مشاهدة النسخة كاملة : الدعاية الانتخابية بين منابر الوسائط ومنابر المساجد


simsim elmasry
16-05-2013, 01:02 PM
أ.د. صلاح عز يكتب: الدعاية الانتخابية بين منابر الوسائط ومنابر المساجد

http://fj-p.com/uploads/9xXwptRKtDPF.jpg أ.د. صلاح عز الأستاذ بهندسة القاهرة




عندما قامت اللجنة التشريعية بمجلس الشورى بإلغاء فقرة حظر الدعاية الدينية فى قانون الانتخابات، قامت قيامة العلمانيين، ونصبت وسائطهم الإعلامية سيرك الولولة واللطم كعادتهم فى كل قضية يحولونها إلى جنازة. ووصل الأمر إلى التهديد بأن استخدام شعار "الإسلام هو الحل" سيؤدى إلى حرب أهلية، تماما كما كانوا يهددون بأن الاستفتاء على الدستور سيؤدى إلى حرب أهلية.
هؤلاء الذين يصرخون اليوم احتجاجا على "إقحام الدين فى الدعاية الانتخابية" هم أنفسهم الذين ارتكبوا، وما زالوا، خطيئة إقحام القضاء فى المنافسة السياسية، ويلجئون إلى قضاة عهد مبارك لإجهاض كل خطوة تحاول مصر أن تخطوها إلى الأمام. يقولون إن "استخدام المنابر والمساجد فى الدعاية يخل بشكل صارخ بتكافؤ الفرص بين المرشحين"، ثم يجعلون وسائط الإعلام مخصصة ومحتكرة لصالح الأجندة العلمانية، وكأن هذا لا يخل بتكافؤ الفرص. باستثناء قلة من الصحف والفضائيات التابعة للتيار السلفى، التى لا تزال تحبو إعلاميا، ولم تتمكن بعد من فنون الممارسة الإعلامية المؤثرة، فإنه لا توجد صحيفة أو فضائية خاصة أو قومية، إلا وكان الحضور العلمانى فيها طاغيا. هذا هو الوضع الذى أراد نظام مبارك أن يرسخه، ولا يزال أحد أخطر المخلفات التى تركها لنا الرئيس المخلوع. لقد انتصرت الثورة على المنظومة البوليسية فى يناير 2011، وما زلنا نعانى من المنظومتين القضائية والإعلامية، وهما القوتان الضاربتان الآن للثورة المضادة.
كان رأيى دائما هو أن تسييس المساجد خطأ، خاصة إذا استخدمت منابرها للدعاية لأشخاص بأعينهم. لكن أيضا تسييس القضاء جريمة، وتسييس الصحف والفضائيات خطيئة. ولا يجوز لمن يقبل بتسييس القضاء، أو السكوت عن إساءة استخدامه باللجوء إلى قضاة فاسدين معادين للثورة.. لا يجوز لهؤلاء أن يحتجوا على تسييس المساجد. ولا يجوز لهؤلاء الذين يقبلون بتوظيف المنابر الإعلامية ضد تيار معين، أن يعترضوا عندما يلجأ التيار المضطهد إلى منابر المساجد لكى يمارس من خلالها الدعاية المحظورة عليه فى وسائط الإعلام. سيزعمون أن الصحف والفضائيات مفتوحة لجميع الأحزاب. ولكنها مفتوحة تحت سيطرتهم وبشروطهم، وطبقا لاختياراتهم ومعاييرهم وأجندتهم التى يفرضونها: ما المسموح بالخوض فيه، وما هو غير مسموح، وإلا أنهيت المكالمة أو البرنامج. عندما تتوقف الصحيفة والفضائية عن العمل لصالح مصر وأجندتها الوطنية، وتعمل من أجل التحريض على الشغب وال*** والغوغائية، وتمارس العهر لإرضاء أقلية سياسية ذات أجندة عنصرية، فإن القائمين على أمر هذا الوسيط الإعلامى قادرون على إبراز التيار المضطهد فى أسوأ صورة ممكنة، إما من خلال ضيوف مبتدئين إعلاميا، متوترين من الكاميرا، فى مواجهة "نجوم" من التيار الآخر، أو من خلال عرض تقارير أو إقحام مداخلات ومقاطعات تظهر الصورة مشوهة. باختصار، هناك وسائل شيطانية كثيرة للتحكم فى كيفية ظهور الإسلاميين فى وسائط الإعلام، تحول ظهورهم فى هذه الوسائط إلى دعاية ضدهم، بدلا من أن تكون دعاية لهم. ومن ثم فإن من يدفع الإسلاميين إلى الدعاية فى المساجد هم العلمانيون وعنصريتهم، التى تحظر حرية التعبير لهم، أو تضيق عليها، فلا يتمكنون من الدفاع عن أنفسهم والتعبير عن أفكارهم.
ليس أدل على حجم الفساد الذى خلفه مبارك فى قطاع الصحافة، من تحويل نقابة الصحفيين إلى وكر تابع لجماعة "الإخوان الناصريين". هذا الوكر يرأسه "نقيب"، سمعناه يكذب وهو يقول إن لديه وثائق تثبت تزوير انتخابات الرئاسة. هذا الوكر وكيله معروف بألفاظه الممعنة فى البذاءة والسوقية من خلال مقالاته فى صحيفة (التحرير). للأسف لم تكن الجماعة الصحفية والإعلامية مؤهلة أبدا لأن تحكم نفسها وتدير شئون صحفها وفضائياتها. إنها الجماعة نفسها التى انتخبت إبراهيم نافع نقيبا للصحفيين والصحفيين العرب دورات عديدة رغم كل ما كان معروفا عنه وعن ملايينه، وكيف اكتنزها. هى الجماعة التى مارست العنصرية السياسية ضد أكبر فصيل سياسى فى مصر، وخصصت صحفها لخدمة الأجندة العلمانية. وهى التى خصصت مساحاتها وساعات بثها للمنقلبين على الاستفتاء والبرلمان، ولكل من أساء الأدب فى حديثه عن الشعب والدستور والأغلبية الإسلامية، ونشر عنهم الشائعات الكاذبة والافتراءات. وهى التى لم نرها تبذل أى محاولة لتطهير صفوفها من أبواق مبارك وعملاء أمن الدولة الذين أجرموا فى حق مصر من خلال فرعنة الحاكم وحاشيته وتزيين الظلم لهم وتبرير فسادهم. إن الصحافة والإعلام من أخطر المهن التى يمكن أن تمارس فى أى بلد لأنها تستهدف العقل الجمعى للمجتمع وتوجهات الرأى العام، ولديها القدرة على قلب الحقائق وتوجيه أحكام القضاء من خلال غسل العقول بالترهات والأراجيف، أو التشويش عليها ودفعها للتحيز ضد طرف معين.
إن وسائط الإعلام هى المسئول الأول عن أكبر جريمتين ارتكبتا ضد الثورة: الانقلاب على نتائج صناديق الانتخاب، وحل برلمان الثورة. لقد فتحت المنابر الإعلامية أبوابها على مصاريعها لتزيين خيانة الديمقراطية بالتمرد على نتائج الاستفتاءات والانتخابات، وتصويرها على أنها مجرد "تعبير عن الرأى"، تماما كما حولوا خيانة القضية الفلسطينية إلى "وجهة نظر". كما خصصت مساحاتها وساعات بثها للحط من شأن برلمان الثورة، وتكرار الدعوة إلى حله وتزيينها للقارئ والمشاهد.. ولقضاة محكمة مبارك الدستورية. وحتى إذا فرضنا جدلا أن هؤلاء القضاة لم يكن هواهم مع مبارك ضد الثورة، فإنهم فى النهاية بشر يتأثرون بما يتأثر به الإنسان العادى. ولذلك لا يوجد فرق بين التظاهر أمام قاعات المحاكم، وبين التظاهر على الصفحات والشاشات لشيطنة تيار معين. كلاهما يستهدف التأثير على موضوعية وتجرد وحيادية القاضى، مما يضمن استحالة صدور أحكام منزهة عن الهوى.
إن السموم التى تبثها وسائط الإعلام فى أجواء السياسة صباحا ومساء تجعلها خلايا سرطانية تنهش فى جسد مصر. وعلى الرغم من الانحطاط المهنى والأخلاقى المؤكد للقائمين على أمر هذه الوسائط، نجد ضياء رشوان يطالب بإلغاء المواد السالبة لحرية مجرمى الصحافة، قبل أن يتساءل بمنتهى البجاحة "وهل الصحفيون أعداء الثورة؟"، وهو ما أجيب عنه بسؤال آخر: وهل الكذابون الأفاكون صانعو الفتن ومروجو الشائعات والمحرضون على ال*** والحرق البلطجة.. هل كل هؤلاء أعداء أم أنصار للثورة؟
لا مفر أمام الإسلاميين من مقاطعة كاملة لمنابر الإعلام الخاصة، والتركيز على منابر الإعلام القومية، وعلى الدعاية بالمساجد.. ليس لأشخاص، وإنما لأفكار تقوم على التباين الواضح بين التيارين الإسلامى والعلمانى فى مصر.. دعاية تستهدف تطهير عقول الناس من الأكاذيب التى غسل بها الإعلام المسموم عقولهم. هناك أفكار كثيرة، يمكن بتكرار تنبيه الناس لها، تحييد بعض آثار الإعلام المسرطن للعقول فى مصر.
http://fj-p.com/article.php?id=54274