مشاهدة النسخة كاملة : جمهورية قضائستان الشقيقة - د. محمد على يوسف


باسمة
17-10-2012, 08:11 PM
http://2.bp.blogspot.com/-P3xPMWNdcZU/T0J9CscVPCI/AAAAAAAAAHI/OjdYK4IKt7w/s200/a41b4_379074_189055567853136_103068629785164_37907 6_1016447201_n.jpg (http://www.blogger.com/blogger.g?blogID=1732144119506352167)سقط مبارك منذ أكثر من عشرين شهراً وسقط معه دستور1971 وبدأ الحديث عن التعديلات الدستورية، والاستفتاء عليها وهو ما تزامن مع ظهور واضح وتأثير ملحوظ للتيار الإسلامى فى الشارع السياسى، وفى نفس التوقيت تقريباً بدأت «مكلمات» الإعلام فى ترديد مصطلح الدولة الدينية، أو التعبير الأكثر نخبوية «الدولة الثيوقراطية»، ومنذ ذلك الحين لم تكف النخب العلمانية والليبرالية عن الصياح على الشاشات والصحف محذرة من تلك الدولة، ومرهبة الناس من خطورتها، دون التفات لأصوات بُحت منذ ذلك الحين إلى يومنا هذا فى بيان أن ذلك المفهوم الذى يدندنون حوله لا علاقة له بالدولة فى المفهوم الإسلامى.

حاول الإسلاميون كثيراً دون جدوى التبرؤ من اتهام قرر النخبويون إلباسهم إياه «بالعافية»، بل ومحاكمتهم عليه، وتكليفهم بدفع ثمنه الباهظ؛ مهما أكدوا أن دينهم وشريعتهم لا تعرف تلك الثيوقراطية المتمثلة فى تقديس الأشخاص، كنموذج ولاية الفقيه الإيرانى، أو كهنوت الدول الأوروبية فى العصور الوسطى والتى بلغ تسلط رجال الدين فيها حد المتاجرة بصكوك الغفران، وبيع أراضى الجنة للناس، والتحكم المطلق فى الملوك والحكام وغير ذلك من صور الثيوقراطية التى تجلت بوضوح فى قول الأبِ «جريجورى السابعِ» مخاطبا رجالَ الدين بكنيسته: ألَا فليُدْرِكِ الْعالَـم أجمع أنَّه إن كان بمقدورِكُم الرَّبْطُ والحلُّ فى السَّماء، فإنَّكُم على الأرض قادرونَ على أن تُعطوا الْـمُلْكَ من تشاءُون، وتنزعُونَه مِمَّنْ تشاءُون فى الإمبراطورياتِ والممالكِ بَلْ إنْ شئتُمْ: فى كلِ ما يمتلكُه البشر»، أو قول الأب «جلازيوس» مخاطبا الإمبراطور «انسطاسيوس الأول» قائلاً: «إِنَّ أحداً لا يمكن أن يعلو بنفسه بأساليب بشريّة، ليقارب تلك المكانة السامية للذى خاطبَه صوت المسيح وفضلَّه على الآخرين (يعنى رجال الدين)».

تلك الأقوال وغيرها يتبين منها وجود قدسية وعصمة لرجال الدين تجعلهم فى منزلة أعلى من منزلة البشر العاديين، وتجعل لهم تحكماً وسلطاناً بالحق الإلهى، وهو ما لا يُعرف أبداً فى عقيدة أهل السنة والجماعة، حيث لا عصمة إلا للوحى، ولا معصوم بعد المعصوم، ردَّد الإسلاميون طويلاً كلمة الصديق: «وُلِيت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينونى، وإن أسأت فقومونى، أطيعونى ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لى عليكم» وكلمة «الفاروق» «الحمد لله الذى جعلنى فى قوم إذا مِلتُ عدلونى» وقوله «أصابت امرأة وأخطأ عمر» وغيرها من الشواهد التى تؤكد أن عقيدة أهل السنة لا تعرف هذا الكهنوت، والتقديس؛ وأن المُقَدَس فقط هو الشرع المُنَزَل مِن عند القدوس المنزه.

لكن بلا فائدة! استمر الاتهام بالتقديس، والثيوقراطية.حتى حدثت تلك المحكات الأخيرة مع القضاء، بداية من أحكام براءة بالجملة، ومروراً بتحكمات الدستورية العليا، وأخيراً تلك المناحة التى أقيمت حينما حاول الرئيس نقل النائب العام من منصبه، فجأة تحول جُل المناهضين للثيوقراطية، والمنادين بعدم تقديس الأشخاص إلى مقدسين للقضاء ورجاله، صاروا من حيث لا يشعرون ثيوقضائيين أو قضاقراطيين أيا كان الاشتقاق الذى ترتاح إليه. إن الفارق كبير جداً بين احترام القاضى وبين إنزاله فوق منزلته، أو تقديسه وتنزيه أحكامه واعتبارها عنوان الحقيقة المطلقة كما يفعل البعض وكأن القضاة منزهون عن الزلل، أو معصومون من الخطأ؛ وهذا أمر فى غاية الخطورة، القضاة أولاً وأخيراً بشر يحكمُون بقانون وضعه بشر، يصيبهم الزلل، ويعتريهم النقص والخلل. بل حتى لو أنهم حكموا بالشرع كما نطمح وليس بالقانون الوضعى الحالى، فهم ليسوا حينئذ أيضا مقدسين، ولا معصومين؛ بل من بين كل ثلاثة منهم قاض فى الجنة، وقاضيان فى السعير كما ثبت عن البشير النذير، القضاء إنما هو آلية لتحقيق العدل وهو وسيلة بينما العدل مقصد وغاية، وكم من قاضٍ لا يقيم العدل فى ذاته قبل غيره فلا يتورع عن توظيف ولده بالواسطة كما قد يكون وُظف هو من قبل، بل ربما لا يحترم حتى قانون المرور فى سيارته داكنة الزجاج مجهرية الأرقام، ومثل هذه النماذج يفترض أن يطهر منها القضاء لا أن تفتعل لها قداسة وهمية. ليس بيننا وبين القضاة الشرفاء مشكلة فلا داعى لافتعالها بإلباسهم ثوب القدسية، والغلو فيهم بهذه الطريقة الفجة التى تحمل من ورائها أهدافاً سياسية، ومقاصد أيديولوجية واضحة جلية، ارفعوا أيديكم عن القضاة، ولا تكونوا عوناً للشيطان عليهم بإنزالهم منزلة فوق منزلتهم؛ فترسخوا بذلك لدولة ثيوقراطية من نوع جديد كهنتها المعصومون هم القضاة المقدسون! دولة قضا - قراطية داخل الدولة، بل فوق الدولة أطلقت عليها هذا الاسم الذى أراه يعبر عنها.

darch_99
17-10-2012, 09:23 PM
مقال محترم وعاقل فشكرا علي هذا المقال
واني للشعبويون ان يفهموه فضلا عن ان يقرأوه

Mr. Medhat Salah
17-10-2012, 09:34 PM
شكرا لكم علي المساهمة

أ/رضا عطيه
17-10-2012, 11:53 PM
خط بارليف جديد لعزل أغلبية الشعب عن الدنيا بعد أن تم عزلهم عن الدين بنجاح منقطع النظير


شكرا جزيلا

محمد محمود بدر
18-10-2012, 12:21 AM
اعتقد ان القضاء هذا كان ممتاز ومحترم ايام الانتخابات والاستفتاء والرئاسة ودلوقتى اصبح كخه
مش كده ولا ايه؟

باسمة
18-10-2012, 06:52 PM
الاستاذ الفاضل اقرا المقال مرة اخري وشكرا علي مرورك الكريم

باسمة
18-10-2012, 07:11 PM
الاساتذة الافاضل شكرا علي مروركم الكريم

اولاي
18-10-2012, 07:23 PM
جزالكي الله خيرا على هذا الموضوع الجميل والحقيقة أنني أرى أن قرائتك للوضع الحالي جيدو لأن القضاة فعلا يحاولون أن يخلقوا حدا فاصل بحيث لا يمكن المساس بهم لا من قريب ولا من بعيد وهذا يكون بمثابة وجود دولة قضائية داخل الدولة.
نسأل الله السلامة