مشاهدة النسخة كاملة : لماذا أصيب المصريون بالاكتئاب؟


فكري ابراهيم
04-05-2013, 05:48 PM
لماذا أصيب المصريون بالاكتئاب؟

الاستشارة والطبيب وجهان لعملة واحدة. فكل المصريين حالياً تقريباً يحتاجون إلي استشارة واحدة تتعلق بحالتهم النفسية، وميلهم إلي الحزن والضيق والتوتر، بسبب الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى نمر بها وهو ما يطرح سؤالا مهما: هل أصبح المصريون فعلاً مرضي بالاكتئاب؟ ولطبيعة السؤال كان منطقياً أن يكون ضيفنا هو الطبيب النفسي الشهير د. أحمد عكاشة الذي يملك خبرة طبيب وإحساس كاتب وأديب فى قراءة واقع المصريين بخاصة فيما يتعلق بحالة الاكتئاب التى أصابت الكثيرين فما الحل في رأيه لكي يعود لنا الشعور بالسعادة؟.
- هل مازال هناك أمل فى أن يشعر المصريون بالسعادة فى الأجواء الحزينة التى تمر بها البلد؟
-أولا، دعونا نؤكد أن ما نمر به فى مصر الآن ليست أجواء حزينة، أو اكتئابا قوميا كما يدّعى البعض بقدر ما هى حالة من التخبط والمحاولة والخطأ، والصبر والتعلم، فالتجربة التى نمر بها جديدة علينا، وبالتالى فمن الطبيعى أن نبقى لفترة ليست بالقصيرة نتعلم وندفع ثمن أخطائنا حتى نصل إلى اليقين، ومع هذا فإن تلك الأجواء أثرت علينا جميعا وأصابتنا بالاكتئاب، ولكنها حالة مؤقتة ستنتهى بزوال السبب، وعلينا جميعا أن نبحث لأنفسنا عما يسبب لنا السعادة، ولو لفترة قصيرة حتى نستطيع أن نتجاوز تلك المرحلة.
- هل بالضرورة أن يأتى الشعور الجماعي بالسعادة. أم أنه شعور فردى يختلف من شخص لآخر؟
السعادة مثل أى شعور إنسانى هو إحساس فردى بالدرجة الأولى، بخاصة أنه ليس بالضرورة أن ما يسعدنى لابد أن يسعد غيرى، ولكن هذا الشعور يتضاعف من خلال الجماعة، وكلما زادت دائرة المشاركة زاد الشعور بالسعادة، بخاصة تلك السعادة الحقيقية التى يطلق عليها المصريون فرحة من القلب.
- هناك دراسة تؤكد أن الاكتئاب يؤثر على القلب. فهل هذا حقيقى؟
ليس الاكتئاب فقط، ولكن القلق والتوتر وضغوط الحياة لهم تأثير واضح على القلب والمخ، وفى اعتقادى أن الاكتئاب هو السبب الرئيسى لزيادة أمراض القلب والشرايين والمخ وليس العكس، فالإنسان الذى يعانى الاكتئاب، أكثر عرضة بمعدل خمس مرات لجلطات القلب من الشخص غير المصاب بالاكتئاب، وحتى إن كان لم يصل الى مرحلة المرض بعد، ولكنه على أعتاب الإصابة بالاكتئاب يصبح عرضة للجلطة مرتين أكثر من الشخص الذى ليست لديه أعراض اكتئابية، وذلك لأن هناك علاقة وثيقة بين مزاج الإنسان وكفاءة جهازه المناعى لأن جهاز المناعة يفرز نفس الموصلات العصبية التى يفرزها المخ، وكأن الله خلق مخين أحدهما فى الجمجمة والآخر فى جهاز المناعة، والاثنان يتعاملان معا بترابط وهرمونية شديدة.
- هل السعادة استعداد نفسى. بمعني: أن هناك أشخاصاً يميلون بطبعهم الى السعادة أو الاكتئاب؟
- بالتأكيد، فالسعادة أو الاكتئاب مثل أى شعور نفسى يختلف من شخص لآخر على حسب استعداده للتعامل مع هذا الشعور والاندماج فيه، بدليل أن هناك شخصين يتعرضان لنفس المؤثر فنجد أن أحدهما يكتئب والآخر لم يتأثر على الإطلاق، ولكن تلك الميول سواء كانت اكتئابية أو مبهجة فإنها تختلف من ثقافة لأخرى ومن شعب لآخر.
- بعد الأحداث التى مرت بها مصر منذ قيام الثورة. هل أصبح المصريون مرضى نفسيين؟
-لا طبعا. وربما كان العكس هو الصحيح فتلك الأحداث - فضلا عن الثورة نفسها - تجربة جعلتنا نكتشف أشياء كثيرة وجيدة فى أنفسنا، وكسرت حاجز الخوف والرهبة من الحاكم والسلطة، وبالتالى فالمفروض أننا نصبح أكثر سعادة وليس العكس، ولكن هذا لن يحدث إلا إذا أدركنا أن أى ثورة لابد أن تمر بمرحلة من التخبط والتوتر حتى تستقر الأمور، وأرى أن الذى ينكسر أمام الأحداث هو شخص ضعيف أو هش، والمصريون ليسوا كذلك، فحقيقى أننا مازلنا نعانى الخلل الأمنى والحيرة وعدم الاستقرار والفقر، حتى وصل الأمر بنا جميعا الى حالة من التوجس والقلق والريبة، ولكن هذا لايعنى أننا تحولنا إلى مرضى نفسيين، فالمصريون شعب قوى وصبور، وأعتقد أن تدينهم وحضارتهم العريقة تجعلهم قادرين على تحمل الصدمات حتى نتجاوز تلك المحنة.
- بعض الدراسات تقول: "إن المصريين شعب لايميل للعمل بجدية". فما تعليقك؟
حتى لو كان هذا صحيحا، فإننا لايمكن أن نطبقه كقاعدة، والتعميم هنا به قدر كبير من التجاوز فالمصريون مثل جميع البشر حيث إن هناك شخصيات من سماتها أنها نشطة فى عملها تحب المنافسة والتفوق حتى على ذاتها، وتعمل بحرص وجدية، وهؤلاء هم من يكونون قيادات وزعماء، وهناك شخصيات مسترخية لاتتعجل أى شىء وليس لديها طموح فى العمل، وهذا النمط عادة لايحقق أى نجاح يذكر فى حياته، ونحن فى مصر لدينا من النموذجين، وإن كانت النسبة الأكبر للنموذج الثانى فهذا لايعنى أننا شعب لايحب العمل ولايميل للجدية فى حياته، فضلا عن ان الأجواء العامة لها دور كبير فى مدى الحرص على النجاح، بدليل أن المصريين عندما يعملون خارج مصر يحققون نجاحا كبيرا، وهذا يدل على أن الإدارة لها دور كبير فى استغلال أقصى طاقة إيجابية داخلنا. وبشكل عام، فإن الإنسان الذى يعمل بكفاءة ويشعر أنه منتم لشىء أكثر شعورا بالسعادة وجودة الحياة، من الشخص الذى لديه لامبالاة بكل شىء حوله ولا يشعر بالانتماء لشىء ما.
- وهل هناك خطوات معينة يجب الحفاظ عليها حتى نتمتع بجودة الحياة؟
-لايوجد إنسان يمكن أن يعيش جودة الحياة بنسبة 100%، وكلما كانت توقعات الإنسان معقولة ومناسبة لطاقته وإمكانياته ويتمركز حول الآخر وليس حول نفسه تمتع بحياة أفضل ونسيج اجتماعى صحى، وجودة الحياة ليست مرتبطة بالفقر والغنى بقدر ما هى مرتبطة بشعور الإنسان بالرضا. والرضا هنا ليس رضا الشخص فقط، وإنما إرضاء من حوله أيضا، فالقدرة على العطاء للآخر تعطى نوعا من الرضاء الذاتى أكثر من أن تأخذ منه، ومجرد قبول الآخر العطاء فهذا يستحق الشكر، لأنه يسعد الشخص الذي يعطي، فمساعدة شخص مريض أو فقير تعطى جودة حياة وتضع الشخص فى مزاج أفضل.
- كثرة مشاهد ال*** فى الشارع. هل يمكن أن تؤثر على الأطفال مستقبلاً بحيث تجعلهم أكثر ***ا؟
ليس بالضرورة. وإن كان هناك احتمال، إلا أننا نستطيع أن نجنبهم ذلك بألا نركز على مشاهدة تلك الأحداث العنيفة أو التحدث عنها أمامهم، وعلينا أيضا أن نركز أمامهم على أننا سنعيش مستقبلا أفضل، به المزيد من الحرية والاحترام لإنسانيتهم وكرامتهم.
ما العوامل التى قد تساعد المصريين على تجاوز الشعور بالاكتئاب؟
العمل أولاً وأخيراً. ثم الاندماج فى حياة اجتماعية سليمة، فالعمل بجدية من أهم الأشياء التى تجعلنا نتجاوز الشعور بالاكتئاب بل ونشعر بالسعادة، أما الاندماج فى حياة اجتماعية سليمة فهو يجعلنا لانتمركز حول أنفسنا، فالاندماج مع الآخر من شأنه ألا نرى أى مشكلة نتعرض لها بحجم أكبر من حجمها الحقيقى، وفيما يتعلق بما تمر به البلاد لابد أن نتجاوز الماضى ونحافظ على ما تعلمناه من ثورة25 يناير من التعبير عن الرأى بسلمية والحفاظ على حريتنا.
المصدر: مجلة الشباب
http://digital.ahram.org.eg/Motnw3a.aspx?******=1263083&archid=20