abomokhtar
09-06-2013, 01:33 PM
أخرج السلفي في الطيوريات بسنده عن ابن المبارك (http://islamstory.com/ar/%D8%B9%D8%A8%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%A8 %D9%86_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A8%D8%A7%D8%B1%D9%83) قال:" لما أفضت الخلافة إلى الرشيد وقعت في نفسه جارية من جواري المهدي (أبيه) فراودها عن نفسها فقالت "لا أصلح لك فإن أباك قد طاف بي" فشغف بها فأرسل إلى أبي يوسف القاضي (تلميذ أبي حنيفة) فسأله: أعندك في هذا شيء؟ فقال: يا أمير المؤمنين أو كلما ادّعت أمة شيئًا ينبغي أن تصدق لا تصدقها فإنها ليست بمأمونة.
قال ابن المبارك: "فلم أدر من أعجب من هذا الذي وضع يده في دماء المسلمين وأموالهم يتخرج عن حرقة أبيه أو من هذه الأمة التي رغبت بنفسها عن أمير المؤمنين أو من هذا فقيه الأمة وقاضيها قال اهتك حرمة أبيك واقض شهوتك وصيره في رقبتي".
وأخرج السلفي في الطيوريات بسنده عن إسحاق بن راهويه قال: "دعا الرشيد أبا يوسف ليلا فأفتاه في شأن جارية، فأمر له بمائة ألف درهم، فقال أبو يوسف إن رأى أمير المؤمنين أمر بتعجيلها قبل الصبح فقال عجلوها، فقال بعض من عنده: إن الخازن في بيته والأبواب مغلقة، فقال أبو يوسف: قد كانت الأبواب مغلقة حين دعاني ففتحت".
كل هذه الأخبار كاذبة لا أصل لها, وكتاب الطيوريات للسلفي من الكتب المحشوة بالأكاذيب والأباطيل عن بني العباس وخلافتهم لحاجة في نفس مؤلفه الذي نشأ في ظل الدولة العبيدية الباطنية، بمصر، وأخبار هارون الرشيد (http://islamstory.com/ar/%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%87%D8%A7%D8%B1%D9%88%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%B4%D9%8A%D8%AF)كثيرة وشهيرة، ويكفيه ثناء أهل العلم عليه وتمني رجل مثل الفضيل بن عياض أن يمد الله في عمر الرشيد للخير الذي يرجوه من حياته.
أما القاضي أبو يوسف (http://islamstory.com/ar/%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%B6%D9%8A_%D8%A3%D8%A8% D9%88_%D8%B9%D9%85%D8%B1_%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_ %D8%A8%D9%86_%D9%8A%D9%88%D8%B3%D9%81_%D8%A8%D9%86 _%D9%8A%D8%B9%D9%82%D9%88%D8%A8) فقيه الأمة ومفتيها فأجلّ وأعلى شأنًا من أن يكون كعلماء السوء في زماننا هذا الذين هم مرتزقة الحكام والسلاطين كما يشبهه السلفي في طيورياته الواهية.
ويكفي لإبطال هذه الروايات الكاذبة موقف أبي يوسف من كتاب العهد والأمان الذي كان بين هارون الرشيد وإدريس الطالبي، والذي حاول فيه الرشيد أن يجد سببًا لنقضه عندما تخوف من إدريس، ولكن أبا يوسف رفض أن يعطي المبرر الشرعي للنقض لعدم وجوده، مما حدا بالرشيد أن يعزله من منصبه ويعين رجلًا آخر في منصب القضاء مما يوضح حال هذا الرجل الذي ضحى بمنصبه ولم يضح بدينه وفقهه في تبرير الأمور الخاطئة.
من هو هارون الرشيد.. أمير المؤمنين؟
هو هارون الرشيد أمير المؤمنين، ابن المهدي محمد بن المنصور أبي جعفر عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي، أبو محمد، ويقال: أبو جعفر. وأمه الخيزران أم ولد.
وكان مولده في شوال سنة ست، وقيل: سبع، وقيل: ثمان وأربعين ومائة. وقيل: إنه ولد سنة خمسين ومائة، وبويع له بالخلافة بعد موت أخيه موسى الهادي (http://islamstory.com/ar/%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%87%D8%AF%D9%8A-%D9%88%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%87%D8%A7%D8%AF%D9%8A) في ربيع الأول سنة سبعين ومائة، بعهد من أبيه المهدي.
روى الحديث عن أبيه وجده، وحدث عن المبارك بن فضالة، عن الحسن، عن أنس بن مالك (http://islamstory.com/ar/%D8%A3%D9%86%D8%B3_%D8%A8%D9%86_%D9%85%D8%A7%D9%84 %D9%83) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اتقوا النار، ولو بشق تمرة أورده وهو على المنبر، وهو يخطب الناس. وقد حدث عنه ابنه، وسليمان الهاشمي، والد إسحاق، ونباتة بن عمرو.
وقد غزا الصائفة في حياة أبيه مرارا، وعقد الهدنة بين المسلمين والروم بعد محاصرته القسطنطينية (http://islamstory.com/%D9%82%D8%B5%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D8%A7% D9%81%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AB%D9%85%D8%A7%D 9%86%D9%8A%D8%A9) وقد لقي المسلمون من ذلك جهدا جهيدا، وخوفا شديدا، وكان الصلح مع امرأة أليون، وهي الملقبة بأغسطة على حمل كثير تبذله للمسلمين في كل عام، ففرح المسلمون في المشارق والمغارب.
فهذا هو الذي حدا أباه على أن بايع له بولاية العهد بعد أخيه موسى الهادي وذلك في سنة ست وستين ومائة. ثم لما أفضت الخلافة إليه بعد أخيه في سنة سبعين ومائة، كان من أحسن الناس سيرة، وأكثرهم غزوا وحجًّا بنفسه.
وكان يتصدق من صلب ماله في كل يوم بألف درهم، وإذا حج أحج معه مائة من الفقهاء وأبنائهم، وإذا لم يحج أحج ثلاثمائة بالنفقة السابغة، والكسوة التامة، وكان يحب التشبه بجده أبي جعفر المنصور (http://islamstory.com/ar/%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D8%A3%D8%A8%D9%8A-%D8%AC%D8%B9%D9%81%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%B5%D9%88%D8%B1) إلا في العطاء، فإنه كان سريع العطاء جزيله.
وكان يحب الفقهاء، والشعراء، ويعطيهم كثيرا، ولا يضيع لديه بر ولا معروف، وكان نقش خاتمه: لا إله إلا الله. وكان يصلي في كل يوم مائة ركعة تطوعا، إلى أن فارق الدنيا، إلا أن تعرض له علة.
وقد استدعى إليه أبا معاوية الضرير محمد بن خازم ليسمع منه الحديث، قال أبو معاوية: ما ذكرت عنده في حديث رسول الله إلا قال: صلى الله وسلم على سيدي. وإذا سمع حديثا فيه موعظة يبكي حتى يبل الثرى. وأكلت عنده يوما ثم قمت لأغسل يدي فصب الماء علي، وأنا لا أراه، ثم قال: يا أبا معاوية، أتدري من يصب عليك؟ قلت: لا. قال: أنا. فدعا له أبو معاوية الضرير، فقال: إنما أردت تعظيم العلم.
وقال له ابن السماك أو غيره: يا أمير المؤمنين، إن الله لم يجعل أحدا من هؤلاء فوقك، فاجتهد ألا يكون فيهم أحد أطوع إلى الله منك. فقال: لئن كنت أقصرتَ في الكلام لقد أبلغت في الموعظة.
ودخل عليه ابن السماك يوما فاستسقى الرشيد فأُتي بقلة فيها ماء مبرد، فقال لابن السماك: عظني. فقال: يا أمير المؤمنين، بكم كنت مشتريا هذه الشربة لو مُنعتَها؟ فقال: بنصف ملكي. فقال: اشرب هنيئا. فلما شرب قال: أرأيت لو منعت خروجها من بدنك، بكم كنت تشتري ذلك؟ قال: بملكي كله. فقال: إن ملكا قيمته شربة ماء لخليق أن لا يتنافس فيه؛ فبكى هارون.
وقال له ابن السماك يوما: يا أمير المؤمنين، إنك تموت وحدك، وتقبر وحدك، فاحذر المقام بين يدي الجبار، والوقوف بين الجنة والنار، حين يؤخذ بالكظم، وتزل القدم، ويقع الندم، فلا توبة تنال، ولا عثرة تقال، ولا يقبل فداء بمال. فجعل الرشيد يبكي حتى علا صوته، فقال يحيى بن خالد له: يا ابن السماك لقد شققت على أمير المؤمنين الليلة. فقام فخرج من عنده، وهو يبكي.
وقال له الفضيل بن عياض في جملة موعظته تلك الليلة بمكة: يا صبيح الوجه، إنك مسئول عن هؤلاء كلهم، وقد قال الله تعالي: {وتقطعت بهم الأسباب} [البقرة: 166]
وقال الأصمعي: كنت مع الرشيد في الحج، فمررنا بواد، فإذا على شفيره امرأة بين يديها قصعة، وهي تسأل فيها، فذهبت إلى الرشيد فأخبرته بأمرها، فجاء بنفسه حتى وقف عليها، فسمعها فرحمها وبكى، وأمر مسرورا الخادم أن يملأ قصعتها ذهبا، فملأها حتى جعلت تفيض يمينا، وشمالا.
مات بطوس يوم السبت لثلاث خلون من جمادى الآخرة سنة ثلاث وتسعين ومائة، ومدة ولايته للخلافة ثلاث وعشرون سنة، وصلى عليه ابنه صالح، ودفن بقرية من قرى طوس يقال لها سناباذ رحمه الله، وسامحه، وأدخله الجنة.
هذا هو هارون الرشيد الجواد الكريم المؤمن البار الذي لم تغفل عينه عن ربه ولا عن رعيته، أما ما يقوله عليه الزنادقة فهو حسد من عند أنفسهم.
قال ابن المبارك: "فلم أدر من أعجب من هذا الذي وضع يده في دماء المسلمين وأموالهم يتخرج عن حرقة أبيه أو من هذه الأمة التي رغبت بنفسها عن أمير المؤمنين أو من هذا فقيه الأمة وقاضيها قال اهتك حرمة أبيك واقض شهوتك وصيره في رقبتي".
وأخرج السلفي في الطيوريات بسنده عن إسحاق بن راهويه قال: "دعا الرشيد أبا يوسف ليلا فأفتاه في شأن جارية، فأمر له بمائة ألف درهم، فقال أبو يوسف إن رأى أمير المؤمنين أمر بتعجيلها قبل الصبح فقال عجلوها، فقال بعض من عنده: إن الخازن في بيته والأبواب مغلقة، فقال أبو يوسف: قد كانت الأبواب مغلقة حين دعاني ففتحت".
كل هذه الأخبار كاذبة لا أصل لها, وكتاب الطيوريات للسلفي من الكتب المحشوة بالأكاذيب والأباطيل عن بني العباس وخلافتهم لحاجة في نفس مؤلفه الذي نشأ في ظل الدولة العبيدية الباطنية، بمصر، وأخبار هارون الرشيد (http://islamstory.com/ar/%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%87%D8%A7%D8%B1%D9%88%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%B4%D9%8A%D8%AF)كثيرة وشهيرة، ويكفيه ثناء أهل العلم عليه وتمني رجل مثل الفضيل بن عياض أن يمد الله في عمر الرشيد للخير الذي يرجوه من حياته.
أما القاضي أبو يوسف (http://islamstory.com/ar/%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%B6%D9%8A_%D8%A3%D8%A8% D9%88_%D8%B9%D9%85%D8%B1_%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_ %D8%A8%D9%86_%D9%8A%D9%88%D8%B3%D9%81_%D8%A8%D9%86 _%D9%8A%D8%B9%D9%82%D9%88%D8%A8) فقيه الأمة ومفتيها فأجلّ وأعلى شأنًا من أن يكون كعلماء السوء في زماننا هذا الذين هم مرتزقة الحكام والسلاطين كما يشبهه السلفي في طيورياته الواهية.
ويكفي لإبطال هذه الروايات الكاذبة موقف أبي يوسف من كتاب العهد والأمان الذي كان بين هارون الرشيد وإدريس الطالبي، والذي حاول فيه الرشيد أن يجد سببًا لنقضه عندما تخوف من إدريس، ولكن أبا يوسف رفض أن يعطي المبرر الشرعي للنقض لعدم وجوده، مما حدا بالرشيد أن يعزله من منصبه ويعين رجلًا آخر في منصب القضاء مما يوضح حال هذا الرجل الذي ضحى بمنصبه ولم يضح بدينه وفقهه في تبرير الأمور الخاطئة.
من هو هارون الرشيد.. أمير المؤمنين؟
هو هارون الرشيد أمير المؤمنين، ابن المهدي محمد بن المنصور أبي جعفر عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي، أبو محمد، ويقال: أبو جعفر. وأمه الخيزران أم ولد.
وكان مولده في شوال سنة ست، وقيل: سبع، وقيل: ثمان وأربعين ومائة. وقيل: إنه ولد سنة خمسين ومائة، وبويع له بالخلافة بعد موت أخيه موسى الهادي (http://islamstory.com/ar/%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%87%D8%AF%D9%8A-%D9%88%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%87%D8%A7%D8%AF%D9%8A) في ربيع الأول سنة سبعين ومائة، بعهد من أبيه المهدي.
روى الحديث عن أبيه وجده، وحدث عن المبارك بن فضالة، عن الحسن، عن أنس بن مالك (http://islamstory.com/ar/%D8%A3%D9%86%D8%B3_%D8%A8%D9%86_%D9%85%D8%A7%D9%84 %D9%83) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اتقوا النار، ولو بشق تمرة أورده وهو على المنبر، وهو يخطب الناس. وقد حدث عنه ابنه، وسليمان الهاشمي، والد إسحاق، ونباتة بن عمرو.
وقد غزا الصائفة في حياة أبيه مرارا، وعقد الهدنة بين المسلمين والروم بعد محاصرته القسطنطينية (http://islamstory.com/%D9%82%D8%B5%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D8%A7% D9%81%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AB%D9%85%D8%A7%D 9%86%D9%8A%D8%A9) وقد لقي المسلمون من ذلك جهدا جهيدا، وخوفا شديدا، وكان الصلح مع امرأة أليون، وهي الملقبة بأغسطة على حمل كثير تبذله للمسلمين في كل عام، ففرح المسلمون في المشارق والمغارب.
فهذا هو الذي حدا أباه على أن بايع له بولاية العهد بعد أخيه موسى الهادي وذلك في سنة ست وستين ومائة. ثم لما أفضت الخلافة إليه بعد أخيه في سنة سبعين ومائة، كان من أحسن الناس سيرة، وأكثرهم غزوا وحجًّا بنفسه.
وكان يتصدق من صلب ماله في كل يوم بألف درهم، وإذا حج أحج معه مائة من الفقهاء وأبنائهم، وإذا لم يحج أحج ثلاثمائة بالنفقة السابغة، والكسوة التامة، وكان يحب التشبه بجده أبي جعفر المنصور (http://islamstory.com/ar/%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D8%A3%D8%A8%D9%8A-%D8%AC%D8%B9%D9%81%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%B5%D9%88%D8%B1) إلا في العطاء، فإنه كان سريع العطاء جزيله.
وكان يحب الفقهاء، والشعراء، ويعطيهم كثيرا، ولا يضيع لديه بر ولا معروف، وكان نقش خاتمه: لا إله إلا الله. وكان يصلي في كل يوم مائة ركعة تطوعا، إلى أن فارق الدنيا، إلا أن تعرض له علة.
وقد استدعى إليه أبا معاوية الضرير محمد بن خازم ليسمع منه الحديث، قال أبو معاوية: ما ذكرت عنده في حديث رسول الله إلا قال: صلى الله وسلم على سيدي. وإذا سمع حديثا فيه موعظة يبكي حتى يبل الثرى. وأكلت عنده يوما ثم قمت لأغسل يدي فصب الماء علي، وأنا لا أراه، ثم قال: يا أبا معاوية، أتدري من يصب عليك؟ قلت: لا. قال: أنا. فدعا له أبو معاوية الضرير، فقال: إنما أردت تعظيم العلم.
وقال له ابن السماك أو غيره: يا أمير المؤمنين، إن الله لم يجعل أحدا من هؤلاء فوقك، فاجتهد ألا يكون فيهم أحد أطوع إلى الله منك. فقال: لئن كنت أقصرتَ في الكلام لقد أبلغت في الموعظة.
ودخل عليه ابن السماك يوما فاستسقى الرشيد فأُتي بقلة فيها ماء مبرد، فقال لابن السماك: عظني. فقال: يا أمير المؤمنين، بكم كنت مشتريا هذه الشربة لو مُنعتَها؟ فقال: بنصف ملكي. فقال: اشرب هنيئا. فلما شرب قال: أرأيت لو منعت خروجها من بدنك، بكم كنت تشتري ذلك؟ قال: بملكي كله. فقال: إن ملكا قيمته شربة ماء لخليق أن لا يتنافس فيه؛ فبكى هارون.
وقال له ابن السماك يوما: يا أمير المؤمنين، إنك تموت وحدك، وتقبر وحدك، فاحذر المقام بين يدي الجبار، والوقوف بين الجنة والنار، حين يؤخذ بالكظم، وتزل القدم، ويقع الندم، فلا توبة تنال، ولا عثرة تقال، ولا يقبل فداء بمال. فجعل الرشيد يبكي حتى علا صوته، فقال يحيى بن خالد له: يا ابن السماك لقد شققت على أمير المؤمنين الليلة. فقام فخرج من عنده، وهو يبكي.
وقال له الفضيل بن عياض في جملة موعظته تلك الليلة بمكة: يا صبيح الوجه، إنك مسئول عن هؤلاء كلهم، وقد قال الله تعالي: {وتقطعت بهم الأسباب} [البقرة: 166]
وقال الأصمعي: كنت مع الرشيد في الحج، فمررنا بواد، فإذا على شفيره امرأة بين يديها قصعة، وهي تسأل فيها، فذهبت إلى الرشيد فأخبرته بأمرها، فجاء بنفسه حتى وقف عليها، فسمعها فرحمها وبكى، وأمر مسرورا الخادم أن يملأ قصعتها ذهبا، فملأها حتى جعلت تفيض يمينا، وشمالا.
مات بطوس يوم السبت لثلاث خلون من جمادى الآخرة سنة ثلاث وتسعين ومائة، ومدة ولايته للخلافة ثلاث وعشرون سنة، وصلى عليه ابنه صالح، ودفن بقرية من قرى طوس يقال لها سناباذ رحمه الله، وسامحه، وأدخله الجنة.
هذا هو هارون الرشيد الجواد الكريم المؤمن البار الذي لم تغفل عينه عن ربه ولا عن رعيته، أما ما يقوله عليه الزنادقة فهو حسد من عند أنفسهم.