مشاهدة النسخة كاملة : أحزان الصعايدة في كل العصور


abomokhtar
24-01-2013, 09:36 AM
بقلم د/ ناجح إبراهيم
الصعيدي صاحب البشرة الداكنة والقلب الأبيض .. باطنه كظاهره بل أحلى .. سره كعلانيته بل أصفى.. لا يعرف "اللوع" .. لا يغدر بصاحبه .. بل يضحي من أجله
الصعيدي ظلمته كل الحكومات بلا استثناء .. رغم أنه أول من يدفع ضريبة الوطن حينما يستصرخه.. لا يهمل مصر كما تهمله.. ولا يعاملها بنفس معاملتها .. فهي أمه في النهاية .
كأنه كتب علي الصعايدة أن يعيشوا دوما ً في البلاء والتعاسة والشقاء والبطالة والمرض والفقر.. فقطارات الصعيد تحترق بهم بين الحين والآخر عند العياط يبكون .. وعند البدرشين تفوح رائحة دمائهم ومعها يسح الدمع سخينا مدرارا ً من قلوب الأمهات والزوجات قبل العيون .. فالقطارات لا تعرف التصادم عادة إلا بهم .. وكأنه كتب علي الصعيد شعار الموت أينما توجه.
يأتون من العراق في عهد صدام في نعوش إلي مطار القاهرة.. لا تسأل عنهم مصر كيف ***وا ؟.. ولماذا ***وا؟.. تأتي مئات النعوش دون لوم أو عتاب لصدام حسين.. فصداقة مصر له أهم من كل الصعايدة .
تفترسهم حيتان القرش في البحر الأحمر بعد أن أغرقتهم عبارة السلام دون أن تطرف عين مبارك وعزمي وممدوح إسماعيل .. يعود الأهل إلي البيوت دون جثامينهم التي اتخذت من جوف الحيتان قبرا .. وكأن الوطن ضاق بهم أحياء ً وأمواتا ً .
لا يجدون في بلادهم مصنعا ً يعملون به .. ولا استثمارات تنقذ أبناءهم من البطالة المدمرة .. حتى السياحة التي أنعشت حياتهم زمنا ً دمرت تماما ً .. حتى باع أهل الأقصر حلي زوجاتهم لتسترهم الجدران بعد أن كانوا أغنياء.
يعمل الصعيدي في الخرسانة والمعمار في درجة حرارة 55 درجة في الكويت.. كل من يذهب إلي هناك يرسل لأقاربه وكأنهم يقولون لهم: "لا عيش لكم في مصر التي زهدت فيكم.. رغم أنكم أول من يضحي من أجلها ".
يستقدم بعضهم بعضا .. لا يهمهم حر الشمس الذي يصهر الحديد .. فأياديهم كالفولاذ تتحمل شمس الكويت والسعودية والخليج.. وما أدراك ما الشمس هناك في وقت الظهيرة.. يعملون في الصحاري الشاسعة لبناء المدن الجديدة .. دائما ً يبنون ليسكن غيرهم .. ويزرعون ليأكل غيرهم.. ويحملون ليستريح غيرهم.
يقولون : "لا يصمد لهذا العمل سوي الصعيدي .. يأكل قليلا ً ويعمل كثيرا ً .. لا يغادر المهندسون هناك مواقع العمل المكيفة وإلا أغمي عليهم.. أما العامل الصعيدي فيواجه الحر والمر والقيظ والجوع ".
ليس أمامه خيار آخر.. الصعيدي لا خيار له إلا الشقاء.. يتغرب بعضهم 14 عاما ً كاملة في الكويت والسعودية والخليج وليبيا.. لأنه لا يستطيع نزول مصر كل عام وإلا أضاع تحويشة العام كله .. يثابر ويثابر .. قد يهضمه الخليجي أو الليبي أو العراقي حقه.. قد يطمع في الريالات أو الدنانير القليلة التي يعمل بها ويعمر بها بلادهم.. فيصبر الصعيدي وهو القوي الأبي علي قهر الرجال .. لأن وطنه قهره مرارا ً وخذله تكرارا ً .. فليس أمامه اليوم سوي الصبر والاستمرار.
يعلم أن وطنه قد ظلمه وقلاه وجفاه.. فلا يستبعد ذلك من الآخرين .. لقد تعود علي أن يظلم ويبخس.. إنه يصبر نفسه ليعود إلي وطنه يوما ليبني بيتا ً خاصا ً به ويشتري أرضا ً له ولأولاده بعد أن تمزقت وتبعثرت أراضي أجداده بفعل الميراث .. لم يبق للأحفاد من فدادين الأجداد سوي بضعة أسهم لا تسمن ولا تغني من جوع.
لازال الفكر العشائري والقبلي هو السائد في الصعيد .. لقد أفاد في حفظ الأمن أثناء الانفلات الأمني بعد الثورة .. ولكن مأساته الكبرى هي استدعاء العشيرة كلها بسلاحها وعتادها مع أي مشكلة تثور بين فرد منها وآخرين .. مهما كان حمقه ونزقه.
الصعيدي لا يجد في قريته أي سبب من أسباب العيش.. كل ما في قري الصعيد يصنع الموت لا الحياة.. بنادق وأسلحة تباع علنا.. ثأرات متأججة متوارثة يغذيها الفراغ والفقر والجهل ويشجعها السفهاء من الجانبين وما أكثرهم في هذا الزمان .. ووفرة السلاح الذي يشتاق لل*** مع الفراغ الأمني وضياع هيبة الدولة .
خصومات الثأر أردت قرابة ألفي قتيل في عامين بعد الثورة مع آلاف الجرحى والمصابين .. وعشرات السجناء والمحبوسين.
لا اتصل بقائد من قادة الدعوة في صعيد مصر إلا وأجده مشغولا ً عادة بالصلح في خصومة ثأرية بين عائلتين.
لا عمل .. لا اقتصاد.. لا وظائف.. لا تعليم جيد.. لا رعاية صحية.. فقر وعوز وحاجة.. حتى أنك تجد أسرة قروية تحتاج إلي بطانية واحدة ليلتحف بها الأبناء.. كل المصانع تهجر الصعيد وكأنها تكرهه .. حتى مصانع الصعيد ومؤسساته يستقدم لها آخرون من الوجه البحري من أولي الحظوة والكوسة .
ليس أمام الشاب الصعيدي سوى الوظيفة الميري .. وهيهات هيهات أن توجد منذ سنوات طويلة .. فإذا خلت وظيفة هامة في شركة من شركات البترول والأسمدة أو الألومنيوم في الصعيد فاز بها أرباب الكوسة والمحسوبية من أهل القاهرة الذين يعرفون جيدا ً من "أين تؤكل الكتف".. ومن "أين يؤتي فرسان الحكم في كل عصر".
يذهب الصعيدي إلي الإسكندرية أو القاهرة فلا يجد عملا ً إلا في المعمار أو في وكالة الخضار والفاكهة.. فيعيش كل سبعة في غرفة واحدة .. ينامون علي الأرض .. لا يذهبون لزوجاتهم إلا كل عدة أشهر.. الزوجة الصعيدية "رضيت بالهم ولكن الهم لم يرض بها" .. كما يقولون.. تعودت علي الصبر بكل أنواعه
تهضم المرأة الصعيدية في ميراثها فتصبر لحكم أشقائها الأقوياء.
الصعيد لم يكن يعرف الطلاق إلا نادرا ً .. ولكن الطلاق انتشر الآن في الصعيد انتشار النار في الهشيم.
الزوجة التي تطلق هناك لا تتزوج عادة.. وكأنه كتب عليها الأسى والعذاب طيلة عمرها .
يموت الزوج الصعيدي فتصبر زوجته علي ذلك وتعتكف حياتها كلها علي أولادها .. فمنهم من يشكر صنيعها وأكثرهم يكفر ويجحد .. تنزوي بأحزانها وآلامها.. يبكي قلبها ولا تدمع عينها.

القائد السفاح أبو العباس الاسود
24-01-2013, 10:47 AM
صدقت جزاك الله خيراً

الحسيني عباس
24-01-2013, 12:03 PM
صدقت ونسأل الله تعالي حسن الاحوال ............................ يااااااااااااااااااااارب

صوت العقل
24-01-2013, 04:33 PM
لا حول ولا قوة الا بالله ..
جزاكم الله خيرا استاذى ..

darch_99
24-01-2013, 04:43 PM
جزاك الله خيرا والله لقد ابكيتني

شكرا لك

ابونرمين
24-01-2013, 05:25 PM
صــــــــــــــــــــــــلوا على النبى المختــــــــــــــار

عاشق البلانكو الابيض
24-01-2013, 07:56 PM
للاسف الصعيد مش موجود على الخريطة بتاعت
المسئولين فى مصر جزاك الله خيرا

محمد محمود بدر
25-01-2013, 11:08 AM
للاسف الصعيد مش موجود على الخريطة بتاعت
المسئولين فى مصر جزاك الله خيرا



جزاكم الله خيرا