مشاهدة النسخة كاملة : دستور مصر المفترى عليه


abomokhtar
14-12-2012, 09:56 AM
بقلم/ محمد أبو العباس- محامي
يعيش الشعب المصري اليوم آلام المخاض التي تسبق خروج الجنين.. فالكل في حالة ترقب وخوف وقلق لما ستسفر عنه الأيام القليلة القادمة من مصير هذه الدستور بالقبول أو الرفض .
فقد ثارت ضجة كبيرة في الشارع المصري حول مشروع الدستور ولجنته التأسيسية .. ونالت قدرا ً من الاهتمام داخليا وخارجيا ً .
وقد صُدمَ المصريون عندما انسحب بعض من أعضاء الجمعية التأسيسية.. في الوقت الحرج قبيل الانتهاء من هذا المشروع الذي انتظره الشعب بلهفة كغريق ينتظر من ينقذه للخروج من الفترة الانتقالية المضطربة التي طالت.. ولبناء مستقبل مشرق يحقق طموحات وتطلعات الأمة ويستكمل مطالب ثورتها .
بل الأعجب من هذا الانسحاب هي الأسباب الواهية التي ساقها المنسحبون لتبرير ما قاموا به ومحاولة إقناع الشعب بدوافعهم الغامضة .
ولقد ظهر لنا هذا المخطط المُعد مسبقاً من وراء هذا الانسحاب الغريب لإفشال عمل الجمعية التأسيسية وإطالة وقتها.. انتظارا ً لحكم المحكمة الدستورية وحل هذه الجمعية وغيرها لإرباك المشهد السياسي وإعادتنا لنقطة الصفر.. ودخولنا في نفق مظلم وحالة يائسة مضطربة لإضعاف الرئيس المنتخب وإسقاط شرعيته والانقلاب عليه لخدمة فصائل لها أجندة معروفة .
ولكن أعضاء الجمعية التأسيسية المخلصين قد فوتوا الفرصة على المتربصين وأنهت مشروع الدستور في سباق مع الوقت بجهد مشكور ومنتج دستوري غير مسبوق !!
وما أن اكتمل نمو هذا المشروع والمولود الجديد وأوشك أن يرى نور الحياة والتطبيق.. فإذا بإعلام مبارك وفضائيات فلوله – كعادتهم - تزيف الحقائق وتروج الشائعات وتبث الشبهات.
فتارة يقولون دستور إخواني كتبه فصيل إسلامي بدون توافق وطني.. أو دستور مسلوق كُتب على عجل.. وغيرها من الأسباب الواهية المجافية للحقيقة بعد أن توافقت ووافقت عليه كل الأطراف ووقعوا عليه قبل انسحاب بعضهم بما يشبه الإجماع على المواد الخلافية .
والأدْهى من ذلك هو التفاف النخبة السياسية وتجمعهم في جبهة غير وطنية ومد أيديهم إلى فلول النظام السابق وأموالهم الملوثة وبلطجيته لتحقيق أغراضهم الشخصية ومصالحهم الحزبية وفرض إرادتهم على حساب أمن هذا الشعب واستقراره .. فأشعلوا البلاد فتناً وحرائق وعنف وقتل برصاص حي في صدور شباب وطنهم .
فعار على هؤلاء الذين صدعوا أدمغتنا بديمقراطية لم يحترموها.. لأنها لم تأتِ بهم إلى سدة الحكم فكفروا بها وطعنوا فيها ولفظوها وانقلبوا عليها.. ليس بوسائل سلمية وسياسية.. بل بالتهديد والوعيد والعنف والقتل وإشاعة الفوضى وحرق البلاد .
وكم كنت أتمنى أن يكون الصراع السياسي والتنافس الحزبي حول بنود الدستور ونقاط الاتفاق والاختلاف والسلبيات أو الايجابيات في محاولة الوصول إلى توافق مجتمعي ورضاء شعبي .. لكي يخرج هذا الدستور في أحسن شكل وأدق معايير وأفضل مبادئ وأروع حقوق.. ثم يكون الفيصل والحَكم هو إرادة الشعب وصندوق الاقتراع .. سواء قال (نعم) أو قال (لا) .
لكي ننطلق بعدها نحو المستقبل والتنمية والنهضة ونبني مصرنا الحبيبة ونحقق حلم الأجيال وتطلعات الأمة وطموحات الشعب الذي ذاقَ الفقر والتهميش والإقصاء في ظل النظام السابق .
ويكفي هذا المشروع الدستوري شرفا ً وفخرا ً أن يكتب في سابقة لم تشهدها مصر عبر تاريخها بأن يكون بإرادة الشعب وبأيدي أبنائه وتمثيل فئاته ومحاورات شعبه ومناقشات رجاله ونسائه.. واقتراحات نقاباته وعماله وفلاحيه.. وعلى مرأى ومسمع من العالم كله على الهواء مباشرة.. وليس في غرف مغلقة كما كان يحدث في السابق بإرادة الحاكم المستبد المنفرد .. أو بلجنة متخصصة بلا تمثيل أو إشراف شعبي !! .
ولكن شاءت إرادة البعض أن تفسد هذه الثمرة أو أن تغتال هذه الفرحة المنتظرة ويختنق هذا المولود الجديد ويموت فلا يهنأ بحياة .
ولكن هيهات هيهات لما يخططون له.. فهذا دستور يحمي هوية الأمة ويحقق مطالب الثورة .. ويُعلي قيمة الإنسان وكرامته .. ويحفظ عليه حريته والتعبير عن أرائه .. ويحقق طموحات جماهيره.. ويُلبي أحلام الأجيال القادمة وتطلعاتها .. ويفتح أمامها آفاق المستقبل .
هيهات أن تنال منه مكائدهم ومخططاتهم الفاشلة .
إن أمامنا تحديات جسام وعقبات كبيرة في الداخل والخارج.. وأعداؤنا متربصون ويكيدون ويخططون .. والله لهم بالمرصاد .. فهو خير حافظاً وهو أرحم الراحمين .
يا قومنا:
إنها مرحلة مخاض ولابد من تجاوزها وتحمل آلامها والصبر عليها .. انتظارا ً لمولود جديد يفرح الكل به .. وتنتهي به هذه المرحلة الانتقالية ونبدأ به عهدا ً جديدا ً من الأمن والأمان والبناء والتنمية والاستقرار والنهضة.. اللهم ألهمنا رشدنا .. واجمع شملنا .. وحقق آمالنا .. ورد كيد عدونا .. واحفظ بلادنا .. آمين.