ به يَطِنُ وأوْطَنَ: أقامَ"، وصيغة اسم الفاعل منه "واطِنٌ" (مثل: قتل فهو قاتل)، وهذه الصيغة من المهمل وليست من المستعمل.

النتيجة: ليس في مخزون العرب، اللغوي وبالتالي الفكري والوجداني، ما يفيد "ما" يعنونه اليوم باللفظين: "المواطنة" و"المواطن". وكلمة "ما" هنا تفيد النكرة، وقد وضعناها بين مزدوجتين: لتقوية معنى النكرة فيها! )[17]. وبرر غياب ذلك بقوله: ( لماذا هذا الغياب؟ الجواب هو أن هاتين الكلمتين من الملَكات المترجمة. وليس العيب في أن تنقل لغة من لغة أخرى كلمات وعبارات وأمثالاً ومعارف وعلوماً. فجميع لغات العالم قائمة على الأخذ والعطاء. وقد نقل الأوروبيون كثيراً عن العربية عند ابتداء نهضتهم الأولى في القرن الثاني عشر الميلادي وما زالوا ينقلون (هم يستعملون اليوم كلمات عربية عديدة لأنهم لا يجدون لها مقابلاً في لغاتهم مثل كلمة "انتفاضة" والـ"جهاد" و"طوبيب" toubib أي "الطبيب" بالمعنى العربي الشعبي أي "المداوي" سواء بالعقاقير أو بالسحر؟ -قرأت في بعض النصوص الفرنسية حول هذه الكلمة ما ترجمته: "هذه الكلمة toubib التي دخلت اللغة الفرنسية عام 1898، كانت قد استعيرت من العربية الجزائرية "طْبيب" (بسكون الطاء) التي تدل بالضبط على الساحر sorcier").



ما أريد التنبيه إليه بهذا الاستشهاد هو لفت النظر إلى أن اللغة العربية لم يتم التأريخ لها، لا قديماً ولا حديثاً. وغياب التأريخ للغة من اللغات يؤدي إلى غياب الوعي بالتطور لدى أصحابها. وهكذا فلو توفر لدينا قاموس يضع بجانب كل معنى من معاني الكلمات تاريخ استعمال هذه الكلمة أو تلك، في هذا المعنى أو ذلك، لسهل علينا أن نعرف الآن متى دخلت لغتنا "كلمة "مواطَنة" ونسيبها "مواطِن"، وكيف تقلبت بها الأحوال… الخ )[18]. والمعجم اللغوي العربي ـ بذهابي إلى أن المواطنة مشتقة من واطن مزيد وطن ـ يفيد بالنسبة للمواطنة الإقامة بالوطن والتعايش فيه مع الآخرين واتخاذه موطنا فهو مواطن، وهو المعنى الذي ينسجم مع موضوع هذه الورقة. والوطن قد يكون أصليا بالمولد أو بالتوطن بالأهل، وقد يكون وطن إقامة بصفة مؤقتة أو دائمة. وقد ذهب الدكتور محمد عابد الجابري إلى التفصيل في

2.1. المستوى الاصطلاحي:
******************
وأما المواطنة في المستوى الاصطلاحي، فإن تحديدها يختلف حسب الحقول المعرفية والتطبيقية التي تشتغل عليها. حسب الفهم الذي يكونه الباحث عنها أو يكونه الفرد عامة حولها، ولكن يوجد حد أدنى من الفهم لمضمون هذا المصطلح، الذي سيظهر مع إيراد بعض التعارف، حيث ( تعدت الرؤية حول مفهوم المواطنة فمنهم من رأى أنها المساواة في الحقوق والواجبات بين أبناء الوطن الواحد، ومنهم من رأى أنها خلق المواطن الصالح، وآخرون قالوا أن المواطنة هي رد يف للديمقراطية، ومنهم من رأى حقه المشروع في إدارة شؤون الدولة والمشاركة السياسية وحق تقرير المصير، و ما لا يختلف عليه اثنان أن المواطنة هي جملة من القيم المعيارية تمثل حق الإنسان في الحياة الآمنة الكريمة وفي العدالة والمساواة في الحقوق الاجتماعية لكل فرد في المجتمع بصرف النظر عن ***ه أو دينه أو مذهبه، وكذا حقه في التعبير عن رأيه وانتخاب من يمثله على قمة السلطة السياسية في وطنه )[19] وأما ألأستاذ محمد المحفوظ فقول عنها في الحقل القانوني والدستوري:( يحتل مفهوم المواطنة موقعاً مركزياً في الفكر القانوني والدستوري المعاصر. إذ إن المواطنة، بما تشكل من شخصية اعتبارية لها حقوق وواجبات، وهي أحد الأعمدة الرئيسية للنظريات الدستورية والسياسية المعاصرة. إذ إن الفكر السياسي الحديث يعتمد في البناء القانوني للوطن على هذا المفهوم ويحدد له جملة من الإجراءات والاعتبارات. لذلك فإننا نعتقد أن تطوير واقعنا السياسي والقانوني اليوم، مرهون إلى حد بعيد على قدرتنا على المستويين النظري والعملي لبلورة هذا المفهوم كحقوق وواجبات في الفضاء الاجتماعي والوطني )[20]. وقالت نادية الفقير في معنى المواطنة: ( أنا اعلم انه لا يمكن الاعتماد على مبادئ عامة محددة لتحديد معنى المواطنة بشكل دقيق فهو مفهوم تاريخي شامل يختلف من زمان لآخر ومن مكان لمكان و يتأثر بالنضج السياسي والرُقي الحضاري للدولة ، فكما شاهدنا في اللمحة التاريخية لهذا المفهوم من انه تأثر عبر العصور السابقة بالتطورات السياسية والاجتماعية والعقائد المختلفة وبقيم الحضارات والأحداث العالمية الكبرى ، فنجد أن معنى المواطنة في العصر الأثيني يختلف عن معنى المواطنة في عصر الإقطاع واختلف كثيراً عبر العصور اللاحقة من حيث توسع نطاقه فاشتمل على فئات لم يكن يعترف بمواطنتها سابقاً ، كما تطورت أبعادها فأصبحت تضم أبعادا اجتماعية واقتصادية وبيئية بالإضافة إلى الأبعاد القانونية والسياسية ، وبالتالي قد تحمل المواطنة أكثر من معنى فقد تحمل معنى تاريخي ديني أو معنى عرقي أو على أساس الجغرافيا السياسية أو غيرها . إلا أن ذلك كله لا يعني أبداً من انه لا يوجد محتوى أساسي لمعنى المواطنة فمهما اختلفت المعاني لمفهوم المواطنة يبقى هنالك مبدأ أساسي لمعنى المواطنة وهو الانتماء على الرغم من انه هو الآخر يختلف بمعناه من حيث الانتماء إلى الوطن أو الانتماء إلى الموطن الذي يستقر فيه الإنسان أو الانتماء إلى الأمة ) [21]؛ وبالتالي فإني سأحاول إيراد بعض التعاريف مثل:

ـ المواطنة بشكل بسيط وبدون تعقيد هي انتماء الإنسان إلى بقعة أرض ،أي الإنسان الذي يستقر بشكل ثابت داخل الدولة أو يحمل ***يتها ويكون مشاركاً في الحكم ويخضع للقوانين الصادرة عنها ويتمتع بشكل متساوي مع بقية المواطنين بمجموعة من الحقوق ويلتزم بأداء مجموعة من الواجبات تجاه الدولة التي ينتمي لها[22].

ـ المواطنة قانونيا هي اكتساب ***ية ما، مع التمتع الكامل بحقوقها السياسية والمدنية وتأدية واجبات معينة تجاه الدولة.

ـ فالمواطنة حقوق وواجبات، ومبادرة الإنسان ومسؤوليته تجاه نفسه وتجاه الجماعة التي ينتمي إليها، وهذه الحقوق والواجبات لا تمارس إلا في مجتمع عادل وديمقراطي يحرص على المساواة وتكافؤ الفرص وتحمّل أعباء التضحية من أجل ترسيخ هذه المبادئ وحمايتها وفتح آفاق تحسين ممارستها برؤية تتطلع إلى المستقبل وبحماس لا تطغى فيه العاطفة على العقل والحكمة[23].

ـ للمواطنة كمفهوم، مرتبط بمكونات الدولة، دلالات جغرافية " الإقامة بشكل مستمر في بقعة جغرافية محددة تشكل إقليم لدولة معينة، وهذا هو الأساس الذي اشتقت منه كلمة مواطنة في اللغة العربية " اجتماعية " عضوية الفرد في المجتمع والتي تتجسد ليس عن طريق ال***ية أو البطاقة الشخصية أو جواز السفر ولكن من خلال الهوية والشعور بالانتماء " قانونية " النصوص الدستورية والقانونية التي تنظم—على قاعدة المساواة— الحقوق المختلفة للفرد والواجبات التي عليه تجاه المجتمع، والوسائل التي يتم من خلالها التمتع بالحقوق والإيفاء بالواجبات " وسياسية " وتتحدد من خلال المشاركة السياسية للفرد في مختلف المؤسسات والعمليات السياسية في المجتمع". وتعرف المواطنة بأنها علاقة قانونية " يحددها الدستور والقوانين المختلفة وليس الأمزجة الفردية " بين الفرد " بمعنى الشخص الواحد" المنتمي إلى المجتمع وبين الدولة " ليست القبيلة أو الطبقة أو الطائفة بل الدولة بأركانها الثلاثة: الأرض ذات الحدود الواضحة، الشعب، والحكومة " والتي تحدد، وعلى قاعدة المساواة، مجموعة من الحقوق " للفرد " كحق التعليم والعمل والصحة والتصويت والتعبير والتنظيم، والواجبات " على الفرد للدولة " مثل خدمة الدفاع الوطني، دفع الضرائب، الولاء للشعب. كما يمكن تعريف المواطنة بكلمات أخرى، بأنها "مجموعة من الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحريات المدنية والتي يكتسبها الفرد " قانونيا وفعليا " من خلال عضويته في مجتمع معين وعلى قاعدة المساواة مع غيره من الأفراد. وتقوم المواطنة كما هو واضح من التعريف على ركنين أساسيين هما: المساواة " تعرف المواطنة في بعض الأحيان بأنها حالة من المساواة في الحقوق والواجبات.. " والمشاركة الفعالة في الفضاءات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.[24]

ـ المواطنة هي تمتع الشخص بحقوق وواجبات، وممارستها في بقعة جغرافية معينة، لها حدود محددة، تعرف في الوقت الراهن بالدولة القومية الحديثة التي تستند إلى حكم القانون[25].

ـ المواطنة في أبسط تعريفاتها تتلخص فيما يلي :
******************************
هي قيم وسلوك أي تربية وآداب وأخلاق وتكوين وذوق حضاري وتراث مرتبط بقيم وثوابت المجتمع وفلسفته في الحياة. فهي تتضمن حب الوطن والتعلق به ;والفرد مدني بطبعه يميل إلى غيره وهو إبن بيئته ومجتمعه . فالمواطنة بهذا المعنى تتضمن التزامات أخلاقية واجتماعية تجاه المجتمع والأمة .

أما من الوجهة القانونية فالمواطنة لها علاقة بال***ية وحسب هذا التعريف هي حيازة ***ية دولة ما، سواء أكانت أصلية أو مكتسبة والتمتع بكل الحقوق والحريات المدنية و السياسية.

فالمواطنة الحديثة تدل على جملة من القيم والهامة منها :

1- التمسك بالقيم الأساسية الراسخة والمثل العليا والتصرفات الحضارية المشتركة .

2- المشاركة الفعالة في تسيير الشؤون العامة ويكون ذلك سواء على المستوى الوطني و العالمي .

3- التمتع بالحقوق والحريات الفردية والجماعية المنصوص عليها في دستور وقوانين الدولة.[26]

ـ وقد ذهب الدكتور محمد عابد الجابري إلى التفصيل في المواطنة فقال: ذلك أنه يجب التمييز بين لفظ "الوَطنيِّ" الذي يقابل في اللغتين الأجنبيتين الرائجتين عندنا (الفرنسية والإنجليزية) لفظ patriote، المأخوذ من patrie بمعنى الوطن. ومنه patriotisme بمعنى الوطنية (حب الوطن والاستعداد للدفاع عنه… الخ)، وبين لفظ compatriote ومعناه الشخص الذي يعيش في بلد واحد مع آخرين، وهذا هو معنى "المواطِن" كما كان يستعمل اليوم في عصر العولمة. و"المواطَنة" بهذا المعنى يعبر عنها بـ compatriotisme، ومعناها وضعية المنتسبين إلى بلد واحد. والجدير بالتنبه هنا أن هذا المعنى لا يتضمن أن الذين يسمون بهذا الاسم compatriote (المواطِن) يحملون "***ية" واحدة، إن لفظ "ال***ية" الذي نترجم به لفظ nationalité هو مشتق من nation بمعنى أمة أو قومية، وليس من patrie بمعنى "وطن". ولهذا يقال مثلاً للفرنسي أو الإنجليزي أو المغربي أو المصري… الخ: "إن مُواطنك الذي رأيتُه معك أمس هو من ***ية لبنانية، أليس كذلك؟ ويأتي الجواب بـ (نعم)، أو بـ (لا): بل هو من ***ية يونانية"!

لفظ واحد غائب في هذه الجولة، أعني citoyen الذي يعتقد بعض الناس أنه ما زال هو معنى "المواطِن" في عصر العولمة! والكلام في هذا اللفظ ومشتقاته يحتاج إلى جولة خاصة به

فمن المؤكد أن هنالك تعريفات مختلفة منها ما هو بسيط ومباشر ومركب، فلغة ((المواطنة)) صفة بصيغة دالة على المطاوعة والمشاركة، وهي مشتقة مباشرة من اسم الفاعل ((مواطن)) المشتق بدوره من الفعل الرباعي ((وأطن)) المطاوع المزيد من الثلاثي ((وطن)) أي قطن وامن في مكان على بقعة من الأرض، (البيت و القرية و المدينة كل منها وطن، وربما عد المال وطنا في الغربة ) لكن المفهوم المعاصر يتعدى ذلك إلى القوا سم الثقافية المشتركة بين شعب أو امة تقطن رقعة جغرافية لها حدود سياسية تسمى بلادا، فمن حيث الاصطلاح كما في العديد من المصادر و الموسوعات، لا تخرج عن كونها (( انتماء عضويا ينشا من علاقة الفرد بالدولة في ضوء القانون الذي تحدده الدولة فيما يخص الحقوق والواجبات )) وتعريف نمطي من هذا النوع يختزل الكثير من التفاصيل، فبالحقوق والواجبات تصبح ((المواطنة)) عاملا مشروطا من عوامل التعايش بين الفرد والمجتمع من جهة، و بين المجتمع والدولة من جهة أخرى، و تتحدد منظومة الحقوق و الواجبات في ضوء سياسة الدولة وفلسفاتها، كما إن خصوصية المجتمع و طبيعة هويته الثقافية يكسبان الحقوق والوجبات طابعهما الملائم، علاوة على إن مظاهرهما الأساسية متواضع عليها، كواجب الدفاع عن الوطن ودفع الضرائب واحترام القوانين، وحقوق العيش وحرية المعتقد والسفر والت*** والاشتراك بالشؤون العامة وما إلى ذلك.[27]

ـ عرفت دائرة المعارف البريطانية المواطنة ( citizenship ) بأنها " علاقة بين فرد ودولة كما يحددها قانون تلك الدولة وبما تتضمنه تلك العلاقة من واجبات وحقوق في تلك الدولة ، والمواطنة تدل ضمناً على مرتبة من الحرية مع ما يصاحبها من مسؤوليات ، وهي على وجه العموم تسبغ على المواطنة حقوقاً سياسيةً مثل حق الانتخاب وتولي المناصب العامة". وعرفت موسوعة الكتاب الدولي المواطنة بأنها " عضوية كاملة في دولة أو في بعض وحدات الحكم ، وان المواطنين لديهم بعض الحقوق ، مثل حق التصويت وحق تولي المناصب العامة وكذلك عليهم بعض الواجبات مثل واجب دفع الضرائب والدفاع عن بلدهم " وعرفت موسوعة كولير الأمريكية بأنها "أكثر أشكال العضوية في جماعة سياسية اكتمالاً " [28].

ـ المواطنة هي علاقة بين الفرد والدولة يحددها الدستور بما ينص عليه من حقوق وواجبات للمواطن. ومؤداها حب وإخلاص المواطن لوطنه وخدمته له في أوقات السلم والحرب، وتشمل المواطنة مفهوم الانتماء والذي يعني انتساب الفرد لكيان ما، يكون منصهراً فيه شاعراً بالأمان في أرضه، محباً له ومعتزاً بهويته، فخوراً بالانتساب له، وفي ذات الوقت منشغلاً بقضاياه وعلى إدراك بمشكلاته، وملتزماً بقوانينه وقيمه، ومراعياً للصالح العام ومحافظاً على مصالحه وثرواته، غير متخلّ عنه حتى في أوقات الأزمات والمحن. لذا فالمواطنة هي البوتقة التي تنصهر فيها جميع الانتماءات لصالح انتماء واحد فقط هو الوطن، دون أن يعني ذلك إلغاء الانتماء للقبيلة أو الأسرة أو المنطقة أو خلافه، وإنما يعني عدم تعارض هذه الانتماءات للانتماء الأكبر للوطن.[29]

ـ وورد في الموسوعة السياسية: أن المواطنة هي " صفة المواطن الذي يتمتع بالحقوق ويلتزم بالواجبات التي يفرضها عليه انتماؤه إلى الوطن "، وفي قاموس علم الاجتماع تم تعريف المواطنة: بأنها مكانة أو علاقة اجتماعية تقوم بين فرد طبيعي ومجتمع سياسي "دولة" ومن خلال هذه العلاقة يقدم الطرف الأول "المواطن" الولاء، ويتولى الطرف الثاني الحماية، وتتحدد هذه العلاقة بين الفرد والدولة عن طريق أنظمة الحكم القائمة، ومن منظور نفسي: فالمواطنة هي الشعور بالانتماء والولاء للوطن وللقيادة السياسية التي هي مصدر الإشباع للحاجات الأساسية وحماية الذات من الأخطار المصيرية، وبذلك فالمواطنة تشير إلى العلاقة مع الأرض والبلد.[30]

ـ تعريف مصطلح المواطنة على النحو التالي : تعود كلمة civic إلى أصل الكلمة اليوناني القديم Civis، والتي تعني ( المواطن ). وبهذا فالتربية المدنية معنىَ ومبنىَ هي تربية المواطن، خاصة بما هو ذات قانونية لها حقوق ومصالح وعليها واجبات وقد جاء في قاموس oxford إن المواطنة citizenship تعني :أن يكون المواطن مواطناً لبلاد معينة بالحقوق والواجبات .وقد وردت citizenship أيضا بمعنى " ال***ية " وتعني انتساب أو انتماء القرد إلى شعب الدولة بوصفه عنصراً من العناصر المكونة لها " ويرى فقهاء آخرون أن ال***ية هي: نظام قانوني يكفل التوزيع الدولي للأفراد على مختلف دول العالم ….. وتنعكس آثار هذا التوزيع الدولي على الحياة القانونية للفرد وتمس قدرته على كسب الحقوق وتحدد مركزه القانوني في علاقته بالدولة التي ينتمي إليها وسائر الدول الأخرى ….."وبمعنى ما فإن المواطنة تعطي الإنسان بالدولة التي ينتمي إليها وسائر الدول الأخرى …." وبمعنى ما فإن المواطنة تعطي الإنسان صفته الوطنية والإنسانية.لأن الانتماء إلى بلد ما في المنظومة العالمية هو في نفس الوقت انتماءً إلى العالم، غير أن هذا البعد بمستوييه الوطني والإنساني بما يتضمنه من حقوق وطنية وإنسانية أمر منقوص الحضور قي البلاد العربية وسيئ الحظ كثيراً فيها، بسبب تغليب البلاد العربية للواجبات، على كافة الحقوق .كما أن المواطنة تعني الانتماء إلى وطن ما على المستوى الجغرافي[31].

ومن خلال هذه التعاريف نجد أن الحقوق والواجبات ضمن إطار من الأخلاقيات والقيم والمشاعر والارتباطات الروحية هي المؤثث للمشترك بينها بما يطلب تحديد تعريف إجرائي للمواطنة، يجمع بين تلك التعاريف.

1.3. المستوى الإجرائي:
****************
في هذا المستوى يمكن أن نعرف المواطنة بأنها: انتماء الفرد إلى وطن معين بالمولد أو بال***ية ضمن إطار مجتمع سياسي مؤسساتي؛ بما يمكّنه من حقوق ويكلفه بواجبات بموجب ذلك الانتماء، في مساواة مع الآخرين دون ميز أو حيف. وبما يحقق علاقة سليمة مع الدولة في إطار من الشفافية والديمقراطية.

من هذا التعريف الإجرائي نستشف الأساسيات التالية:
.................................................. .....................
ـ المواطنة: انتماء إلى الوطن إما عبر المولد وهذا انتماء أصلي، وهو يربط الفرد بالأرض برباط الجغرافية والهوية، وإما انتماء بال***ية عبر منح ال***ية للفرد الذي لم يولد في الوطن، وإنما طرأ عليه لسبب معين، قد يكون زواج أو تجارة أو لجوء سياسي … وال***ية تمنح للم*** نفس حقوق الأفراد الأصليين، وتعتبره عنصرا مندمجا عضويا في المجتمع رغم أنه قد يحتفظ بخصوصياته الأصلية. وهنا تتجلى أهمية المواطنة في رفع تلك الخصوصيات عن التعاطي مع الم***.

ـ المواطنة: تقوم مع مجتمع سياسي مؤسساتي يحترم الحقوق والواجبات في إطار القانون، الذي هو فوق أي اعتبار مهما كان. وبالتالي المواطنة لا تمارس في مجتمع غير مؤسساتي أو إثني أو شمولي … وبذلك ممارسة المواطنة لها أساسيات ومداخل لابد منها أهمها الفكر المؤسساتي. ( فالمواطنة بالحقيقة مبدأ الدولة الحديثة ومرتكزها بل عمودها الفقري في النشوء والاستمرارية، في التكوين والبقاء. ولا وجود لمواطنة حقيقية ضمن النظام الشمولي الاستبدادي -الأوتوقراطي- مهما حاول النظام أن يصبغ نفسه بصبغة ديمقراطية. فمفهوم المواطنة تبلور جنبا إلى جنب مع مفهوم الدولة الدستورية ملكية كانت أم ديمقراطية. وهذا بالتحديد ما ركّز عليه جان جاك روسو في أدبياته الديمقراطية وما حاول هيجل التركيز عليه في تقديمه العقلي للملكية الدستورية في كتابه (فلسفة اليمين). ومع غياب الدستور، تنتفي كل المقومات الحديثة للدولة بما فيها المواطنة )[32].

ـ المواطنة: حقوق وواجبات؛ تقوم على ثقافة المواطنة التي تدفع المواطن بالقيام بواجبات مقابل استيفاء حقوقه دون ميز أو تحيز بما فيها المشاركة السياسية وتقلد الوظائف العامة. ومن ثم لا يمكن للفرد المواطن أن يتواطأ على حجب حقوق الدولة لأنها في الأصل حقوقا عامة تهمه والآخر. وفي المقابل لا يمكن للدولة أن تحجب عليه حقوقه لأنها حقوقا عينية، أصلها حقوقا للدولة لأنها تشكل مدخلا لها إلى حقوقها. فمثلا: الموظف " المواطن " الذي يدفع الضرائب المستحقة للدولة، يعي بأن تلك الضرائب تشكل دخلا للدولة بواسطته يمكنها أن تسدد راتبه الشهري، وأن تشيد الطرق والمرافق العامة وغيرها، وكلها تعتبر حقوقا له. فالطريق المعبد جيدا من حقه، والمستشفى الذي يقدم الاستشفاء من حقه. كما أن الدفاع عن الوطن والدولة من واجب المواطن … وجعل الوطن والدولة فوق أي وطن آخر فـ ( الواجب الأساس في المواطنة في الدول الحديثة هو الإخلاص والولاء للأمة فالمنتظر من كل مواطن أن يضع مصالح أمته وسعادتها فوق مصالح أية أمة أخرى وسعادتها وأن أهم واجبات المواطن التي تنبعث من هذا الواجب الأساس تتمثل في عدة أمور منها : إطاعة قوانين الأمة ودفع الضرائب والخدمة في القوات المسلحة عندما يدعى لذلك . وللمواطن امتيازان أساسيان أولهما أهليته إذا ما وصل إلى سن الرشد الذي تحدده الدولة للمساهمة في عمليات اتخاذ القرارات التي تحدد سياسة الدولة وذلك عن طريق بعض الوسائل مثل حق التصويت وحق تولي الوظائف وثانيهما : حقه في أن تقوم الدولة في الداخل والخارج في حماية نفسه وملكه).[33]

ـ المواطنة: مساواة الأفراد أمام القانون والدستور، بما يعني ممارسة المواطن حقوقه كاملة وأداء واجباته كاملة دون ميز أو مضايقة أو إلغاء أو تهميش. والحقوق تضمن له حق المشاركة في المجتمع السياسي أو المدني كما تضمن له ممارسة حقوقه المتنوعة الأخرى. فالمواطنة إذن ( تتعلق بالمساواة بين جميع المواطنين والفرص المتساوية لجميع المواطنين للمشاركة في الحياة السياسية والعامة، أي أن ركني المواطنة هما المساواة والمشاركة ).[34] وبذلك فـ ( في دولة المواطنة جميع المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات، لا تمييز بينهم بسبب الاختلاف في الدين أو النوع أو اللون أو العرق أو الموقع الاجتماعي … إلخ )[35]

ـ المواطنة: لا تتحقق على الوجه الأكمل إلا في إطار من الشفافية والديمقراطية وضمن علاقة سليمة بين المواطن والدولة واضحة بحكم وضوح القوانين وشفافيتها. فالدولة التي لا تقنن مرافقها ولا تمارس الشفافية مع مواطنيها ولا تتسم بالديمقراطية في نظامها السياسي، فإنها لا تحقق المواطنة ولا تضمن ممارستها؛ حيث ( لا يمكن تفعيل مفهوم المواطنة إلّا تحت مظلة نظام سياسي دستوري ديمقراطي يشمل جميع شرائح المجتمع، قائم على حفظ حقوق الإنسان وصون كرامته والعمل على توفير متطلبات الحياة الكريمة إليه. ولا يمكن تبنيها إلا إذا استطاع الإنسان في المجتمع أن يختار من يمّثله ويطرح حقّه ويذّب عنه التدافع الاجتماعي المشروع والممارس تحت مظلة كل الأنظمة. ولا يمكن تفعيلها إلا تحت ظلّ نظام حقيقي معروف ومكتوب ولا مجال للاجتهاد فيه. فينبغي على المواطن ضمن مفهوم المواطنة الحقيقي أن يعي حقوقه كاملة والمنطلقة من أن الحكومة وجدت لخدمة الشعب، وان الشعب لم يخلق لخدمة الحكومة، وهذا يعني أن الناس مواطنو الدولة الدستورية الديمقراطية ورعاياها، وهم أسباب وجودها. وفي الوقت الذي تصون فيه الحكومة حقوق مواطنيها وتحميها، فبالمقابل يظهر المواطنون ولاءهم لحكومتهم، وتستطيع الدولة أن تطالب المواطن بواجباته تجاه دولته ومجتمعه. أما أن تكون الدولة فاشستية لها كيان منفصل عن المجتمع جاعلة إياه خادما لها بدون أي التزام حقيقي تجاه، فلا يوّلد إلا دولة مزرعة يعيش الناس فيها كالحيوانات خانعة لراعيها مطيعة لأوامره ونواهيه )[36].

وأجد المواطنة إجرائيا في المعاني التي حددها الأستاذ سامح فوزي، ومنها: (
............................................
1 ـ وضع قانوني: أبسط معاني المواطنة هو أن تكون عضوا في مجتمع سياسي معين أو دولة بعينها. القانون يؤسس الدولة، ويخلق المساواة بين مواطنيها، ويرسي نظاما عاما من الحقوق وواجبات تسري على الجميع دون تفرقة. وعادة ما تكون رابطة ال***ية معيارا أساسيا في تحديد من هو المواطن؟ …

2 ـ مشاركة في الحياة العامة: ثاني معاني المواطنة يتمثل في المشاركة في الحياة العامة. وعادة ما يشار إلى ذلك ب " المواطنة الفعالة "، وتشمل مجالات كثيرة يمكن تصنيفها كالآتي:

* انخفاض القيود القانونية على دخول الفاعلين السياسيين ـ الأحزاب السياسية مثلا ـ مجال المنافسة السياسية.

* حرية حركة " ذات اعتبار " لكل الفاعلين السياسيين، حزبيين كانوا أو غير حزبيين، لإطلاق حملاتهم الانتخابية، والترويج لبرامجهم وآرائهم.

* انتفاء وجود أية قيود أو تهديد من أي نوع للناخبين في ممارسة حق التصويت.

* أن يكون العائد النهائي من الانتخابات ذا " معنى "، والمقصود هنا أن يمتلك الأفراد المنتخبون القدرة على ممارسة سلطتي البرلمان في التشريع والرقابة. إذا افتقروا إلى ذلك تصبح الانتخابات ذاتها بلا معنى، رغم أنها قد تكون جرت بشكل ديمقراطي …

3 ـ العضوية السياسية: ثالث معاني المواطنة هو " العضوية في مجتمع سياسي معين " وهو ما يعادل الانتماء الوطني إلى دولة أو كيان سياسي بعينه. يمس ذلك قضية " سيكولوجية " مهمة هي الشعور بالانتماء للوطن وليس مجرد الإقامة فيه…

4 ـ الرفاهة الاجتماعية: يشمل رابع معاني المواطنة حق كل مواطن في الحصول على فرص متساوية لتطوير جودة الحياة التي يعيشها. ويتطلب ذلك توفير الخدمات العامة للمواطنين، وبخاصة الفقراء والمهمشين، وإيجاد شبكة أمان اجتماعي لحماية الفئات المستضعفة في المجتمع، وأن يظل لها صوت في التأثير على السياسة العامة …

5 ـ سلوك تعليمي: يشير خامس معاني المواطنة إلى " الأنشطة التعليمية " التي تساعد المواطنين على أن يكونوا مواطنين فاعلين، مشاركين، يتصرفون بمسئولية تجاه مجتمعهم وشركائهم في المواطنة. وهو أمر تحتاج إليه الدول الديمقراطية التي لا يستطيع النظام أن يعمل بها بكفاءة دون مشاركة مواطنيها على نطاق واسع. ولكن هذا النمط من الفعالية والمشاركة من جانب المواطنين لا ينشأ تلقائيا أو مصادفة، بل يحتاج إلى جهد تعليمي ممتد يشمل كل الأفراد … )[37]. وتبقى في المستوى الإجرائي المواطنة ممارسة ميدانية للحقوق والواجبات في مجتمع ديمقراطي، يؤمن بالمؤسسات والقانون. كما تبقى المواطنة تؤمن بالآخر بكل تفاصيل خصوصياته، ولا تلغيه باسم تلك الخصوصيات بل تستثمرها لصالح الفرد والمجتمع على حد سواء.

2 ـ من تاريخ المواطنة:

إذا أخذنا المواطنة في ارتباطها بالوطن، فهي تمتد في أعماق التاريخ، لارتباطها بالمجتمع الإنساني، عندما شكل نواته الاصطلاحية عبر الانتقال من التوحش إلى الاستقرار على ضفاف الأنهر ومواطن الزراعة والصيد. فحينها كان المواطن هو من انتمى إلى تلك المجتمعات البدائية. فكانت له حقوق كما عليه واجبات نحو المجتمع الذي يعيش فيه. وبالتالي يمكن القول أن المواطنة ارتبطت باستقرار الإنسان في المدينة ـ بعيدا عن توصيف المدينة بمواص




https://fbcdn-sphotos-g-a.akamaihd.net/hphotos-ak-ash3/c0.0.843.403/p843x403/546233_488047921219759_1014584816_n.jpg (https://www.facebook.com/photo.php?fbid=488047921219759&set=a.240448735979680.67966.240445732646647&type=1&relevant_count=1)

نحلة المنتدى
10-10-2012, 11:22 PM
شكرا تسلم ايدك ع مجهودك

هيثم احمد رضوان
25-12-2012, 03:00 AM
الله يبارك لك يا اخي ويجعله الله في ميزان حسناتك
وانتظر لك المزيد

raf11111
26-12-2012, 06:36 PM
السلام عليكم ورحمة الله

جزاك الله خيرا على هذا الموضوع الهام


صاحب الموضوع ، الأعضاء الكرام

سأبدأ النقاش فى تلخيص شديد لفتح حوار هادئ

1- أنا أدعى ان هذا المقال يعارض بعضه بعضاً
2-هذا المقال دليل ساحق على عدم وجود مواطنه لدى مصدرى تلك المواطنة النظرية والمتناقضة((الغرب الليبرالى والعلمانى))
3-كالعادة يناقض محمد عابد الجابري نفسه ولا يكلف الباحث المتخصص أى عناء لكشف التعارض المنطقى فى معظم كتاباته والسبب الرئيسى انه يستقى أفكارة من اتجاه واحد فقط

raf11111
27-12-2012, 09:25 PM
المواطنة انتساب جغرافي، والهوية انتساب ثقافي. المواطنة انتساب إلى أرض معينة، والهوية انتساب إلى معتقدات وقيم ومعايير معينة.

فما العلاقة بينهما؟ نذكر فيما يلي أمثلة للعلاقات بينهما، وللمشكلات التي تثيرها هذه العلاقات، فنقول:

- الهوية لازمة للمواطنة؛ لأن المواطنين لا بد لهم من نظام سياسي، وعلاقات اقتصادية واجتماعية، وقوانين تضبط هذه العلاقات. وكل هذا إنما يبنى على معتقدات وقيم ومعايير؛ أي على هوية معينة.

- ليس الوطن الذي ينتسب إليه المواطنون هو الذي يحدد لهم نوع الهوية التي إليها ينتسبون. فالوطن الواحد قد تتعاقب عليه نظم مختلفة بل ومتناقضة. فالروس كانوا مواطنين روساً، حين كانوا ينتمون إلى الاتحاد السوفييتي، وحين كان نظامهم الاقتصادي اشتراكياً، وكان نظام حكمهم دكتاتورياً، وهم الآن مواطنون روس بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، وبعد حلول الرأسمالية محل الاشتراكية، والديمقراطية محل الدكتاتورية.

- فالهوية إذن هي النظارة التي يرى من خلالها المواطنون ما هو مناسب أو غير مناسب، صالح أو غير صالح لوطنهم. فإذا اختلفت النظارات اختلف تقويم الناظرين إلى ما ينظرون إليه، وإن اتفقوا على الحقائق الحسية.

- وإذا صح هذا فإن المواطنين مهما كان إخلاصهم لوطنهم وحرصهم على مصلحته لا يمكن أن ينظروا إلى تلك المصلحة باعتبارهم مواطنين فقط، بل لا بد أن ينظروا إليها بحسب هوياتهم. لكن بعض الناس يتوهمون أنه بإمكان المواطنين في بلد ما أن يحلوا مشكلاتهم بمجرد انتمائهم الوطني. فيقولون مثلاً: لماذا لا نجلس باعتبارنا سودانيين فقط أو سوريين فقط، أو يمنيين، أو خليجيين، أو مصريين، وننسى انتماءاتنا الدينية والأيديولوجية لنحل مشكلة من مشكلاتنا الاقتصادية؟ نعم هنالك مشكلات يمكن أن يحلها الناس حتى باعتبارهم بشراً، ودعك من أن يكونوا مواطني دولة من الدول، ولكن ما كل المشكلات كذلك، وإلا لما انتمى الناس أصلاً إلى ثقافة من الثقافات، بل نظروا إلى كل مشكلة باعتبارهم بشراً لا غير.

خذ مثلاً مشكلة (مرض الإيدز): إن الناس سيتفقون باعتبارهم بشراً وبغض النظر عن انتماءاتهم الوطنية بأنه شيء ضار؛ لأنه خطر على حياتهم وحياة أولادهم، وهم باعتبارهم بشراً حريصون على الحياة. هل يتفقون على طريقة معالجته؟ ليس بالضرورة؛ فقد يقول المتدينون ـ مسلمين كانوا أو يهوداً أو نصارى ـ إن العلاج الحاسم إنما يكون بالكف عن أية ممارسة ***ية قبل الزواج. وقد يذهب المسلم إلى القول: إن هذا يستدعي فصل الرجال عن النساء، وإلزامهن بزي معين لا يكون مثيراً للرجال. ولكن أناساً من غير المتدينين قد يرون في مثل هذه الاقتراحات حداً من الحرية، وهي في نظرهم أمر ضروري ضرورة العفة التي ينشدها المتدينون؛ ولذلك يرون الاكتفاء بالبحث عن علاج طبي لا سلوكي.

وخذ قضية أخرى يواجهها كل البشر: (كيف تكون العلاقة ال***ية بينهم؟) هل تكون *****ة يقضي كل فرد منهم حاجته مع من شاء كيف شاء؟ هل يتزوجون؟ وهل يكون الزواج بواحدة أم أكثر؟ وهل هنالك حد لهذا الأكثر؟ هذه قضايا لا يحلها الناس بمجرد انتمائهم الوطني؛ لأنه ليس في هذا الانتماء ما يهديهم إلى خيار من هذه الخيارات، أو يفرضه عليهم.

لا بد للمواطنين إذن من هوية، من ثقافة تكون هي المنظار الذي ينظرون به إلى الواقع، والمعيار الذي يقترحون به الحلول لمشكلاته.

ولكن ماذا إذا كان المواطنون في البلد الواحد منقسمين إلى ثقافات، وهويات مختلفة؟ هنالك عدة احتمالات:

- أحسنها من حيث الاستقرار وعدم التنازع: هو أن تكون إحدى هوياتهم هذه هي الغالبة من حيث عدد المنتسبين إليها. قيّدتُ الحسن بالاستقرار السياسي، وعدم التنازع ولم أقُلِ التطور العلمي، أو الاقتصادي، أو العسكري؛ لأن الهوية التي استقر أمرهم عليها قد لا تكون بطبيعتها مساعدة على ذلك.

- وإذا لم تكن هنالك هوية غالبة بهذا المعنى فقد يكون المنتمون إلى إحدى الهويات أقوى من غيرهم؛ فيفرضون على البلد هويتهم، وينظمون أمره على أساسها. هذا سيكون بالطبع على حساب بعض الحريات، لكن هذه الأدلجة المفروضة بالقوة قد تكون مساعدة على تطور البلاد اقتصادياً وعلمياً وعسكرياً، كما كان الحال في الاتحاد السوفييتي، وكما هو الآن في الصين، وكوريا الشمالية.

- وإذا لم يحدث هذا ولا ذاك، وكانت الهويات والثقافات المتعددة متساوية في قوتها فأمام مواطنيها خيارات:

- فإما أن يحلُّوا نزاعهم بتقسيم وطنهم، كما حدث للهند حين خرجت منها باكستان، ثم خرجت بنجلادش من باكستان، وكما خرجت أرتريا من أثيوبيا، وكما انقسمت شيكوسلوفاكيا، ويوشك أن تنقسم الآن أكرانيا.

- وإما أن يبحثوا عن صيغة يتعايشون بها رغم اختلافاتهم؛ فماذا يا ترى يمكن أن تكون هذه الصيغة؟

يرى بعضهم أن أحسن طريقة لتعايش مثل هذه الهويات المختلفة: هو أن تختار نظاماً علمانياً محايداً بينها، وديمقراطياً يعطى كل واحد منها حق الوصول إلى السلطة، إذا ما اختارته الأغلبية.

لكن المشكلة أنه لا يوجد نظام للحكم محايد بين هويات مختلفة اختلافاً أساسياً، ويستحيل عقلاً أن يوجد. لا يمكن أن يكون النظام الاقتصادي في البلد الواحد رأسمالياً واشتراكياً، ولا يمكن أن يكون اقتصاد السوق رأسمالياً يبيح الربا، وإسلامياً يحرمه ويفرض الزكاة، لا يمكن أن يكون النظام السياسي إسلامياً يلتزم بشرع الله باعتبار أن الحكم التشريعي له سبحانه، وديمقراطياً يعطي هذا الحق للبشر يشرعون ما شاؤوا؛ فالعلمانية هي نفسها إذن هوية من الهويات، فأنّى تكون محايدة بينها؟

ومن المتفق عليه بين منظِّري الديمقراطية من الغربيين، ودعك من عوام السياسيين من أمثال بوش: أن الديمقراطية لا تصلح ولا تكون سبباً للاستقرار إلا في إطار متفق عليه بين معظم المواطنين، ثم تكون خلافاتهم الثقافية خلافات فرعية داخل هذا الإطار العام الجامع. وأما إذا كانت الخلافات أساسية، وحول الإطار نفسه فإن الديمقراطية لن تحل إشكالاً، ولن تحقق استقراراً؛ لأنه لا أحد من المتنازعين سيقبل حلاً لمجرد أن الأغلبية التي يختلف معها قالت به.

ما الحل إذن؟ الحل في مثل هذه الحال: هو أن يجتمع المختلفون، ويبدؤوا بتقرير المبدأ الذي هم متفقون عليه: أنه من مصلحتهم جميعاً أن يبقوا في وطن واحد، ثم ينظروا إلى الكيفية التي يحققون بها هذا الهدف، من غير تقيد سابق بديمقراطية، ولا علمانية، ولا غير ذلك من النظم والأيديولوجيات الشائعة، بل يقولون: هذه أوضاعنا، وهذه خلافاتنا؛ فلنبحث عن حل أصيل لها ومتناسب معها، وهو حل يستلزم ـ ولا بد ـ قدراً من التنازلات والمساومات، وقد يكون شيئاً جديداً يستفيد من الدين ومن التجربة الديمقراطية، أو العلمانية، أو غيرها، ولا يأخذ أياً منها بكامله. هذا ما حاول فعله واضعو الدستور الأمريكي؛ فبالرغم من أن الولايات المتحدة تعد اليوم مثالاً للديمقراطية؛ إلا أن الذين وضعوا دستورها لم يكونوا ملتزمين بتجربة ديمقراطية معينة، ولا بمبادئ ديمقراطية معينة، بل كان بعضهم يخشى مما أسموه بدكتاتورية الأغلبية التي قد تؤدي إليها الديمقراطية. ولذلك جاء دستورهم شيئاً جديداً لا يمكن أن يوصف بالديمقراطي إذا ما قيس بالمبادئ الديمقراطية الصارمة. من ذلك أنه من الممكن ـ بل حدث ـ أن يكون الرئيس الفائز في الانتخابات أقل أصواتاً من منافسه. ومنها فكرة الكليات الانتخابية التي لا تقيد أعضاءها برأي ولايتهم، بل تجيز لكل واحد منهم أن يصوِّت لمن يراه صالحاً من المرشحين للرئاسة بغض النظر عن الأصوات التي نالها في الولاية.

لكن حتى هذا لم يحل الإشكال حلاً كاملاً؛ فما زال الشعب الأمريكي منقسماً في قضية العلاقة بين الدين والدولة، وما زالت الكتب فيها تكتب، والبحوث تُنشر، والقضايا ترفع، وهذا يعني أن التعددية ليست شيئاً حسناً في ذاته وبإطلاق. التعددية تكون حسنة إذا ما كانت إيجابية، وهي لا تكون كذلك إلا إذا كانت ضمن إطار ثقافي جامع؛ أي ضمن هوية جامعة. فتعددية الهويات المختلفة المتناقضة: هي مشكلة يجب أن تعالج وليست واقعاً يحافظ عليه، أو يتباهى به، كما يفعل كثير من الناس الآن في السودان وغيره؛ وذلك لأنه لا يسهل مع مثل هذه التعددية تحقيق استقرار سياسي، ولا يسهل معها من ثَمَّ تطور اقتصادي، أو علمي أو تقني. هذا هو المتوقع عقلاً، وهو الذي تدل عليه تجارب الأمم قديمها وحديثها.

قد يقال: لكن هذه هي الولايات المتحدة تتباهى بأنها أمة واحدة رغم أنها تكونت من مواطنين من أجناس متعددة، وديانات متباينة، ولغات مختلفة، وثقافات متناقضة. نعم! لكنها لم تصر أمة واحدة إلا حين صهرت هذه المكونات كلها في بوتقة، وأخرجت منها شيئاً واحداً متجانساً. يمكن لذلك أن نقول: إن التعدديات نوعان: تعددية صحن السَلَطة الذي يحتفظ كل مكون من مكوناته بلونه وطعمه وملمسه: فهذا طماطم، وهذا جرجير، وهذا عجور، وهكذا. وتعددية القِدر الذي توضع فيه كل المكونات، من لحم، وخضار، وملح، وبهارات لتطبخ إداماً واحداً ذا طعم واحد، وربما لون واحد. هذا الأخير هو الذي يقال: إن الولايات االمتحدة فعلته، إنها كما يحلو لهم أن يقولوا بوتقة melting pot جعلت من مكوناتها أمة أمريكية واحدة. يقول كاتب أمريكي: لقد كانت الأمركة عملية انسجام قسري كانت الولايات المتحدة فيها بمثابة البوتقة لا النسيج ذي الألوان والصور المختلفة. لم يكن ينظر إلى المجتمع الأمريكي على أنه قطعة من روسيا؛ قطعة من إيطاليا، وقطعة من بولندا مزج بعضها ببعض، كلا! بل إن القوميات المختلفة جُعلت أمريكية كما ينقى المعدن الخام ليصير ذهباً خالصاً. الأمركة نقتهم وأزالت خبثهم. إن أصحاب موكب حركة البوتقة لم يكونوا يحتفلون بالتسامح، ولكن بالخضوع لمفهوم ضيق للقومية الأمريكية، بتصوير الأجانب بأناس في أزياء غريبة، ينغمسون في قدر كبير، ويخرجون منه نقيين بهندام جميل، ولهجة أمريكية خالصة، ومنظر أمريكي؛ أي أمريكان إنجليز(1).

كيف يقال: إن أمريكا تؤمن بالتعددية، وهي زعيمة الغرب الذي ما زال يسعى لقتل الثقافات الأخرى، ولأن تكون ثقافته هي المهيمنة على العالم؟ اقرؤوا في هذا ـ إن شئتم ـ كتاب (إدوارد سعيد) الاستعمار الثقافي(Cultural Imperialism) ، بل إنهم ليعدون ثقافتهم جزءاً من قوتهم التي يسمونها بالقوة الناعمة أو اللينةsoft power في تقرير جديد للجنة استشارية من لجان الكونغرس فيه تقويم لسياسة الحكومة الأمريكية، ونقد لها جاء قولهم: كنا نتحدث حتى الآن على افتراض أن الهوية شأن داخلي في وطن من الأوطان، لكن الواقع ليس كذلك. فالعلاقة بين الوطن والهوية لا تكاد تكون علاقة مطابقة. وهذا يسبب مشكلات كثيرة منها:

- أنه كما أن تعدد الهويات في الوطن الواحد قد يؤدي إلى تمزيقه؛ فإن اتحاد الهويات في أوطان متعددة قد يؤدي إلى توسيع للحدود الوطنية، بضمّ بعض الأقطار إلى بعض، أو بالتعاون الوثيق بينها الذي يجعلها كالوطن الواحد، كما هو الحال الآن في الاتحاد الأوروبي.

- لكن هذا التوحيد أو التمزيق لا يحدث في الغالب إلا بطريقة عنيفة. وفي هذا يقول المؤرخ الإنجليزي (لويس ناميير): «إن الدول لا تتوحد أو تُحطم، والحدود لا تُمحى أو يعاد رسمها بالحجج وصوت الأغلبية. إن الأمم تحرر وتتوحد أو تمزق بالحديد والدم، لا بالتطبيق الكريم لمبدأ الحرية».

- بما أن مصالح المواطنين في أرض معينة لا تكاد تكون محصورة في حدود أرضهم، ولا سيما في عصرنا هذا الذي تشابكت فيه المصالح بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ العالم؛ فإن مفهوم الدولة الوطنية بدأ يتضاءل، وتحل محله تحالفات أو اتحادات بين دول متعددة. ولكن هذه التحالفات لا تنجح إلا إذا كانت مبنية على هويات مشتركة. خير مثال على ذلك (الاتحاد الأوروبي) الذي لم يجد مشكلة في ضم كل قطر ذي هوية أوروبية نوعاً ما، لكنه يتلكأ في قبول (تركيا) ذات الهوية المختلفة، بالرغم من أنها دولة علمانية، وبالرغم من أنها غيرت في كثير من قوانينها لتوافق البلاد الأوروبية.

- بما أن التطور الهائل في وسائل الاتصال جعل من كرتنا الأرضية ما يشبه الوطن الواحد فقد ازداد حجم المشكلات التي تهم الناس باعتبارهم بشراً، وبغض النظر عن أوطانهم وهوياتهم. من أوضح الأمثلة على ذلك مشكلة (الخروق) التي بدأت تحدث في طبقة الأوزون، والتي تسببت في ارتفاع درجة الحرارة في الكرة الأرضية. وقد كان من نتائج كثرة ازدياد المشكلات المشتركة بين الناس أن كثرت المنظمات العالمية كثرة ليس لها مثيل في تاريخ البشرية.

- لكن بعض الدول القوية صارت تحاول إخضاع البشرية كلها إلى قيم نابعة من هويتها، أو خادمة لمصالحها؛ بحجة أنها قضايا إنسانية عامة لا ثقافية خاصة. ومن أوضح الأمثلة على ذلك ما سمي بـ (الإعلان العام لحقوق الإنسان) الذي يقول كثير من نقاده حتى من الغربيين: إن كثيراً من بنوده لا ينطبق عليه وصف الحق الإنساني، والذي يرى بعضهم أن كثيراً منه تعبير عن ثقافة معينة هي الثقافة الغربية. بل إن بعض الجهات المؤثرة صارت تستغل الأمم المتحدة نفسها لإلزام الأمم كلها بقرارات نابعة من قيمها، ومنها قضية المرأة.

نخلص من هذا كله إلى أنه على المسلمين في بلد: كالسودان أن لا يُخدَعوا بما يقول لهم مثلاً الزعيم (قرنق) من أن علينا جميعاً أن نجتمع باعتبارنا سودانيين فحسب، وأن نجعل الدين أمراً شخصياً؛ لأن الأديان تفرقنا والوطن يجمعنا. إن قرنق لا يتحدث هنا باعتباره سودانياً فحسب، بل ولا باعتباره جنوبياً فحسب، وإنما يتحدث باسم الحضارة الغربية وقيمها.

إن تخلّي المسلمين عن دينهم في حياتهم العامة ليس استمساكاً بوطنية لا هوية فيها كما يدعي (قرنق)، وإنما هو إحلال للهوية الغربية محل الهوية الإسلامية.


--------------------------------------------------------------------------------

(*) رئيس الجامعة الأمريكية المفتوحة.

(1) The Atlantic Monthly; May 1995; Volume 275, No. 5; pages 57-67.
[line]
منقول

raf11111
27-12-2012, 09:26 PM
أ.د. جعفر شيخ إدريس

مجلة البيان العدد 189


الديمقراطية وتُنطق بالإنجليزية : دموكراسي يقول مؤرخوها الغربيون إنها تتكون من كلمتين يونانيتين هما « ديموس » أي الشعب ، و « كراتوس » أي الحكم . أما الرئيس القذافي فله رأي آخر .. الديمقراطية في رأيه تتكون من كلمتين عربيتين هما : ديمة ، وكرسي ؛ أي إن الديمقراطية هي النظام الذي يكون فيه الحاكم دائماً على الكرسي . أما الأمريطانية ونسميها بالإنجليزية أميريتانسي فلك أن تفسرها تفسيراً غربياً ؛ فتقول إنها تتكون من ثلاث كلمات هي أمريكا و بريطانيا والحكم . أو تفسرها تفسيراً قذافياً فتقول إنها تتكون من ثلاث كلمات هي أمريكا وبريطانيا والكرسي ؛ أي إن أمريكا أولاً ثم بريطانيا تريدان أن تكونا دائماً على كرسي الحكم .
يتجلى ذلك أكثر ما يتجلى في الديمقراطية التي تقولان إنهما تريدانها للعراقيين .. وكذلك الحرية .
فالإدارة الأمريكية ، وأحياناً المسؤولون البريطانيون ، يصرحون ، وأحياناً يعبِّرون بلسان الحال عن أنه بعد أن تخلَّص العراقيون من حكم صدَّام الدكتاتوري قد صاروا أحراراً يختارون لبلدهم ما يشاؤون بالطرق الديمقراطية ، فلهم أن يختاروا الدستور الذي يرتضونه لبلادهم ، لكنه يجب أن يكون دستوراً يفصل الدين عن الدولة كما هو الحال في الدستور الأمريكي ، بل يجب أن يكون العراقيون وسائر العرب و المسلمون أكثر تطوراً من الغرب في مجال العلمانية ، فدستور الولايات المتحدة مثلاً قد اكتفى بفصل الدين عن الدولة ؛ بمعنى أنه ليس للدولة أن تؤسس أو تتبنى ديناً من الأديان ، ولا أن ترعى المؤسسات الدينية ، لكنه لا يمنع من أن تكون
الدوافع السياسية دينية ، كما هو الحال في الموقف من ( إسرائيل ) . أما العراقيون وسائر العرب والمسلمين فيجب أن يذهبوا أبعد من ذلك ، يجب أن يمنعوا حتى الدوافع الدينية ، ويعاقبوا كل مسؤول أو حزب يُظهر مثل هذه الدوافع في أقواله أو أعماله ، ويجب أن لا يكتفوا كما اكتفت أمريكا بعدم تبني المؤسسات الدينية وتركها حرة تتصرف كيف شاءت في حدود القانون ، بل يجب أن تتأكد من أنها لا تعمل عملاً ينمي مثل تلك الدوافع الدينية التي تقود في النهاية إلى العمليات الإرهابية ولا سيما ضد ( إسرائيل ) .
ويجب تبعاً لذلك أن لا تكون الحكومة حكومة دينية ، ولا أن يسيطر عليها أو يؤثر فيها رجال الدين !! للعراقيين أن يسنُّوا من القوانين ما شاؤوا ، لكن بما أنهم عاشوا زماناً تحت وطأة قوانين غير ديمقراطية ؛ فسنتولى نحن لهم سن قوانين تتيح لهم الحرية ولا سيما حرية الممارسات ال***ية ، فلا يُمنع مسلم ، ذكراً كان أم أنثى ، من أن يختار الصديق أو الزوج الذي يناسبه سواء كان من ***ه أو من ال*** الآخر ، وسواء كان من دينه أو من دين آخر ، بل لا تُمنع الممارسات ال***ية بين المتراضين ، متزوجين كانا أم غير متزوجين كما هو الحال عندنا !!
سننشئ للعراق قضاء عادلاً يضمن رعاية كل هذه الحريات ، ويتولى كذلك محاكمة من ساموا العراقيين الخسف إبان حكم صدَّام .
وللعراقيين أن يختاروا حكومتهم بالطريقة الديمقراطية شريطة أن يكون الحاكم الأعلى للبلاد رجلاً ( أو امرأة ) تختاره الولايات المتحدة ليعلمهم ، ويتدرج بهم في سُلّم ممارسة الديمقراطية التي غابوا عنها سنين طويلة . كيف لا يكون للولايات المتحدة هذا الحق وهي التي أنفقت أموالها وضحَّت برجالها في سبيل تحرير الشعب العراقي من الحكم الصدَّامي الاستبدادي ؟
والعراقيون أحرار في أن يقيموا من العلاقات الدولية ما شاؤوا ، لكن دولتهم يجب أن تكون دولة موالية للولايات المتحدة ، كما يجب أن لا تكون معادية للدولة الإسرائيلية ، كيف لا وقد كان من دوافع شن الحرب على العراق الخوف من أن يكون نظامه مهدِّداً لإسرائيل ؟ أليس هذا بعض ما يقتضيه رد الجميل الذي أسدته أمريكا للعراق ؟ ولهم أن يتصرفوا في ثروتهم البترولية كيف شاؤوا ، لكن الولايات المتحدة قد تعاقدت قبل اختيارهم لحكومتهم مع بعض الشركات الأمريكية ، وأوكلت إليها الإشراف على إنتاج البترول العراقي وتسويقه ، فيجب أن يقروا ما اختاره لهم محرروهم !! ولهم أن يشرفوا على إعادة تعمير بلادهم التي اقتضت حرب تحريرهم تدميرها ، ولكن الولايات المتحدة قد اختارت لهم حتى قبل بدء الحرب شركات أمريكية مؤتمنة على أداء هذه المهمة ، فيجب أن تستمر هي الأخرى في أداء عملها حتى بعد أن يختار العراقيون حكومتهم الديمقراطية !! وسيكون العراقيون أحراراً في اختيار المناهج التربوية التي يرونها مناسبة وصالحة لأولادهم ، كما ستكون لهم حرية اختيار الفلسفة التربوية التي تناسبهم ،
لكن الولايات المتحدة قد كفتهم مؤونة هذا التعب ، وستتولى هي إعداد هذه المناهج كما فعلت بالنسبة لأفغانستان ، وستضمن لها أن تكون مبنية على فلسفة تزرع العلمانية في قلوب الدارسين ، وتقيهم شر الفتن الطائفية والاختلافات الدينية ، وستضمن لهم أن يتخرجوا بقلوب لا كراهية فيها ولا غضب على الغرب ولا على ( إسرائيل ) ، فإن الكراهية حتى لمن تعده عدواً لها هي شر ما تبتلى به أمة ، اللهم إلا إذا كانت كراهية لدينها وتاريخها وتقاليدها التي كانت كلها سبباً في تأخرها !!
ما أروع أن نرى الآلاف من العراقيين يتظاهرون في الشوارع في حرية كاملة لم تكن مكفولة لهم إبان الحكم الدكتاتوري ، نعم إن الكثيرين منهم يهتفون ضد الاحتلال ، لكنهم ما كانوا ليستطيعوا أن يهتفوا مثل هذا الهتاف لولا ما أسموه بالاحتلال ، ولذلك فسنعمل على استمرار هذا الذي هتفوا ضده ليتمكنوا من مثل هذا الهتاف !! ستكون الدولة العراقية الديمقراطية مثالاً يحتذى لبقية الدول العربية ؛ لأنها ستنفق أموالها على رفاهية شعبها فتعطي الأولوية لتوفير المواد الاستهلاكية ، ولا تبعثر ثروة البلاد في إعداد علماء ، ولا في إقامة صناعات ، ولا في امتلاك أسلحة تدمير شامل أو غير شامل ، إلا ما كان ضرورياً لمحاربة الإرهابيين الإسلاميين .
وستكون بذلك دولة محبوبة لا خطر منها على جيرانها ولا على من كانوا بالأمس القريب أعداء لها . نعم إن ( إسرائيل ) تملك أسلحة يمكن تصنيفها بأسلحة دمار شامل ، لكنها محقة في امتلاك مثل هذه الأسلحة لأنها تعيش بين قوم أشرار ، ودول مارقة لا تألوا جهداً في تهديدها ، أما هي فدولة متحضرة مسالمة ، ولا تملك على كل حال إلا أكثر من مئة قنبلة نووية !! مرحى مرحى للديمقراطية وللحرية !! وما أروعهما حين يكونان تحت سيطرة أمريكية بريطانية !!
] يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [ ( البقرة : 9- 10 ) .
] فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ [ ( المائدة : 52 ) .

raf11111
29-12-2012, 08:10 PM
منتظر ان شاء الله ..للنقاش والحوار الهادئ

ابونرمين
31-12-2012, 12:22 AM
(وأن يستشير عقله قبل أن يصغي إلى ميوله)بالفعل لا تتحقق الوطنية الحقه والصادقة إلا إذا أستعمل الإنسان عقله الناضج فى تحديد الأولويات الوطنية ،وتحرى لها سبل تحقيقها ،وطرق نشرها على كافة مستويات الفكر والتحليل والتنفيذ ،بعدها بضمير مستقر وهادىء يصغى إلى ميوله،والتى لا تبتعد عن وطنيته

مسلمة22
31-12-2012, 04:48 AM
المواطنة و حقوق الانسان دي لا تلزمنا كمسلمين ، في ديننا ما هو اعظم من ذلك ، لا يوجد دين يكرم الانسان و يحافظ علي حرياته مثل الاسلام


لكننا نخاطب العلمانيين و الليبرالين بلغتهم


الحكومة ما زالت علمانية ، فحين اطالب بحقوق الطالب التي كفلها له الشرع ، فهذا ما لا تعترف به الحكومة


لكني اطالب بها من باب حق المواطن او حقوق الانسان ، و حتى هذا لا تكفله الدولة للمواطن