مشاهدة النسخة كاملة : ثلاث خطب جمعة عن :حقوق النبي صلى الله عليه وسلم علينا


abomokhtar
22-03-2013, 06:40 AM
الحمد لله هدانا صراطه المستقيم، ومن علينا ببعثة سيد المرسلين: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [النساء:164]، أحمده عدد ما خلق وملء ما خلق، وأشكره عدد ما أحصى كتابه وملء ما أحصى كتابه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أنصح الناس للناس، وأتقاهم لله: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128]، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، آمنوا بالله ورسوله وعزروه ونصروه، واتبعوا النور الذي أنزل عليه أولئك هم المفلحون، الأنصار منهم والمهاجرون، والتابعون لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:
فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوه حق التقوى واستمسكوا بالعروة الوثقى، واعلموا أنكم إلى ربكم راجعون، وعلى أقوالكم وأفعالكم محاسبون، فحاسبوا أنفسكم قبل الحساب، وزنوا أعمالكم قبل الميزان: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18].

أيها الناس:
اختار الله تعالى لهذه الأمة أفضل رسله، واختار له من الأسماء ما يدل على الحمد والثناء، فسماه محمدًا، فهو صلى الله عليه وسلم محمود عند الله تعالى، محمود عند ملائكته، محمود عند إخوانه المرسلين عليهم الصلاة والسلام، محمود عند أهل الأرض كلهم، وإن كفر به بعضهم، لأن صفاته محمودة عند كل ذي عقل وإن كابر وجحد، فصدق عليه وصفه نفسه حين قال عليه الصلاة والسلام: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع، بيدي لواء الحمد، تحته آدم فمن دونه» (رواه ابن حبان)، أغاث الله تعالى به البشرية المتخبطة في ظلمات الشرك والجهل والخرافة، فكشف به الظلمة، وأذهب الغمة، وأصلح الأمة، فهو الإمام المطلق في الهدى لأول بني آدم وآخرهم.

هدى الله تعالى به من الضلالة، وعلم به من الجهالة، وأرشد به من الغواية، وفتح به أعينًا عميًا، وآذانًا صمًا، وقلوباً غلفاً، وكثَّر به بعد القلة، وأعزَّ به بعد الذلة، وأغنى به بعد العيلة، عرّف الناسَ ربَّهم ومعبودهم غاية ما يمكن أن تناله قواهم من المعرفة، ولم يدع لأمته حاجة في هذا التعريف، لا إلى من قبله ولا إلى من بعده، بل كفاهم وشفاهم، وأغناهم عن كل من تكلم في هذا الباب: {أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت:51]، وعرفهم الطريق الموصلة إلى ربهم ورضوانه، ودار كرامته، ولم يدع صلى الله عليه وسلم حسناً إلا أمر به، ولا قبيحاً إلا نهى عنه.

وعرفهم حالهم بعد القدوم على ربهم أتم تعريف، فكشف الأمر وأوضحه، ولم يدع باباً من العلم النافع للعباد المقرب لهم إلى ربهم إلا فتحه، ولا مشكلاً إلا بينه وشرحه، حتى هدى به القلوب من ضلالها، وشفاها به من أسقامها، وأغاثها به من جهلها، فأي بشر أحق بأن يُحب؟ جزاه الله عنا وعن أمته أجمعين أفضل الجزاء، محبته عليه الصلاة والسلام واجبة على كل مسلم، إذ هي من محبة الله تعالى، وكذب من زعم أنه يحب الله تعالى، وهو لا يحب خليله وصفيه من العالمين، محمدا عليه الصلاة والسلام.

إن محبة الله ورسوله من أعظم واجبات الإيمان، وأكبر أصوله، وأجل قواعده، بل هي أصل كل عمل من أعمال الإيمان والدين، كما أن التصديق أصل كل قول من أقوال الإيمان والدين، دل على ذلك نصوص الكتاب والسنة، وأطبقت عليه الأمة: {قٌلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة:24]، فالآية تنص على أن محبة الله تعالى ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم يجب أن تقدم على كل محبوب مهما كان.

قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: "كفى بهذا حضًا وتنبيهًا، ودلالة وحجة على إلزام محبته، ووجوب فرضها، وعظم خطرها، واستحقاقه لها صلى الله عليه وسلم؛ إذ قرع الله من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله، وتوعدهم بقوله تعالى: {..فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ..} [التوبة:24]، ثم فسقهم بتمام الآية، وأعلمهم أنهم ممن ضل ولم يهده الله تعالى، وهذه المحبة العظيمة للنبي صلى الله عليه وسلم لازمها أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالمؤمن من أي أحد من الناس مهما كان قربه منه ومحبته له، بل هو صلى الله عليه وسلم أولى بالمؤمن من نفسه التي يحبها أعظم المحبة، ويقدمها على كل شيء، روى الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مُؤْمِنٍ إلا وأنا أَوْلَى الناس بِهِ في الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اقرؤوا إن شِئْتُمْ النبي أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ من أَنْفُسِهِمْ»، وروى مسلم من حديث جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أنا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ من نَفْسِه»".

إن المحبة الكاملة للنبي صلى الله عليه وسلم التي ينجو بها العبد من العذاب، ويستحق عليها النعيم، يجب أن تتجاوز محبة المؤمن لنفسه، وتتخطى محبته لوالديه وأهله وأولاده وأمواله، ففي شأن تقديم محبته صلى الله عليه وسلم على محبة الأم والأب، والزوجة والولد، وكل محبوب سوى الله تعالى، ورد الخبر عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا يُؤْمِنُ أحدكم حتى يُحِبَّ لِأَخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» (متفق عليه)، وفي شأن تقديم محبته على محبة النفس روى البخاري من حديث عبد الله بن هشام رضي الله عنه قال: «كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ فقال له عُمَرُ يا رَسُولَ اللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إلي من كل شَيْءٍ إلا من نَفْسِي فقال النبي صلى الله عليه وسلم لَا وَالَّذِي نَفْسِي بيده حتى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ من نَفْسِكَ فقال له عُمَرُ فإنه الْآنَ والله لَأَنْتَ أَحَبُّ إلي من نَفْسِي فقال النبي صلى الله عليه وسلم الْآنَ يا عُمَرُ» أي: الآن عرفت فنطقت بما يجب.

وإذا حقق المؤمن هذه المحبة للرسول صلى الله عليه وسلم، واستولت محبته على قلبه فقدمه على كل محبوب؛ قطف ثمرة ذلك بحلاوة يجدها في قلبه، وأنس كبير يجتاح نفسه، لا يناله بجاه، ولا يشتريه بمال، ولا يتحصل عليه العبد إلا باستيلاء محبة الله ورسوله على قلبه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ثَلَاثٌ من كُنَّ فيه وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ الله وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إليه مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إلا لله وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ في الْكُفْرِ كما يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ في النَّارِ» (رواه الشيخان).

وبهذه المحبة الخالصة للرسول صلى الله عليه وسلم، ينال العبد شفاعته، ويحشر في زمرته، ويرافقه في الجنة، كما روى أنس رضي الله عنه فقال: «جاء رَجُلٌ إلى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقال يا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى السَّاعَةُ قال وما أَعْدَدْتَ لِلسَّاعَةِ قال حُبَّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ قال فَإِنَّكَ مع من أَحْبَبْتَ قال أَنَسٌ فما فَرِحْنَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَرَحًا أَشَدَّ من قَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلم فَإِنَّكَ مع من أَحْبَبْتَ قال أَنَسٌ فَأَنَا أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ وَإِنْ لم أَعْمَلْ بِأَعْمَالِهِمْ» (رواه البخاري، ومسلم).

ولا يظنن ظان أن هذه المحبة لا يحققها إلا الصحابة رضي الله عنهم، أو أهل القرون المفضلة، فييأس من تحقيقها، ويقصر في تحصيلها؛ فإنها وإن كانت في أهل الصدر الأول من الإسلام أكثر منها في غيرهم، إلا أن أفرادًا من متأخري هذه الأمة يحققونها، ويقدمون محبة الله تعالى ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم على كل محبة، وودوا لو فدوا النبي صلى الله عليه وسلم بأرواحهم، ويتمنون رؤيته بأهلهم وأموالهم، كما روى مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أَشَدِّ أُمَّتِي لي حُبًّا نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لو رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ»، فنسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم، وأن يملأ قلوبنا محبة لله تعالى، ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ولما يحبه الله ورسوله، آمين يا رب العالمين.
وأقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله وأطيعوه: {وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} [البقرة:281].

أيها المسلمون:
محبة النبي صلى الله عليه وسلم قربة وعبادة يتقرب بها المؤمن لله تعالى، والعبادة التي أرادها الله تعالى ويحبها ويرضاها من العبد هي ما ابتغي به وجهه عز وجل، وكانت على الصفة التي شرعها في كتابه العظيم، وعلى لسان نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم، فعمادها الإخلاص لله تعالى، ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم، فأما الإخلاص في الأعمال، وابتغاء وجه الله بها فهو مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله؛ لأن معناها لا معبود بحق إلا الله سبحانه وتعالى.

وأما متابعة النبي صلى الله عليه وسلم فهي مقتضى الشهادة بأن محمداً رسول الله، ولازم من لوازمها، إذ معنى الشهادة له بأنه رسول الله حقاً: (طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وأن لا يعبد الله تعالى إلا بما شرع صلى الله عليه وسلم)، فمن حقق ذلك فقد حقق كمال المحبة للنبي صلى الله عليه وسلم، وكمال تعظيمه، وغاية توقيره. وأي تعظيم أو توقير للنبي صلى الله عليه وسلم لدى من شك في خبره، أو استنكف عن طاعته، أو ارتكب مخالفته، أو ابتدع في دينه وعبد الله تعالى من غير طريقه؟!

وكثير ممن ضلوا في هذا الباب يعبدون الله تعالى بمحض أهوائهم، ويعبرون عن حبهم للنبي صلى الله عليه وسلم بما لا يحبه الله ورسوله من الأقوال والأفعال، ومن ذلك: ما يفعله كثير من المسلمين في هذا الزمن من الاحتفال بالمناسبات النبوية: المولد والإسراء والهجرة ونحوها، وجعل الأيام الموافقة لها من كل عام موسمًا وعيدًا يجتمعون فيه لتذاكر أحوال النبي صلى الله عليه وسلم وتلاوة سيرته، وإلقاء القصائد في مديحه، وإطرائه على نحو يخالف سنته التي جاء فيها قوله عليه الصلاة والسلام: «لَا تُطْرُونِي كما أَطْرَتْ النَّصَارَى بن مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أنا عَبْدُهُ فَقُولُوا عبد الله وَرَسُولُهُ» (رواه البخاري).

وقد أمرنا صلى الله عليه وسلم بلزوم سنته، واتخاذ طريقته وطريقة خلفائه الراشدين المهديين من بعده وأوصانا بذلك؛ فقال عليه الصلاة والسلام: «فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بها وَعَضُّوا عليها بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فإن كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» (رواه أبو داود)، ولا يشك كل مطلع على سنة النبي صلى الله عليه وسلم، قارئ لسيرته وسيرة خلفائه الراشدين من بعده..

لا يشك أن هذه الاحتفالات بمولده أو إسرائه، أو هجرته عليه الصلاة والسلام محدثة بعد زمنه وزمن خلفائه من بعده رضي الله عنهم، وفيها من المخافة لسنته وسيرته ما فيها، وإن رأى أصحابها خلاف ذلك جهلا منهم أو هوى، ولو كان منهم من يحب النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة فإنهم قد أخطئوا الطريق في تعبيرهم عن هذه المحبة، والصواب في ذلك اتباع سنته صلى الله عليه وسلم، واجتناب ما أحدثه الناس عن جهل أو هوى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ . قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران:31، 32]، {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً} [النساء:80]، {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر:7].

وصلوا وسلموا على نبيكم كما أمركم ربكم بذلك..



إبراهيم الحقيل

abomokhtar
22-03-2013, 06:41 AM
الحمد لله الذي أرسل إلينا خاتم رسله، وأنزل عليه أفضل كتبه، وشرع لنا خير الشرائع، وكلفنا بأيسر التكاليف؛ فضلاً منه ونعمة والله عليم حكيم، أحمده حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له {يَصْطَفِي مِنَ المَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ . يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ} [الحج:75-76] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، ففتح به قلوباً غلفاً، وآذاناً صماً، وأعيناً عمياً، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ آمنوا به وعزروه ونصروه، وأحبوه وعظموه، وبذلوا كل ما يملكون من نفسٍ ونفيس فداء له ولدينه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوه يصلحْ لكم أعمالَكم، واتقوه يدرأْ عنكم تسلط أعدائكم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7].

أيها الناس:

فضلُ الأنبياءِ عليهم السلام على البشرِ عظيم، وحقُهم عليه كبير، إذ هم المنةُ الكبرى، والهدايةُ العظمى التي بها عرفوا الله تعالى، واستبانوا الطريق إليه، وكلُ سعادةٍ أبدية كُتبت لأحدٍ من البشر فهم سببٌ من أسبابها..

دعوا إلى الله تعالى سراً وجهاراً، ونصحوا للعباد ليلاً ونهاراً... بشروا، وأنذروا، ورغبوا ورهبوا، وصبروا على استكبار المستكبرين، وصدودِ الممتنعين، واستهزاءِ المستهزئين، وأذى المشركين والمنافقين.

ما وطءِ الأرضَ أقدامٌ خيراً من أقدامهم، ولا كان في الخلقِ أحدٌ أنصحَ للبشرِ منهم، هم الرحمة التي رحم الله تعالى بها العبادَ فأخرجهم من الظلماتِ إلى النور، ومن الذُلِ إلى العز، ومن الشقاءِ الأبدي إلى السعادة الخالدة {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107].

فكان حقاً على البشرِ محبتُهم في الله تعالى، واتباعُهم وتوقيرُهم ونصرَتهم، والاعترافُ بفضلهم، وحفظ مكانتِهم، وإنزالُهم منازلَهم، فهم عبادُ الله الأطهار، المصطفونَ الأخيار، يجبُ الإيمان بجميعِهم، والكفرُ بواحدٍ منهم كفرٌ بهم كلِّهم، لأن باعثَهم واحدٌ جل في علاه، ودينَهم كذلك واحدٌ وهو عبادةُ الله وحده لا شريك له {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36]، {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:25].

وأَتْبَاعُهم ليسوا من انتسبوا إليهم مع كفرهم ببعض ما جاءوا به، كما كَفَر اليهودُ ببعض دينِ موسى عليه السلام، وكما كفر النصارى ببعضِ ما جاء به عيسى عليه السلام، وقد ذمَّهم اللهُ عز وجل بسببِ ذلك، وسماهم كفاراً رغم أنهم ينتسبون لموسى وعيسى عليهما السلام فقال فيهم جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا . أُولَئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} [النساء:150-151].

ولكن أتباعَ الرسلِ هم من آمنوا بهم، ودانوا بدينِهم، وعملوا بشرائعهم، ولم ينتقوا ما يَهوون، أو ينكروا ما لا يشتهون، بل قالوا: {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة:285] {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:84]، فأثنى الله تعالى عليهم بإيمانهم، وباتباعهم لرسلهم فقال سبحانه فيهم: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء:152].

ولا يوجدُ على وجهِ الأرض في هذا العصرِ من يصدقُ عليهم أنهم متبعونَ للأنبياء عليهم السلام سوى المسلمين الذين صدقوا بنبوتهم من لدنْ آدم عليه السلامُ إلى خاتمتهم محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وأما بقيةُ أممِ الأرضِ على اختلاف أديانِهم ومذاهبِهم فكفارٌ بكلِّ الرسلِ والأنبياء، ولو كانوا هم أهلَ الكثرةِ والقوةِ؛ لا تدلانِ على الحق.

{وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ الله} [الأنعام:116] وكان أكثرُ أتباعِ الأنبياء في كلِّ التاريخ البشري ضعفاء الناس ومساكينهم، كما قال هرقل الروم في أسئلته لأبي سفيان عن النبي صلى الله عليه وسلم "فَأَشْرَافُ الناس يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟" فقلت: "بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ"، قال هرقل: "وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ" (أخرجه من حديث أبي سفيان رضي الله عنه البخاري في بدء الوحي باب كيف كان بدء الوحي لرسول الله). فالمسلمون في هذا العصر أولى بكلِّ الأنبياءِ والرسل عليهم السلام من كلِّ أممِ الأرض التي تكذبهم وتكفرُ بهم وبما جاءوا به.

وإذا انتُهِكَ عرضُ نبيٍ من الأنبياءِ أو سخِرَ الكافرون والمنافقون به وَجَب على أتباعِ الرسل وهم المسلمون في هذا العصر أن ينتصروا له، وأن يذبوا عن عرضِه، وأن يدفعوا قالةِ السوء فيه، وأن يعاقبوا المعتدي أشدَّ العقاب، لأن ذلك من محتماتِ إيمانهم، وواجباتِ دينهم، ولا يُرتجى من أحدٍ أن ينتصرَ لرسل الله عليهم السلام سوى المسلمين، فكيف إذا كانت السخريةُ والطعنُ قد طالتَ أفضلَ البشر، وخاتمَ الرسل، وسيدَ ولدِ آدمَ محمداً صلى الله عليه وسلم، على يدِ ملاحدةِ الغربِ في رسومٍ ساخرة، ومقالاتٍ كاذبة متنقِّصة، تفتري على سيدِّ البشر، وتطعنُ في أفضلِ الرسل، وله علينا من الفضلِ والمنةِ ما لا نحصيه، فما عسانا أن نفعلَ ونحن نقرأُ قول الله تعالى: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} [الأعراف:157], فعلق سبحانه الفلاح بالنُصرة فمن لم ينْصره فليس من المفلحين.

وإذا كانت نصرةُ المؤمنين واجبةٌ بقولِ الله تعالى: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} [الأنفال:72] وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً» (أخرجه من حديث أنس رضي الله عنه: البخاري في المظالم باب أعن أخاك ظالما أو مظلوما(2311))، فكيف بنصرةِ أفضل المؤمنين، الذي هدانا اللهُ تعالى به إلى الإيمان، وأخرجنا به من الظلمات إلى النور؟

وهكذا فَعلَ المسلمون طوالَ تاريخهم، فَدَوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأجسادِهم وأموالهم حياً، وذبوا عن عرضه ميتاً، وأخبارُهم في ذلك غزيرة.

هذا عليُ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه ينامُ ليلة الهجرةِ في فراشِ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن تآمرَ المشركون على ***هِ تلك الليلة، فيُخاطر عليُّ رضي الله عنه بنفسِه دونه عليه الصلاة والسلام (انظر: البداية والنهاية (3/177)). وفي غزوة بدر انبرى فتيانِ من الأنصار للانتقام من أبي جهل لأنه كان يشتمُ النبي صلى الله عليه وسلم ويؤذيه وقال كل واحد منهما لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: "يا عَمِّ هل تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ" قلت: "نعم، ما حَاجَتُكَ إليه يا بن أَخِي؟" قال: "أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالَّذِي نَفْسِي بيده لَئِنْ رَأَيْتُهُ لَا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حتى يَمُوتَ الْأَعْجَلُ مِنَّا"، فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ .... فلم أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إلى أبي جَهْلٍ يَجُولُ في الناس قلت: "ألا إِنَّ هذا صَاحِبُكُمَا الذي سَأَلْتُمَانِي فَابْتَدَرَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا فَضَرَبَاهُ حتى قَتَلَاهُ" (أخرجه البخاري في الجهاد والسير باب من لم يخمس الأسلاب ومن *** قتيلا فله سلبه من غير أن يخمس وحكم الإمام فيه (2972) ومسلم في الجهاد والسير باب استحقاق القاتل سلب القتيل (1752)).

وفي غزوة أحد لما دارت الدائرةُ على المسلمين، وأحاط بهم المشركون انحنى أبو دجانة الأنصاريُّ رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم فجعل من ظهره تُرسًا يحمي به النبي صلى الله عليه وسلم من نبال المشركين حتى امتلأ ظهره سهاماً (أخرجه البيهقي في الدلائل (3/134) وابن هشام في السيرة (3/118))، لا مَسَّتِ النار ظهره. وهذا زيدُ ابنُ الدَّثِّنَّة رضي الله عنه أسره المشركون وأخرجوه من الحرمِ ل***ه فقال له أبو سفيان حين قُدِّم لي***: "أَنْشُدكَ بالله يا زيد أتحبُ أن محمداً الآن عندنا مكانك نضربُ عنقه وإنك في أهلك"، قال: "والله ما أحب أن محمداً الآن في مكانِه الذي هو فيه تصيبُه شوكةٌ تؤذيه وإني جالسٌ في أهلي"، فقال أبو سفيان: "ما رأيتُ من الناسِ أحداً يحبُ أحداً كحُبِ أصحابِ محمدٍ محمداً" (أخرجه الطبري في تاريخه (2/78) وابن هشام في السيرة (4/126) وهو في البداية والنهاية (4/65)).

ورجلٌ أعمى من الصحابةِ رضي الله عنهم ينتصر للنبي صلى الله عليه وسلم في***ُ أم أولاده بسبب وقوعها فيه، وشتمها له كما روى ابن عباسٍ رضي الله عنه: أَنَّ أَعْمَى كانت له أُمُّ وَلَدٍ تَشْتُمُ النبي صلى الله عليه وسلم وَتَقَعُ فيه فَيَنْهَاهَا فلا تَنْتَهِي وَيَزْجُرُهَا فلا تَنْزَجِرُ قال فلما كانت ذَاتَ لَيْلَةٍ جَعَلَتْ تَقَعُ في النبي صلى الله عليه وسلم وَتَشْتُمُهُ فَأَخَذَ الْمِغْوَلَ فَوَضَعَهُ في بَطْنِهَا وَاتَّكَأَ عليها فَقَتَلَهَا فَوَقَعَ بين رِجْلَيْهَا طِفْلٌ فَلَطَّخَتْ ما هُنَاكَ بِالدَّمِ فلما أَصْبَحَ ذُكِرَ ذلك لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَمَعَ الناس فقال: «أَنْشُدُ اللَّهَ رَجُلًا فَعَلَ ما فَعَلَ لي عليه حَقٌّ إلا قام» فَقَامَ الْأَعْمَى يَتَخَطَّى الناس وهو يَتَزَلْزَلُ حتى قَعَدَ بين يَدَيْ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رَسُولَ اللَّهِ أنا صَاحِبُهَا كانت تَشْتُمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ فَأَنْهَاهَا فلا تَنْتَهِي وَأَزْجُرُهَا فلا تَنْزَجِرُ وَلِي منها ابْنَانِ مِثْلُ اللُّؤْلُؤَتَيْنِ وَكَانَتْ بِي رَفِيقَةً فلما كانت الْبَارِحَةَ جَعَلَتْ تَشْتُمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ فَأَخَذْتُ الْمِغْوَلَ فَوَضَعْتُهُ في بَطْنِهَا وَاتَّكَأْتُ عليها حتى قَتَلْتُهَا" فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا اشْهَدُوا أَنَّ دَمَهَا هَدَرٌ» (رواه أبو داود أخرجه أبو داود في الحدود باب الحكم فيمن سب النبي (4361) والنسائي في تحريم الدم باب الحكم فيمن سب النبي (7/107) والطبراني في الكبير (11/351) رقم (11984) والدارقطني ((39/112) والبيهقي (10/131) وصححه الحاكم وقال: على شرط مسلم ووافقه الذهبي (4/394)).

وإذا تجاوزنا عصر الصحابة رضي الله عنهم فإننا نجد المسلمين قد انتصروا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم عبر القرون، ودرأوا عنه أذى المؤذين، وطعن الطاعنين من الكفار والمنافقين والمرتدين، والحوادثُ في ذلك أكثرُ من أن تحصر.

وفي الدولةِ الأيوبية أَسَرَ الملك الصليبيُ أرناطُ جمعاً من الحجاج وهم في طريقهم إلى مكة، فآذاهم وسلبهم وتنقص الرسولَ صلى الله عليه وسلم، وقدَّمهم لل*** وهو يقول: "أين محمدُكم؟ دعوه ينصركم!" فبلغ ذلك صلاح الدين رحمه الله تعالى فغضب لذلك أشدَّ الغضب وحلفَ بالله لي***نَّ الملك أرناطَ بيده لتنقِّصه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ولغدرِه بالمسلمين، فهيأَ الله تعالى له الأسباب للبَرِ بقسمه، فكان هذا الملكُ المستكبرُ من ضمن الملوك الذين أَسرهم المسلمونَ في موقعةِ حطين، فأَمَّنَ صلاحُ الدين سائرَ الملوكِ سواه، وأَمر بإحضارِ أَرناط حتى أقاموه أمامَه، فقام إليه بالسيف، ودعاه للإسلامِ فامتنع، فذكَّره صلاح الدين بشتمهِ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، ثم قال له: ها أنا انتصر لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم منكَ ف***ه (انظر خبر ذلك في: الروضتين في أخبار الدولتين (3/297) والأنس الجليل (1/322) والنجوم الزاهرة (6/34).

وفي عصرِ شيخ الإسلام ابنِ تيمية رحمه اللهُ تعالى وَقَعَ نصرانيٌ يُدعى عَسَّافا في عرضِ النبي صلى الله عليه وسلم وشتمه، فأرادَ الناس الانتصار منه للنبي صلى الله عليه وسلم فاستجار عسافٌ هذا بأحدِ شيوخِ الأعرابِ، فأجاره وحماه من الناس، فسار الشيخانَ تقيُ الدين ابنُ تيميةَ وزينُ الدين الفارقيُ إلى الأمير عِز الدِين أَيبك الحمويِّ نائب السلطنة فكلماه في أمره، فأرسل ليحضره فخرج الشيخانِ من عنده ومعهما خلقٌ كثيرٌ من الناس، فرأوا عسافاً حين قَدِم ومعه الأعرابيُ الذي أجاره، فلم يطيقوا أن يروا شاتم نبيهِم صلى الله عليه وسلم فسبوه وشتموه فقال الأعرابيُ: هو خير منكم يعني: النصراني، فرجمهما الناسُ بالحجارة، فأصابت عسافاً إصابة بالغة، فأرسلَ الأميرُ إلى الشيخينِ ابنِ تيمية والفارقيِّ فضربهما بين يديه وسجنهما، وأحضرَ النصراني فأَظهر الإسلام وزعمَ أن بينه وبين الشهودِ عداوة فحُقنَ دمُه لأجل ذلك، وهرب النصرانيُ بعد ذلك من الشام إلى الحجاز، فلحق به ابنُ أخيهِ و***ه قريباً من مدينةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبسبب هذه الواقعة صنَّف شيخُ الإسلام ابنُ تيميةَ كتابَه العظيم: الصارمَ المسلولَ على شاتمِ الرسول (انظر خبر ذلك في: البداية والنهاية (13/335-336) والوافي بالوفيات (20/73))، وقرر فيه إجماعَ الأمةِ على ***ِ من تنقَّص الرسول صلى الله عليه وسلم، ونقل عن الإمامِ أحمدَ رحمه الله تعالى قولَه: "من شتم النبي صلى الله عليه وسلم، أو تنقصه مسلماً كان أو كافراً فعليه ال***" (أخرجه الخلال في أحكام أهل الملك (724) وهو في الصارم المسلول (2/16)).

ثم قال شيخُ الإسلام رحمه الله تعالى: "أما سبُّ الرسولِ والطعنُ في الدين ونحوُ ذلك فهو مما يضر المسلمينَ ضرراً يفوق ضررَ *** النفس وأَخذَ المال من بعضِ الوجوه فإنه لا أبلغ في إسفالِ كلمةِ الله، وإذلالِ كتاب الله، وإهانة كتابِ الله من أن يُظهرَ الكافرُ المعاهَد السبَّ والشتمَ لمن جاءَ بالكتاب (الصارم المسلول (2/453)).

هكذا كان حالُ أسلافِنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نصرةً له ودفاعاً عنه، ونحمدُ الله تعالى أن كثيراً من المسلمين في هذا العصر قد ساروا سيرةَ أسلافِهم فانتفضوا لما تَنقَّصَ بعضُ ملاحدةِ الغرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وظهرَ التعبير عن ذلك بوسائلَ شتى من الاعتراضِ والاستنكارِ، واستدعاءِ السفراءِ، وتخصيصِ البرامجِ الإعلاميةِ لذلك، والدعوة إلى مقاطعةِ بضائع تلك الدولةِ الملحدة وغيرِ ذلك، ونسأل الله تعالى أن يثيبَ كلَّ من غضبَ لله تعالى لما انتُهكت حرمةُ رسولهِ صلى الله عليه وسلم، وأن يحشرَهم في زمرتِه، وأن يوردَهم حوضَه، وأن يسقيهم منه شربةً لا ظمأَ بعدها أبداً، وأن يدخلَهم الجنة معه آمين يا رب العالمين، ونرجو أن نكون ممن قال فيهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «من أَشَدِّ أُمَّتِي لي حُبًّا نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لو رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ» (رواه مسلم، أخرجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: البخاري في صفة الجنة ونعيمها وأهلها باب فيمن يود رؤية النبي بأهله وماله (2832)).

كما أسأله تبارك وتعالى أن ينتقمَ ممن تنقَّص خاتمَ رسلِه، أو أعانَ على ذلك، أو رضيَه، أو دافع عمن فعله، وأن يجعلهم عبرةً لمن خلفِهم، إنه على كل شيء قدير، رضينا بالله تعالى رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، ونشهد الله تعالى على ذلك وكفى بالله شهيداً.

وأقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم...

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمداً يليق بجلال ربنا وعظيم سلطانه، أحمده حمداً كثيراً، وأشكره شكراً مزيداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فاتقوا الله تعالى وأطيعوه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70-71].

أيها المسلمون:

حقوقُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم علينا عظيمة، ومهما عملنا لنصرتهِ فإننا لا نفيه حقه، ولن نردَّ بذلك إلا بعض ما له علينا، فهو الذي به عرفنا رَبنا، وتعلمنَا أمورَ دينِنا، وما من خير نفعلُه إلا وهو من دلَّنا عليه، ولا من شرٍّ نحذرُه ألا وهو من حذَّرنا منه، ومن كتبَ الله تعالى له الجنة وأنجاه من النار، فإنما دخلَ الجنةَ ونُجي من النار بسبب اتباعه صلى الله عليه وسلم. فهل أحدٌ من أمتهِ يجزيه جزاءَه، أو يفيه حقَه مهما قدم لأجلِه، وصدق الله العظيم إذ يقول: {لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [آل عمران:164].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار: «أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمْ الله بِي وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمْ الله بِي وَمُتَفَرِّقِينَ فَجَمَعَكُمْ الله بِي وَيَقُولُونَ الله وَرَسُولُهُ أَمَنُّ» (أخرجه من حديث عبدالله بن زيد رضي الله عنه: البخاري في المغازي باب غزوة الطائف (4069) ومسلم في الزكاة باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي إيمانه (1061).

وروى أبو هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما مَثَلِي وَمَثَلُ الناس كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا فلما أَضَاءَتْ ما حَوْلَهُ جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ التي تَقَعُ في النَّارِ يَقَعْنَ فيها فَجَعَلَ يَنْزِعُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَقْتَحِمْنَ فيها فَأَنَا آخُذُ بِحُجَزِكُمْ عن النَّارِ وأنتم تقَحَّمُون فيها» (رواه الشيخان، أخرجه البخاري في الرقاق باب الانتهاء عن المعاصي (6118) ومسلم في الفضائل باب شفقته على أمته ومبالغته في تحذيرهم مما يضرهم (2284)).

فجزاه الله عنا وعن المسلمين خير ما جزى نبيًا عن أمته، ولنعلم أننا مهما قدمنا لنصرته من مقالةٍ نكتبها، أو حقيقةٍ نبرزها، أو سيرةٍ نتلوها أو نترجمها، أو دعوى نبطلها، أو رسالةٍ نرسلها، أو بضاعةٍ نقاطعها فهي أقلُ ما يجبُ علينا نصرةً لنبيِنا صلى الله عليه وسلم.

وأما أولئك الملاحدةُ الذين طَعنوا فيه فهم في سفولٍ وخسرانٍ في الدنيا والآخرة إلا أن يتوبوا ويؤمنوا فما انتقص أحد رسولَه صلى الله عليه وسلم ثم سَلِمَ من العقوبة.

أيها الإخوة: لا يظننَّ ظانُ أن هذا الحدثَ فرديٌ أو أنه قلمُ عابثٍ، أو فعل ساخرٍ بل والله الذي لا يُحلف بغيره إنه لبعضُ البغضاءِ التي بدت من أفواهِهِم وما تخفي صدورهم أكبر.

إن الذي أغاظ الأعداء من يهود ونصارى وملاحدة من عرب وعجم أنه لا يُوجد مقدسٌ دينيٌ لا يخضع للنقدِ والأخذِ والردِّ عند كلِّ الأممِ سوى المسلمين، فعندهم كتاب الله عز وجل ومن جاء به فوقَ كلِ نقد، ولذا فهم يسعون جاهدين لتحطيم هذا المقدس ورموزهِ بكل ما آتوا من قوة، ليتمكنوا من إفساد المسلمين وعلمنتهم، لعلمِهم أنه عائق بينهم وبين ما يريدون، وهذه الحقيقة صرح بها رئيس تحرير الصحيفة التي أساءت للنبي صلى الله عليه وسلم، إذ استغربَ من هذهِ الحرمةِ والقدسيةِ التي لا توجد إلا عند المسلمين، وختم قوله بأنه يسعدُ لو أزال ذلكَ من المسلمين، وسيبقى لعدوِ الله تعالى ما يسوءُه إن شاء الله تعالى، فالله تعالى حافظ دينَه، معلٍ كلمتَه ولو كره المشركون.

وقد دنس إخوانه من قبلُ كتابَ الله تعالى، ووصفوا رسولَه صلى الله عليه وسلم بأبشعِ الأوصاف، ومن المتوقع أن تستمر هذه السلسلةُ من الهجمات على مقدساتِ المسلمين ولا سيما إذا اختبروا ردودَ الأفعالِ فرأوها ضعيفة، ولذا لابد من إصرارِ المسلمينَ على حمايةِ مقدساتهم، وعدمِ السماحِ بالمساسِ بها مهما كلف الأمر، ليرتدعَ الملاحدة والمشركون ليخبوا صوتُ المنافقين والجاهلين الذين أزعجوا المسلمين بكيفية التعامل مع الآخر، وزعموا أننا لا نفهمُه، وندعي عداوتَه، فإذا هذا الآخرُ يصفعهم بهذه الطامةِ الكبرى كما صفعهم بعظائمِ قبلَها فلتقفْ أقلامُهم، ولتخرسْ ألسنتُهم، وليعودوا إلى إيمانهم خيراً لهم.

واليهود قد جعلوا من المحرمات الدولية التي لا يجوز المساس بها: معاداةً السامية، أو نفي المحارقِ النازية، ولسنا بأقل من اليهودِ، ولا ابتزازهم للعالم بأكرم عليهم من كرامة النبي صلى الله عليه وسلم عندنا.

إن الذين يدعون إلى حرية الرأي يريدون أن يصيرَ حالُ المسلمين حالَ هؤلاءِ الملاحدةِ في قوانينهِم وأنظمتهم، يطعنون في جلالِ الله تعالى وفي ملائكتهِ ورسلهِ عليهم السلام فلا يُحاكمون لأن القانون الطاغوتي يحمي حريةَ الرأي، فهل من يدعون إلى حريةِ الرأي في بلادِ المسلمين يريدون ذلك؟ أم هم جاهلون لا يعرفون لوازمَ دعواتِهم ومآلاتهم!

ولنعلم أن كلَّ داعٍ إلى حريةِ الكلمة من الضوابط الشرعية فإنما هو يُعبِّدُ الطريقَ للطاعنين في الله تعالى وملائكته وكتبه ورسله، وفي كل معظم في نفوسِ المسلمين، مقدسٍ عندهم، فهو العدو الذي يَجب الحذرُ والتحذيرُ منه، والأخذُ على يدِه، لئلا يُعتدى بسببهِ على ربنا ودينِنا وقرآنِنا ورسولِنا صلى الله عليه وسلم حفظ اللهُ المسلمين بحفظهِ، وأسبغ عليهم نعمَه، وكفاهم شرَّ أعدائهم، إنه على كل شيء قدير، والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على رسوله وآله وصحبه أجمعين.



إبراهيم الحقيل

abomokhtar
22-03-2013, 06:42 AM
الحمد لله، أرسل الرسل مبشرين ومنذرين، وأنزل الكتب هداية للخلق أجمعين، فسبحانه من رب رحيم، وإله عظيم، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، نصب الأدلة على ربوبيته، وأقام الحجة على خلقه، وأعذر المكلفين من عباده، له الحكمة الباهرة في خلقه وتدبيره، وله الحجة البالغة في أمره ونهيه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ أرسله بالبينات، وأيده بالمعجزات، وأمده بجنده، وأظهره على أعدائه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، آمنوا به وعزروه ونصروه وآووه، وفدوه بأنفسهم وأولادهم وعشائرهم وأموالهم، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:
فاتقوا الله تعالى، والجئوا إليه في كل عسير، ولوذوا به في كل عظيم، فإنه جل جلاله الكبير الذي لا يتعاظمه شيء: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ} [الشورى:29]، رحمة الله تعالى بالمكلفين: أن دلهم على الطريق إليه، فأرسل الرسل مبشرين ومنذرين، وأوجب على العباد طاعتهم، فهم وسائط بين الله تعالى وبين عباده، يصدرون عنه، ويتلقون وحيه ويبلغون رسالاته، ويوم القيامة يسألون عن بلاغهم، ويسأل العباد عن إجابتهم {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ} [المائدة:109]، وفي الآية الأخرى: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِين} [الأعراف:6].

وستشهد أمة محمد عليه الصلاة والسلام على سائر الأمم أن الرسل بلغتها الرسالات، وهذا معنى كونهم شهداء على الناس كما روى البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يُجَاءُ بِنُوحٍ يوم الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ: له هل بَلَّغْتَ؟ فيقول نعم يا رَبِّ. فَتُسْأَلُ أُمَّتُهُ هل بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: ما جَاءَنَا من نَذِيرٍ فيقول: من شُهُودُكَ؟ فيقول مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ فَيُجَاءُ بِكُمْ فَتَشْهَدُونَ، ثُمَّ قَرَأَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} -قال عَدْلًا- {لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة:143]، وفي رواية لأحمد وابن ماجه: «يجيء النبي يوم الْقِيَامَةِ وَمَعَهُ الرَّجُلُ والنبي وَمَعَهُ الرَّجُلاَنِ وأَكْثَرُ من ذلك فَيُدْعَى قَوْمُهُ فَيُقَالُ لهم هل بَلَّغَكُمْ هذا فَيَقُولُونَ لاَ فَيُقَالُ له هل بَلَّغْتَ قَوْمَكَ فيقول نعم فَيُقَالُ له من يَشْهَدُ لك فيقول مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ فَيُقَالُ لهم هل بَلَّغَ هذا قَوْمَهُ فَيَقُولُونَ نعم فَيُقَالُ وما عِلْمُكُمْ فَيَقُولُونَ جَاءَنَا نَبِيُّنَا فَأَخْبَرَنَا أَنَّ الرُّسُلَ قد بَلَّغُوا».

والإيمان بالرسل وطاعتهم واتباع دينهم، والتزام شرائعهم هو الغاية من إرسالهم، كما قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [النساء:64]، وما من نبي إلا قال لقومه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} [الشعراء:108]، ولما كان محمد صلى الله عليه وسلم آخر الرسل وخاتمهم فلا نبي بعده، وجب على كل من بلغته دعوته أن يصدقها، ويتبعه فيها، وإلا كان عدوا لله تعالى ولأنبيائه كلهم، وإن زعم أنه يؤمن ببعضهم كما هو حال اليهود والنصارى بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، ولذا سموا كفارا في القرآن الكريم لأنهم كفروا برسالته عليه الصلاة والسلام، كما كفروا بما جاء به موسى وعيسى عليهما السلام من البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم، فقرنوا في القرآن مع المشركين، ووصفوا بأنهم شر الخليقة، وكانت النار مأواهم: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} [البينة:6].

وروى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيده لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ من هذه الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ ولا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ ولم يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إلا كان من أَصْحَابِ النَّارِ» (رواه مسلم)، وإنما كان اتباع الرسول واجبا، وطاعته فرضا، لأنه لا ينطق عن الهوى: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:4]، ما جاء به فهو من عند الله تعالى وحيًا أوحاه إليه، أو فعلا فعله فأقره الله تعالى عليه فكان وحيًا، ولما طلب المشركون من النبي صلى الله عليه وسلم تبديل القرآن كان خطاب الله تعالى له: {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي} [يونس:15]، وتكرر في القرآن كثيرًا التأكيد على أن ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وحي من الله تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:4]، وفي الآية الأخرى: {وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي} [سبأ:50].

وتضافرت الآيات الكريمات على إيجاب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وطاعته، والتحذير من مخالفته، وجعل طاعته طاعة لله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النسشاء:80]، ومبايعته مبايعة لله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح:10]، وقرن بين اسمه واسمه في المحبة فقال سبحانه: {..أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ..} [التوبة:24]، وفي الطاعة: {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ} [النساء:13]، وفي المعصية: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} [الجن:23]، وفي الرضا: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} [التوبة:62]، وفي الإيذاء: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ..} [الأحزاب:57].

قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: "نظرت في المصحف فوجدت طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في ثلاثة وثلاثين موضعًا ثم جعل يتلوا: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63]"، وجعل يكررها ويقول: "وما الفتنة؟"، ثم يجيب فيقول: "الكفر، قال الله تعالى: {..والفتنةُ أكبرُ من ال***ِ..} [البقرة:217]"، فيدعون الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتغلبهم أهواؤهم إلى الرأي، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ، فيزيغ قلبه فيهلكه.

والأمر بطاعة الرسول في القرآن جاء في آيات كثيرة، وبصيغ متنوعة، وعلى وجوه متعددة، فتارة يقرن بين طاعة الله سبحانه وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بأمر واحد وفعل واحد: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} [آل عمران:32]، وفي آية أخرى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [الأنفال:20]، فعطف طاعة الرسول على طاعته، ولم يكرر الفعل؛ إعلامًا بأن طاعة الله تعالى لا تتحقق إلا بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.

وتارة أخرى يأمر الله سبحانه بطاعته وطاعة رسوله فيكرر الأمر والفعل؛ كما في قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59]، وفي المائدة: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا..}، وفي النور: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ} [النور:54]، وفي القتال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد:33]، وكل هذه الآيات وأمثالها تدل على أن طاعة الرسول تجب استقلالا، فلو أمر عليه الصلاة والسلام بأمر لا وجود له في القرآن وجب طاعته فيه؛ لأن ما جاء به هو في منزلة ما جاء في القرآن من جهة الأمر والنهي ووجوب الأخذ به، كيف وهو القائل عليه الصلاة والسلام: «ألَا إنّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ معه ألا إني أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ معه ألا يُوشِكُ رَجُلٌ ينثني شَبْعَاناً على أَرِيكَتِهِ يقول عَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ فما وَجَدْتُمْ فيه من حَلاَلٍ فَأَحِلُّوهُ وما وَجَدْتُمْ فيه من حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ» (رواه أحمد، وأبو داود).

قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "فأمر تعالى بطاعته وطاعة رسوله، وأعاد الفعل إعلامًا بأن طاعة الرسول تجب استقلالا من غير عرض ما أمر به على الكتاب، بل إذا أمر وجبت طاعته مطلقًا سواء كان ما أمر به في الكتاب أولم يكن فيه فإنه أوتي الكتاب ومثله معه" (اهـ)، ولا أدل على تقرير ذلك من أن الله تعالى أمر بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم استقلالا، كما في قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النور:56]، وفي هذه الآيات ومثيلاتها رد على من استهان بسنته، فقدم عليها أقوال البشر، أو رد شيئا منها بدعوى عدم إشارة القرآن إليه، كما يقول ذلك من يقوله ممن تشربوا الفتنة وقضوا بعقولهم القاصرة على السنة، فزاغوا فأزاغ الله تعالى قلوبهم.

وتارة ثالثة يأمر الله تعالى باتباع نبيه صلى الله عليه وسلم، والتأسي به، والأخذ عنه، كما في قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:31]، وفي الأحزاب: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} وفي الحشر: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} [الحشر:7]، وتارة رابعة يأمر سبحانه بالتحاكم إليه، وقبول حكمه، والتسليم له، كما في قوله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65]، وفي النور: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [النور:51]، وفي الأحزاب: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36].

فمن أحب النبي صلى الله عليه وسلم، وأراد نصرته فليمتثل أمره، وليجتنب نهيه وليلتزم سنته، وليرض بالتحاكم إلى شريعته ولو كان الحكم مخالفا لهواه، فإن المؤمن لا يكون كامل الإيمان حتى يكون هواه تبعا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الشريعة والأحكام أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف:158].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...

الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، ونشكره على توفيقه وامتنانه، ونستغفره طلبًا لعفوه وغفرانه، ونسأله طمعًا في ثوابه وإنعامه وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، كبير في ذاته، عظيم في أسمائه وصفاته {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة:255]، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، لا يحبه إلا مؤمن، ولا يشنئوه إلا كافر أو منافق، جمع الكمال البشري في شخصه، وبهر العالمين بحسن خلقه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، والتزموا سنة نبيه واتبعوه: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [آل عمران:132].
أيها المسلمون: اعتداءات الكفار والمنافقين على الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى من يدينون بدينه قديمة قدم ظهور الإسلام، وبلاغ سيد الأنام عليه الصلاة والسلام، وستظل حملاتهم شديدة الأوار، عظيمة الاضطرام، إلى آخر الزمان، تخبو تارة لعجز الأعداء أو ضعفهم أو انشغالهم بحروب بينهم، ولكنها لا تلبث إلا وتعود كرة أخرى أشد ما تكون.

وإن أعظم نصرة يقدمها المسلم لربه عز وجل ولدينه، ولنبيه صلى الله عليه وسلم هي مزيد من التمسك بالإسلام، وتعظيم شعائره، وإظهار معالمه، وإبراز محاسنه، إن الأعداء ما شرقوا بالإسلام، ولا نالوا من سيد الأنام، ولا جيشوا الجيوش العسكرية، وحشدوا الأبواق الإعلامية فدمروا ما دمروا، واحتلوا من بلاد المسلمين ما احتلوا، ونشروا الشهوات في أوساط المسلمين، وقذفوا الشبهات بينهم، وحاولوا تزوير دينهم، وانتدبوا المحرفين لهذه المهمة القذرة، فباءوا بفشل بعد فشل إنهم ما فعلوا ذلك كله إلا لأن دين محمد صلى الله عليه وسلم بقي كما هو غضًا طريًا كما نزل منذ ما يزيد على أربعة عشر قرنًا.

لقد غزوا المسلمين بالتنصير والإلحاد، ورفعوا من شأن الزنادقة والملحدين فما أفلحوا، ونشروا أفكار ماركس ولينين وسارتر ونيتشه وديوي وريكارد ومالتوس وميل، وعشرات غيرهم، فكان لأفكارهم بريق اغتر به شباب المسلمين ردحًا من الزمن حتى اطمئن الأعداء أن موجة الإلحاد قد شقت طريقها في بلاد المسلمين، وأن مآلها مآل الغرب الإلحادي، وما هي إلا سنوات قلائل حتى ماتت هذه الأفكار، وظهر دين محمد صلى الله عليه وسلم من جديد، وصار يهدد إلحاد الغرب بانتشار الإسلام بين أفراده، وليست النصرانية المحرفة قادرة على أن تكون بديلا صالحًا للإسلام رغم ما ينفق على التنصير من أموال ضخمة.

وإذ ذاك ظهر الوجه الحقيقي لحرية الرأي والحرية الدينية التي يتشدق بها الغرب، ويصيح بها المفتونون به وبشعاراته الزائفة، فمنعوا الحجاب، وشوهوا الإسلام، ووصموه بالإرهاب، وضيقوا على المسلمين، واتهموهم بالتهم الباطلة، وما زاد هذا الإرهاب الغربي الإسلام إلا قوة وانتشارًا، إنه الدين الوحيد في التاريخ كله الذي استعصى على محاولات التبديل والتغيير، والمسخ والتحريف، وهو الدين الذي لم يقبل المماحكات والمساومات على شريعته وأحكامه؛ منذ أن رفض رسول الله صلى الله عليه وسلم مساومات المشركين وإلى يومنا هذا، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لأن من حكم الله الذي لا يبدل أن يبقى الإسلام إلى آخر الزمان رغم أنوف الحاقدين والكارهين.

وهو الدين الوحيد الذي يكون أقوى ما يكون حين يكون أتباعه أضعف ما يكونون، ومن رأى في هذا العصر قوة الأعداء وضعف المسلمين، واجتماعهم وتفرق المسلمين، استبانت له تلك الحقيقة، ولذلك أعيتهم الحيل مع الإسلام، وهو الدين الذي يُحيي أتباعَه نيلُ الأعداء منه، وكم دنست أديان وأفكار فما رفع أتباعها بذلك رأسًا، ولا سيما إن كانوا ضعفاء، وحين غزا أبرهة الكعبة قال عبد المطلب وهو سيد قريش: "أنا رب الإبل وللبيت رب يحميه"، وتبدل الحال بالإسلام فلا ينال من دين الله تعالى إلا انتفض المسلمون لذلك وقلبوا حسابات الأعداء رأسًا على عقب، أفنعجب يا عباد الله إن طفح الغيظ من صدورهم ففعلوا ما فعلوا؟!

وإن أعظم شيء يغيظهم: إظهار سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم من إعفاء اللحى، وتقصير الثياب، والتزام المرأة بالحجاب، وتتبع السنن النبوية وتطبيقها، والإعلان بها، واتخاذها شعارًا، تعبدًا لله تعالى، وإغاظة لأعدائه، وإن إغاضتهم بطاعة الله تعالى، وبتطبيق سنة نبيه صلى الله عليه وسلم من أوثق عرى الإسلام، فهبوا يا أنصار محمد صلى الله عليه وسلم لنصرته بتطبيق سنته، واجتناب مخالفته، فتلك والله أعظم وسائل النصرة.

ومن لاحظ رسوماتهم الفاجرة بان له أنها ترتكز على الاستهزاء بتلك السنن الظاهرة التي أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتخذها الممتثلون لسنته شعارا لهم، وإن من سنة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم التي انتدبكم إليها، وحضكم عليها: صيام العاشر من محرم، ومخالفة اليهود بصيام يوم قبله أو بعده، كما روى ابن عباس رضي الله عنهما فقال: «قَدِمَ النبي صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يوم عَاشُورَاءَ فقال ما هذا قالوا هذا يَوْمٌ صَالِحٌ هذا يَوْمٌ نَجَّى الله بَنِي إِسْرَائِيلَ من عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى، قال فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ» (رواه البخاري)، وفي رواية لمسلم قال عليه الصلاة والسلام: «لَئِنْ بَقِيتُ إلى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ»، وأخبر عليه الصلاة والسلام أن صيامه مكفر للذنوب، فقال عليه الصلاة والسلام: «صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ على الله أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ التي قَبْلَهُ» (رواه مسلم). فصوموه رحمكم الله تعالى، تعبدًا لله تعالى، وامتثالا لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وطلبا للأجر.

وصلوا وسلموا..



إبراهيم الحقيل