مشاهدة النسخة كاملة : مقـــام الوطن في فكر الإسلاميين...


simsim elmasry
21-02-2013, 05:56 PM
http://sphotos-b.xx.fbcdn.net/hphotos-snc6/165852_346260645449976_2022072296_n.jpg
http://www.hurriyatsudan.com/wp-content/uploads/2013/02/333333333333.jpg
فى معاجم اللغة العربية ـ ومنها (لسان العرب) لابن منطور، و(أساس البلاغة) للزمخشرى نقرأ التعريف للوطن باعتباره: المنزل الذى يمثل موطن الإنسان ومحل إقامته، وفيه يكون المولد والمنشأ، وهو الديار التى ينتسب إليها الإنسان، ولها يكون الحنين والولاء والانتماء.
والقرآن الكريم، الذى مثل ويمثل ديوان الدين والثقافة والمدنية والحضارة، يجعل حب الإنسان لوطنه والديار التى نشأ فيها مساويا لحياة هذا الإنسان، ولذلك تحدث القرآن الكريم عن الإخراج من الديار كمعاول لل*** والإخراج من الحياة، فالتوطن حياة، والحرمان من الوطن موت وموات!: (ولو أنا كتبنا عليهم أن ا***وا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم مافعلوه إلا قليل منهم). النساء: 66 (وإذا أخذنا ميثاقكم لاتسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم) ـ البقرة: 84 ـ كما ساوى القرآن الكريم بين الإخراج من الديار والحرمان من الوطن وبين الفتنة فى الدين، فجعلهما وحدهما المبرر للقتال ـ القتال لتحرير الوطن ومقدراته ولحرية الضمير وتحريره كى يتدين دون إكراه، فى إشارة إلى أن الوطن الحر هو الوعاء الذى بدونه لايتأتى قيام كامل الدين، وكامل الحرية فى التدين بالدين.
وإذا كانت الفطرة السليمة قد جعلت حب الوطن جزءا منها، حتى قال الشيخ رفاعة الطهطاوى فى أول نشيد وطنى فى العصر الحديث:
من أصل الفطرة للفطن بعد المولى حب الوطن
هبة من الوهاب بها فالحمد لوهاب المنن
وإذا كانت هذه الفطرة لا تتخلف عند الإنسان السوى حتى ولو جار عليه الوطن وظلمه وحرمه بعض حقوق المواطنة، حتى لقد قال الشاعر:
بلادى وإن جارت على عزيزة
وأهلى وإن ضنوا على كرام
فلقد كان موقف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من مكة، عندما ظلمته وعذبته هو وصحابته الكرام، وعندما تعصبت للشرك والوثنية ضد التوحيد، وعندما أخرجت الرسول والذين آمنوا معه من وطنهم. كان موقف الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ من هذه البلدة مصداقا لهذه الفطرة الإنسانية السوية، فناجى مكة لحظة فراقه لها فقال: «والله إنى أعلم أنك أحب البلاد إلى الله، وأحب البلاد إلى نفسى، ولولا أن قومك أخرجونى منك ما خرجت». ولقد ظل حنينه إليها جارفا، حتى لقد كان يدعو ربه ـ وهو بالمدينة ـ أن يحبب إليه المدينة حبه لمكة! وظل هذا الحب للوطن يملأ القلب حتى عاد إلى مكة فاتحا، وحانيا على مواطنيه الذين عذبوه وجاروا عليه وظلموه!
ولأن هذه هى مكانة الوطن فى الرؤية الإسلامية: النسب الذى ينقذ الإنسان من الضياع، والقبلة التى تتجه إليها الأفئدة بالشوق والولاء والانتماء، قال الإمام محمد عبده. وهو يفسر قول الله ـ سبحانه وتعالى: (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم الوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم) البقرة 243ـ قال: إن الخروج من الوطن بمعنى التفريط فى استقلاله موت، بينما الحفاظ على استقلال الوطن حياة وإحياء.
فالهجرة من مكة إلى المدينة كانت إخراجا من الوطن والديار، ولم تكن خروجا، إذ الخروج من الوطن *** وموات!
ولهذه الحقيقة، حقيقة الارتفاع بمكانة الوطن ومحبته والولاء له والانتماء إليه، كان للوطن المصرى تحديدا وعلى وجه الخصوص ـ عند رواد اليقظة الإسلامية الحديثة ـ المكانة اللائقة بقدر مصر بين أوطان الشرق الإسلامى، حتى لقد جعلوا لها مكان الإمامة والقيادة والريادة بين أوطان الجامعة الإسلامية، وعلقوا عليها الآمال فى قيادة النهضة الشرقية والتصدى لتحديات الاستعمار. فرائد هذه اليقظة الإسلامية الحديثة. جمال الدين الأفغاني، الذى رفع شعار الجامعة الإسلامية، هو أول من رفع شعار (مصر للمصريين)، وأول من أنشأ بمصر (الحزب الوطنى الحر). ولقد كانت سنوات إقامته بمصر (1871ـ 1879م) أخصب سنوات عطائه الفكرى والسياسى على الإطلاق. ولقد عبر عن مكانة الوطن المصرى فى عقله ووجدانه وجهاده فقال:
«مصر أحب بلاد الله إلي، وهى أهم مواقع الشرق، وهى عند المسلمين من الأراضى المقدسة، ولها فى قلوبهم منزلة لايحتلها سواها، نظرا لموقعها من الممالك الإسلامية، ولأنها باب الحرمين الشريفين، فإن كان هذا الباب آمنا كانت خواطر المسلمين مطمئنة على تلك البقاع وعلى سلامة ركن عظيم من أركان الديانة الإسلامية».
وعندما نظر الأفغانى إلى المستقبل، علق الآمال على قيادة الوطن المصرى للنهضة الشرقية والبعث الإسلامى، فقال: «وربما لايكون بعيدا من الواقع ان تصير عاصمة مصر ـ (القاهرة) ـ كرسى مدينة لأعظم الممالك الشرقية. بل لقد كان ذلك أمرا مقررا فى أنفس جيرانها من سكان البلاد المتاخمة، وهو أملهم الفرد كلما ألم بهم خطب أو عرض لهم خطر».
ولقد استمر هذا الموقف الإسلامى من الوطن المصرى عند الشيخ حسن البنا، الذى قال عن مكانة مصر فى دعوته وحركته:
«إن مصر هى قطعة من أرض الإسلام، وزعيمة أممه، وفى المقدمة من دول الإسلام وشعوبه، ونحن نرجو أن تقوم فى مصر دولة إسلامية، تحتضن الإسلام، وتجمع كلمة العرب، وتحمى المسلمين فى أكناف الأرض من عدوان كل ذى عدوان، وتنشر كلمة الله وتبلغ رسالته، إننا نحب وطننا مصر، ونحرص على وحدته، ولا نجد غضاضة على أى إنسان أن يخلص لبلده، وأن يفنى فى سبيل قومه، وأن يتمنى لوطنه كل مجد وفخار، وأن يقدمه فى العمل على ماسواه. وان يقدم فى ذلك الأقرب فالأقرب رحما وجوارا. إننا مع دعاة الوطنية، بل مع غلاتهم فى كل معانيها الصالحة التى تعود بالخير على البلاد والعباد، فالوطنية لم تخرج عن أنها جزء من تعاليم الإسلام.
فالدائرة الوطنية ـ فى دعوتنا. هى الأساس الأول للنهوض، والوحدة العربية هى الحلقة الثانية فى النهوض.
أما الجامعة الإسلامية فهى السياج الكامل للوطن الإسلامى العام. ولاتعارض بين هذه الحلقات الثلاث، لأن كلا منها تشد أزر الأخرى، وتحقق الغاية منها، أما إذا أراد أقوام أن يتخذوا من المنادات بالقومية الخاصة سلاحا يميت الشعور بما عداها، فنحن لسنا معهم. ولعل هذا هو الفارق بيننا وبين كثير منهم».
تلك هى مكانة الوطن، والوطنية، والولاء للوطن، والانتماء إليه، والإخلاص فى سبيل حريته وعزته وتقدمه.
وهذه هى مكانة الوطن المصرى فى فكر أعلام اليقظة الإسلامية الحديثة. لأن هذا الوطن ـ إسلاميا ـ هو كنانة الله فى أرضه، أى خزانة الطاقات والملكات والقدرات التى تعلقت بها آمال الأمة الإسلامية على اختلاف أوطانها منذ أن دخلت مصر فى دين الله،ومنذ أن أوصى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ صحابته بأهلها خيرا، وبأن يتخذوا من أهلها جندا كثيفا، لأنهم خير أجناد الأرض، ولأنهم فى رباط إلى يوم القيامة.
ولقد صدق التاريخ على هذه النبوءة النبوية:
فمن مصر خرج الجند الذين ا***عوا الكيانات الصليبية، التى مثلت أولى الحروب العالمية ضد الشرق الإسلامى، والتى دامت قرنين من الزمان!
ومن مصر خرج الجند الذين كسروا شوكة التتار الذين هددوا الوجود الحضارى للشرق بالدمار والفناء.
ومن مصر خرج الجند الذين حاربوا البرتغاليين الصليبيين على شواطىء الهند سنة 1504م عندما التفى هؤلاء الصليبيون حول العالم الإسلامى تمهيدا لضرب قلبه ـ مصر ـ والوطن العربى .
ومن مصر كان الدعم اللامحدود لحركات التحرر الوطنى ضد الغزوة الاستعمارية الحديثة، وكان الرباط على الثغر الفلسطينى لتحرير الأرض المقدسة التى بارك الله فيها للعالمين.
تلك هى مكانة الوطن فى الإسلام وفى فكر الإسلاميين، تتحدى حقائقها أهل الجهالة والتزييف!

-------------------------------------------------------

الاهرام عدد22فبراير2012
http://2.bp.blogspot.com/-DqcqiC_qqcc/TkEIQQ4ScTI/AAAAAAAAAOY/EzZaaHmyIKE/s1600/ABCDEFgh.JPG