مشاهدة النسخة كاملة : معضلات إدارة المرحلة الانتقالية في مصر


aymaan noor
26-04-2013, 06:17 PM
التحول المأزوم:
معضلات إدارة المرحلة الانتقالية في مصر (ملف) (http://www.rcssmideast.org/reviews/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D9%81%D8%A7%D8%AA/%D8%A5%D8%AE%D9%81%D8%A7%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D8%AA%D8%AA%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9.html)

http://www.rcssmideast.org/media/k2/items/cache/1fb8d2d7c882fbaba1a2c09d1d9cbe68_L.jpg
اعداد: عمرو عبد العاطي

بعد أكثر من عامين على ثورة الخامس والعشرين من يناير، ما زال نظام ما بعد الثورة يتعثر في إدارة المرحلة الانتقالية؛ حيث لم نشهد بعدُ انتقالا حقيقيًّا لمصر الثورة (سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا) نادى به الثوار في أولى أيام الثورة. فقد اجتمع الثوار على شعار (عيش، حرية، عدالة اجتماعية) يُترجم آمالهم في مصر الجديدة بعد إسقاطهم نظام "مبارك" وإرثه في ثمانية عشر يومًا بثورة أبهرت العالم بأسره، لتدخل مصر بها تاريخ الثورات التي تعيد تشكيل مجتمعاتها.

ورغم انتخاب رئيس جديد من خلال انتخابات حرة ونزيهة لأول مرة في تاريخ مصر باعتراف الجميع، لا تزال مصر متأزمة في إدارة المرحلة الانتقالية لأسباب عدة، يتقدمها غياب التوافق المجتمعي في إدارة المرحلة الانتقالية، في ظل تمسك جماعة الإخوان المسلمين من جهة برؤيتها لإدارة المرحلة الانتقالية، استنادًا إلى شعبية حصدتها خلال صناديق الاقتراع، ونفوذ وتنظيم قويين في الشارع، وتعنت التيار المدني من جهة ثانية، وغياب دوره وتأثيره إلا على قلة من مؤيديه، وعدم طرحه بديلا جديًّا لطرح جماعة الإخوان المسلمين يستطيع من خلاله خلق التوافق المجتمعي الغائب، ومن جهة ثالثة يغيب تأثير القوى الثورية التي كان لها دور مركزي في إسقاط النظام السابق مع تشتتها وتشرذمها في الأيام الأولى لتنحي "حسني مبارك".

وهي أمور عقدت من إدارة المرحلة الانتقالية لنشهد حالة من حالات الاستقطاب -بل إن شئت قول التناحر والاحتراب- السياسي بين التيار المدني والإسلامي، والانفلات الأمني، وفوضى دستورية وقانونية، أدت إلى إخفاقات متتالية يتقدمها الإخفاق في حل المشكلات الاقتصادية التي كانت المحرك الرئيسي لنزول أطياف مختلفة من الشعب المصري للشارع ثائرين على النظام السابق الذي أفقرهم.

ومع مرور أكثر من عامين على ثورة يناير، تبددت آمال المصريين في تغيير اقتصادي تنموي حقيقي وإصلاحات سياسية ودستورية تنعكس على المواطن الذي علق آماله على النظام السياسي الجديد. ومع انسداد سبل الحل السياسي وغياب التوافق المجتمعي في إدارة المرحلة الانتقالية لم يكن أمام الشارع المصري الثائر إلا اللجوء إلى العـنف في مواجهة السلطة الحاكمة وسياساتها.

وفي ظل استمرار إخفاقات إدارة المرحلة الانتقالية والصراع السياسي المحتدم بين التيارات السياسية الفاعلة بعد الثورة، والتصادم بين السلطة الحاكمة ومؤسسات الدولة، وتردي الأوضاع الاقتصادية، وغياب التوافق المجتمعي، جاءت فكرة هذا الملف الذي يضم مجموعة من التحليلات، والتقديرات، والتقارير، والعروض، لما نشرته مراكز الفكر والرأي الغربية والأمريكية عن تقييم إدارة المرحلة الانتقالية.

ينقسم الملف إلى ستة محاور رئيسية، يتناول المحور الأول معضلات إدارة المرحلة الانتقالية، وتقييمًا لتعامل النظام الجديد مع إشكاليات المرحلة، في حين هدف المحور الثاني إلى تقييم محاولات حكومات ما بعد الثورة لحل الأزمات الاقتصادية التي كانت المحرك للثورة، أما المحور الثالث فهو عن تحول سياسات الشارع الثائر من الثورة السلمية إلى العـنف الذي تتزايد درجاته مع الإخفاقات المتتالية في إدارة المرحلة الانتقالية، ويرصد المحور الرابع معدل الصراعات التي تدور داخل تيار الإسلام السياسي، وتلك التي تدور بينه وبين التيار المدني، ويتناول المحور الخامس أزمة الإعلام والحريات التي تصاعد الحديث عنها مع تقديم النظام الجديد مؤخرًا العديد من الإعلاميين للقضاء لآرائهم وانتقاداتهم لسياساته. ولما كان هناك تأثير متبادل بين الداخل والخارج، فقد تناول المحور الأخير العلاقات الخارجية لمصر خلال المرحلة الانتقالية، وتأثير ما يحدث في الداخل على تلك العلاقات ورؤية الخارج لما يحدث في الداخل المصري.

The LeGenDarY ZeZo
26-04-2013, 06:24 PM
شكراً يا أخى على الموضوع واصل

aymaan noor
26-04-2013, 06:26 PM
المحور الأول: معضلات المرحلة الانتقالية

1- أزمات الشرعية: استحقاقات المراحل الانتقالية في دول الثورات العربية

http://rcssmideast.org/media/k2/items/cache/e9b0f857826ab994b1b1904c051bbf59_L.jpg
محمد عبدالله يونس
مدرس مساعد في العلوم السياسية - جامعة القاهرة

لم تسفر الثورات العربية عن تأسيس نظم سياسية تحكمها صيغ مستقرة لتداول السلطة، إذ إن حالة الضبابية التي اتسمت بها المراحل الانتقالية في كافة دول الثورات أدت إلى إعادة إنتاج أزمات الشرعية نتيجة العجز عن الوفاء بالاستحقاقات الثورية، والافتقاد لعقد اجتماعي يضبط آليات تداول السلطة وأداء الدولة لوظائفها الاقتصادية والأمنية، في خضم حراك اجتماعي احتجاجي يكشف عن تآكل سريع لشرعية النظم البديلة "المنتخبة" التي تولت مقاليد الحكم محل النظم السابقة، فيما يعرف بـ"الإحلال السلطوي".

أبعاد متعددة

تعرضت النظم الصاعدة في دول الإقليم لتآكل سريع في شرعيتها في ظل إحباط ثورة التوقعات بما يمكن تحقيقه على إثر الثورات، وتصاعد النزوع للعـنف، والحراك الاحتجاجي "الفئوي" الذي أنتجته المشكلات الاقتصادية الحادة، والفشل في طرح نموذج تنموي يحقق العدالة الاجتماعية، فضلا عن استمرار النزعة السلطوية، مع اختلاف الحدة والأبعاد الحاكمة لأزمات الشرعية، فبينما يعاني النظام السوري من انهيار كامل لأسس الشرعية؛ فإن النظامين الحاكمين في مصر وتونس يواجهان أعراض الانحدار المضطرد في الرضاء العام عن سياساتهما، ومناوأة تيارات المعارضة المدنية، في حين تواجه النظم الحاكمة في البحرين وليبيا واليمن معضلات الانقسامات المذهبية والقبلية والميليشيات المسلحة والعـنف المتصاعد بين الفصائل السياسية المختلفة، وفي هذا الصدد تتمثل أهم أبعاد أزمات الشرعية في الآتي:

1- الحراك الاحتجاجي العنيف، إذ لم تنجح النظم السياسية في الوفاء باستحقاقات الثورات العربية، وهو ما أدى إلى تفجر موجة أكثر ***ًا من الحراك الاحتجاجي؛ حيث أدى اغتيال المعارض اليساري التونسي شكري بلعيد، في 6 فبراير الجاري، إلى اندلاع احتجاجات وتنظيم عصيان مدني وحرق لمقرات حركة النهضة التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، بينما لم تنقض بعد الموجات الارتدادية لذكرى ثورة 25 يناير في مصر وما تبعها من أعمال *** في مختلف محافظات الجمهورية، في حين لا تزال البحرين تشهد أعمال شغب متقطعة من جانب المنتمين لجمعية الوفاق الشيعية وقوى المعارضة الرئيسية.

2- افتقاد الأسس الدستورية، حيث لم تتمكن النظم الصاعدة من تأسيس أُطر دستورية حاكمة للتفاعلات السياسية وتداول السلطة، فعلى الرغم من تمرير الدستور المصري في ديسمبر الماضي، فإن اتساع نطاق الفئات الرافضة له يقوض من قدرته على ضبط التفاعلات السياسية في ظل ما يتضمنه من قواعد تُثير خلافات كونها تفرض قيودًا على الحريات العامة والعدالة الاجتماعية والمساواة، في حين لم تتمكن أي من دول الثورات الأخرى من صياغة دساتير في ظل الخلافات المحتدمة بين مختلف التيارات السياسية.

3- تقويض الاحتكار الشرعي للقوة، لا سيما وأن انتشار الميليشيات المسلحة يحول دون فرض القانون في مختلف دول الثورات العربية، ففي ليبيا لا تزال سطوة الميليشيات المسلحة حاكمة للمشهد السياسي، في حين يزداد الأمر تعقيدًا في اليمن، في ظل الصراع بين الميليشيات القبلية وفصائل تنظيم القاعدة من جانب، والصدامات المتقطعة بين الحوثيين وأنصار حزب التجمع الوطني للإصلاح التابع للإخوان المسلمين من جانب آخر، والتي تكشف عن افتقاد الدولة للسيطرة، في ظل انقسام القوات المسلحة اليمنية بين أنصار نجل الرئيس السابق علي عبد الله صالح واللواء محسن الأحمر، وهو وضع يصل حده الأقصى في الحالة السورية في إطار حرب أهلية كاملة بين الجيش النظامي وفصائل الجيش السوري الحر.

4- فقدان شرعية الإنجاز، بسبب فشل مختلف الحكومات في دول الثورات في إنجاز أي من الاستحقاقات الثورية، في ظل تفاقم الأزمات الاقتصادية، واحتدام مشكلات البطالة، وارتفاع الأسعار، وانخفاض حجم الاستثمارات.

أسباب مختلفة

ترتبط أزمات الشرعية السياسية في دول الثورات العربية بعدد من الأسباب التي يمكن تناولها على النحو التالي:

1- الصراع السلطوي، فقد انتقصت المواجهة المستحكمة بين جماعة الإخوان المسلمين وقوى المعارضة في مصر، من شرعية النظام المستمدة من الامتناع عن استخدام القوة في مواجهة المتظاهرين، بينما أدى الانقسام بين قوى المعارضة وحركة النهضة الممثلة لجماعة الإخوان المسلمين في تونس إلى تفكك الائتلاف الحكومي، وهو ما أثر سلبيًّا على إدارة المرحلة الانتقالية.

2- التصدع المجتمعي، حيث باتت الانقسامات الأولية حاكمة للتفاعلات السياسية، ففي سوريا أدت الحرب الأهلية إلى تفكك المجتمع تحت وطأة الصراع بين الأقلية العلوية الحاكمة والجيش السوري الحر الممثل للفصائل السنية، والأكراد الذين نجحوا في السيطرة على مناطق تمركزهم بعد انسحاب قوات النظام السوري، في حين تسيطر الانقسامات الجهوية على الصراع السياسي في اليمن، في ظل المطالب الانفصالية لفصائل الحراك الجنوبي والحوثيين في صعدة، والانقسامات القبلية بين مؤيدي علي عبد الله صالح والداعمين لمحسن الأحمر.

3- الانهيار المؤسسي، إذ قوضت تداعيات الثورات العربية من تماسك مؤسسات الدولة لا سيما المؤسسات الأمنية، حيث تعرضت أجهزة الشرطة في مصر وتونس لتصدع لم تتمكن حتى الآن من تجاوز تبعاته في ظل تعرضها للتسييس واستهدافها من جانب الفصائل الثورية، بينما ترتب على انخراط المؤسسة العسكرية في الثورات والاحتجاجات إشكاليات طالت تماسكها على غرار ما حدث في اليمن، ويحدث الآن بشكل أقوى في سوريا.

4- الاختراق الخارجي، فقد أضعف التدخل الإيراني لدعم الحوثيين والحركات الانفصالية في اليمن، من قدرة الحكومة الانتقالية على إدارة المرحلة الانتقالية، بينما أدت التجاذبات بين المحاور الإقليمية إلى احتدام الصراع في سوريا، في ظل تناقض المصالح بين محور إيران والعراق وحزب الله الذي يدعم النظام السوري من جانب، ومحور تركيا والسعودية وقطر الذي يقدم مساعدات لفصائل الجيش السوري الحر من جانب آخر.
آليات الاحتواء

لم تقدم دول الثورات العربية نموذجًا مثاليًّا في احتواء أزمات الشرعية، في ظل بيئة داخلية وإقليمية ضاغطة تستنزف قدراتها، فضلا عن خصائص التيارات السياسية المتصدرة للمشهد السياسي التي يغلب على توجهاتها الانغلاق وجمود المواقف بما يعرقل التوافق السياسي، ومن ثم لم تخرج آليات مواجهة أزمات الشرعية في تلك الدول عن توظيف الأدوات الأمنية في قمع المعارضة، وتبني خطاب التخوين والإقصاء للدفاع عن شرعية استحواذها على السلطة، فضلا عن الارتكان لمصادر الشرعية التقليدية الدينية، بهدف حشد الجماهير في مواجهة المعارضة المدنية التي تواجه رموزها حملات تشكيك وتشويه، وإعادة بناء شبكات المصالح بين البيروقراطية ورجال الأعمال وشاغلي السلطة، التي أبقت على احتكار النظم السابقة للسلطة لفترات طويلة، وهو ما يطرح مسارات متعددة يمكن أن تتجه إليها أزمات الشرعية: أولها، انهيار كامل للشرعية مصحوبًا بثورات جديدة على النظم الحاكمة. وثانيها، استمرار تآكل الشرعية دون سقوط النظم الحالية. وثالثها، صياغة معادلات جديدة لشرعية تبادل المنافع والاعتماد على الشرعية التقليدية. ورابعها، استعادة شرعية الإنجاز لتملأ فراغ شرعية التوافق الديمقراطي.

aymaan noor
26-04-2013, 06:36 PM
المحور الأول: معضلات المرحلة الانتقالية

2- "الجيد، والسيئ، والقبيح": قراءة في أزمات المرحلة الانتقالية في مصر

http://rcssmideast.org/media/k2/items/cache/8d20793c9524220702360040c923d064_L.jpg
د. عبد المنعم سعيد، وكريم القاضي
عرض: محمد الحسين عبد المنعم، باحث بالمركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة

أكثر من عامين على الثورة، وما زالت مصر تخوض مرحلتها الانتقالية بتعثر "ثابت"، انطلاقًا من الاستقطاب "الإسلامي - المدني"، مرورًا بأحداث عــنف متتالية، وفوضى دستورية وقانونية، فضلا عن انفلات أمني، بالإضافة إلى أزمة اقتصادية طاحنة، وصولا إلى انتخابات رئاسية ظن البعض فيها خلاصًا من الانتقال، إلا أن توالي الأحداث برهن على دوران المصريين في حلقة مفرغة، في ظل غياب توافق وطني.

في هذا السياق؛ تأتي الورقة البحثية المعنونة "الجيد، والسيئ، والقبيح في الانتقال السياسي في مصرThe Good, The Bad, and the Ugly of Egypt's Political Transition"، الصادرة عن "مركز كراون لدراسات الشرق الأوسط Crown Center for Middle East Studies" بجامعة "برانديز Brandeis University" بالولايات المتحدة، لكل من "د. عبد المنعم سعيد" مدير المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة وزميل المركز، و"كريم القاضي" المرشح لنيل الدكتوراه من قسم العلوم السياسية بجامعة برانديز ومركز كراون.

تسعى الورقة للإجابة عن تساؤل رئيسي مفاده: "إلى أي مدى اقتربت مصر خلال مرحلتها الانتقالية من نظام الحكم الديمقراطي؟"، في ضوء أجواء "عدم اليقين" التي تسيطر على المرحلة الانتقالية، وذلك من خلال استعراض التطورات الإيجابية التي شهدتها الساحة السياسية، ورصد التجليات السلبية لمرحلة الانتقال، بالإضافة إلى تسليط الضوء على عدد من "الحقائق المؤسفة" التي من شأنها أن تعيق عملية الانتقال برمتها.

الجيد The Good

توافقت أغلب الفصائل السياسية في مصر على "النظام الديمقراطي" كنظام للحكم في الجمهورية الثانية، وبالرغم من الاختلافات والصراعات السياسية حول طريق الوصول للنظام المرجوّ، فإن عددًا من التطورات الإيجابية قد تكون دافعًا لمصر على طريق الديمقراطية:

• الانتخابات كآلية لتسوية الصراعات السياسية: تستعرض الورقة المناسبات التصويتية التي مرت بها مصر ونتائجها منذ الإطاحة بمبارك وحتى الاستفتاء على الدستور، مشيرة إلى أن مصر شهدت فصلا انتخابيًّا ناجحًا اتسم بقدر كبير من الحرية والعدل، إلا أن القوى المدنية أخفقت في تحقيق نتائج إيجابية في مقابل قوى الإسلام السياسي المنظمة.

• التقدم نحو مدنية الدولة: فرغم إصدار المجلس الأعلى للقوات المسلحة إعلانًا دستوريًّا مكملا ينتقص من صلاحيات الرئيس المنتخب، إلا أن حادث مقـتل الجنود المصريين برفح قدم الذريعة لمرسي لإلغاء الإعلان المكمل، وإقالة وزير الدفاع ورئيس أركانه بالإضافة لعدد من كبار العسكريين، وقد مثلت تلك الخطوة إنهاء لدور المجلس العسكري في إدارة البلاد، لتكون السلطة في مصر في يد رئيس "مدني" لأول مرة منذ 1952.

• تنامي دور القضاء: استطاعت السلطة القضائية الحفاظَ على قدر من الاستقلالية في عهد مبارك، فقد أجبر مبارك على حل مجلس الشعب ثلاث مرات لبطلان قانون الانتخابات، وبعد الثورة رفض القضاء المصري أن يكون أداة للانتقام من رموز النظام، بل إن محكمة النقض أسقطت حكم السجن المؤبد بحق مبارك ووزير داخليته وقضت بإعادة المحاكمة. فدور القضاء مهم في العملية السياسية المصرية، من خلال كبح أي قوة سياسية تسعى للسيطرة على النظام السياسي، كما تجلت قوة تأثير نادي القضاة في أعقاب إصدار مرسي الإعلان الدستوري في 20 نوفمبر وتعيين نائب عام جديد؛ حيث قام القضاة بتعليق العمل في المحاكم حتى إلغاء الإعلان الدستوري.

• صعود التيار/البديل الثالث: يرجع ظهور التيار/البديل الثالث خلال المرحلة الثانية للانتخابات الرئاسية، حين قرر أكثر من 800 ألف ناخب إبطال أصواتهم لرفضهم الاختيار بين مرشح نظام مبارك ومرشح الإخوان المسلمين. تألف البديل الثالث من الأحزاب المدنية مثل حزب المؤتمر "عمرو موسى"، والتيار الشعبي "حمدين صباحي"، والتحالف الثوري الديمقراطي "حزب التجمع"، والتي كونت بالإضافة لحزب الدستور "البرادعي" جبهة الإنقاذ. ورغم ما يعانيه هذا التجمع من انقسام وإخفاق في الوصول للأغلبية الصامتة في المصريين، إلا أنه خلق بديلا سياسيًّا جديدًا أمام المصريين.

السيئ The Bad

ترى الورقة أنه وفي غياب نظام تنافس حزبي حقيقي، يقوم الإخوان المسلمون، اعتمادًا على انتصاراتهم في الانتخابات التشريعية والرئاسية، باتباع استراتيجية للتمكين، قد تؤدي إلى إعادة إنتاج نظام الحزب الواحد في صورة حزب "الحرية والعدالة". وتتضمن استراتيجية التمكين ما يلي:

• الإقصاء: مارست جماعة الإخوان المسلمين الإقصاء على مراحل، الأولى عبر قانون "العزل" لمنع أعضاء الحزب الوطني من المشاركة في الحياة السياسية، إلا أن المحكمة الدستورية قضت بعدم دستوريته، بالإضافة إلى قيام مجلس الشورى، ذي الأغلبية الإخوانية، باختيار رؤساء مجلس إدارة وتحرير جدد للمؤسسات الصحفية القومية ممن يعرف عنهم التعاطف مع الإخوان المسلمين أو الولاء لمن في السلطة أيًّا كان. المرحلة الثانية من الإقصاء تم فيها إحالة ضباط من جهاز أمن الدولة السابق للمحاكمة بتهمة إتلاف مستندات سرية، وهو ما اعتبره البعض انتقامًا من الجهاز الذي استخدمه مبارك لقمع الإخوان. تضمن الإقصاء أيضًا وزير الدفاع وعدد من قيادات القوات المسلحة، واختيار وزير جديد، إضافة للتخلص من الصف الأول في عدد من الوزارات مثل البترول والكهرباء والطيران المدني والأوقاف.

• التحييد: رغم إجراء مرسي تغييرات عنيفة في الجهاز الإداري للدولة، إلا أنها لم تلق اعتراضًا من مؤسسات الدولة لأن البديل دائمًا ما كان من داخل المؤسسات، أما القوى الثورية فقد قابلت تلك التغيرات بمزيج من الاستحسان، كخطوة من خطوات محاربة الفساد داخل تلك المؤسسات، والشك في أن تلك التغييرات تمهد الطريق لأخونة تلك المؤسسات. وفي خطوة لتحييد القوى السياسية، قام مرسي بتعيين "محمود مكي"، القاضي المعروف بمعارضته لمبارك، نائبًا لرئيس الجمهوري، فضلا عن اختيار 21 مستشارًا لرئيس الجمهورية من جميع الأطياف السياسية، إلا أن أغلبهم قد استقال بمن فيهم نائب الرئيس، كنتيجة لتجاهل مؤسسة الرئاسة لهم، وعدم الأخذ برأيهم.

• الإدخال: وهي المرحلة الأخيرة من استراتيجية التمكين بمعنى إدخال أعضاء الجماعة في المواقع السياسية الرئيسية، وهو ما حدث في الجمعية التأسيسية للدستور باختيار 22 عضوًا إخوانيًّا من أصل 100، فضلا عن اختيار مرسي لتسعة وزراء من الإخوان في حكومته، وتعيين عدد من المحافظين الإخوان. وفي حين تُشير الورقة إلى أن هذا السلوك يمكن اعتباره شرعيًّا في إطار رغبة الحزب المنتصر في الانخراط في عملية صنع القرار، إلا أن غياب الرقابة المؤسسية والنظام الحزبي القوي قد يؤدي لهيمنة فصيل واحد على النظام السياسي.

القبيح The Ugly

بينما تتذبذب مصر بين "الجيد" و"السيئ" في انتقالها السياسي نحو الديمقراطية؛ فإنها تواجه وجهًا "قبيحًا" قد يقود الدولة إلى انحلال تدرجي بطيء، ويتكشف الوجه القبيح للانتقال السياسي في مصر في أربعة مظاهر، كانت موجودة في عهد مبارك، إلا أن عدم الاستقرار واهتزاز جهاز الداخلية أدى إلى ظهورها بشكل على نحو واضح وبلا كوابح:

• الإرهاب: أدى انسحاب قوات الشرطة في 28 يناير 2011، إلى هروب ما يقرب من 24 ألف سجين، من بينهم أعضاء في جماعات جهادية تتخذ من "جبل الحلال" في سيناء مقرًّا لها، واستطاعت تلك الجماعات تنظيم نفسها، والقيام بعمليات ضد مراكز الشرطة في سيناء وقوات الجيش وأنابيب تصدير الغاز. وعلى صعيد آخر؛ كونت اثنتان من كبرى الجماعات الجهادية الإرهابية حزبين سياسيين، الأول هو حزب البناء والتنمية التابع للجماعة الإسلامية وكان قد حصل على 13 مقعدًا في انتخابات مجلس الشعب المنحل، والثاني حزب السلامة والتنمية التابع لجماعة الجهاد المصرية، ورغم إعلان قادة هذه الأحزاب رجوعهم عن استخدام العـنف، إلا أنهم هددوا باستخدام العـنف في حال فوز "عمر سليمان" بالانتخابات الرئاسية، كما أنهم طلبوا الإذن من الدولة للمشاركة في الكفاح المسلح ضد نظامي القذافي والأسد.

• العـنف الطائفي: حيث تصاعدت أحداث العـنف الطائفي منذ سقوط نظام مبارك، ووصلت ذروتها في أحداث ماسبيرو التي راح ضحيتها 24 متظاهرًا، بالإضافة إلى أكثر من 200 مصاب. كما أصبح إجبار العائلات القبطية على الانتقال نمطًا من أنماط العـنف الطائفي، وخصوصًا في الجيزة والإسكندرية وشمال سيناء. يبدو أن ال*** الطائفي مرشح للتصاعد في مصر، في ضوء سياسة التهميش التي يتبعها الإخوان المسلمون، بالإضافة إلى تصاعد دور الجماعات السلفية، فضلا عن ضعف قدرة الدولة على إدارة التوترات الطائفية.

• الجريمة المنظمة: صاحب الثورة هروب عدد كبير من المجرمين من السجون، إلى جانب الجهاديين، علاوة على هروب المحتجزين من أقسام الشرطة، ما ساهم في زيادة وتيرة الجريمة المنظمة وتجارة السلاح، واستهداف بنى الدولة التحتية مثل كابلات الكهرباء، وهو ما كان سببًا رئيسيًّا في انقطاع الكهرباء الذي عانت منه مصر صيف 2012.

• العـنف المدني: اضطر المصريون للجوء للعـنف لتسوية نزاعاتهم اليومية، وخصوصًا في ظل عدم الثقة في جهاز الشرطة، فضلا عن تقاعسه في أحيان كثيرة، إضافة إلى الإضرابات العمالية التي غالبًا ما ترتبط بأحداث عـنف، وقطع للطرق والسكة الحديد. كما يمثل "الألتراس" جانبًا آخر من العـنف المدني، والذي تصاعد بشكل كبير بعد أحداث استاد بورسعيد، وما ارتبط بها من أحداث عـنف بمدن القناة بعد إصدار الحكم في قضيتها.

• التحدي الأمني: إن ما سبق من وجه "قبيح" يتطلب استجابة أمنية سريعة، إلا أن عددًا من العقبات تقف في طريق مثل تلك الاستجابة، الأولى تتعلق بالنزاع القائم حول طبيعة قوات الشرطة في الجمهورية الثانية؛ إذ تطالب القوى الثورية بشرطة جديدة تحترم حقوق المواطن، خصوصا وأن الثورة في جزء كبير منها كانت رد فعل للممارسات القمعية للشرطة، أما بالنسبة لمرسي فإن إصلاح الداخلية ليس على أجندته، حيث ركز على استعادة الأمن في المائة يوم الأولى.

العقبة الثانية تتعلق برد فعل الجماعات الجهادية كنتيجة للحملة الأمنية التي من المفترض أن يقوم بها مرسي لمنع تلك الجماعات من تنفيذ عمليات إرهابية. التحدي الثالث يتعلق بقوات الشرطة ذاتها، التي اعتادت العمل بموجب قانون الطوارئ لمدة ثلاثين عامًا، مما يجعلها غير مهيئة للعمل في ظل الظروف الجديدة، وأقل رغبة في التعاون مع النظام الجديد، خصوصًا وأنها قد فقدت احترام الشارع.

قصارى القول إن الورقةُ تطرح عددًا من التساؤلات حول غلبة أي من الأوجه الثلاثة على المرحلة الانتقالية في مصر: هل نحن بصدد تحول ديمقراطي، أم أن وتيرة العـنف ستقود إلى نمط جديد من السلطوية؟ وتترك الدراسة الإجابة للأيام.

aymaan noor
26-04-2013, 07:14 PM
المحور الأول: معضلات المرحلة الانتقالية

3- المناعة المفقودة: ملامح "الاستعصاء الديمقراطي" في مصر بعد الثورة

http://rcssmideast.org/media/k2/items/cache/90c57ca8306bf148ef75c82407e738af_L.jpg
د.خالد حنفي علي

بعد أن كانت عصية على التغيير قبل ثورة 25 يناير، باتت مصر عصية على الاستقرار السياسي والتوافق الوطني بعد الثورة، إذ لم يستطع أي تيار سياسي سواء أكان عسكريًّا أم إسلاميًّا أن يروض ذلك المجتمع الذي خرج من عقاله إبان الثورة، ليحتج على نظام سياسي حرم الدولة المصرية ليس فقط من تفعيل مواردها عبر آليات الإفساد والإفقار والاحتكار، ولكن من طموحها الإقليمي والدولي، مقابل تكريسه لمعادلة "الاستقرار الهش" و"التبريد المصطنع" للمجتمع، حتى يضمن النظام بقاءه.

ولأن الساحة السياسية بعد الثورة اصطبغت بـ"الاستقطاب الثنائي" ما بين تيارات إسلامية صاعدة أبرزت نفوذها عبر صناديق الانتخاب في الاستحقاقات الانتخابية المختلفة التي تلت الثورة، وتيارات مدنية تضم نخبًا وكتلا ليبرالية ويسارية وثورية تتمركز جل قوتها في التأثير على مزاج الرأي العام، فقد باتت مصر تخرج من أزمة لتقع لتوها في أخرى، دون وجود توافق حقيقي، فضلا عن تنامي أجواء التشكك وعدم الثقة من قبل التيارات المدنية في حكم الإخوان، لا سيما وأن سياسات الرئيس محمد مرسي لم تستطع رفع مستوى المعيشة، أو تحقيق الاستقرار، أو حتى إرساء منطق الشركاء بين أطياف الوطن الواحد، فضلا عن غياب رؤية واضحة لما ينبغي أن تكون عليه الدولة والنظام "واقعًا"، وليس "دستورًا" تم إقراره انتخابيًّا، برغم وجود خلافات عميقة على بعض مواده.

إن الاستقطاب السياسي، وإن شئنا الدقة "التطاحن" في مصر، خلق حالة من "الاستعصاء الديمقراطي"، فكلما شهد المجتمع تطورًا باتجاه استحقاق ديمقراطي أو سياسي ما بعد الثورة، برزت بعده "كمائن سياسية"، أو" ثغرات قضائية" تعيد عقارب الساعة مرة أخرى إلى الوراء، ويصبح النقاش السياسي الدائم في المربع رقم صفر، وكأن قدر المصريين أن يظلوا "عالقين" في المرحلة الانتقالية بعد الثورة، بعد أن ضرب الاستعصاء فضاءات متعدة داخل الدولة، ومن أبرزها:

- استعصاء سياسي، فرغم كثرة الدعوة لحوارات وطنية، إلا أن غياب الاتفاق على مضمونها، حال دون أن تصل تلك الحوارات إلى نتائج بناءة، وأضحى كل طرف متمسكًا بأوراقه، فجبهة الإنقاذ -التي أعلنت مقاطعتها للانتخابات التشريعية- تشترط للحوار تعديل المواد الخلافية في الدستور، وتغيير الحكومة التي يراها الكثيرون أنها لم تنجز ما يقنع المصريين بشرعية السلطة الحاكمة، في مقابل تمسك الرئاسة ومعها جبهة الموالاة بالحكومة، والإصرار على قانون انتخابات دفعت الثغرات فيه المحكمة الدستورية لوقف العملية الانتخابية برمتها، وإعادة الكرة مرة أخرى لمجلس الشورى، وما بين المعارضة والموالاة تغيب الحلول الوسط حتى بدت نذر معارك "كسر العظم"، وخاصة بعد ما سمي بـ"موقعة المقطم" أمام مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين.

- استعصاء اقتصادي، فرغم التحركات الخارجية للرئيس مرسي لجذب استثمارات للخروج من المأزق الاقتصادي، إلا أن غياب الاستقرار السياسي والأمني حال دون أن تتحول تلك التحركات إلى مخرجات يلمسها المواطنون اقتصاديًّا، حتى بات قدر الاقتصاد المصري بعد الثورة أن يدخل في الحلقة المفرغة للقروض الخارجية، والتي تمثل حلولا سهلة يدفع عادة الفقراء كلفتها، علاوةً على ‬ارتباك السياسات الاقتصادية، فثمة تردد ما بين العودة إلى انتهاج سياسات ما قبل الثورة الاقتصادية القائمة على تحرير الاقتصاد، والانفتاح على الاقتصاديات العالمية* ‬بلا ضوابط أو مراعاة للمصالح الوطنية، وبين العودة إلى ممارسة الدور المهيمن للدولة لوظائفها التنموية لمواجهة متطلبات العدالة والفقر والبطالة*.‬

- استعصاء أمني، إذ إن مصر ما بعد الثورة تمر بما يسميه البعض "المناطق الرمادية" للأمن، فلا الشرطة غائبة، ولا هي فاعلة أو استعادت هيبتها المهدرة لتحقيق الاستقرار الأمني المنشود من المواطنين في ظل تزايد معدلات الجريمة في المجتمع، كما لم تستطع السلطة الحاكمة منذ المجلس العسكري وحتى إدارة الرئيس مرسي انتهاج سياسات احترافية تضع قواعد مهنية لفك الاشتباك اليومي بين الشرطة والمجتمع الثائر عبر تكريس هيبة القانون وليس الأشخاص بعد الثورة.

- استعصاء اجتماعي، إذ إن المجتمع بدوره رفع راية الاستعصاء على السلطة ليس فقط في أزمة بورسعيد، ولكن في رفض مجتمعي لفكرة الامتثال لقرارات السلطة، فغياب احترام القانون جعل القضاء في مهب الجدل الاجتماعي، حتى باتت مشاهد تطبيق الأهالي للقانون لما يسمى بحد الحرابة بأيديهم معتادة يوميًّا، وخاصة في المحافظات التي تواجه ترديًا في أحوالها الأمنية.

صراعات قشرية وصلبة

ورغم أن كل تلك الاستعصاءات قد تفسر الأزمات المتوالية التي تشهدها الساحة المصرية بعد الثورة على أصعدة الدستور والإعلام والقضاء والاحتجاجات ضد استثمار الإخوان للحظة التاريخية للسيطرة على الدولة المصرية، إلا أن تلك القضايا على أهميتها لا تشكل إلا "صراعًا قشريًّا" تدور رحاه بين نخب تتصارع على حيازات سياسية، وربما تظل تكلفته محتملة بمنطق تداعيات المراحل الانتقالية.

فالصراع الحقيقي لم يتبلور بعد، وهو المتعلق بـ"القضايا الصلبة"، كالهوية والقيم المجتمعية المشكلة للشخصية المصرية، لا سيما وأن التيارات الإسلامية على اختلاف مشاربها لا يزال موقفها "غامضًا" تجاه مفردات الحياة الشخصية اليومية في مصر، خاصة وأن هنالك محاولات تبزغ ما بين حين وآخر لتسريب أفكار كجماعات "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" في مجتمع خضعت قاعدته خاصة من الطبقة الوسطى لعمليات "تحديث" جعلت هويته مركبة ومتعددة المشارب، ما قد يعني أن احتمالات الصدام قائمة مع بعض التيارات الدينية المتشددة التي تعادي كلا من الحداثة والتراث التاريخي للشخصية المصرية. وحينها ستكون كلفة الصراع أكثر حدة و***ًا مما يحدث حاليًّا في عراك التظاهر ومشاحنات الإعلام.

إن مآلات الاستعصاء تصب جلها في إضعاف الدولة المصرية، والتي تتضاءل مناعتها باضطراد مستمر إثر عوامل متراكمة، بعضها يتعلق بفقدان الثقة المجتمعية في تحقيقها للوظائف التنموية والأمنية، والبعض الآخر يتعلق باحتكار قلة مجتمعية لعوائد تلك الدولة، واعتبار أن هيمنتهم "الانتخابية" على النظام السياسي يتيح لهم السيطرة على مفاصل الدولة، ما أحدث شرخًا في مفهوم "الدولة العادلة"، والذي مثل أحد استحقاقات ثورة 25 يناير التي رفعت شعارات الحرية والعدالة بين الشرائح الاجتماعية.

ومن هنا فمستقبل مصر يتأرجح بين سيناريوهات عدة، أولها يتعلق بـ"التفاؤل المشروط"، والذي يعتبر أن تجاوز النظام الحاكم للأزمات المتوالية مشروط بمدى قدرته على كسب شرعية إنجاز، وخاصة على صعيد مستوى المعيشة الآخذ في التردي والانحدار، وإصلاح ذات البين مع القوى السياسية المدنية، وصياغة مشروع وطني يستوعب التيارات السياسية المصرية في النظام السياسي، دون استثئار أو تمكين جماعة بعينها، وهو ما قد يرفع من مناعة الدولة في مواجهة أزمات النظام السياسي.

بينما السيناريو الآخر يغلب عليه "التشاؤم المفرط" والذي يصل بالدولة إلى حد الانهيار والاحتراب الأهلي بين التيارات السياسية المختلفة، وخاصة في ظل السيولة الأمنية، وعدم قدرة الفصيل السياسي الحاكم على السيطرة على مجريات الأمور، وما بين هذا وذاك، يلوح سيناريو "العودة للعسكرة بأردية مدنية"، إثر "الضجر المجتمعي" من الاستقطاب المزمن الذي بات خصيصة تلاحق المشهد السياسي بعد الثورة.

على أن ترجيح أيٍّ من تلك السيناريوهات سيرتبط بقدرة السلطة على رفع أو خفض المناعة السياسية للدولة المصرية، فكلما ضعفت تلك المناعة اقترب المجتمع من السيناريو الأسوأ، والعكس صحيح.

aymaan noor
26-04-2013, 07:21 PM
شكراً يا أخى على الموضوع واصل


جزاك الله خيرا و بارك الله فيك

محمد محمود بدر
26-04-2013, 07:59 PM
جزاكم الله خيرا استاذنا الفاضل

المصري أشرف
26-04-2013, 08:26 PM
شكرا أستاذنا الفاضل مستر / أيمن نور
فتلك الثورة .. مثل ثوب تنازعته أيادي كثيرة وتعاملت
معه بع نف مفرط .. حتي إكتشفت أنه تمزق ........
ولم يعد بيدها سوي السراب ... فهل كانت هناك ..
ثورة .... أخشي أننا جميعا .. في حلم .. سرعان
ماسينقلب لكابوس ... لكي الله يامصر

aymaan noor
26-04-2013, 08:36 PM
المحور الأول: معضلات المرحلة الانتقالية

4- التصعيد: المسارات المحتملة للأزمة بين الرئاسة والقضاء المصري

http://rcssmideast.org/media/k2/items/cache/78a1f76203c562c3d7c318765865da44_L.jpg
أحمد زكريا الباسوسي

فجر الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس محمد مرسي خلافًا عميقًا بين الرئيس والسلطة القضائية، وذلك بسبب تضمنه موادًّا تحمل في طياتها استهدافًا لاستقلال القضاء؛ حيث حوى الإعلان تحصينًا للجمعية التأسيسية للدستور، ومجلس الشورى من الحل، بما يجرد السلطة القضائية من اختصاصها الأصيل في الرقابة القانونية من جانب، ويتغول على الفصل بين السلطات من جانب آخر.
كما رافق الإعلان هجومًا من الرئيس مرسي على القضاء خلال خطابه في المتظاهرين أمام قصر الاتحادية؛ إذ وجه اتهامات مبطنة، وأخرى مباشرة للقضاة بالتربص، وتسريب الأحكام، وهو نفس الذي ذهب إليه قيادات الإخوان المسلمين الذين اتهموا القضاة -وخاصة المحكمة الدستورية العليا- بإصدار الأحكام وفقًا لأهوائهم السياسية.

أسباب الخلاف بين القضاء والرئاسة:

اعترضت السلطة القضائية على عدة جوانب مما تضمنها الإعلان الدستوري. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى مصادر الخلاف والتي تتلخص في الآتي:

أولًا: إقالة النائب العام عبد المجيد محمود؛ حيث إن هذا القرار يعد خرقًا واضحًا للمادة 119 من قانون السلطة القضائية المصري، والتي تؤكد على عدم أحقية الرئيس أو غيره في عزل النائب العام من منصبه، ولا يُبعد من منصبه إلا بالوفاة، أو تقديم الاستقالة بمبادرة شخصية منه، وهو ما يعني أن النائب العام يكتسب حصانة من العزل والإقالة، وهذا ما دفع عبد المجيد محمود إلى اللجوء إلى طرق التقاضي للطعن على قرار الرئيس.

ثانيًا: تعيين المستشار طلعت إبراهيم نائبًا عامًّا جديدًا لمدة أربع سنوات؛ إذ إن تعيين النائب العام من المفترض أن يتم عبر ترشيحات من مجلس القضاء الأعلى لثلاثة قضاة يختار من بينهم الرئيس واحدًا لمنصب النائب العام، باعتباره عملا يخضع لصميم اختصاص السلطة القضائية، وليس السلطة التنفيذية التي يتزعمها رئيس الجمهورية. وذلك للحيلولة دون خضوعه للرئيس، كما أن تحديد فترة خدمته بأربع سنوات يتنافى مع قانون السلطة القضائية.

ثالثًا: تحصين القرارات والقوانين والإعلانات الدستورية التي أصدرها الرئيس بأثر رجعي؛ وهو ما اعتبره القضاة غير جائز قانونًا استنادًا إلى ما يلي:

- أن القرارات الإدارية تخضع لرقابة سلطة مجلس الدولة ومحاكم القضاء الإداري.

- أن القوانين العادية تخضع في الرقابة على دستوريتها لصميم اختصاصات المحكمة الدستورية العليا، كما أن القوانين العادية لا تطبق بأثر رجعي وفقًا للقانون.

- أن هناك خلافًا حول أحقية أو عدم أحقية الرئيس قانونًا في إصدار إعلانات دستورية تعطيه صلاحيات أوسع، فبينما يرى فريق أن الرئيس لا يملك هذا الحق على اعتبار أنه أقسم على احترام الدستور والقانون، وأن الدستور هو الذي يعطي الرئيس السلطات وليس العكس، يرى فريق آخر أحقيته في ذلك لما له من مركز ثقل بين جميع مؤسسات الدولة.
وعليه، فإن تلك المادة قد جردت السلطة القضائية بمختلف محاكمها من سلطاتها واختصاصاتها الأصيلة للقضاء.

رابعًا: عدم جواز تحصين الجمعية التأسيسية ومجلس الشورى؛ وذلك باعتباره عملًا ينتهك القانون والدستور؛ لأن هاتين المؤسستين مرفوع ضدهما بالفعل قضايا عدم دستورية، ومن المتوقع أن يتم الحكم بعدم دستورية القوانين التي تم إنشاؤها بموجبهما نظرًا لوجود عوار فيهما على غرار ما تم من حلٍّ لمجلس الشعب في وقت سابق.

مسارات الأزمة.. إلى أين؟

في ظل المعطيات الحالية، يبدو أن الأزمة تسير في أحد ثلاثة مسارات، وهي كالتالي:

أولًا: مسار التصعيد، وهو أقرب المسارات للوضع الحالي وفقًا لعدة مؤشرات:

1- إصدار الجمعية العمومية لنادي قضاة مصر توصيات لكافة المحاكم والنيابات بمختلف درجاتها بتعليق العمل والإضراب إلى حين إلغاء الإعلان الدستوري الذي أنهى استقلالية السلطة القضائية، وفرَّغها من مضمونها.

2- استجابة المحاكم لتوصيات تعليق العمل، حيث أصدرت الجمعيتان العموميتان لمحكمتي النقض والاستئناف في 28 نوفمبر قرارًا بتعليق العمل، أسوة بالمحاكم الابتدائية التي علقت العمل بشكل كامل على مستوى الجمهورية في 26 محكمة.

3- إصدار المحكمة الدستورية العليا بيانًا شديد اللهجة ضد الرئيس، أكدت فيه على أنها لن تخضع للابتزاز الذي يمارس عليها من قبل بعض الجماعات السياسية، وأنها لن تتنازل عن أي اختصاص من تلك التي خولها لها الدستور والقانون، في إشارة للإعلان الدستوري.

4- تصريحات رئيس نادي القضاة أحمد الزند حول الاستمرار والثبات على موقفهم مهما طال الزمن حتى لو استمرت الأزمة لسنوات.

ثانيًا: مسار التهدئة، وهو أقل المسارات احتمالية، لأنه يتوقف بالأساس على إلغاء الرئيس محمد مرسي للإعلان الدستوري، وهو ما نفته مؤسسة الرئاسة بشكل قاطع على لسان متحدثها الرسمي ياسر علي عقب اجتماع الرئيس مع المجلس الأعلى للقضاء. إضافة إلى عدم إظهار الرئيس أي قدر من التجاوب مع المبادرات التي طرحتها مختلف القوى السياسية، أو حتى التي قدمها مستشارو الرئيس.
ثالثًا: مسار الجمود والاعتماد على عنصر الوقت، ويتمثل في تمسك الرئيس بالإعلان الدستوري، وسرعة الانتهاء من الدستور، وعرضه على الاستفتاء العام. وبالتالي يصبح الإعلان الدستوري منعدمًا تلقائيًّا بحكم القانون، وعليه ينتفي الغرض الذي يعلق القضاة العمل استنادًا إليه. وسعت قيادات جماعة الإخوان إلى تبني هذا السيناريو، وعلى رأسهم عصام العريان.

والخلاصة هي أن الصراع بين الرئيس محمد مرسي وبين السلطة القضائية ليست إلا جزءًا من صراع أكبر بين جماعة الإخوان المسلمين من جانب، والسلطة القضائية من جانب آخر، لا سيما المحكمة الدستورية بعد أن قامت الأخيرة بحل مجلس الشعب الذي كان يهيمن عليه كل من حزبي الحرية والعدالة والنور السلفي، كما أن السلطة القضائية تعد أحد المعاقل التي تواجه فيها جماعة الإخوان تيارًا معاديًا، بما قد يعرقل أية محاولات لها للسيطرة على مفاصل الدولة.

aymaan noor
26-04-2013, 08:42 PM
المحور الأول: معضلات المرحلة الانتقالية

5- إحلال نخبوي: آليات الرئيس مرسي لمواجهة شبكات الدولة العميقة

http://rcssmideast.org/media/k2/items/cache/8c4e7ddecfb739ef5c33c55621b27630_L.jpg
محمد عبد الله يونس

كشف مراجعة قرارات الرئيس مرسي في الآونة الأخيرة عن نهج متصاعد لترسيخ أركان الجمهورية الثانية ومواجهة شبكات المصالح والتحالفات المؤسسية المحافظة التي تعترض إحداث تغيير جذري في معادلات السلطة

لا سيما منذ تصفية دور المجلس العسكري في إدارة المرحلة الانتقالية، وانفراد الرئيس مرسي بالصلاحيات التشريعية والتنفيذية، واستكماله بنيان مؤسسة الرئاسة، وتغيير قيادات الصحف القومية استغلالًا لاختصاصات مجلس الشورى، وفي هذا الإطار تُثار تساؤلات متعددة حول أبعاد وتداعيات عملية إعادة الهيكلة المؤسسية الممتدة.

وفي هذا الصدد فإن اهتمام الرئاسة بالسيطرة على مؤسسات الدولة عبر الإحلال النخبوي وتغيير القيادات تتواكب مع تكلس مؤسسات الدولة وانهيار أبنيتها وقدراتها على التغلغل والتوزيع والضبط القانوني في نموذج للتضخم المؤسسي المتصاعد، بما يثير مزيدًا من التساؤلات حول جدوى التركيز على تدوير النخب والقيادات المؤسسية كمدخل ملائم لتحقيق الاستحقاقات الثورية الأكثر إلحاحًا، ومدى جدواها كآلية للإصلاح المؤسسي مع بداية الجمهورية الثانية.

أولًا: مؤشرات إعادة هيكلة المؤسسات:

لم تنقطع عمليات إعادة هيكلة المؤسسات وتغيير قياداتها وكوادرها منذ تصفية دور المجلس العسكري وإنهاء الإعلان الدستوري المكمل في إطار تصفية ما يعرف بشبكات "الدولة العميقة" التي يعتبرها البعض عقبة أساسية تعرقل تنفيذ الاستحقاقات التي تعهد الرئيس بها خلال فترة المائة يوم الأولى من توليه السلطة، وفي هذا الصدد تضافرت مؤشرات متعددة تؤكد الاتجاه العام لمؤسسة الرئاسة وجماعة الإخوان المسلمين لاستكمال عملية إحلال النخب، وتغيير القيادات في مختلف مؤسسات الدولة، ومن أهم تلك المؤشرات ما يلي:

1- الرقابة على الجهاز الإداري:

ويندرج في هذا الإطار إقالة الرئيس مرسي لرئيس هيئة الرقابة الإدارية محمد فريد التهامي، وإحالته إلى نيابة الأموال العامة للتحقيق معه في اتهامات بالتستر على فساد رموز النظام السابق، وتعيين محمد وهبي هيبة رئيسا، والسيد بدوي حمودة نائبًا لرئيس الهيئة، وأيضًا تعيين المستشار "هشام جنينة" رئيسًا للجهاز المركزي للمحاسبات بدرجة، وهو من رموز تيار استقلال القضاء، ويلقى قبولًا لدى مختلف القوى الثورية.

ولم تقتصر سياسة إحلال القيادات على الرقابة الإدارية والجهاز المركزي للمحاسبات فحسب؛ وإنما لوحظ أنها باتت نهجا عاما لوزارة قنديل في التعامل مع قيادات الصف الأول بالوزارات والهيئات الحكومية، وهو ما يستدل عليه بقرارات الإقالة أو النقل التي شملت عددًا من كبار القيادات بوزارات الطيران المدني والبترول والكهرباء والأوقاف في وتيرة متصاعدة منذ نهاية دور المجلس العسكري في إدارة الدولة.

2- إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية:

لم يكن إلغاء الإعلان الدستوري المكمل وإحالة المشير طنطاوي والفريق سامي عنان وعدد من قيادات المجلس العسكري للتقاعد سوى بداية عملية إحلال واسعة في صفوف قيادات المؤسسة العسكرية، والتي كان أحد مؤشراتها الهيكلية إجراء وزير الدفاع الفريق عبد الفتاح السياسي تغييرات واسعة في صفوف قيادات الجيش باستبعاد 70 من كبار القيادات، أغلبهم من المساعدين والمستشارين الذين عينهم المشير طنطاوي، إضافة إلى غالبية قيادات المجلس الأعلى للقوات المسلحة وأبرزهم اللواء إسماعيل عتمان، واللواء محسن الفنجري، واللواء عادل عمارة، واللواء مختار الملا، فيما يمكن اعتباره استكمالًا للتغيرات الهيكلية التي تشهدها المؤسسة العسكرية منذ إقالة المشير طنطاوي والفريق سامي عنان وقيادات المجلس العسكري.

3- تغيير قيادات الإدارة المحلية:

ويتمثل هذا المؤشر في حركة المحافظين الأخيرة التي شملت تغيير 10 محافظين من بينهم أربعة محافظين على الأقل من قيادات جماعة الإخوان المسلمين، أبرزهم سعد الحسيني محافظا لكفر الشيخ، ومحمد علي بشر محافظا للمنوفية، ومصطفى عيسى كامل محافظًا للمنيا، بالإضافة إلى ثلاث محافظين من العسكريين المتقاعدين في شمال سيناء والسويس والبحر الأحمر، فيما يعتبر أحد مؤشرات إعادة الهيكلة في مؤسسات الحكم المحلي وثيقة الصلة بتقديم الخدمات للمواطنين بما يفترض أن ينعكس على وتيرة تطبيق برنامج الرئيس، ومستوى الرضا العام.

4- مراجعة دور المؤسسة القضائية:

على الرغم من قرار وزير العدل المستشار أحمد مكي نقل تبعية التفتيش القضائي من وزارة العدل إلى المجلس الأعلى للقضاء لتعزيز استقلالية المؤسسة القضائية عن السلطة التنفيذية؛ فإن دور وزير العدل لا يزال محوريًّا في إدارة أركان المؤسسة القضائية، لا سيما في ظل عمليات إعادة الهيكلة والمراجعات السياسية التي طالت مؤسسات عديدة في الدولة المصرية، أهمها المؤسسة العسكرية والصحافة القومية.

وفي هذا الصدد جاء تجدد الجدل حول السماح بسفر المتهمين الأمريكيين في قضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني بمثابة مدخل جديد لمراجعة دور المؤسسة القضائية، وإعادة النظر في آليات تدخل السلطة التنفيذية في اختصاص السلطة القضائية تعزيزًا لاستقلاليتها من جانب، وتعزيزا لقوة تيار استقلال القضاء في مواجهة التيارات المحافظة داخل المؤسسة، أو ربما إيذانًا بموجة جديدة من تغيير القيادات تطال المؤسسة القضائية.

ثانيًا: لماذا الإحلال النخبوي؟

لا تنفصل عمليات إعادة الهيكلة وتغيير القيادات التي تشمل مؤسسات الدولة المصرية عن تمكن مؤسسة الرئاسة من فرض سيطرتها على مفاصل الدولة، والاستحواذ على الصلاحيات التشريعية والتنفيذية والرقابية التي تكفل إدارة المرحلة الانتقالية حتى تمام صياغة الدستور الجديد، والاستفتاء عليه، تمهيدًا لتنظيم الانتخابات التشريعية وما يرتبط بتلك المرحلة من تنفيذ البرنامج الانتخابي للرئيس بأبعاده المختلفة.

وتستند عمليات الإحلال النخبوي واسعة النطاق ومراجعة ممارسات القيادات في أحد أبعادها للشرعية الثورية واستحقاقات ثورة 25 يناير التي اتفقت مختلف القوى السياسية التي أفرزتها الثورة على عدم تمكن المجلس العسكري وحكومتي عصام شرف وكمال الجنزوري من استيفائها بصورة كاملة، وهو ما أتاح لمؤسسة الرئاسة تحجيم رءوس شبكات المصالح المنتمية للنظام السابق في مؤسسات الدولة، وخاصة بعد أن أضحت في غاية الضعف بتصفية دور المجلس العسكري.

ويتمثل السبب الثالث لموجة استبدال القيادات المتصاعدة في سعي الرئاسة لاستعادة الاستقرار عبر ترتيبات تدريجية تسعى لاجتذاب التأييد الشعبي والرضاء العام وهو ما يبدو في الدور الطاغي لمؤسسة الرئاسة في إدارة عمليات استبدال القيادات في مقابل تراجعٍ نسبي لدور مجلس الوزراء؛ حيث صدرت حركة المحافظين الأخيرة من مؤسسة الرئاسة بمشاركة محدودة من مجلس الوزراء، وتم تغيير رئيس هيئة الرقابة الإدارية بقرار رئاسي أيضا بما يعكس تشكل نمط للعلاقات بين الطرفين يستلهم تجارب النظم الرئاسية التي يتراجع في إطارها دور مجلس الوزراء في مقابل دور مركزي لمؤسسة الرئاسة.

ثالثًا: إحلال القيادات كمدخل للإصلاح المؤسسي:

يبدو استبدال القيادات كمدخل لحسم الصراع السياسي، وتفكيك شبكات المصالح، وضبط ممارسات القيادة أكثر منه آلية للإصلاح الإداري والمؤسسي؛ إذ إن التكلس والوهن قد أصاب مؤسسات الدولة المصرية لا سيما الجهاز الإداري كنتاج عقود من السلطوية السياسية التي مارسها النظام السابق لدمج مؤسسات الدولة لدعم بقاء النظام. وبانهيار آخر أركان النظام بدأت تلك المؤسسات في التفكك تحت وطأة المطالب المتصاعدة لأعضائها، وتردي أدائها لوظائفها المختلفة.

ولذا فإن الإصلاح المؤسسي يبدأ من مراجعة أوضاع المؤسسات وممارساتها، والإجراءات الحاكمة لعملها، والارتقاء بقدرات كوادرها على أداء الوظائف، وجودة ما تؤديه للمواطنين وللدولة من وظائف وخدمات تحقيقا لرضاء عام حقيقي يدعم أداء الدولة، ومن الضروري التركيز على معالجة قدرات مؤسسات الدولة على التغلغل، والوصول إلى كافة أرجاء الإقليم، لا سيما بسط السيطرة الأمنية على الأطراف الحدودية، وقدرتها على استخراج وتجميع الموارد المالية من مختلف الموارد بكفاءة، وأخيرًا قدرة مؤسسات الدولة على توزيع المنافع على المواطنين بصورة تحقق حدًّا أدنى من العدالة الاجتماعية.

ويرتبط ذلك بتدعيم إجراءات الرئيس لاستبدال القيادات، والتصدي للفساد بضبط منظومة تفاعلات المؤسسات السياسية بمؤسسات الدولة لا سيما الجهاز الإداري والمؤسسة القضائية، وتحقيق التوازن بين استقلالية وحياد مؤسسات الدولة من جانب، وتوجيهها لتحقيق الرضاء العام الأكثر حيوية بالنسبة للرئاسة في هذه المرحلة.

aymaan noor
26-04-2013, 08:48 PM
المحور الأول: معضلات المرحلة الانتقالية

6- الشعبية" المشروطة": هل يستطع مرسي الفوز إذا أجريت انتخابات رئاسية مبكرة؟

http://rcssmideast.org/media/k2/items/cache/d503b79bddae5a3eeed71620c726e5d6_L.jpg
إبراهيم غالي

تتصاعد من وقت لآخر في مصر المطالبات بضرورة إجراء انتخابات رئاسية مبكرة باعتبارها المدخل الأنسب لحل الصراع الدائر حاليًّا بين الرئاسة والمعارضة. وبينما ترى الرئاسة، ومعها جماعة الإخوان المسلمين والتيار الإسلامي في عمومه، استحالة اللجوء إلى خيار الانتخابات الرئاسية المبكرة كون الرئيس قد جاء عبر صندوق الانتخابات ليتولى المنصب أربع سنوات، بما يعني أن إجراء انتخابات أخرى الآن هو افتئات على إرادة الشعب المصري، فإن المعارضة ترى أن إقرار الدستور الجديد يقتضي أن تتبعه بالضرورة انتخابات رئاسية مبكرة.

ومن الواضح أن المعارضة تستند أيضًا إلى تراجع حظوظ الرئيس مرسي وجماعة الإخوان في الشارع المصري نتيجة أدائهم الذي تشوبه العديد من السلبيات، وهو ما يدركه الرئيس وجماعة الإخوان، الأمر الذي دفعهم لرفض فكرة الانتخابات المبكرة، ومن ثم فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا مفاده: ما هي حقيقة شعبية الرئيس في الشارع حاليًّا، وهل تمنحه الفوز في حال تم اللجوء إلى خيار الانتخابات المبكرة، أم لا؟.

الرأي العام وشعبية الرئيس

على الرغم من عدم وجود استطلاعات كثيرة يمكن من خلالها قياس أو الوقوف على حقيقة شعبية الرئيس، فإن ما تم إجراؤه من استطلاعات يكفي لإعطاء مؤشرٍ ما لحقيقة تلك الشعبية، وفي هذا السياق أجرى المركز المصري لبحوث الرأي العام "بصيرة" في نهاية شهر ديسمبر الماضي استطلاعًا لرأي المواطنين حول تقييم أداء الرئيس محمد مرسي، وهو الاستطلاع السادس الذي يجرِيه المركز منذ تولي مرسي الرئاسة في الأول من يوليو الماضي.وأشارت نتائج الاستطلاع إلى ارتفاع نسبة الموافقة على أداء الرئيس بمقدار 6 نقاط، حيث بلغت نسبة الموافقين على أدائه 63% في نهاية الشهر السادس، مقارنة بنسبة بلغت 57% في نهاية شهر نوفمبر، وهو الخامس منذ توليه الرئاسة.

ويُثبِت تتبع نتائج الاستطلاعات الستة التي أجراها مركز "بصيرة" حول تقييم أداء الرئيس، والتي كان قد بدأها بعد 50 يومًا من توليه الرئاسة، أن ثمة ارتباطًا طرديًّا بين نسبة الموافقة على أداء الرئيس، وبين كل من سيادة الهدوء والأمن في الشارع ودرجة توافق القوى السياسية المختلفة، أو على الأقل غياب خلافات حادة فيما بينها تقود إلى خروج التظاهرات المعارضة لقرارات الرئيس.

الاستقرار والتوافق أولا

على سبيل المثال، بلغت نسبة الموافقة على أداء الرئيس، والتي جاءت في سؤال شامل وعام حول مجمل الأداء دون سؤال المواطنين عن أدائه بشأن قضية واحدة أو موضوع محدد، 79% بعد 80 يومًا من توليه الرئاسة، ثم انخفضت بمقدار 1% فقط بعد 100 يوم لتصل إلى 78%، لكن هذه النسبة قد شهدت انخفاضًا كبيرًا جدًّا بلغ 21% مرة واحدة في نهاية شهر نوفمبر الماضي (أي بعد 150 يومًا من توليه الرئاسة)؛ إذ وصلت في الاستطلاع الخامس إلى 57% فقط، وهي أقل نسب الموافقة التي يحظى بها أداء الرئيس خلال ستة أشهر.

وتشير القراءة السياسية لهذه الأرقام السابقة إلى ارتفاع نسبة الموافقة على أداء الرئيس في حالة وجود توافق وطني وسياسي بشأن قراراته، فقد بلغت هذه النسبة 79% في الاستطلاع الأول، والذي أُجري بعد حوالي أسبوع واحد من إصدار الرئيس إعلانه الدستوري الأول في 12 أغسطس الماضي، والذي قرر فيه نقل سلطات المجلس الأعلى للقوات المسلحة إليه، وإلغاء الإعلان الدستوري الذي كان قد أصدره المجلس في يونيو الماضي، حيث كان هذا الإعلان الذي أصدره الرئيس محل توافق بين معظم القوى السياسية، ولم يؤدِّ إلى الإخلال بحالة الأمن العام أو خروج مظاهرات مناهضة في الشارع.

ولم يمنع اختلاف رأي المواطنين حول تقييم أداء الرئيس في القضايا الخمس التي وعد بها خلال المائة يوم الأولى من توليه الرئاسة، أن تظل نسبة الموافقة الإجمالية على أدائه مرتفعة (78%)، بينما انخفضت هذه النسبة عقب إصداره الإعلان الدستوري الثاني في 21 نوفمبر إلى 57%، حيث أدى هذا الإعلان إلى خروج مظاهرات مليونية تعارضه، وتشكلت جبهة الإنقاذ الوطني، ووُجِّهت اتهامات للرئيس ولجماعة الإخوان بمحاولة مصادرة ثورة 25 يناير، وعودة الحكم الاستبدادي في رداء جديد، ثم شهدت هذه النسبة ارتفاعًا ضئيلا عقب إجراء الاستفتاء على إقرار الدستور الجديد الذي انتهت مرحلته الثانية في 22 ديسمبر الفائت، لتصل إلى 63%.

http://rcssmideast.org/files/maser_pool.png

ما بعد المائة يوم الأولى

وبوجه عام يمكن من خلال الاستطلاعات الستة السابقة إجراء مقارنة بين تقييم أداء الرئيس محمد مرسي خلال مرحلتين أساسيتين: الأولى، تمتد حتى نهاية المائة يوم الأولى من توليه الرئاسة، فيما تشمل الثانية الثمانين يومًا التالية. ففي بداية توليه الرئاسة كانت نسبة الموافقة تتجاوز ثلاثة أرباع المستطلع آراؤهم، بينما انخفضت هذه النسبة في الاستطلاعين اللذين أُجريا بعد المائة يوم الأولى؛ مما يعني أن تقييم أداء الرئيس، وبالتالي نسبة الشعبية التي يحظى بها، تتجه نحو الانخفاض تدريجيًّا.

وربما يؤكد ذلك الفارق القائم بين نسبة الموافقين على أداء الرئيس وبين نسبة من سيعيدون انتخابه مرة ثانية، إذ لدى السؤال باللغة العامية المصرية (لو كان فيه انتخابات بكره ومحمد مرسي مترشح فيها هتنتخبه؟) أجاب بالموافقة 72% من العينة في أول استطلاع وذلك بفارق 6 نقاط عن نسبة الموافقة على أداء الرئيس، بيد أن ذلك الفارق قد زاد ليصل إلى 17 نقطة في الاستطلاع الثاني (نسبة الموافقة على الأداء 77%، ونسبة من سيعيدون انتخابه 60%)، ثم ارتفع مرة أخرى ليصل إلى 20 نقطة في الاستطلاع الذي أجرِي بعد مائة يوم (نسبة الموافقة على أداء الرئيس 78%، بينما بلغت نسبة من سيعيدون انتخابه 58%)، ثم تراجعت نسبة من ينوون إعادة انتخاب الرئيس في نهاية الشهر الخامس إلى 43% فقط، وهي النسبة الأقل خلال ستة أشهر، لكنها عادت إلى الارتفاع قليلا في الشهر السادس لتصل إلى 50%.

وأخيرًا، توضح الاستطلاعات الستة أن تقييم أداء الرئيس المصري حتى الآن يتوقف على أمرين هما: حالة الأمن التي تسود البلاد وتوافق القوى السياسية والوطنية على قرارات الرئيس، حيث يبدو أن المواطن المصري قد يتحمل بعض الوقت استمرار انخفاض الأداء الاقتصادي، بينما لا يتحمل مشهد غياب الأمن والاستقرار واستمرار الخلافات السلطوية بين كافة الأحزاب والقوى السياسية، وهو ما يعني استحالة قبول الإخوان المسلمين والتيار الإسلامي لفكرة انتخابات رئاسية مبكرة، إذ إنها لو أجريت في ظل الظروف الراهنة، فإن احتمالات خسارتها تتساوى أو تقل عن احتمالات الفوز فيها.

aymaan noor
26-04-2013, 08:52 PM
المحور الأول: معضلات المرحلة الانتقالية

7- تناقضات هيكلية: قضايا وإشكاليات الحوار الوطني بعد ثورات الربيع العربي

http://rcssmideast.org/media/k2/items/cache/24795b9d45550d61cc9f6bee7a09a629_L.jpg
محمد عبدالله يونس

لا يمكن اعتبار الحوار الوطني الذي تم تنظيمه في عدد من دول الإقليم في مرحلة ما بعد ثورات الربيع العربي آلية فعالة لتحقيق التوافق الوطني وتسوية القضايا الخلافية، تحت وطأة التحديات المتصاعدة والتناقضات الهيكلية بين رؤى الأطراف الرئيسية، بما يجعل مآلات هذا الحوار تتراوح بين الانهيار قبل البداية نتيجة مقاطعة أطراف رئيسية، أو الإخفاق في تسوية القضايا الخلافية بصورة متوازنة ومستديمة، في ظل اتساع نطاق التباينات حول كيفية تحقيق ذلك، ورفض مختلف الأطراف تقديم تنازلات للوصول إلى التوافق المستعصي على الحدوث.

ثنائيات جامدة

تكشف مراجعة جولات الحوار الوطني في دول الإقليم عن تناقضات واضحة في توجهات ومصالح المشاركين تجاه مختلف القضايا، نتيجة للثنائيات الجامدة والصراعات الحاكمة للمشهد السياسي في هذه الدول، وتبدو تلك التناقضات واضحةً في خريطة جامعة لمسارات الحوار الوطني تتمثل معالمها في:

1-الصدام بين جبهة الإنقاذ الوطني والتيارات الإسلامية في مصر،والذي جعل جولات الحوار الوطني لا تشمل مشاركين من تيارات المعارضة الوطنية المنضوية في إطار الجبهة رغم تعرض الحوار لقضايا حيوية من قبيل تنظيم الانتخابات البرلمانية المقبلة، والتعديلات المقترحة على الدستور الذي تطعن المعارضة في إجراءات الاستفتاء عليه.

2-التناقضات الهيكلية الحاكمة للحوار الوطني اللبناني،لا سيما بعد رفض قوى "14 آذار" المشاركة في الحوار قبيل استقالة الحكومة الحالية التي تسيطر عليها قوى "8 آذار"، تمهيدًا للتوافق حول تنظيم الانتخابات النيابية إلى جانب القضايا الخلافية الأخرى.

3- رفض الجبهة الوطنية للإصلاح في الأردن المشاركة في الحوار الوطني الذي دعا إليه الملك عبد الله الثاني قُبيل تعديل نظام الانتخابات ومعالجة القضايا الخلافية،وعلى رأسها الانتخابات المقبلة التي سيتم إجراؤها رغم تمسك المعارضة بموقفها الرافض للمشاركة فيها.

4- تمسك الحراك الجنوبي بمنح جنوب اليمن حق تقرير المصير كشرط سابق على الانضمام للحوار الوطني،الذي يواجه تحديات عديدة بسبب الصراع المستحكم بين تكتل اللقاء المشترك الذي يضم أحزابا معارضة للنظام اليمني السابق بقيادة حزبي التجمع اليمني للإصلاح الممثل لجماعة الإخوان المسلمين والحزب الاشتراكي، وتكتل المؤتمر الشعبي العام بقيادة حزب المؤتمر الشعبي السابق والرئيس السابق علي عبد الله صالح.

قضايا مختلفة

يكمن الدافع الرئيسي خلف تنظيم الحوار الوطني في غالبية دول الإقليم، في رأب الصدع بين السلطة والمعارضة، أو التوافق على ترتيبات انتقال السلطة فيما بعد المرحلة الانتقالية لا سيما في اليمن، بيد أن مختلف القضايا المطروحة للحوار تثير جدلا واسع النطاق بما يجعل حسمها عبر الحوار الوطني تحديًا جوهريًّا، ومن أبرز تلك القضايا:

1-التنافسية الانتخابية،التي تضعها المعارضة على رأس أولوياتها باعتبارها الآلية الأهم لتداول السلطة، فالجبهة الوطنية للإنقاذ في مصر تصر على تغليب نظام القوائم المفتوحة على النظام الفردي بينما ترجح التيارات الإسلامية المزج بينهما، والمعارضة الأردنية تتجه لمقاطعة الانتخابات بسبب تخصيص 27 مقعدًا فقط لنظام القوائم الحزبية في مقابل 123 مقعدًا للنظام الفردي ولا تقبل إلا بالتقسيم المتساوي بين النظامين لتعزيز التنافسية الحزبية.

2- التعديلات الدستورية،حيث طرحت اقتراحات عديدة لتعديل الدستور في مصر، لاستيعاب المعارضة ومطالبها، باعتبار أن التعديلات التي يتم التوافق عليها سيتم إقرارها عقب انتخاب مجلس النواب القادم، إلا أن المعارضة لا تقبل بهذه الآلية لعدم وجود ضمانات واضحة لتنفيذ ما يتوصل إليه الحوار من نتائج ولاتساع نطاق اعتراضاتها على الدستور.

3-المطالب الانفصالية،إذ تغلب هذه المطالب على مسار الحوار الوطني في اليمن، لا سيما من جانب الحراك الجنوبي والحوثيين الذين يتمسكون بالإقرار بتلك المطالب كشرط مبدئي للمشاركة في الحوار، وهو ما يتضح من تصريحات قيادات جنوبية مثل نائب الرئيس السابق علي سالم البيض، وحسن باعوم رئيس المجلس الأعلى لحراك الجنوب.

4- العلاقات المدنية العسكرية،والتي مثلت أحد أهم محاور الحوار الوطني في مختلف دول الإقليم، ففي لبنان يثير تفرد "حزب الله" بامتلاك قدرات عسكرية وتسليحية خارج نطاق المؤسسة العسكرية جدلا واسع النطاق، لا سيما في ظل مخاوف قوى "14 آذار" من استخدام الحزب لهذه القدرات العسكرية في حسم الصراعات السياسية مع خصومه في الداخل، بينما تبدو الأوضاع في اليمن أكثر تعقيدًا في ظل الانقسام داخل القوات المسلحة بين قوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة بقيادة أحمد علي عبد الله صالح، وقوات الفرقة الأولى المدرعة بقيادة اللواء علي محسن الأحمر، وانتشار الميليشيات المسلحة التابعة للقبائل.

إشكاليات متعددة

يتسم الحوار الوطني في الإقليم إجمالا باختلالات هيكلية تحول دون تحقيق أهدافه؛ إذ يعترض إجراء ذلك الحوار التناقضات المستحكمة بين القوى السياسية، والانقسامات بين التيارات المحافظة والراديكالية من جهة والتيارات الدينية والمدنية من جهة ثانية، والصراع بين السلطة والمعارضة من جهة ثالثة. وتتمثل الإشكالية الأولى للحوار الوطني في مقاطعة عدد من القوى السياسية الرئيسية، فجبهة الإنقاذ الوطني في مصر تشترط أن يكون الحوار الوطني معلنًا ونتائجه نافذة بذاتها كي تشارك في الحوار، فيما تطالب الجبهة الوطنية للإصلاح في الأردن بوقف إجراءات الانتخابات النيابية المقبلة قبل إجراء الحوار، بينما تدعو قوى "14 آذار" في لبنان إلى إقالة الحكومة الحالية قبيل المشاركة في الحوار، في حين تتمسك قوى الحراك الجنوبي في اليمن بالإقرار بحق الجنوب في تقرير المصير كي تشارك في الحوار.

وتتعلق الإشكالية الثانية بافتقاد الحوار للإجراءات التي تكفل له تحقيق نتائجه المرجوة، ففي حين يواجه الحوار الوطني في مصر حالة من الغموض خصوصًا فيما يتصل بآليات تفعيل نتائجه، فقد عرقلت الخلافات حول تمثيل المشاركين في الحوار الوطني في اليمن إجراؤه رغم كونه أحد استحقاقات المبادرة الخليجية، بينما لم يتجاوز الحوار الوطني في الأردن مرحلة المبادرة الملكية إلى إطار تنظيمي. أما الإشكالية الثالثة فترتبط بالتدخلات الخارجية في مسار الحوار الوطني، إذ أدت انعكاسات الاستقطاب الإقليمي وتعارض مصالح الأطراف الإقليمية لا سيما بين إيران من جانب والمملكة العربية السعودية من جانب آخر، إلى تعقيد مسار الحوار الوطني اللبناني، بينما تسبب الدعم الإيراني للحوثيين في اليمن وبعض فصائل الحراك الجنوبي في المناوأة المتصاعدة للحوار الوطني.

aymaan noor
26-04-2013, 09:03 PM
جزاكم الله خيرا استاذنا الفاضل




جزاك الله خيرا أستاذى الفاضل محمد و بارك الله فيك

شكرا أستاذنا الفاضل مستر / أيمن نور
فتلك الثورة .. مثل ثوب تنازعته أيادي كثيرة وتعاملت
معه بع نف مفرط .. حتي إكتشفت أنه تمزق ........
ولم يعد بيدها سوي السراب ... فهل كانت هناك ..
ثورة .... أخشي أننا جميعا .. في حلم .. سرعان
ماسينقلب لكابوس ... لكي الله يامصر

جزيل الشكر و التقدير لحضرتك أستاذى الفاضل أشرف و أشاركك السؤال ، فهل كانت هناك ثورة ... و أخشى أننا جميعا فى حلم ... سرعان ماسينقلب الى كابوس
لكى الله يامصر
جزاك الله خيرا أستاذ أشرف و بارك الله فيك

aymaan noor
27-04-2013, 09:04 AM
المحور الثاني: الأزمة الاقتصادية

حلول جذرية لا مسكنات:
ندوة: رؤى مصرية للخروج من الأزمات الاقتصادية

http://rcssmideast.org/media/k2/items/cache/4b0a3f295543bcdb7e84aacab1169fb5_L.jpg
عمرو عبد العاطي

كان تردي الأوضاع الاقتصادية من تزايد معدلات الفقر، وارتفاع مستوى البطالة إلى مستويات غير مسبوقة، وتمركز الثروة في أيدي أقلية، وعدم عدالة توزيع الدخول، والتأثير السلبي لفترة إعادة الهيكلة والخصخصة التي سبقت ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011؛ هي السبب الرئيسي والمحرك لنزول الشعب المصري بأطيافه المختلفة إلى ميادين مصر، رافعين شعارات "عيش، حرية، عدالة اجتماعية" ثائرين على سياسات النظام السابق التي أفقرتهم. فجاءت ثورة يناير لتفتح باب الأمل لتغيير اقتصادي حقيقي تنموي ينعكس على المواطن المصري الذي علق آماله على النظام السياسي الجديد.

لكن منذ تنحي الرئيس السابق "محمد حسني مبارك" في الحادي عشر من فبراير 2011 وطوال المرحلة الانتقالية - المستمرة إلى وقتنا هذا - لم يشعر المواطن المصري بأي مرود اقتصادي. فقد ظل التغيير أملا لا يُترجم اقتصاديًّا في خطوات عملية نحو نهضة مستقبلية مع تبني الحكومات المتعاقبة عقب الثورة ردود فعل ومسكنات وقتية لمشكلات عميقة تتطلب تخطيطًا وحلولا طويلة المدى.

وفي إطار دراسة مشكلات الاقتصاد المصري واستشراف مستقبله بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير عُقد المنتدى السنوي الثامن لتوثيق النشاط الاقتصادي لمصر والشرق الأوسط الذي نظمه مركز توثيق النشاط الاقتصادي بالجامعة الأمريكية وكلية الشئون الدولية والسياسات العامةبالجامعة الأمريكية ومركز شركاء التنمية للبحوث والاستشارات يومي 20 و21 مارس. وقد ناقش المنتدى بحضور نخبة من الباحثين والمتخصصين في الاقتصاد المصري تأثير الفترة التي سبقت الخامس والعشرين من يناير على إدارة المرحلة الانتقالية اقتصاديا، والملامح الأساسية للسياسة الاقتصادية القادرة على تحقيق تنمية شاملة حقيقية ومستدامة للبلاد بعد ثورة يناير.

تدهور اقتصادي قبل 25 يناير

انتقد المشاركون في المنتدى السياسات الاقتصادية للنظام المصري السابق. قائلين إنه رغم تحقيقه معدلات نمو مرتفعة باعتراف العديد من المؤسسات المالية والاقتصادية؛ فإنها لم تنعكس على المواطن المصري البسيط، واقتصار آثارها على قلة مسيطرة على الاقتصاد؛ لعدم استدامة هذا النمو وتذبذبه خلال السنوات العشر السابقة على ثورة الخامس والعشرين من يناير. وفي هذا الشأن رأى وزير التخطيط والتعاون الدولي "أشرف العربي" أن استدامة النمو تعني أن تحقيق نمو اقتصادي ما بين 7% إلى 8% يدوم على مدى 25 سنة متصلة.

وقد عرض "العربي" مؤشرات للوضع الاقتصادي قبل 25 يناير 2011، مشيرًا إلى تزايد معدل الفقر ليتجاوز 22% حسب المعدلات الرسمية. وقد تفاوتت المدن المصرية حسب معدلات الفقر لتصل إلى 50% في مدن الصعيد، و90% في القرى الأكثر فقرًا. وتحدث عن العجز في الموازنة العامة للدولة الذي تجاوز 9% من الناتج الإجمالي المحلي الذي أدى إلى ارتفاع نسبة الدين العام، والتوسع في الدين المحلي.

القرض هو الحل

تركزت معالجة نظام ما بعد الثورة لعجز الموازنة العامة - وهو وضع غير قابل للاستمرار حسب كل المشاركين في المنتدى- على الاقتراض الخارجي لسد الفجوة الآنية بين الإيرادات والإنفاق. وهو الأمر الذي دفع "العربي" إلى الدفاع عن مساعي حكومة قنديل لمواصلة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لإقراض مصر 4.8 مليارات دولار أمريكي بعد توقفه أكثر من مرة. ففي يونيو 2011 رفض المجلس العسكري الاستمرار في المفاوضات مع الصندوق. وفي 2012 رفض مجلس الشعب قبل حله المفاوضات مع الصندوق لأسباب سياسية وليست اقتصادية. ويقول العربي: "إن قوة الاقتصاد تُقاس بقدرته على الاقتراض".

لكن كثيرًا من المشاركين في المنتدى يرفضون سياسة الاقتراض التي لم تختلف عن سياسات حكومات "حسني مبارك" والتي كانت السبب الرئيسي في كثير من الأزمات الاقتصادية التي تعيشها مصر. وقد أجمعوا على أن السياسات الاقتصادية للنظام الحالي لم تختلف عن سياسات النظام السابق، لذا يدعون النظام الجديد إلى تقليل الاعتماد الاقتصادي على الخارج، والاعتماد أكثر على المقومات الوطنية.

إن الخروج من الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر لا يقتصر على تبني سياسات اقتصادية ناجحة، والبحث عن أفكار اقتصادية جديدة والتفكير خارج الصندوق والحلول النمطية التقليدية، ولكن المخرج يكمن في ضرورة توافر اتفاق وإجماع مجتمعي حول الرؤية والخطوات التي ستتخذها الحكومة للخروج من الأزمة، وكذا المشاركة المجتمعية في الحل. ويتطلب هذا وضوح آلية الأداء والمتابعة ومحاسبة المسئولين المقصرين وإعطاء دور أكبر لمؤسسات المجتمع المدني للخروج من النفق الاقتصادي المظلم.

ويرى المشاركون أنه في حال التوصل إلى اتفاق مع الصندوق فإن من الأفضل استخدام أموال القرض في إنشاء مشاريع اقتصادية من شأنها عودة النشاط مجددًا إلى الاقتصاد المصري، وتحقيق أرباح يمكن من خلالها سداد القرض مرة أخرى، وليس مجرد الاقتراض لسد العجز في الميزانية. مع السعي إلى تحسين الوضع الأمني والسياسي وتهيئة بيئة الأعمال لخلق مناخ استثماري لجذب الاستثمارات الأجنبية.

ثلاث أزمات مستقبلية

تحدث الدكتور سامر عطا الله، الأستاذ المساعد بقسم الاقتصاد بالجامعة الأمريكية، عن ثلاث أزمات رئيسية مستقبلية ستواجه مصر خلال السنوات القادمة، تتمثل في:

أولا: استمرار ضعف العملة المصرية أمام الدولار، والتي سيكون لها جل الأثر على حياة المصريين بصورة مباشرة في ظل الاعتماد الغذائي على الاستيراد، وأن جزءًا كبيرًا من الطاقة المستخدمة مصريًّا ستورد من الخارج والتي ستؤثر على قطاعات النقل والإنتاج.

ثانيًا: التعامل مع عجز الموازنة العامة بفرض ضرائب غير مباشرة تأتي على حساب الطبقة الوسطي والدنيا، وتكون في صالح الأغنياء كبديل عن الضرائب المباشرة التي تنحاز للفقراء على حساب الأغنياء، لأن الضرائب غير المباشرة من وجهة نظره هي الأسهل، حيث تفرض الحكومة الحالية ضرائب على السلع الاحتكارية والتي يتم نقلها إلى المستهلك بطرق غير مباشرة.

ثالثًا: تعامل الحكومة مع ملف الطاقة، حيث إن الحلول المطروحة من قبل الحكومة لا تؤدي إلى حل مشكلة الطاقة، قائلا إنها تحتاج إلى خطة تنفذ على خمس أو ست سنوات تبدأ بالصناعات الكثيفة للطاقة.

ويرى أن إخفاق الحكومة في التعامل مع تلك الأزمات الثلاث التي ستواجهها خلال السنتين القادمتين سيزيد من موجة الاحتجاجات الاجتماعية والاقتصادية. وأن تعامل الحكومة مع هذه الأزمات المستقبلية غير فاعل كونها نفس سياسات النظام السابق الأمنية.

نموذج "التنمية المستقلة"

انطلق الدكتور إبراهيم العيسوي، أستاذ الاقتصاد بمعهد التخطيط القومي، من أن هناك نوعين من التحديات الاقتصادية التي تواجه مصر الثورة. أولها تحديات آنية تتمثل في عجز الموازنة، والبطالة، وملف الطاقة. وثانيها تحديات مزمنة على الأجل الطويل، تتمثل في العجز المستمر على المدى الطويل لتحقيق المهمة التاريخية للخروج من التخلف والتبعية وإحداث تنمية شاملة مستدامة.

وفي إطار حديثه عن رؤيته للخروج من الأزمة الاقتصادية الحالية قدم رؤيته لنموذج "التنمية المستقلة" كبديل لنموذج "الليبرالية الاقتصادية الجديدة" أو ما يعرف بـ"توافق واشنطن" ونموذج "السوق الاجتماعي" و"الاقتصاد الإسلامي". يقوم نموذج "التنمية المستقلة" على استقلالية التنمية، والاعتماد على الذات. وقد طرح العيسوي خمس ركائز أساسية يقوم عليها نموذجه، وهي:

الركيزة الأولى: الرفع الكبير لمعدل الادخار المحلي وتمويله للجانب الأكبر من الاستثمار.
الركيزة الثانية: الدولة التنموية والتخطيط القومي الشامل.
الركيزة الثالثة: المشاركة الديمقراطية والتوزيع العادل للثروة.
الركيزة الرابعة: انضباط علاقات الاقتصاد الوطني بالخارج.
الركيزة الخامسة: التعاون ما بين دول الجنوب على شتى الجبهات.

وخلص المشاركون في المؤتمر إلى أن تعامل الرئيس "محمد مرسي" وحكومته لم ينجح حتى وقتنا هذا في حل المشكلات الاقتصادية الآنية التي يواجهها المواطن المصري البسيط، والتي كانت السبب الرئيسي ضمن أسباب أخرى في انتفاضة الشعب ضد نظام "حسني مبارك" في الخامس والعشرين من يناير، وهي سياسات أفقرت الشعب المصري حسب كثير من المحللين والخبراء الاقتصاديين.

وقد أجمع المشاركون على أن تعامل النظام الحالي مع الأزمات الاقتصادية الحالية من أزمة العجز في الميزانية والتنمية الاقتصادية لا يختلف عن سياسات النظام السابق التي كانت أكثر اعتمادًا على الاقتراض الخارجي من المؤسسات المالية العالمية. ويرون أن توجه نظام مرسي نحو الاقتراض الخارجي من صندوق النقد الدولي هو مسكن وقتي لن يجدي في حل المشكلات المستعصية، وأن العديد من سياسات مرسي وحكومته تصب في مصلحة الأغنياء على حساب الفقراء.

واختتموا أن المستقبل يحمل الكثير من الأزمات الاقتصادية التي تتفاقم خلال السنوات القادمة، والتي ستؤثر على شعبية حكم جماعة الإخوان في الشارع، مع تزايد عدد الاحتجاجات والمظاهرات الفئوية المطالبة بتحسين أوضاعها الاقتصادية، التي تتطلب حلا جديًّا للمشكلات الاقتصادية من جذورها، بعيدًا عن ردود الفعل والمسكنات الوقتية للأزمات الاقتصادية والمالية.

aymaan noor
27-04-2013, 11:30 AM
الضبابية: التداعيات المحتملة لتدهور الأوضاع الاقتصادية في مصر

http://rcssmideast.org/media/k2/items/cache/3b44b5000d3ada04c028c395cd05cbfb_L.jpg
هند مهيار

على الرغم من أن التركة الاقتصادية التي خلفها الرئيس السابق حسني مبارك وراءه كانت مثقلةً بالمشكلات الاقتصادية، فإن سوء إدارة المرحلة الانتقالية أدت إلى تفاقم تلك المشكلات إلى درجة حدت بالبعض إلى التساؤل عن مدى إمكانية وصول مصر إلى مرحلة الإفلاس. فقد أدى الانفلات الأمني وعدم الاستقرار السياسي، بالإضافة إلى حالة التخبط في إدارة الدولة -والتي بدت واضحةً في إصدار القرارات والتراجع السريع عنها في أكثر من مرة- إلى إشاعة حالة من الضبابية حول البيئة الاستثمارية في مصر، وعدم الاطمئنان إليها، مما تسبب في عدد من التداعيات الاقتصادية السلبية، من أبرزها:

1- انخفاض معدلات النمو بصورة كبيرة لتصل إلى 1,8% في عام 2011، مقارنة بنحو 5,1% في عام 2010، كما تشير توقعات صندوق النقد الدولي إلى أن معدل النمو سيواصل الانخفاض في عام 2012 ليصل إلى 1,5%.

2- هروب كثير من الاستثمارات إلى خارج البلاد، وتراجع معدلات تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة بصورة كبيرة، حيث انخفض صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة ليصل إلى 2078,2 مليون دولار في العام المالي 2011/2012، مقارنةً بنحو 2188,6 مليون دولار في عام 2010/2011، ونحو 6758,2 مليون دولار في العام المالي 2009/2010.

3- انخفاض الاحتياطي النقدي بصورة كبيرة من 35.221 مليار دولار في يونيو 2010 إلي نحو 15.533 مليار دولار في يونيو 2012، بما يعنيه ذلك من أن حصيلة الاحتياطيات الدولية أصبحت لا تكفي لتغطية الواردات السلعية المصرية سوى لثلاثة أشهر فقط.

4- تزايد عجز الموازنة العامة للدولة واتساع الفجوة بين النفقات والإيرادات والتي يتوقع أن تتجاوز 10% بنهاية العام المالي الحالي على الرغم من أن التوقعات في بداية العام لم تتخطَّ 8%.
5- تدهور التصنيف الائتماني الخاص بمصر وما تبعه من ارتفاع أسعار فائدة القروض التي تبرمها مصر سواء من الداخل أو الخارج.

6- اعتمدت الحكومة على الاقتراض كحل سهل وسريع لتمويل ذلك العجز، مما أدى إلى تضخم حجم الديون بصورة كبيرة حتى وصل الدين العام المحلي إلى 1238,137 مليار جنيه في العام المالي 2011/2012، مقارنة بنحو 1044,898 مليار جنيه خلال نفس الفترة في العام المالي 2010/2011. وقد تم عقد غالبية هذه القروض بأسعار فائدة مرتفعة للغاية وصلت إلى 15- 17%، وهو ما جعل خدمات الديون وحدها تلتهم ما يقرب من 25% من نفقات الموازنة الحالية.

7- أيضًا ارتفعت معدلات البطالة بصورة كبيرة لتصل المعدلات الرسمية المعلنة إلى نحو 12% في عام 2011، مقارنة بنحو 9% في عام 2010، وهي معدلات يتشكك الكثير من الاقتصاديين في مدى صحتها، ويرون أن المعدلات الحقيقية تتخطاها بكثير.

محاولات الخروج من الأزمة: قرض صندوق النقد الدولي

وتتمثل أفضل الطرق للتعامل مع عجز الموازنة في إعادة هيكلة النفقات والإيرادات لترشيد الإنفاق وزيادة الإيرادات كمحاولة أولية لتضييق حجم الفجوة بينهما، وعدم تحميل الحكومات القادمة بأعباء الديون، بما قد يكبل من حرية حركة تلك الحكومات في اختيار السياسات التي قد ترتئيها مناسبة في حينه. لكن كثيرًا ما قد تقرر الحكومات اللجوء إلى الحل الأسهل وهو الاقتراض.

وقد اختارت حكومات ما بعد الثورة اللجوء إلى هذا الحل الأسهل سواء من خلال الاقتراض الداخلي أو الخارجي، وفي هذا الإطار تم الإعلان عن بدء التفاوض مع صندوق النقد للحصول على قرض بقيمة 3,2 مليار دولار ثم تم رفعه بعد ذلك ليصل إلى 4,8 مليار دولار، وهو ما شكل قضية خلافية كبيرة بين الحكومات المختلفة وبعض رموز الثورة الذين رأوا أن الاقتراض من الصندوق قد يهدد استقلال القرار الاقتصادي المصري، ويكبله بسياسات بعينها قد لا تتوافق مع السياسات التي تحقق أهداف الثورة في المساواة والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفقر. وربما ترجع تلك المخاوف إلى الخبرات السابقة مع صندوق النقد الدولي حيث أدى اقتراض مصر من الصندوق في تسعينيات القرن الماضي إلى إجبارها على تطبيق "سياسات التثبيت والتكيف الهيكلي"، والتي رأى كثير من الاقتصاديين أنها لم تكن تتناسب مع طبيعة الاقتصاد المصري، وأنها كانت سببًا رئيسيًّا في ارتفاع معدلات البطالة وزيادة نسب الفقر، بالإضافة إلى ما نتج عن سياسات الخصخصة من استحواذ القطاع الخاص على كثير من السلع والخدمات الاستراتيجية في صفقات شابها الفساد، وتسببت في عمليات إهدار واسعة للمال العام.

وفي خبرة دولية حديثة، أدى تطبيق هذه الإجراءات مؤخرًا في اليونان إلى قيام حركة احتجاجات شعبية واسعة نتيجة لما تمخضت عنه هذه السياسات من ارتفاع في معدلات البطالة، وزيادة في معدلات الفقر، وتعميق مشكلة سوء توزيع الدخل.إلا أن الحكومة أعلنت -في محاولة منها لتهدئة الرأي العام- أن القرض لن يكون مشروطًا، وبذلك لن يؤثر على استقلال القرار الاقتصادي المصري أو قدرته على تحقيق العدالة الاجتماعية. ثم أعلنت فيما بعد أن القرض مشروط بتقديم الحكومة لخطة اقتصادية تضمن خفض عجز الموازنة من خلال زيادة الإيرادات الضريبية، وخفض الدعم، ولكن دون أن تعلن الحكومة عن الطريقة التي تنتوي بها تطبيق هذه الخطة بصورة مباشرة وشفَّافة، واكتفت بالتصريح بأن محدودي الدخل لن يتأثروا بها.

تداعيات التدهور الاقتصادي

ومن الواضح أن الحكومة قد بدأت في تنفيذ شروط صندوق النقد منذ أعلنت رفع أو تخفيض الدعم على عدد من السلع من دون الإشارة إلى أن تلك الإجراءات تأتي في إطار تنفيذ روشتة الصندوق. وبدأت الحكومة بتنفيذ هذه الإجراءات تدريجيًّا بداية من إعلان خطة زمنية لبدء تخفيض الدعم على البنزين والسولار، مرورًا برفع أسعار الكهرباء وصولا بالضرائب الجديدة التي تم الإعلان عنها مؤخرًا ثم ما لبث الرئيس محمد مرسي أن ألغاها تحت وطأة الغضب الشعبي، معلنًا أنه سيطرحها للحوار المجتمعي في الوقت الذي توجهت فيه حكومته لصندوق النقد لتأجيل إعلان الصندوق للمصير النهائي للقرض لمدة شهر حتى تتمكن الحكومة من تطبيق السياسات المتفق عليها. وهو ما يعني أن نتيجة الحوار المجتمعي محسومة مسبقًا، وما هو إلا محاولة لتهدئة الرأي العام قبل إجراء الاستفتاء على الدستور في الخامس عشر من ديسمبر.

وعلى الرغم من أن إعادة هيكلة الدعم وإصلاح النظام الضريبي كانا دائمًا في قلب الإصلاحات التي نادى بها الجميع لإعادة توزيع الدخل بصورة عادلة تضمن تحسين الظروف المعيشية للغالبية الكاسحة من الشعب المصري، والتي تعاني من الفقر ولا تحصل على أبسط حقوقها في حياة كريمة، فإن الإصلاحات التي أقبلت عليها الحكومة الحالية جاءت في عكس الاتجاهات المرجوة، فبدلا من أن تلجأ لزيادة الإيرادات الضريبية من خلال فرض الضرائب التصاعدية وزيادة معدلات الضريبة على الشرائح الأعلى قامت بفرض الضرائب غير المباشرة على السلع والخدمات، وبدلا من أن تلغي دعم الطاقة الموجه للشركات الكبرى التي تبيع منتجاتها بالأسعار العالمية أعلنت أنها ستخفضه بنسبة 30% فقط مع تخفيض الدعم الموجه للكهرباء والسولار والبنزين أيضًا.

وعلى ذلك فإنه على الأرجح أن تشهد مصر ارتفاعات كبيرة في أسعار معظم السلع والخدمات للأسباب الآتية:

1. تخفيض الدعم الموجه للسولار والبنزين والكهرباء وهو ما سيؤثر -سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة- على أسعار كافة السلع والخدمات الأخرى.

2. ارتفاع الضرائب غير المباشرة على بعض السلع والخدمات. حتى وإن تراجع الدكتور مرسي في الوقت الحالي عن تنفيذ هذا القرار، إلا أنه بدا واضحًا أنه عاجلا أو آجلا سيتم تنفيذه.

3. الانخفاضات المتحملة في قيمة الجنيه المصري في مواجهة الدولار الأمريكي، وما ينتج عنه من ارتفاع لأسعار كافة السلع المستوردة.

وفي ظل تدهور الظروف الاقتصادية وما تمخضت عنه من ارتفاعات كبيرة في معدلات البطالة بالإضافة إلى ثبات هياكل الأجور والمرتبات وعدم تطورها مع ارتفاع الأسعار، فإن أي زيادة في الأسعار ستؤدي إلى تدهور الظروف المعيشية للملايين من محدودي الدخل. وهو ما ينذر بإمكانية تكرار مشهد انتفاضة الخبز في عام 1977 إن لم تحاول الحكومة بصورة جادة تعديل مسار سياستها الاقتصادية لتتوقف عن المحاباة للطبقة الرأسمالية، ولتصبح أكثر توافقًا مع مطالب الثورة في تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفقر.

aymaan noor
27-04-2013, 04:42 PM
مخاوف تقشفية :

هل تنجح مفاوضات مصر للحصول على قرض صندوق النقد ؟

http://rcssmideast.org/media/k2/items/cache/500a44935c8320008f1c713a63e32b8e_L.jpg
د.محمد السمهوري

أثار الطلبُ الرسمي الذي تقدمت به الحكومة المصرية للحصول على قرض بقيمة 4.8 مليار دولار أثناء زيارة المدير العام لصندوق النقد الدولي كريستين لاجارد لمصر يوم 22 أغسطس 2012؛ العديدَ من الأسئلة حول طبيعة الأزمة المالية والاقتصادية التي تمر بها مصر في الوقت الراهن من ناحية، وحول القيود المختلفة المحتملة التي قد يفرضها الصندوق على الاقتصاد المصري،

من ناحية ثانية، كشرط لمنحها القرض المطلوب.

وتعد هذه هي المرة الثالثة التي تحاول فيها مصر خلال فترة الـ15 شهرا الماضية الاقتراض من الصندوق، بعد أن رفض المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية في المرة الأولى (خلال شهر مايو 2011) الاستمرار في المفاوضات للحصول على قرض بقيمة 3.2 مليار دولار من الصندوق، وبعد تعثر المحادثات في المرة الثانية (خلال الفترة بين شهر إبريل ويونيو 2012) نتيجة الخلافات بين الأحزاب الإسلامية التي كانت تسيطر على مجلس الشعب في ذلك الوقت (حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين، وحزب النور السلفي) وبين حكومة د. كمال الجنزوي السابقة، حول الحصول على قرض بنفس القيمة من الصندوق، وما نتج عن هذا الاختلاف من غياب للإجماع السياسي والمجتمعي الذي كان يشترط صندوق النقد تحققه لمنح مصر القرض الذي تريد.

دلالات المحاولة الثالثة للقرض

ثمة دلالات اقتصادية في المحاولة المصرية الثالثة للقرض من صندوق النقد الدولي وهي:

- أن قيمة القرض المطلوب (4.8 مليار دولار) الآن تزيد عن قيمة القرض السابق بحوالي 50%، كما أن صندوق النقد الدولي يتعامل هذه المرة مع وضع سياسي جديد تماما في مصر، بوجود رئيس مصري وحكومة مصرية ذات توجه إسلامي، ومع غياب كامل للجهة التشريعية والرقابية نتيجة حل مجلس الشعب في شهر يونيو الماضي.

- تعكس زيادة قيمة القرض المطلوب من صندوق النقد الدولي، بشكل واضح طبيعة الأزمة المالية بالغة التعقيد التي تمر بها مصر في الوقت الراهن، والتي هي استمرار للأزمة التي بدأت منذ يناير 2011. فخلال الشهرين الماضيين كانت هناك حاجة كبيرة للحصول على الأموال اللازمة لتمويل العجز المتواصل في الموازنة العامة، والذي وصل في السنة المالية الحالية إلى حوالي 135 مليار جنيه مصري (23 مليار دولار، أو 8% من الناتج الإجمالي) من ناحية، ولوقف النزيف المستمر، من ناحية ثانية، في احتياطيات مصر من النقد الأجنبي التي انخفض مستواها إلى أقل من 15 مليار دولار في الشهر الماضي، بعد أن كان قد بلغ 36 مليار دولار عشية ثورة يناير 2011.

- أن هذا الوضع المالي المتأزم تم التعامل معه بأكثر من طريقة، فمحليا، استمرت وزارة المالية في إصدار أذونات الخزانة (أدوات دين قصيرة الأجل، تتراوح مددها الزمنية من 3 أشهر إلى سنة) لبيعها للمصارف المصرية، بالعملة المحلية وبالدولار الأمريكي. كما ينوي البنك المركزي في نهاية الشهر الحالي (أغسطس 2012) طرح أذونات خزانة لبيعها محليا باليورو. هذه هي المرة الأولى منذ بدء طرح أذونات الخزانة بالدولار في نهاية العام الماضي التي سيتم فيها الطرح بالعملة الأوروبية. أما خارجيا، فقد حصلت مصر من المملكة العربية السعودية في شهر يونيو الماضي على وديعة مالية بقيمة مليار دولار لحساب الخزانة العامة في البنك المركزي المصري، وعلى وديعة من دولة قطر، بضعف القيمة، 2 مليار دولار، لإيداعها في البنك المركزي أيضا لنفس الغرض. هذا بالإضافة إلى الاستمرار في الحصول على قروض بقيم مختلفة من مصادر خارجية متعددة مثل بنك التنمية الإسلامي وبنك التنمية الإفريقي. هذه الاستدانة محليا وخارجيا أوصلت الدين العام المصري في نهاية الشهر الماضي إلى 226 مليار دولار (حوالي 80% من الناتج الإجمالي)، منها 193 مليار دولار دين محلي، و33.8 مليار دولار ديون خارجية.

- تعكس الزيادة الكبيرة في قيمة القرض الذي ترغب مصر في الحصول عليه من صندوق النقد الدولي استمرار الأزمة الاقتصادية التي شهدتها مصر، ولا زالت، بعد ثورة يناير 2011. ملامح هذه الأزمة، بصورة عامة، تتمثل في انخفاض معدلات النمو الاقتصادي، وانخفاض العائدات من قطاع السياحة، وخروج كبير للاستثمارات الأجنبية، واستمرار العجز في الميزان التجاري الخارجي، وفقدان الجنيه المصري أكثر من 5% من قيمته خلال الأشهر الـ18 التي أعقبت التغير في النظام السياسي. يضاف إلى هذا كله استمرار الاضطرابات التي تشهدها قطاعات الإنتاج والخدمات الحكومية العامة، واستمرار التدهور في خدمات البنية التحتية (مثل الكهرباء والمياه)، والانقطاع المتكرر لبعض السلع الأساسية في الأسواق المصرية.

هل تحصل مصر على القرض؟

السؤال الأكثر أهمية الآن هو ما إذا كانت المفاوضات بين مصر وصندوق النقد الدولي هذه المرة، وعلى عكس المرتين السابقتين، ستؤدي إلى الاتفاق بينهما حول القرض وشروطه، وحول البرنامج المالي والاقتصادي الذي سيتم تمويله من خلال القرض المطلوب.

ما هو متاح من معلومات رسمية عن الزيارة التي قامت بها المسئولة الأولى في صندوق النقد الدولي لمصر، تشير إلى توقع الجانب المصري التوصل إلى اتفاق مع الصندوق بشأن القرض في نهاية العام الحالي، وبسعر فائدة يصل إلى 1.1%، على أن يتم السداد بعد فترة سماح تبلغ 39 شهرا. من أجل هذا الغرض، سيصل فريق فني من خبراء الصندوق إلى مصر في بداية الشهر القادم (سبتمبر) لإجراء مشاورات بهذا الشأن، وللعمل عن قرب مع خبراء وزارة المالية المصرية لوضع الإطار العام للبرنامج الذي سيقوم الصندوق بتمويله.

ورغم أنه من غير الممكن عمليًّا التنبؤ مسبقا بالطبيعة النهائية لهذا البرنامج، أو بالشروط التي قد يفرضها الصندوق على مصر للحصول على القرض المطلوب (4.8 مليار دولار)؛ إلا أنه يمكن القول بشكل عام، وبناء على العلم بالطريقة التي يعمل بها الصندوق من ناحية، وما تم التوصل بشأنه مع الطرف المصري خلال جولات المحادثات السابقة؛ بأن العمل في البرنامج الجديد سيتم على ثلاثة محاور رئيسية، هي:

- تخفيض قيمة العجز في الموازنة الجارية وذلك من خلال تقليل جانب النفقات، ومحاولة زيادة جانب الإيرادات.

- ترشيد الدعم الذي تقدمه الحكومة لقطاع الطاقة الذي يستهلك الجزء الأكبر من مجموع الدعم الذي تقدمه الحكومة المصرية (والذي يصل إلى حوالي ربع الموازنة الجارية).
- أزمة ميزان المدفوعات ودراسة إمكانية قيام البنك المركزي بإجراء تخفيض على قيمة الجنيه المصري.

ورغم تأكيد مسئولي الصندوق في مناسبات عديدة أنهم يدركون تأثير مثل هذه الإجراءات على الطبقات محدودة الدخل، وبأنهم يراعون الجوانب الاجتماعية للبرامج التي يقومون بوضعها في الدول التي تلجأ للاقتراض من الصندوق؛ إلا أن الحالة المصرية ما بعد الثورة تعتبر حالة ذات طبيعة خاصة، وذلك بسبب ارتفاع التوقعات لتحسين مستويات المعيشة لقطاعات عريضة من الشعب من ناحية، وبسبب حدة الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية (والأمنية) التي تمر بها البلاد في الوقت الراهن من ناحية ثانية.

أضف إلى ذلك -وهذه نقطة في منتهى الأهمية- أن "برنامج النهضة" الذي وعد د. محمد مرسي الشعب المصري بتطبيقه في حالة انتخابه هو برنامج توسعي بالأساس، ويتعارض جملةً وتفصيلًا مع الإجراءات التقشفية التي من المتوقع أن يتضمنها البرنامج الذي قد يتوصل إليه صندوق النقد الدولي مع الحكومة المصرية خلال المفاوضات التي ستبدأ الشهر المقبل بين الجانبين.

وخلاصة القول: إن من الصعب في الوقت الراهن الحكم على نتائج المحادثات التي ستجري بين مصر والصندوق حول القرض الجديد، أو على الفترة الزمنية التي قد تستغرقها المفاوضات، وما إذا كانت هناك اعتباراتٌ سياسية، سواء من جانب الصندوق أو الجانب المصري قد تدفع بالمحادثات في اتجاه معين دون الآخر. الأمر أيضا ليس بالبساطة التي ينظر إليها بعض المعارضين للاقتراض من صندوق النقد الدولي، والنظر إلى القرض على أنه من قبيل "الربا"، أو على أنه يضع مصر "تحت سيطرة" الصندوق والدول التي تتحكم فيه؛ إذ إن هناك الكثير من العوامل الموضوعية الخاصة بطريقة عمل الصندوق من جهة، وبدقة الظروف المالية والاقتصادية التي يمر بها الجانب المصري من جهة ثانية، والتي تتطلب قدرا كبيرا من الشفافية والوعي للتعامل معها.

aymaan noor
28-04-2013, 03:05 AM
دور قطري متصاعد:

خريطة المساعدات الخليجية إلى مصر بعد الثورة

http://rcssmideast.org/media/k2/items/cache/ab98897d60eaa0d05c1862c118538407_L.jpg
إيمان رجب

منذ انتخابات الرئاسة المصرية؛ يلاحظ وجود اهتمام خليجي بتوفير المساعدات لمصر في صورة منح واستثمارات، وتعتبر قطر الحالة الأكثر بروزًا في هذا المجال، وتأتي في مرتبة تالية لها السعودية،

مع ملاحظة تحفظٍ بدرجةٍ ما من قبل كلٍّ من الكويت والإمارات نحو توفير مساعداتٍ فعليةٍ لمصر، لاعتبارات سياسية بالدرجة الأولى متعلقة بهيكل السلطة الجديد الذي أفرزته ثورة يناير.

ويتقاطعُ هذا الاهتمامُ الخليجي مع تفاقم أزمة الاقتصاد المصري، وتراجع قيمة الاحتياطي الأجنبي الذي بلغ 14.4 مليار دولار، وتعثُّر محاولات مصر الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي لدعم عجز الموازنة. واستنادًا إلى تقديرات رئيس الوزراء المصري هشام قنديل؛ يحتاج الاقتصاد المصري الى استثمارات بقيمة 170 مليار جنيه من القطاع الخاص، و100 مليار جنيه من القطاع العام، حتى يتراوح معدل النمو بين 4-5%.

- أوضاعُ المساعدات الخليجية:

قبل انتخابات الرئاسة؛ كانت السعودية قد وعدت بتقديم حزمةٍ من المساعدات بقيمة 3.750 مليارات دولار، في صورة وديعةٍ في البنك المركزي المصري، ومنح لمشاريع تنموية، ودعم مباشر للموازنة المصرية، كما قدمت السعوديةُ في الأشهر الماضية مساعداتٍ عينيةً تمثلت في تأمين ألف طن متري من غاز البترول المسال، وأعلنت في مايو 2012 عن توفير مساعداتٍ بقيمة 500 مليون دولار. وأثناء زيارة الرئيس مرسي للسعودية في يوليو 2012 كانت هناك وعودٌ بضخ مزيد من الاستثمارات السعودية في مصر التي تبلغ حاليًّا 27 مليار دولار وفق تقديرات مجلس الأعمال السعودي-المصري.

أما الإمارات؛ فقد وعدت بتقديم 3 مليارات دولار في صورة قروض وودائع ومنح، ولم تتخذ خطوات فعلية لتوفير هذه المساعدات لمصر حتى الآن، وذلك رغم حرص الحكومة المصرية على حل مشاكل الشركات الإماراتية، وتشكيل لجنة مشتركة بين مجلس الأعمال المصريين في أبو ظبي وجمعية رجال الأعمال المصريين في القاهرة، لدعم ومساندة الشركات الاستثمارية الإماراتية العاملة في مصر. ويبلغ إجمالي الاستثمارات الإماراتية في مصر وفق بعض التقديرات مايزيد عن 20 مليار درهم .

وفي حالة الكويت؛ لم يتم الإعلان عن مساعدات محددة للاقتصاد المصري، أو عن رغبة في زيادة حجم الاستثمارات، والتي لا تتعدى وفق بعض التقديرات 2.7 مليار دولار، وما صدر من جانب السفير الكويتي في مصر لا يتعدى الوعد بزيادة الاستثمارات الكويتية في مصر، دون أن يعلن تفاصيل محددة.

وفي مقابل هذه الحالات؛ تُعتبر قطر حالة متميزة، سواء من حيث الزيارات التي استقبلتها مصر طوال الفترة الماضية، أو من حيث حجم الأموال التي أُعلن توفيرها لمصر؛ حيث استقبل الرئيس مرسي أمير قطر في 11 أغسطس 2012، كأول أمير خليجي يزور القاهرة بعد انتخابات الرئاسة، وأعلن خلال الزيارة عن إيداع 2 مليار دولار في البنك المركزي تقدم على ثلاث دفعات، على أن تكون آخر دفعة في نوفمبر 2012. وهو ما من شأنه أن يدعم قيمة الجنيه في مواجهة الدولار، وخاصة بعد انخفاض الاحتياطي المصري من النقد الأجنبي.

كما زار رئيسُ الوزراء القطري حمد بن جاسم القاهرة في 6 سبتمبر 2012، وأعلن عن استثمار 18 مليار دولار على مدى خمس سنوات، يوجه منها 8 مليارات دولار لمنطقة شرق التفريعة ببورسعيد، ويوجه جزء آخر لإنشاء مصنع للحديد والصلب، وتوجيه جزء ثالث للاستثمار في مجال إنتاج الطاقة الكهربائية، ولإنشاء مشروع سياحي ضخم في الساحل الشمالي.

- اهتمام قطري متزايد:

ويتخطى الاهتمامُ القطري بمصر حدودَ العلاقات الرسمية، فهناك حرصٌ من المستثمرين القطريين على التوسع في استثماراتهم في مصر، وهذا ما يؤشر إليه اتجاههم لشراء بنك بي إن بي، وبنك الأهلي سوسيتيه جنرال، واتجاه عدد منهم لتنشيط السياحة القطرية في مصر، حتى تحدث بعض المتابعين عن سعي قطر للهيمنة على الاقتصاد المصري.
ويقدر مجلس الأعمال المصري-القطري حجم الاستثمارات القطرية الحالية في مصر بحوالي 572 مليون دولار، موزعة بين قطاعات السياحة والإسكان والتعمير والبنى التحتية.

فيما أفاد مجلسُ الأعمال بأن الاستثمارات القطرية ستتجه إلى ثلاث قطاعات، هي: الخدمات المالية، وصناعات البتروكيماويات، والبنية التحتية، وخاصة الطرق والجسور ومحطات المياه وتوليد الكهرباء. كما تم التفاوض مع غرفة التجارة المصرية منذ يونيو الماضي على إنشاء ميناء محوري ومنطقة عالمية للتجارة الحرة على ضفاف قناة السويس، تسهم في تحويل الممر المائي المصري إلى منطقة دعم لوجستي وصناعات تجميعية ومناطق تخزين وترانزيت لحركة التجارة العالمية العابرة من أوروبا إلى الشرق الأوسط.

- دوافع الاهتمام القطري:

تستخدم قطر دومًا الأداةَ المالية من أجل تحقيق وخدمة أهداف سياسية محددة، ليس في مصر فقط، وإنما أيضًا في الدول التي شهدت ثورات، ونجحت فيها قوى الإسلام السياسي في الوصول للسلطة؛ حيث من الواضح سعي قطر لدعم هذه القوى، وإنجاح تجربتها في الحكم، باعتبارها القناة التي من خلالها تستطيع أن تتحكم في مسار التغيير في هذه الدول. حتى إن بعض وسائل الإعلام التونسية أطلقت عليها اسم "مخلب القط الأمريكي لاحتواء الربيع العربي".

ويلاحظ أن قطر ضخت بالفعل استثماراتها في تونس وليبيا تحديدًا، في حين لا تزال استثماراتها في مصر مجرد وعود؛ حيث قام أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثان بزيارة لتونس للمشاركة في إحياء الذكرى الأولى للثورة التونسية في يناير 2012، وأعلن خلالها عن إبرام 10 اتفاقيات تعاون مع تونس، واستنادًا لوزير الاستثمار والتعاون الدولي التونسي؛ تغطي هذه الاتفاقيات قطاع البترول والغاز، حيث تم الاتفاق على تنفيذ مشروع مصفاة الصخيرة في جنوب تونس بالتعاون مع شركة قطر للبترول. كما تم تقديم وديعة في الخزينة التونسية بقيمة 500 مليون دولار.

كما ارتفعت المساعداتُ القطرية للثورة الليبية قبل سقوط القذافي، وبعد سقوطه تم توقيع العديد من الصفقات التي تصل قيمتها إلى 8 مليارات دولار. وقد لجأ رئيسُ المكتب التنفيذى الليبي السابق إلى الدوحة لطلب مساعدة مالية تقدر بـ2.5 مليار دولار. وأشارت بعض التقارير إلى أنه بعد تجميد الأرصدة الليبية؛ عرضت قطر تسويق مليون برميل من النفط لحساب المجلس الانتقالي، وتحقيق 100 مليون دولار من العائدات.

وفي حالة مصر؛ ارتبط دومًا تأخر ضخ استثمارات قطرية جديدة في مصر بالوضع السياسي فيها بالدرجة الأولى؛ حيث فضلت قطر خلال الفترة الماضية الانتظار قبل ضخ المزيد من الاستثمارات، حتى استكمال واستقرار هياكل الدولة المصرية.
وعند تحليل قرار قطر ضخ هذه الاستثمارات في أي من هذه الدول الثلاث؛ نجده مرتبطا بدرجةٍ كبيرةٍ بحجم "استقرار" سيطرة القوى الإسلامية على السلطة، وبحجم النفوذ الذي تتمتع به قطر في هياكل السلطة الجديدة. ورغم أنه لا يزال وضع الإخوان في مصر كقوة مسيطرة تحت الاختبار، وتحكمه متغيرات عدة يصعب السيطرة عليها؛ إلا أنها تعمل على دعم إخوان مصر باعتبارها الرهان الكاسب.

إن استمرار قدرة قطر على الاستفادة من المال والاستثمارات من أجل الاحتفاظ بنفوذ سياسي ما في مصر وغيرها من دول الثورات العربية مرتبط بدرجة كبيرة بعاملين؛ يتعلق العامل الأول باستمرار سيطرة القوى الإسلامية فيها على نصيب مهم من السلطة. ويتعلق العامل الثاني، بوجود قبول شعبي في هذه الدول وإقليمي بهذا النفوذ.

aymaan noor
28-04-2013, 01:25 PM
الحصان العربي: كيف تتعافى مصر من عثرتها الاقتصادية؟

http://rcssmideast.org/media/k2/items/cache/0bfc0ce99892772fc285e10ee3943d9a_L.jpg
د.محمد العريان

تواجه مصر – التي تعد ثاني أكبر اقتصاد في المنطقة العربية بعد السعودية- تحديات اقتصادية صعبة بعد ثورة الـ25 من يناير التي أسقطت نظام مبارك. إذ إن المصريين لم يجنوا حتى الآن الحصاد الاقتصادي لثورتهم، حيث تعاني قطاعات واسعة من المجتمع من تدهور في أوضاعها المعيشية. ولعل الملف الاقتصادي شغل حيزا كبيرا من اهتمام الدكتور محمد مرسي رئيس مصر

بعد تولي الحكم، إذ يخشى البعض أن تستغل " الثورة المضادة" تردي الأوضاع الاقتصادية للانقلاب على ثورة يناير. وفي هذا السياق تأتي أهمية مقال الدكتور محمد العريان الذي نشر في مجلة فورين بوليسي الأمريكية تحت عنوان " الحصان العربي" ، ويناقش مستقبل الأوضاع الاقتصادية في مصر.

العريان هو أحد الأسماء المصرية في الخارج التي تم تداول ترشحها لرئاسة الحكومة، قبل أن يستقر الرئيس مرسي على الدكتور هشام قنديل لرئاسة الوزراء، كما أن العريان هو خبير اقتصادي دولي ومستشار لدى مؤسسة الاستثمارات العالمية بيمكو ، ومؤلف كتاب: عندما تتصادم الأسواق.

وضع اقتصادي غير مطمئن

في مقالته، يشير العريان إلى أن قوة الاقتصاد المصري ستحدد ما إذا كانت ثورة 25 يناير قد كُللت بالنجاح أم سقطت ضحية لحركات الثورة المضادة؟، فكلما طال بقاء التحديات القائمة في مصر – كما يقول العريان - تصاعد خطر تهديدات الثورة المضادة.

ويعتبر الخبير المصري في مقاله أن الوضع الاقتصادي الحالي غير مطمئن؛ حيث إن النمو غير كافٍ، والاستثمار في الصناعات الجديدة ضعيف، فضلًا عن تدنّي كفاءة المصانع وأعمال الصيانة. وفي الوقت نفسه، يساور العديد من الأجانب قلق وخوف من زيارة مصر والاستثمار فيها، مما يسحب الأوكسجين عن الاقتصاد المتعثر الذي يعتمد إلى حدٍّ كبير على الاستثمارات الأجنبية المباشرة والسياحة.
وإلى جانب العديد من التحديات الاقتصادية التي تواجهها مصر؛ تثير البطالة والبطالة المقنّعة قلقا كبيرا، فهما يمثلان معا تحديات اقتصادية واجتماعية. وتصل نسبة العاطلين عن العمل في مصر إلى 25% بحسب تقارير دولية، ولا عجب أن كثيرا من المصريين يشعرون بالإحباط بسبب التباطؤ في تحسين سبل المعيشة.

كما تثير أجور محدودي الدخل المنخفضة حالة من الإضرابات بصورة دورية؛ بل وتقوض العلاقات العمالية أيضا، مما يسفر في النهاية عن اقتصاد متعثر ويأس اجتماعي. وللأسف لا تتمتع مصر – كما يقول العريان- بوفرة في المدخرات لدفع العملية الانتقالية قدما في ظل هذه الأوقات العصيبة، فالعديد من المواطنين يعيشون بالفعل تحت خط الفقر أو بالقرب منه، ناهيك عن تضاؤل شبكات الأمن الاجتماعي وتعدّي العجز المالي نسبة 10% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يفضي إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض.

يأتي ذلك وسط نفاد أكثر من ثلثي مخزون مصر من احتياطيات النقد الأجنبي على مدى الأشهر الـ18 المنصرمة، ووصل المخزون إلى حوالي 15 مليار دولار. ويرى العريان أنه كلما طال بقاء التحديات تصاعد خطر تهديدات الثورة المضادة، منوها إلى أن آثار ذلك ستمتد إلى خارج مصر. فالرخاء الاقتصادي داخليًّا له تأثير مباشر على استقرار منطقة الشرق الأوسط ككل.

ومع تزايد عدد السكان في مصر إلى أكثر من 80 مليونا، ليس من المستغرب أن يساور بعض المسئولين الأوروبيين قلق خاص بشأن موجات هجرة المصريين. وأشار العريان إلى أن من يراقب مصر عن كثب يشعر بالقلق ويدرك تماما مدى الإحباط الذي يشعر به المصريون. وأعرب الدكتور العريان عن قلقه بشأن ارتفاع الكلفة البشرية وبشأن التشاؤم الذي بات يستشري في أرجاء مصر.
وكلما ظل ذلك قائما بات من الصعب على مصر استكمال التحول الحرج في أعقاب سقوط الحكومة. فسقوط النظام لا يمثل نجاحًا تامًّا للثورة؛ بل يمهد الطريق فحسب لصالح مستقبل أفضل، وفقًا لما يراه الدكتور العريان.

واستطرد الدكتور العريان في مقاله لافتا إلى أن مصر ليست حالة خاصة، ولا ينبغي أن تكون كذلك؛ فما تواجهه مصر في الوقت الراهن شبيه بما واجهته بلدان أخرى إبان العمليات الثورية. فدول مثل بولندا والمجر واجهت تحديات ثورية واسعة النطاق، كما فشلت دول في إفريقيا والاتحاد السوفيتي السابق في تحولاتها الثورية وما زالت تناضل من أجل النجاح.

أسباب التفاؤل الحذر

ومع ذلك، يرى الدكتور العريان أن ثمة ما يبعث الأمل. ففي ظل وجود مجموعة من السياسات المتماسكة التي تعمل على الحشد الواسع للشراء المحلي، لا يمكن أن يزدهر الاقتصاد فحسب؛ بل يمكن أن تتحقق أهداف الثورة في العدالة الاجتماعية، وتحسين الوضع المعيشي في مصر أيضا.

ومن وجهة نظر الكاتب؛ ثمة ما لا يقل عن خمسة أسباب تستدعي التحليل البنّاء والتفاؤل الحذر، وهي:

أولًا: اعتراف كافة الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام وحركات الشباب والمجلس العسكري بأهمية إصلاح الاقتصاد، وإدراكهم هذه النقطة جيدا. وبالطبع لا يضمن هذا الاعتراف العمل فعليًّا لتصحيح الوضع؛ إلا أنه يعتبر -من وجهة نظر الكاتب- شرطًا مسبقًا وهامًّا تفتقر إليه مصر في كثير من الأحيان.

ثانيًا: تتمتع مصر بإمكانيات مادية وبشرية تضمن لها نموا اقتصاديا مستداما؛ فقد حقق الاقتصاد المصري نوبات من النمو القوي في التسعينيات والألفية الجديدة، رغم أجواء الفساد وسوء توزيع الموارد واقتصار القوى الاحتكارية على أعوان النظام السابق.

ثالثًا: تقدم مصر للمستثمرين سوقًا محليًّا ضخمًا وموطئ قدم محوري في المنطقة، ولا سيما عندما ترتكز البلد على سياسة ديمقراطية مستقرة، مما سيشكل دافعا حيويًّا لجذب الشركات متعددة ال***يات. ومن ثم تمتلك مصر القدرة على اجتذاب تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، مما سيساهم في جلب رءوس الأموال والتكنولوجيا ونُهُج الإدارة الجديدة إلى مصر.

رابعًا: استعداد المصريين وقدرتهم على دعم بلدهم في ظل سعيها إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي والمالي والسياسي والاجتماعي. فالمصريون الناجحون في الخارج يتطلعون إلى توجيه الأموال إلى مصر، وتذوق الديمقراطية الجديدة.

خامسًا: شعور المصريين بأنهم أخيرا امتلكوا بلدهم بعد طول عناء، مما يجعلهم فعّالين في بناء مستقبلها. وبعد سنوات من التهميش، يأتي الشعور بالمسئولية التي هي واضحة بالفعل من خلال المشاركات المدنية في المجتمع. وعموما، باتت تتغير هياكل الحوافز الفردية والجماعية إلى الأفضل؛ حيث لم يعد الاقتصاد المصري يخدم النخبة الحاكمة والدوائر المحيطة بها.

شروط لتحسين الاقتصاد

ويرى الكاتبُ أنه ينبغي على القادة المنتخبين حديثا في مصر أن يستجيبوا سريعا لأربع قضايا رئيسية إذا ما أرادوا أن يحسنوا الاقتصاد المصري؛ وهي:

1- البدء في تنفيذ رؤية اقتصادية متامسكة ومتوسطة الأجل ذات أهداف مفهومة وشفافة.

2- محاولة تحقيق الاستقرار الفوري وتقليل خطر انزلاق مصر في أزمة مالية.

3- إشراك الدائنين الأجانب بشروط تتفق مع حاجات مصر التنموية.

4- إعادة توجيه برنامج الدعم المكلف بحيث يقتصر على مساعدة الفئات الأكثر فقرًا من السكان.

ويختتم الدكتور العريان مقالته بوصفه الاقتصاد المصري بالحصان العربي؛ فهو يناضل بكل ما أوتيَ من قوة للوصول إلى وجهته، ويمكن أن يتقلب إذا واجهته بعض العقبات، غير أنه يمكن ينطلق بخفة وبقوة وبسرعة إذا سار على أرضية ثابتة تجاه وجهة محددة وواضحة.

aymaan noor
29-04-2013, 08:25 AM
المحور الثالث: الشارع الثائر

عوائق الانتماء: هل يمكن أن تتحول روابط "الألتراس" إلى حزب سياسي؟

http://rcssmideast.org/media/k2/items/cache/bedd85fe36f92bf9288d87a48e3bbfff_L.jpg
محمد الحسين عبد المنعم

بدو أن التساؤل الذي يطرحه عادة المحللون حول إمكانية تحول الألتراس Ultras إلى قوة سياسية منظمة في الشارع بعد عمليات الحشد والاشتباك مع الأحداث السياسية في الآونة الأخيرة، يحتاج إلى محاولة لفهم طبيعة تلك التكوينات الجديدة في المجتمعات العربية، خاصة وأن ثمة أبعادًا نفسية وقيمية وسلوكية ربما تشكل عائقًا أمام تحول تلك الراوبط من التشجيع إلى الانخراط في العمل السياسي أو الحزبي، وإن كان ذلك لا ينفي أنها أضحت حركة احتجاجية استفادت من تغييرات ما بعد الثورات.

إن ذلك الجدل حول الدور السياسي لـ"الألتراس"، جاء على خلفية انتقال روابط المشجعين من مربع الإعلام الرياضي إلى مضمار السياسة، في ضوء ظهورها في مناسبات ثورية عدة في مصر، بدءًا من أحداث 28 يناير إبان الثورة، مرورًا بأحداث موقعة الجمل، إضافة إلى أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء، وصولا لأحداث استاد بورسعيد المعروفة إعلاميًّا "بمجزرة بورسعيد"، وتبعات الأحكام القضائية بشأنها.

عداوات ثلاث

ولا يمكن فهم سلوك الألتراس بمعزل عن أعدائها الثلاثة الذين يشكلون حافزًا للاحتجاج أكثر من الانخراط في العمل السياسي بمعناه المنظم والتفاوضي، وهم: (الإعلام – الأمن – سياسات الكرة الحديثة)، فغالبًا ما تكون علاقة "الألتراس" متوترة مع الإعلام، كنتيجة لما يعتقده أفراد تلك المجموعات من أن وسائل الإعلام تمارس تحريضًا إعلاميًّا ضدهم، باعتبارهم فوضويين، وتحميلهم مسئولية شغب الملاعب.

ويمكن إرجاع نظرة وسائل الإعلام للألتراس على هذا النحو إلى "الفجوة الجيلية" بين شباب "الألتراس" من ناحية والقائمين على الإعلام من جهة أخرى، خصوصًا في ظل فترات التغيير الاجتماعية السريع، كالذي تمر به مصر، فتنشأ معارضة من الأجيال الأكبر لأنماط واتجاهات سلوك الجيل الشاب المتحرر من القيود. بالإضافة لإحساس هؤلاء الشباب بأنهم يمثلون مادة دسمة للإعلام يقتات منها على حسابهم، دونما تدقيق أو تمحيص فيما يصل إليه من أخبار، وتمثل "المغرب" الحالة الوحيدة التي يحتفي الإعلام فيها بمجهودات "الألتراس" وهو ما انعكس على التعامل الأمني معها.

أما عن علاقة جماهير "الألتراس" بالأجهزة الأمنية، فإن التوتر والمصادمات العنيفة هي السمة الغالبة في العالم أجمع، وهو ما يمكن تفسيره بنظرة رجال الأمن لذواتهم كمحتكرين للحشد والتنظيم، الأمر الذي يدفعهم للتضييق على تلك المجموعات والنظر لهم كمنافس، بالإضافة للإجراءات الأمنية المشددة التي تتبعها تلك الأجهزة لتنظيم دخول وطرق التشجيع داخل المدرجات، الأمر الذي يرفضه أفراد مجموعات "الألتراس" الساعية للتحرر من القيود، والتي ترى في كرة القدم متنفسًا ومجالا لإخراج الطاقات الإبداعية، وتطوير فنون التشجيع.

وتظهر الخبرةُ العملية العلاقةَ الطردية بين مستوى ال*** الموجه من الجماهير ضد الأمن كلما زادت أنماط التدخل والتضييق الأمني على المشجعين، الأمر الذي دعا البعض للمناداة بمنح الجماهير حق التنظيم الذاتي وفق ضوابط معينة لتفادي الاحتكاك بقوات الأمن.كما تنظر جماهير "الألتراس" لسياسات الكرة الحديثة بنوع من الرفض، لأسباب تتعلق بتحكم رأس المال في عملية انتقالات اللاعبين، وطغيان العوائد المالية على الانتماء للنادي، وهو ما يرتبط بالسياسات الإعلانية والإعلام.

قدرات تنظيمية وتمويلية

إن الأعداء الثلاثة شكلوا محفزًا لخلق قدرات مؤثرة للألتراس على الحشد والتنظيم، وذلك في ظل هيكلها الشبكي المتحرر من القيود الهرمية المسيطرة على أنماط علاقات الأسرة، والمدرسة، ومؤسسات العمل.. إلخ، وتعد الجزئية الخاصة بالقدرة على "الحشد" على وجه الخصوص مصدرًا لتخوف القوى التي اشتهرت تنظيميًّا بها، وهما، في مصر، بشكل أساسي قوات الأمن، وجماعة الإخوان المسلمين.

ففي حين خطب معظم مرشحي الرئاسة ودّ "الألتراس" وقدرتهم على رد مظالمهم، وعلى رأسهم حزب الحرية والعدالة ومرشحه الرئيس محمد مرسي، فإن الاتجاه لتصفيتهم وتشويه صورتهم عبر المنابر الإعلامية المتعددة، يمنح مؤشرًا على معاداة أي نظام في السلطة لمثل تلك القوى الشبابية وإدراك حجم تأثيرها.

وما يجعل الألتراس أكثر تنظيمًا هو قدرته على توفير تمويل مستقل ذاتي، إذ يعتبر الألتراس تلقي التمويل أو الدعم من إدارات الأندية أو جهات خارجية مجلبة للعار للمجموعة وسببًا لحلها، وعليه فإن مجموعات الألتراس تعتمد في تمويلها على اشتراكات أعضائها، وذلك الخيار جاء لتدعيم استقلالية قرار المجموعة.

ورغم قدراتهم التنظيمية والتمويلية، فإن ثمة ملاحظة أساسية في سلوك الألتراس تجعل من الصعب تحولهم إلى العمل السياسي المنظم، وهي أنهم لا يرتبطون بحسابات سياسية معينة، وبالتالي فإن فكرة إقامة تحالفات على أسس أيديولوجية يعد أمرًا مستبعدًا، على الأقل في هذه الفترة، فعلى النقيض من جماعات "الألتراس" في البلقان، على سبيل المثال، والتي ترتبط بمعايير جهوية وهوياتية وإثنية، فإن الألتراس في مصر ارتبطت تحركاته بدوافع تبدو سامية، مثل القصاص لحقوق الشهداء.

فاللافت أن تحرك الألتراس بشكل جماعي ورسمي يرتبط بأحداث مسّت المجموعة بشكل مباشر (أحداث مباراة كيما أسوان، وأحداث بورسعيد)، وهذا لا يعني مشاركتهم في أحداث أخرى، إلا أنهم لا يشاركون بصفتهم التنظيمية الرسمية وإنما كأفراد. كما أن انخراط أفراد الألتراس في أعمال ***، تنتقص من رصيدهم لدى رجل الشارع، وهو ما قد يرجع لما يتمتع به الشباب من اندفاع، فضلا عن الإحباط من غياب دولة القانون.
ورغم أنهم يمتلكون تنظيمات غير رسمية، ويمارسون ضغطًا على السلطات لتحقيق تغيرات معينة، إلا أن تنظيمات الألتراس تعتمد على الهوية المشتركة للانتماء لنادٍ معين، وتدور نشاطاتهم حول ناديهم لا المجتمع. ورغم أن ثورة 25 يناير وسعت من مساحات الاهتمام بالقضايا السياسية، وهو ما يظهر في الأنشطة الفنية مثل أغنية "حرية" التي تنصرف لوصف الوضع السياسي ككل وفساد الحكومة وأن المطلب الرئيسي هو الحرية، إلا أن الغالب لدى الألتراس هو انتماؤهم الرياضي.

علاوة على ذلك، فإن طبيعة روابط الألتراس هي عدم قبول المواءمات أو الحلول الوسط، والتمسك بالمبادئ بشكل حاد، وعليه فإن دخولها مضمار السياسة سيستلزم تغيير طبيعتها، وبالتالي انتماءها لعالم "الألتراس" بالشكل التقليدي. وبالتالي، يبقى إمكان تحول "الألتراس" إلى قوة سياسية "كحزب سياسي" احتمالا ضعيفًا، نظرًا لتعدد المشارب والانتماءات السياسية والاجتماعية، وأنها ليست الانتماء الرئيسي الذي يجمع تلك المجموعات الرياضية.

استراتيجيات التعامل مع "الألتراس"

تتسم مجموعات الألتراس بعدد من السمات كاللا سلطوية، والديناميكية، والمثالية المجردة، وتعتمد في تحقيق أهدافها وممارساتها على أساليب غير تقليدية ومتحررة من القيود الاجتماعية، تبدأ برفع اللافتات وتنفيذ الدخلات، مرورًا باستخدام السباب خلال هتافاتهم، وصولا لاستخدام ال*** في حالات معينة.

وفي معرض الحديث عن استراتيجيات التعامل مع "الألتراس"، دائمًا ما يردد أفراد تلك المجموعات أنهم "بشر" وليسوا "درجة ثانية"، فإحساس فرد "الألتراس" دائمًا بالاضطهاد، وأن هناك من يتربص به، يدفعه لتبني سلوك أكثر يمينية وتشددًا. ولعل ذلك يفسر ما يقوله أحد أعضاء الألتراس في مصر في إشارة إلى العداء مع وزارة الداخلية وأحداث بورسعيد في مصر: "كيف أتصالح مع من أغلق أبواب الاستاد على إخوتي، وتركهم يموتون دون أن يحرك ساكنًا".

وتظهر الخبرة العملية أن التشدد والتعامل العنيف مع شباب تلك المجموعات لا يولد إلا ***ًا مضادًا، لأسباب تتعلق بطبيعة سلوك الشباب، وما يتعرض له من ضغوط، فضلا عن الخريطة الاجتماعية لشباب "الألتراس" والتي ترتكز على الطبقة المتوسطة وما دون المتوسطة، والأخيرة غالبًا لا تملك ما تخسره. كما أن اتخاذ إجراءات متشددة بشأن التشجيع في الملاعب أو منع روابط المشجعين من حضور المباريات، لا يقدم حلولا للمشكلة؛ إذ ينتقل ال*** مصحوبًا بالسخط إلى خارج الملاعب.

ويبدو أن اتخاذ وزارة الداخلية لقرارات شجاعة تتعلق بالاعتراف بتجاوزاتها، ليس في حق "الألتراس" فقط وإنما في حق المصريين عمومًا، هو نقطة البداية في التعامل البناء والمثمر مع جمهور المشجعين، "يجب أن تدفع الداخلية ثمن إهانتها للمصريين"، كما عبر أحد أعضاء "الألتراس".

ويظل من المفيد تعديل المنظور الذي تستخدمه السلطة، بل والأكاديميون، في الدراسة والتعامل مع مجموعات "الألتراس"، باعتبارهم شبابًا يمتلكون طاقات إبداعية تظهر في نشاطاتهم التشجيعية كتأليف الأغنيات وتصميم الدخلات والقدرة على الحشد والتنظيم، ويمكن احتواؤهم بشكل يعود بالنفع على اللعبة والمجتمع، وليس النظر لهم كفوضويين.

aymaan noor
29-04-2013, 08:13 PM
تحولات الشارع :
الأسئلة الثلاثة حول ظاهرة "الثائر" بعد عامين على الربيع العربي

http://rcssmideast.org/media/k2/items/cache/2e83d7bc595a142d5b8cc7504455fc0e_L.jpg
إيمان رجب

خلقت الثورات العربية ظاهرة لم يتوقع أحد تشكلها في المنطقة العربية، وهي ظاهرة "الثائر"، أو المتظاهر كما أطلقت عليها التايمز كشخصية لعام 2011، وترتكز هذه الظاهرة على قدرة الفرد على التأثير في مسار التطور السياسي للدولة، من خلال قدرته على التعبئة، وتحريك فئات مختلفة من الشعب، التي لا يجمعها إطار تنظيمي واضح المعالم، والتي يحركها كما رأينا في مصر وتونس وليبيا واليمن حالة من "الغضب" من الوضع السائد ومن ممارسات النظم الحاكمة، حتى إن الكثير من المحتجين أطلقوا على فعالياتهم الاحتجاجية يوم الغضب day of wrath، وتصدرت الصحف الغربية في تغطيتها للثورات العربية عناوين من قبيل الغضب العربي Arab Wrath، حيث غدا الثائر قوة تقود التغيير الثوري، وقوة لا يمكن إغفالها خلال المراحل الانتقالية.

وكان عدمُ توقع هذا التعاظم لقدرة الفرد على التأثير، مرتبطًا بما كان سائدًا من أفكار بين المحللين والأكاديميين في المنطقة، من قبيل سيطرة "الدولة البوليسية"، أو كما أطلق عليها تقرير التنمية البشرية العربية دولة "الثقب الأسود" على مناحي الحياة، وتقييدها الحريات، على نحو أدى إلى تجريف الحياة السياسية، ونشر الخوف من المعارضة والاحتجاج، مما أدى إلى اختفاء الشارع كقوة سياسية، فضلا عن عدم مبالاة جيل "البضع وعشرين والبضع وثلاثين" كما أسماهم توماس فريدمان، بالمشاركة في الحياة السياسية، حتى إن البعض تعامل معهم على أنهم في حالة من النوم، وهذا ما تعكسه عناوين الصحف في يوم 22 يناير 2011 في مصر على سبيل المثال، والتي نقلت عن صفحة خالد سعيد شعارات من قبيل "يلا يا شباب قوم وفوق".

أحوال " الثوار" بعد الربيع العربي

وتقدم متابعة أحوال "الثوار" في دول الثورات العربية، بعد مرور عامين على التغيير الثوري في المنطقة، إجابة على ثلاثة أسئلة رئيسية، تمت مناقشتها مع بعض شباب الثورة، وكل منها يكشف بُعدًا من أبعاد ظاهرة الثائر في الدول العربية، يتعلق السؤال الأول بمن أين أتى الثوار؟ هل هم من "الشارع" أم من الأحزاب السياسية؟.

كانت معظم الأحزاب والقوى السياسية التي كانت موجودة في عهد النظم السابقة أحزابًا "كرتونية" أضفت شرعية على النظم الحاكمة، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين، من خلال عدم تقديمها بديلا حقيقيًّا كقوى معارضة، وقبولها التفاوض مع النظام، وأحيانًا التماهي معه، حتى إن الحديث عن فكرة "الفلول" أو "بقايا النظام" كما في حالة مصر وتونس واليمن، يمكن أن تمس القوى التي أطلقت على نفسها "المعارضة" نظرًا لتعاملها مع النظم السابقة، ودخولها في صفقات معها. وفي ظل هذا الوضع، لم يكن متوقعًا أن تتحرك هذه الأحزاب لتثور على النظام.إلى جانب ذلك، سيطرت بعض الأفكار على المحللين العرب والغربيين حول الثوار، من قبيل أنهم "غير مسيسين" ولكن مثقفون، ولا يثقون في النظم الحاكمة.

ولكن من الواضح، أن قطاع الشباب داخل تلك المعارضة الكرتونية، والذي يمكن أن نطلق عليه جيل "مظاهرات انتفاضة الدرة"، كان غاضبًا من القيادات التقليدية في هذه الأحزاب بقدر غضبه ضد النظام، وهذا يفسر مشاركة شباب الوفد، رغم عدم رضا القيادات، وعدم توقيعهم على البيان الخاص بمظاهرات 25 يناير والذي نشر في الصحف المصرية في 23 يناير، ومشاركة شباب الإخوان في مظاهرات يوم 25 يناير 2011 رغم بيان الإخوان في 19 يناير 2011 والذي خاطبوا فيه النظام "لتهدئة الاحتقان داخل الشارع المصري" على نحو "يدعم الاستقرار في البلاد ويقي مصر من ثورةٍ شعبيةٍ ستكون أكثر ضراوة وأوسع أثرًا مما حدث في تونس الشقيق"، فضلا عن عدم رضا قيادات الجماعة عن تلك المشاركة. وهذا يعني من الناحية العملية، أن الشباب الذين قادوا الدعوة للثورة، كانوا على درجة من الوعي السياسي، الناتج عن تنشئتهم داخل أحزابهم السياسية، دون أن ينفي قدرتهم على حشد قطاعات من الشباب ومن الشعب غير المسيس.

وبعد تنحي مبارك كانت عودة الشباب إلى أحزابهم دون تغييرها تعتبر "ازدواجية" في التحرك، وتخليًا عن الزخم الثوري الذي خلقوه في الشارع، وقد ترجم هذا الإدراك إلى نوعين من التحرك، عبر عن النوع الأول تشكيل البعض تنظيمات مستقلة عن الأحزاب التقليدية مثل ائتلاف شباب الثورة وتنظيم شباب الثورة، ليعبر عن فكرة الثورة، وعن الطابع الشبابي لها، ولكن لم تستمر فاعلية هذه التنظيمات لأسباب تنظيمية، وأخرى مرتبطة بمواقف القوى الرئيسية التي تدير المرحلة الانتقالية.

الثوار ورفض الأطر التقليدية

وتمثل التحرك الثاني في محاولات نقل الثورة إلى داخل الأحزاب التقليدية، فبعد تنحي مبارك، استمر الشباب الثائر في رفض استمرار الأطر القديمة كما هي، فعلى سبيل المثال، طالب شباب الإخوان بالتغيير داخل الجماعة وبعقد انتخابات حرة لمكتب الإرشاد، وعقدوا مؤتمرًا في مارس 2011 لمناقشة مستقبل الجماعة، واستنادًا لتصريحات محمد مرسي الرئيس الحالي حين كان عضوًا في مكتب الإرشاد، فإن المكتب لم يسمح بعقد المؤتمر، ولم يقر إرسال ممثلين عنه، كما اتجه بعض الشباب لتشكيل أحزاب جديدة، بعد تنحي مبارك، مثل حزب الدستور والمصري الديمقراطي والمصريين الأحرار والتحالف الشعبي والتيار الشعبي.

وينصرف السؤال الثاني، إلى هل الثوار ثوار أم سياسيين؟، حيث يعني وصف "الثائر" التغيير الجذري، وأحيانا القبول بالنقيض حتى وإن لم يحقق أهداف الثورة، بينما يعني "السياسي" التفاوض والقبول بالاصلاح التدريجي، أي التخلي عن الثورة، وعادةً ما يعجز الثوار عن التفاوض، لأن منطق الثورة يقتضي التغيير الثوري، كما أن لديهم قناعة بأن عدم اكتمال الثورة نتيجة إعمال منطق التفاوض السياسي قد يؤدي إلى فشل الثورة، كما أن التفاوض السياسي يفترض الجمع بين "متناقضات"، وهي تحقيق غايات الثورة بآليات غير ثورية، مثل تشكيل أحزاب سياسية، وخوض الانتخابات، والالتزام بشرعية الدستور والصندوق، حتى وإن لم تتفق ومطالب الثورة.

وهذه الطبيعة الثورية للثوار، هي التي سمحت بتعبئة طوائف مختلفة من الشعب، من أجل الاحتشاد والمطالبة بإسقاط النظام في ميدان التحرير على سبيل المثال، رغم اختلاف الأهداف السياسية لمن ينتمي منهم لقوى سياسية بعينها، ولكنها لم تمكنهم من التأثير المنظم والمستمر في المرحلة الانتقالية.

والمشكلة، أن هناك دومًا قطاعًا من الثوار الذين يرفضون القبول بالطابع المرحلي للثورة، أو العمل بالآليات التقليدية لتحقيق مطالب الثورة وخاصة بعد النجاح في إسقاط النظام، مما يخلق عدم اتساق بينهم وبين السياق المحيط بهم، والذي بدأ يتغير ولا يتقبل تدريجيًّا فكرة استمرار الثورة إلى ما لا نهاية، لأسباب متعلقة بالتكلفة الاقتصادية للثورة، والتي لم يعد الشعب قادرًا على تحملها، ولكن من الواضح بداية تحول بعض الثوار إلى سياسيين.

ثائر حقيقي أم مصطنع

وينصرف السؤال الأخير إلى ما إذا كان الثائر الذي نقلته وسائل الإعلام حقيقيًّا أو مصطنعًا؟ ، فجزء من مشكلة تحديد من هو الثائر الذي قاد الثورة في مصر واليمن مثلا مرتبطة بالعقلية الإعلامية التي سعت دومًا للبحث عن شخص ما، شاب في العشرينيات أو بداية الثلاثينيات، مثل وائل غنيم في مصر، وتوكل كرمان في اليمن، ثم صدر الإعلام أيقونات ثورية أخرى، وتفيد شهادة العديد من النشطاء الثوار أن هؤلاء لم يعبروا عن القوى الثورية، ولم يلعبوا دورًا رئيسيًّا في الدعوة للثورة، وأنهم صنيعة الإعلام.

وكان هذا التوجه يعكس سيطرة العقلية القديمة لفهم التحول الثوري الذي تشهده الدول العربية، ويقلل من أهمية التغيير الذي ستحدثه هذه الثورات فيما تراكم من أدبيات نظرية عن الثورات في العالم، فلا الثورة التي شهدتها هذه الدول مثل الثورة الإيرانية بحاجة إلى قائد ديني، ولا هي مثل ثورة بوليفيا بحاجة لشيه جيفارا واحد ليقودها، فهذه الثورات متعددة الرءوس ومتعددة القيادات، وكل شخص بفضل التكنولوجيا الحديثة أصبح قادرًا على التأثير والدعوة للتظاهر والحشد، دون الكشف عن هويته الحقيقية، وبالتالي فالحديث عن قائد واحد فيه تبسيط مخل بالثورات العربية.

ولا تزال ظاهرة الثائر مستمرة في دول الثورات العربية، ربما على نطاق أقل اتساعًا مما كانت عليه مطلع عام 2011، وربما تستمر بآليات مختلفة، يغلب عليها ال*** أحيانًا كما تعبر عن ذلك ظاهرة "بلاك بلوك"، وهو ما يُكسب طابع التحول لهذه الظاهرة، ويخرجها عن طابعها السلمي الذي سيطر عليها طوال الفترة الماضية.

aymaan noor
29-04-2013, 11:37 PM
البلاك بلوك نموذجاً:
المسارات المحتملة للحركات الفوضوية العنقودية في مصر

http://rcssmideast.org/media/k2/items/cache/b84c5756f6a889fa332015e4458021f9_L.jpg
محمد عز العرب

إن واحدةً من الظواهر التي تشكلت في مصر خلال الأيام القليلة الماضية هي ظهور حركات مجتمعية جديدة، تعتبر أحد أبرز اللاعبين الأساسيين في عـنف الشارع، كنمط مختلف لتحدي السلطة، يعبر عن "فكرة" وليس "تنظيما"، بل هي قائمة على عدم التنظيم، وإخفاء الهوية، وتجنب الإفصاح، من خلال تكوين مجموعات عنقودية منفصلة، ويتراوح أعدادها بين 10 و100 في وقفة احتجاجية في بقعة جغرافية بحسب مقدرة كل مجموعة على اجتذاب الأشخاص، بشرط ضمان الثقة في الأعضاء الجدد، وفقًا لكلمات "كودية" تتغير بشكل متواصل، وذلك بغرض عدم السيطرة عليها، أو تفتيت القدرة على حلها إذا لحق ضررٌ بعدد من أعضائها، عبر تكتيكات عدائية مختلفة مثل الاشتباك مع أجهزة الأمن، وقطع الطرق والكباري وخطوط المترو، وإعاقة حركة المرور، واقتحام المحاكم، ومقرات المحافظات، والمجالس المحلية، وإحراق بعض الأقسام، وعدد من مقرات الإخوان المسلمين.

والحقيقة أن من المبكر الحديث عن عـنف مجتمعي قد يكون عابرًا وليس بنائيًّا أو هيكليًّا في إطار مجموعات أو حركات تحمل ملامح "ظاهرة قيد التشكل" بسبب ندرة ما كتب عنها وغياب جهد بحثي وصحفي بشأن الاقتراب من أعضائها، غير أنه يمكن الاعتماد على بعض المصادر الأولية، سواء المكتبية أو الإلكترونية أو الميدانية التي تعاملت مع تلك الحركات كفاعل جديدٍ وافد على تفاعلات الثورة المصرية، والتي ربما تنتقل بتأثيراتها على تفاعلات القوى السياسية والمجتمعية خلال المرحلة المقبلة.

الكتلة السوداء

فقد شهدت عدة محافظات مصرية كالقاهرة والإسكندرية والمنوفية والشرقية والغربية والدقهلية وكفر الشيخ ودمياط وأسيوط وسوهاج والبحر الأحمر، بروز مجموعات شبابية ثورية حديثة النشأة ومختلفة الهوية، تطلق على نفسها "بلاك بلوك" أو "بلاك ماسك" أو "الكتلة السوداء" Black Blocks، ويتراوح أعمار المنتمين إليها ما بين 18 إلى 30 عامًا. ويرتدي الأعضاء في تلك المجموعات زيًّا موحدًا وهو ملابس وأقنعة سوداء، ربما لإيصال فكرة الحداد على شهداء الثورة، أو للتعبير عن الهوية الخاصة من خلال التمييز بالملابس، أو كنوع من إنكار الذات لواجبٍ يقتضي عمله، وفي بعض الأحيان يرتدون خوذات الدراجات النارية، بما يسهم في إخفاء ملامح وجوههم وهوياتهم، ويمسكون الأعلام السوداء بجانب علم مصر، حيث يرفعون شعارًا محددًا وهو BB Revolution، أي أن الثورة المصرية لم تنتهِ بل لها موجات أخرى.

لا توجد إحصاءات دقيقة بشأن أعداد المنطوين داخل هذه المجموعات، بل تُشير التقديرات إلى أنها تتراوح بين 150 فردًا في حدها الأدنى و800 في حدها الأعلى. ويقوم بعضهم بمهمة أقرب إلى اللجان الشعبية التي عليها تأمين الميدان من المتسللين والمندسين والبلطجية، وخاصةً في لحظات "التصعيد الكبرى" وفقًا لرؤيتهم. وعلى الرغم من أن المنتمين لتلك الحركات يتسمون بالاستقلال، إذ لا توجد لديهم انتماءات سياسية وأيديولوجية ولا يرتبطون بأطر حزبية؛ فإنه انضم إليهم بعض شباب حركة 6 إبريل السابقين، فضلا عن شباب مشجعي النادي الأهلي "ألتراس أهلاوي" ونشطاء في الحركات اليسارية. ووفقًا لبياناتهم المختلفة فإن "فرسان الظلام" لا تجمعهم هيئة تنظيمية محددة، ولا يمتلكون مقرًّا، بل يتخذون من المقاهي في وسط العاصمة مكانًا للالتقاء ببعضهم، مع الالتزام بالسرية في تحركاتهم الميدانية. فالمنخرطون في المجموعة أو الكتلة يختلطون -في كثير من الأحيان- مع مجموعات أكبر من المتظاهرين، وبعدها ينفصلون عنها، ويمسكون بأذرع بعضهم بعضًا ويندفعون إلى الشوارع، لتوصيل رسالتين هما: كبر العدد، والتكتل الموحد، والتي تمثل الهوية الجمعية لأعضاء هذه الحركات العنقودية.

البيئة القاعدية

إن هذا النمط من المجموعات الشبابية لا يعتبر ظاهرةً مصرية خاصةً بقدر ما يعبر عن واحدة من ملامح الظواهر الاحتجاجية المعروفة في عدد من دول العالم منذ عقود، إذ إن منشأ الظاهرة ألماني، وتطورها أوروبي، وتجليها أمريكي، وأحدث إصداراتها مصري. فقد استلهمت هذه الحركات السياق الاحتجاجي الغربي الذي ولدت فيه حركات احتجاجية تحمل ذات الاسم في دول مثل ألمانيا واليونان، وسرعان ما امتدت إلى الولايات المتحدة وخاصة في مظاهرات سياتل المناهضة للعولمة والرأسمالية الغربية "المتوحشة" في عام 1999، إذ تعتبر هذه الحركات نوعًا من الاحتجاج عن طريق التظاهر بشكل مختلف، حيث تعتمد على تكتلات صغيرة لا تعرف بعضها، ولا توجد بينها صلة.

غير أنها تلتقي في نقاط تجمّع محددة، وتهدف تظاهراتها إلى تدابير هجومية على الشركات والبنوك ومحطات البنزين وكاميرات فيديو المراقبة في الشارع، وتقديم الإسعافات الأولية للأشخاص المتضررين من الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي، ومحاربة قوات الأمن عن طريق بناء المتاريس. وبالتالي، فإن التوصيف الشائع لتلك الحركات في الخارج هو الحركات "الفوضوية" أو "الأناركية"، بسبب تعاملها ككتلة واحدة لمواجهة قوات الأمن، ومنعهم من اختراق المظاهرة، أو القبض على المحتجين، رغم إتلافهم ممتلكات عامة وخاصة.

اقتراب الفرصة

لذا يحرص أعضاء هذه الحركات في مصر على التأكيد على أنهم ليسوا صناعةً غربية، ولا يخدمون أجندات خارجية، وإنما يعبرون عن أوجاع مجتمعية محلية ثورية. وفي هذا السياق، تزامن ظهور أعضاء هذه المجموعات، وفقًا لما يسمى في أدبيات الاجتماع السياسي بـ"اقتراب الفرصة"، خلال التظاهرات والاحتجاجات التي غطت أنحاء البلاد في الذكرى الثانية لثورة 25 يناير. فقد نظموا العديد من الوقفات الاحتجاجية في وسط العاصمة المصرية، رافعين لافتات مكتوبًا عليها "القصاص بأيدينا فنحن نسيج من دماء الشهداء".

كما قاموا بقطع كوبري 6 أكتوبر في القاهرة، وقطع طريق ترام المدينة بالإسكندرية، وكذلك أعلى كوبري استانلي، وهددوا بإشعال النيران بمقر مجلس الشورى، فضلا عن الإعلان عن مسئولية حرق بعض مقار جماعة الإخوان المسلمين، ووجود احتمال تورطهم في حرق الجزء الخلفي للمجمع العلمي، مع التهديد بإحراق المتحف المصري، ومجمع التحرير الإداري، وهي التحركات التي تحاول هذه المجموعات من خلالها إثبات أن لها أدوارًا ميدانية وليس مجرد مقاومة إلكترونية على الإنترنت، أو على نحو ما وصفه شباب البلاك بلوك أنفسهم بأنهم "درع وسيف".

إن الظهورَ العنيف لتلك المجموعات يعبر في أحد أبعاده عن رد فعل طبيعي للتهديدات التي يعبر عنها بعض شباب الإخوان المسلحين من "الفرقة 95" الذين ينقلون في وسائل الإعلام جاهزيتهم للانقضاض على أعداء تنظيم الإخوان بزعم حماية الثورة. ووفقًا لذلك؛ هناك من يعتبرهم "الميليشيات الثورية" التابعة لجبهة الإنقاذ أو التيار الشعبي "حماة الثورة" لمواجهة ميليشيات الإخوان المسلمين، فضلا عن استعراض القوة من جانب بعض ممثلي تيار الإسلام السياسي مثل أنصار حازم أبو إسماعيل، وعاصم عبد الماجد، وطارق الزمر.

لذا، فإن أحد أبرز أهداف هذه المجموعات -وفقًا لما جاء في بيانهم الأول على موقع "اليوتيوب"، بتاريخ 23 يناير الجاري- يتمثل في مواجهة جماعة الإخوان المسلمين وأي جماعة تستغل الدين من أجل تحقيق أهداف سياسية خاصة، حيث "تسعى لتحرير الإنسان، وهدم الفساد، وإسقاط الطاغية الفاشية"، والتي يقصد بها جماعة الإخوان المسلمين بذراعها العسكرية. ورغم إعلانهم عدم التعرض لرجال الشرطة أو الجيش نهائيًّا؛ حذر البيان وزارة الداخلية من التدخل لتوقيفهم، إذ قالوا "إنهم لن يتهاونوا في الرد على وزارة الداخلية إذا ما واجهتهم لدى محاولتهم إسقاط الفاشية".

ومن ثمَّ، لم يكن غريبًا أن تطلق على نفسها "المجموعات الانتحارية للقصاص للشهداء"، نظرًا لفشل نظام الحكم الجديد في التعبير عن روح وأهداف الثورة التي ضحى من أجلها ما يزيد عن 800 شهيد، وهو ما برز في الشعارات التي رفعتها "هما اتنين ما لهمش أمان.. حكم المرشد والإخوان" و"بيع بيع بيع الثورة يا بديع" و"ثوار أحرار هانكمل المشوار". واللافت للنظر أن هذه الحركات رفعت شعارات غريبة مثل "التخريب هدفه مصلحة البلد" و"هتبقى فوضى" و"نحن فوضى تمنع الفوضى"، وهو ما يحمل المعنى ونقيضه معًا، لأن هناك ضرورة -وفقا لوجهة نظرهم- لمحاربة نظام قمعي وسياسة مستبدة لا تختلف عن سياسات مبارك، غير أن الفوضى لا يمكنها أن تصنع إلا قلاقل داخلية، وحروبًا أهلية، وصراعات عنيفة.

مسارات مختلفة

لا يوجد مستقبل واحد لظاهرة البلاك بلوك في مصر، وإنما هناك عدة سيناريوهات، على النحو التالي:

أ- سيناريو الأفول. يستند هذا السيناريو إلى الطبيعة غير التنظيمية الدقيقة، والعشوائية في الممارسة، وعدم التشابه في التوجهات السياسية والفكرية، فضلا عن تعرض أعضاء هذه المجموعات بصورة متقطعة لاتهامات مختلفة، تصب في مجملها في اتجاه تشويه السمعة، والنيل من المكانة، على الرغم من النفي المتكرر لها. فقد انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي أنباء عن انتماء المدونة العارية علياء المهدي للبلاك بلوك، وهو ما نفاه الأعضاء.

على جانب آخر؛ يشير البعض إلى أن المحرك الرئيسي لمجموعة "البلاك بلوك" هو الناشط القبطي "شريف الصيرفي" أحد القيادات المهمة فيما يطلق عليه "الكتيبة الطيبية" التي ترعى بعض أنشطة الكنيسة، وتصوير أعضاء تلك المجموعات بأنهم "جماعة قبطية" أو "نصارى"، وفقًا لما يراه المركز الإسلامي لمكافحة التنصير، على الرغم من النفي المتكرر لذلك. أضف إلى ذلك، بدء التشديد الأمني في التعامل معهم؛ حيث تم إلقاء القبض على أحدهم بتهمة حيازة أسلحة نارية، أو التعدي على مأمور قسم قصر النيل. كما تقدم المحامي عابد مطاوع، في 27 يناير الجاري، ببلاغ للنائب العام المستشار طلعت عبد الله، ضد حركة "بلاك بلوك"، يتهمهم فيه بقلب نظام الحكم، أو إثارة الفتنة، والسعي لهدم مؤسسات الدولة ونشر الفوضى في ربوع البلاد، والاعتداء على أبناء الشعب.

ب- سيناريو الانتشار. إن هذا السيناريو يفترض قيام هذه المجموعات بحركات تصعيد سواء ضد جماعة الإخوان أو أجهزة الدولة، لا سيما في ظل الاحتقان الداخلي في مصر، وهو ما يعبر عن ترجمة لشعار رفعته "احنا فيروس يصيب مصر". ووفقًا لهذا السيناريو، فإن مجموعات البلاك بلوك لا يمكن التقليل من خطورتها، على نحو ما يعتبره محمد طوسون رئيس اللجنة التشريعية في مجلس الشورى "ظاهرة وهمية لإرهاب المواطنين"؛ إذ تكمن خطورتها في الأثر الانتشاري لهذه المجموعات التي تتعامل مع الوضع الداخلي في مصر وكأنها جماعات أو حركات أو جماعات فوق الدولة، إن لم تكن هي الدولة ذاتها التي تمتلك الاحتكار، أو الاستخدام الشرعي للقوة، وخاصة مع رخاوة الدولة في مصر، والتي يتوقع أن تصل إلى حالة "الدولة الفاشلة" في المرحلة المقبلة؛ إذ إن بعض العاملين في أجهزة الأمن لا يريدون فتح مجالات جديدة للثأر منها، على نحو ما تعبر عنه المؤشرات التالية:

- تداولت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لمجموعة من الرجال الملثمين الذين يحملون أسلحة أطلقوا على أنفسهم مجموعة "كتائب مسلمون"، وأكدوا عدم تبعيتهم لحركة "حازمون" أو الإخوان المسلمين أو السلفيين، ووجهت هذه المجموعة تهديدات بالاغتيال لكل من أطلقت عليه يجول برأسه تقسيم مصر، أو الإضرار بمنشآتها، أو من يحاول إسقاط نظام الحكم، أو مواجهة الدولة الإسلامية في مصر. كما حذرت ما أطلقت عليهم "الإعلاميين مثيري الفتنة". فضلا عن بروز نسبي لما يسمى بـ"شباب الإيجلز"، دون تحديد دقيق للاختلافات الجوهرية بينهم وبين البلاك بلوك.

- دشنت مجموعة من العاملين في قطاع الكهرباء صفحة "بلاك بلوك كهرباء" على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، رافعين شعار "المجد للمشاغبين"، حيث يسعى ما يقرب من 160 ألف عامل لتوحيد المزايا والحوافز والبدلات بين شركات التوزيع والنقل والإنتاج، وإقرار حد أدنى للأجور، وغيرها من الإجراءات التي تهدف إلى استرداد ما وصفوه بالحقوق المنهوبة.

- أصدر ائتلاف "معدومي الدخل والعاطلين" بالأقصر بيانًا في 26 يناير الجاري دعا فيه كافة القوى الثورية إلى بدء المقاومة المسلحة ضد لواءات الداخلية، وميليشيات جماعة الإخوان المسلمين في كل المحافظات.

ج- سيناريو التذبذب. بحيث تشبه هذه المجموعات "ثورات البراكين"، التي تظهر أحيانًا وتختفي أحيانًا أخرى متى توافرت البيئة السياسية والأمنية والاقتصادية بل والقانونية المهيئة لظهورها في البلاد، على نحو ما برز في حمل بعضهم أمام مجلس الشورى لافتة دون عليه "المرحوم دولة القانون". وفي هذا السياق، تكون مجموعات "البلاك بلوك" أصغر مواليد دولة غياب القانون في مصر.

وبناء على هذا السيناريو؛ قد تقوم أجهزة الدولة بتتبع بعض العناصر المنتمية لتلك المجموعات، ولكنها لا تصل إلى كل أفرادها التي قد تستقوي بمجموعات إجرامية وفوضوية تسهم في إنهيار الدولة، لتمثل البلاك بلوك تحولا في مسار المعارضة الثورية في مصر.

aymaan noor
30-04-2013, 08:54 AM
ثورات صغيرة:
أبعاد وتداعيات موجة الاحتجاجات الفئوية في مصر

http://rcssmideast.org/media/k2/items/cache/4e0d2946bafc44e656cf2886c0b75bb2_L.jpg
محمد عبد الله يونس

ارتبط تصاعد وتيرة الحراك الاجتماعي في دول الإقليم بموجة عاتية من الاحتجاجات الفئوية لا تستهدف إسقاط النظم الحاكمة بقدر ما تمثل ثورة على مؤسسات الدولة مع احتدام التناقضات بين المطالب المجتمعية المتصاعدة والقدرات الاستيعابية المحدودة لتلك المؤسسات، في خضم أزمات تخصيص الموارد، وتوزيع المنافع الاجتماعية، واستنزاف الموازنة العامة

، وفي هذا الصدد لم يكن الحراك الاجتماعي مقصورًا على دول الربيع العربي؛ إذ شمل دولا عديدة، لا سيما الكويت والمغرب مع ارتفاع معدلات التضخم، والأردن والضفة الغربية عقب رفع أسعار الوقود، بيد أن موجةً جديدةً من الاحتجاج الاجتماعي قد تفجرت في مصر في الآونة الأخيرة، بما يثير تساؤلات متعددة حول خصائصها وأسبابها كبادرة لظاهرة إقليمية صاعدة، وإلى أي مدى يمكن للنظام الحاكم احتواؤها.

خصائص موجة الاحتجاجات الفئوية

تتشابه موجة الحراك الشعبي الأخيرة مع مقدمات الثورات العربية؛ إلا أن تركيزها ينصب على مطالب اجتماعية واقتصادية كنتاج لعقود من اختلال التوازن الاجتماعي، وانسداد الأفق، والتهميش، بما أدى إلى فوران مجتمعي في ظل سياق سياسي مواتٍ عقب زوال القيود السلطوية، وفي هذا الإطار تمثلت الخصائص العامة لموجة الاحتجاجات الفئوية فيما يلي:

1- اتساع النطاق: حيث شهدت مختلف القطاعات الحكومية والأهلية والخاصة في الآونة الأخيرة احتجاجات فئوية بدرجات متفاوتة، بداية من اعتصام المضيفين الجويين في مطار القاهرة، وتعطيل حركة الملاحة الجوية في 7 سبتمبر الجاري، مرورًا بإضراب موظفي الجامعات المصرية في 15 سبتمبر، بالتوازي مع إضراب واسع النطاق في هيئة النقل العام في العاصمة، وإضراب أوسع نطاقًا للمعلمين في المدارس الحكومية، واعتصام بعضهم أمام مبنى مجلس الوزراء، وانتهاء بإضراب سائقي الأجرة، وموظفي وزارة الآثار في 17 سبتمبر، واعتصام طلاب وأساتذة جامعة النيل احتجاجًا على نزع ملكيتها.
http://rcssmideast.org/images/e1.png
2- سرعة الانتشار: يأتي السكون المرحلي في الاحتجاجات الفئوية متبوعًا بانفجارها بصورة أكثر حدة؛ حيث رصد المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في إحصائية صادرة في 20 سبتمبر تصاعد عدد الاحتجاجات خلال الفترة المنقضية من شهر سبتمبر إلى 300 نشاط احتجاجي في أعلى معدل منذ بداية العام الحالي، وامتدت الاحتجاجات إلى قطاعات سيادية مثل احتجاج ضباط الصف بالقوات المسلحة، وقطعهم الطريق الدائري في 12 سبتمبر، واعتصام مجندي سجن قنا، واحتجاج العاملين بهيئة الطاقة الذرية بمفاعل أنشاص والعاملين بالمصانع الحربية في 16 سبتمبر الجاري.

3- التركز في القطاع الحكومي والحضر: تركزت غالبية الاحتجاجات الفئوية في القطاعين الحكومي والأهلي في النصف الأول من شهر سبتمبر نتيجة اتساع نطاق المطالب الاقتصادية والاجتماعية مع امتداد الاحتجاجات إلى قطاعات جديدة مثل طلاب الجامعات الخاصة الرافضين لرفع المصروفات وملاك سيارات الأجرة المعترضين على دفع مخالفات المرور.
http://rcssmideast.org/images/e12.png
وعلى مستوى التوزيع الجغرافي فإن محافظة القاهرة ومحيطها الجغرافي شهدت العدد الأكبر من الأنشطة الاحتجاجية، تليها المحافظات الحضرية؛ غير أن ذلك لم يمنع امتداد آثارها وبصورة متفاوتة في الكثافة والحدة إلى محافظات أخرى.
http://rcssmideast.org/images/e123.png
4- تصاعد احتمالات العـنف: انعكس الاحتقان الاجتماعي وإحباط ثورة التوقعات الثورية في تصاعد وتيرة العـنف الذي يتخلل الاحتجاجات الفئوية، فإحصاءات وزارة الداخلية الصادرة في 21 سبتمبر الجاري أكدت تصاعد أعمال العـنف الاحتجاجي خلال 48 يوما مضت إلى 80 حالة قطع طرق، و60 حالة تعطيل سكك حديدية، والقبض على 642 من مثيري الشغب الاحتجاجي، واتضحت مؤشرات العـنف في تهديد المعتصمين بإحراق شركة بتروجيت، واقتحام وزارة الزراعة من جانب العمال المؤقتين، وإغلاق بعض الجامعات من قبل المعتصمين والاشتباك مع الأمن.

أسباب تصاعد الاحتجاجات الفئوية

ترتبط الموجة الاحتجاجية المتصاعدة في مصر بمطالب ثابتة من مختلف القطاعات تتمثل في تعديل جداول الأجور والعوائد المالية، وتثبيت العمالة المؤقتة، وتعيين بعض الكوادر، وتطهير المؤسسات من قيادات النظام السابق، بيد أن الأسباب الرئيسية الدافعة للاحتجاجات تمثلت فيما يلي:

1- تردي أداء الاقتصاد: تؤكد مختلف المؤشرات الاقتصادية أن الاقتصاد المصري يمر بمرحلة عصيبة في الفترة الأخيرة؛ حيث ارتفع عجز الميزان التجاري بنسبة 47.9% خلال العام الجاري، وتراجع معدل نمو الاقتصاد المصري إلى 2.2%، مع تصاعد معدلات البطالة بنسبة 13%، ومعدلات التضخم بنسبة 9%، وارتفاع عجز الموازنة العامة إلى 170 مليار جنيه بنسبة 25% بما أدى إلى تراجع قيمة الجنيه المصري إلى أدنى مستوياته منذ 7 سنوات.

2- إعادة الهيكلة الاقتصادية: أدى اتجاه الحكومة المصرية لاقتراض 4.8 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي لطرح برنامج لإعادة الهيكلة الاقتصادية، وتقليص الإنفاق الحكومي، بما أدى إلى ارتفاع مفاجئ في الأسعار، وخاصة أسعار الوقود والسلع الغذائية بنسب تتراوح بين 15% و45% و120%، وارتبط ذلك بأزمات نقص في مختلف السلع الحيوية في ظل تأخر وفاء الرئيس مرسي بتعهدات برنامجه الانتخابي في أول مائة يوم بالرئاسة، لا سيما القضاء على أزمات المرور والطاقة وارتفاع الأسعار.

3- استغلال السياق السياسي: ارتبط امتداد المرحلة الانتقالية وعدم حسم معادلات السلطة بإقرار الدستور، وتأجيل إجراء الانتخابات البرلمانية بإدراك المواطنين لوجود فرصة سياسية مرتبطة بإعادة صياغة العقد الاجتماعي الحاكم لعلاقة الدولة بالمجتمع وسقوط القيود السلطوية والاستجابة الحكومية للاحتجاجات الفئوية على مدار المرحلة الانتقالية، بما شجع قطاعات أخرى في الانخراط بالحراك الشعبي حتى لا تتعرض للتهميش أو الغبن الاجتماعي في ظل ثورة الآمال والتوقعات كأحد خصائص حالة اليوتوبية الثورية المسيطرة على المجتمع.

4- الاستقطاب السياسي: انعكس احتدام التناقضات السياسية بين التيارات المدنية المعارضة ونظيرتها الإسلامية قبيل الانتخابات التشريعية في دعم أنشطة الاحتجاج الاجتماعي، والتنديد باستخدام القوة في التصدي لها، فاحتجاجات الموظفين في بعض الجامعات ارتبطت بتحفيز الاشتراكيين الثوريين والحزب الشيوعي، كما شارك الحزب الاشتراكي المصري في تنظيم احتجاجات الفلاحين بالنوبارية، واعترضت مختلف الأحزاب المدنية على فض اعتصام جامعة النيل بالقوة، وفي السياق ذاته فإن الحراك النقابي يُعد أحد محفزات تصاعد الاحتجاجات الفئوية، فالنقابة المستقلة للمعلمين تقود تنظيم الإضرابات المتوالية، وعلى النهج ذاته تقوم جمعية "أطباء بلا حقوق" بتنسيق الإضرابات الجزئية للضغط على الحكومة لتعديل هياكل الأجور.

مستويات تأثير الاحتجاجات الفئوية

أدى تصاعد وتيرة الاحتجاجات الفئوية إلى استنزاف موارد مؤسسات الدولة وعجزها عن أداء وظائفها، فاعتصام المضيفين الجويين بمطار القاهرة ترتب عليه خسائر تقدر بحوالي 50 مليون جنيه، فضلا عن أن الاستجابة الحكومية المتتالية لمطالب رفع الأجور أدت إلى تصاعد الإنفاق الحكومي إلى 533 مليار جنيه مع ارتفاع الرواتب في الموازنة إلى 136 مليار جنيه بنسبة 25% بما ترتب عليه ارتفاع عجز الموازنة، وتراجع قيمة الجنيه المصري، وتأزم أوضاع الاقتصاد.

وإدراكًا لخطورة الاحتجاجات الفئوية وتقويضها ركائز مؤسسات الدولة، تغير نهج الحكومة في التعامل معها، وهو ما بدت مؤشراته في استخدام القوة لفض خمسة اعتصامات يوم 17 سبتمبر، أهمها اعتصام سائقي النقل العام في المظلات، وطلاب جامعة النيل والمعلمين أمام مقر رئاسة الوزراء، بينما تمثلت الآلية الثانية في تجاهل الاحتجاجات الفئوية، ورفض الاستجابة لها، وهو ما بدا في رفض وزير المالية تحمل أي زيادة جديدة في رواتب المعلمين؛ إلا أن التسويات المؤقتة الآنية لا تزال النهج المسيطر على أداء الحكومة، وخاصة الوعود بدراسة المطالب، والتفاوض بشأنها.

وإجمالا تحكم سيناريوهات عديدة مآلات الاحتجاجات الفئوية في مصر. أولها يتمثل في الاستمرار في نهج الاستجابة الجزئية والحلول المؤقتة بما سيؤدي إلى مزيدٍ من العجز المالي، وتفجر مزيد من الاحتجاجات. وثانيها يتمثل في تجاهل الاحتجاجات بما سيؤدي إلى تحولها نحو ال***، وربما موجة ثورية جديدة. ويتمثل السيناريو الثالث في استخدام ال***، وعودة القيود السلطوية، بما سيحقق استقرارا هشًّا يُنذر بتفجر جديد للأوضاع. أما السيناريو الرابع والأمثل فيتمثل في حشد قطاعات المجتمع خلف برنامج تنموي واضح يتضمن تسوية كاملة للمطالب المجتمعية، ومد قنوات فعالة لاستقبال مطالب المحتجين، والتعامل معها بكفاءة.

aymaan noor
30-04-2013, 01:39 PM
مقاتلو الشوارع:
استشراء العـنف والتحولات النفسية للمجتمع المصري

http://rcssmideast.org/media/k2/items/cache/d7e3ca5cbffab97634af0e92f7679a11_L.jpg
السفير د.عزمي خليفة

جرمت الديانات السماوية والمواثيق الدولية العـنف والتـعذيب، فالوصايا العشر التي نزلت على نبي الله موسى عليه السلام حرمت العـنف والإيذاء صراحة، وقد ظلت هذه الوصايا العشر جوهرًا للمسيحية ثم الإسلام فيما بعد، كذلك حرمت المواثيق الدولية في أعقاب الحرب العالمية الثانية التعـذيب والعـنف. فقد اهتم ميثاق الأمم المتحدة بالتركيز على تحريم الحروب، والتأكيد على أهمية حل المشكلات الدولية بالطرق الودية عن طريق التفاوض والتحكيم والتوفيق، مؤكدًا إقامة العلاقات الدولية وفق الطرق السلمية، واستكمل الميثاق هذه الأساليب الودية باتفاقات جنيف الأربعة عام 1948 الخاصة بتنظيم العلاقات بين الدول المتحاربة، والتي نظمت معاملة الأسرى والجرحى وتبادلهم، فكانت هذه الاتفاقات نقلة موضوعية في مجال العلاقات الدولية بتقنينها حقوقًا لهم ينبغي تمتعهم بها، والتزامات على الدول تجاههم ينبغي عليها التقيد بها.

وفي منتصف السبعينيات من القرن العشرين، ومع تطور وسائل الإعلام -وخاصة المرئية منها- تطورت العلاقات الدولية مرة أخرى لتجعل من حقوق الإنسان مجالا من مجالات اهتماماتها، بعد أن كان هذا الحقل من الاختصاصات الداخلية للدول نتيجة خضوع العلاقة بين الدولة ومواطنيها لمبدأ السيادة، واشتد الجدل بين الولايات المتحدة من جانب والاتحاد السوفيتي من جانب آخر بشأن أسلوب التعامل مع المنشق السوفيتي حينذاك سولجـنستين إلا أنه وبدءًا من منتصف التسعينيات تأكد أن حقوق الإنسان موضوعٌ عالميٌّ، وبخاصة بعد بلورة القانون الإنساني، وتطوير مواثيق الأمم المتحدة بشأن المرأة والطفل، وحقوق الإنسان عامة، وقيدت بالفعل سيادة الدولة على مواطنيها، وأضحى الفرد -إلى جانب الدولة- أساسًا لتحليل العلاقات الدولية.

ولم تكن مصر بعيدة عن هذه التطورات، خاصة وأنها عانت في حروبها مع إسرائيل من عدم تقيد الأخيرة بالمواثيق والاتفاقيات الدولية فيما يتعلق بمعاملة الأسرى والجرحى، وفيما يتعلق باستهدافها أهدافًا مدنية كالمصانع والمدن والمدارس، وبخاصة خلال حرب الاستنزاف وخلال حرب 1973 وبعدها مباشرة.كذلك من المهم الإشارة إلى أنه بالرغم من تطور الفقه الدولي تطورًا كبيرًا في مختلف الميادين تقريبًا خلال العقد الأخير من القرن العشرين، والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين؛ فإن القضاء الدولي كان معدل تطوره أقل بكثير من تطور الفقة الدولي، مما ساهم في إيجاد فجوة بين النظريات والأفكار والمبادئ التي تقوم عليها هذه المواثيق خاصة والعلاقات الدولية عامة وبين الأدوات اللازمة لتحقيق المُثُل العليا التي يستهدفها النظام العالمي، وهو اتجاه امتد أيضًا للفقه والقضاء الداخلي في كل دولة على حدة، في مرحلة اتسمت بالتغييرات السريعة عادة والمتناقضة أحيانًا مما ساهم في ترتيب نتائج غير متوقعة في كثير من الحالات في العديد من الدول والمجتمعات.

نتائج عير متوقعة

إحدى هذه النتائج غير المتوقعة التي شملت العديد من المجتمعات ومنها المجتمع المصري هي تعرضه لحالة من العـنف غير المبرر، التي أدت بدورها إلى حالة من الاكتئاب الجماعي، خاصة وأنه مجتمع يلعب الدين فيه دورًا محوريًّا منذ قديم الأزل، بكل ما تعكسه الأديان من قيم تحض على الاعتراف بالآخر، وحرية العقيدة، وحرية التفكير، واحترام النفس البشرية التي كرمها الله بحملها الأمانة، وهي قيم تتعارض جذريًّا مع العـنف والاكتئاب.

وقد بدأت موجة العـنف هذه على استحياء بظهور جرائم بشعة في عقد التسعينيات، إلا أن معدل تكرار هذه الجرائم آخذ في التزايد، وقد ربط باحثون بين زيادة المعدل من ناحية وتزايد معدل البطالة والفقر في المجتمع المصري من ناحية أخرى، كما ربط باحثون آخرون بين انتشار هذه الجرائم والتدين الشكلي الناتج عن عملية تديين الدولة نفسها وليس الأفراد، إلا أن ثورة 25 يناير 2011 جاءت خلافًا لكل التوقعات التي تنبأت بثورة جياع عنيفة، فإذا بالثورة هادئة وسلمية، ويقودها شباب متعلم يتقن استخدام تكنولوجيا العصر، الا أنه منذ انتخابات الرئاسة عادت موجة ال*** للظهور في المجتمع المصري مرة أخرى.

سمات العـنف في مصر

هذه الموجة الحالية للعـنف في تصاعد مستمر بحكم مؤشرات كمية ونوعية عديدة، غير أنها تتسم بسمات ينبغي أخذها في الاعتبار، ولعل أهم هذه السمات:

أولا: أنها موجة ضد مؤسسات في الدولة أو تيار سياسي بعينه أو مدن كاملة، ولم يعد العـنف موجهًا ضد أفراد، ولكنه أضحى عـنفا جماعيًّا. فقد لاحظنا محاصرة المحكمة الدستورية، ومدينة الإنتاج الإعلامي، ومكتب النائب العام الجديد، ومحاولة إحراق دور بعض الصحف، ومقار بعض الأحزاب السياسية، وبعض مؤسسات الدولة، كما استمر استخدام العـنف كوسيلة لفض التظاهرات والاعتصامات، إلى درجة أنه ميز العلاقة بين الشرطة والشعب عامة، وتجسد هذا بصفة خاصة في العلاقة بينها وبين سكان بعض المدن والمحافظات في مصر مثل بورسعيد والدقهلية والغربية والسويس والإسماعيلية.

ثانيًا: أن هذه الموجة من العـنف أضحت أكثر علنية من سابقيها، مما يدل على تحولات نفسية لتعايش المجتمع المصري مع العـنف، وتراجع دور المعايير، فالملاحظ أن ممارسة العـنف فيما مضى كانت تتسم بالسرية والإنكار، فحتى في حالات ضبط إنسان متلبسًا بارتكاب أي جريمة حتى ولو كانت تمس أمن الوطن الذي يعد بمثابة قدس الأقداس في المجتمع المصري كان يتم إلقاء القبض على مرتكبي الجرائم في هدوء، كما أن من كان يمارس العـنف ضد بعض المواطنين تعوّد أن يتم ذلك في سرية تامة، إلا أن الجديد في الأمر أن ممارسة التعـذيب والعـنف يتم علانية، بل ويتم بث هذه الممارسات على الهواء مباشرة مثل إلقاء زجاجات المولوتوف على بعض المؤسسات أو إحراقها بالفعل، وكذلك مشاهد سحل بعض الأشخاص، وتجريدهم من ملابسهم، ومشاهد الاعتداء بمختلف درجاته على المواطنين لفض اعتصاماتهم، والغريب أن المعتدين أصبحوا معروفين جيدًا لبعض المواطنين وأحيانًا بالاسم لبعض الجهات الأمنية والإعلامية، ولم يتم التعامل أمنيًّا وقضائيًّا مع هذه العناصر.

ثالثًا: أن عددًا من أحداث العـنف التي تعرض لها المجتمع المصري لا يمكن فهمها أو تفسيرها في ضوء تسلسل الوقائع المرتبطة بها، وهو ما يؤكد استقلالية العـنف عن التطور السياسي نتيجة تعايش المجتمع معه، فعلى سبيل المثال قضية إحراق مبنى اتحاد كرة القدم ونادي الشرطة بالجزيرة، فقد ذكرت العديد من وسائل الإعلام أن من ارتكب هذه الأعمال هم ألتراس النادي الأهلي احتجاجًا على باقي أحكام أحداث استاد بورسعيد، إلا أن الألتراس كان قد عبر عن ترحيبه وتقبله لهذه الأحكام فور سماعه منطوق الحكم، فكيف نفهم هذا التفسير في ضوء هذه المعطيات؟.
كذلك ما حدث خلال إحراق المجمع العلمي وما صاحبه من أحداث عـنف في شارع محمد محمود ومجلس الوزراء، فقد ثبت أن من قام بها بعض الخارجين على القانون، وبالرغم من ترديد أسماء بعض من قاموا بهذه الأعمال إلا أنه لم يلق القبض على أي منهم.

رابعًا: ظهور جيل من مقاتلي الشوارع الذين يمارسون العـنف علانية في المجتمع في ظل غياب مختلف المعايير، وهو جيل يشمل فئتين، الفئة الأولى تتكون من المهمشين المحبطين، وهم أساسًا من أطفال الشوارع الذين وصلوا إلى سن الشباب دون أن يطرأ على حياتهم أي تغيير بخلاف تحولها نحو الأسوأ، ومن ثمَّ فهم فئة تغيب عنها المرجعية الاجتماعية (الأسرة)، والمرجعية الدينية، والمرجعية السياسية، وليس لهم عائل ولا مصدر رزق ولا أسرة، وبالتالي تفتقد إلى مختلف المعايير، أما الفئة الثانية فتتكون من شباب بعض التيارات السياسية ذات المرجعية الدينية، والذين برز دورهم خلال الاحتجاجات الأخيرة، ويسعون إلى فرض أمر واقع يتخطى القانون والدستور مثل أولاد أبو إسماعيل، أو اللجان الشعبية التي تسعى بعض التيارات الدينية من وراء تكوينها إلى بناء قوات أمن موازية للشرطة، وتابعة لها، على غرار الحرس الثوري الإيراني الذي تفوق على القوات الرسمية بالدولة الإيرانية والشباب الذي يسعى إلى فرض التوجهات الدينية وفقًا لمنظوره الخاص.

وهنا قد يكون من المناسب الإشارة إلى أن المهمشين المحبطين فاقدي المعايير المشار إليهم سابقًا لن يتوقفوا عن الاستمرار في دورهم الحالي مستقبلا بغض النظر عن الانتماء السياسي للحاكم في مصر، وبغض النظر عن نجاح الحكومة في تحقيق إنجازات ملموسة أم لا، لأن ما يقومون به قد حقق لهم كينونة افتقدوها طوال حياتهم، كما أن ما يقومون به اليوم في ظل الفوضى التي تعم الدولة المصرية قد أصبح مهنتهم التي توفر لهم دخلا لم يسبق لهم الحصول عليه.

والخلاصة، أن هذه الموجة الممتدة من العـنف قد أدت إلى تحولات في المجتمع المصري لا يتطلب علاجها سياسات أمنية وفقًا لما تقوم به الحكومات المصرية خلال السنوات العشر الماضية، بقدر ما يتطلب اتخاذ إجراءات سياسية واجتماعية واقتصادية أكثر انحيازًا للفقراء والفئات المهمشة والمحبطة، مع ضرورة البحث عن حلول إبداعية تخفف من وطأة الحياة على هذه الفئات، وذلك على غرار ما فكر فيه الراحل العظيم وجيه أباظة حينما تولى منصب محافظ البحيرة، ولاحظ ارتفاع نسبة المشردين بها، فكون بهم فرقة البحيرة للفنون الشعبية التي جابت العالم لعرض رقصاتها، فلم تعد التنمية الاقتصادية وفقًا للمؤشرات الكلية مثل معدل النمو السنوي كافية لتحقيق الاستقرار السياسي في المجتمع، فالأهم السياسات التوزيعية القادرة على تحقيق العدالة الاجتماعية لمختلف فئات وقطاعات المجتمع.

فمن المؤكد أن مصر حققت مؤشرات مالية جيدة في عهد الرئيس السابق مبارك، فوصل معدل النمو السنوي إلى 7 في المائة، كما أن الدين الخارجي انخفض بنسبة 50 في المائة في أعقاب حرب تحرير الكويت فوصل إلى 22 مليار دولار، ووصل الاحتياطي النقدي الأجنبي إلى حوالي 45 مليار دولار، وبالرغم من ذلك كانت سياساته التوزيعية أكثر انحيازًا لفئة محدودة من أثرياء المجتمع، فلم تحقق العدالة الاجتماعية التي كانت أحد أسباب قيام ثورة 25 يناير التي استثمرتها التيارات الدينية للوصول إلى السلطة، وعجزت التيارات المدنية القائمة عن حمايتها، وما زال الشباب يسعى لحمايتها في إصرار يستحق التقدير والاحترام، وهذا أضعف الإيمان.

aymaan noor
30-04-2013, 11:16 PM
الأفول التدريجي:
تراجع تأثير الحركات الشبابية الثورية في الدول العربية

http://rcssmideast.org/media/k2/items/cache/2d6c15d654bd7f03d72e8900a9ebd07f_L.jpg
أحمد زكريا الباسوسي

فرضت موجات المد الثوري التي اجتاحت العديد من الدول العربية تداعيات سياسية واجتماعية كبرى على أوضاعها الداخلية، ولعل أكثرها أهمية ظهور شريحة ثورية جديدة تتكون بالأساس من القوى الشبابية التي رفضت السياسات السلطوية للأنظمة الحاكمة خلال مراحل ما قبل الثورات الشعبية، وما زالت تطالب بالمضي قدمًا نحو تغيير هياكل السلطة القائمة، وترسيخ الديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان، وتمكين المجتمع المدني وتمثيل الفئات المهمشة؛ إلا أن تلك الحركات الشبابية تواجه في الوقت الحالي تحديات عديدة، ساهمت بشكل كبير في أفولها وانحسار نطاق تأثيراتها.

مؤشرات التراجع

شهد أداء الحركات الشبابية في المنطقة العربية تراجعًا ملحوظًا في الآونة الأخيرة عما كان عليه في بداية موجات المد الثوري، وتتمثل أبرز مؤشرات هذا التراجع فيما يلي:

1- تلاشي التأثير في قيادة المعارضة السياسية المنظمة لصالح القوى السياسية التقليدية، ففي مصر، قادت "جبهة الإنقاذ الوطني"، والتي تشكلت في أواخر نوفمبر الفائت بمبادرة من الدكتور محمد البرادعي وحمدين صباحي وعمرو موسى، والذين يمثلون القوى التقليدية، المعارضة ضد الرئيس محمد مرسي على إثر إصداره الإعلان الدستوري ودعوته للاستفتاء على مسودة الدستور، في الوقت الذي غابت فيه الحركات الشبابية، لا سيما حركة "6 أبريل" وائتلافات شباب الثورة عن المشهد السياسي.

2- تراجع الدور في تنظيم التظاهرات والاحتجاجات، ففي الأردن، خرجت حركة "24 مارس" عن قيادة المشهد الاحتجاجي، في مقابل تصاعد دور جبهة الإصلاح وجماعة الإخوان المسلمين اللتين تمثلان التيارات التقليدية، لا سيما مع اتساع وتيرة الاحتجاجات على خلفية ارتفاع أسعار المحروقات في 12 نوفمبر الفائت.

3- التعرض للتهميش من قبل النظم السياسية، وهو ما يبدو جليًّا في محاولة إقصاء التنظيمات الشبابية من الحوار المزمع إجراؤه في أوائل يناير 2013 في اليمن، وذلك من خلال الدعوة لتمثيلهم كجزء من كياناتهم السياسية، وليس بصفتهم حركات ساهمت في الحراك الثوري الذي أطاح بالرئيس السابق على عبد الله صالح، إلى جانب استبعاد حركة "24 مارس" الأردنية من المفاوضات التي تُجرى بين النظام وقوى المعارضة عقب اندلاع احتجاجات رفع الأسعار.

أسباب الأفول

وثمة عوامل عديدة تفسر أفول الحركات الشبابية الثورية، تنقسم إلى نوعين: الأول، يرتبط بالهياكل والبنى المؤسسية الداخلية لتلك الحركات، ويمكن تناولها على النحو التالي:

1- الانقسامات الداخلية، حيث شهدت بعض تلك الحركات الشبابية حالات انقسام عديدة، تعتبر أكثرها وضوحًا حركة "6 إبريل" في مصر، والتي انقسمت إلى جبهتين هما "جبهة أحمد ماهر" و"الجبهة الديمقراطية"، ما أضعف الحركة بشكل كبير، ونال من قدرتها على التأثير السياسي والاجتماعي، وحركة "20 فبراير" في المغرب والتي تتعرض للانحسار بسبب انسحاب عدد كبير من أعضاء الحركة الذي ينتمون لجماعة العدل والإحسان ذات التوجهات الإسلامية.

2- التباينات الأيديولوجية والفكرية، والتي انعكست بوضوح داخل حركة "20 فبراير" المغربية، والتي تضم أعضاء من اليسار الراديكالي والتيار السلفي وجماعة العدل والإحسان.

3- ضعف القدرات التنظيمية، إذ إن غالبية تلك الحركات تفتقد الخبرة السياسية والاقتصادية، والهياكل التنظيمية المحددة والملزمة بشكل واضح لأعضائها.

4- الحل الذاتي للكيانات السياسية، حيث قامت بعض تلك الحركات الشبابية بحل نفسها، مثل "اتحاد شباب الثورة" في مصر، والذي كان يضم ممثلين عن التيارات السياسية الليبرالية والإسلامية واليسارية والقومية.

أما النوع الثاني، فيتصل بالعلاقة بين هذه الحركات والنظم السياسية التي تسعى بشكل مباشر إلى عرقلة مسيرتها، حيث تستخدم الأخيرة آليات عديدة لتحقيق ذلك مثل:

1- الملاحقة والتضييق، إذ عانت تلك الحركات من محاولات استهداف، مثل حركة "20 فبراير" المغربية، التي يتعرض بعض أعضائها للاعتقال، أو السجن، أو الغرامة.

2- الاحتواء والاستيعاب، وهو ما حدث بالفعل في الحالة المصرية تحديدًا، لا سيما مع حركة "6 إبريل - جبهة أحمد ماهر"، والتي بدأ موقفها يتغير بشكل كبير نحو جماعة الإخوان المسلمين، خصوصا بعد ضم أحمد ماهر ذاته للجمعية التأسيسية لصياغة الدستور.

3- الاستبعاد وعدم الدمج في الكيانات الحزبية المنظمة، فعلى الرغم من الدور الفعّال الذي تمارسه تلك الحركات الشبابية ضد الفساد والاستبداد، فإن القوى التقليدية التي وصلت إلى الحكم سعت إلى تحجيمها، ما أدى إلى انحسار دورها داخل مؤسسات الدولة.

4- تشويه السمعة والاتهام بالتمويل الخارجي، حيث قامت السلطات الرسمية بعملية تشويه ممنهجة لتلك الحركات، وهو ما حدث مع حركة "6 إبريل" في مصر، والتي اتُهمت قياداتها بتلقي تمويلات خارجية من الولايات المتحدة وصربيا، وحركة "14 فبراير" في البحرين، والتي اتُهمت بالحصول على أموال من إيران، بل وصل الأمر إلى حد اتهامها بالإرهاب ومحاولة قلب نظام الحكم، وحركة "20 فبراير" المغربية التي وُصفت بأنها عميلة لقوى خارجية لا سيما إسبانيا والجزائر ومرتزقة البوليساريو.

والخلاصة، أن تعثر المراحل الانتقالية في مختلف الدول العربية ساهم بشكل واضح في إحداث خلل كبير في خريطة القوى السياسية الداخلية، وبما أن الحركات الشبابية الثورية كانت إحدى إفرازات المد الثوري، فقد طالها هي الأخرى هذا التعثر، مما حجّم من قدرتها وساعد بشكل كبير على أفولها وانحسار نطاق تأثيرها. ولعل عودة هذه الحركات للصعود يرتبط بمحددات رئيسية ثلاث: أولها، إعادة بناء هياكلها التنظيمية بما يخولها القدرة على المنافسة والتأثير في البيئة السياسية الناشئة. وثانيها، تطوير رؤية واضحة إزاء المشهد السياسي في إطار الدمج بين منهجين هما المنهج الثوري والعملية التفاوضية السياسية عبر المشاركة في مؤسسات الدولة الرسمية، إضافة إلى ممارسة دور نشط في عمليات الحوار الوطني والمجتمعي التي تُجرى في العديد من دول الإقليم. وثالثها، توعية الرأي العام الداخلي بمحاولات التشويه الممنهج التي تعرضت لها، وذلك عبر الكشف عن مصادر تمويلها وبرامجها السياسية وأطروحاتها الاجتماعية للمرحلة المقبلة.

aymaan noor
01-05-2013, 12:03 PM
المحور الرابع: تداعيات صعود الإسلام السياسي

صراع مفتوح:
التداعيات السياسية للخلافات بين التيارات السلفية في مصر

http://rcssmideast.org/media/k2/items/cache/6ffa065634b02c07506d37e072a9ff8b_L.jpg
علي بكر
باحث في شئون الجماعات الإسلامية

تشهد الساحة السياسية المصرية حالةً من الاحتقان الشديد بين الدعوة السلفية بالإسكندرية وجناحها السياسي حزب النور، وبين جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسي حزب الحرية والعدالة، على خلفية الأزمة التي نشبت إثر إقالة خالد علم الدين (القيادي بحزب النور السلفي) من منصب مستشار رئيس الجمهورية، لأسباب تتعلق باستغلال نفوذه، كما ذكرت مؤسسة الرئاسة، وهي الأزمة التي رأت قوى سياسية وإسلامية، أنها ستلقي بظلالها على الانتخابات البرلمانية المقبلة، بعد أن ضرب الانشقاق أكبر حزبين إسلاميين في مصر.

وبناءً على الخلافات السابقة، شهدت الساحة خلافات كبيرة في صفوف التيار السلفي، بسبب تأييد سلفية القاهرة أو ما يطلق عليها اسم "السلفية الحركية" للرئيس مرسي ولجماعة الإخوان المسلمين، وانتقادهم اللاذع للدعوة السلفية بالإسكندرية، واتهامهم بأنهم يعوقون المشروع الإسلامي، وأنهم يتعاونون مع القوى السياسية العلمانية المعادية للمشروع الإسلامي "القوى المدنية"، أكثر من تعاونهم مع الإسلاميين.

ومن بين كل التيارات السلفية الموجودة على الساحة تمثل الدعوة السلفية بالإسكندرية حالة خاصة ونموذجًا متفردًا، لأنها تجمع بين عدد من السمات التي قلما توجد في تيار سلفي آخر في المظلة السلفية، من التمسك بالنهج السلفي وأصوله الثابتة، وعدم تسرب أي أفكار دخيلة على الفكر السلفي مثل تكفير الحاكم والخروج عليه (وهو ما يوجد لدى السلفية الحركية)، وكذلك حرصها على نشر العلم الشرعي على أوسع نطاق، وهي السمة البارزة لأي تيار سلفي.

يضاف إلى ذلك احتراف العمل الخدمي على نطاق واسع، وهو ما أوجد قاعدة شعبية قوية لها في الإسكندرية ومحافظات الدلتا، إضافة إلى استخدامها طرقًا دعوية غير تقليدية، وهو ما جعلها منافسًا قويًّا لجماعة الإخوان المسلمين.

صراع على جبهتين

وتتصارع الدعوة السلفية الآن على جبهتين متحالفتين، هما الإخوان المسلمون والسلفية الحركية بالقاهرة، ولكل طرف من الطرفين خلافاته الخاصة والقديمة مع الدعوة السلفية. بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين، فالخلافات بين الطرفين، خلافات فكرية وسياسية، حيث إن الدعوة السلفية لم ولن ترضى يومًا عن الفكر الإخواني الذي رفضت الانصياع له على مدار 40 عامًا، وظلت عصية عليه رغم كل المحاولات المستميتة من جماعة الإخوان لإدخال الدعوة السلفية تحت عباءتها، ورفض الدعوة السلفية لهذا الأمر، لأنها ترى أن الفكر الإخواني فكر يميع القضايا الدينية، وأن الإخوان يأكلون الدنيا باسم الدين.

يضاف إلى ذلك أنه عقب الثورة المصرية، ووصول الإخوان إلى سدة الحكم في مصر، تخوف التيار السلفي بشدة من هذا الصعود، لأنه يعلم أن الإخوان سيسعون جاهدين إلى أخونة الدولة، ثم مع مرور الوقت القضاء على كل التيارات الإسلامية الموجودة على الساحة، لأن فكر الحركات الإسلامية بطبيعته فكر إقصائي، يرفض الآخر، ولا يقبل التنوع، وبالتالي فالدعوة السلفية تخشى على نفسها وعلى دعوتها وفكرها من الإخوان المسلمين، فضلا عن تلك الرغبة القوية لدى حزب النور لمنافسة الإخوان المسلمين على السلطة، والجلوس مكانهم على سدة الحكم، حيث يرون أنهم الأجدر بالحكم من جماعة الإخوان المسلمين، لأنهم يمثلون التيار السلفي التقليدي، وهو التيار الأكبر والأوسع في البلاد.

أما بالنسبة لخلاف الدعوة السلفية مع السلفية الحركية، فهو خلاف فكري بشكل أساسي، حيث إن السلفية الحركية قد تتبنى بعض المفاهيم (مثل تكفير الحاكم وجواز الخروج عليه)، التي كانت تتبناها بعض التيارات الجهادية مثل الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد قبل المراجعات الفكرية، وهذه الأفكار تخالف النهج السلفي الصحيح، وهي بذلك تكون خرجت عن النهج السلفي التقليدي، وأصبحت أقرب إلى النهج الجهادي، الأمر الذي اضطر الدعوة السلفية بالإسكندرية إلى مهاجمة فكر السلفية الحركية، وتحذير الناس منه، وهو ما أدى إلى اشتعال معارك فكرية ضارية بين الطرفين، لم تهدأ إلا عقب الثورة المصرية، حتى نشب الخلاف بين الدعوة السلفية والإخوان، لتقف السلفية الحركية إلى جانب جماعة الإخوان المسلمين، وتدعمهم ضد كل معارضيهم، وعلى رأسهم الدعوة السلفية، بحجة الدفاع عن المشروع الإسلامي الذي تتبناه جماعة الإخوان المسلمين، (متناسين كل المآخذ والانتقادات التي كانوا يوجهونها إلى جماعة الإخوان المسلمين في الماضي، ومنها اتهامهم بأنهم متخاذلون ومتعاونون مع نظام مبارك، وأنهم يقدمون المصلحة على الدين)، الأمر الذي فجر الخلاف القديم بين أبناء التيار السلفي، حيث وجدت السلفية الحركية الفرصة لرد الصفعات للدعوة السلفية التي كانت تعطيها لها طوال الفترة الماضية.

تداعيات معارك الدعوة السلفية الخلافية:

مما لا شك فيه أن المعركة التي يخوضها حزب النور السلفي ضد الإخوان المسلمين والسلفية الحركية، سوف يكون لها عدد من التداعيات الهامة، ومنها:

- الخلاف مع جماعة الإخوان المسلمين جعل للدعوة السلفية مكانة خاصة في الشارع، وعند باقي فصائل المعارضة، من دون باقي فصائل التيار السلفي، ليعلم الجميع أنها المنافس الأكبر في صفوف الحركة الإسلامية للإخوان المسلمين، ولكن في الوقت نفسه إذا ما استقرت الأمور لجماعة الإخوان المسلمين في حكم البلاد، فسوف يكون أول من يعصف به الإخوان هو الدعوة السلفية قبل أي فصيل آخر في الحركة الإسلامية.

- أما بالنسبة للخلاف مع السلفية الحركية، فإنها بلا شك سوف تزيد من الانقسامات داخل البيت السلفي الذي أصبح يعاني أصلا من التصدعات المتتالية، حيث ستنقسم فصائل التيار السلفي بين مؤيد ومعارض للدعوة السلفية، وبالتالي الاتجاه نحو مزيد من الانقسام، خاصة وأن هناك العديد من القادة السلفيين كانوا يحذرون من الدخول إلى العملية السياسية، والاكتفاء بالعمل الدعوي فقط لأنه المهنة الأساسية لكل التيارات السلفية، كما أن من السياسة ترك السياسة، حيث إن السياسة تزيد الفرقة والخلاف، والدعوة تدعم الوحدة والائتلاف.

- في ظل الانقسامات السلفية السابقة، سنجد أن الإخوان المسلمين هم المستفيد الأكبر من هذه الانقسامات، لأنها فتّتّ الكتلة المعارضة الأكبر لهم في أوساط الحركة الإسلامية، وبالتالي تزيد فرصة جماعة الإخوان في الحفاظ على مكانتهم المتقدمة في الحركة الإسلامية، وفي الحصول على الأغلبية البرلمانية في الانتخابات القادمة.

وأخيرًا، سيظل حزب النور السلفي الرقم الصعب في المعادلة السياسية الحالية في مصر، والنموذج المتفرد في الحركة الإسلامية، نظرًا لصعود نجمه السياسي في خلال عامين فقط من ممارسة العمل السياسي، لذا فإن صراعات حزب النور ستُلقي بظلالها على الحالة الإسلامية بصفة خاصة، لأنها ستكون سببًا في العديد من الانقسامات التي ستؤدي إلى تنوع في الحركة الإسلامية لم تشهده من قبل، هذا التنوع غالبًا لن تستطيع معه الحركة الإسلامية -وخاصة التيارات السلفية- أن تصمد طويلا في العمل السياسي، وغالبًا ما ستعود مرة أخرى إلى الدعوة والمساجد، بعد أن تكون قد عادت من العملية السياسية بخفي حنين.

aymaan noor
01-05-2013, 08:45 PM
صراع إسلامي- مدني:
بالخرائط.. اتجاهات السلوك التصويتي للمصريين بعد الثورة

http://www4.0zz0.com/2013/05/01/19/127322169.jpg
جيفري مارتيني، وستيفين م. ورمان
عرض: محمد الحسين عبد المنعم

باقتراب المحافل التصويتية (انتخابات، أو استفتاءات)، تتبارى الدراسات والتحليلات في استشراف اتجاهات السلوك التصويتي لدى المصريين، ووضع عدد من التصورات أو النماذج المحتملة لنتائج الانتخابات، في ضوء تتبع منحنى سوابق الممارسة التصويتية في فترة زمنية معينة، مع الأخذ في الاعتبار بعض المتغيرات المحيطة، ذات التأثير في السياق نفسه.وفي حين كُتب الكثير عن "قوة" الإسلاميين، بمعيار الصندوق الانتخابي في مصر ما بعد ثورة 25 يناير، فإن أغلب تلك التحليلات تتعامل مع مصر على مستوى "كلي-قومي"، دون اعتبار للتقسيمات "المناطقية / الإقليمية" داخل الدولة.

وفي تجاوز لإشكالية التعميم على المستوى الكلي، قدم "مركز راند لدراسات السياسة العامة للشرق الأوسط" التابع لـ"مؤسسة راند " الأمريكية، دراسة حول "الأنماط التصويتية في مصر ما بعد مبارك Voting Patterns in Post-Mubarak Egypt"، أعدها كل "جيفري مارتيني" الباحث المحلل في شئون الشرق الأوسط في "راند"، و"ستيفين م. ورمان" الباحث المساعد بـ"راند".

اقتراب الدراسة

تسعى الدراسة إلى تحديد المحافظات التي تتمتع فيها "القوى الإسلامية" بالدعم القوي، من بين المحافظات السبع والعشرين، وذلك من خلال توضيح "خريطة" قاعدة دعم الأحزاب الإسلامية عبر محافظات مصر، بهدف تدعيم فهم صانع القرار الأمريكي ومراقبي الشرق الأوسط لأنماط التصويت في مصر، فضلا عن لفت انتباه الولايات المتحدة والفاعلين الدوليين لهذه الأحزاب وأنماط التعامل معها، في سياق احتلالها موقع القيادة في مصر ما بعد مبارك.

قامت الدراسة بتتبع السلوك التصويتي في أربع مناسبات خلال (2011 – 2012)، وهي استفتاء مارس على التعديلات الدستورية، وانتخابات مجلس الشعب أواخر 2011 أوائل 2012، إضافة إلى جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية، فضلا عن الاستفتاء على الدستور الدائم. واستبعدت الدراسة انتخابات "مجلس الشورى" لضعف منافسة القوى غير الإسلامية فيها، للاعتقاد بأنه سيتم إلغاؤه في الدستور الجديد، علاوة على استهلاك انتخابات مجلس الشعب لقدرة القوى غير الإسلامية على خوض المنافسة، ما أدى إلى هيمنة الإسلاميين على "مجلس الشورى".

واستبعدت الورقة المرحلةَ الأولى من الانتخابات الرئاسية، كونها لا تمثل مؤشرًا جيدًا لخريطة دعم الإسلاميين، لكثرة عدد المرشحين، وتشتت الأصوات بشكل لا يُمكّن من استخلاص نتائج دقيقة، وعليه فقد ركزت الورقة على جولة الإعادة بالانتخابات الرئاسية، كونها مثلت المنافسة الواضحة بين مرشح الإخوان المسلمين والتيار الإسلامي "محمد مرسي"، والمرشح "أحمد شفيق" كملاذ أخير ضد "أسلمة" السياسة المصرية. مع الأخذ في الاعتبار أن نمط التصويت في هذه المرحلة يمكن اعتباره مؤشرًا للتصويت ضد "شفيق" آخر رئيس وزراء في عهد مبارك.

التوزيع الجغرافي للناخبين

تجادل الورقة بأن مصر تمتلك نموذجها الخاص "بالولايات الحمراء red states، والولايات الزرقاء blue states" (اعتمادًا على نسبة توزيع الناخبين المؤيدين للجمهوريين والديمقراطيين في الولايات المتحدة، فالولايات الحمراء يغلب على ناخبيها تأييد الجمهوريين "المحافظين"، بينما الزرقاء يغلب عليها تأييد الديمقراطيين)، وأنه بالرغم من تصاعد مقولات الشعبية الساحقة للإسلاميين، وغياب منافس حقيقي لهم، وخصوصًا بعد تحقيقهم انتصارات متتالية في المناسبات التصويتية المتتالية منذ الاستفتاء على الإعلان الدستوري في مارس 2011 وحتى دستور 2012، فإن الدراسة ستحاول اختبار تلك المقولة عبر تحليل السلوك التصويتي على مستوى المحافظات، والذي يتسم بدرجة متزايدة من الاستقطاب.

ويبين الشكل التالي نسب توزيع الهيئة الناخبة على محافظات مصر المختلفة، حيث تمثل القاهرة وضواحيها المنطقة الأكثر كثافة سكانية، إذ تشكل كل من القاهرة والجيزة ما نسبته (22%) من الناخبين، فيما تشكل منطقة "الدلتا" حوالي (51%) من الناخبين، موزعين على إحدى عشرة محافظة، ويشكل "الصعيد" ما نسبته (24%) من الهيئة الناخبة موزعين على سبع محافظات. وتبقى نسب تقدر (3%) تتوزع على المحافظات قليلة السكان مثل مرسى مطروح والوادي الجديد والبحر الأحمر والسويس، فضلا عن محافظتي سيناء، شمالها وجنوبها.

وتشير الدراسة إلى وجود نظرة تقليدية لموقع مؤيدي الإسلاميين، مفادها تمركزهم في منطقتين أساسيتين، هما "الدلتا" و"الصعيد". ويعزو المحللون قوة الإسلاميين في الدلتا لعدد من الأسباب، فقد تأسست جماعة الإخوان المسلمين على يد "حسن البنا" في الإسماعيلية عام 1928، إضافة إلى انحدار عدد كبير من قيادات الجماعة من محافظات الدلتا، وينطبق الأمر ذاته فيما يتعلق بجماعة الدعوة السلفية، والتي تتمركز في الإسكندرية، فضلا عن جماعات أصغر في دمنهور والمنصورة.

بينما يمثل الصعيد بقيمه المحافِظة بيئة خصبة للإسلاميين، وللصعيد تاريخ في احتضان الإسلاميين منذ فترة "الصحوة" في الستينيات والسبعينيات وتكوين الجماعات الإسلامية، والتي جنح بعضها لل*** في فترات معينة.

http://www4.0zz0.com/2013/05/01/19/240917756.jpg

تحليل أنماط التصويت

بتتبع خرائط التصويت واتجهاته، اعتمادًا على نتائج المحافظات خلال المناسبات التصويتية الأربع السابق الإشارة إليها، يتضح الآتي:

• مثلت انتخابات مجلس الشعب (2011-2012) مؤشرًا مباشرًا للدلالة على قوة الإسلاميين، وسواء فاز الإسلاميون نتيجة للتأييد الفعلي لبرامجهم، أو لضعف منافسيهم، فإن حزبي الحرية والعدالة، والنور حصلا مجتمعين على (73%) من المقاعد، فيما لم يحصد حزب "الوفد" -أفضل نتيجة لغير الإسلاميين- سوى (8%) فقط.

• تباين الأداء بين المحافظات: على الرغم من أن التيار الإسلامي لم يخسر، منذ بدء ممارسات الصندوق، على المستوى الكلي / القومي، فإن مستوى الأداء لقوى الإسلام السياسي لم يكن متماثلا على مستوى جميع محافظات الجمهورية، ففي حين تنخفض نسبة تأييد الإسلاميين في المحافظات الحضرية الكوزموبوليتانية (القاهرة وما حولها، بورسعيد)، إضافة إلى المحافظات التي تعتمد على السياحة (الأقصر، والبحر الأحمر، وجنوب سيناء)، فإن "الصعيد"، عدا الأقصر، إقليم مضمون للقوى الإسلامية، وهو ما تظهره النتائج بشكل عام، إضافة إلى محافظات الصحراء الغربية (مرسى مطروح، والوادي الجديد)، وشمال سيناء.

كما يعد إقليم "الدلتا"، ساحة للتنافس بين القوى الإسلامية والمدنية، فعلى العكس من النظرة التقليدية، السابق الإشارة إليها، للدلتا كـ"معقل" للإسلاميين، فإن الدلتا مثلت تحديًا كبيرًا لقوى الإسلام السياسي، خصوصًا في جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية، والاستفتاء على الدستور في 2012.

• تآكل الشعبية: تُظهر النتائج تراجع شعبية القوى الإسلامية مع مرور الوقت، ففي حين حظي الاستفتاء على التعديلات الدستورية في مارس 2011 على تأييد بنسبة (77%) من الأصوات بمشاركة (41%) من الناخبين، فإن إقرار الدستور في استفتاء 2012 مرر بنسبة تأييد (64%) بمشاركة (33%) من الناخبين.

كما تقدم نتائج الانتخابات دليلا آخر على تراجع الشعبية، ففي حين حصد الإسلاميون في انتخابات مجلس الشعب (2011-2012) ما نسبته (73%) من الأصوات، فإن الوضع قد اختلف في الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها مرشح التيار الإسلامي بنسبة حرجة بلغت (51.7%)، أخْذًا في الاعتبار أن أصوات "مرسي" ليست كلها تأييدًا، وإنما هي في جزء منها أصوات ضد المرشح "شفيق" آخر رئيس وزراء في عهد مبارك.

دلالات انتخابات (2013) وما بعدها

في ضوء الإعداد لقانون الانتخابات الجديد والجدل القانوني حوله، والشكوك المثارة حول مشاركة قوى المعارضة غير الإسلامية، فإن إجراء الانتخابات البرلمانية والتزام المعارضة بمقاطعتها يمنح الفرصة للأحزاب الإسلامية لاكتساح نتيجة الانتخابات القادمة. وتشير الدراسة إلى عدد من النتائج والدلالات التي يمكن وضعها في الاعتبار للفهم والتنبؤ بالخريطة التصويتية في مصر:

• تزايد القدرة التنافسية للأحزاب المدنية غير الإسلامية في القاهرة وضواحيها، حوالي خُمس الناخبين، فضلا عن "الدلتا"، حيث (51%) من الناخبين، التي تمثل ساحة للتنافس بين القوى السياسية.

• العامل الجغرافي وحده لن يكون العامل المؤثر في نتيجة الانتخابات القادمة، إذ إن وجود حزب الحرية والعدالة في السلطة قد يمكن الإخوان المسلمين وحلفاءهم من إمالة دفة الانتخابات لصالحهم، وهو ما ظهر في الجدل الدائر حول تصميم الدوائر الانتخابية على نحو يُمكن الأحزاب الإسلامية ذات القدرات التنظيمية والتمويلية العالية من الاستفادة منه، إضافة إلى سيطرة الإخوان على وزارات الخدمة العامة التي يمكن استغلال سياسات الدعم من خلالها لصالح الإسلاميين، علاوة على تعيين عدد من المحافظين من القيادات الإخوانية، الأمر الذي يمكن من خلاله توجيه سياسات التنمية بما يخدم فرص حزب الحرية والعدالة في الانتخابات القادمة، فضلا عن السيطرة غير المتكافئة على التغطية الإعلامية.

• إلا أن حزب الحرية والعدالة يواجه عدة عقبات قد تؤثر على وضعه في الانتخابات القادمة، وخصوصا في ظل عدم تحقيق أي من الأهداف المرجوة، فما زال الاقتصاد متعثرًا، والأمن منفلتًا، بينما بُذل القليل من الجهد لمحاسبة مسئولي نظام مبارك الفاسدين. وعليه فإن الإسلاميين في حاجة لإقناع الناخبين بحاجتهم للمزيد من الوقت لمواجهة هذه التحديات.

• تحدٍّ آخر يواجه القوى الإسلامية، يتعلق بالمقولات التي تشكك في التزامها بقيم الديمقراطية، وخصوصا في أعقاب إعلان نوفمبر الدستوري، وما لاقاه من معارضة حتى من أعضاء في الحكومة، ورغم تراجع مرسي عن بعض مواده إلا أن ذلك لم يخفف من التخوفات بهذا الشأن، وخصوصًا بعد تمرير الدستور الذي سيطر على وضعه الإسلاميون.

• رغم التشكك في قدرة المعارضة غير الإسلامية على السيطرة على الشارع، وضعف "جبهة الإنقاذ الوطني"، والتي يثور الشك حول قدرتها على التأثير في الأحداث، ساهمت أخطاء الإسلاميين في تدعيم وضع الجبهة.

• من الجدير ملاحظة أن الإسلاميين ليسوا كتلة متجانسة، إذ تتعدد الانشقاقات داخل الإسلاميين، فقد خاض حزب الحرية والعدالة انتخابات مجلس الشعب كمنافس للسلفيين، إلا أن الأحزاب الإسلامية قد تتحالف في أوقات الاختيارات المحورية كالانتخابات الرئاسية أو الاستفتاء على الدستور، فيما فشلت القوى غير الإسلامية في تحقيق ذلك التحالف وقت الحاجة.

• رغم قرار "جبهة الإنقاذ" بمقاطعة الانتخابات لعدم تحقيق مطالبها، فإن تأجيل الانتخابات وإقرار المحكمة الدستورية بضرورة تعديل قانون تقسيم الدوائر الانتخابية ليصبح أكثر تمثيلا، يمثل فرصة للمعارضة لإعادة النظر في مقاطعة الانتخابات القادمة.

• أيًّا كانت نتيجة الانتخابات القادمة فإن الإسلاميين سيواجهون منافسة شرسة، وخصوصًا في ظل الاتهامات باستخدامهم سياسات النظام السابق القمعية في مواجهة الاحتجاجات ضدهم، مما يفاقم من تخوفات
المصريين من ظهور حزب مستبد جديد، وهو ما قد يؤثر على شعبيتهم.

الدلالات الانتخابية بالنسبة للولايات المتحدة

إن فهمًا أعمق للتوجهات الانتخابية في مصر، يساعد صانع السياسة الأمريكي في توقع الاعتبارات السياسية المحلية التي توجه موقف السياسة المصرية، والتعرف على أولويات الأحزاب والقيود المحلية التي يعملون في ظلها.

وتشير الدراسة إلى اتباع الولايات المتحدة سياسة تعتمد على عدم التدخل أو دعم فصيل معين على الساحة السياسية، خصوصا وأن دعم الولايات المتحدة لفصيل ما يعتبر خصمًا من رصيده.
وتذهب الدراسة إلى أنه لا يمكن القول بأن حزب ما أو كتلة يتماشى مع المصالح الأمريكية أكثر من الآخر، وبالنظر إلى المصالح الأمريكية بشكل كلي، نجد عددًا من المجالات التي يمكن دعم التعاون بين الولايات المتحدة وأي قوة سياسية مصرية.

وفي الواقع، تثير الأحزاب السياسية على طرفي الطيف السياسي قلق الولايات المتحدة، فعندما يتعلق الأمر بمعاهدة السلام مع إسرائيل، وقواعد السوق الحر يكون حزب الكرامة اليساري مصدرًا للقلق. أما عندما يتعلق الأمر بالمساواة النوعية وحقوق الأقليات، فقد تصطدم الولايات المتحدة بالأحزاب السلفية. وباختصار فلا يوجد شريك مثالي للولايات المتحدة من بين القوى المتنافسة في مصر.

وبشكل عام، ترى الدراسة أن الأمل معقود على قدرة الأحزاب غير الإسلامية على تحقيق تمثيل متكافئ على الأرض، لمنع سيادة نظام أحادي الحزبية، وتحمل الدراسة نظرة متفائلة كون المشهد الانتخابي المصري يتسم بـ"اللا أحادية" التصويتية، وأن مناطق / محافظات معينة في البلاد بدأت في الاستجابة لرسالة الأحزاب غير الإسلامية. إلا أن مقاطعة المعارضة للانتخابات قد تؤخر الوصول لذلك الوضع، إلا أن الأحزاب الإسلامية في النهاية ستجد نفسها مضطرة لمشاركة السلطة مع منافسيها الأيديولوجيين.


خرائط جغرافية تبين اتجاهات التصويت لدى الناخبين المصريين في الاستحقاقات الانتخابية بعد الثورة

http://www4.0zz0.com/2013/05/01/19/731514438.jpg

http://www4.0zz0.com/2013/05/01/19/130035350.jpg

http://www4.0zz0.com/2013/05/01/19/754301248.jpg

http://www4.0zz0.com/2013/05/01/19/557393103.jpg

aymaan noor
01-05-2013, 11:47 PM
التعميم المضلل:
هل تآكلت القدرات الانتخابية لـ"الإخوان" بعد تراجعهم بالجامعات؟

http://rcssmideast.org/media/k2/items/cache/3de37b3f2de6564a2ea064ec2afe25d4_L.jpg
محمد عبد الله يونس
مدرس مساعد العلوم السياسية - جامعة القاهرة

"مفاجأة من العيار الثقيل" هذا هو العنوان الذي تصدر أغلب التحليلات المكتوبة حول نتائج المرحلة الأولى من انتخابات اتحاد طلاب جامعات مصر تعليقًا على التراجع الحاد في تمثيل جماعة الإخوان المسلمين، وتعرض مرشحيها في جامعات عديدة لهزائم تبدو غير متوقعة، وتتناقض مع أسطورة "الجماعة الانتخابية التي لا تقهر"، "الأكثر تنظيمًا" و"الأكثر احتكاكًا بالمواطنين" وفق مريدي الجماعة، بيد أن الإشكالية تكمن في مدى خيال الاستدلالات التي عمدت إلى استشراف نتائج الانتخابات البرلمانية المقبلة بناء على المؤشرات الأولية لنتائج الانتخابات الطلابية رغم البون الشاسع بين الحالتين، ولا يعني ذلك مطلقًا أن معادلة الانتخابات الطلابية تخلو من دلالات سياسية مهمة بقدر التأكيد على مراعاة المنطق في التعميم.

دلالات ملهمة

لا يكاد يختلف منصف على أن شعبية جماعة الإخوان المسلمين قد تأثرت بدرجة ما بتعثر أداء الرئيس محمد مرسي وحكومته في معالجة الأزمات الأكثر حيوية للمواطنين، بينما تكفلت المواقف والتصريحات المنسوبة لبعض قيادات ورموز جماعة الإخوان المسلمين في خضم الاستقطاب السياسي ومتوالية الأزمات بتحول هيكلي لصورة الجماعة في وعي النخب المتعلمة، بحيث باتت مسلمات نمطية من قبيل "الجماعة المضطهدة" التي ترفع شعارات "مشاركة لا مغالبة" وراية "الإسلام هو الحل" موضع مراجعة جادة في ظل التناقضات في ثنايا الخطاب والهوة الأكثر اتساعًا بين الخطاب المفرط في يوتوبيته وسلوك السلطة المتجاوز في نفعيته.

في هذا الصدد يمكن اعتبار الانتخابات الطلابية امتدادًا لتلك التحولات، إذ إن مراجعة نتائج الجامعات المختلفة تكشف عن علاقة عكسية ما بين مستوى الحراك الاحتجاجي المناوئ لجماعة الإخوان المسلمين في المحافظات ومستوى تمثيل الطلاب المنتمين إليها، إلى درجة أن القائمة التي يتصدرها نجل القيادي الإخواني محمود عزت في جامعة عين شمس لم تحصل إلا على مقعدين، كما أن جامعات الإسكندرية وطنطا والبحيرة وبني سويف وأسيوط والمنيا قد شهدت تراجعًا ملحوظًا في التمثيل الطلابي للجماعة.

بيد أن الدلالات الأكثر أهمية تتعلق بإصرار طلاب مختلف التيارات السياسية على المشاركة بالمخالفة لمواقف أحزابهم من مقاطعة الانتخابات البرلمانية، وبغض النظر عن تقديرات فرص صمودهم أمام تنظيم يفوقهم في الموارد والخبرات الانتخابية أو الإطار التنظيمي للانتخابات، نظرًا لإدراكهم أن المقاطعة تعني إخلاء وتهميش مساحات العمل الطلابي لصالح السلطة وجماعة الإخوان المسلمين، ولن يحقق أهداف نزع الشرعية السياسية عن اتحاد طلاب إخواني، ربما في أحد أهم الرسائل الضمنية التي تحملها الانتخابات لجبهة الإنقاذ وتيارات المعارضة.

على مستوى آخر يمثل تنظيم القوائم الانتخابية في الجامعات المختلفة نموذجًا لتحالفات تتسم بقدر كبير من التماسك بالمقارنة بالتحالفات السياسية المهترئة التي ما تلبث أن تنفجر من داخلها تحت وطأة الخلافات الشخصية والتناحر على المكاسب السياسية اللحظية وفي حين تركز ائتلافات المعارضة على رصد إخفاقات السلطة ومريديها فإن ائتلافات الطلاب ركزت على طرح برامج على قدر من الجدية في التعامل مع القضايا الطلابية المرتبطة بجودة التعليم والخدمات والأنشطة الطلابية والدور المجتمعي للجامعات بما ارتقى بمستوى المنافسة إلى آفاق تتجاوز الصراعات الشخصية والتناحر الحزبي، بما يشي أن مستقبل الممارسات الانتخابية قد لا يكون قاتمًا في حال وصول هذه الكوادر للعمل السياسي عقب كسر احتكار المناصب القيادية ورحيل القيادات التقليدية المتكلسة في مختلف التيارات.

ولا يعني ذلك أن المشهد الانتخابي في الجامعات اتسم بملائكية مطلقة، فالصراعات السياسية امتدت بدورها لتطال الدعاية الانتخابية للقوائم المختلفة، ووظفت بعض التيارات واقع السياسة الحالية في تظاهرات مناوئة لجماعة الإخوان كأحد الأدوات الانتخابية، وشهدت جامعات أخرى مثل جامعة عين شمس صدامات عنيفة بين أنصار الجماعة ومعارضيها في مشهد ينذر باحتمالية انتقال أمراض السياسة المصرية إلى أروقة الجامعة، أو أن يتم توظيف تلك الأحداث المتقطعة من جانب السلطة للإجهاز على هامش الحرية السياسية النسبي الذي أقتنصه الطلاب عقب ثورة 25 يناير.

سياقات مختلفة

لا تدعم كافة الدلالات سالفة الذكر أية استدلالات أو تنبؤات مسبقة بسقوط مدوٍّ لجماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية المقبلة أو بتداعي أركان السطوة الانتخابية للجماعة، فاختلاف السياق والبيئة والفاعلين والأطر التنظيمية والمحفزات يؤدي بالضرورة للتفاوت في النتائج، فالانتخابات الجامعية نطاق ضيق لتفاعلات سياسية أقل احتدامًا يتضمن تحييدًا لعدد كبير من التكتيكات الانتخابية والممارسات التي يشهدها الواقع.

أولا: جمهور الناخبين في الانتخابات الجامعية على قدر كبير من التجانس في مستوى التعليم والفئات العمرية بما يقلل احتمالات تزييف الوعي أو توظيف شعارات غير قابلة للتطبيق، ويجعل برامج المرشحين فيصلا في المفاضلة، ناهيك عن أن حجم الدائرة الانتخابية الواحدة ضئيل للغاية ونسب مشاركة الناخبين في الاقتراع الطلابي محدودة ربما تعبيرًا عن ظاهرة العزوف السياسي بما يقلص من حدة التنافس على الأصوات.

ثانيًا: الزبائنية السياسية لا تجد سبيلها للانتخابات الطلابية نظرًا لمحدودية الموارد والاختصاصات التي يضطلع بها اتحاد الطلاب، إذ لا يعدو دوره حلقة وصل بين الجامعة والطلاب، ويخضع لقيود إدارية وإشرافية تقلص من تأثيره في عملية صنع القرار في الجامعة، في المقابل فإن فرص توزيع الموارد على أساس الولاء وتأسيس شبكات تبادل المنافع والتوظيف الانتخابي لاختصاصات شاغلي السلطة تبدو أوسع نطاقًا في الانتخابات البرلمانية.

ثالثًا: سقف الإنفاق الانتخابي يبدو ضئيلا للغاية في الانتخابات الطلابية معتمدًا على الموارد الذاتية بالمقارنة بالانتخابات البرلمانية التي قد تتضمن تمويلا سياسيًّا ضخمًا ربما يرتبط بشبكات تحالفات بين المتنافسين ورجال الأعمال في إطار شبكات مصالح متعارضة، وقد ينطوي على مصادر غير معلومة للتمويل نتيجة استعصاء جماعة الإخوان المسلمين على الضبط القانوني.

رابعًا: محفزات الانتخاب والخدمات المقدمة لجمهور الناخبين في الانتخابات الطلابية لا تؤثر في السلوك التصويتي للناخبين لأنها لا ترتبط باحتياجات أساسية، بينما يتصاعد ذلك التأثير بقوة في حالة الانتخابات البرلمانية، فأسواق السلع منخفضة التكاليف التي تقيمها بعض التيارات السياسية وتوزيع بعض السلع غير المتوافرة على المنازل مثل أسطوانات الغاز وخدمات المرشحين والأحزاب لأبناء دوائرهم الانتخابية في قضايا التعليم والتوظيف والصحة وتوفير السلع الأساسية في ظل أوضاع معيشية متردية يمثل محددًا أساسيًّا لاتجاهات التصويت بالمقارنة بالأحزاب النخبوية التي لا يعرفها الناخبون إلا من خلال اللافتات الدعائية أو الظهور الإعلامي لرموزها.

خامسًا: الممارسات غير التنافسية في حدودها الدنيا على مستوى الانتخابات الطلابية، فالسلطات والصلاحيات والموارد موضع المنافسة لا تستحق التناحر للاستئثار بها أو توظيف ال*** في مواجهة الخصوم واستهدافهم بالشائعات، كما أن حيل التلاعب بالنتائج أو التأثير على الناخبين وخرق الصمت الانتخابي قد لا تجد صدى واسع النطاق في ظل ضيق الدائرة الانتخابية بما يجعل رقابة الأطراف لصيقة بمراحلها المختلفة.

سادسًا: توظيف الشعارات الدينية وخطاب السلطة يختلف تأثيره من النطاق الجامعي عن نظيره البرلماني، بالنظر إلى اختلاف التركيب العمري لجمهور الناخبين، فجمهور الانتخابات الطلابية الشاب ينزع في الغالب نحو الثورة على النمطية والانقياد خلف السلطة، بينما تميل الفئات العمرية الأكبر في الانتخابات البرلمانية لدعم السلطة طمعًا في عوائد الاستقرار على أوضاعهم المعيشية، كما تبدو نسبيًّا أكثر استجابة لتوظيف الشعارات الدينية في الخطاب السياسي.

معضلة الاستشراف

هل تعني هذه الاعتبارات أن فرص المعارضة في انتخابات مجلس النواب لا تعدو التمثيل المشرف؟! بالقطع لا، فالمشهد الانتخابي المصري بات يتسم بحراك وديناميكية غير مسبوقة وتغيرات آنية تجعل القطع بتنبؤات دقيقة عملية مستحيلة، فالتغير في معدلات المشاركة الانتخابية وتفضيلات الناخبين لا تخضع للحسابات العقلانية والترتيبات السياسية المفترضة لمختلف القوى السياسية، وربما يُعزى ذلك إلى أننا لم نصل بعد إلى فهم كامل ودقيق للتوجهات السياسية للمواطنين، وأن دراسات الرأي العام لم تشهد طفرات إيجابية في دقة نتائجها وأساليب وأُطر اختيار العينات وإجراءات ضبط النتائج.

لكن لا يبدو من قبيل الاستشراف المخل الربط بين قدرة المعارضة على المنافسة الجادة للتيارات الإسلامية واستثمار دروس وعبر الانتخابات الطلابية في التنظيم والحشد وطرح البدائل السياسية والتفاعل مع جمهور الناخبين وتجاوز الاتجاهات النمطية التي تجد في المقاطعة والانزواء والتنديد الإجابة المُثلى لمختلف تحديات التنافسية الانتخابية تعبيرًا عن الحواجز النفسية التي أعادت إنتاج نماذج العزوف السياسي لدى نخب المعارضة، بينما يتصدر كافة هذه الدلالات أن أوان دوران النخبة قد بات حتميًّا، وأن رموز نخب الاستقطاب على اختلاف انتماءاتها بات عليها أن تتراجع لتفسح المجال للكوادر الصاعدة استثمارًا للطاقات في تجديد الدماء، وفك طلاسم الاستقطاب المحتدم الذي حكم المرحلة الانتقالية على امتدادها وحول مسار الثورة من تحقيق تطلعات الشباب إلى احتكار نخب الحكم والمعارضة لمواقع القيادة.

aymaan noor
02-05-2013, 08:27 AM
اختبار السلطة:
هل أخطأ الأمريكيون في فهم الإخوان المسلمين بمصر؟

http://rcssmideast.org/media/k2/items/cache/f5a85333d553b860310d6f60f5af8288_L.jpg
مارك لينش
عرض: محمد الحسين عبد المنعم

فاقم حال الاستقطاب "السياسي / الاجتماعي" الحاصل بمصر، والذي بدأ مصاحبًا لأول ممارسة صندوقية في مارس 2011، كنتيجة للتردي الحاصل في سياسات الدولة المصرية، وامتد بطبيعة الحال إلى الأروقة الأكاديمية والتحليلية، وامتدت بعض أصابع الاتهام إلى الولايات المتحدة كداعم لجماعة "الإخوان المسلمين"، سواء بعد الثورة أو قبلها حين جرت اتصالات بين مسئولين أمريكيين وقيادات بالجماعة "المحظورة" آنذاك.

وفي هذا السياق؛ كتب الأكاديمي الأمريكي "مارك لينش"، أستاذ مساعد العلوم السياسية والشئون الدولية بجامعة جورج واشنطن، مقالا بعنوان "هل أخطأنا فهم الإخوان المسلمين؟ في مجلة "الفورن بوليسي ".

يجادل "لينش" بأن التوافق الأكاديمي الأمريكي حول جماعة "الإخوان المسلمين" كان صحيحًا إلى حد بعيد، على الأقل حتى العقد الأول من الألفية الجديدة، ويحدد عددًا من القضايا التي أصابت فيها تحليلات الأكاديميين الأمريكيين؛ إذ تمكنوا من تحديد الخطوط العريضة لتطور الجماعة الأيديولوجي، وصراع الفصائل داخلها، بالإضافة إلى قدراتها الانتخابية، فضلا عن نزاعاتها مع كل من تنظيم القاعدة والسلفيين المتشددين، علاوة على الشد والجذب بين طموحها الديمقراطي وتطلعاتها غير الليبرالية. ويضيف الكاتب، أن الليبراليين الذين ساندوا الإخوان ضد ال***** والاعتقال، لم يكونوا على خطأ أيضًا، بل إن مساندة أي جماعة ضد الظلم، مهما اختلفت معها، هي المحك والاختبار لليبرالية.

بيد أن التغيرات التي ألمت بمصر أصابت بنفس القدر جماعة "الإخوان المسلمين" سواء على المستوى الأيديولوجي أو الحركي، وأصبح السؤال حول قابلية الإخوان لأن يكونوا ديمقراطيين محل اختبار عملي الآن.

الإخوان المسلمون قبل 2011

قدم "لينش" بشيء من التفصيل بعضًا من التحليلات الخاصة بجماعة الإخوان المسلمين ما قبل 2011، في محاولة للبرهنة على قدرة الباحثين والمحللين الأمريكيين على فهم الإخوان المسلمين، على الأقل في الفترة ما قبل الثورة.

• الإخوان فاعل "ديمقراطي" إلا أنه ليس "ليبراليًّا": خلال السنين التي تلت عام 2000، أصبح للإخوان سجل بعمر عقدين، من المشاركة في الانتخابات الوطنية، والنقابات، بالإضافة إلى الانتخابات الطلابية. وكان الإخوان قد عملوا على إنتاج تبرير أيديولوجي لقبول الإجراءات الديمقراطية، بل وتبنيها أيضًا، وبدا أن الجماعة قد بذلت ما في وسعها لإظهار التزام الجماعة بالعملية الديمقراطية في ظل غياب فرصة فعلية للفوز في الانتخابات أو الوصول للحكم. وبطبيعة الحال؛ ساهمت خبرة الإخوان في تطوير ماكينة انتخابية فعالة جاهزة للتشغيل وقتما حانت الفرصة، وهو ما ظهر بشدة في المناسبات التصويتية المختلفة.

إلا أن الكاتبَ يرى أن التزام الجماعة بالعملية الديمقراطية لم يترجم أبدًا نحو الالتزام بالتقاليد الديمقراطية أو الليبرالية المتعارف عليها، وفي حين تجنب الإخوان، قبل الثورة، مواجهة الفجوة بين مفهومهم للشريعة والديمقراطية، فإنهم بعد وصولهم للحكم أصبحوا مطالبين بتوضيح نواياهم الحقيقية، وبيان موقفهم من الآراء المخالفة لهم.

• التمييز بين الإخوان المسلمين وتنظيم القاعدة: إذ يعتبر الكاتب أن الجمع بين الإخوان المسلمين والسلفية الجهادية في سلة واحدة يعد خطأ تحليليًّا ذا تبعات سياسية؛ إذ تنتهج الأولى أيديولوجية مختلفة، ومفهومًا مختلفًا لموقعها داخل المجتمع المصري، إضافة إلى رؤية استراتيجية مغايرة، فضلا عن اختلاف قاعدتها الجماهيرية، وامتلاكها تفسيرات أكثر اعتدالا للمفاهيم الخلافية كـ"الجهاد" و"التكفير"، علاوة على رؤية مختلفة حول شرعنة ال***.

• ظهور مجموعات شبابية من الإخوان المسلمين: وهي مجموعات أكثر انفتاحًا قامت بالتدوين والانخراط في الفاعليات المعارضة لمبارك، وفتحت المجال للمناقشة في الجماعة، وهي في الأغلب مجموعات صغيرة، غادر أغلبها الإخوان قبل الثورة مثل إبراهيم الهضيبي، وعبد الرحمن منصور، ومصطفى النجار. وفي حين تم انتقاد "لينش" نفسه لعقده لقاءات مع تلك المجموعات باعتبار أن ظهورهم ما هو إلا مناورة دعائية من الإخوان، إلا أنه كان محقًّا بشأنهم.

الإخوان المسلمون بعد 2011

يشير "لينش" إلى أن تركيبة الإخوان الأيديولوجية، وقدراتهم التنظيمية، ونظرتهم الاستراتيجية قد صيغت وفقًا للقيود التي فرضها نظام مبارك، تبعًا لاعتقاد الإخوان استحالة وصولهم للسلطة، وبعد قيام الثورة واختفاء تلك القيود حاول الإخوان التكيف ولكن على نحو سيئ، وهو ما ظهر من خلال السلوك غير المنظم، وغير الكفء، فضلا عن عدد من الأفعال غير المفهومة التي قادت للاستقطاب، واتباع سياسة هادمة للتوافق الوطني، ونفور القوى التي دعمتهم في مناسبات معينة، بداية من السلفيين والليبراليين، وصولا للثوار.

ويتساءل "لينش" عن سبب ما وصل إليه الإخوان المسلمون، خصوصًا وأن "خيرت الشاطر" كان قد أطلعه شخصيًّا على خطط الإخوان للنهوض بالاقتصاد والإصلاح المؤسسي والتي بدت واعدة، على حد قوله. ويحدد الكاتب عددًا من المتغيرات للإجابة على تساؤله.

ويُرجع "لينش" عدم قدرة الإخوان المسلمين على التكيف مع الواقع الجديد بعد الثورة، إلى ما أشرنا إليه سابقًا من وجود فصائل وانشقاقات داخل الجماعة؛ إذ تعرضت الجماعة في أعقاب انتخابات مجلس الشعب 2005 التي حصل فيها الإخوان على 88 مقعدًا لحملة قمعية اعتُقل فيها قيادات من الجماعة وصودرت أموالهم.

وأدت هذه الأحداث إلى تصعيد الجناح المحافظ داخل الجماعة الذي يفضل الانخراط في الجوانب الاجتماعية والعمل الدعوي على المشاركة السياسية، وهو ما انعكس في استبعاد كل من عبد المنعم أبو الفتوح ومحمد حبيب من مكتب الإرشاد لصالح التيار المحافظ، وتبع ذلك عدة انشقاقات عن الجماعة من التيار الإصلاحي.

وعند قيام الثورة كانت شخصيات قيادية وشبان أكثر انفتاحًا وحكمة واعتدالا في الجماعة قد انفصلوا عنها، أو خضعوا للقيادة المحافظة التي هيمنت عليها شخصيات حذرة متشككة بشكل مرضي ومتصلبة أيديولوجيًّا وقليلة الخبرة بشأن بناء شراكة متخطية للأيديولوجية، أو التوصل لحلول توافقية، ويتساءل الكاتب عن كيفية إدارة الجماعة للثورة وما بعدها من أحداث لو كان التيار الإصلاحي أمثال أبو الفتوح وحبيب هم المهيمنون على تكوين مكتب الإرشاد بدلا من الشاطر وبديع.

ويضيف أن جزءًا آخر من الإجابة يرجع إلى أن استراتيجية وأيديولوجية وتنظيم الجماعة كان مبنيًّا على أن فوزها بالحكم غير وارد، وأنها لم تكن مستعدة للتغيير الذي منحته الثورة لها، وتجلى ذلك في عدم رغبتها أو قدرتها على التواصل مع الاتجاهات الأخرى، و"سلوكها وخطابها الفظ" الذي يزيد من الطائفية والتشرذم الاجتماعي وضبابية الاقتصاد و*** الشارع.كما أن تقديم الجماعة مرشحًا للرئاسة بعد أن وعدت بخلاف ذلك قد أطاح بالثقة في التزاماتها، وجعلها مسئولة عن تدهور الفشل الذي تواجهه في الحكم.

ويرى "لينش" أن هناك مزيجًا غريبًا من البارانويا والغطرسة تسود الجماعة، فضلا عن اعتقادها الدائم بالتهديد، وأن هناك مخططات لإفشالها داخليًّا وخارجيًّا، وهو ما يتفق وطبيعة خبرة الحرس القديم المهيمن على مكتب الإرشاد، وهو ما ينذر بنتائج كارثية للوضع السياسي المضطرب في مصر.

ويخلص "لينش" إلى أن الولايات المتحدة لم تخطئ بالعمل مع حكومة الإخوان المسلمين المنتخبة، وأنها رفضت التماهي مع الدعاية المعادية للإسلاميين، وهو ما كان سينتج آثارًا سلبية، وفقًا للكاتب. كما وجه رسالة للأكاديميين وصانعي القرار الأمريكيين بضرورة مراجعة فهمهم للإخوان المسلمين وفقًا للمتغيرات الجديدة، فإذا كانت مصر قد تغيرت، فإن الإخوان تغيروا بنفس القدر، وهو ما يتوجب على الباحثين مراعاته.

وبشكل عام، يعطي "لينش" انطباعًا بأن الدافع لعملية البحث العلمي بالأوساط الأكاديمية الأمريكية وأروقة صنع القرار الأمريكية هو دافع إنساني حقوقي منحاز لخير الشعوب، وهو ما يتناقض مع الواقع، فالولايات المتحدة تمتعت، وما زالت، بعلاقات طيبة مع أغلب الأنظمة العربية الساقط منها أو القائم، ما دامت تلك الأنظمة تحقق غايتها الاستراتيجية من حفظ أمن إسرائيل، وتأمين تدفق النفط، وعليه فإن فهمهم للإخوان بطريقة جيدة لن يتحدد بمدى التزام الجماعة بقيم الديمقراطية ومعايير الليبرالية، وإنما بمدى تحقيقها لأهداف الولايات المتحدة في المنطقة، وتبنيها استراتيجيات تخدم تلك الأهداف.

aymaan noor
02-05-2013, 07:44 PM
المحور الخامس: أزمة الإعلام والحريات

مساحات محظورة:
المتغيرات الضاغطة على الحريات الإعلامية في المنطقة العربية

http://rcssmideast.org/media/k2/items/cache/26c195007944b894aae7335fae091351_L.jpg
محمد عبد الله يونس

ارتبطت الثورات والاحتجاجات العربية بالتطلعات المجتمعية للتخلص من قيود السلطة القامعة للحريات السياسية، إلا أنه بعد مرور ما يقرب من عامين على اندلاع الربيع العربي، لم تكن التحولات مرادفة، في المجمل العام، لارتفاع سقف الحريات السياسية والإعلامية، بالنظر إلى ما أفرزته تلك الثورات من تطورات ومتغيرات سياسية ضاغطة كان لها أكبر الأثر على تسييس مساحات المجال العام، وتعرضها لاحقًا للتضييق، سواء من جانب تيارات سياسية بعينها، أو من قبل القوى الجديدة التي وصلت إلى السلطة.

مؤشرات التراجع

تكشف مراجعة التطورات السياسية المتلاحقة على امتداد الإقليم عن انحدار حادٍّ في ممارسات الحريات لا سيما حرية الصحافة، على الرغم من الافتراضات الأولية التي تربط تلك الثورات بالتحرر من قيود السلطة، بيد أن القيود المجتمعية الصاعدة باتت أشد وطأة من قيود السلطة على حرية الصحافة. فقد شهدت مصر، خلال شهر ديسمبر الجاري، م*** الصحفي بجريدة الفجر الحسيني أبو ضيف، ومحاصرة مدينة الإنتاج الإعلامي، والتهديد بمحاصرة واقتحام بعض الصحف الخاصة مثل "المصري اليوم" و"الوطن" من جانب بعض التيارات السلفية الرافضة للحريات الصحفية.

وعلي الصعيد ذاته، وقعت موجة اعتداءات على الصحفيين خلال الحراك الاحتجاجي المتصاعد في تونس، بينما شهدت اليمن استهداف الصحفيين من جانب بعض الفرقاء السياسيين، حيث رصدت "مؤسسة حرية للحقوق والحريات الإعلامية" 126 حالة انتهاك تعرض لها 267 شخصًا من الصحفيين ووسائل الإعلام، وهو ما تكرر حدوثه في ليبيا والضفة الغربية. بينما يتعرض الصحفيون في دول الصراعات الأهلية بالإقليم لتهديدات أكثر حدة تطال حياتهم، ففي سوريا يستهدف كل من النظام والمعارضة الصحفيين المناوئين لهم باعتداءات قد تصل إلى حد التصفية الجسدية، ما أدى إلى م*** 28 صحفيًّا منذ بداية العام، بشكل يرفع العدد الكلي لضحايا الصحفيين في سوريا إلى حوالي 84 صحفيًّا منذ بداية الثورة السورية وفق إحصاءات منظمة "مراسلين بلا حدود"، وهو الحال ذاته في الصومال التي شهدت م*** ما لا يقل عن 12 صحفيًّا من جانب حركة "شباب المجاهدين" على مدار العام.

متغيرات جديدة

واللافت في هذا السياق أن موجة التضييق الجديدة على حرية الصحافة ارتبطت بالتحولات السياسية والمجتمعية في دول الإقليم التي تحكمها التفاعلات المتذبذبة بين السلطة والمعارضة والمجتمع. ورغم أن انهيار النظم السلطوية دفع اتجاهات عديدة إلى توقع زيادة مساحة حرية الصحافة، فإن ما حدث كان عكس ذلك، حيث ظهرت متغيرات جديدة فرضت مزيدًا من القيود عليها، من أهمها:
1- صعود التيارات السلفية، حيث شهدت بعض دول الإقليم صعودًا مضطردًا للقوة السياسية للتيارات السلفية التي تتبنى توجهات محافظة ورؤى ملتبسة تجاه حرية الصحافة، بشكل جعل الأخيرة عرضة لحملات عنيفة، لا سيما في ظل تركيز الإعلام على التناقضات بين ممارسات مختلف التيارات الإسلامية وخطابها السياسي، وهو ما اعتبرته تلك التيارات استهدافًا مقصودًا لتقويض رأسمالها السياسي وشعبيتها لدى الناخبين، بعدما أتاحت لها الثورات حيزًا مهمًّا في المشهد السياسي.

2- تزايد الأطر التشريعية المقيدة، إذ صاحب الثورات العربية تشديد القيود القانونية في بعض الدول على حرية الإعلام بصفة عامة، ففضلا عن تعرض عدد من الإعلاميين والصحفيين للمحاكمة في بعض الدول لا سيما مصر وتونس بسبب المحتوى الإعلامي الذي تعتبره بعض الأطراف استهدافًا غير مهني يسعى إلى تضليل الرأي العام، فقد تم إغلاق قناة "الفراعين" الفضائية المصرية بحكم قضائي، كما هدد وزير الإعلام المصري صلاح عبد المقصود بإغلاق بعض القنوات الفضائية لا سيما قناة "دريم" لاعتبارات تتعلق بالترتيبات التنظيمية للممارسات الإعلامية.

3- احتدام الاستقطاب السياسي، فقد أسهم الصراع بين مختلف القوى السياسية لا سيما في دول الثورات في تصنيف وسائل الإعلام إلى ثنائيات جامدة ما بين داعم للسلطة ومناوئ لها، وهو ما يتوازى مع انقسامات أيديولوجية لا تقل حدة ما بين الإعلام الداعم للتيارات الإسلامية والإعلام المساند للتيارات المدنية، وقد أدى ذلك الاستقطاب إلى تقويض المهنية الإعلامية ودور الإعلام كقناة اتصال بين السلطة والمواطنين تمارس دورها بقدر من الحياد الذي يستتبع تمتعها بمصداقية تجعل وساطتها مقبولة لدى مختلف الفرقاء السياسيين.

4- تصاعد نشاط الميليشيات المسلحة، والذي يتسبب في فرض قيود واقعية على الصحفيين، مثلما يحدث في سوريا واليمن وليبيا والصومال والعراق، نتيجة الامتدادات المسلحة للقوى السياسية المختلفة في تلك الدول ونزوعها لل*** لضبط الخطاب الإعلامي المخالف لتوجهاتها.

5- ارتفاع سقف المحظورات السياسية، حيث لجأت بعض المؤسسات إلى تحصين ممارساتها من التناول الإعلامي على غرار المؤسستين العسكرية والقضائية، لما يكتنف عملهما من حساسية بالغة، بينما لجأت مؤسسات أخرى للتضييق على تغطية وسائل الإعلام لأنشطتها من خلال التكتم الشديد على شئونها، وعرقلة حرية تداول المعلومات، بما يؤثر سلبيًّا على مساحة المجال العام الذي تنشط في إطاره الصحافة.

مآلات متعددة

تبدو التحديات التي تواجه حرية الصحافة واسعة النطاق، بحيث يصعب تجاوزها نتيجة تجذرها في الممارسات السياسية والتفاعلات المجتمعية المرتبطة بتعقيدات النظم السياسية في دول الإقليم، بما يجعل حرية الصحافة رهنًا بعدة سيناريوهات ترتبط بالسياقات المختلفة: أولها، فرض قيود دستورية وقانونية وتنظيمية ضاغطة على حرية الصحافة على امتداد الإقليم. وثانيها، تصاعد حدة ال*** واستمرار استهداف الصحفيين في إطار نظم سياسية غير مستقرة تنشط في إطارها ميليشيات مسلحة ذات توجهات سياسية متعارضة. وثالثها، تطوير ضوابط مهنية تحقق الانضباط الإعلامي دون أن تقمع حرية الصحافة في الدول التي يحتمل أن تحقق قدرًا من الاستقرار السياسي والتوازن بين السلطة والمعارضة، بيد أن التطورات السياسية تجعل هذا السيناريو الأخير مستبعدًا على الأقل في الأمد المنظور.

aymaan noor
03-05-2013, 09:26 AM
المسئولية الغائبة:
تحديات الإعلام "الساخر" في مرحلة ما بعد الثورات العربية

http://rcssmideast.org/media/k2/items/cache/cd04214d115e7a754daa198b57282145_L.jpg

إبراهيم غالي

رغم أن الثورات العربية فتحت الكثير من الأبواب التي كانت موصدة في وجه الإعلام، إلا أن الإعلام "الساخر" ما زال غير مرحبٍ به لدى حكومات تلك الثورات، حيث تعرض في تونس، خلال شهر أغسطس الماضي، للمصادرة واعتقال القائمين عليه على نحو ما حدث بشأن برنامج "اللوجيك السياسي"، كما يتعرض لمواقف مشابهة في مصر على غرار ما يحدث مع برنامج "البرنامج"، حيث بدأت التحقيقات مع الإعلامي باسم يوسف بتهمة إهانة الرئيس وازدراء الدين الإسلامي. وفي الحقيقة فإن موجة التضييق الحكومي على الإعلام في كل من مصر وتونس لا تقتصر على الإعلام "الساخر"، بل إنها تمتد لتطال الإعلام بصفة عامة، حيث تتزايد القضايا المرفوعة ضد الإعلاميين والصحفيين في كلتا الدولتين.

وفي مصر ثمة نموذجان متناقضان يؤكدان انعكاس حالة الاستقطاب السياسي الحاد التي تشهدها الساحة السياسية في الوقت الحالي على العلاقة بين السلطة الحاكمة ووسائل الإعلام التي تعارض جماعة الإخوان المسلمين، ويوضحان كذلك غياب الفوارق والحدود بين رؤية السلطة للحرية الإعلامية التي تحاول أن تفرض عليها مزيدًا من القيود، وبين إعلام حر يحاول أن يتخلص من تلك القيود بصرف النظر عما قد يحدث من حالة من الانفلات وعدم مراعاة القواعد المهنية والمسئولية المجتمعية.

النموذج الأول، يبدو جليًّا في تصريحات الرئيس محمد مرسي الأسبوع الماضي، والتي أشارت ضمنيًّا إلى اتهام مؤسسات إعلامية وإعلاميين بالترويج للأكاذيب والنيل من شخصه، وهو ما تصادف مع قيام أنصار لتيار الإسلام السياسي بالاعتصام أمام مدينة الإنتاج الإعلامي في 24 مارس الفائت، ومحاصرة أبواب المدينة، ومنع بعض العاملين من الدخول أو الخروج والاعتداء على بعض الإعلاميين بدنيًّا ولفظيًّا، في خروج واضح عن حالة التظاهر السلمي التي تجاوزت حق الاحتجاج المشروع لتنال من حقوق الآخرين. ويتمثل النموذج الثاني فيما يحمله تحقيق النيابة العامة مع الإعلامي باسم يوسف من تناقضات واضحة لتغييب الفارق بين حرية الرأي والتعبير لوسيلة إعلامية يشاهدها الملايين، والتزام هذه الوسيلة بالضوابط القانونية والأخلاقية.

ترصد متبادل

هذه المشكلة تحديدًا تثبت وجود حالة من الترصد المتبادل بين مؤيدي رئيس الجمهورية الذين يدفعون باتجاه وقف بث هذا البرنامج الذي يرونه مؤثرًا، إلى حد كبير، على صورة وشعبية الرئيس والتيار الإسلامي بوجه عام، وبين معارضي الرئيس الذين يقفون إلى جانب كافة وسائل الإعلام التي لا تنتقد الرئيس فقط وإنما تسخر من أدائه العام ولو باستخدام عبارات نابية لم تعتد عليها أسماع المشاهد المصري.
وتكمن المشكلة الرئيسية التي تواجه حرية الإعلام في العالم العربي، وخاصة في دول الربيع العربي، في أن السلطات الحاكمة لم تستوعب ليس فقط حجم التغيرات في مجال التعبير والرأي الذي أتاحه بداية عصر الفضائيات المفتوحة، والذي حد كثيرًا من سيطرة الدولة على توجيه الإعلام واحتكار وسائله، وإنما لم تقم كذلك بصياغة تشريعات تتلاءم وبداية مرحلة جديدة من الحرية والمشاركة السياسية والمجتمعية، فاستمرت في فرض القيود السابقة نفسها على حرية الرأي، وأضافت إليها معوقات جديدة. ففي مصر وتونس، على سبيل المثال، تم الإبقاء على استمرار سيطرة الحكومة في فرض تراخيص البث دون تأسيس جهة رقابية مستقلة بذلك، وعلى القوانين المتعلقة بالتشهير الجنائي مثل المادة (98) من قانون العقوبات المصري التي تقضي بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تتجاوز 5 سنوات أو بالغرامة ضد من يحاكم بتهمة ""ازدراء الأديان"، والمادة (179) التي تنص على معاقبة كل من أهان رئيس الجمهورية بالحبس.

وعلى الجانب الآخر، أي ما يختص بالإعلاميين، فإن ثمة اتجاهات عديدة ترى أن معظم القنوات الخاصة تعتمد في الممارسة على إعمال نظرية "الحرية الإعلامية" المتجاوزة لأية ضوابط، ويسري ذلك على القنوات التي يمكن وصفها بـ"الدينية" والتي تسمح ببث فتاوى وأقاويل يفترض أنها تصدر عن متخصصين، لكنها تخرج عن نطاق التسامح الديني لتبث الكراهية ضد كافة المخالفين، وعلى القنوات "غير الدينية" التي انتقل معظمها من النقد إلى التجريح والسخرية والاستهزاء، فكلاهما، وفقًا لهذه الاتجاهات، يبدو أنه يرفض الرقابة والمسئولية ويسعى لتحقيق أقصى قدر من الربح المادي وتوجيه برامجه نحو غاية واحدة تفرض رؤيته هو ولا تعرض وجهة نظر الآخرين.

المسئولية الغائبة

وتبعًا لذلك، فإن الطرفين يغفلان، عن عمدٍ، أن ثمة ضوابط لحرية الإعلام، منها ضوابط قانونية وأخرى مجتمعية وثالثة دينية ورابعة ذاتية، وكلها تتعلق بالنظام والمصلحة العامة والأخلاق، كما اتضح في المادة (29) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي نصت على أن "يخضع الفرد في ممارسة حقوقه وحرياته لتلك القيود التي يقررها القانون فقط، لضمان الاعتراف بحقوق الغير وحرياته واحترامها ولتحقيق المقتضيات العادلة للنظام العام والمصلحة العامة والأخلاق في مجتمع ديمقراطي"، ويعني ذلك أن المسئولية المجتمعية والأخلاقية لا تمنح الإعلامي الحق المطلق في قول ما يشاء وقتما يشاء وبأي ألفاظ وتعبيرات، وإنما التقيد بمعايير المهنة والالتزامات الذاتية تجاه المجتمع.

ومما لا شك فيه، أن المسئولية الأكبر في تهيئة بيئة إعلامية أفضل تقع الآن على عاتق الإعلاميين في جانب كشف الحقائق وعرضها بحرفية عالية وبالتزام أخلاقي حتى تصل الرسالة الإعلامية، سواء من المؤيدين أو المعارضين، بشكل موضوعي يقود لتفعيل مساهمة الإعلام في أن يكون ركيزة لمجتمع تعددي أكثر انفتاحًا وحرية. ويقتضي ذلك توافق الإعلاميين، من شتى الاتجاهات، على ضرورة وضع قوانين ومعايير مهنية وأخلاقية تعيد التقيد الذاتي بالالتزام وبالضوابط المعروفة، وتحديد الحالات التي تقتضي اللجوء إلى القضاء بشكل واضح لا يحتمل التأويل والغموض، وفتح نقاش جدي حول معايير انضمام الأشخاص إلى منظومة العمل الإعلامي التي باتت متاحة للجميع دون ضوابط واضحة. أما السلطة الحاكمة فعليها مراجعة القوانين والتشريعات المقيدة لحرية الإعلام وتضييق الأحوال التي يتم فيها إحالة الإعلامي إلى التحقيق أو محاكمته، حتى لا تعود الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الثورات العربية.

aymaan noor
04-05-2013, 02:03 AM
باسم يوسف نموذجا:
فورين بولسي: مستقبل حرية الرأي تحت حكم الإخوان في مصر

http://rcssmideast.org/media/k2/items/cache/3329d3457818ad53d5d679622eeb71cc_L.jpg
ه. أ. هيلر
عرض :محمد الحسين عبد المنعم

أصبح من المألوف في الآونة الأخيرة تناثر الأخبار حول استدعاء النيابة العامة لعدد من الناشطين المعارضين لجماعة الإخوان المسلمين، للتحقيق معهم في بلاغات ضدهم، يرتكز أغلبها على آراء نشروها أو عبروا عنها عبر وسائل الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي؛ إلا أن هذه البلاغات بلغت ذروتها بصدور أمر ضبط وإحضار للإعلامي "باسم يوسف". اكتسبت قضية الإعلامي "باسم يوسف" زخمها لما يتمتع به برنامجه الساخر "البرنامج" من شعبية بين المصريين (شعب النكتة)، فضلا عن علاقته بوسائل الإعلام الأجنبية وظهوره على شاشاتها في أكثر من مناسبة، كان أبرزها ظهوره مع الإعلامي الساخر الأمريكي "جون ستيوارت"، والذي يحاكي باسم برنامجه إلى حد كبير.

استدعى أمر الضبط والإحضار لـ"باسم يوسف" بتهم تتعلق بـ"إهانة الرئيس" و"إهانة الإسلام" و"نشر أخبار كاذبة"، فضلا عن تزايد البلاغات المقدمة ضده، ردود أفعال عدة، منها على سبيل المثال إبداء الخارجية الأمريكية القلق حيال حرية الرأي والتعبير في ضوء القضية المثارة، بالإضافة إلى نشر الحساب الرسمي للسفارة الأمريكية على "تويتر" لمقطع فيديو قام فيه "جون ستيوارت" بالسخرية من التهم الموجهة لـ"باسم يوسف"، وهو ما استدعى ردًّا من الرئاسة عبر حسابها الرسمي، ترفض فيه تدخل البعثات الأجنبية في مثل هذا النوع من الدعاية.

وفي سياق متصل، نشر ه. أ. هيلر H. A. Hellyer، الباحث المقيم بالقاهرة، المتخصص في الشئون العربية والعلاقات الغربية بالعالم الإسلامي، والباحث غير المقيم بمشروع العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي بمعهد بروكينجز ومعهد السياسة الاجتماعية والفهم، مقالا في مجلة "الفورين بولسي" بعنوان: كارثة العلاقات العامة المصرية Egypt's public relations disaster.

يرتكز المقال حول فكرة أساسية، وهي "مستقبل حرية الرأي والتعبير في مصر الثورة"، وذلك من خلال عرض الكاتب لرؤيته حول ظاهرة "باسم يوسف"، خصوصًا وأنه تجمعه به علاقة شخصية، ثم يطرح عدة تساؤلات بخصوص رؤية الرئاسة وجماعة الإخوان المسلمين لحرية الرأي والتعبير.

ظاهرة "باسم يوسف"

يبدأ "هيلر" المقال بتخيل الخزي التي قد يلحق بالولايات المتحدة، إذا ما صدر أمر ضبط وإحضار لـ"جون ستيوارت" على خلفية تهكمه بالرئيس الأمريكي "باراك أوباما" أو "اليهودية" على سبيل المثال، وهو ما يجب أن تشعر به السلطات المصرية إثر الاتهامات التي وجهت لـ"باسم يوسف".

ويعطي الكاتب معلومات عن السياق الذي ظهر فيه "باسم يوسف" واصفًا إياه بـ"الظاهرة الفريدة"، بدءًا من صعوده عبر وسائل التواصل الاجتماعي ثم التليفزيون، وما اكتسبه من شهرة عربيًّا وعالميًّا، خصوصًا في ضوء قدرة "باسم يوسف" غير المنتمي لأحزاب، على دمج السخرية، التي اشتهر بها المصريون، بالتوعية السياسية. ويعتبر "باسم يوسف" أن الثورة مستمرة، وأن دوره فيها توسيع دائرة الخطاب العام، وإخضاع السلطة للمساءلة، وذلك عبر الدعابة، الأمر الذي قربه من قلوب المصريين والعرب حول العالم.

ويرى الكاتب أن تهمة "إهانة الإسلام" على وجه الخصوص "كيدية"، لأن "باسم يوسف" أكد أكثر من مرة فخره بكونه "مسلم"، فضلا عن أنه يعتقد أن الدين الإسلامي من النقاء ألا يتم تلويثه بالسياسة، وعليه فهو يحاول أن يظهر للناس الفرق بين الإسلام، وبين رجال الدين الذين يتبنون تفسيرات متشددة للدين، ويرفض الاعتراف بهم. وبإمكان "باسم يوسف" أن يلجأ للمحاكم لمواجهة إهانات رجال الدين المتشددين، إلا أنه يكتفي بإظهار "تعصبهم" عبر مقاطع فيديو خاصة بهم. وبشكل عام فإن مواقف وجهود أُناس مثل "باسم يوسف" ستساهم فيما إذا ما كان سينتصر التفسير الوسطي المعتدل للإسلام أم سيستمر التفسير العدائي، والمسيس الضيق.

رؤية الرئاسة والإخوان لحرية التعبير

قدر أحد المحامين أن عدد القضايا المرفوعة تحت مسمى "إهانة الرئيس" في الـ200 يوم الأولى من حكم الرئيس "مرسي" أكبر من تلك التي رفعت خلال الـ30 عامًا من حكم مبارك. ويتساءل "هيلر" عن تأثير تهمة "إهانة الرئاسة"، حتى لو أهانها "باسم" بكل ما يملك من قوة، على المؤسسة الأقوى في مصر، والتي ليست بحاجة لقانون يحميها، بالرغم من وجود قانون يجرم إهانة الرئيس، وطالب الثوار بإلغائه في مصر الثورة، خصوصًا وأن مثل هذا القانون قد يتم استخدامه لأغراض أخرى تتعدى القذف والتشهير، لقمع المعارضة وإسكاتها، في ظل مكتب قانوني تابع بصورة أو بأخرى للتيار السياسي الذي عينه.

وبشكل عام، فإن قضية "باسم يوسف" يمكن اعتبارها مؤشرًا على تنامي تأثيره لدرجة تعدت المسموح من وجهة نظر مؤسسة الرئاسة. بينما يظل السؤال الأكبر، الذي يدور حول حرية الرأي والتعبير في مصر ما بعد الثورة؛ فبالرغم من إعلان حزب الحرية والعدالة رسميًّا عدم مسئوليته عن البلاغ، إلا أنهم لم ينتقدوا الإجراء القانوني المتبع حيال "باسم يوسف"، والتي من ضمنها بعض مواد في الدستور الممرر أواخر 2012. هذا فضلا عن أن بعض مؤيدي "مرسي" (من ضمنهم قيادات في حزبه) قد دعموا وجود آليات تتيح تغريم أشخاص مثل "باسم" بتهمة تشويه السمعة.

إن نموذج الإعلام الحر المنفتح أصبح مطلبًا هامًّا، لدولة تحتل المركز الـ158 في "مؤشر حرية الصحافة" الصادر عن "مراسلون بلا حدود"، والفرصة الآن سانحة، كما لم تكن من قبل، أمام السلطات المصرية لاتخاذ خطوات لتصحيح ذلك الوضع.

ويضيف الكاتب، أن الخيارات أمام "مرسي" واضحة، إما أن يلتزم الصمت إزاء القضية المرفوعة، أو أن يخرج ليعلن أنه لا يتدخل في أعمال القضاء، إلا أن مثل تلك القضية لا تكتسب تأييد الرئاسة. فضلا عن إظهار جديته في هذا الشأن من خلال إحالة القانون الخاص بـ"إهانة الرئيس" للبرلمان لتعديله، لكي لا تستخدم مثل تلك الأدوات القانونية العتيقة لخنق النقد. ويعتبر "هيلر" أن وجود مثل هذا القانون في الأصل هو "إهانة" في حد ذاته للرئاسة، لأنه يظهرها بمظهر المتزعزع غير الواثق، وأن مثل هذه الخطوات، إن اتبعها "مرسي"، ستبعث برسالة للإعلام المصري أنه لا مزيد من القبض والاحتجاز على خلفية التعبير عن الرأي، ببساطة لأن الشخص العادي لا يمنح قداسة للسلطة السياسية كما يتمنى بعض السياسيين.

ويختتم الكاتب المقال بأن قضية مستقبل حرية الرأي والتعبير في مصر ما بعد الثورة، وليس "باسم يوسف" بشخصه، على المحك، وأن الوسيلة الوحيدة التي يمكن لمرسي أن يبعث من خلالها رسالة واضحة للشعب المصري أن مصر الجديدة الحقيقية هي مصر أكثر حرية، هي أن يقبل "مرسي" دعوة "باسم يوسف" لبرنامجه.

aymaan noor
05-05-2013, 02:29 AM
من يقود من؟ :
الإعلام والشارع بعد ثورات الربيع العربى

http://rcssmideast.org/media/k2/items/cache/0c758c944f0062609b2677e28107bc5e_L.jpg
صبحى عسيلة

بينما قاد الإعلام الإلكتروني موجة التغيير في العالم العربي من عالمه الافتراضي، حيث لعب "الفيس بوك" دورا أساسيا في إشعال الثورات العربية في ظل غياب أو "غفلة" من الإعلام التقليدي، الأمر الذي تسبب في موجة عاتية من النقد لذلك الإعلام التقليدي، فإن تطورات الأحداث في دول الربيع العربي أعادت الإعلام التقليدي مرة أخرى إلى الواجهة لأسباب كثيرة

لعل أهمها الإمكانيات غير المحدودة التي يتمتع بها ذلك الإعلام في التواصل مع الشارع العربي، بما جعله الوسيلة الأولى التي يعتمد عليها المواطنون لمعرفة الأخبار. وعبر نقله وتفاعله مع كافة الأحداث والتطورات عاد الإعلام التقليدي إلى مكانته في التأثير في توجهات الشارع العربي، ولكنه عاد أيضا إلى التأثر به والتفاعل معه، وأحيانا للخضوع إليه في محاولة لتلبية رغباته.

وذلك على الرغم من أن أحد أهم أدوار الإعلام هو قدرته على وضع أجندة الأولويات Agenda setting، أو كما قال (برنارد بيرلسون Bernard Berelson) في مقالته عن "الاتصالات والرأي العام" أن وسائل الإعلام تعد المسرح السياسي للمناظرات الجارية، ويرى أن هناك بعض الدلائل بان المناقشات الخاصة حول المسائل السياسية تأخذ مؤشراتها من عرض وسائل الإعلام لهذه المسائل، إذ أن الناس يتحدثون في السياسة متماشين في ذلك مع الخطوط التي ترسمها الصحافة. فوسائل الإعلام في النهاية لن تستطيع أن تقدم كل ما يحدث ومن ثم فهي تختار بعض الموضوعات التي يتم التركيز عليها بشدة والتحكم في طبيعتها ومحتواها.

وفي هذا السياق، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو؛ من يضع الأجندة لمن، أو من يمتلك دفة القيادة؛ الإعلام أم الشارع. ومرة أخرى تم توجيه سهام النقد الشديد إلى وسائل الإعلام وتحميلها في كثير من الأحيان مسئولية ما يحدث من أحداث سلبية في الشارع، وكذلك المسئولية عن التخبط والضبابية الموجودة في الشارع. وفي هذا السياق تم تحميل المسئولية مثلا للإعلام خاصة الرسمي في مصر عن تطورات الأحداث فيما عرف بأحداث ماسبيرو في أكتوبر 2011، وتم تحميل الإعلام خاصة الرياضي والخطاب الإعلامي عامة جزء كبير من المسئولية عن الأحداث الدامية التي شهدها إستاد بورسعيد في بداية شهر فبراير 2012 بعد انتهاء مباراة النادي الأهلي ونادي المصري البورسعيدي، والتي راح ضحيتها 74 مواطنا.

وفي الحالتين جاء تحميل المسئولية عبر تقرير للجنة شكلها وزير الإعلام المصري في الحالة الأولى، وعبر تقرير للجنة تقصي الحقائق شكلها مجلس الشعب في الحالة الثانية. ومن الواضح أن الإعلام خاصة المرئي بدأ يشعر هو الأخر بمسئوليته عن الأحداث واتجاه تطورها وتأثيرها على الشارع، فشرعت بعض القنوات الفضائية في أعقاب واقعة إستاد بورسعيد في الامتناع عن عرض صور الواقعة وتخفيف التركيز الإعلامي عليها وعلى مجرياتها، ولاحقا في تغطية الأحداث التي تلتها في محيط وزارة الداخلية، بما ساهم بشكل أو بآخر في تجاوز تلك الأزمة بكل تبعاتها.

ظواهر أساسية

وفي هذا السياق لابد من الإشارة إلى الظواهر التالية التي تشير إلى طبيعة العلاقة بين الإعلام والشارع في فترة الربيع العربي:

أولا: ظاهرة "شاهد العيان" ومعها ظاهرة "المواطن الصحفي".فمع الصعوبات التي واجهها الإعلام في تغطية تحركات الشارع خلال الثورات العربية، وربما بسبب عدم جاهزية الإعلام للتعامل مع مثل هكذا مواقف انتشرت ظاهرة اعتماد وسائل الإعلام على شاهدي العيان بكل ما تحمله من تعارض مع أساسيات العمل الإعلامي والتي يتمثل أهمها في التحقق من المعلومات قبل عرضها على الجماهير. كما انتشرت ظاهرة الاعتماد على المواطنين أنفسهم في تغطية الأحداث من خلال كاميراتهم خاصة عبر الموبايل وإرسالها إلى القنوات.

وخصصت العديد من القنوات مواقع لتلقي المواد التي يصورها ويرسلها المواطنون. ومع أن تلك الظاهرة خدمت إلى حد بعيد وسائل الإعلام عبر تقديم ما يمكن اعتباره جديدا أو مثيرا للرأي العام، فإنها في الحقيقة انتزعت دور الإعلام في توجيه الرأي العام وباتت هي أسيرة لما ينقله المواطنون، وتحولت في حقيقة الأمر إلى مجرد "قناة" يستخدمها المواطنون لبث وإذاعة ما يريدون على الرأي العام. وفي هذا الإطار كان طبيعيا أن تنشأ ظواهر أخرى مصاحبة لتلك الحالة لعل أهمها ما يمكن تسميته "حرب الكليبات" و"حرب الصور"، والتراجع أو الاعتذار في بعض الأحيان عن إذاعة بعض المعلومات والصور التي يتضح فيما بعد أنها غير حقيقية. وهو ما ساهم في النهاية في مزيد من الضبابية لدى الرأي العام، بينما أحد أهم أدوار الإعلام هو "تنوير" الرأي العام وتزويده بالمعلومات التي تجعله قادر على تقدير الموقف بشكل أفضل
.
ثانيا: الانفجار غير المسبوق في عدد وسائل الإعلام. فخلال الستة أشهر الأولى عقب الثورة، شهدت مصر انطلاق عدد من القنوات التليفزيونية (أكثر من 20 قناة) يماثل عدد ما تم إطلاقه في مصر خلال 15 عاما سابقة على الثورة. هذا بالإضافة إلى بعض الصحف الجديدة التي صدرت مثل التحرير والحرية والعدالة. والمشكلة الحقيقية في تزايد عدد وسائل الإعلام بهذا الشكل هي أنه يأتي في وقت يتراجع فيه الاقتصاد القومي بكل ما يمثله من تداعيات على سوق الإعلانات، بما يطرح الكثير من التساؤلات وأحيانا الشكوك حول أهداف مالكي تلك القنوات خاصة وأنه لا توجد معلومات كافية حول مصادر تمويل تلك القنوات. الأمر الذي يبرر الاعتقاد بأن وراء تلك المشروعات الإعلامية مشروعات سياسية للقائمين على تلك المشروعات، بل إن الكثير من القنوات الجديدة يعبر عن أفكار سياسية محددة، بعضها طائفي أو مذهبي. وهو ما يفسر بدوره افتقاد وسائل الإعلام تلك أو بالأحرى ابتعادها عن الدور الحقيقي للإعلام والتزام المهنية والموضوعية.

ثالثا: سعي وسائل الإعلام إلى منافسة الإعلام الإليكتروني تحت ضغط ما يفرزه الأخير من ضغوط وتحديات. وهي المنافسة التي أفقدت وتفقد الإعلام التقليدي الكثير مما يتمتع به لدى القطاع العريض من الشارع خاصة الجانب المتعلق بتحري الدقة والمصداقية. بينما يتميز الإعلام الإليكتروني بالسرعة الهائلة والحرية شبة التامة في نقل الأخبار والأفكار، نظرا لصعوبة ممارسة أي نوع من الرقابة على هذا النوع من الإعلام. وربما يكون النجاح الأساسي والوحيد للإعلام التقليدي في ظل الربيع العربي هو النجاح في توظيف وسائل الاتصال الجديدة في الخدمة الإعلامية التي يقدمها، أي أن المنافسة مع الإعلام الإليكتروني أجبرت الإعلام التقليدي على التوجه باتجاه نوع من "التحديث" والتجديد في خدماته الإعلامية، وكذلك الاهتمام بعملية البث المباشر عبر الانترنت.

رابعا: عدم وجود رؤية ونفاق الشارع. بدا الإعلام التقليدي في مواجهة تسارع الأحداث فاقدا لرؤية واضحة لكيفية التعامل أو التفاعل مع تلك الأحداث، وظلت الرغبة في كسب الشارع هي المحدد الأساسي فيما يقدمه الإعلام التقليدي، فضاعت "البوصلة الإعلامية"، خاصة في ظل توجهات النخبة الإعلامية المتواجدة على الساحة. وهي النخبة التي لم تشهد تجديدا يذكر سواء على مستوى الأفكار أو على مستوى الأشخاص. بل إن بعض التجديد في تلك النخبة جاء فقط "لمغازلة" الشارع والميادين الملتهبة (الشيخ مظهر شاهين نموذجا).

امتحان عسير

والحاصل أن الثورة ـ على نحو ما يؤكد العديد من خبراء الإعلام ـ لم تصل بعد إلى الإعلام سواء الحكومي أو الخاص، المقروء منه والمرئي. وعلى الأرجح فإن الإعلام التقليدي ـ كما دول الربيع العربي ـ يمر بمرحلة انتقالية تمثل "امتحانا" عسيرا للإعلام التقليدي، على اعتبار أن أداء الإعلام في تلك المرحلة سيؤسس إلى حد بعيد لما سيكون عليه الإعلام فيما بعد. وهنا سيكون الإعلام أمام خيارين:

الأول: أن يتعرض الإعلام، نوعا وكما، لمزيد من التضييق الرسمي عبر إصدار تشريعات ـ ينادي بها الكثيرون ـ لتنظيم العمل الإعلامي وضبط أداءه، حماية للرأي العام من حالة "الانفلات الإعلامي" الحالية.

الثاني: أن يعدل الإعلام أداءه عبر مزيد من المهنية والموضوعية ومبادرة العاملين في تلك الصناعة لبلورة رؤية ذاتية للتعامل مع الانفلات الإعلامي والأداء غير المهني الذي تمارسه بعض وسائل الإعلام، بما يكسبه في النهاية مزيدا من المساندة الشعبية. الأمر الذي يصعب من محاولات التضييق عليه.

ولكن تبقى المشكلة أن الإعلاميين ما زالوا عاجزين حتى اللحظة على الإمساك بزمام المبادرة سواء في قيادة الرأي العام أو في وضع إستراتيجية تقي الإعلام هجمة محتملة من الحكومات القادمة بصرف النظر عن طبيعة تلك الحكومات، فلن تعدم أي حكومة آتية المبررات لمحاولتها التضييق على الإعلام. كما أن الأداء الإعلامي خلال الفترة الانتقالية لا يشير إلى مكانية صمود الإعلام مستقبلا في وجه محاولات التضييق عليه. ومن ثم يعود الإعلام للخضوع مرة أخرى للتوجيه الرسمي، بعدما أخذته موجة الربيع العربي للانقياد إلى الشارع ورغباته.

أ/رضا عطيه
05-05-2013, 02:35 AM
جزاكم الله خيرا

aymaan noor
05-05-2013, 10:30 PM
جزاكم الله خيرا

جزاك الله خيرا أستاذ رضا و بارك الله فيك

aymaan noor
05-05-2013, 10:51 PM
الفضاءات المفتوحة:
التأثيرات السياسية للإنترنت في المنطقة العربية

http://rcssmideast.org/media/k2/items/cache/46276ded2fdd3245a9a8536c50ae55dd_L.jpg
محمد عز العرب - أحمد زكريا الباسوسي

لم يعد التأثير السياسي الذي أحدثته شبكة الإنترنت على الساحة العربية، في مرحلة ما بعد الثورات الشعبية والاحتجاجات الجماهيرية، افتراضيًّا، بل صار واقعيًّا، حيث امتد من المغرب إلى البحرين، ومن الأنظمة الجمهورية إلى الملكيات الخليجية، إلى درجة أن هناك من يعتبرها فاعلا أساسيًّا، ليس في نقل التحولات الداخلية فقط بل في صنعها أيضًا، إلا أن التحدي القادم يتمثل في مدى نجاح هذه الشبكة في التعامل مع القضايا النوعية الجديدة، وتحديدًا قضايا المرأة والأقليات والشباب، وخلق رأي عام داعم لها، في ظل "فضاء مفتوح" متسع وآخذ في التزايد، بما يكشف عن نزعة نحو مجتمعات عربية أكثر ديمقراطية، في ظل تعثر التحولات التي تقودها الأنظمة السياسية، وخاصة في المراحل الانتقالية من الثورة إلى الدولة.

ووفقًا للتقرير الذي أصدرته الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان في 25 فبراير 2013، فقد تزايد عدد مستخدمي الإنترنت في الدول العربية إلى 103 ملايين نسمة، وبلغ عدد مستخدمي "فيس بوك" 43 مليونًا مقابل 1.5 مليون يستخدمون "تويتر"، وذلك مقارنة بـ72 مليون مستخدم للإنترنت و45.2 مليون مستخدم لـ"فيس بوك" في منتصف عام 2012.

إجراءات مقيدة

يبدو أن النظم العربية قد أدركت أن الإنترنت قد أصبح أحد الأدوات الفاعلة التي تستخدمها قوى المعارضة، سواء للحشد أو لتعبئة الرأي العام ضدها، وهو ما دفعها إلى السعي لتحجيم آثاره، عبر أدوات عديدة يأتي في مقدمها:

1- المواجهة الأمنية، حيث سعت بعض الدول إلى إغلاق مواقع هامة على شبكة الإنترنت، لا سيما "يوتيوب"، باعتبارها أداة لتوثيق وتسجيل الانتهاكات التي ترتكبها النظم الحاكمة. وتأتي المملكة العربية السعودية في مقدمة الدول العربية التي تحجب المواقع الإلكترونية، في حين تأتي العراق وتونس ولبنان في المراتب الأخيرة، وفقًا لأحدث تقرير صادر عن الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان.

2- الملاحقة القضائية، وهي إحدى الآليات التي انتشرت في الآونة الأخيرة، لمواجهة الحراك الشعبي الناتج عن مواقع التواصل الاجتماعي، فقد شهدت معظم الدول العربية، خصوصًا مصر والكويت والبحرين وسلطنة عمان والمغرب، ملاحقات قضائية للنشطاء وصلت إلى حد الحبس والغرامة في محاولة لتحجيم آثارها، وقد حلت الكويت في المرتبة الأولى في مجال ملاحقة النشطاء في قضايا النشر على مواقع التواصل الاجتماعي.

3- المعالجة التكنولوجية، إذ بذلت بعض الحكومات العربية جهودًا لاستخدام التكنولوجيا ذاتها بهدف مواجهة "المد المعارض" الذي نجح في توظيف الإنترنت خلال العامين الماضيين وأسهم في جذب الأنظار لعدد من القضايا التي أثارت الرأي العام، وأرغمت حكومات على اتخاذ قرارات ضد رغبتها. وفي هذا الإطار، تم تعليق حسابات العديد من المواقع، التي ترى فيها بعض الدول خطرًا على استقرارها السياسي والاجتماعي، كما تم تعليق بعض قنوات الاتصال، جملة وتفصيلا، لضمان عدم التنسيق بين أفراد الجماعات التي تهدد أمن البلاد من وجهة نظر تلك الحكومات، التي يقوم عدد منها بإظهار حضوره على شبكة الإنترنت من أجل التواصل مع الأعداد المتزايدة من المواطنين الذين يستخدمون الإنترنت، ومع الجمهور العالمي المهتم بشئون المنطقة العربية.

قضايا جديدة

أضفى الاستخدام الواسع للإنترنت في الدول العربية أهمية وزخمًا خاصًّا على قضايا نوعية جديدة على الساحة، تتمثل في:

1- الدفاع عن حقوق المرأة، وهي إحدى أبرز القضايا الجديدة التي بدأت تُستخدم فيها تطبيقات الإنترنت، حيث تم تكوين صفحة تحت مسمى "انتفاضة المرأة في العالم العربي"، بلغ عدد مشتركيها 80 ألف مشترك من شتى أنحاء المنطقة العربية حتى نهاية عام 2012، وقد تكونت تلك المجموعة بمشاركة أربع ناشطات من دول عربية مختلفة، واهتمت بفكرة "إسقاط الذكورية" من المجتمعات العربية، وذلك حتى تشارك المرأة في السلطة التنفيذية والمجالس التشريعية، والمطالبة بالمزيد من الحقوق الاجتماعية للمرأة العربية.

2- تبني قضايا الأقليات، لا سيما مع قدرة مواقع الإنترنت على تجميع وتبادل الأفكار، وتوحيد المطالب بين الأقليات المنتشرة في المنطقة، خصوصًا الأقليات الأمازيغية، التي أنشأت عددًا كبيرًا من الصفحات على موقع "فيس بوك" أبرزها ما يسمى "باتحاد الصفحات الأمازيغية التونسية"، و"أمازيغ ليبيا الأحرار"، و"الشبكة المصرية من أجل الأمازيغ"، والصفحات التي تدعم تعليم اللغة الأمازيغية في الإقليم ككل، فضلا عن المواقع الإلكترونية التي تهتم بقضايا الأمازيغ الخاصة مثل "عالم الأمازيغ". وتمثل الأقليات الكردية مثالا آخر لاستخدام الإنترنت في نشر قضيتها وذلك عبر تأسيس العديد من الصفحات التي تهتم بتغطية أوضاع هذه الأقليات.

3- الاهتمام بمشكلات الشباب، إذ أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي ساحة حقيقية لمناقشة أبرز مشكلات الشباب في دول المنطقة، ومن أهم الصفحات التي يدشنها الشباب من دول عربية مختلفة على الإنترنت تلك التي تخص آليات الإدماج الشبابي في هياكل النظم القائمة، والإحلال الجيلي، ومواجهة المذهبية والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية مثل البطالة وتأخر سن الزواج، على نحو ما أبرزته صفحات "كيف نقضي على البطالة؟" و"الشعب يريد توظيف الخريجين" في مصر.

وخلاصة القول، إن شبكة الإنترنت، بتطبيقاتها المختلفة، لا تمثل العامل الأساسي في التحولات الداخلية التي شهدتها العديد من الدول العربية في العامين الماضيين، إلا أنها صارت إحدى الأدوات المساهمة في تهيئة متطلبات هذا التحول أو ذاك، بعد أن أصبحت الوسيلة الأساسية لكثير من القوى السياسية والاجتماعية في توصيل رؤاها ومواقفها المختلفة.

singer111
05-05-2013, 11:07 PM
جزاك الله خيرا

aymaan noor
06-05-2013, 01:25 PM
المحور السادس: العلاقات الخارجية

شراكة "مرتبكة":
نمط جديد للعلاقات بين واشنطن والإخوان في دول الثورات العربية

http://rcssmideast.org/media/k2/items/cache/ea91bb19891b6c623322a2cb25533741_L.jpg
عفراء أحمد البابطين
باحثة في الشئون السياسية - دولة الكويت

رغم اندلاع ثورات "الربيع العربي" في تونس ومصر وليبيا واليمن، ونجاحها في إسقاط أنظمتها، لا تزال هذه الدول تمر بمرحلة ممزوجة بالفوضى وعدم وضوح شكل وأسلوب ومنهج أنظمة الحكم الجديدة. فوصول جماعات الإسلام السياسي إلى سدة الحكم في بعض هذه الدول، وتنامي نفوذها السياسي في دول أخرى؛ بدأ يطرح تساؤلات عدة حول كيفية إدارة تلك الجماعات لدولها، وحول طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها القوة الأكثر تأثيرًا في المنطقة، وهذه الجماعات.

وتشيرُ عدة وقائع سياسية إلى أن هناك قبولًا أمريكيًّا لجماعات الإسلام السياسي، وتحديدًا جماعة الإخوان المسلمين، على خلاف ما كان سائدًا منذ عقود من الزمن؛ حيث كانت الجماعة تنتقد الولايات المتحدة الأمريكية لدعمها الديكتاتوريات القائمة آنذاك في الدول العربية، ومن الجهة المقابلة، كانت الولايات المتحدة تخشى هذه الجماعة وغيرها من جماعات الإسلام السياسي، وتعتقد أنها غير قادرة على تبني قواعد الديمقراطية والالتزام بها؛ حيث لم تر فيها "حليفا إستراتيجيا" يحافظ على المصالح الأمريكية في المنطقة.

إن هذا التحول السريع في العلاقات بين الولايات المتحدة وجماعة الإخوان المسلمين، لم يكن ليحدث لولا التغيرات السياسية الأخيرة في المنطقة، فلطالما كانت واشنطن مترددة في دعم مشاريع دعم الديمقراطية في العالم العربي خوفا من تصاعد الوزن السياسي لجماعات الإسلام السياسي في ظل ضعف التيارات الليبرالية في المنطقة، ولكن بعد أن تغير المشهد السياسي نتيجة الثورات العربية وإسقاط معظم النظم السلطوية الحاكمة؛ تغيرت رؤية واشنطن لهذه الجماعات.

وفي هذا الإطار؛ تحاول هذه الورقة تحليل أبعاد ودوافع هذا التحول في العلاقة بين الولايات المتحدة وجماعات الإسلام السياسي، وتحديدًا جماعة الإخوان المسلمين، باعتبارها الجماعة الأكثر تأثيرًا في المشهد السياسي العربي؛ حيث تحولت العلاقات بين الجانبين من انعدام الثقة المتبادلة، إلى ما يشبه "الشراكة" بينهما. كما تحلل الورقة العوائق والإشكاليات التي يمكن أن تكتنف هذه العلاقة الجديدة خلال الفترة المقبلة، وكيف ستتم إدارتها.

دوافع التحول في العلاقة:

لقد تراجعت مكانة الولايات المتحدة الأمريكية عالميًّا، وهو أمر يمكن تَلَمُّسُهُ من خلال إخفاقها في المجالين الاقتصادي والعسكري؛ حيث تراجعت قوة الولايات المتحدة أمام الصين وروسيا بصورة كبيرة مقارنة بفترات سابقة، وتُعتبر أزمتا إيران وكوريا الشمالية والصراع في سوريا مثالا واضحا على ذلك؛ حيث لم تستطع الولايات المتحدة أن تفرض هيمنتها ولا قوتها المعتادة على الصين أو روسيا لحل هاتين الأزمتين، وخاضت حروبًا ودخلت في تصفيات سياسية وأمنية كبيرة للحد من ظاهرة الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، ومن ذلك حربها ضد حكم طالبان في أفغانستان؛ حيث لا يزال الوضع مرتبكًا وضبابيًّا هناك دون تحقيق نجاح يذكر. كما فشلت الولايات المتحدة في حربها على العراق؛ حيث أخفقت في تحويل العراق إلى "نموذج" للديمقراطية في الوطن العربي. لذا فإن الفشل في حل تلك القضايا أرهق الإدارة الأمريكية، ووضعها في حرج كبير، ناهيك عن أنها في الفترة الأخيرة لم تستطع أن تضع حلولا لإنهاء الصراع في سوريا.

ويمكن القولُ، إن رغبة الولايات المتحدة في تجاوز هذا الوضع، وتحقيق اصطفافات سياسية تضمن أمنها الإستراتيجي، ومصالحها في المنطقة؛ لم يُبقِ أمامها من خيارٍ بعد قيام ثورات الربيع العربي إلا مساعدة الشعوب العربية في تحقيق الديمقراطية والحرية وضمان الشفافية ومكافحة الفساد لكي تنشأ من خلالها بيئة مستقرة تخدم مصالحها. وبالتالي، وجدت الولايات المتحدة نفسها "مضطرة" للتقرب من جماعة الإخوان المسلمين، كإحدى قوى الإسلام السياسي، والتي حققت انتصارًا شعبيًّا في أغلب دول الثورات العربية.

وهذا التقاربُ الاضطراري قد يحل محل النمط القديم الذي ميز السياسات الأمريكية؛ حيث كانت تصنف تيارات الإسلام السياسي عامة، على أنها جماعات وأحزاب وحركات متطرفة وإرهابية غير قادرة على دعم الديمقراطية. وبذلك فإن الولايات المتحدة تنتهج مسعى جديدًا يهدف إلى دعم هذه الجماعات التي أصبحت واقعًا سياسياً؛ حيث أصبحت هي من يحكم، ويرعى مصالح شعوبها عبر القانون والدستور الذي من المفترض أن يحمي حقوقَ الإنسان، ويدعم حرية الفكر والتعبير، ويضمن حماية الأقليات، ويدعم حقوقَ المرأة.

البحث عن شراكة "حقيقية"؟

منذ اندلاع ثورات "الربيع العربي"، احتفت الولايات المتحدة بتونس كونها أول دولة تصنع "الربيع العربي الديمقراطي"، ففي خطاب الرئيس باراك أوباما لتونس أشار إلى أن "قصة تقرير المصير بدأت مع الشاب التونسي محمد البوعزيزي، الذي أحرق نفسه وأدى الى اندلاع ثورة حتى غادر الديكتاتور". وتحليل خطاب الإدارة الأمريكية تجاه ما يحدث في الشرق الأوسط، وخصوصا بعد أحداث "الربيع العربي"؛ توضح التحول السريع والتقبل المسبق لنتائج الثورات العربية، سواء كانت حكومات إسلامية أم غيرها؛ حيث قدمت الولايات المتحدة كل ما تحتاجه مصر وتونس من دعم معنوي ودبلوماسي، سواء على مستوى خطابات الرئيس الأمريكي باراك أوباما، أو تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون.

فبعد ثورة الياسمين التونسية؛ انتقد الكثير من المحللين السياسيين عدمَ قدرة الحكومات التونسية -وخاصة حكومة محمد الغنوشي وقائد السبسي- على تسويق الثورة التونسية في واشنطن، على نحو يوفر ما تحتاجه تونس من دعم اقتصادي، وفي هذا الخصوص، يرى رضوان المصمودي أن الحكومتين التونسيتين بعد الثورة "أضاعتا كثيرا من الفرص للحصول على الدعم الاقتصادي الكافي لإنجاح الانتقال الديمقراطي، فالدعم السياسي الأمريكي لتونس موجود، وساهم في حماية الثورة من كثير من أعدائها في الداخل والخارج، ولكن الدعم الاقتصادي بالخصوص ما زال دون المطلوب، وأن الشراكة بين البلدين لم تبلغ المستوى المأمول". وبالتالي، تحتاج تونس إلى الدعم الاقتصادي الأمريكي بقدر حاجتها للدعم السياسي والدبلوماسي.

أما في حالة مصر؛ فبعد أن كان الرئيس السابق حسني مبارك من أقوى حلفاء واشنطن الإستراتيجيين في المنطقة، نظرا لما لمصر من مكانة وقوة ووزن في منطقة الشرق الأوسط؛ لم تختلف الرؤية الأمريكية حول الثورة المصرية وحق الشعب المصري في الانتفاض وتغيير النظام عن حالة تونس وليبيا واليمن آنذاك. ومتابعة التطورات اللاحقة، تكشف عن مدى التقارب والقبول الأمريكي لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، بدءًا من حصول حزب الحرية والعدالة على 45% من مقاعد مجلس الشعب المصري، حتى وصول الرئيس محمد مرسي إلى سدة الحكم في مصر. ويبدو أن الجانب الأمريكي يراهن على قدرة الإخوان المسلمين على تبني مبادئ الديمقراطية، والحفاظ عليها، والالتزام بها، كونها أصبحت مطلبًا شعبيًّا يجعل من الصعب أن تحيد عنه جماعة الإخوان، وخصوصا بعد أحداث "الربيع العربي".

وهذا الوضع يفرز إشكالية جديدة في شكل وطبيعة علاقة واشنطن مع دول الثورات العربية، فالحكومات العربية الجديدة تسعى لتوطيد العلاقات مع واشنطن بشرط عدم الاصطفاف وراء القرار السياسي الأمريكي كما كان يحدث في السابق، فعندما ثارت الشعوب العربية على أنظمتها، لم تكن الشئون الخارجية لدولها -وتحديدًا في حالتي تونس ومصر- منفصلة عن الشئون الداخلية. حيث إن نظرية "التابع والمتبوع" ونظرية "الولاء المطلق" للولايات المتحدة، وكسب لقب الحليف أو الصديق الإستراتيجي، لم تعد من اهتمامات هذه الشعوب في الوقت الراهن، حيث تريد هذه الشعوب من الولايات المتحدة شراكات اقتصادية وتكنولوجية وعلمية حقيقية، على أسس تقوي من اقتصاد دولها، وتحول دون اعتمادها على المعونات والمساعدات المالية.

أربعة معوقات متصورة:

من الضروري القول إن الولايات المتحدة لم تخرج عن المألوف في تصريحاتها تجاه الثورات العربية، فطالما كانت واشنطن طرفا أساسيا في محادثات السلام في الشرق الأوسط، وفي التأثير في عملية التغيير السياسي في المنطقة العربية، ولها من العلاقات والمصالح في دول الشرق الأوسط ما يجعلها قوة مهمة لا يمكن إغفالها. لكن الواقع السياسي الجديد يؤكد أنه إذا كانت الولايات المتحدة مهتمة باستمرار علاقاتها "الجيدة" مع الدول العربية، فلا بد لها من تغيير إستراتيجياتها احترامًا لرغبة الشعوب العربية، وتأكيدًا منها على حرية التعبير والتداول السلمي للسلطة.

ولكن هذا لا يعني أن تغير واشنطن إستراتيجياتها تجاه المنطقة بما يضر مصالحها، وينشئ بيئة جديدة تضر بها، سواء من خلال الإرهاب أو أي صورة أخرى. فهناك أولويات محددة في سياسة الولايات المتحدة في المنطقة، وأية انحرافات في سياسات جماعة الإخوان المسلمين على نحو يضر بالمصالح الأمريكية سيشكل عوائق وكوابح يمكن أن تسبب ارتباكًا في تلك العلاقة الجديدة. ويمكن أن نوجز تلك الأولويات الأمريكية تجاه المنطقة في أربع قضايا رئيسية.

تتمثل القضية الأولى، في أمن إسرائيل، والذي يُعتبر قضية جوهرية للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه المنطقة. فالولايات المتحدة لا يمكن أن تطور علاقتها مع جماعة الإخوان المسلمين بدون ضمانات فعلية لحماية أمن إسرائيل، ويعد الهجوم الذي وقع مؤخرا في سيناء، وأودى بحياة 16 من قوات حرس الحدود المصرية؛ أول اختبار حقيقي لجماعة الإخوان في هذه القضية، ورغم أهمية قرارات الرئيس مرسي التي اتخذها بعد هذه العملية، والخاصة بإحالة وزير الدفاع المشير طنطاوي ورئيس الأركان سامي عنان للتقاعد؛ إلا أن ما يهم واشنطن هو أن يلتزم بالمعاهدات الدولية، وخصوصًا معاهدة السلام مع إسرائيل، وأن يقف في وجه الجماعات الإرهابية؛ حيث لا يمكن أن تتوطد العلاقات بين الجانبين دون تأمين فعليٍّ للحدود والمعابر بين غزة والحدود المصرية، والتي تعتبر الضامن لأمن إسرائيل.

وتتعلق القضية الثانية بالعلاقات مع إيران؛ حيث إن شكل وطبيعة علاقة جماعة الإخوان المسلمين مع إيران ستؤثر على شكل وطبيعة علاقتها مع واشنطن، وتتطلب البراجماتية من الطرفين أن يستوعب كل طرف مصالحه في المنطقة، فبلا شك، لا تريد واشنطن أن تكون لإيران مساندة عربية، كما أنها لا تريد أن يكون لإيران قوى ونفوذ في الدول العربية، كما أن عزل إيران على المستوى الدولي يشكل إحدى أولويات واشنطن في المنطقة. وبالتالي، فإن اتجاه الجماعة للتقارب أو التحالف سياسيًّا مع إيران، سيكون عائقا لاستمرار حالة القبول الأمريكي لها.

وتنصرف القضية الثالثة إلى مدى قدرة جماعة الإخوان المسلمين على تطبيق وتنفيذ مبادئ الديمقراطية في دولها، فوصول جماعة الإخوان إلى الحكم -من ناحية- يفرض عليها استيعاب كافة شرائح المجتمع، وتقبل الرأي الآخر، وتوسيع قاعدة الحقوق والحريات، وإذا ما فشل الإخوان في تحقيق ذلك، سيكون من الصعب عليها الحفاظ على استمرار الدعم الشعبي لها، وبالتالي فإن الإخفاق في ذلك سيكون عائقًا كبيرًا أمام الولايات المتحدة؛ حيث أصبح تعزيز فرص الحكم الديمقراطي يشكل اليوم نقطة الالتقاء بين الجانب الأمريكي وجماعات الإسلام السياسي، فالسياسة الأمريكية كانت ولا تزال تبني ائتلافاتها وعلاقاتها وتحقق مصالحها من باب المزاوجة بين المصالح والقيم والقوة. ومن ناحية أخرى، لا تستطيع جماعة الإخوان أن تحيد عن مطالب الشعوب العربية في الكرامة والإنسانية، وحكم القانون، والحد من السلطات المطلقة للرئيس.

وتتعلق القضية الرابعة بعلاقة الإخوان المسلمين بجماعات الإسلام السياسي الأخرى، فرغم إطلاق واشنطن "الحرب العالمية على الإرهاب" بعد أحداث 11 سبتمبر، والتي تمخض عنها إسقاط حكم طالبان في أفغانستان، وإضعاف تنظيم القاعدة؛ إلا أن الإدارة الأمريكية لديها منظور متكامل حول كيفية التعامل مع الجماعات الإسلامية المتشددة.

وقد بدأ العديدُ من المحللين السياسيين بعد ثورات الربيع العربي ووصول الإخوان المسلمين للحكم، في طرح تساؤل في غاية الأهمية: هل يمكن أن تكون مصر وتونس دولتين حاضنتين للجماعات الإسلامية المتشددة؟، وقد أجاب راشد الغنوشي عن ذلك مدللا: "إن الثورة المصرية والتونسية السلمية فتحت طريقًا ثالثًا للتغيير في العالم، بعيدًا عن ال*** والانقلابات المسلحة، في وقت نؤكد فيه أن الجماعات الإسلامية المتشددة التي نشأت في القاهرة لن تعود، وأنها نشأت بسبب القمع الذي من الطبيعي أن يكفر الشخص بجلاده، بعدما تعرضوا لل***** والجلد في السجون، كما أن هذه الثورة لن تصنع فرعونًا جديدًا لمصر طالما استمر الشعب في ثورته السلمية، وكذلك في ظل عصر فضاء وإعلام مفتوح يرصد ويتابع خطوات وتحركات الرئيس".

ويمكن القول، إن العلاقة الأمريكية الجديدة مع جماعة الإخوان المسلمين يجب أن تعمل في ظل تطبيقات فعلية للحد من انتشار واتساع نفوذ الجماعات الإسلامية المتشددة، فإذا كانت جماعة الإخوان قد حققت انتصاراتٍ شعبيةً أوصلتها إلى مراحل متقدمة جدًّا في الحكم؛ فإنه أصبح مُلِحًّا أن تقنع واشنطن بأن الإسلام كفكر ومنهج حياة لا يتعارض في صميمه ومضمونه مع التجربة الديمقراطية التعددية، ويرفض ال*** والتشدد في الدين.

لكن معطيات الواقع تفرض احتمال أن يصطدم الإخوان المسلمين يوما بالولايات المتحدة بشأن حركة المقاومة الإسلامية حماس، فحركة حماس التي تتوافق فكريا مع جماعة الإخوان المسلمين، قد تكون بمثابة "الشوكة" في العلاقة بين الجانبين؛ حيث تطالب الولايات المتحدة حماس بالاعتراف بإسرائيل، ونزع سلاح المقاومة، وإثبات "حسن السير والسلوك" في إدارة العلاقات الدولية، ويبقى التساؤل مرتبطا بمدى قدرة جماعة الإخوان في مصر وتونس على مواجهة الولايات المتحدة، وتثبيت حق حركة حماس في المقاومة، واستخدام السلاح ضد الاحتلال الإسرائيلي، كما هو الحال مع حزب الله اللبناني، وغيره من الحركات والفصائل والتنظيمات التي تدعو إلى مقاومة إسرائيل علنًا وتتبنى العمليات العسكرية ضدها.

خاتمة:

إن أول ما يتبادر إلى الذهن عند تحليل القبول الأمريكي لجماعة الإخوان المسلمين وغيرها من جماعات الإسلام السياسي، أن هذه العلاقة يمكن أن تتحول إلى شراكة فعلية حقيقية مبنية على احترام وجهات النظر، وقواسم اقتصادية وعلمية وتكنولوجية مشتركة، تحقق التنمية الإنسانية العربية أولا، وتعزز من أمن واستقرار المنطقة ثانيًا.

ولا يعني هذا القبول الأمريكي تغيرا راديكاليا في توجهات واشنطن، وخصوصا فيما يتعلق بتعزيز الحريات والكرامة الإنسانية، والمطلوب من الحكومات العربية الجديدة أن تقوم بتعزيز حرية التعبير، وتطبيق العدالة والتسامح الديني والإثني، واحترام الملكية الخاصة، واحترام المرأة، وسيادة القانون، والتداول السلمي للسلطة، فهذا بدون شك سيدفع إلى بناء أرضية مشتركة بين الطرفين يتم فيها تجاوز كل الإشكاليات الأيديولوجية والفكرية بينهما.

ومن جهة أخرى؛ يجب أن تتحمل الحكومات العربية الجديدة مسئولياتها، وأن تبتعد عن الأزمات التي يمكن أن تخلق جوا من التصادم مع واشنطن، في بيئة لم تحقق حتى الآن الاستقرار المأمول والاقتصاد المريح لشعوبها. فالمهادنة والتروي والدبلوماسية الحكيمة يمكن أن تصب في صالح تلك الشعوب، وتحقق إنجازات كبيرة على المديين المتوسط والبعيد.

وأخيرًا ومن باب الواقعية السياسية، فإن الاستقلالية في القرار وفي عمل وإدارة حكومات دول الثورات قد يعطي زخما داخليا، ولكن على مستوى العلاقات الدولية فهناك تشابك كبير في المصالح العالمية، وإذا ما أرادت جماعات الإسلام السياسي أن تشارك في العمل الدولي وتكون شراكات حقيقية مع الولايات المتحدة وغيرها من القوى الدولية، فعليها أن تستوعب جيدا مصالحها ومصالح تلك القوى، وأن توجد قواسم مشتركة معها، وأن تعمل من أجل تقليل حدة الاختلافات الأيديولوجية، كما عليها أن تسعى لتحقيق علاقات سياسية ودبلوماسية دائمة، بحيث تطور ثوابت وركائز للعلاقات مع هذه القوى، لتضمن استمرار المخرجات الجيدة من تلك الشراكة للأجيال القادمة.

aymaan noor
07-05-2013, 11:49 AM
تنازلات مطلوبة:
أبعاد الدعوات الأمريكية بفرض شروط على المساعدات لمصر

http://rcssmideast.org/media/k2/items/cache/90c8a860751b252e58c26f97e05856c4_L.jpg
عمرو عبد العاطي
باحث مصري في الشئون الأمريكية، ومحرر مشارك بمجلة السياسة الدولية – مؤسسة الأهرام

يتصاعد الحديث من حين لآخر داخل أروقة الكونجرس الأمريكي (مجلس الشيوخ والنواب) حول وضع شروط على المساعدات الأمريكية (الاقتصادية والعسكرية) لمصر الثورة التي تقدر بنحو 1.5 مليار دولار أمريكي سنويًّا (1.3 مليار دولار مساعدات عسكرية و250 مليون دولار مساعدات اقتصادية). فقد قدم أربعة أعضاء جمهوريون بمجلس الشيوخ الأمريكي تعديلات على المساعدات الأمريكية لمصر في الميزانية الفيدرالية، وهم: السيناتور "ماركو روبيو"، والسيناتور "جون ماكين"، والسيناتور "راند بول"، وأخيرًا السيناتور "جيمس إنهوف" وتعديل خامس اقترحه رئيس اللجنة الفرعية للاعتمادات والعمليات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي السيناتور الديمقرايطي "باتريك ليهي".

وتعكس تلك الأصوات الأمريكية الداعية لمشروطية المساعدات الأمريكية لمصر حالة التخبط الأمريكي التي تنتاب كافة مؤسسات صنع القرار الأمريكي للتعامل مع نتائج ثورة الخامس والعشرين من يناير، والإطاحة بالحليف الأمريكي في القاهرة "حسني مبارك" ووصول جماعة الإخوان المسلمين التي تكن العداء لواشنطن وسياساتها إلى سدة الحكم. ويكشف تزايد تلك الأصوات عن عدم الرضا الأمريكي عن سياسات إدارة "باراك أوباما" تجاه التطورات التي تشهدها مصر عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير، حيث يرونها سياسة داعمة لجماعة الإخوان المسلمين (أحد روافد تيار الإسلام السياسي المتشدد) التي ترفض الاعتراف بإسرائيل وبدولتها بالمنطقة حسب وجهة النظر التي يتبناها كثير من الأمريكيين، وأنها تتبنى سياسات مناهضة لحقوق الأقباط والمرأة وحرية العقيدة.

تياران أمريكيان

قراءة مشاريع تعديل هيكل المساعدات الأمريكية المقدمة من أعضاء الكونجرس الأمريكي بمجلسيه عن تيارين مركزيين داخل الكونجرس الأمريكي ومؤسسات صنع القرار، أحدهما متشدد والآخر معتدل، وهما على النحو التالي:

التيار الأول المتشدد: يدعو لوقف المعونات العسكرية والاقتصادية الأمريكية لمصر، قائلين ليس للولايات المتحدة الأمريكية مصلحة في دعم نظام رافض للقيم والمبادئ التي أسست عليها الولايات المتحدة الأمريكية. ويعززون وجهة نظرهم بأن جماعة الإخوان المسلمين الحاكمة الآن في مصر تتبنى سياسات من شأنها إعاقة الأمن والمصلحة القومية الأمريكية.

ويُشير أنصار هذا التيار إلى إخفاق النظام المصري في حماية السفارة الأمريكية إبان أزمة الفيلم المسيء للرسول (صلى الله عليه وسلم) وما تبعها من احتجاجات ومظاهرات، ومحاولة وضع المتظاهرين راية سوداء مكان العلم الأمريكي. فضلا عن غياب توجه مصري واضح تجاه الحليف الأمريكي في المنطقة "إسرائيل"، حيث لم يأت الرئيس المصري "محمد مرسي" على ذكر كلمة "إسرائيل" في خطاباته حتى وقتنا هذا، وهو الأمر الذي يثير هواجس المسئولين الأمريكيين والإسرائيليين على حد سواء، رغم التأكيد الإخواني على استمرار الالتزام المصري بمعاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية المبرمة في عام 1979. ويدعم أنصار هذا التيار من وجهة نظرهم بتصريحات الرئيس المصري "المعادية للسامية" والتي أدلى بها في وقت سابق قبل توليه منصب الرئاسة، ومعارضته التدخل الفرنسي في مالي الذي أثار القلق الشديد لدى الإدارة الأمريكية.

التيار الثاني المعتدل: يرى أنصاره ضرورة ربط المعونات العسكرية والاقتصادية الأمريكية لمصر بجملة من الشروط الواجب على القاهرة اتباعها وتنفيذها قبل الحصول على المعونات. ويرفض أنصار هذا التيار أي خطوة لقطع المساعدات الأمريكية عن الحكومة المصرية، أو تخفيضها، لأنهم يرون أن هذا لن يخدم المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، وستأتي خطوة قطع المعونات بنتائج عكسية قد تضر بمصالحها، وستجعل سياسة الرئيس مرسي أكثر تشددًا داخليًّا وخارجيًّا. وأن ترك مصر لتصبح دولة فاشلة سيكون له أثر كارثي على مصالح الولايات المتحدة وأمن حلفائها في المنطقة.

ويربط أنصار هذا التيار بين استمرار تقديم واشنطن المعونات العسكرية والاقتصادية للنظام المصري بتحقيق الأخير ثلاثة شروط أسياسية، وهي:

أولا: استمرار الالتزام المصري بمعاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية لعام 1979، واتخاذ عديد من الخطوات التي من شأنها التأكيد على هذا الالتزام، وخاصة أمن سيناء.

ثانيًا: استمرار التعاون الأمني والاستخباراتي الأمريكي-المصري، لا سيما في استمرار الحرب الأمريكية على الإرهاب.

ثالثًا: اتخاذ النظام المصري خطوات تؤشر لانتقال مصر إلى دولة ديمقراطية دستورية تحترم حقوق الإنسان والأقليات، وتسمح لمنظمات المجتمع المدني بالعمل داخل الأراضي المصرية بدون تهديدات ومواجهات مع الأجهزة الأمنية.

تياران مصريان

لا يقتصر الانقسام حول المعونات الأمريكية لمصر على الأوساط السياسية والشعبية المصرية، بل هناك انقسام جلي داخل الأوساط الشعبية والرسمية المصرية حول المعونات الأمريكية، فهناك تياران رئيسيان أيضًا حول استمرارية تلك المعونات، يتمثلا في الآتي:

التيار الأول: تيار رافض لتلقي القاهرة أي مساعدات عسكرية أو اقتصادية من الولايات المتحدة الأمريكية، قائلا إن تلقي مصر معونات من الولايات المتحدة الأمريكية ينال من الكرامة المصرية واستقلالية القرار المصري، اللذين عادا مع ثورة الخامس والعشرين من يناير، وأنها تجعل القاهرة "تابعة" لواشنطن وتل أبيب كما كان الحال في ظل حكم الرئيس المصري السابق "حسني مبارك".

وقد تعالت أصوات هذا التيار عقب ثورة يناير لا سيما بعد أزمة القبض على مسئولي المنظمات الأمريكية العاملة في القاهرة في بداية عام 2012، والتهديد الأمريكي بوقف المساعدات الأمريكية بشقيها العسكري والاقتصادي لمصر، لتخرج أصوات تزعَّمها عالم الدين "محمد حسان" وعدد كبير من رجال الدين بإنشاء صناديق تبرع لتكون بديلا عن المعونات الأمريكية، ولكنها في حقيقة الأمر دعوات اختفى الحديث عنها بعد هدوء أزمة المنظمات الأمريكية العاملة في مصر.

التيار الثاني: تيار يرى أن تمارس الولايات المتحدة الأمريكية ضغوطًا على النظام المصري بالمعونات الاقتصادية، وربطها بشروط تحقيق الديمقراطية الدستورية وحقوق الإنسان، وفي الوقت ذاته يرفضون المساس بالمساعدات العسكرية لأهميتها لتعزيز مهنية وحرفية المؤسسة العسكرية.

ويرى أنصار هذا التيار أن استمرار المعونات الاقتصادية لنظام تحكمه جماعة الإخوان المسلمين، وخاصة في وقت يمر فيه الاقتصاد المصري بأزمة تهدد شرعية جماعة الإخوان المسلمين لإخفاقاتها في عكس آثار الثورة وحكمهم اقتصاديًّا على المواطن المصري، ما هي إلا وسيلة تهدف منها الولايات المتحدة الأمريكية إلى تدعيم حكم جماعة الإخوان المسلمين في ظل اتفاق أمريكي-إخواني يقوم على تدعيم الولايات المتحدة لحكم الإخوان في مصر، وفي المقابل تحافظ الجماعة على المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، والضغط على القوى التي كانت تطلق عليها واشنطن "قوى الممانعة" لتكون أكثر قربًا من الولايات المتحدة، ومحافظة على مصالحها في المنطقة.

ولا يجد أنصار هذا التيار غضاضة في وجود شروط أمريكية على المساعدات الأمريكية الاقتصادية على مصر رغم انخفاض نسبتها بالنسبة للناتج الإجمالي المصري، طالما أنها تهدف في التحليل الأخير إلى تحقيق المصلحة الوطنية في أن تتحول مصر إلى دولة قانون ذات مؤسسات ديمقراطية ودستورية تعزز من فرص التداول السلمي للسلطة، ودولة قوامها المواطنة والمساواة، وتحترم حقوق الإنسان.

حجج ست لرفض المعونات

يطرح أنصار التيار المتشدد الداعي لوقف المعونات العسكرية والاقتصادية الأمريكية لمصر ست حجج رئيسية تدعم من موقفهم الرافض لمعونات أمريكية لمصر تحت حكم جماعة الإخوان المسلمين، وتتلخص تلك الحجج في الآتي:

أولا: الأزمة الاقتصادية التي يمر بها الاقتصاد الأمريكي عقب الأزمة المالية العالمية في منتصف عام 2008، والتوجه الأمريكي إلى ترشيد الإنفاق الأمريكي، وتقليل المخصصات المالية للعمليات الخارجية.

ثانيًا: أن وقف المعونات الأمريكية سيعفي الولايات المتحدة الأمريكية من انتقادات داخلية من قبل دافعي الضرائب بتقديم مساعدات لدولة ترفض المساعدات الأمريكية، وتكن العداء لها، إلى جانب انتقادات من قوى المعارضة المصرية بأن واشنطن تسعى لتدعيم وتثبيت حكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر. وهناك رفض شعبي مصري عارم لتلقي القاهرة معونات اقتصادية وعسكرية من واشنطن، فقد أظهر استطلاع لمركز جالوب لاستطلاعات الرأي نشر في السادس من فبراير 2012، أن 71% من المصريين يعارضون المساعدات الاقتصادية الأمريكية لمصر، و74% منهم يرفضون توجيه الولايات المتحدة مساعدات مباشرة لمنظمات المجتمع المدني المصري.

ثالثًا: أن النظام المصري لا يشارك الولايات المتحدة الأمريكية في قيم الديمقراطية والحرية واحترام حقوق الانسان.

رابعًا: أن المساعدات العسكرية لا تنعكس على المواطن المصري الذي يكن كراهية للسياسات الأمريكية في المنطقة.

خامسًا: سيتيح وقف المعونات الأمريكية لمصر فرصة لتغييرات مطلوبة في العلاقات العسكرية المصرية-الأمريكية، بحيث تدفع الولايات المتحدة فقط مقابل الخدمات التي تحصل عليها من مصر، والمتعلقة بالسماح بالمرور من قناة السويس.

سادسًا: تمكين الولايات المتحدة من تقديم العون والمساعدة لدول أخرى تحتاج إلى مساعدة واشنطن، مثل تونس والمغرب وبعض الدول الإفريقية، والتي ستكون شاكرة للمساعدات التي تقدمها لهم واشنطن على عكس مصر التي لا تقدر -حسب عديد من المسئولين الأمريكيين- المساعدات الأمريكية لها.

مراوغة لتحقيق المصلحة الأمريكية

وخلاصة القول، إن التطورات التي تشهدها مصر عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير، واستمرار التناحر والصراع السياسي بين القوى السياسية، وغياب الإجماع الوطني حول إدارة المرحلة الانتقالية، وكذا غياب رؤية مصرية للتعامل مع إسرائيل يعزز من قوة التيار المنادي بوضع شروط على المعونات الأمريكية لمصر في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي يمر بها الاقتصادي المصري. ورغم أن تلك المساعدات لن تكون لها كلمة السر في حل تلك الأزمة الاقتصادية، ولكن لها قيمة رمزية تفوق قيمتها المادية. ويصاحب ذلك حديث عن تعليق المساعدات العسكرية الأمريكية أو تحول جزءٍ منها إلى مساعدات اقتصادية.

ويعزز من هذا الرأي أن الولايات المتحدة دولة مؤسسات، وأن صناعة القرار الأمريكي تتسم بالتعقيد والتشابك لتداخل العديد من المؤسسات والأجهزة والوكالات في صناعة القرار الأمريكي الخارجي، لا سيما الكونجرس الأمريكي المسئول عن الموافقة على المخصصات المالية للمعونات والعمليات الخارجية، والذي فقدت مصر كثيرًا من مؤيديها به، وجماعات الضغط التي لها حساباتها ومواقفها من الثورة المصرية، واحتمالات تأثيرها في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه مصر، فضلا عن دور اللوبي الإسرائيلي ذي التأثير المتعاظم على صانعي القرار الأمريكي، لا سيما (إيباك)، والساعي إلى ربط التحسن في العلاقات الأمريكية-المصرية بعدد من الإجراءات والسياسات المصرية التي تحقق الأمن والمصلحة الإسرائيلية بالمنطقة.

بيد أن تصاعد الدعاوى داخل الكونجرس الأمريكي عن تعليق المساعدات العسكرية أو تقليلها مع أي توتر في العلاقات المصرية-الأمريكية لن تكون محل تنفيذ لإيقان الطرفين المصري والأمريكي من أهمية المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر، وخاصة للأمن والمصلحة الأمريكية بمنطقة الشرق الأوسط، وهي أهمية دفعت مسئولين عسكريين إلى تحذير الكونجرس الأمريكي في جلسات استماع عدة من خطأ تخفيض المساعدات العسكرية لمصر، مؤكدين أنها ذات قيمة عالية جدًّا للولايات المتحدة، ولا تستطيع دولة أخرى أن تقوم بما تقوم به مصر من خدمة للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط.

إن الحديث عن وقف المعونات الأمريكية الاقتصادية أو العسكرية وربطها بجملة من الشروط الواجب على النظام المصري اتخاذها ما هي إلا خطوة هدفها تحقيق واشنطن أكبر قدر من التنازلات المصرية لخدمة المصالح الأمريكية. ويمكن الجزم بأن أي إدارة أمريكية لن تقدم على خطوة تعليق أو وقف المعونات الأمريكية لمصر لإيقان صانع القرار الأمريكي لمركزية وأهمية مصر في منطقة الشرق الأوسط ودورها في خدمة المصالح الأمريكية في المنطقة وعلى المسرح الدولي.