آسر الصمت
22-10-2012, 05:21 PM
== معاناة يومية ==
نمت فجرا .. واستيقظت في الثامنة صباحا .. ارتديت ملابسي علي عجل .. وهذّبت شعري على مضض .. وقفت في محطة الأتوبيس وانتظرت حافلة تقلني من مدينة نصر إلى الدراسة حيث اللقاء في حديقة الأزهر ..!
الزحام يخنق .. والشمس تحرق .. والوقت يمر .. والأتوبيس بدا في الأفق وكأنه شبح هالك قادم من لعنات الجحيم .. السائق ينادي دراسة ..دراسة ..دراااسة .. !
فجأة ودون إرادة مني .. أصبحت داخل الأتوبيس أقف وسط كومة هائلة من البشر .. رائحة العرق تفوح .. هذا يدهس قدمي .. وتلك تدفعني كقطار متهور .. هذا يتسول .. وذاك يعرض بضاعته للبيع ..!
الطريق مزدحم .. العربة لا تتحرك .. الوقت يمر برتابة مزعجة .. والضوضاء تعصف بذهني الذي لم ينال حظه من النوم ..
وبعد دقائق مرت وكأنها سنوات طويلة من المعاناة .. وقبل نادي السكة الحديد .. أفرغ الأتوبيس الكثير من حمولته من اللحوم البشرية حتى وكأنه بدا أشبه بأتوبيس أدمي على غير العادة .. وجدت متسعا للجلوس برهة .. وأخرجت المجلة التي أحضرتها معي أملا في أن أتصفح ورقاتها ..!
تحرك الأتوبيس .. وبدأت في قراءة مقال عن الراحل أمير الشعراء : أحمد شوقي .. وبدأ الأتوبيس يعيد شحن البشر من جديد .. رأيت إحداهن تعاني من الوقوف .. فأجلستها في مقعدي بدلا مني .. راحت المرأة تدعو لي وتثني عليّ بكل كلمات الشكر والإطراء وكأني فعلت غير ما يفعله أي رجل حر عادة ..!
تجول بنا الأتوبيس بين مقابر القاهرة في عصر كانت فيه القاهرة قاهرة .. أما في عصرنا التي تبدو فيه القاهرة مقهورة ..فتلك المقابر أفضل وأصح للسكن الآدمي عن هذي البيوت التي نسكنها ونعيش فيها على أنها منازل سكنية..!
أوقفت القراءة وأمعنت النظر في الطريق .. الرصيف متهالك .. والباعة يفترشون الطريق .. أحدهم قد أقام معرضا لبيع المواشي والخرفان بمناسبة عيد الأضحى .. في وسط الشارع ولا حرج .. ورائحة فضلات الحيوانات تعبر عن نفسها بكل قوة ..!
رجل بائس ينام علي الطريق .. ملابسه متمزقة .. ويغطي شعره وجهه .. مظهره باختصار يدل علي مدى الأزمة الإنسانية التي يعاني منها هذا المجتمع .. امرأة عجوز تبيع المناديل .. وطفلة تجلس بجوارها وتقرأ في كتاب مدرسي ..!
وذلك هذا الذي يعبث في صناديق القمامة .. في البداية ظننته يبحث عن شيء ليأكله .. ولكن بعد لحظات عرفت أنه يجمع المخلفات الورقية والبلاستيكية .. ليبيعها في سوق الخردة .. فتوفر له القليل من الأموال .. القمامة تملأ الشارع طولا وعرضا .. والبيوت والعمارات تفتقر إلي أي إشارات إنسانية .. فقط عبارة عن تكتلات خرسانية مقيتة ..!
وجوه الناس غابرة عابثة .. يعلوها اليأس .. ويشغلها البحث عن كسرات الخبز .. الوجوه البشرية في بلادي يعوزها الفرح وينقصها الأمل وتفتقر إلي أية ملامح سعادة .. !
جربت أن ألوح بيدي لشاب أفريقي يعبر الطريق .. حاولت أن أتحدث لفتاة جميلة تقف بجواري .. فتصرفت وكأني حاولت التحرش بها .. لم أستسلم .. بل ابتسمت لرجل عجوز مداعبا إياه .. أشعري الطويل هذا أجمل أم شعيرات رأسك؟! .. ابتسم الرجل ابتسامة حزينة للغاية .. وحدثني بلطف غير معهود .. أنت أجمل وأرق يا ولدي .. حاولت أن أبتسم لسيدة أنيقة تعبر الطريق بينما الأتوبيس يقف في إشارته الحمراء فلم تعيرني انتباها .. !
طفل صغير يركب الأتوبيس حاملا شنطته المدرسية التي أحنت ظهره من فرط ما فيها من كتب جوفاء .. أوجدت له مكانا بجانبي .. وصرنا نتبادل الحديث .. وكأننا أصدقاء منذ سنوات وسنوات ..
وأخيرا .. وصلت إلي محطتي .. الحسين .. ودعت الطفل وقبلته .. فخاطبني بكل رقة .. ( عمو .. عمو .. انا بركب الأتوبيس دا كل يوم وأنا رايح المدرسة .. أنا اسمي محمود وعايز أشوفك تاني يا عمو ) ..لوحت له بيدي وانصرفت ..!
نظرت في الساعة .. الساعة التاسعة وخمسة عشر دقيقة .. لقد تأخرت عن موعدي خمسة عشر دقائق كاملة .. تبا .. أنا مجبر إذن على ركوب التاكسي .. أوقفت تاكسي قادم وركبت بجوار السائق .. حديقة الأزهر من فضلك .. السائق يحدثني بلغة انجليزية ركيكة معبرا عن سعادته وسعادة كل المصريين بقدومي إلى مصر .. !
أجبت السائق .. رغم أني مصري ال***ية .. ورغم أني لم أفارق مصر مطلقا .. إلا أني سعيد جدا لسعادة المصريين بقدومي إلى مصر
استولى السائق على نصف ما جيبي من نقود تقريبا .. وهنا فهمت سر حديثه بالإنجليزية .. مؤشر الساعة تعدي حاجز التاسعة والنصف .. تبا ..
دخلت الحديقة .. بحثت عن صديقتي .. لم أجدها في المكان المتفق عليه .. لا بد أنها لم تصل بعد .. اتصلت بها هاتفيا .. أجابتني " حليم أنا لسه داخلة القاهرة حالا .. الطريق كان مقفول جدا .. وكمان عربيتي عطلت بعد لما طلعت من اسكندرية .. "
وبعد وقت طويل .. أتت صديقتي وكأنها قادمة من أدغال أفريقيا .. وطبعا أخبرتها أني حضرت إلى لقاءها منذ الثامنة والنصف صباحا .. :d
"حليم"
نمت فجرا .. واستيقظت في الثامنة صباحا .. ارتديت ملابسي علي عجل .. وهذّبت شعري على مضض .. وقفت في محطة الأتوبيس وانتظرت حافلة تقلني من مدينة نصر إلى الدراسة حيث اللقاء في حديقة الأزهر ..!
الزحام يخنق .. والشمس تحرق .. والوقت يمر .. والأتوبيس بدا في الأفق وكأنه شبح هالك قادم من لعنات الجحيم .. السائق ينادي دراسة ..دراسة ..دراااسة .. !
فجأة ودون إرادة مني .. أصبحت داخل الأتوبيس أقف وسط كومة هائلة من البشر .. رائحة العرق تفوح .. هذا يدهس قدمي .. وتلك تدفعني كقطار متهور .. هذا يتسول .. وذاك يعرض بضاعته للبيع ..!
الطريق مزدحم .. العربة لا تتحرك .. الوقت يمر برتابة مزعجة .. والضوضاء تعصف بذهني الذي لم ينال حظه من النوم ..
وبعد دقائق مرت وكأنها سنوات طويلة من المعاناة .. وقبل نادي السكة الحديد .. أفرغ الأتوبيس الكثير من حمولته من اللحوم البشرية حتى وكأنه بدا أشبه بأتوبيس أدمي على غير العادة .. وجدت متسعا للجلوس برهة .. وأخرجت المجلة التي أحضرتها معي أملا في أن أتصفح ورقاتها ..!
تحرك الأتوبيس .. وبدأت في قراءة مقال عن الراحل أمير الشعراء : أحمد شوقي .. وبدأ الأتوبيس يعيد شحن البشر من جديد .. رأيت إحداهن تعاني من الوقوف .. فأجلستها في مقعدي بدلا مني .. راحت المرأة تدعو لي وتثني عليّ بكل كلمات الشكر والإطراء وكأني فعلت غير ما يفعله أي رجل حر عادة ..!
تجول بنا الأتوبيس بين مقابر القاهرة في عصر كانت فيه القاهرة قاهرة .. أما في عصرنا التي تبدو فيه القاهرة مقهورة ..فتلك المقابر أفضل وأصح للسكن الآدمي عن هذي البيوت التي نسكنها ونعيش فيها على أنها منازل سكنية..!
أوقفت القراءة وأمعنت النظر في الطريق .. الرصيف متهالك .. والباعة يفترشون الطريق .. أحدهم قد أقام معرضا لبيع المواشي والخرفان بمناسبة عيد الأضحى .. في وسط الشارع ولا حرج .. ورائحة فضلات الحيوانات تعبر عن نفسها بكل قوة ..!
رجل بائس ينام علي الطريق .. ملابسه متمزقة .. ويغطي شعره وجهه .. مظهره باختصار يدل علي مدى الأزمة الإنسانية التي يعاني منها هذا المجتمع .. امرأة عجوز تبيع المناديل .. وطفلة تجلس بجوارها وتقرأ في كتاب مدرسي ..!
وذلك هذا الذي يعبث في صناديق القمامة .. في البداية ظننته يبحث عن شيء ليأكله .. ولكن بعد لحظات عرفت أنه يجمع المخلفات الورقية والبلاستيكية .. ليبيعها في سوق الخردة .. فتوفر له القليل من الأموال .. القمامة تملأ الشارع طولا وعرضا .. والبيوت والعمارات تفتقر إلي أي إشارات إنسانية .. فقط عبارة عن تكتلات خرسانية مقيتة ..!
وجوه الناس غابرة عابثة .. يعلوها اليأس .. ويشغلها البحث عن كسرات الخبز .. الوجوه البشرية في بلادي يعوزها الفرح وينقصها الأمل وتفتقر إلي أية ملامح سعادة .. !
جربت أن ألوح بيدي لشاب أفريقي يعبر الطريق .. حاولت أن أتحدث لفتاة جميلة تقف بجواري .. فتصرفت وكأني حاولت التحرش بها .. لم أستسلم .. بل ابتسمت لرجل عجوز مداعبا إياه .. أشعري الطويل هذا أجمل أم شعيرات رأسك؟! .. ابتسم الرجل ابتسامة حزينة للغاية .. وحدثني بلطف غير معهود .. أنت أجمل وأرق يا ولدي .. حاولت أن أبتسم لسيدة أنيقة تعبر الطريق بينما الأتوبيس يقف في إشارته الحمراء فلم تعيرني انتباها .. !
طفل صغير يركب الأتوبيس حاملا شنطته المدرسية التي أحنت ظهره من فرط ما فيها من كتب جوفاء .. أوجدت له مكانا بجانبي .. وصرنا نتبادل الحديث .. وكأننا أصدقاء منذ سنوات وسنوات ..
وأخيرا .. وصلت إلي محطتي .. الحسين .. ودعت الطفل وقبلته .. فخاطبني بكل رقة .. ( عمو .. عمو .. انا بركب الأتوبيس دا كل يوم وأنا رايح المدرسة .. أنا اسمي محمود وعايز أشوفك تاني يا عمو ) ..لوحت له بيدي وانصرفت ..!
نظرت في الساعة .. الساعة التاسعة وخمسة عشر دقيقة .. لقد تأخرت عن موعدي خمسة عشر دقائق كاملة .. تبا .. أنا مجبر إذن على ركوب التاكسي .. أوقفت تاكسي قادم وركبت بجوار السائق .. حديقة الأزهر من فضلك .. السائق يحدثني بلغة انجليزية ركيكة معبرا عن سعادته وسعادة كل المصريين بقدومي إلى مصر .. !
أجبت السائق .. رغم أني مصري ال***ية .. ورغم أني لم أفارق مصر مطلقا .. إلا أني سعيد جدا لسعادة المصريين بقدومي إلى مصر
استولى السائق على نصف ما جيبي من نقود تقريبا .. وهنا فهمت سر حديثه بالإنجليزية .. مؤشر الساعة تعدي حاجز التاسعة والنصف .. تبا ..
دخلت الحديقة .. بحثت عن صديقتي .. لم أجدها في المكان المتفق عليه .. لا بد أنها لم تصل بعد .. اتصلت بها هاتفيا .. أجابتني " حليم أنا لسه داخلة القاهرة حالا .. الطريق كان مقفول جدا .. وكمان عربيتي عطلت بعد لما طلعت من اسكندرية .. "
وبعد وقت طويل .. أتت صديقتي وكأنها قادمة من أدغال أفريقيا .. وطبعا أخبرتها أني حضرت إلى لقاءها منذ الثامنة والنصف صباحا .. :d
"حليم"