مشاهدة النسخة كاملة : معنى الحب في الله، والبغض في الله.


abomokhtar
26-02-2013, 11:54 PM
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- في كتابه (قاعدة في المحبة): (أصلُ الموالاة هي المحبة كما أنَّ أصلَ المعادة البغض، فإنَّ التحاب يوجبُ التقاربَ والاتفاق، والتباغضَ يوجبُ التباعدَ والاختلاف). [1]

وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن- رحمة الله عليهم-: (أصلُ الموالاة: الحب، وأصلُ المعاداةِ: البغض، وينشأ عنهما من أعمالِ القلوبِ والجوارح ما يدخلُ في حقيقةِ الموالاةِ والمعاداة، كالنصرةِ والأنس والمعاونة، وكالجهادِ والهجرةِ ونحو ذلك من الأعمال). [2]


وسئلَ الإمامُ أحمد- رحمة الله- عن الحب في الله، فقال: "ألاَّ تُحبه لطمعٍ في ديناه". [3]

فمن خلالِ أقوال هؤلاءِ الأئمة ونحوهم، يتبيّن لنا أنَّ الحب والبغض أمرٌ قلبي، فالحب محله القلب، والبغض محلهُ القلب، لكن لا بد لهذا العمل القلبي أن يظهرَ على الجوارح، فلا يأتي شخصٌ يقول: أنا أبغض فلاناً في الله، ثم تجدُ الأنس والانبساط والزيارة والنصرة والتأييد لمن أبغضه في الله!، فأين البغض في الله؟، فلا بد أن يظهرَ على الجوارح، فلو أبغضنا مثلاً أعداءَ الله من النصارى ومن اليهود، فهذا البغض محلهُ القلب، لكن يظهرُ على الجوارح من عدم بدئهم بالسلام مثلاً كما قال صلى الله عليه وسلم: «لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام» (رواه مسلم)، أو من خلال عدم المشاركة في أعيادهم، لأنَّ هذه المشاركة من التعاون على الإثم والعدوان، والله يقول: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ} [المائدة: من الآية2].


وكذلك الحب في الله، فإذا أحببنا عباد الله الصالحين، وأحببنا الأنبياء والصحابة وغيرهم من أولياء الله - تعالى -، فهذا الحبُ في القلب لكن له لوازم وله مقتضيات تظهرُ على اللسان وعلى الجوارح، فإذا أحببنا أهلَ الإسلام أفشينا السلام، كما قال عليه الصلاة والسلام: «ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم» (رواه مسلم).


كذلك النصيحة، فعندما أرى أخاً لي من أهل الإسلام يُقصرُ في الصلاة، كأن يخل بأركانها أو واجباتها، فأنصحهُ، فهذا من مقتضى الحبِ في الله، فإذا عُدم ذلك فهذا يدل على ضعف الإيمان، فلو وجدنا رجلاً يقول: أنا أحب المؤمنين لكنه لا يسلّم عليهم، ولا يزورُ مريضهم، ولا يتبعُ جنائزهم، ولا ينصحُ لهم، ولا يشفقُ عليهم، فهذا الحب لا شك أنَّ فيه دخنٌ ونقص لا بد أن يتداركه العبد.



يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي في فتاويه: (إنَّ الله عقد الأخوة والموالاة والمحبة بين المؤمنين كلهم، ونهى عن موالاة الكافرين كلهم، من يهود، ونصارى، ومجوس، ومشركين، وملحدين، ومارقين وغيرهم ممن ثبت في الكتاب والسنة الحكم بكفرهم، وهذا الأصل متفق عليه بين المسلمين، وكل مؤمن موحد تارك لجميع المكفرات الشرعية، فإنَّهُ تجب محبته وموالاته ونصرته، وكل من كان بخلاف ذلك فإنَّه يجب التقرب إلى الله ببغضه ومعاداته، وجهاده باللسان واليد بحسب القدرة، فالولاءُ والبراء تابعٌ للحب والبغض، والحب والبغض هو الأصل، وأصلُ الإيمان أن تحبّ في الله أنبياءه وأتباعهم، وأن تبغض في الله أعداءه وأعداء رسله). [4]

وقد بيّن أهلُ العلم أن المؤمن تجبُ محبته وإن أساء إليك، والكافر يجبُ بغضه وعداوته وإن أحسن إليك.

فالمسلم وإن قصّر في حقك وظلمك، فيبغض على قدر المظلمة، لكن يبقى حق الإسلام وحق النصرة وحق الولاية.


والسؤال: ماذا يجب علينا تجاه المسلمين ممن خلطوا عملاً صالحاً وأخر سيئاً، فهم ليسوا من أولياء الله الصالحين، وليسوا من أعداء الله الكافرين؟

الواجبُ في حق هؤلاء أن نحبهم ونواليهم بقدر طاعتهم وصلاحهم، وفي نفس الوقت نبغضهم على قدر معصيتهم وذنبهم.

فمثلاً: جارك الذي يشهد الصلوات الخمس، عليك أن تحبه لهذا الأمر، لكن لو كان هذا الجار يسمعُ ما حرم الله من الأغاني مثلاً، أو يتعاطى الربا، فعليك أن تبغضه على قدر معصيته، وكلما ازداد الرجل طاعةً ازددنا له حبّاً، وكلما زاد معصية ازددنا له بغضاً.


وقد يقول قائل: وكيف يجتمع الحب، والبغض في شخص واحد؟ كيف أحب الشخص من جانب، وأبغضه من جانب؟

أقول: هذا ميسر، فهذا الأب رُبما ضرب ابنه وآلمه تأديباً وزجراً، ومع ذلك يبقى الأصل أنَّ الأبُ يحبُ ابنه محبةً جبلية، فيجتمع الأمران.
وكذلك المعلم مع تلاميذه، أو الرجل مع زوجته إذا زجرها أو هجرها إذا كان الأمر يقتضي ذلك، لكن يبقى الأصل في ذلك محبتها والميل إليها، فإذا كان الشخصُ يجتمع فيه إيمانٍ مع ارتكابِ محرمات أو ترك واجبات ممَّا لا ينافي الإيمان بالكلية، فإنَّ إيمانه يقتضي حبّه ونصرته، وعصيانهِ يقتضي عداوته وبغضه على حسب عصيانه.

ومما يبيّن هذا الأمر، ما جاء في هدى النبي صلى الله عليه وسلم فقد حقق عليه السلام الأمرين، والدليل ذاك الرجل الذي يشربُ الخمر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،واسمه عبد الله، وكان كثيراً ما يُؤتى به فيجلد، فأتي به في أحدِ المرات، فقال أحد الحاضرين: لعنهُ الله ما أكثر ما يُؤتى به، فقال عليه السلام: «لا تلعنهُ، أما علمت أنَّه يحبُ الله ورسوله» (ذكره ابن تيمية في مجموع الفتاوي)، أو كما ورد في الحديث، فمقتضى العداوة والبغضاء أن أقام عليه الحد فجلده، وفي نفس الوقت أيضاً، مقتضى الحب والولاء له، أن دافع عنهُ عليه الصلاة والسلام فقال: «لا تلعنه».


معادة الكافرين:

هذه المسألة تغيبُ في هذا الزمان، بسبب جهل الناس، وتكالب قوى الكفر على إلغاء الولاء والبراء، وإلغاء ما يسمى بالفوارق الدينية.

قال الشيخ حمد بن عتيق (ت 1301هـ): (فأما معاداة الكفار والمشركين، فاعلم أنَّ الله أوجب ذلك وأكد إيجابه، وحرّم موالاتهم وشدد فيه، حتى أنَّه ليس في كتاب الله حكمٌ فيه من الأدلة أكثر وأبين من هذا الحكم بعد وجوب التوحيد وتحريم ضده).

وقال في موضع آخر: وهنا نكتة بديعة في قوله: {إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الممتحنة: من الآية4]، وهي أنَّ الله قدم البراءة من المشركين العابدين غير الله، على البراءةِ من الأوثان المعبودة من دون الله، لأنَّ الأول أهمُ من الثاني، فإنَّه قد يتبرأ من الأوثان، ولا يتبرأ ممن عبدها، فلا يكون آتياً بالواجب عليه، وأما إذا تبرأ من المشركين، فإنَّ هذا يستلزمُ البراءة من معبوداتهم. [5]

فإذا علم هذا تبين خطأ وانحراف كثيرٍ من الناس، عندما يقولون: نتبرأ من الكفر، ونتبرأ من عقيدة التثليث عند النصارى، ونتبرأ من الصليب، لكن عندما تقول لهم تبرؤوا من النصارى. يقولون: لا نتبرأ منهم ولا نواليهم.


لوازم الحب في الله، والبغض في الله:

أشرنا إلى أنَّ الحب في الله والبغض في الله، عملان قلبيان، لكن لهذا الحب لوازم مثل: النصح للمسلمين، والإشفاق عليهم، والدعاء لهم، والسلام، وزيارة مريضهم، وتشييع جنائزهم، وتفقد أحوالهم.

أما لوازم البغض فمنها: ألا نبتدئهم بالسلام، والهجرة من دار الكفرِ إلى دار الإسلام، وعدم التشبه بهم، وعدم مشاركتهم في الأعياد كما هو مبسوط في موضعه.


----------------------------------------

[1] قاعدة في المحبة (ص 387).

[2] الدرر السنية (2/157).

[3] طبقات الحنابلة (1/57).

[4] الفتاوى السعدية (1/98).

[5] النجاة والفكاك (ص 22).
عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف (http://ar.islamway.net/scholar/1897)

abomokhtar
26-02-2013, 11:59 PM
علينا أن نفرق بين بغض الكفار ومعاداتهم، وبين البرِ والإقساط، فبعض الناس يخلطُ بين الأمرين، فيجعل البرَ والعدل مع الكفار محبةً لهم، وعكسَ بعضُ الناس المسألة، فربما ظلمَ الكافر باسم العداوة له.

فالمتعين أن نبغض الكفار؛ لأنَّ الله أمرنا أن نبغضهم، ولكن لا نظلمهم، فقد قال تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة:8].
وقال تعالى في الحديث القدسي: «يا عبادي، إنِّي حرمتُ الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا».

يقولُ القرافي في كتابه (الفروق) لما فرقَ بين مسألةِ بُغضهم، ومراعاةُ البرِ والإقساط قال: "وسرُّ الفرق أنَّ عقد الذمة يوجبُ حقوقاً علينا لهم، لأنَّهم في جوارنا، فيتعين علينا برُّهم في كل أمرٍ لا يكونُ ظاهرهُ يدل على مودةٍ في القلب، ولا تعظيمِ شعائرِ الكفر، فمتى أدَّى إلى أحد هذينِ، امتنع وصار من قبل ما نهى عنه في الآية" الفروق (3/14).

بعض الناس يقول: نحن إذا بغضنا النصارى وعاديناهم مثلاً هذا يُؤدي إلى نفرتهم عن الإسلام وبغضهم له.
وليس الأمرُ كذلك، فإنَّ الله تعالى أرحمُ الراحمين، وهو سبحانه وتعالى أحكمُ الحاكمين، حيثُ شرعَ بُغض الكفارِ وعداوتهم، فلا يتوهم أن تحقيق شعيرةِ البراءةِ من الكافرين يؤولُ إلى النفرة عن الإسلام، بل إنَّ الالتزامَ بهذه الشعيرة وسائر شعائرِ الإسلام سببٌ في ظهورِ الإسلام وقبوله، كما وقعَ في القرون المفضلة.

جاء في سيرةِ ابن هشام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من ظفر به من رجال يهود فا***وه» (فوثب مُحيصةَ بن مسعودِ على ابن سُنَينَة، رجلٌ من تجارِ اليهود يبايعهم فقلتهُ، وكان حويصة بن مسعود إذ ذاك لم يسلم، وكان أسنّ من محيصة، فلما ***هُ جعل حويصةُ يضربهُ ويقول: أي عدوَّ الله أ***ته؟ أما والله لربَّ شحمٍ في بطنك من ماله، قال محيصة: فقلتُ له: واللهِ لقد أمرني ب***هِ من لو أمرني ب***كَ لضربتُ عُنُقك، قال: فو الله إن كان لأوّل إسلام حويصة، قال: آلله لو أمرك محمد ب***ي ل***تني؟ قال نعم، والله لو أمرني بضربِ عنقك لضربتها، قال: والله إنَّ ديناً بلغَ بك هذا لَعجَبٌ، فأسلم حويصة). سيرة ابن هشام (2/821).

وها نحنُ نرى الكثير من المسلمين في هذا العصر وقد ارتموا في أحضانِ الكفار، وأحبُّوهم وداهنوهم، ولم يكن ذلك سبباً في إسلامهم، بل امتهن الكفارُ أولئك القوم، وزادوا عتوّاً ونفوراً عن الإسلام وأهله.

وأمرٌ آخر: أنَّ تحقيق هذا الأصلِ سببٌ في إسلامهم، كما كان اليهودُ والنصارى يدفعون الجزية للمسلمين عن صغارٍ وذلة، فكان هذا سبباً في أن ينظروا إلى الإسلام، ويسلموا من أجلِ أن تسقط عنهم الجزية.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "مثل الآصارِ والأغلالِ التي على أهلِ الكتاب، وإذلالَ المسلمين لهم، وأخذ الجزية منهم، فهذه قد تكونُ داعياً له إلى أن ينظرَ في اعتقادهِ، هل هو حقٌّ أو باطل، حتى يتبينَ له الحق، قد يكونُ مُرغباً له في اعتقادٍ يخرج به من هذا البلاء، وكذلك قهرَ المسلمين عدوهم بالأسرِ، يدعوهم للنظرِ في محاسن الإسلام" جامع الرسائل (3/238).

البعضُ يقول: إنَّ الكفار تغيّروا، فليسوا كالكفار الأوائل، نقولُ: هذا غير صحيح، فالكفارُ هم الكفار، وهم أعداؤنا في القديم والحديث، والله تعالى ذكر في ذلك حكماً عاماً فقال: {لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلّاً وَلا ذِمَّةً} [التوبة:10].

وقال عز وجل: {كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلّاً وَلا ذِمَّةً} [التوبة:8].

البعضُ يحبُ في الله، ويبغضُ في الله، لكن تكونُ هناك شائبة، فعندما يتفقدُ نفسهُ يجدها تحبُّ لأجل دنيا أو تبغض لأجل دنيا.

مثال: رجلٌ يقول: أنا أبغضُ فلاناً النصراني في الله، لكن عند ما تبحث في أصلِ البغض تجدهُ يبغضهُ لأجل حظٍ أو أثرةٍ. فينبغي أن يمحصَ الحبُّ في الله والبغضُ في الله، بأن يكون خالصاً لله وحده.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "من أحبَّ إنساناً لكونهِ يعطيهِ فما أحب إلاَّ العطاء، ومن قال إنَّهُ يحبُ من يعطيهِ لله فهذا كذبٌ ومحالٌ وزورٌ من القول، وكذلك من أحبَّ إنساناً لكونه ينصرهُ إنما أحب النصر لا الناصر، وهذا كله من اتباع ما تهوى الأنفس، فإنَّه لم يحب في الحقيقة إلاَّ ما يصلُ إليه من جلب منفعةٍ أو دفع مضرةٍ، فهو إنما أحبَّ تلك المنفعة ودفع المضرة، وليس هذا حباً لله ولا لذاته المحبوب، وعلى هذا تجري عامةُ محبة الخلقِ بعضهم مع بعض، لا يُثابون عليه في الآخرة ولا ينفعهم، بل رُبما أدَّى هذا للنفاقِ والمداهنةِ، فكانوا في الآخرة من الأخلاءِ الذين بعضهم لبعض عدو إلاَّ المتقين. وإنما ينفعهم في الآخرة الحبُّ في الله ولله وحده. وأمَّا من يرجو النفعَ والضر من شخصٍ ثُمَّ يزعمُ أنَّهُ يحبهُ لله، فهذا من دسائسِ النفوسِ ونفاقِ الأقوال" جامع الرسائل (2/ 256).
عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف (http://ar.islamway.net/scholar/1897)

Muhammad Karim
01-03-2013, 05:23 PM
جزاك الله خيرا وبارك الله فيك