مشاهدة النسخة كاملة : قراءة في نتائج الاستفتاء على الدستور المصري


aymaan noor
29-12-2012, 09:40 PM
قراءة في نتائج الاستفتاء على الدستور المصري
http://www.rcssmideast.org/media/k2/items/cache/b689fad0280b286c898256c8d3b6ee9e_L.jpg
محمد عبد الله يونس
مثل انقضاء الاستفتاء الدستوري أحد النقاط الفاصلة في مسار المرحلة الانتقالية للثورة المصرية التي امتدت على مدار عامين لم تشهد خلالهما معادلات السلطة استقرارًا في ظل الاستقطاب السياسي المحتدم، وتحولات الثنائيات الجامدة الحاكمة لتوجهات مختلف القوى السياسية. وفي هذا الإطار كشفت سياقات ونتائج عملية الاستفتاء عن تحولات في مدى فاعلية وتأثير خطاب القوى السياسية وتركيبة الكتل التصويتية المختلفة، فضلا عن أدوات السلطة والمعارضة في إدارة الصراع السياسي؛ إذ لا يمكن اعتبار نهاية الاستفتاء الدستوري المحك الفاصل في التناحر بين التيارات السياسية بالنظر إلى سيولة المشهد السياسي، والتعارض الهيكلي في المصالح والمنطلقات الأيديولوجية، والاصطفاف الثنائي بين التيارات الإسلامية من جانب والتيارات المدنية من جانب آخر.
سياقات الاستفتاء:

تبدو المفارقة واضحة في التلازم بين السياقات الاستقطابية المحتدمة والصدامات العنيفة التي سبقت إجراء الاستفتاء وكان آخرها اقتحام مقر حزب الوفد والصدامات في محيط ميدان القائد إبراهيم بالإسكندرية، وما شهدته عملية الاقتراع من هدوء نسبي تخللته شكاوى متعددة من المعارضة بوجود تجاوزات وممارسات غير تنافسية، ونفي متكرر من اللجنة القضائية المشرفة على الاسفتاء، وفي هذا الصدد بدت عدة خصائص للسياق المحيط بعملية الاستفتاء:

1- جدليات الإشراف القضائي: أدت مقاطعة نادي القضاة وقضاة مجلس الدولة والنيابة الإدارية للإشراف على الاستفتاء نتيجة للخلافات المحتدمة مع مؤسسة الرئاسة ووضع القضاء في مسودة الدستور والمطالبة بفض حصار المحكمة الدستورية إلى تشكيك الجبهة الوطنية للإنقاذ في اكتمال أركان الإشراف القضائي الكامل على الاستفتاء، وتردد اتهامات من جانب بعض الناخبين بعدم إشراف قضاة في عدد من اللجان، وهو ما نفته قطعًا الهيئة القضائية المشرفة على الاستفتاء.

2- المخالفات الانتخابية: انعكست السياقات الاستقطابية على مرحلتي الاستفتاء لا سيما المرحلة الثانية التي شهدت تشكيكًا في نزاهتها من جانب تيارات المعارضة لادعائها وجود تصويت جماعي، وتباطؤ متعمد في بعض اللجان، وتوجيه بعض القضاة للناخبين خلال الاقتراع، فضلا عن الدعاية حول اللجان، ووجود مندوبين عن بعض الأحزاب داخل لجان الاقتراع.

3- مشكلات إدارة العملية الانتخابية: شهدت عملية إدارة الاستفتاء خللا واضحًا، لا سيما في عدم الالتزام بمواعيد بدء الاقتراع والانتهاء منه وبداية عملية الفرز بما أدى لإلغاء نتائج عدد من لجان الاقتراع التي بدأت الفرز قبيل موعد الانتهاء من الاقتراع، وفي السياق ذاته أثر النقص الواضح في عدد القضاة على بطء الاقتراع، واصطفاف الناخبين داخل اللجان.

قراءة في النتائج

كشفت نتائج الاستفتاء الدستوري عن تحولات في توجهات الناخبين بالمقارنة بالاستفتاء الدستوري في مارس 2011، إذ لم تعد محفزات من قبيل استعادة الاستقرار ودفع عجلة الإنتاج ودعوات نصرة الشريعة التي تبنتها التيارات الدينية تتمتع بنفس مستوى الفاعلية في توجيه السلوك الانتخابي للمواطنين، رغم كونها تجد قبولا سيكولوجيا لديهم اتساقًا مع الشخصية المصرية المحافظة ذات النزوع الفطري للاستقرار والالتفاف حول السلطة في فترات الأزمات تفضيلا لاستمرار نشاط الاقتصاد على اعتبارات التوازن السياسي، وفي هذا الإطار تتكشف عدة دلالات مرتبطة بنتائج الاستفتاء:

- لم ينجح خطاب السلطة في استقطاب نفس المستوى النشط من المشاركة الانتخابية رغم استخدامه كافة المحفزات التقليدية، فبالمقارنة باستفتاء 2011 الذي شهد مشاركة 18.5 مليون ناخب بنسبة 41% من إجمالي من يحق لهم التصويت والانتخابات الرئاسية التي شهدت مشاركة حوالي 25.5 مليون مواطن بما لا يقل عن 50% من إجمالي من لهم حق الاقتراع، فإن استفتاء ديسمبر 2012 لم يشهد سوى مشاركة 17 مليون ناخب بنسبة 32% من إجمالي الناخبين.

- تراجعت نسبة الموافقة على الدستور عن الاستفتاء الدستوري الصادر في مارس 2011، فبينما تم إقرار الأول بموافقة 14.1 مليون مواطن بنسبة 77.2%، في مقابل 4.1 ملايين مواطن لم يوافقوا على التعديلات الدستورية بنسبة 22.8%، فقد تم إقرار الدستور بموافقة 10.69 ملايين ناخب بنسبة 63.8% بالمقارنة بمعارضة 6.06 ملايين ناخب بنسبة 36.2% غير أن نتيجة المرحلة الثانية من الاستفتاء قد شهدت تصاعدًا في نسبة المؤيدين التي لم تكن تتجاوز 56.5%.

- يبدو التوزيع الجغرافي للكتل التصويتية أكثر تعقيدًا عن الاستفتاء الدستوري في 2011، حيث تركزت معارضة الاستفتاء في محافظات الوجه البحري لا سيما القاهرة والغربية والمنوفية، بينما دعمت محافظات الوجه القبلي والمحافظات الحدودية الأكثر محافظة واستجابة لخطاب الاستقرار والشريعة الدستور بنسب غير مسبوقة، وتصدرت القائمة محافظات الوادي الجديد ومرسى مطروح وبني سويف والمنيا المحافظات الداعمة للدستور.

- تكشف مراجعة نسب التغير في تكتل الرافضين للدستور في ديسمبر 2012 والرافضين للتعديلات الدستورية في مارس 2011 عن اتساع قاعدتهم التصويتية في غالبية المحافظات رغم تدني معدلات التصويت في الاستفتاء الأخير، وبدت المنوفية أكبر المحافظات التي شهدت تحولا في سلوكها التصويتي على الاستفتاء؛ حيث ارتفعت نسبة معارضة الاستفتاء من 13% عام 2011، إلى 52% بنسبة تغير تصل إلى 39%، وعلى ذات المستوى شهدت القاهرة اتساعًا لقاعدة المعارضين من 39% عام 2011 إلى 57% عام 2012، كما تصاعدت نسبة المعارضة للدستور في الغربية من 21% عام 2011 إلى 52% في استفتاء 2012 بمعدل تغير يصل إلى 31% وعلى ذات المنوال تصاعدت نسبة الرفض في بورسعيد من 29% إلى 49% وفي الدقهلية من 20% إلى 45%.

ويوضح الرسم البياني التالي معدلات التغير في نسب معارضي الترتيبات الدستورية بين عامي 2011 و2012.

http://www.rcssmideast.org/files/egypt.png

- ويمكن اعتبار الكتل التصويتية الأكثر محافظة في الصعيد والمحافظات الحدودية خاصة مطروح وشمال سيناء مجالا محجوزًا للتيارات الإسلامية برافديها الإخواني والسلفي بالنظر لاتساق التوجهات المجتمعية في تلك المحافظات مع الخطاب السياسي ذي النزعة الدينية الغالبة للتيارات الإسلامية، بينما تظل محافظات الوجه البحري الأكثر كثافة في السكان والنشاط التصويتي لا سيما القاهرة والغربية والمنوفية وكذلك المحافظات الساحلية متأرجحة ومنقسمة بين التيارات الإسلامية والتيارات المدنية، وإن كانت الأخيرة تحظى بقدر أكبر نسبيًّا من التأييد لاعتبارات ترتبط بالتناقضات بين خطاب التيارات الإسلامية والتوجهات المجتمعية السائدة في تلك المحافظات، وإن لم تتمكن المعارضة المدنية من ترسيخ تواجدها السياسي أو تحويل الكتل المناوئة للتيارات الإسلامية إلى كتل تصويتية صلبة داعمة لوصولها للسلطة.

- قد يكون تفسير نتائج الاستفتاء بالنطاق الجغرافي لنشاط المعارضة المدنية والإعلام الرافض لمسودة الدستور الذي يتركز في القاهرة ومحافظات الوجه البحري ويتراجع كلما ابتعدنا عن المركز نحو الأطراف بينما تمكنت جماعة الإخوان المسلمين وحلفاؤها من التيارات السلفية من حشد المؤيدين في محافظات الصعيد وسيناء والوجه البحري لحسم الاستفتاء بأغلبية بسيطة إدراكًا منهم لمستوى المصالح التي تتعارض معها مسودة الدستور، لا سيما قيادات الحزب الوطني السابق التي ستواجه عزلا سياسيًّا لمدة عشر سنوات، وفق مسودة الدستور الحالي.

سيناريوهات ما بعد الاستفتاء

تبدو الترتيبات المؤسسية التي تبعت الاستفتاء على الدستور كاشفة عن نمط عام لسلوك السلطة والمعارضة في هذه الفترة الفارقة قبيل نهاية المرحلة الانتقالية، حيث اتجه الرئيس محمد مرسي لتعيين حوالي 90 عضوًا جديدًا في مجلس الشورى الذي سيتولى الصلاحيات التشريعية فيما تبقى من المرحلة الانتقالية، ولا تزال جلسات الحوار الوطني مستمرة في الانعقاد برئاسة المستشار محمود مكي الذي قدم استقالته من منصب نائب رئيس الجمهورية، في المقابل أعلنت الجبهة الوطنية للإنقاذ استمرار مقاطعة كافة جلسات الحوار الوطني، والاستعداد لخوض الانتخابات البرلمانية بقوائم موحدة، وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى أربعة مسارات رئيسية لتجاذبات ما بعد الاستفتاء.

- المسار الأول يتمثل في استجابة المعارضة المدنية للحوار الوطني والتوافق حول ترتيبات لإدارة الانتخابات البرلمانية وعملية انتقال السلطة والقبول بالإطار الدستوري الحالي رغم التناقضات الهيكيلية التي صاحبت صياغته، وهو سيناريو مستبعد نسبيًّا نتيجة حدة الانقسامات الثنائية الحاكمة للمشهد السياسي الراهن.

- المسار الثاني يتمثل في تدخل السلطة لإعادة هيكلة المعارضة من خلال استمالة السلطة لبعض رموز وتيارات المعارضة المنضوية في إطار الجبهة الوطنية للإنقاذ الأكثر قبولا للائتلاف مع السلطة وإدارة حوار معها حول ترتيبات الانتخابات، وربما تقديم بعض الوعود لتلك التيارات حول التنسيق في الانتخابات البرلمانية والمحلية، فضلا عن تعيين بعض قياداتها في مناصب تنفيذية في مقابل استبعاد المعارضة الأكثر حدة في مواقفها وتوجهاتها حيال السلطة من عملية توزيع المنافع السياسية.

- المسار الثالث يتمثل في استمرار الاصطفاف الثنائي والتناقضات الحاكمة للصدام بين السلطة والمعارضة استعدادًا للانتخابات البرلمانية للإفادة من أجواء الاستقطاب السياسي في حشد الناخبين، وتعظيم المكاسب السياسية، بالنظر إلى ما يحققه التمايز السياسي بين التيارات الإسلامية والمعارضة المدنية من خيارات انتخابية ثنائية واضحة تقلل من احتمالات تفتيت الأصوات في الانتخابات البرلمانية.

- المسار الرابع يرتبط بتفجر حراك احتجاجي واسع النطاق في مواجهة السلطة يتسبب في مواجهات دامية وصدامات بين مؤيدي الرئيس والدستور ومعارضيه على غرار المواجهات الدامية في محيط قصر الاتحادية وفي المحافظات المختلفة، وهو سيناريو مطروح في ظل استمرار الزخم في مواقف المعارضة الشعبية غير المنظمة في أطر حزبية والتي تقود الحراك الاحتجاجي، وتحدد مساره وكثافته بمعزل عن تأثير الجبهة الوطنية للإنقاذ التي لم تثبت قدرتها على احتواء وتوجيه حركة الاحتجاجات بصورة كاملة.

وإجمالا يبدو سيناريو الانقسام الوطني المشوب بحراك احتجاجي متفاوت في الحدة قد يصل إلى تجدد العنف السياسي الأكثر احتمالية في ضوء التطورات الراهنة ومواقف الأطراف المتناحرة، غير أن تداعياته السياسية والاقتصادية في غاية الخطورة لارتباطها بتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والانفلات الأمني وعدم الاستقرار السياسي، ما يجعل الجنوح للحوار والتوافق أحد حتميات تجاوز ما تبقى من المرحلة الانتقالية.

راغب السيد رويه
30-12-2012, 12:41 AM
جزاك الله خيرا وبارك فيك

محمد محمود بدر
30-12-2012, 12:53 AM
جزاكم الله خيرا على هذا التحليل الرائع