مشاهدة النسخة كاملة : البلاك بلوك.. في كتاب فرنسي


abomokhtar
30-01-2013, 07:42 AM
عرض/ يسرا زهران
عندما يظهر أفراد جماعة "البلاك بلوك " "أو الكتل السوداء" في مجتمع ما.. يكون ذلك دليلا أن هذا المجتمع لم يعد فيه قائد يسمع أو معارض يحلم أو شعب يعترف أحد بحقه في القرار.
تظهر تلك "الكتل السوداء" عندما يكون النهار في بلد ما قد تحول بالفعل إلى ظلام.. فلم يعد يضير أحداً أن يضاف مزيد من الظلام والسواد إليه.
ربما لو قرأت أشهر كتاب فرنسي صدر عن "البلاك بلوك" في العالم الذي يحمل عنوان "الكتل السوداء" "تجسيد الحرية والمساواة" للمؤلف "فرنسيس دوبوى ديرى" .. لأدركت أن ال*** أحيانا في بلد ظالم قد يحمل لأصحابه رائحة العدل.. وأن "سواد" ملابس "الكتل السوداء" لا يعنى بالضرورة سواد أفكارهم ونواياهم ومشاعرهم.. وأن السعي وراء الحق أحيانا لا يعنى أن تنساق وراء الآخرين مهما بلغت سلطتهم ولا أن تنخدع بكلامهم مهما كان بريقهم على الشاشات.
يقول الكاتب الفرنسي عن "البلاك بلوك" : إنهم "مجموعة من الشباب الذين يوصفون دائما بأنهم "متطرفون" لا يحركهم سوى دافع ال*** والفوضى والتحطيم والتخريب اجتمعت على عدائهم كل الأطراف السياسيون والمفكرون والمثقفون وأجهزة الأمن والإعلاميون ورجال السلطة والمعارضة.. السلطة تعاديهم لأنهم يتحدونها ويعاديهم الأمن لأنهم لا يهابونه.
بينما الغريب أن أشرس أعدائهم يكونون في الغالب من أنصار نفس قضيتهم.. ولكن ممن يفضلون الأساليب السلمية في التعبير والمواجهة.. ويرون في تخريب "الكتل السوداء "للمنشآت تخريباً لصورتهم البراقة في المعارضة المسالمة أو الآمنة بشكل قد يفقدهم تعاطف الرأي العام والشعب.
لكن الواقع أن ظهور "الكتل السوداء" يوجه رسالة محددة وواضحة للسلطات الحاكمة والمعارضة بأن هناك قوة أخرى على الأرض قوة المواطن الذي يعارض الطريقة التي تدار بها الأمور ويرفض القرارات السياسية والاقتصادية التي تتخذ على أعلى مستوى حتى لو اضطر للتعبير عن رفضه وغضبه بأدنى مستوى.
هم ليسوا كما يظن البعض بشكل سطحي مجموعة من الشباب الساذج العنيف الذين لا يفقهون شيئا في السياسة.. فعادة ما يكون أفراد "الكتل السوداء" أصحاب فهم سياسي جيد للأحداث ولا يلجؤون لل*** كخيار أول.. فال*** بالنسبة لهم واحد من أساليب عديدة يستخدم كل منها حسب ما يقتضيه الموقف.
وحتى ***هم نفسه درجات يبدأ باستعراض بسيط للقوة ويصل إلى تدمير المنشآت التي ترمز للقوة التي يواجهونها.
كما حدث في تدمير" البلاك بلوك" لمقر إخوان" أون لاين" في التوفيقية في المظاهرات الأخيرة ضدهم مرورا بالدفاع عن المتظاهرين السلميين والتطوع للقيام بالإسعافات الأولية الضرورية.
إلا أن ما يميز "الكتل السوداء" حقا هو رفضهم لأي شكل من أشكال السلطة عليهم سواء كانت هذه السلطة من خارجهم أو حتى سلطة من قلب المجموعة نفسها.
ويتابع: "يغضبون من الدولة عندما لا تراعى حق شعبها ويغضبون من قوات الأمن عندما تتحول إلى مجرد امتداد للنظام وليس وسيلة للدفاع عن الشعب".
تصبح الدولة في نظرهم بلا شرعية فيصبح من حق المواطن العادي البسيط أن يدافع عن نفسه ضد ممارسات وظلم الدولة ضده.. بما فيها ممارسات الأمن.
وإذا كان البعض ينظرون لتخريب "البلاك بلوك" لمنشآت النظام "عدوها" على أنه اعتداء.
فإن" البلاك بلوك" بالمثل تنظر إلى السياسات الظالمة لحقوق الناس على أنها اعتداء أسوأ من الاعتداء على المنشآت.. ويكون أسوأ اعتداء على المواطن هو حرمانه من حقه في تقرير مصيره ويكون عليه أن ينتزع هذا الحق بالذوق أو بال***.
رسالتهم لعدوهم بوضوح: "نحن مصالحنا متعارضة مع سياساتكم".. وأشرس أعدائهم هم أنصار نفس قضيتهم من المعارضة السلمية .
ولخص الكتاب رؤيتهم قائلا: يمكن تلخيص عقيدة "البلاك بلوك" أو "الكتل السوداء" في أنهم حركة جماعية.. وعلى كل من يريد أن ينضم إليهم أن يرتدى ملابس سوداء وقناعا أسود ثم يظهر في قلب مظاهرة ما.. هذا الشكل المميز يجعل التعرف عليهم سهلا يتعرفون على بعضهم ويشكلون تجمعا في قلب المظاهرة.. وتكون المهمة الأساسية لأي "كتلة سوداء" في قلب مظاهرة إعلان الوجود الرافض والحاسم لسياسة ما.. يمنحهم هذا الشكل القدرة على التحرك بحرية ويحمى هويتهم ويصعب على أجهزة الأمن فيما بعد التعرف عليهم.
وأضاف: لا يشعر أفراد "لبلاك بلوك" بالذنب من استخدام الأساليب العنيفة في التعبير.. فمن وجهة نظرهم كل الأفكار القومية الكبرى وحتى الديانات لجأت في مرحلة ما لل*** لتثبيت أقدامها وكان ال*** مبرراً ما دام في صالحها.
كما أن أعضاءها عادة ما يشاركون في المظاهرات دون ***.. كما أن "ال***" في حد ذاته اختيار خاص لأفراد المجموعة كل واحد حر فيما إذا كان يريد استخدام ال*** أم لا.
تتكون كل مجموعة عادة من 6 إلى بضع عشرات من الأفراد وتنضم عدة مجموعات إلى بعضها لتكون "كتلة سوداء" والرابط الذي يجمع بين أفراد المجموعات متنوع قد يكونون زملاء دراسة أو أصدقاء أو زملاء عمل أو جماعة سياسية.
طريقة اتخاذ القرار فيهم لا تعرف فكرة القائد ولا السلطة وفى اجتماعات كل مجموعة تتم ممارسة الديمقراطية بشكلها المباشر: كل واحد حر في اختيار الطريقة التي يعبر بها عن نفسه.. ولذلك لا يتم اللجوء لفكرة التصويت أو الموافقة بالإجماع إلا نادرا وعادة ما يكون أفراد "البلاك بلوك" من الشباب في العشرينيات من العمر.. على الرغم من أن أعمارهم تتراوح بين 15 و55 عاما.
وعادة ما يكونون من الطلبة الجامعيين لكن بعضهم تكون لديه خلفية "ميليشيات" أي أن يكون عضوا في حركة مناهضة أو تيار سياسي معارض.. وتشارك الفتيات بنسبة كبيرة في تنظيمات "البلاك بلوك" بنسبة تصل أحيانا إلى 40%.
ظهورهم يقول للسلطة والمعارضة: "هناك مواطن على الأرض لا يعجبه ما يحدث.. وال*** عندهم درجات وهو أحد الأساليب".
ويوضح الكاتب أنه : في اجتماعات المجموعة توزع أدوار الكلام بالتساوي بين الرجال والنساء ولا يوجد قائد للمجموعة بشكل خاص أو عام لا قائد ولا سلطة تتولى مهمة توزيع المهام أو تفرض على المجموعة أهدافاً جماعية.. فالمجموعة تتناقش مع بعضها وتقرر كلها حجم المخاطر التي يمكن أن تواجهها وما إذا كانوا قادرين على مواجهتها أم لا ويقرر الكل بشكل جماعي كيفية التحرك.
ويضيف: بعض المجموعات تختار أن تتحرك بشكل عنيف وتسلح نفسها بالعصي والشماريخ وكوكتيلات المولوتوف وبعضها الآخر يقرر التحرك بشكل دفاعي فيسلح نفسه بالقفازات والدروع وأقنعة الغاز والبعض الثالث يلعب دور ضباط الاتصال فيستعد بالدراجات الهوائية أو النارية واللاسلكي والتليفونات المحمولة.. وغيرهم يقرر القيام بمهمة الإسعافات الأولية لعلاج المصابين من قنابل الغاز وإصابات الاشتباكات.. وحتى رفع المعنويات والطبول والموسيقى لتشجيع المسيرة يكون لها أفراد يريدون القيام بذلك.
وعندما تكون هناك مظاهرة مهمة يمكن أن تعقد عدة مجموعات اجتماعا للتنسيق بينها ومن الممكن جدا أن ينضم لهم أفراد لم يحضروا هذا الاجتماع أو مجموعة أخرى قررت قبلها بيوم أن تنضم للمسيرة أو المظاهرة.
ويؤكد الكاتب: أن ال*** ليس وسيلتهم الوحيدة أو المعتمدة للتعبير عن أنفسهم فأكثر قيمة يحترمونها فيما بينهم هي التنوع في الأساليب البعض قد يرى مناسبا أن يتظاهر بشكل سلمى والبعض الآخر قد يرى من المناسب في موقف ما أن يلجأ لل***.. وبعضهم يعلن صراحة أنه لن يلجأ لل*** مهما كانت الأسباب ويكتفي بالتمريض.. وفى المقابل فيهم من صار ال*** بالنسبة له أسلوب حياة.. والطريقة الوحيدة التي يعبر بها عن نفسه كشخص له صوت وليس كضحية معدومة الإرادة بعد أن عرف أن الأساليب السلمية كلها محدودة.
وعن علاقتهم بالدولة يقول: علاقتهم بأجهزة الأمن ومؤسسات السلطة معقدة فهم يرون أن ال*** رفض قاطع ومختصر لسياسات خاطئة ترمز لها المنشآت أو المقرات التي يهاجمونها ويوجهون رسالة لوسائل الإعلام تدفعها لمناقشة أسباب ظهورهم وتخريبهم للمقرات.
التخريب هو الحدث الذي يلفت في المعتاد أنظار الإعلام لهم ولسبب احتجاجهم.
ويقول: كثير من أبناء "الكتل السوداء" كانوا من قبل ضحايا ل*** التعامل الأمني وكثير منهم من أبناء المناطق الفقيرة أو الضواحي التي تتعرض للسرقات والانتهاكات والتجاوزات الأمنية دون أن يسمع عنها أحد لذلك فهم لا يعتبرون هجومهم على الأمن ***اً وإنما انتقام.
يقولون ببساطة لمن يهاجمونهم: "مصالحنا متعارضة مع مصالحكم وسياساتكم" ومن يحيا في عالمه خائفاً وتحت التهديد طيلة الوقت يصبح ال*** بالنسبة له شكلا من أشكال الاحتفال.
تجتذب "الكتل السوداء" بالتالي أعدادا كبيرة ممن لا يريدون أن يشاركوا في السياسة ولا في التغيير إلا بال*** أو بالتظاهر أو بتنظيم التظاهر.
وقال أحد أفراد "البلاك بلوك" ملخصا موقفه: "أنا أتمنى أن أحيا في عالم بلا *** لكن العالم الذي أحيا فيه عنيف" بالفعل بالتالي فمن حقي كمواطن أن ألجأ لاستخدام القوة حتى لا أترك القوة كلها في يد السلطة الحاكمة.
الفعل والتحرك المباشر هما ما يساعداننا على أن نخرج من دور الضحية السلبية الذي يحصروننا فيه.. لكن هذا الإحساس لا ينبغي أن يقتصر على المظاهرات والمناسبات فقط.
وهذا هو ما يجعل العديد من أفراد "البلاك بلوك" يحترفون العمل كميليشيات معظم الوقت.
النساء تشاركن بنسبة تصل إلى 40% في المجموعات.. الكلام يتوزع بالتساوي بين الرجال والنساء ولا يوجد قائد للمجموعة .
لا تقل عنهم "الكتلة السوداء" لأنهم ليسوا فردا واحدا بل هم جماعات متكاتفة.. أفراد يتلاحمون معا في قلب مظاهرة ليصبح حضورهم ملحوظا.. لذلك فالتسمية الأدق لهم هي مجموعات "الكتل السوداء" من عشرات الأفراد وحتى الآلاف.
تريد "الكتل السوداء" أن تؤكد وجودها وحضورها ورفضها في قلب المظاهرة لذلك تلجأ لاستخدام الرايات والأعلام اللافتة خاصة بالألوان الحمراء والسوداء والشعارات الرافضة للسلطة.
مضيفاً: رفض السلطة جزء أصيل من تفكير "الكتل السوداء" لأنها قائمة على احترام حرية وقرار وإرادة كل فرد على العكس من "حكم الأغلبية" الذي تستند عليه الحكومات لا يعنى لهم نواب الشعب شيئا ولا يعترفون بشعارات مثل "الأغلبية الصامتة" ويتحرك كل واحد وفق رؤيته.
هذه المرونة الفائقة في التفكير والقرار هي التي تجعل من "الكتل السوداء" كيانا يصعب أن تحدده أو أن تضربه ويمنحهم في المقابل سهولة أن يفككوا أنفسهم ويغيروا مواقعهم ويعدلوا تحركاتهم وإعادة تجميع أنفسهم في مجموعات مختلفة من جديد.
لا يوجد تنظيم داخلي محدد لـ"الكتل السوداء" وهو ما يزيد من صعوبة اعتقالهم أو التفاوض معهم لا يتخذ أفراد "البلاك بلوك" قرارا موحدا ولكن هذه العفوية والتلقائية في التحرك يمكن أن تنقلب إلى عشوائية وتصبح نقطة ضعف بالنسبة ل"البلاك بلوك" غياب القيادة الموحدة في بعض المواقف قد يؤدى إلى تردد الأفراد في تحركاتهم والواقع أنه حتى مع غياب "السلطة" والقيادة بشكلها المعروف في قلب "البلاك بلوك" إلا أن الكاريزما والخبرة والمهارات الفردية تلعب دورا في تحديد صاحب التأثير الأكبر في قلب المجموعة.. كما يحدث في أي مكان في العالم.. لكن "البلاك بلوك" تكون صارمة جدا في التعامل مع أي "قائد" يفكر في استغلال نفوذه أو سلطته على باقي أفراد المجموعة.. من يتقدم في "البلاك بلوك" لا يمكن له أن يستغل هذه السلطة غير الرسمية في فرض إرادته على "رعاياه".
كما أن طبيعة "البلاك بلوك" نفسها التي يغير أفرادها مواقعهم ومجموعاتهم بغير توقف لا تسمح لأحد بممارسة السلطة على من هم أقل منه لفترة طويلة ولا يمكن بالتالي لإرادة فرد مهما كان أن تعلو على إرادة المجموع.
ويلعب مفهوم "المناطق" حسب الكاتب دورا مهما آخر في ثقافة "البلاك بلوك" عندما يتحرك "البلاك بلوك" في مسيرة ما.
تحدد المجموعة لنفسها ثلاث مناطق: المنطقة الخضراء والصفراء والحمراء المنطقة الخضراء مخصصة للأفراد الذين يريدون أن يتظاهروا دون أن يعرضوا أنفسهم لخطر الاعتقال أو الصدام أو المواجهة والمنطقة الصفراء لمن يتحملون المخاطر الطفيفة للإصابات والاعتقال.
أما المنطقة الحمراء فمخصصة للأفراد الذين يفضلون استخدام أساليب أكثر ***ا وقوة.
ويوضح: "هذا التقسيم هو الذي يسمح بأن تكون المظاهرة الواحدة لـ"البلاك بلوك" مظاهرة موحدة بينما تتعدد تحركات الأفراد فيها من يريد أن يستخدم ال*** يستخدمه دون أن ينفصل عمن يعبر عن نفسه سلميا.
قال أحد أفراد المجموعة: "لا أحد يجبر أحدا على شيء طبيعي جدا أن تجد من يستخدمون ال*** إلى جوار من يقومون بالإسعافات الأولية في الوقت نفسه.. لا يمكن أن تمنع أحدا من فعل ما يريد فعله لا أحد فينا يريد لنفسه هذا النوع من السلطة".