aymaan noor
24-11-2012, 11:11 PM
تداعيات إصدار الرئيس مرسي لإعلان دستوري في مصر
http://www.rcssmideast.org/media/k2/items/cache/7884581148e30ccb73a24dfa45b62e09_L.jpg
محمد عبد الله يونس
أحكم الرئيس محمد مرسي سيطرته على إدارة استحقاقات المرحلة الانتقالية الممتدة بإصدار إعلان دستوري قيَّد من خلاله سلطة المحكمة الدستورية العليا في مراجعة قراراته، والتشريعات التي يصدرها، أو حل الجمعية التأسيسية أو مجلس الشورى، فضلا عن إقالة النائب العام بما أجج الجدل المحتدم حول التوازن بين المحاسبة والرقابة على صلاحيات الرئيس من جانب، والوفاء بالاستحقاقات الثورية، وخاصةً محاكمة المتهمين بقتل شهداء الثورة من جانب آخر، وهو ما يُثير تساؤلات حول دلالات القرارات الرئاسية، وأبعاد الجدل المستحكم حول مآلات المرحلة الانتقالية على إثر تلك القرارات.
سياقات تصعيدية:
لا يفصل الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس مرسي عن السياقات المعقدة والاستقطاب المحتدم بين التيارات الإسلامية بروافدها الإخوانية والسلفية من جانب والتيارات المدنية بروافدها الثورية والمحافظة من جانب آخر، وتمثلت أبرز أركان التناقضات السياسية الحاكمة للمشهد السياسي قبيل الإعلان الدستوري فيما يلي:
- انسحاب غالبية ممثلي التيارات الليبرالية والاشتراكية وممثلي الكنيسة والنقابات العمالية والمحكمة الدستورية العليا بالجمعية التأسيسية للدستور، وبعض أعضاء اللجنة الاستشارية للجمعية التأسيسية بما يوازي 30% من أعضائها تقريبًا، على رأسهم المرشح الرئاسي عمرو موسى ود. وحيد عبد المجيد ود. محمد أبو الغار والمستشار بهاء الدين أبو شقة، وتحالَفَ المنسحبون لتشكيل جبهة وطنية لصياغة دستور موازٍ بمشاركة كافة القوى الوطنية.
- احتدام الخلافات حول مسودة الدستور لا سيما المواد التي توسع من مفهوم الشريعة الإسلامية لتشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة لاعتبارهم إياها تضع مؤسسات الدولة الديمقراطية تحت ولاية الفقيه، والمادة 75 التي تقيد ممارسة جميع الحقوق والحريات بعد التعارض مع مقومات الدولة والمجتمع والمواد 7 و10 و11 التي تسمح للمجتمع والأفراد بالتدخل لحماية القيم والأعراض والآداب العامة، وهو ما اعتبره البعض مدخلًا لفرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالعنف.
- تفجر الاشتباكات في محيط ميدان التحرير في ذكرى أحداث محمد محمود، وشهدت تلك المواجهات سقوط أحد المنتمين لحركة 6 إبريل وعشرات الجرحى في اشتباكات بين قوات الأمن والمتظاهرين، فضلا عن حرق مقر قناة الجزيرة مباشر مصر بالقرب من ميدان التحرير، وتعرض مبنى الجامعة الأمريكية لمحاولات اقتحام من جانب بعض المتظاهرين.
- احتدام التحريض المتبادل بين مؤيدي الإخوان المسلمين ومعارضيهم عقب حادث قطار أسيوط الذي أسفر عن مقتل 53 طفلا، بما أدى لإقالة وزير النقل ورئيس هيئة السكك الحديدية وتصاعد الانتقادات لاستمرار التردي في ملفات النقل والمرور والطاقة التي وضعها الرئيس على رأس الاستحقاقات الواجب وفاؤها خلال بداية فترته الرئاسية.
قراءة في الإعلان الدستوري
انعكست تلك السياقات المحتدمة والاستقطاب المتصاعد على الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس الذي بدت أهدافه للوهلة الأولى إقالة النائب العام، وإعادة محاكمات قتلة الشهداء، ومنح الجمعية التأسيسية للدستور مهلة إضافية لوضع مسودة أكثر اتساقًا تراعي التوافق، بيد أن الإعلان جاء محملا بدلالات مهمة تحمل تحولا بنيويًّا في التوازن بين السلطات والاتساق المفترض في التوازن بين السلطة والمسئولية.
- جاءت المادة الأولى من الإعلان الدستوري لتنص على إعادة التحقيق والمحاكمات في جرائم قتل المتظاهرين بواسطة من تولى منصبًا سياسيًّا أو تنفيذيًّا في ظل النظام السابق وفق قانون لحماية الثورة يضع إجراءات استثنائية لإجراء المحاكمات، وبهذه الصياغة العامة اعتبره البعض أحد إجراءات تصفية الصراعات السياسية بين خصوم سياسيين أكثر منها آلية للعدالة الانتقالية، في حين وجده مؤيدو القرارات أداةً لتحقيق العدالة الناجزة، واقتناص حقوق الشهداء.
- تضمن الإعلان الدستوري تحصين القرارات التنفيذية والتشريعية للرئيس مرسي السابقة والحالية حتى انتهاء المرحلة الانتقالية من المراجعة القضائية، وهو ما يتعارض مع نص المادة 21 من الإعلان الدستوري الصادر في مارس 2011 التي تحظر تحصين أي عمل أو قرارٍ إداري من رقابة القضاء، فضلا عن أنها تُتيح المجال لعودة انعقاد مجلس الشعب الذي قضت المحكمة الدستورية والإدارية ببطلان انتخابه، فضلا عن امتلاك الرئيس لكافة السلطات التشريعية والتنفيذية والرقابية بما يضعه في وضع فوق القانون.
- استحوذ الرئيس على صلاحية تعيين وعزل النائب العام بمعزل عن السلطة القضائية بما يضيف لصلاحيات الرئيس في إدارة المرحلة الانتقالية، ويؤجج الصدام مع السلطة القضائية في ظل مطالبة القضاة بإصدار قانون للسلطة القضائية يعزز استقلال القضاء، ويجعل تعيين وعزل النائب العام اختصاصا حصريًّا للمجلس الأعلى للقضاء.
- دعم الرئيس موقف الطرف المؤيد لاستمرار الجمعية التأسيسية للدستور بتمديد مدة عملها لشهرين آخرين بتشكيلها الحالي على الرغم من انسحاب 30% من أعضائها، وحصنها ومجلس الشورى من الرقابة القضائية التي قد تُفضي لبطلان تشكيلهما.
- منح الرئيس لذاته صلاحيات استثنائية مرتبطة بشروط غاية في العمومية، ويعتبرها بعض المعارضين هلامية مثل قيام "خطر يهدد ثورة 25 يناير، أو حياة الأمة، أو الوحدة الوطنية، أو سلامة الوطن، أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها" بما يفتح المجال لإساءة الاستغلال والتضارب في التفسير لمصطلحات غير محددة مثل "حياة الأمة" و"الوحدة الوطنية"، ويعتبر البعض قانون حماية الثورة بما يحتويه من نصوص وصلاحيات استثنائية أحد صياغات قانون الطوارئ الذي يفرض قيودًا على نشاط المعارضة.
- تعيين الرئيس مرسي للنائب العام واختياره للمستشار طلعت إبراهيم يحمل في طياته ترجيحًا لكفة جبهة استقلال القضاء التي ينتمي إليها وزير العدل المستشار أحمد مكي في مواجهة التيار المحافظ الداعم لبقاء المستشار محمود عبد المجيد، وعدم تدخل السلطة التنفيذية في شئون السلطة القضائية.
تداعيات صدامية
قضى الإعلان الدستوري بصيغته الحالية على أي احتمال لرأب الصدع المتفاقم في صفوف القوى الوطنية، والوصول لصيغة توافقية لإدارة ما تبقى من المرحلة الانتقالية، ففي مقابل اصطفاف حزب الحرية والعدالة وحزب النور والتيارات السلفية خلف قرارات الرئيس باعتبارها قرارات ثورية وتنظيمهم لتظاهرات أمام دار القضاء العالي وقصر الاتحادية؛ تكتلت القوى والتيارات المدنية بزعامة حمدين صباحي مؤسس التيار الشعبي، وعمرو موسى مؤسس حزب الأمة ود. محمد البرادعي مؤسس حزب الدستور، وعقدوا اجتماعًا للقوى والتيارات المدنية لإعلان رفضهم للإعلان الدستوري، وتنظيم مليونية حاشدة بميدان التحرير.
وامتدت الانشقاقات السياسية إلى مؤسسة الرئاسة ذاتها بإعلان د. سمير مرقص مساعد الرئيس لشئون الديمقراطية استقالته احتجاجًا على الإعلان الدستوري، كما كانت قرارات الرئيس كفيلة بتفجير الانشقاق المؤسسي بين السلطة التنفيذية والقضائية، وهو ما عبر عنه بيان نادي القضاة عقب اجتماع طارئ لقياداته أعلن رفضه للقرارات مهددًا بوقف العمل في المحاكم، والامتناع عن الإشراف على الاستفتاءات والانتخابات المقبلة، فضلا عن الدعوة لاجتماع للجمعية العمومية للنادي بصورة طارئة لبحث إجراءات الرد على قرار الرئيس.
وعلى المستوى الجماهيري؛ اتخذت الانشقاقات اتجاهًا تصعيديًّا بتأجج الاشتباكات العنيفة بين مؤيدي ومعارضي الرئيس في الإسكندرية والمحلة والسويس وبورسعيد والإسماعيلية، وإحراق بعض المتظاهرين لمقرات حزب الحرية والعدالة في الإسكندرية وبورسعيد، واشتباكات أخرى أمام مقر جماعة الإخوان المسلمين بالمقطم وفي محيط ميدان التحرير بما يمكن اعتباره تحولا خطيرًا في مستوى الاستقطاب السياسي يطال الاستقرار والأمن في فترة فارقة من مسار المرحلة الانتقالية.
في خضم تلك التداعيات المعقدة وجه الرئيس محمد مرسي خطابًا أمام مؤيديه من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين أمام قصر الاتحادية محملا برسائل تهدئة حول التزامه بحكم القانون والحريات العامة واستحقاقات الثورة، لكنه اتجه للتقليل من شأن المعارضة باعتبارها غير حقيقية، مهددًا المتربصين بالثورة وأنصار النظام السابق، فيما يعتبر مؤشرًا على تمسكه بما أصدره من قرارات.
وإجمالا فإن مآلات الأزمة الراهنة قد تعصف بالاستقرار النسبي الذي تحقق عقب تصفية دور المجلس العسكري في إدارة المرحلة الانتقالية، كونها تؤدي إلى تكتيل كافة تيارات المعارضة المدنية الثورية والمحافظة مدعومة بالمؤسسة القضائية في مواجهة الرئيس والتيارات الإسلامية، بما يجعل المسارات التصعيدية وتأزم الانقسام والاستقطاب السياسي السمات الحاكمة للمشهد السياسي الراهن.
http://www.rcssmideast.org/media/k2/items/cache/7884581148e30ccb73a24dfa45b62e09_L.jpg
محمد عبد الله يونس
أحكم الرئيس محمد مرسي سيطرته على إدارة استحقاقات المرحلة الانتقالية الممتدة بإصدار إعلان دستوري قيَّد من خلاله سلطة المحكمة الدستورية العليا في مراجعة قراراته، والتشريعات التي يصدرها، أو حل الجمعية التأسيسية أو مجلس الشورى، فضلا عن إقالة النائب العام بما أجج الجدل المحتدم حول التوازن بين المحاسبة والرقابة على صلاحيات الرئيس من جانب، والوفاء بالاستحقاقات الثورية، وخاصةً محاكمة المتهمين بقتل شهداء الثورة من جانب آخر، وهو ما يُثير تساؤلات حول دلالات القرارات الرئاسية، وأبعاد الجدل المستحكم حول مآلات المرحلة الانتقالية على إثر تلك القرارات.
سياقات تصعيدية:
لا يفصل الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس مرسي عن السياقات المعقدة والاستقطاب المحتدم بين التيارات الإسلامية بروافدها الإخوانية والسلفية من جانب والتيارات المدنية بروافدها الثورية والمحافظة من جانب آخر، وتمثلت أبرز أركان التناقضات السياسية الحاكمة للمشهد السياسي قبيل الإعلان الدستوري فيما يلي:
- انسحاب غالبية ممثلي التيارات الليبرالية والاشتراكية وممثلي الكنيسة والنقابات العمالية والمحكمة الدستورية العليا بالجمعية التأسيسية للدستور، وبعض أعضاء اللجنة الاستشارية للجمعية التأسيسية بما يوازي 30% من أعضائها تقريبًا، على رأسهم المرشح الرئاسي عمرو موسى ود. وحيد عبد المجيد ود. محمد أبو الغار والمستشار بهاء الدين أبو شقة، وتحالَفَ المنسحبون لتشكيل جبهة وطنية لصياغة دستور موازٍ بمشاركة كافة القوى الوطنية.
- احتدام الخلافات حول مسودة الدستور لا سيما المواد التي توسع من مفهوم الشريعة الإسلامية لتشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة لاعتبارهم إياها تضع مؤسسات الدولة الديمقراطية تحت ولاية الفقيه، والمادة 75 التي تقيد ممارسة جميع الحقوق والحريات بعد التعارض مع مقومات الدولة والمجتمع والمواد 7 و10 و11 التي تسمح للمجتمع والأفراد بالتدخل لحماية القيم والأعراض والآداب العامة، وهو ما اعتبره البعض مدخلًا لفرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالعنف.
- تفجر الاشتباكات في محيط ميدان التحرير في ذكرى أحداث محمد محمود، وشهدت تلك المواجهات سقوط أحد المنتمين لحركة 6 إبريل وعشرات الجرحى في اشتباكات بين قوات الأمن والمتظاهرين، فضلا عن حرق مقر قناة الجزيرة مباشر مصر بالقرب من ميدان التحرير، وتعرض مبنى الجامعة الأمريكية لمحاولات اقتحام من جانب بعض المتظاهرين.
- احتدام التحريض المتبادل بين مؤيدي الإخوان المسلمين ومعارضيهم عقب حادث قطار أسيوط الذي أسفر عن مقتل 53 طفلا، بما أدى لإقالة وزير النقل ورئيس هيئة السكك الحديدية وتصاعد الانتقادات لاستمرار التردي في ملفات النقل والمرور والطاقة التي وضعها الرئيس على رأس الاستحقاقات الواجب وفاؤها خلال بداية فترته الرئاسية.
قراءة في الإعلان الدستوري
انعكست تلك السياقات المحتدمة والاستقطاب المتصاعد على الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس الذي بدت أهدافه للوهلة الأولى إقالة النائب العام، وإعادة محاكمات قتلة الشهداء، ومنح الجمعية التأسيسية للدستور مهلة إضافية لوضع مسودة أكثر اتساقًا تراعي التوافق، بيد أن الإعلان جاء محملا بدلالات مهمة تحمل تحولا بنيويًّا في التوازن بين السلطات والاتساق المفترض في التوازن بين السلطة والمسئولية.
- جاءت المادة الأولى من الإعلان الدستوري لتنص على إعادة التحقيق والمحاكمات في جرائم قتل المتظاهرين بواسطة من تولى منصبًا سياسيًّا أو تنفيذيًّا في ظل النظام السابق وفق قانون لحماية الثورة يضع إجراءات استثنائية لإجراء المحاكمات، وبهذه الصياغة العامة اعتبره البعض أحد إجراءات تصفية الصراعات السياسية بين خصوم سياسيين أكثر منها آلية للعدالة الانتقالية، في حين وجده مؤيدو القرارات أداةً لتحقيق العدالة الناجزة، واقتناص حقوق الشهداء.
- تضمن الإعلان الدستوري تحصين القرارات التنفيذية والتشريعية للرئيس مرسي السابقة والحالية حتى انتهاء المرحلة الانتقالية من المراجعة القضائية، وهو ما يتعارض مع نص المادة 21 من الإعلان الدستوري الصادر في مارس 2011 التي تحظر تحصين أي عمل أو قرارٍ إداري من رقابة القضاء، فضلا عن أنها تُتيح المجال لعودة انعقاد مجلس الشعب الذي قضت المحكمة الدستورية والإدارية ببطلان انتخابه، فضلا عن امتلاك الرئيس لكافة السلطات التشريعية والتنفيذية والرقابية بما يضعه في وضع فوق القانون.
- استحوذ الرئيس على صلاحية تعيين وعزل النائب العام بمعزل عن السلطة القضائية بما يضيف لصلاحيات الرئيس في إدارة المرحلة الانتقالية، ويؤجج الصدام مع السلطة القضائية في ظل مطالبة القضاة بإصدار قانون للسلطة القضائية يعزز استقلال القضاء، ويجعل تعيين وعزل النائب العام اختصاصا حصريًّا للمجلس الأعلى للقضاء.
- دعم الرئيس موقف الطرف المؤيد لاستمرار الجمعية التأسيسية للدستور بتمديد مدة عملها لشهرين آخرين بتشكيلها الحالي على الرغم من انسحاب 30% من أعضائها، وحصنها ومجلس الشورى من الرقابة القضائية التي قد تُفضي لبطلان تشكيلهما.
- منح الرئيس لذاته صلاحيات استثنائية مرتبطة بشروط غاية في العمومية، ويعتبرها بعض المعارضين هلامية مثل قيام "خطر يهدد ثورة 25 يناير، أو حياة الأمة، أو الوحدة الوطنية، أو سلامة الوطن، أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها" بما يفتح المجال لإساءة الاستغلال والتضارب في التفسير لمصطلحات غير محددة مثل "حياة الأمة" و"الوحدة الوطنية"، ويعتبر البعض قانون حماية الثورة بما يحتويه من نصوص وصلاحيات استثنائية أحد صياغات قانون الطوارئ الذي يفرض قيودًا على نشاط المعارضة.
- تعيين الرئيس مرسي للنائب العام واختياره للمستشار طلعت إبراهيم يحمل في طياته ترجيحًا لكفة جبهة استقلال القضاء التي ينتمي إليها وزير العدل المستشار أحمد مكي في مواجهة التيار المحافظ الداعم لبقاء المستشار محمود عبد المجيد، وعدم تدخل السلطة التنفيذية في شئون السلطة القضائية.
تداعيات صدامية
قضى الإعلان الدستوري بصيغته الحالية على أي احتمال لرأب الصدع المتفاقم في صفوف القوى الوطنية، والوصول لصيغة توافقية لإدارة ما تبقى من المرحلة الانتقالية، ففي مقابل اصطفاف حزب الحرية والعدالة وحزب النور والتيارات السلفية خلف قرارات الرئيس باعتبارها قرارات ثورية وتنظيمهم لتظاهرات أمام دار القضاء العالي وقصر الاتحادية؛ تكتلت القوى والتيارات المدنية بزعامة حمدين صباحي مؤسس التيار الشعبي، وعمرو موسى مؤسس حزب الأمة ود. محمد البرادعي مؤسس حزب الدستور، وعقدوا اجتماعًا للقوى والتيارات المدنية لإعلان رفضهم للإعلان الدستوري، وتنظيم مليونية حاشدة بميدان التحرير.
وامتدت الانشقاقات السياسية إلى مؤسسة الرئاسة ذاتها بإعلان د. سمير مرقص مساعد الرئيس لشئون الديمقراطية استقالته احتجاجًا على الإعلان الدستوري، كما كانت قرارات الرئيس كفيلة بتفجير الانشقاق المؤسسي بين السلطة التنفيذية والقضائية، وهو ما عبر عنه بيان نادي القضاة عقب اجتماع طارئ لقياداته أعلن رفضه للقرارات مهددًا بوقف العمل في المحاكم، والامتناع عن الإشراف على الاستفتاءات والانتخابات المقبلة، فضلا عن الدعوة لاجتماع للجمعية العمومية للنادي بصورة طارئة لبحث إجراءات الرد على قرار الرئيس.
وعلى المستوى الجماهيري؛ اتخذت الانشقاقات اتجاهًا تصعيديًّا بتأجج الاشتباكات العنيفة بين مؤيدي ومعارضي الرئيس في الإسكندرية والمحلة والسويس وبورسعيد والإسماعيلية، وإحراق بعض المتظاهرين لمقرات حزب الحرية والعدالة في الإسكندرية وبورسعيد، واشتباكات أخرى أمام مقر جماعة الإخوان المسلمين بالمقطم وفي محيط ميدان التحرير بما يمكن اعتباره تحولا خطيرًا في مستوى الاستقطاب السياسي يطال الاستقرار والأمن في فترة فارقة من مسار المرحلة الانتقالية.
في خضم تلك التداعيات المعقدة وجه الرئيس محمد مرسي خطابًا أمام مؤيديه من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين أمام قصر الاتحادية محملا برسائل تهدئة حول التزامه بحكم القانون والحريات العامة واستحقاقات الثورة، لكنه اتجه للتقليل من شأن المعارضة باعتبارها غير حقيقية، مهددًا المتربصين بالثورة وأنصار النظام السابق، فيما يعتبر مؤشرًا على تمسكه بما أصدره من قرارات.
وإجمالا فإن مآلات الأزمة الراهنة قد تعصف بالاستقرار النسبي الذي تحقق عقب تصفية دور المجلس العسكري في إدارة المرحلة الانتقالية، كونها تؤدي إلى تكتيل كافة تيارات المعارضة المدنية الثورية والمحافظة مدعومة بالمؤسسة القضائية في مواجهة الرئيس والتيارات الإسلامية، بما يجعل المسارات التصعيدية وتأزم الانقسام والاستقطاب السياسي السمات الحاكمة للمشهد السياسي الراهن.