مشاهدة النسخة كاملة : انتفاضة جرح قصيدة للشَاعر/ هشام فتحي


abomokhtar
22-10-2012, 09:19 PM
تقديم / هشام النجار
"ليل، وهذا الحلم يأتيني، وأبحثُ عن منام"
الحلم يؤرق الفارس.. يا تُرى أي حلم؟!!
وقبل السؤال عن الحلم.. فأي ليل الذي يبحث الفارس المؤرَق له عن نهار؟!!
لن تطول الحَيْرة ونحن نجُوب دُروب القصيدة.. نسمع صَوت السَلاسِل.. ونرى العذاب شاخصاً مُجسداً..فماذا تريد تعبيراً أخلص وأصْدق وأكثر استفزازاً للغضب والألم من رجل يطلب النوم فلا يجده.. ويفترشُ الأسى ويتقلب على خارطة الترقب والحذر.. في مواجهته المصيرية مع عُتاة إمبراطورية الخوف والرعْب.
ليل .. وسرعان ما نكتشف أنه ليلُ الخوف.. ولكل فاجعة ومصيبة ورزية ليل.. ولكل ليل نهاية.. وإذا ذُكر الليل تشوقت القلوب للفجر وتطلعت الهمم للنهَار .
ينعَى الشاعر على السُكونية والسلبية والخنوع.. فالاستسلام لزبانية الرعب يحولهم إلى آلهة.. والمفردات والتفاصيل الصغيرة تراقب المشهد وترقب المواجهة وتتفاعل مع الأحداث حتى كادَ ينفجر زيت المصباح من وَهج غضبه وانحيازه للمظلوم المُسْتكين "من مرفأ الأحلامِ .. من عبثِ المدارْ .. من غفلةِ القنديلِ .. والزيتُ العتيقُ به .. على وشكِ انفجارْ " !
لكن تلك مواجهة يخسر فيها حتماً المستكين المهزوم نفسياً غير الواثق من إمكانياته وقدراته.
وإذا كان صاحب القضية هكذا مُرتعشاً منزوياً سَاكتاً.. فكيف يأتي النصر.. ولمن يأتي ومن يفرح به ويهلل "فلمن يجئ الفجرُ والإشراقُ والشمسُ.. إنْ كان في زمنِ الكلامِ.. مضى يغتالنا الهمسُ.. فلمن يجئ؟" .
هنا تأتي المبادرة من رحم الشجاعة وتاريخ صناعة البطل.. فإذا كان كل شيء خانع مستسلم.. فلا مفر من المغامرة وخروج أحد الرجال لملاقاة حتفه في حضن الحرية.
لا مفر.. فالناس يئسوا من كل شيء ووضعوا أملهم في ذاك البطل وراحوا يهتفون له "عاش البطل" .
لا مفر فالظلم طاغ وجَحَافل السلطان تسْرح في البوادي والحضر.
لا مفر فالوطن يضيع.. والطاغية يبيعه ويبيع ثرواته وأحلام شعبه وأمنياته في مزادات العالم وأسواقه.. كما بيعت أوطاننا كلها.. يفعل ذلك وهو يحْبس أشواق الناس في زنازين السَخف والتفاهة والسطحية.. ويحبس إرادة التغيير في زنازين الرعب تحت الأرض فئ أقصى الغدر والوحشية .
الهدف واضح ومعلومة تفاصيل المواجهة.. وما يريده البطل هناك تحت أقدام الوحوش الضارية.. ولن يقوم أحد بالمهمة المستحيلة أحد غيره.. ذلك البطل العقائدي الاستشهادي الذي لا تحركه دنيا ولا تناوره مصلحة.. إنما تطغى تطلعاته الفوقية وتعلو به أشواقه العليا فوق الخوف والرقود والخمول والتردد والكسل .
إنها انتفاضة التغيير التي لا تحتمل التأجيل.. وهزيمة الخوف التي لابد منها لتخرج الجموع الحبيسة لصناعة الفجر واستقبال صباح الحرية.
"ليْل".. قصيدة تحريضية ضد الخوف وزبانيته.. تستحق الحفظ واصطحابها كمخزون استراتيجي فني ولغوي وبياني في مشوار المواجهة مع الخوف.. كلماتها ترُج وتخُض القائمين على إمبراطوريات الخوف في كل مكان.. وتدفع في اتجاه السمُو الإنساني والانعتاق والحرية.
قصيدة " ليل "
للشاعر/ هشام فتحي
ليلٌ
وهذا الحلمُ يأتيني
وأبحثُ عن منامْ
طال افتراشي للأسى
والسهدُ يهتفُ بي حرامْ
ووسادتي في غمرةِ الحجراتِ
في غسقِ الدجى
تتلو مراسيم الملامْ
الآن في الطرقاتِ صوتً سلاسلٍ
وخريطةٌ صماءُ في وسطِ الجدارْ
انأ والجدارُ
وهدأةُ الأسحارِ
نبحثُ عن نهارْ
من سدةِ الليلِ الطويلِ
من مرفأ الأحلامِ
من عبثِ المدارْ
من غفلةِ القنديلِ
والزيتُ العتيقُ به
على وشكِ انفجارْ
وتناثرُ الندباتِ
في وجهِ المرايا السودِ
حول الغرفةِ الثكلى
هي الأخرى
يدانيها انشطارْ
فلمن يجئ الفجرُ
والإشراقُ
والشمسُ
إنْ كان في زمنِ الكلامِ
مضى يغتالنا الهمسُ
فلمن يجئ ....
وكل أفواه السنا
يا حلمنا .. خرسُ
النائمون على ركام مدينتي
وجحافلُ السلطانِ تسرح
في البوادي والحضرْ
هم يقرأون الخوفَ
في عبثِ العناكبِ بالشجرْ
خلف الغروبِ
وتحت أكوامِ الرمادِ
وبين أروقةِ الخطرْ
وتثاءبت تلك البيوت
وسائلٌ أين البشرْ!!
القابضون على زمامِ مدينتي
وبكل قارعةٍ إلي السجنِ ممرْ
في البحرِ ألفُ سفينةٍ حيرى
وغربان على طول الشراعْ
والناس تهتف في سرابيل الأسى
عاش البطلْ.....
وطنٌ هنا
وهناك كم وطن يباعْ
وشْمُ الشظايا
في جبين الناسِ
في كبد الجياعْ
النيل مسجورٌ
علي حافاتِه الثكلى
وفي أحشائه يجترُ قاعْ
قد طال بحثُك
عمَّ تبحث
تحت أقدامْ السباع
من ذا سيوهبك الحياة
إذا أتتك وأنت
في الصمت الوفاة
من ذا يجيبك
إن وقفت على رفات
الصامتين تقول (حي على النجاة)
من ذا سيقرضك القريض
إذا ولجت البحر
والكلمات
تهرب في الدواة
من ذا سيقرضك الوجود
وأنت تهرب
للقبور وتسأل الموتى الحياة
وإلى متى سيظل يزرعك السكون
ويفتديك الصمت
تبيتُ تحصدك المناجلُ
في دياجير الفلاة
الآن
حيَّ على النجاة
اركض وراء الفجر
واستبق البكور
الآن
تنتفض الغداة