مشاهدة النسخة كاملة : التحدي


Best In World
13-11-2012, 07:42 PM
كلنا يعرف قوله تعالي " أتستبدلون الذي هو أدني بالذي هو خير" , لكن بعد أن تقرأ هذا المقال ستعرفه بشكل آخر .
فالمعني الواضح الجلي الذي يصل للمرء عند تلاوة تلك الآية هو أن الناس يستبدلون خيار الأمور بشرورها , فهم يبدلون الخير بالشر , والبر بالإثم , والفضل بالنقصان . لكن المعني الشامل الذي يريد الله أن نتعلمه من تلك الآية هو أن الناس يضعون الأمور في غير نصابها , ومن تلك الأمور : التحدي .
فالله – عزوجل – قد خلق في الإنسان صفة التحدي ؛ لكي يمنحه القدرة علي إعمار الأرض وتحقيق ذاته وعبادته سبحانه , لكن بدل أن يتحدي الإنسان عصره وظروفه وواقعه وشهواته ونفسه أيضاً لكي يحقق الغاية التي من أجلها جُعلت فيه تلك الصفة , يتحدي الإنسان ربه الذي جبله وأنعم عليه وأكرمه !
فجل الناس يتحدون ربهم ، بكفرهم به أو بمعصيتهم له أو بتركهم لفرائضه أو بجحودهم بنعمه .
فالكافر يتحدي ربه ولا يبالي ظناً منه أنه في مأمن من بطش ربه , لكن ربه يمهل ولا يهمل , يقول تعالي : " فمهل الكافرين أمهلهم رويدا " .
والعاصي يتحدي ربه بمعصيته له , فالله –عز وجل- قد أمر الإنسان أن ينتهي عن أشياء معينة ، فإذا لم ينته الإنسان عنها فهو يتحدي ربه بمعصيته أوامره .
والتارك ما فرضه عليه ربه متحد له , فالتارك صلاته أو زكاته أو صيامه كافر باجتماع العلماء , فهو يتحدي ربه لأنه أُمر ولكن لم ينفذ ما أُمر به .
والجاحد بنعمة ربه عليه متحد له , فهو أينما ينظر يري نعم الله حوله , ولكنه مع ذلك يأبي , فهو يتحدي ربه الذي أنعم عليه ومع ذلك لم يشكره بل يجحد بتلك النعم , والجحود بالنعمة كفر , يقول تعالي علي لسان سليمان : " ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم " .
أما إذا كان التحدي في موضعه , فإنه يساعد الإنسان علي تحقيق ذاته ومن ثم إعمار الكون من حوله .
فالتحدي يعني الصبر والمواجهة , وإذا تدبرنا ديننا وتاريخنا نجد أن الصبر دائما ما ينتهي بالنصر والتثبيت والفلاح , قال الله سبحانه وتعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " , وقال تعالي : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بْالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ " , وقال أيضا : " إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ " , وقال صلي الله عليه وسلم : (وَاعْلَمْ اَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَاتَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا وَاَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَاَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ وَاَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا‏ ) .
فالحياة معركة حربية كبري , كر وفر ، والكر هو المواجهة والصبر هو الفر , فهي معركة عنوانها التحدي .
عليك أن تتحدي نفسك أولا قبل أن تتحدي المصاعب ، فالنفس هي التي تثبط صاحبها ، ولن تقدر علي تحدي نفسك أو مشاكلك إلا إذا أقنعت نفسك بقوتك , ووثقت فيما وهبك الله من ملكات وقدرات , فالثقة هي التي تولد النجاح , والثقة هي أول طريق التحدي بل هي منتهاه .
ولكي يتمكن المرء من زرع ثقته بذاته وضع خبراء التنمية البشرية له قواعد خمس لبرمجة العقل الباطن وهي :
1- يجب ان تكون رسالته واضحة محددة .
2- يجب ان تكون رسالته ايجابية مثل : "انا قوي ، انا سليم ، انا استطيع الامتناع عن ....." .
3- يجب أن تدل رسالته علي الوقت الحاضر مثال : لا تقول " أنا سوف أكون قوياً " بل قل " أنا قوي " .
4- يجب أن يصاحب رسالته الإحساس القوي بمضمونها حتي يقبلها العقل الباطن ويبرمجها .
5- يجب أن يكرر الرسالة عدة مرات إلي أن تتبرمج تماما .
ومن أروع قصص التحدي ودوره في صنع البشر قصة العالم المصري أحمد زويل والذي زرع في نفسه فكرة كونه عالما منذ نعومة أظافره , حتي أن أهله كانوا ينادونه ( دكتور / أحمد ) وكان يعلق لافتة علي باب غرفته ( غرفة الدكتور / أحمد زويل ) , وحينما كبر واجهته الظروف المثبطة المحبطة , ولكنه صبر وتحدي ظروفه وصار أعظم علماء عصره ..!
لذا ... فعليك أن تضع تحديك في موضعه الصحيح , الموضع الذي يصقل شخصيتك ويصنع ذاتك , وليس الذي يلقي بك في غياهب الكفر والفشل .
تنكر لي دهـــــري ولم يدر أنني
أعز وأحداث الزمان تهــــــــون
فبات يريني الخطب كيف اعتداؤه
وبت أريه الصبر كيف يكـــــون


مصطفي عيد