مشاهدة النسخة كاملة : تطبيق الشريعة بين الجحود والعجلة


abomokhtar
09-11-2012, 10:00 AM
بقلم د/ ناجح إبراهيم
تطبيق الشريعة الإسلامية في مصر هو الأمل الذي تهفو إليه نفوس المسلمين طويلا ً.. ومن أجله كافحت المسلمون عامة والحركات الإسلامية خاصة.. وهو الذي قدمت من أجلها الأجيال الإسلامية المتتابعة من دعاة وأبناء الحركات الإسلامية والعلماء والدعاة وعوام المسلمين دماءها وأوقاتها وحرياتها.. وهو الذي انتظره الصالحون زمنا ً طويلا ً .. وهم يأملون أن يتحقق قريبا ً .
ولكن المؤلم الآن أن شعار تطبيق الشريعة تحول إلي مادة للصراع السياسي بين القوى السياسية المتناحرة بدلا ً من أن يكون مادة تجتمع عليها القلوب وتخشع عندها النفوس.
وقد ساعد على ذلك أن بعض الذين يحملون لواء التطبيق الفوري للشريعة لا يعجبهم أحد ولا يرضون عن أحد.. بدء ً من د/ مرسي رئيس الجمهورية الحامل للقرآن والذي وعد مرارا ً بتطبيقها .. ومرورا ً بالأزهر وعلمائه ودعاته العظام.. وانتهاء ً بكل من يريد التدرج أو التأني في التطبيق حتى يتم على وجه صحيح يحبب الناس في الشريعة ولا ينفرهم منها.
وبعض هؤلاء ليسوا من أهل العلم أو الفقه أو البذل والعطاء أو التجربة في مثل هذه القضايا الشائكة.. وهم يطلقون تصريحات متشنجة تضر مشروع الشريعة أكثر مما تنفعه.. وبعضها يثير فزعا ً وهلعا ً من الشريعة بدلا ً من طمأنة الآخرين الذين يحبون الإسلام ويرغبون في الشريعة.. ولكنهم يريدون أن يطمأنوا إلي طريقة التطبيق وسلامته.
وكان من الأولى أن يتصدر المشهد في أمر تطبيق الشريعة العلماء والحكماء والفقهاء وأهل القانون وعلوم الشريعة.. بدلا ً من بعض الذين ينفرون الناس من الشريعة صائحين هائجين.. وكأنهم يقولون لعوام الشعب المصري "لقد جئناكم بالذبح" .. وهنا أود أو أوضح النقاط الآتية:
1- تطبيق الشريعة الإسلامية واجب على كل مسلم ومسلمة .. مادام المسلم قد رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد (صلى الله عليه وسلم) نبيا ً ورسولا .
2- لا بد من التدرج في تطبيق الشريعة .. فالتدرج سنة ماضية في الكون ومن اصطدم بها دق عنقه .. والتدرج لا يكون في الحلال والحرام.. ولكنه يكون في تطبيق الأحكام على أرض الواقع.
3- تطبيق الشريعة الإسلامية على الأفراد والمجتمعات يكون حسب وسعها.. فكما أن لكل فرد طاقة ووسع ومقدرة فلكل مجتمع وسع وطاقة ومقدرة.. وكما أن الله قال في حق الأفراد " لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا".. فيمكننا القول أنه " لا يكلف الله مجتمعا ً إلا وسعه وطاقته وقدرته".
4- والوسع المجتمعي في تطبيق الشريعة من القضايا الهامة التي غفل عنها الكثير ممن يتصدون لقضية تطبيق الشريعة الإسلامية.. وأول من نبه إلي قضية الوسع المجتمعي هو الرسول ( صلى الله عليه وسلم) الذي أدرك بنبوته وعبقريته طبائع وثقافات وإمكانيات المجتمعات المختلفة.. فقد قال ( صلى الله عليه وسلم) للسيدة عائشة رضي الله عنها وكأنه يستودعها قضية الوسع المجتمعي " يا عائشة لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لهدمت الكعبة ثم بنيتها على قواعد إبراهيم عليه السلام ".
لقد أدرك (صلى الله عليه وسلم) أن الوسع المجتمعي لأهل مكة لا يقبل ولا يتسع لهذه الخطوة التصحيحية التي يريدها وقد يفهمونا فهما ً خاطئا ً .. وذلك كله رغم أنه كان وقتها جامعا ً بين رياسة الدين والدولة .. أي خاتما ً للمرسلين ورئيسا ً للدولة معا ً .
5- وحينما أسلمت ثقيف بعد حرب طويلة ومفاوضات شاقة وكر وفر وكانت مشهورة بعنادها قالت: " لن نتصدق (الزكاة) ولن نجاهد" .. فقبل منهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لأنه أدرك أن ذلك هو وسع مجتمعهم الحالي.. وأن عنادهم وكبرهم يأبي عليهم قبول الإسلام دفعة واحدة .. وحينما عجب الصحابة لذلك قال : سيتصدقون ويجاهدون .. وبعدها تصدقوا وجاهدوا.. بل رفضوا أن يرتدوا عن الإسلام بعد وفاة الرسول ( صلى الله عليه وسلم) كما ارتد غيرهم.
6- الشريعة الإسلامية أكبر من أن تكون مجرد كلمات في دستور أو بنود قانونية مكتوبة.. فالشريعة الإسلامية موجودة في مصر قبل نشأة الدساتير .. وستكون موجودة حتى لو لم تكتب في الدستور.. رغم أهمية كتابتها فيه .
7- الشريعة الإسلامية مكانها الطبيعي والأصلي هو القلوب والنفوس والضمائر.. ولو أنها كتبت في كل مواد الدستور وكل القوانين ولم تكن موجودة في النفوس والضمائر والقلوب لما كانت هناك قيمة لهذه الدساتير والقوانين ولراغ الناس منها روغان الثعلب الماكر .. وهذا يحدث الآن في قوانين المواريث الشرعية فلا يورثون البنات شيئا ً ويتحايلون على القانون.. ويفعلون ذلك أيضا ً مع قانون الأحوال الشخصية وهو مستمد أيضا ً من الشريعة الإسلامية.
8- هناك اعتقاد خاطئ لدى الكثيرين أنه بمجرد كتابه " أن الشريعة هي المصدر الرئيسي للقوانين " سيحل الخير ويذهب الشر .. وتأتي الطهارة ويذهب الفساد .. وينتهي الزنا ويأتي العفاف دون أن تلوث إصلاح حقيقي وجذري للنفوس والقلوب والأفئدة والضمائر التي تلوثت وتعودت على الحرام الحقيقي وألفته وأصبح معتادا ً لديها .. إن الجهاد الحقيقي يقع على الدعاة والمصلحين والمربين وبعدها يأتي دور القوانين.. فكل من أقيم عليهم الحد أيام الرسول (صلى الله عليه وسلم) جاءوا إليه طواعية ومن تلقاء أنفسهم رغبة في التطهر وتقربا ً إلي الله .. ولم يكونوا مثل بعض المصريين الذين يروغون من العدل والقوانين روغان الثعلب.
9- مسئولية تطبيق الشريعة تقع على المجتمع وعلى الحكومة معا ً .. والجزء الأكبر فيها يقع على عاتق المجتمع .. والأقل يقع على عاتق الحاكم .. فالعبادات والأخلاق والشعائر والمعاملات تقع على عاتق المجتمع ولا تحتاج لقوانين خاصة.. أما الذي يقع على عاتق الحاكم والحكومة فهو الحدود والتعزيزات وقضايا الأمن الداخلي والخارجي والعلاقات الدولية "أي الأحكام السيادية والسياسية ".
10- تطبيق الشريعة الإسلامية إذا ً يحتاج إلي إرادة مجتمعية من المجتمع وإرادة سياسية من الحكومة.. وبدون هاتين الإرادتين لن يكون للشريعة مكان حقيقي على أرض الواقع في مصر .