aymaan noor
12-12-2012, 10:40 AM
تجربة الإخوان المسلمين في الحكم في مصر
د.ناصر الحجيلان
الرئيس مرسي إن أراد النجاح في قيادة الشعب المصري وإكمال فترته الرئاسية الحالية، فعليه أن يبادر بالتخلّص من جلباب الإخوان في التفكير لكي يتحرّر من القيود التي تثقل كاهله وتجعله لايرى غير جماعته وعشيرته من الإخوان. وإذا استطاع أن يرى الشعب مختلفًا ومتنوعًا فسيكون قادرًا على الانتقال من السرية إلى الشفافية
تتمثل هذه التجربة في فترة الرئيس المصري الحالي محمد مرسي الذي ينتمي إلى حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين. وكان رئيسًا لهذا الحزب قبل ترشيحه للرئاسة، وعُرف عنه إخلاصه للجماعة وعمله بمبادئها ومن ذلك مبايعته للمرشد الأعلى للجماعة على السمع والطاعة. ومع أنه استقال من الحزب بعد ترشيحه للرئاسة إلا أنه ظل مواليًا لهذا الحزب، فعين عددًا كبيرًا من أتباع الحزب مستشارين ونواباً وأعضاء في الجمعية التأسيسية للدستور واستعان بهم في قيادة البلد.
ومع أن الفترة التي قضاها الرئيس مرسي في الحكم لاتزال قصيرة إلا أنها حملت سمات كثيرة يرى المطلعون أنها معبّرة عن منهجه في الحكم، وهو منهج لايختلف كثيرًا عن المنهج الذي تسير عليه الجماعة. وإذا ماعلمنا أن هذه الجماعة - كما يقول زكريا بيومي صاحب كتاب "الإخوان المسلمون والجماعات الإسلامية"- تقوم على تراتبية في الرئاسة مستمدة من التحزّب فيما بينهم على أساس قاعدة السمع والطاعة للقيادة، فإن السيطرة على أفراد هذه الجماعة الكثيرين سهل للغاية، فبمجرد أن يُصدر القيادي في الحزب أمرًا فإن جميع أتباع الجماعة لايسعهم إلا تنفيذ الأمر في الشدة والرخاء، ولايمكن لأي أحد منهم المناقشة أو الأخذ والرد.
وعلى هذا تربّى الشباب والكبار في الجماعة وصار منهج السمع والطاعة هو الركيزة الأساسية التي يتعلمها ويتدرّب عليها الأتباع وينفذونها حسب مواقعهم.
ومن السهل على أي قيادي مهما تضاءلت قدراته أن يقود هذا النوع من الأتباع وإن كثروا، فالجمهور الغفير ينتظر أي إشارة من القائد لكي يتحرك، وإشارة أخرى لكي يتوقف. ولو جاء أحد من الأتباع أو من القياديين بما يخالف رأي من هو أعلى منه فمصيره الإبعاد، كما حصل مع عبدالمنعم أبو الفتوح الذي خدم في الجماعة فترة تقترب من عشرين عامًا ولكنه حينما قدّم اقتراحات تعزز من الحريات المدنية في المجتمع وتجعل للدين دورًا غير مختلط بالسياسة كما أراد مؤسس الجماعة حسن البنا، بدت هذه الآراء مزعجة للجماعة لأنها تسلب جزءًا من السيطرة الكلية عنهم، فما كان من الجماعة إلا إبعاد أبو الفتوح، فخرج وكوّن حزبًا وحده استقطب جمهورًا كبيرًا من الشباب.
نعود إلى الرئيس مرسي، ونتساءل هل سينجح في قيادة مصر كما نجح في قيادة الإخوان في حزبه؟
والجواب يتطلب النظر في سمات الشعب المصري ومقارنتها بسمات جماعة الإخوان. فقد ذكرت دراسة بعنوان "السلفية اليوم" أن جماعة الإخوان المسلمين تقوم على منهج السمع والطاعة والتسليم بما يقوله القائد، واعتبار كل مايصدر عنه صواباً حتى لو لم يتبين أحدٌ هذا الصواب لأن العقلية تفترض وجود صواب خفي يجهله الناس ويعلمه القائد. كما تقوم الجماعة على رأي أحادي يهبط من أعلى القيادة إلى الدرجات الأقل حتى يصل إلى الجمهور الذي يجب عليه التنفيذ؛ ويوضح شوقي زكي، في كتابه "الحركات الإسلامية في مصر وإيران" حدود الاختلاف المسموح به بأنه مقصور على الشكليات البسيطة في طريقة الفهم وهي التي يعدونها اختلافًا مرحبًا به. وإذا كانت هذه هي سمات الجماعة، فإن رئيس هذا النوع من الشعب سيكون مرتاحًا وسعيدًا لأنه لن يجد أحدًا يعترض عليه أو ينتقده أو يتجادل معه.
لكن لو نظرنا في مكونات الشعب المصري لوجدنا أنها تضم تركيبة مختلفة كليًا عن تركيبة الجماعة؛ فهناك الليبراليون وهناك المسيحيون، وهناك الأقباط وهناك الاشتراكيون، وهناك أصحاب الاتجاهات الدينية الأخرى المتشددة والوسطية والمتسامحة. ولايمكن معاملتهم بالأوامر والنواهي والسرية في اتخاذ القرارات وتخويفهم من المجهول بوجود مؤامرات ومكائد خفية تحاك ضدهم؛ لهذا فمن الصعوبة بمكان أن ينجح أي رئيس لايأخذ بعين الاعتبار أنه يتعامل مع شعب متنوّع في خلفياته العلمية والفكرية والثقافية.
اتخذ الرئيس مرسي عدة قرارات مثيرة ومالبث أن تراجع عنها بعد أن اكتشف أنه تصرف بشكل خاطىء كقرار إعادة مجلس الشعب، وقرار عزل النائب العام، لكنه لم يتعلم من تلك الأخطاء إلى أن ارتكب الخطأ الفادح بالإعلان الدستوري والدفع بالدستور المعدّ على عجل إلى الاستفتاء العاجل.
والواقع أن القرار الأخير كان بمثابة قاصمة الظهر، فقد أثار الضجة الكبيرة في مصر وجعل الشعب في حالة من الغليان والأسى، وأدى إلى التصادم والاقتتال حينما قامت جماعة الرئيس بتأييد الإعلان الدستوري والنزول للشوارع مع المعارضين.
ومن الطريف أن هذه الجماعة اعتادت أن تنزل للشارع لتأييد أي قرار يتخذه الرئيس لاستباق أي اعتراض، وهو تصرّف يكشف عن المخاوف التي تتحكم بقرارات الرئيس وبجماعته. ومن الملاحظ أن الذين يشاركون في الحوارات التلفزيونية من جماعة الإخوان يغلب عليهم العصبية والغضب ومحاولة تسفيه آراء الآخرين والتشكيك في نواياهم، وهذه التصرفات هي من سمات الفكر الأحادي الذي لايسمع غير صوته، ولايناقش جوهر المشكلة بقدر مايركز على عناصر أخرى خارجية تشتت الموضوع دون أن تواجهه، وهذه نتيجة طبيعية للتربية التي تعتمد عليها الجماعة وتنشىء عليها أتباعها.
وهناك من ينتقد الرئيس مرسي في عدم التشاور مع المستشارين الذين عينهم ولا مع نوابه فضلًا عن معارضيه، ولكن هذا الانتقاد يصبح بلا جدوى إذا ماعلمنا أن منهج مرسي المستمد من منهج الإخوان يقوم على السريّة ولايسمح بالاختلاف مع القائد، ولهذا فإن دور هؤلاء المستشارين يقتصر على تمجيد قرارات الرئيس بعد صدورها والدفاع عنها باستماتة في وسائل الإعلام، وهو ما قام به بعضهم؛ أما الذين اكتشفوا هذا الدور مؤخرًا ووجدوا أنه لايناسبهم فقد استقالوا.
وفي الختام، فإن الرئيس مرسي إن أراد النجاح في قيادة الشعب المصري وإكمال فترته الرئاسية الحالية، فعليه أن يبادر بالتخلّص من جلباب الإخوان في التفكير لكي يتحرّر من القيود التي تثقل كاهله وتجعله لايرى غير جماعته وعشيرته من الإخوان. وإذا استطاع أن يرى الشعب مختلفًا ومتنوعًا فسيكون قادرًا على الانتقال من السرية إلى الشفافية، ومن البحث عن الطاعة العمياء إلى البحث عن الانسجام، ومن الضجر بالاختلاف إلى الترحيب به وتقبله، ومن توهّم المؤامرات إلى الواقعية في مواجهة المشكلات. وسيتخلص من نزعة الاستحواذ على كل شيء إلى القبول بمشاركة الآخرين، ومن نزعة السيطرة التامّة على مفاصل الحياة إلى احترام الاختلاف، والقبول بما لايهوى، والإيمان بأن الكون والعالم سوف يسيران به، أو بدونه..
د.ناصر الحجيلان
الرئيس مرسي إن أراد النجاح في قيادة الشعب المصري وإكمال فترته الرئاسية الحالية، فعليه أن يبادر بالتخلّص من جلباب الإخوان في التفكير لكي يتحرّر من القيود التي تثقل كاهله وتجعله لايرى غير جماعته وعشيرته من الإخوان. وإذا استطاع أن يرى الشعب مختلفًا ومتنوعًا فسيكون قادرًا على الانتقال من السرية إلى الشفافية
تتمثل هذه التجربة في فترة الرئيس المصري الحالي محمد مرسي الذي ينتمي إلى حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين. وكان رئيسًا لهذا الحزب قبل ترشيحه للرئاسة، وعُرف عنه إخلاصه للجماعة وعمله بمبادئها ومن ذلك مبايعته للمرشد الأعلى للجماعة على السمع والطاعة. ومع أنه استقال من الحزب بعد ترشيحه للرئاسة إلا أنه ظل مواليًا لهذا الحزب، فعين عددًا كبيرًا من أتباع الحزب مستشارين ونواباً وأعضاء في الجمعية التأسيسية للدستور واستعان بهم في قيادة البلد.
ومع أن الفترة التي قضاها الرئيس مرسي في الحكم لاتزال قصيرة إلا أنها حملت سمات كثيرة يرى المطلعون أنها معبّرة عن منهجه في الحكم، وهو منهج لايختلف كثيرًا عن المنهج الذي تسير عليه الجماعة. وإذا ماعلمنا أن هذه الجماعة - كما يقول زكريا بيومي صاحب كتاب "الإخوان المسلمون والجماعات الإسلامية"- تقوم على تراتبية في الرئاسة مستمدة من التحزّب فيما بينهم على أساس قاعدة السمع والطاعة للقيادة، فإن السيطرة على أفراد هذه الجماعة الكثيرين سهل للغاية، فبمجرد أن يُصدر القيادي في الحزب أمرًا فإن جميع أتباع الجماعة لايسعهم إلا تنفيذ الأمر في الشدة والرخاء، ولايمكن لأي أحد منهم المناقشة أو الأخذ والرد.
وعلى هذا تربّى الشباب والكبار في الجماعة وصار منهج السمع والطاعة هو الركيزة الأساسية التي يتعلمها ويتدرّب عليها الأتباع وينفذونها حسب مواقعهم.
ومن السهل على أي قيادي مهما تضاءلت قدراته أن يقود هذا النوع من الأتباع وإن كثروا، فالجمهور الغفير ينتظر أي إشارة من القائد لكي يتحرك، وإشارة أخرى لكي يتوقف. ولو جاء أحد من الأتباع أو من القياديين بما يخالف رأي من هو أعلى منه فمصيره الإبعاد، كما حصل مع عبدالمنعم أبو الفتوح الذي خدم في الجماعة فترة تقترب من عشرين عامًا ولكنه حينما قدّم اقتراحات تعزز من الحريات المدنية في المجتمع وتجعل للدين دورًا غير مختلط بالسياسة كما أراد مؤسس الجماعة حسن البنا، بدت هذه الآراء مزعجة للجماعة لأنها تسلب جزءًا من السيطرة الكلية عنهم، فما كان من الجماعة إلا إبعاد أبو الفتوح، فخرج وكوّن حزبًا وحده استقطب جمهورًا كبيرًا من الشباب.
نعود إلى الرئيس مرسي، ونتساءل هل سينجح في قيادة مصر كما نجح في قيادة الإخوان في حزبه؟
والجواب يتطلب النظر في سمات الشعب المصري ومقارنتها بسمات جماعة الإخوان. فقد ذكرت دراسة بعنوان "السلفية اليوم" أن جماعة الإخوان المسلمين تقوم على منهج السمع والطاعة والتسليم بما يقوله القائد، واعتبار كل مايصدر عنه صواباً حتى لو لم يتبين أحدٌ هذا الصواب لأن العقلية تفترض وجود صواب خفي يجهله الناس ويعلمه القائد. كما تقوم الجماعة على رأي أحادي يهبط من أعلى القيادة إلى الدرجات الأقل حتى يصل إلى الجمهور الذي يجب عليه التنفيذ؛ ويوضح شوقي زكي، في كتابه "الحركات الإسلامية في مصر وإيران" حدود الاختلاف المسموح به بأنه مقصور على الشكليات البسيطة في طريقة الفهم وهي التي يعدونها اختلافًا مرحبًا به. وإذا كانت هذه هي سمات الجماعة، فإن رئيس هذا النوع من الشعب سيكون مرتاحًا وسعيدًا لأنه لن يجد أحدًا يعترض عليه أو ينتقده أو يتجادل معه.
لكن لو نظرنا في مكونات الشعب المصري لوجدنا أنها تضم تركيبة مختلفة كليًا عن تركيبة الجماعة؛ فهناك الليبراليون وهناك المسيحيون، وهناك الأقباط وهناك الاشتراكيون، وهناك أصحاب الاتجاهات الدينية الأخرى المتشددة والوسطية والمتسامحة. ولايمكن معاملتهم بالأوامر والنواهي والسرية في اتخاذ القرارات وتخويفهم من المجهول بوجود مؤامرات ومكائد خفية تحاك ضدهم؛ لهذا فمن الصعوبة بمكان أن ينجح أي رئيس لايأخذ بعين الاعتبار أنه يتعامل مع شعب متنوّع في خلفياته العلمية والفكرية والثقافية.
اتخذ الرئيس مرسي عدة قرارات مثيرة ومالبث أن تراجع عنها بعد أن اكتشف أنه تصرف بشكل خاطىء كقرار إعادة مجلس الشعب، وقرار عزل النائب العام، لكنه لم يتعلم من تلك الأخطاء إلى أن ارتكب الخطأ الفادح بالإعلان الدستوري والدفع بالدستور المعدّ على عجل إلى الاستفتاء العاجل.
والواقع أن القرار الأخير كان بمثابة قاصمة الظهر، فقد أثار الضجة الكبيرة في مصر وجعل الشعب في حالة من الغليان والأسى، وأدى إلى التصادم والاقتتال حينما قامت جماعة الرئيس بتأييد الإعلان الدستوري والنزول للشوارع مع المعارضين.
ومن الطريف أن هذه الجماعة اعتادت أن تنزل للشارع لتأييد أي قرار يتخذه الرئيس لاستباق أي اعتراض، وهو تصرّف يكشف عن المخاوف التي تتحكم بقرارات الرئيس وبجماعته. ومن الملاحظ أن الذين يشاركون في الحوارات التلفزيونية من جماعة الإخوان يغلب عليهم العصبية والغضب ومحاولة تسفيه آراء الآخرين والتشكيك في نواياهم، وهذه التصرفات هي من سمات الفكر الأحادي الذي لايسمع غير صوته، ولايناقش جوهر المشكلة بقدر مايركز على عناصر أخرى خارجية تشتت الموضوع دون أن تواجهه، وهذه نتيجة طبيعية للتربية التي تعتمد عليها الجماعة وتنشىء عليها أتباعها.
وهناك من ينتقد الرئيس مرسي في عدم التشاور مع المستشارين الذين عينهم ولا مع نوابه فضلًا عن معارضيه، ولكن هذا الانتقاد يصبح بلا جدوى إذا ماعلمنا أن منهج مرسي المستمد من منهج الإخوان يقوم على السريّة ولايسمح بالاختلاف مع القائد، ولهذا فإن دور هؤلاء المستشارين يقتصر على تمجيد قرارات الرئيس بعد صدورها والدفاع عنها باستماتة في وسائل الإعلام، وهو ما قام به بعضهم؛ أما الذين اكتشفوا هذا الدور مؤخرًا ووجدوا أنه لايناسبهم فقد استقالوا.
وفي الختام، فإن الرئيس مرسي إن أراد النجاح في قيادة الشعب المصري وإكمال فترته الرئاسية الحالية، فعليه أن يبادر بالتخلّص من جلباب الإخوان في التفكير لكي يتحرّر من القيود التي تثقل كاهله وتجعله لايرى غير جماعته وعشيرته من الإخوان. وإذا استطاع أن يرى الشعب مختلفًا ومتنوعًا فسيكون قادرًا على الانتقال من السرية إلى الشفافية، ومن البحث عن الطاعة العمياء إلى البحث عن الانسجام، ومن الضجر بالاختلاف إلى الترحيب به وتقبله، ومن توهّم المؤامرات إلى الواقعية في مواجهة المشكلات. وسيتخلص من نزعة الاستحواذ على كل شيء إلى القبول بمشاركة الآخرين، ومن نزعة السيطرة التامّة على مفاصل الحياة إلى احترام الاختلاف، والقبول بما لايهوى، والإيمان بأن الكون والعالم سوف يسيران به، أو بدونه..