مسلمة22
28-11-2012, 08:18 AM
اكيد كل الطلاب بيحبوا ايفان ايليتش
مجتمع بلا مدارس
ليست هذه بدعة جديدة بل هناك خط فكري مهم وفي أرقى الدول يطالب بمجتمع بلا مدارس. لعل من أبرز رافعي هذه المطالبة الفيلسوف الأمريكي "إيفان إيليش" الذي أصدر كتابا شهيرا بعنوان "مجتمع بلا مدارس" كان له صدى واسع على المستوى العلمي والمستوى الجماهيري أيضا. ولكن ما هي مشكلة "إيليش" مع المدارس ؟.
يرى إيليش أن المدرسة في كل المجتمعات اليوم تمثل خطرا على هذه المجتمعات. كونها تحولت كمؤسسة تربوية إلى أداة تطويع تسلب الإنسان كل أسلحته التي تمكنه من الحياة الحرّة الكريمة، لتجعل منه كائنا بلا إرادة وبلا اختيار يقبل كل ما يعرض عليه في سلبية وعجز تام. وهذا يعني أن تتحول المدرسة من هدفها الأصلي، تنمية الأفراد ليتحملوا مسؤولياتهم في المجتمع، إلى أن تصبح إحدى العراقيل الوعرة في سبيل تحقيق المجتمع لأهدافه بل إنها، أي المدرسة، استنزفت قدراته وطاقاته . والنتيجة عكس ما يهدف إليه المجتمع.
ولكن كيف يدلل إيليش على هذه الادعاءات؟ لن يحلق بنا إيليش بعيدا في المجردات والمثاليات ليقنعنا بوجهة نظره. كل ما يطالبنا به هو أن ننظر للواقع. يتعلم الطلاب يوميا أشياء لا يستفيدون منها في واقعهم العملي. بل إن أغلب مهاراتهم الضرورية يكتسبونها من الخارج. أيضا يكتسب الطلاب من خلال بقائهم الطويل في المدرسة جملة من العادات السلبية. أهمها الخضوع لأفكار و آراء وأهواء المعلمين. لأننا مهما تحدثنا عن ميل المعلمين إلى الديموقراطية في الدرس فإن هذا لا يمثل في الواقع شيئا يذكر. الصورة الحقيقية أن هذا المعلم يقتل في الطالب كل استعداداته الفكرية من خلال تفرده بالرأي وتحدثه باسم الحقيقة المطلقة ورفضه للحوار والجدل من قبل طالبه الصغير.
حجة أخرى على مقولة"إيليش" مجتمع بلا مدارس. إن الغالبية من خريجي المدارس لا يجدون عملا في الخارج بعد التخرج وإن تحصلوا على فرصة للعمل فإنهم يحصلون على دورات تأهيلية تعدهم من جديد لهذه الوظيفة مما يعني فشل إعداد المدرسة. أو أن هذه الفرصة الوظيفية تؤهل الطالب إليها بعض القدرات الذاتية التي لم تعمل المدرسة على تنميتها بل قد تكون سببا في طمسها. إذن فالمدرسة باختصار تعلمه مالا ينفعه ولا يفيده، يقول إيليش هذا دليل على أنها لا تعمل في صالح الطالب بل هي مهمومة بتحقيق مصالح طبقية وأيديولوجية في كثير من الأحيان لا تعني الطالب ولا تفيده.
كره الطلاب للمدرسة قد يكون حجة على هذا الطرح، رغم ما يقوله بعض المعارضين من أن هذا الكره هو بسبب الالتزام داخل أسوار المدرسة إلا أن هذا الإجماع تقريبا من الطلاب له دلالة في غاية الأهمية على أن الجو في المدرسة لا يتوافق مع طبيعة المتعلم، وهذا يدفعنا إلى التساؤل هل نظمت المدرسة من أجل الطالب أم من أجل أطراف أخرى؟ يبدو من حال الطلاب أن مصمم العمل المدرسي لم يفكر فيهم كثيرا في هذا الخصوص.
هل يمكننا القول إن إيليش ومعه المطالبين بمجتمع بلا مدارس يعتقدون بعدم جدوى التعليم أساسا. لا يمكننا قول ذلك ولكن المشكلة الأساسية مع المأسسة أي تحويل عملية التعليم إلى مؤسسة ذات سياسة ونظم تطغى على التعليم. التعليم من وجهة النظر هذه يفترض أن يكون خبرة حرة يعبر فيها الفرد عن نفسه، ويبدع ويستخدم قدراته ومواهبه إلى حدها الأقصى بصورة حرّة بعيدا عن القوالب النمطية"المدرسة"وأشكال التحكم والسيطرة والضوابط والقيود الخاصة بالمكان أو الزمان وصور الثواب والعقاب.
هل نتساءل ما هو البديل للمدارس التي يريد إيليش القضاء عليها. يطرح إيليش بديلا يملك الحل"التربية الحرّة" التي سيتخلص منها الإنسان من قهر البرامج الجامدة الموجودة في المؤسسات التعليمية التي تنتج فردا يمتلك معلومات، على أحسن الأحوال، ولكنه لا يستطيع التفكير بها. كما يمكن أن تحفظ له شيئا من توازنه النفسي الذي يختل كثيرا في أجواء المدرسة.
هذه التربية الحرّة يمكن أن تطبق عمليا، كما يرى إيليش، من خلال برنامجين: الأول:"ورش تبادل المهارات"وهي ورش يقوم فيها الطالب بتعلم المهارات بشكل عملي ومباشر من خلال الممارسة والاندماج في العمل فليس هناك طريقة لاكتساب المهارات أجدى وأنجح من التمرينات. البرنامج الثاني:" شبكات التعلم" وهي عبارة عن مجالس يجتمع فيها الأفراد ذوو الاهتمامات المشتركة. يختارون قضاياهم ويناقشونها على أساس التعلم الذاتي الإبداعي. هذه البرامج يمكن أن تساهم في خلق مجتمع يستطيع الإنسان أن يكون فيه حرا ومحققا لذاته.
كل هذا النقد يوجهه "إيليش" إلى نظام التعليم الأمريكي الذي يقع ضمن أفضل أنظمة التعليم في العالم إن لم يكن أفضلها على الإطلاق فماذا سيكون موقفنا نحن في أنظمة التعليم في العالم الثالث أو العالم العربي أو هنا في السعودية. منطقيا يفترض بنا أن نوجه أضعاف النقد والتحليل والدراسات فأنظمتنا التعليمية تعاني أشد ما تعانيه من أمراض وإعاقات شديدة الرسوخ.
من تجربة شخصية على الأقل يمكنني القول إن الطالب عندنا في المراحل الأولى من الدراسة أحسن وأصح حالا مقارنة بحاله في الصفوف الأخيرة من الدراسة. يمكن للمعلم ملاحظة ذلك، طلاب الصفوف المبكرة أكثر نشاطا ذهنيا ومشاركة ونقاشا وحراكا ولكن الطالب كل ما تقدم به الوقت في المدرسة جنح إلى الصمت والخمول والعزلة وتفضيل عدم المشاركة. تفسير هذا التحول ليس بالأمر الصعب بل هو نتيجة طبيعية لمجرى الأمور داخل الصف فالواقع يقول إن حديث الطالب ومناقشته وحركته وحيويته تجر عليه كثيرا من الإشكاليات فكثير من المعلمين يؤمنون جازمين أن هذا الطالب إنما هو متلق فقط ولا نصيب له ولا حق في المشاركة في عملية التعلم ولذا فإن مداخلاته وأسئلته هي من باب تجاوز حدوده التي يجب قمعه عند خروجه عنها. إذن فإن هذا الواقع يقول الصمت وهز الرأس إيمانا هو سبيلك إلى النجاح والخروج من هذا المكان بسلامة."ثقافة الصمت" هذه أيضا هي إحدى سمات هذه النظم التعليمية والتي يمكن الحديث عنها لاحقا.
لن نفاجأ حين نعلم أن الكثير من أولياء الأمور يرسلون أبناءهم للمدرسة من أجل الشهادة فقط أما التربية والتعليم فقد تكون النتائج أكثر سلبية بسبب ذهاب الطالب للمدرسة وقضائه كثيراً من الأوقات في أجواء غير صحية تساهم في تبليد حسه وتعطيل روح الحرية في داخله بسبب دوره السلبي في المدرسة كمتلق ومستقبل لا أكثر لكن ربما أقل.
إن إصرار أنظمتنا التعليمية على هذا الواقع بل وتكريسه لهو جريمة ترتكب في حق إنسان هذه الأنظمة. لا يطالب أحد في مثل حالنا بإلغاء المدارس فهذا الحل لا يتوافق مع أحوالنا المهلهلة ولكن المطالبة تأتي وبقوّة من أجل إحداث تغييرات جذرية في أنظمتنا التعليمية. لا يمكن تجاهل كل ما تقوله علوم التربية والبقاء على نظام يكرس ويدعم التخلف والفشل. صحيح إن الواقع مليء بالصعوبات والعراقيل ولكنني شخصيا مؤمن بأن الإرادة الصادقة قادرة على فعل الكثير الكثير
مجتمع بلا مدارس
ليست هذه بدعة جديدة بل هناك خط فكري مهم وفي أرقى الدول يطالب بمجتمع بلا مدارس. لعل من أبرز رافعي هذه المطالبة الفيلسوف الأمريكي "إيفان إيليش" الذي أصدر كتابا شهيرا بعنوان "مجتمع بلا مدارس" كان له صدى واسع على المستوى العلمي والمستوى الجماهيري أيضا. ولكن ما هي مشكلة "إيليش" مع المدارس ؟.
يرى إيليش أن المدرسة في كل المجتمعات اليوم تمثل خطرا على هذه المجتمعات. كونها تحولت كمؤسسة تربوية إلى أداة تطويع تسلب الإنسان كل أسلحته التي تمكنه من الحياة الحرّة الكريمة، لتجعل منه كائنا بلا إرادة وبلا اختيار يقبل كل ما يعرض عليه في سلبية وعجز تام. وهذا يعني أن تتحول المدرسة من هدفها الأصلي، تنمية الأفراد ليتحملوا مسؤولياتهم في المجتمع، إلى أن تصبح إحدى العراقيل الوعرة في سبيل تحقيق المجتمع لأهدافه بل إنها، أي المدرسة، استنزفت قدراته وطاقاته . والنتيجة عكس ما يهدف إليه المجتمع.
ولكن كيف يدلل إيليش على هذه الادعاءات؟ لن يحلق بنا إيليش بعيدا في المجردات والمثاليات ليقنعنا بوجهة نظره. كل ما يطالبنا به هو أن ننظر للواقع. يتعلم الطلاب يوميا أشياء لا يستفيدون منها في واقعهم العملي. بل إن أغلب مهاراتهم الضرورية يكتسبونها من الخارج. أيضا يكتسب الطلاب من خلال بقائهم الطويل في المدرسة جملة من العادات السلبية. أهمها الخضوع لأفكار و آراء وأهواء المعلمين. لأننا مهما تحدثنا عن ميل المعلمين إلى الديموقراطية في الدرس فإن هذا لا يمثل في الواقع شيئا يذكر. الصورة الحقيقية أن هذا المعلم يقتل في الطالب كل استعداداته الفكرية من خلال تفرده بالرأي وتحدثه باسم الحقيقة المطلقة ورفضه للحوار والجدل من قبل طالبه الصغير.
حجة أخرى على مقولة"إيليش" مجتمع بلا مدارس. إن الغالبية من خريجي المدارس لا يجدون عملا في الخارج بعد التخرج وإن تحصلوا على فرصة للعمل فإنهم يحصلون على دورات تأهيلية تعدهم من جديد لهذه الوظيفة مما يعني فشل إعداد المدرسة. أو أن هذه الفرصة الوظيفية تؤهل الطالب إليها بعض القدرات الذاتية التي لم تعمل المدرسة على تنميتها بل قد تكون سببا في طمسها. إذن فالمدرسة باختصار تعلمه مالا ينفعه ولا يفيده، يقول إيليش هذا دليل على أنها لا تعمل في صالح الطالب بل هي مهمومة بتحقيق مصالح طبقية وأيديولوجية في كثير من الأحيان لا تعني الطالب ولا تفيده.
كره الطلاب للمدرسة قد يكون حجة على هذا الطرح، رغم ما يقوله بعض المعارضين من أن هذا الكره هو بسبب الالتزام داخل أسوار المدرسة إلا أن هذا الإجماع تقريبا من الطلاب له دلالة في غاية الأهمية على أن الجو في المدرسة لا يتوافق مع طبيعة المتعلم، وهذا يدفعنا إلى التساؤل هل نظمت المدرسة من أجل الطالب أم من أجل أطراف أخرى؟ يبدو من حال الطلاب أن مصمم العمل المدرسي لم يفكر فيهم كثيرا في هذا الخصوص.
هل يمكننا القول إن إيليش ومعه المطالبين بمجتمع بلا مدارس يعتقدون بعدم جدوى التعليم أساسا. لا يمكننا قول ذلك ولكن المشكلة الأساسية مع المأسسة أي تحويل عملية التعليم إلى مؤسسة ذات سياسة ونظم تطغى على التعليم. التعليم من وجهة النظر هذه يفترض أن يكون خبرة حرة يعبر فيها الفرد عن نفسه، ويبدع ويستخدم قدراته ومواهبه إلى حدها الأقصى بصورة حرّة بعيدا عن القوالب النمطية"المدرسة"وأشكال التحكم والسيطرة والضوابط والقيود الخاصة بالمكان أو الزمان وصور الثواب والعقاب.
هل نتساءل ما هو البديل للمدارس التي يريد إيليش القضاء عليها. يطرح إيليش بديلا يملك الحل"التربية الحرّة" التي سيتخلص منها الإنسان من قهر البرامج الجامدة الموجودة في المؤسسات التعليمية التي تنتج فردا يمتلك معلومات، على أحسن الأحوال، ولكنه لا يستطيع التفكير بها. كما يمكن أن تحفظ له شيئا من توازنه النفسي الذي يختل كثيرا في أجواء المدرسة.
هذه التربية الحرّة يمكن أن تطبق عمليا، كما يرى إيليش، من خلال برنامجين: الأول:"ورش تبادل المهارات"وهي ورش يقوم فيها الطالب بتعلم المهارات بشكل عملي ومباشر من خلال الممارسة والاندماج في العمل فليس هناك طريقة لاكتساب المهارات أجدى وأنجح من التمرينات. البرنامج الثاني:" شبكات التعلم" وهي عبارة عن مجالس يجتمع فيها الأفراد ذوو الاهتمامات المشتركة. يختارون قضاياهم ويناقشونها على أساس التعلم الذاتي الإبداعي. هذه البرامج يمكن أن تساهم في خلق مجتمع يستطيع الإنسان أن يكون فيه حرا ومحققا لذاته.
كل هذا النقد يوجهه "إيليش" إلى نظام التعليم الأمريكي الذي يقع ضمن أفضل أنظمة التعليم في العالم إن لم يكن أفضلها على الإطلاق فماذا سيكون موقفنا نحن في أنظمة التعليم في العالم الثالث أو العالم العربي أو هنا في السعودية. منطقيا يفترض بنا أن نوجه أضعاف النقد والتحليل والدراسات فأنظمتنا التعليمية تعاني أشد ما تعانيه من أمراض وإعاقات شديدة الرسوخ.
من تجربة شخصية على الأقل يمكنني القول إن الطالب عندنا في المراحل الأولى من الدراسة أحسن وأصح حالا مقارنة بحاله في الصفوف الأخيرة من الدراسة. يمكن للمعلم ملاحظة ذلك، طلاب الصفوف المبكرة أكثر نشاطا ذهنيا ومشاركة ونقاشا وحراكا ولكن الطالب كل ما تقدم به الوقت في المدرسة جنح إلى الصمت والخمول والعزلة وتفضيل عدم المشاركة. تفسير هذا التحول ليس بالأمر الصعب بل هو نتيجة طبيعية لمجرى الأمور داخل الصف فالواقع يقول إن حديث الطالب ومناقشته وحركته وحيويته تجر عليه كثيرا من الإشكاليات فكثير من المعلمين يؤمنون جازمين أن هذا الطالب إنما هو متلق فقط ولا نصيب له ولا حق في المشاركة في عملية التعلم ولذا فإن مداخلاته وأسئلته هي من باب تجاوز حدوده التي يجب قمعه عند خروجه عنها. إذن فإن هذا الواقع يقول الصمت وهز الرأس إيمانا هو سبيلك إلى النجاح والخروج من هذا المكان بسلامة."ثقافة الصمت" هذه أيضا هي إحدى سمات هذه النظم التعليمية والتي يمكن الحديث عنها لاحقا.
لن نفاجأ حين نعلم أن الكثير من أولياء الأمور يرسلون أبناءهم للمدرسة من أجل الشهادة فقط أما التربية والتعليم فقد تكون النتائج أكثر سلبية بسبب ذهاب الطالب للمدرسة وقضائه كثيراً من الأوقات في أجواء غير صحية تساهم في تبليد حسه وتعطيل روح الحرية في داخله بسبب دوره السلبي في المدرسة كمتلق ومستقبل لا أكثر لكن ربما أقل.
إن إصرار أنظمتنا التعليمية على هذا الواقع بل وتكريسه لهو جريمة ترتكب في حق إنسان هذه الأنظمة. لا يطالب أحد في مثل حالنا بإلغاء المدارس فهذا الحل لا يتوافق مع أحوالنا المهلهلة ولكن المطالبة تأتي وبقوّة من أجل إحداث تغييرات جذرية في أنظمتنا التعليمية. لا يمكن تجاهل كل ما تقوله علوم التربية والبقاء على نظام يكرس ويدعم التخلف والفشل. صحيح إن الواقع مليء بالصعوبات والعراقيل ولكنني شخصيا مؤمن بأن الإرادة الصادقة قادرة على فعل الكثير الكثير